شبكة النبأ: العلاقة الاخلاقية التي
اوجدتها الأديان لدى البشر مضافة لما اكتنزه الناس من العلائق الجيدة
عبر تجاربهم الطويلة وتمددها طولا وعرضا في السلوكيات فصار لزاما ان
تتجسد هذه العلائق وتختزل في رمز يجسد انتماء الانسان ككينونة الى ما
هو اعظم ليلصق تجاربه وميوله الخيّرة بذاك الرمز، ويمثل هذا الانتماء
الاعظم الذي يدين له الجميع في ذلك المجتمع، وقد يكون الرمز لشخص قوي
تسلط على مجموعة بشرية وساسهم بحكمة وقد خلدته تلك الحكمة في الذهن
الاجتماعي.
نرى ذلك في اغلب الشعوب الآسيوية او الافريقية بل في شتى ارجاء
العالم عبر الطقوس التي تقام سنويا والتي تنقل الينا بواسطة المحطات
الفضائية.
واذاً فان تعلق الشعوب برموزها انما هو تعلق بالاخلاق ويكون الرمز
هو المثال الاخلاقي الاكبر بحيث يكون الرمز في المرتبة الربانية فهو
يثيب وهو يعاقب وهو يسهل منابع الخير والنماء على الارض وبتعاقب الحقب
التاريخية يكون ذلك الرمز البسيط إلاها يعبده الناس، ولو ان اصنام قريش
ظلت الى حين حلول الحقب القادمة لتحولت تلك الاصنام الى الربوبية
المقدسة لدى العرب، بكونهم اكثر الشعوب تزلفا للطغاة واكثر عبودية
للاشخاص الاقوياء.
والبيوت العربية في التاريخ المعاصر لا تخلو من الرموز الوقتية
المعلقة على جدران الغرف على شكل صور الحكام او القادة وقد يسمون
ابناؤهم باسماء رجالات السياسة تحت شعور الإعجاب بما يشبه العبادة.
فتجد من يسمي ياسر .. قذافي .. صدام .. عدي .. بن لادن.. فيصل ..
كارتر.. كوفي عنان.. لينين .. ماركس وغيرها الكثير.
وقد انعكس ذلك على الوجه السياسي والسلوك اليومي عندما تصدى للسياسة
رجالا يتسمون بالكاريزما اي الشخصية المقنعة التي تمتلك المقومات
للدخول في الاعجاب العربي والتلاعب بعقليته عبر المنظومة الدينية
المشوهة التي اعيد انتاجها بما ينسجم مع الطريقة التي يفكر بها العربي
وبما يتلائم مع الهدف السلطوي المبتغى للشخصية المحركة.
ثم ياتي جيل آخر من الابناء الذين يحملون اسماء ابطال الحقبة
الجديدة او الوضع الواله الجديد.
في العراق لن يستطيع احد ان ينفي وجود المعجبين بشخصيه صدام
والمولهين بافعاله حد العشق والعبادة. وليس ادل على ذلك من الكم الهائل
من الاشعار التي تغنت به جسدا ورقصت على افعاله طربا حتى من قبل
الطبقات المحرومة بسبب سياساته الحربية والامنية والاعدامات والمحاكمات
الصورية، فقد كانت جماهير حاشدة تتلقاه عندما يزور منطقة ما في شتى
نواح العراق وكانت الهوسات تثير التراب من تحت تلك الاقدام الحافية
التي افقرها صدام ووجه القوة البترولية لقصوره الشامخات.
ولا يمكن نفي المعجبين بهتلر حتى خارج الامة الالمانية ومن الشعوب
التي طالها تدميره واهلاكه للحيوات، كذلك استالين والمغول.
ان الاعجاب يتعاطى مع العقل بحدود المستفيد والمبرر فهو يستقي الحجة
التي يحتاجها بما ينفع العشق وليس له مرام في اليقين او الحقيقة على
طول الخط، وكما يقال ان صاحب الحاجة اعمى لا يرى إلا حاجته.
فهل يدلنا هذا على غير الوله العاطفي والاستعداد الغريزي غير الواعي
للعبودية؟.
الانسان العربي دائما على استعداد الى الدونية والغاء الذات ومنح
ذاته الى الآخر والقبول بالذل وهو على استعداد ان يبذل حياته ثمنا لحبه
الاعمى النبيل مقابل العاطفة ويتجلى ذلك في كثير من النصوص الشعرية
سواء العاطفية منها او السياسية ومن يقرا الشعر الشعبي العراقي او
العربي يدرك ذلك الوله العاطفي ومنح الذات للمحبوب بصورة مطلقة.
الشعر الشعبي السياسي المغرد بالبطولات برمز شخصيات سياسية في
الاوقات الراهنة انما هو امتداد لعبادة الرمز قد يكون هذا الرمز تنينا
او افعى او شخص او مبنى يحتوي على تماثيل.
الخلط في الرمز في الشواهد الاسلامية خطأ شائع فالشواهد الاسلامية
ليست بالرموز استدلالية لشئ اكبر منها وانما هي في حقيقة الامر شواهد
خطاب متجدد متفاعل على مرور الزمن وهو الخطاب الرباني المقدس الذي
اوكله للانسان في شتى انحاء المعمورة فعندما نقول الحسين او نقول
كربلاء فان ذلك يعني الخطاب الرباني اتخذ بالحسين او كربلاء شاهدا على
فاعلية الخطاب وعنفوانه.
الرموز الدينية الموجودة في شتى انحاء المعمورة هي مجرد تخليدات ليس
بينها وبين من يخلدونها خطاب يمكن ان يناقشه احد كل ما في الامر انك
تقدم الطقوس لشئ تجهل كينونته الفكرية والفلسفية، فيما انك واجد في
الشواهد الاسلامية ولو ذهنيا وانطباعيا منعكسا من الواقع فيحضر في
الذهن القرآن والسنة والفقه الى غير ذلك.
وهذه الاشياء التي يستحضرها الذهن في اغلبها مجادلات ورؤى مختلفة
وبعضها متعارض اي بمعنى ان هناك نقاشا وتفاعلا واقتناع ورضى بما يحكم
به العقل الإنساني، وليس شيئا جامدا يلفه الغموض.
لكن هذا التفاعل والاقتناع كان لدى العربي معرضا دائما للتاثر
بالمجال العاطفي وتحت طائلة الاستعداد للتخلي عن الذات ومنحها للمحبوب
وطبعا هذا التخلي انما هو تخلي عقلي من جانبه الخطير، وهو بالتالي موقف
يتعارض مع نواميس التطور وهو مؤثر بدرجة كبيرة على الآخرين بكونه فاعلا
باتجاه معاكس مع الرغبة الكلية للمجتمع.
واننا نرى مثلا كثير من المؤيدين لجهة ما رغم كون تلك الجهة قوة
سلبية كان تكون الجهة من قطاع الطرق او حزب سياسي متخلف او رجعي او
دموي، وان عقد الافراد السائرون فيه مجموع بيد احد الكاريزما الذي يشبه
المغناطيس في جذب العواطف المؤهلة للعشق الابدي.
فهل يتراءى للواقف على امورهم ان يستدل انهم قد حركوا عقولهم خارج
العاطفة التي تحكمهم وتشد وثاقهم؟. |