راشد فقد رشده وترك الزراعة ولم يعد يمارسها في العراق، رغم خصوبة
التربة وملائمة المناخ، ورغم وفرت المياه العذبة وغزارتها، وقرر
مغادرة حقوله وبساتينه لتصبح فريسة لعوامل الجدب والإهمال والتصحر،
وأحال نفسه على التقاعد من مهنة الفلاحة، ونزح مع أسرته الفقيرة إلى
المدن القريبة لكي يبني له منزلا صغيرا حيثما يشاء مستغلا تفشي ظاهرة
الحواسم.
وقد اضطر لهذه الهجرة بعد أن واجه سلسلة من التحديات تمثلت في
تداعيات الظروف الخارجية والداخلية المتراكمة عبر السنين، وبعد أن تخلف
عن مواكبة التطورات التكنولوجية المذهلة التي شهدها العالم في مجال
تقنيات الإنتاج الزراعي ، وبعد أن عجز عن مواجهة العقبات التي وقفت
أمام تنمية وتحديث قطاعه الزراعي، فضلاً عن غياب التخصيصات الاستثمارية
والتسهيلات الائتمانية، وعدم كفاية المؤسسات اللازمة لتطوير وتحديث
الزراعة، وتخلف نمط إدارة وملكية الأرض الزراعية.
وتحول راشد من طور الإنتاج المحلي إلى طور استهلاك الفواكه
والخضروات المستوردة... طماطة وباذنجان وخيار وبطاطة وفراولة من الكويت
والسعودية، ورقي وتفاح وبرتقال وخوخ من إيران، وحمضيات مصرية وأخرى
لبنانية، وموز وأعناب في كل المواسم من كل حقول العالم. وقمح من
استراليا وأخواتها.
وذكر المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)*
أن قدرة العراق على توفير الغذاء بصورة ذاتيه قد أضحت معرضة للخطر
نتيجة سنوات من الإهمال والجفاف والحرب التي جاءت في آخر المطاف.
ويقول الأستاذ الدكتور عادل البلتاجي، مدير عام (إيكاردا): أن
الزراعة العراقية ستواجه فترة عصيبة في تلبية المتطلبات الغذائية للبلد
خلال المستقبل المنظور.
وحتى يتم ذلك، يتوقع البرنامج العالمي للغذاء التابع للأمم المتحدة
(WFP) أن العراق سيعتمد بشكل كبير على المواد الغذائية المستوردة..
ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، يعتقد أن 16 مليون عراقي، وهو ما
يشكل ثلثي عدد السكان، سيعتمدون بصورة كلية على المواد الغذائية
المستوردة . وأطلقت منظمة الأغذية و الزراعة التابعة للأمم المتحدة (
الفاو ) تحذيرا للعراق نبهت فيه بأن الفجوة الغذائية بها لا تبشر
بالخير، و أن الأرقام الدالة عليها تشير إلى وضع متفاقم باستمرار ومرشح
للتصاعد خلال السنوات المقبلة، وهو ما يعني مواجهة المزيد من الضغوط
الاقتصادية على العراق كما يعني ضغوطا سياسية لا يمكن إغفالها فالبلد
الذي يعتمد على الغير في توفير لقمة الغذاء لمواطنيه يعرض أمنه الوطني
و سيادته الحقيقية لتهديد جدي.
أن راشد في أمس الحاجة الآن لمن يعيد إليه رشده ويمد له يد العون
ويساعده في التصدي للمعضلات والمعوقات الكثيرة التي أجبرته على هجرة
أراضيه التي غرس فيها زهرة شبابه، وبحاجة إلى من يوفر له مستلزمات
النهوض بقطاعه الزراعي، وبخلاف ذلك فأن الفجوة الغذائية والاعتماد على
الغير ستصبح من أخطر ما يواجهه عراقنا في السنوات القادمة.
..............................
إيكاردا: icarda منظمة عالمية تعمل على خدمة العالم النامي بأسره
بهدف تحسين الإنتاج الزراعي؛ وخدمة كافة البلدان النامية في المناطق
الجافة لتحسين كفاءة استعمال المياه على مستوى المزرعة، والمراعي
الطبيعية، وإنتاج المجترات الصغيرة؛ وتعمل في منطقة وسط وغربي آسيا
وشمالي إفريقيا. وتدعمها المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية
www.icarda.cgiar.org |