التاريخ الاسلامي: ثورة التوابين... قراءة معاصرة

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: تعرضت اغلب الثورات العلوية بعد ثورة الامام الحسين(ع) الى الفشل في جوانبها الميدانية، والذي نجح منها فهو نجاح محدود، رغم انها مهدت لبعضها وجعلت من روح الثورة هاجس مستمر على مّر التاريخ.

ولعل من النماذج المهمة في ذلك التاريخ هو نموذج ثورة (سليمان بن صرد) عام 65 للهجرة التي اخذت حيزا كبيرا واهمية بالغة من الناحية السوقية والتي حللها المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي في كتابه الموسوم التاريخ الاسلامي.

فقد اجتمع الشيعة في الكوفة في بيت سليمان بن صرد، معبرين عن ندمهم الكبير، كونهم لم يناصروا الامام الحسين عليه السلام في ثورته ضد الظلم والطغيان وقتذاك، وهم الذين كاتبوه وحثّوه على القدوم الى العراق، وتكفلوا بنصرته ومؤازرة الثورة حتى النجاح التام.

وخلصوا في اجتماعهم الى الاخذ بثأره والانتقام من كل الذين شاركوا بحربه او سبي آله، ثم حدّدوا ساعة الصفر لثورتهم، تحت شعار( يا لثارات الحسين).

في الوقت الذي تحصل لديهم اربعة آلاف من الانصار، التحقوا في منطقة النخيلة الستراتيجية، وكاتبوا اهل المدائن والبصرة.

وكانت للخطبة التي خطبها سليمان في الناس، ابلغ الاثر في تنظير الثورة السلبي، وكانت من جملة اسباب اخرى في الفشل الذي منيت به تلك الثورة فيما بعد.

فقد جاء فيها ان الغاية ليست الاستيلاء على حكم او تولي امور المسلمين وانما الغرض منها مجرد انتقام من الظلمة.

والتحليل الذي تولاه السيد المدرسي قد اثبت بشكل منطقي ان انعدام المصلحة التي تقود الناس لمؤازرة الثورة او أي تحرك عسكري غالبا انما تكمن في تلك الخطبة التي اغفلت هذا الامر المهم جدا بالنسبة للاندفاع الذاتي.

والسبب الثاني هو المبادرة بالحرب، وتجشم الطريق الطويل لمبارزة المعسكر المقابل، المتمثل باهل الشام، حيث حشد ابن زياد ما يقارب الثلاثين الفا من المقاتلين، بقيادة الحصين بن نمير وذي الكلاع، وادهم الباهلي، وانتهت المعركة باستشهاد سليمان بن صرد.

والاسباب الجوهرية في الفشل الذي منيت به ثورة سليمان، انها تكمن في اعتماد الجانب القبلي وهذا يعني ان الجندي المحترف للقتال ليس له هدف سياسي وانما ولاءه مقرون دائما بميول رئيس القبيلة، وهو اذن منّفذ رغبة ليست لها اصالة، او قناعة سياسية او فكرية، تجعله مصرا على تحقيقها.

وبالتالي فان هناك تلون في المواقف، يمليها رؤساء القبائل على تابعيهم، وهذا الامر حدث مع مسلم بن عقيل.

ونخلص الى ان الجيش تابع للاقوى، فلو ان سليمان بن صرد احكم سيطرته على الكوفة، لمّثل هيمنة الاقوى، ولكان متبوعا في عزمه الذي اراد، لكنه اراد راس الشر وقمة السلطة وهو الامر غير المهم في ميدان الصراع، كون الشر يرتكز فيما يرتكز اليه هو نظام الشر أي الآلية، والقوة التي يستند اليها ذلك الشر.

كذلك لم يستطع سليمان بن صرد ان يحشد الموالي والمضطهدين، الذين يشكلون الاكثرية في الكوفة الى جانب الثورة، وانما كانت كما اسلفنا مجرد هجمة انتقامية.

ان ابي مسلم الخرساني عندما عقد لواء للموالي، انضوى تحت هذا اللواء زهاء مائة الف من المقاتلين، من الموالي الايرانيين والافغانيين وغيرهم، والمأمون العباسي تغلب على اخيه الامين عن طريق الموالي انفسهم.

من هنا يجب تحويل شعارات الحركات الدينية الى مضامين اجتماعية ليعرف كل انسان ان قوته وامنه وبيته ورفاهيته والمستقبل رهين بالدين كونه حقائق عملية تستطيع ان تغير الحياة نحو الافضل.

هذه الاسباب كانت وراء فشل الرجل العظيم سليمان بن صرد.

ويمكن اخذ اسباب اخرى فرعية كالعجلة في توقيت المواجهة العسكرية، وعدم اتخاذ السرية والحيطة اللازمة وغيرها من الاسباب.

وبالمقابل لو ان سليمان تقاعس عن ثورته الفاشلة تلك، لما مهّد للثورة الاخرى التي قام بها المختار، ولو لم تكن ثورة المختار، لما قامت ثورة زيد بن علي، ومن بعده ابنه يحيى، وتبعه ابو مسلم الخراساني، ومن ثم سقوط الدولة الاموية.

لقد قام سليمان بن صرد ضد الظلم والانحراف، كما قام من قبل حجر بن عدي في زمن معاوية بن ابي سفيان، حينما رأى زياد بن ابيه، وهو على منبر الكوفة، وهو يلعن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، فقام حجر بن عدي فلعنه ولعن معاوية وآل حرب جميعا.

وبالطبع كان حجر يعرف بان زيادا رجل سفاك لا يتورع عن قتله، وبالفعل قتل حجر بن عدي.

فدماء حجر بن عدي ظلت تجري في عروق الرساليين الى الآن، وهي تنبض عنفوانا في همم المناضلين، وهم مستمرون في مناهضة الظلم والاستبداد، من اجل النهوض بما تتطلبه روح الرسالة المحمدية رسالة الاسلام العظيمة.

وهذه عبرة قيّمة من عبر التاريخ التي نستقيها من التاريخ الاسلامي وحوادثه الجسام على مر تلك الازمنة والازمنة التي ظلت تتوالى الى يومنا الحاضر.

فالتاريخ ليس عرض بطولي يمكن ان يفخر به اهله بقدر مايكون تجربة انسانية تنفع الحاضر وتنفع الانسانية في نضالها ضد قوى الشر والباطل في كل مكان واوان، والعبرة ايضا هي المقياس الاختباري للشعوب وعن مدى اتعاضها بتلك التجارب الجزيلة التي قدمها المناضلون عبر ايام التاريخ.

.......................................................................................

المصادر/

* وحدة التنوع وحضارة اسلامية

* الحكومة الاسلامية ..  الإمام السيد محمد الشيرازي

* التاريخ الاسلامي .. المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 5 أيلول/2007 -22/شعبان/1428