الشاذون فكرياً

ياسر محمد / القطيف

 عاشت الساحة الشيعية في السنوات القليلة الماضية – ولازالت- الكثير من التحولات والتطورات بدءاً من انتصار المقاومة الإسلامية جنوب لبنان مروراً بتألق الشيعة ووصولهم سدة الحكم في العراق وعودة مرة أخرى لانتصار حزب الله في لبنان العام الماضي، وخلال الفترة وبالخصوص تلك التي برز فيها نجم الشيعة في العراق جاء الهجوم شرساً وغير متكافئاً على عامة الشيعة ورموزهم ومعتقداتهم.

أما داخلياً، ولزيادة الوعي الفكري ومراجعة الذات في طريقة التعاطي مع التيارات الدينية المختلفة، تجاوز مجتمعنا الشيعي وبشكل جزئي بعض الإشكاليات من قبيل الصراعات الفئوية بين الجماعات الدينية نفسها، إلا أن الكرّة قد عادت من جديد ولكن هذه المرة بين أفراد الجماعة الواحدة من خلال التنابز بالاصطلاحات التي ظهرت مؤخراً داخل الساحة الشيعية والتي أصبح شغل البعض الشاغل في منتديات الحوار والشبكات الإخبارية والصالونات الثقافية من خلال رشق الآخر بها والتشكيك فيما يعتقد به، إلا أن أصبح التفنن بتلقيح المجتمع بتلك الألفاظ أمر متوقع وغير مستغرب نهاراً جهاراً وأمام الملأ دون التريث لما قد ينتج جراء هذا الأمر من انشقاق عميق في المجتمع وفقدانه الثقة برموزه وتياراته الدينية التي تجلده أمام الآخرين بينما الآخر يمسح بشفقة ويؤازر ما تقوم به الأشمغة الحمراء التي تكفر وتفسق وتدعو لقتال الكفار- أعني الشيعة- .

القوى الخارجية المستفيد الأول

لقد نجحت الدولة العبرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في تحويله من صراع ميداني يهدد أمن الصهاينة واستقرارهم إلى صراع حماسي – فتحاوي وطني بعدما كان الاثنان يشتركون في هدف واحد هو مقاومة المحتل والحصول على كامل الحقوق المغتصبة ، ولكن إسرائيل أرادت أن تعطي لنفسها متسعاً من الوقت لتشغل نفسها في التخطيط الإستراتيجي للسيطرة على مزيد من الأراضي وتقويض السلطة القائمة التي تمثل إرادة الشعب من خلال تسييرهم لمحاربة بعضهم البعض.

ذات الإستراتيجية والصراع يتكرر الآن في لبنان والعراق ببث روح الفرقة بين الطوائف السياسية المختلفة، فما الذي يمنع أن يكون مجتمعنا والمجتمع الشيعي برمته يعيش الآن بدايات تمزيق تسعى قوى خارجية لإثارته عن طريق إذكاء نكهة الفتنة بين بعضنا البعض على ما نعالج به وضعنا مستغلين بذلك تنوع المذاهب الفكرية في المجتمع؟

إن الحديث عن استغلال القوة الخارجية لا يراد به مساهمة القوى الإسلامية أو اللبرالية داخل المعادلة المحلية في الخطط المحكمة التي تعدها سياسات عالمية للنفوذ بين أفراد المجتمع، وإنما استغلالاً جاء نتيجة لمعالجة متسرعة نجلد بسياطها أنفسنا أمام الآخرين دون الالتفات إلى قهقهات الآخر الذي وجد منها طريقة سهلة في تمزيقنا أكثر وبذات السياط.

الفتاوى والاعتداءات منطلقاً

ولو نظرنا إلى حالنا مع الآخرين لوجدنا كم نعيش الذل والإهانة والسخف في التعاطي مع ما يقومون به تجاهنا، ولا أدل على ذلك مما يقوم به الآيات العظام بفتاواهم الجهادية – الاجتهادية المطوعة لخدمة المستعمرين، يجددون ويدعون إلى هدم مراقد آل البيت (ع) والتي أخيرها ولن يكون آخرها الفتاوى التي نادت بهدم ضريح سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) وأخته الحوراء (ع) وكل ضريح وبناء قائم، فكان الأولى بنا بدل التفنن في اختيار المصطلحات التي نشق بها صفنا أن نقف يداً واحدة ونخرج في نفس الإعلام المحلي والعربي الذي يتيح لنا فرص المشاركة في البرامج التي يطوعها لخدمة مشروعه الإعلامي وتخرج منها دعوات تسخيف الشيعة رغبة منا في تبيين رفضنا الصارخ لهذه الفتاوى السرطانية القائلة بتكفير المسلمين وهدم مقدساتهم حتى نحظى بثقة جماهير مجتمعنا التي كانت ولا تزال تنتظر كلمة حق جريئة أمام فكر جائر.

سمعنا وقرأنا مؤخراً الاعتداءات التي طالت ولازالت تتكرر مع زوار مسجد الرسول (ص) ومقبرة البقيع من المواطنين والوافدين كما حدث مع الجالية العراقية من اعتداءات بالضرب والألفاظ المشينة وما يلازم تلك «الغزوات» من كتب توزع بين الحين والآخر لتبين «عفن» الروافض القديم كيلا يتسمم به من يفكر في الاقتراب منه.

ربما يسأل: ولماذا هذا التعميم في الخطاب، ألا يوجد من ذلك الطرف من هو معتدل؟ نعم، هناك من هم معتدلون وأخوة لنا في كل المذاهب، غير أن الكلام عن الشخصيات البارزة أو التي بدأ فالولها بالبروز في جسد الأمة غير متورعة في تحريك  أنهار الدم لتسبح فيه أعضاء بريئة تمزقت بفعل ذاك اللامنهج الإقصائي. شهدنا العام الماضي وعلى الهواء مباشرة وثيقة مكة للمصالحة بين مكونات الشعب العراقي وبرعاية سعودية لوقف شلالات الدم في العراق، فهل ظهر أحد - من المعنيين بالحديث - وأيد هذه الوثيقة ودعا إلى الالتزام ببنودها؟ أترك لك الجواب.

التحرك الإعلامي نوعاً من الإحراج

كم هو جميل لو ظهر من علماءنا ومفكرينا بيان واضح وتكثيف إعلامي جريء موجه إلى الفضائيات والصحف والمسئولين وبشكل معلن لكل العالم يطالب بضرورة الكف عن الفتاوى المراهقة والاعتداءات المسيئة والتي تساهم في تقطيع أوصال وحدة المسلمين، ومطالبة كل من: الجامعات الإسلامية، الأزهر، مجمع البحوث والإفتاء، هيئة كبار العلماء في السعودية، منظمة المؤتمر الإسلامي ... الخ بتبيان موقفها الصريح من هذه الفتاوى وباطلاع العالم برمته ، الأمر الذي ربما يحرك ماء الوجوه الياسن خوفاً من الوقوع في حرج إزاء صمت هذه الجهات مما يُطرح من قبل صغارها المنتمين لها انتماء بالفكر والعقيدة.

وهنا لابد وأن يكون الخطاب حازماً دون المجاملات الآخذة في الزيادة ما تجعل الكفتين السنية والشيعية في مقام واحد بالقول برفض كافة الممارسات والاعتداءات من طرف الشيعة تجاه السنة والعكس، ما يؤدي إلى إضعاف لغة الخطاب أمام العالم الذي يجهل التزام الشيعة بأمر قياداته في عدم الاعتداء على الأرواح والممتلكات ودور العبادة للجهات المقابلة حتى لا نحاول بطريقة أو أخرى إيصال رسالة ولو قصيرة للعالم بأن هناك اعتداء من قبلنا تجاه المعتدين الأصليين وها نحن نرفضه، وبالفعل - مع وجوده- نرفضه لكن ينبغي أن تكون اللغة المباشرة سيدة البيان. 

من هنا، يتوجب على جميع التيارات الدينية والفكرية القائمة عدم المساهمة في الانشقاق والتصدع بوصم الآخرين بما لا يُرتضى آخذين بضرورة التنوع وحرية التفكير والممارسة التي كانت شعرنا في التزلف للمذاهب والديانات على اختلاف مشاربها حتى تحظى الأفكار بالقبول ويكون الدعاة لها موضع احترام الجميع لكي لا ندخل في موسوعة غينيس لـ «الشاذين فكرياً» كما سبقنا غيرنا.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 4 أيلول/2007 -21/شعبان/1428