مصطلحات سياسية: ثقافة سياسية

 ثقافة سياسية: Political Culture

شبكة النبأ: ينبثق مفهوم الثقافة السياسية عن استعارة علم سياسة سلوكي الإلهام لمفهوم الثقافة في التقليد الإناسي. وقد حصل هذا الإنزلاق خلال ستينيات القرن العشرين بمبادرة من التيار التنموي، لاسيما مع ألموند، باي وفيربا. وكان الهدف مزدوجاً: من جهة إيجاد عناصر "ثقافة سياسية مدنية" تفسر إنجاز نموذج ديمقراطي طُوّر في أوروبا الغربية وخصوصاً في بريطانيا (the Civic Culture)، ومن جهة ثانية تحديد قالب ثقافي للتنمية، لا سيما من خلال فرضية دنيوة الثقافات (Politics Comparative).

هذا الاستخدام لمفهوم الثقافة السياسية، الوفي للتقليد السلوكي، كان يجيب بادئ الأمر عن تطلبات من طبيعة ميتودولوجية: القيام بتحقيق مقارن واسع عن المسالك الفردية، وقادر على الإفضاء إلى نتائج قابلة للتعميم. إذاً الفرضية التي كانت تؤسس التحليل الثقافي الذي قام به علماء الإناسة خضعت لبعض التعديل: لم تعد الثقافة تُرجع إلى منظومة معنى مستحث ولا إلى بنية كامنة تنظم العلاقات الاجتماعية في قلب جماعة معينة، ولكن بشكل أكثر بساطة إلى مجموعة من القيم والمعتقدات التي يمكن ملاحظتها تجريبياً. من جهة ثانية، نسلّم بهذا المنظور بأن "الثقافة السياسية" تشكّل مجموعة متجانسة يمكن الإمساك بها بشكل مستقل عن المساحات الأخرى للعمل الاجتماعي. باختصار، لم يعد الحدّ الفاصل بين "الثقافة السياسية" و"منظومة المواقف والمسالك السياسية" يظهر بوضوح. في الواقع ننطلق من فرضية أن كل جماعة اجتماعية تتميز بمعتقدات وقيم صائبة سياسياً ومتقاسمة عادةً، إن لم يكن من قبل الأفراد الذين يؤلفونها، فعلى الأقل من قبل أكثرية منهم. هكذا تسمح بعض المؤشرات بملاحظة التميز الشديد للثقافة المدنية في بريطانيا، بينما هي أقل حضوراً في الولايات المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، وطبعاً في المكسيك.

هذا البناء لمفهوم الثقافة السياسية يطرح عدداً من المشاكل: التسليم في وقت واحد بوجود ثقافات سياسية وطنية وصوابية "ثقافة مدنية" أكثر عملانية من غيرها يعني وضع تراتبية بين الثقافات السياسية، وفقاً لمسار تنموي، كذلك تؤدي هذه الرؤية إلى تحصيل حاصل: لا يمكن لمنظومة سياسية معينة أن تعمل إلا إذا رافقتها، لدى المحكومين، منظومة قيم تحدد الأولى خصائصها. بشكل خاص، هذا الاستخدام المتأثر جداً بالسلوكية، لمفهوم الثقافة السياسية ليس قابلاً للاستمرار إلا إذا نجم عنه إجماع على القيم والمعتقدات في صفوف الشعب. هذا التأكيد الإجماعي والمبني بصورة سيئة والخارج نوعاً ما عن المراقبة يوحي بعدد من الاستخدامات المشتقة التي يجد عبرها مفهوم الثقافة السياسية نفسه مرتبطاً ليس فقط بأمم، ولكن بعائلات سياسية (ثقافة اليسار)، وأحزاب (ثقافة اشتراكية، "ثقافة شيوعية")، وهيكليات جمعية ("ثقافة نقابية") وهي تميل إلى أن تخلط، أكثر فأكثر ضمن تيارها، بين "الثقافة السياسية" و"المجموعة المتجانسة من المعتقدات، والمعايير والقيم السياسية الملحوظة تجريبياً".

متعلقات

دور الدولة في بناء الديمقراطية والثقافة السياسية(1)

سادت أدبيات العلاقات الدولية العديد من المفاهيم والاتجاهات والآراء عكست بيئة التفاعل الدولي، فبعد أن كانت مفاهيم مثل الصراعات، النزاعات، الثورية، القمعية سائدة طوال قرون عديدة بسبب الظروف الدولية التي جسدتها الحروب العالمية، ظهرت مفاهيم أخرى مثل التعاون، السلم الدولي، الانفتاح الرفاهية، الديمقراطية تسود لكي تعبر عن واقع جديد يعكس جنوح المجتمعات الدولية إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين وتتطلع إلى مزيد من التقدم والازدهار.

وأخذت هذه المفاهيم تنمو وتتعمق بنمو الأحداث الدولية، وكان من الطبيعي أن يستجيب النظام الدولي الجديد إلى مثل هذه المفاهيم، إذ غدت ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات ووسائل الأعلام حاجة ملحة لكل شعوب العالم المتطلعة إلى التطور التقني والعلمي، وكان لابد لهذه الشعوب أن تسلك سلوك التعاون والاعتماد المتبادل سبيلاً لتحقيق أهدافها وبناء ديمقراطية جديدة قائمة على احترام كافة الآراء والاتجاهات، وان تتخلص من جميع القيود المفروضة عليها سواء من قبل الحكومات الثورية والتسلطية التي كانت تمارس عليها سياساتها التعسفية أو من قبل البلدان المستعمرة.

وحيث أن "الدولة" بوصفها بيئة التفاعل الدولي التي تجري فيها معظم الأحداث والمحرك الأساس لكل القوى والانتماءات، التي بدأت تعلو أصواتها مطالبة الكف من تقييد الحريات والسماح للمؤسسات المدنية والأفراد والجماعات لتأخذ دورها في التعبير عن رأيها وممارسة الديمقراطية، فأن الدولة أو دور الدولة تجاه تطبيق الديمقراطية يحكمه عوامل عديدة، أبرزها نسبية دور الدولة، بمعنى قدرة الدولة أو عدم قدرتها على تنفيذ متطلبات وشروط التطور الديمقراطي.

وإزاء ذلك ظهر اتجاهان مختلفان: الأول يدعو إلى وجود سلطة قوية تمارس دورها لأداء وضبط متطلبات التطور الديمقراطي من خلال الإشراف المباشر على الأجهزة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ومتابعة دور المنظمات غير الحكومية.

والثاني: يدعو إلى تقليص سلطة الدولة في الإشراف على العملية الديمقراطية على اعتبار أن المؤسسات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني قادرة على أداء دورها في ضبط وتقييم متطلبات النمو الديمقراطي.

إذن هناك إشكالية رئيسية تنبع من أن للدولة بوصفها "سلطة" يحكمها عاملان رئيسيان في ممارستها للديمقراطية والانفتاح، هما عامل القوة وعامل الضعف.

وإزاء هذه الإشكالية، لابد من وضع فرضية ما تقوم على أساسها تبيان وتوضيح العلاقة بين قوة الدولة بوصفها "سلطة" والديمقراطية، وهي أن هناك علاقة طردية بينهما، إذ كلما زادت قوة الدولة وقدرتها على تحقيق التثقيف السياسي كلما حققت نجاحاً مطلوباً للديمقراطية إذا استندت على خطط متوازنة ومتكاملة يمكن أن تكون الأساس لنجاح ثقافة سياسية متطورة.

وابتداءً نقول: إن الديمقراطية كما ظهرت في العديد من الأدبيات السياسية هي حكم الشعب للشعب، بمعنى بزوغ مرحلة جديدة تظهر فيها تيارات سياسية واجتماعية متعددة قادرة على التعبير عن خصوصيتها السياسية والاجتماعية والثقافية مع تعددية في الأحزاب السياسية.

فما بين التيار الداعي إلى تفعيل وزيادة قوة الدولة بوصفها "سلطة" سبيلاً لنجاح الديمقراطية، وما بين التيار الآخر الذي ينادي بضرورة تقليص هذه السلطة، لابد أن يكون هناك اتجاه وسط يعمل على تحقيق التوازن في كلا التيارين.

حيث أن استمرار قوة الدولة لا ينطوي على عنصر سلبي بشأن التطور الديمقراطي ومستقبله. فليست هناك علاقة ضرورية بين الديمقراطية وضعف الدولة، ولا بين السلطوية Authoritarianism وقوة الدولة.

فالتطور الديمقراطي الناجح المستند على زيادة ورفع مستوى الوعي السياسي لقيم المشاركة السياسية الديمقراطية والبناء القانوني والمؤسساتي لمجتمع الدولة، يحتاج إلى مجتمع قوي ناضج وحديث، ولا يتعارض على هذا النحو مع وجود دولة قوية، بل على العكس يحتاج نجاح التطور الديمقراطي إلى وجود دولة قوية ولكنها منفتحة وحديثة. على أن ما نقصد به من وجود سلطة قوية للدولة هنا ليس بمعنى ممارسة التعسف والإكراه واستخدام القوة والقهر، وأنما سلطة قوية تمتلك عناصر قوتها من الشعب الذي يدعم هذه الدولة بمعنى آخر أن تكون الدولة مع المواطن في تحقيق الأهداف ومنها الديمقراطية.

فبعض عمليات التحول الديمقراطي والمراحل الانتقالية فيها قد تحمل أحياناً في البلدان ذات المجتمعات التعددية مخاطر الانقسام والنزاعات الأهلية، وضعف الدولة يمكن أن يؤدي إلى تدعيم الانتماءات الأولية العائلية والعشائرية والدينية أي الانتماءات الأدنى من الانتماء للدولة. ولا شك أن شيوع هذه الانتماءات يقلص احتمالات التطور الديمقراطي لأنها ترتبط بثقافة غير ديمقراطية، تقوم على التعصب وليس على التسامح، والانغلاق لا الانفتاح، والجمود بدلاً من المرونة وهكذا.

فالمسألة المهمة عند تناولنا لأصول ومفاهيم الديمقراطية تكمن في الآليات التي يمكن أن تطبق فيها الديمقراطية. فهناك اختلاف كبير بين الديمقراطية الغربية القائمة على التجاوز غير المحدود للأفكار والعادات والتقاليد، وبين الديمقراطية القائمة على أسس ومبادئ ثابتة وفق ضوابط معينة، تستمد شرعيتها من الإسلام نفسه ومن القرآن الكريم كما في قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم)، وكذلك في قوله تعالى (لا أكراه في الدين)، ذلك أن الإسلام دين تسامح ومحبة لكل شعوب العالم لا يتقاطع في إرشاداته مع السلوك والممارسة الديمقراطية الشائعة إلا بفوارق اختلافية شأنه في ذلك شأن الاختلاف الطبيعي في المجتمعات.

ففي المجتمعات الغربية تعتبر الديمقراطية ظاهرة عامة بمعنى أعطاء الحرية بكامل أشكالها سواء للرجل أو المرأة. أما الديمقراطية في بلداننا فهي تختلف، إذ تتحدد بعوامل مقيدة بالإسلام كما اشرنا. فهناك حقوق وواجبات وضمانات، فمن الواجبات ما ينبغي للرجل القيام بها وقد يصعب على المرأة مشاركته بها أو تجاوزها بمعنى أن هناك قيم وأخلاق وربما عادات وتقاليد سامية الزم الإسلام المسلمين بها كافة لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها. هذا هو الخلاف أو الفارق الجوهري بين الديمقراطية الغربية والديمقراطية المفيدة لبلداننا، فالديمقراطية لا يمكن أن تعمل دون مصداقية وهذه المصداقية بالنسبة للمجتمعات الإسلامية والعربية تنبع جذورها من الإسلام.

كما أن نفس هذا العامل (أي ضعف الدول) قد يغري بعض القوى غير الديمقراطية لاستخدام الوسائل التي تتيحها الديمقراطية كمجرد وسيلة للوصول إلى السلطة ثم الانقلاب على الديمقراطية ذاتها قبل أن يتعمق الالتزام بها.

ويعني ذلك أن ضعف الدولة يرتبط غالباً بانتشار ثقافة غير ديمقراطية، فضلاً عما يمكن أن يؤدي إليه من زعزعة النظام العام وبالتالي إشاعة الفوضى أو عدم الاستقرار في المجتمع. الأمر الذي يقف حائلاً أمام التطور الديمقراطي. وبالتالي فان قوة الدولة ضرورة ملحة لهذا التطور وليس العكس. والدولة القوية في النهاية ليست مرادفة للدولة التسلطية، ونقصد بالدولة القوية هنا هي الدولة التي تمتلك عوامل وأدوات القوة سواء من الناحية الاقتصادية أو البشرية أو العسكرية أو الأمنية وغيرها.

وإذا كان هناك بطء في التطور الديمقراطي في البلدان التي تتسم فيها الدولة بالقوة، فهذا لا يعود إلى قوة الدولة وأنما إلى تعقيدات هذا التطور لأسباب متعددة منها:

1. ضعف الثقافة الديمقراطية في المجتمع عموماً. ويظهر ذلك جلياً في ضعف الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني نفسه، بل وفي النقابات المهنية أيضاً، فقد أدت سيطرة أنصار اتجاه سياسي بعينه على أغلبية المقاعد في مجالس أدارتها إلى احتكارهم السلطة فيها، وتوجيهها سياسياً بشكل يكاد يكون كاملاً ويخرجها عن دورها الطبيعي. فالديمقراطية ليست وجود مؤسسات شكلية فقط فحسب ولكنها ثقافة مؤسسات أيضاً مما يعني وجود مؤسسات حقيقية قائمة على التعدد والتنوع وثقافة ديمقراطية يمارسها المواطن من خلال هذه المؤسسات.

2. وجود مخاوف متبادلة قائمة بين الأحزاب والقوى السياسية، فكل منها يخشى احتكار الآخر للسلطة إذا وصل أليها. ويتمثل ذلك في الخطاب السياسي لمختلف الاتجاهات السياسية سواء اليسارية والليبرالية والإسلامية.

3. العامل الثالث هو ضرورات التنمية الاقتصادية، فارتفاع مستوى المعيشة ضروري لزيادة المشاركة السياسية، ولا يعني ذلك قبول النظرية القائلة بأن الكثير من معدلات النمو الاقتصادي خلال العقود الأخيرة قد تحققت في ظل حكومات غير ديمقراطية. ولكن التجارب توضح أن المشاركة السياسية تزداد بزيادة وتحسن الأداء الاقتصادي واتساع حجم الطبقة المتوسطة وارتفاع مستوى التعليم وبالتالي الوعي العام.

ومن هنا تظهر أهمية النمو المتوازن للديمقراطية وقوة الدولة (في الجانب الاقتصادي) وصولاً إلى النموذج الأفضل الذي يجمع بين الحرية السياسية والاقتصادية وفقاً لظروف كل بلد وإمكانياته وقبول ما يتلاءم مع خصوصياته وتوجهاته العامة ورفض الأخرى.

إن الديمقراطية ليست مجرد مؤسسات سياسية أو انتخابات أو تعددية حزبية، بل هي أيضاً تحولات عميقة في بنية المجتمع وفي الثقافة السياسية السائدة وبالتالي فالديمقراطية هي عملية بناء وتأسيس تبدأ بالإنسان أولاً، وهذا يعني أن مقاربة الديمقراطية في بلد ما يجب ألا تقتصر على التمظهرات الخارجية للمؤسسات السياسية، بل يجب الغوص داخل البنى العميقة للمجتمع وقواه الفاعلة الظاهرة والخفيفة للتعرف عما إذا كانت قد تمثل قيم الديمقراطية أم لا.

فالديمقراطية نهج وأسلوب يُتبع سواء داخل مؤسسات الدولة لتوسيع رقعة الحريات السياسية وتعزيز المشاركة الجماهيرية في صناعة القرار، أو داخل المنظمات غير الحكومية وفي الحياة العامة وفق ضوابط محددة.

وهنا نتساءل إذا كانت الديمقراطية كنهج لابد منه في الحياة السياسية العربية، هل أن بنية وتكوين المجتمع العربي مهيأة لاستيعاب استحقاقات الديمقراطية؟ وما هي المؤشرات التي يستدل منها على وجود عملية انتقال نحو الديمقراطية في البلدان العربية؟.

إن النظم السياسية العربية لمرحلة ما بعد الاستقلال وصلت إلى مأزق سياسي إيديولوجي بحيث أن المرجعيات التقليدية التي كانت تفضي على النظام السياسي مشروعيته تآكلت وفقدت مصداقيتها وبالتالي أصبحت التنمية ضرورة لابد منها لمصلحة النظام ومصلحة الشعب وبما يتوافق مع تحديات العصر. إلا أن الإحساس بضرورة تحديث بنية النظام السياسي لا يعني حتمية إحداث قطعية - في المرحلة الأولى- مع كل ما يمت بصلة لبنية النظام القديم، ولا يعني بالضرورة أن الديمقراطية الغربية هي النموذج الذي يجب نسخة بحذافيره.

بل يمكن لكل مجتمع عربي- كخطوة أولى- أن يوفق ما بين المبادئ العامة للديمقراطية، الانتخابات النزيهة والتعددية السياسية وحرية التعبير عن الرأي واحترام حقوق الإنسان ودولة القانون والخصوصيات التي تتعلق بالثوابت انطلاقاً من ثابت معرفي تقر به كل العلوم الاجتماعية وهو أن لا مجتمع يتطابق مع آخر نظراً لاختلاف المحددات التاريخية والثقافية والاقتصادية وبالتالي فأن التطبيق الديمقراطي في المجتمعات العربية يأخذ شكلاً مغايراً للغرب أو بصيغة أخرى أن هناك مداخل متعددة للديمقراطية.

فالمشكلة الأساسية لبنية النظام السياسي العربي هو تهافت الوقوع ما بين أنظمة ثورية أو رجعية أو أنظمة استبدادية وهذا التهافت ناتج عن انهيار الثنائية القطبية وافرازاتها في العالم الثالث، من جانب، ومن جانب آخر إلى استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي أصبحت قاسماً مشتركاً وهدفاً مشتركاً سواء كان واضحاً أو معلناً أو كان خفياً يلمح إليه بتعبيرات مختلفة.

فهذه الأنظمة العربية كانت بمجملها أنظمة تابعة للغرب يضاف إلى ذلك فأن تركيبة المجتمع العربي لم تكن مستعدة لتبني مبادئ الديمقراطية بالرغم من أن أعداد من المفكرين والمثقفين العرب كانوا مدركين وواعين لمخاطر ثورات لا تملك من الثورة إلا اسمها ومحذرين من استبدادية جديدة مغلفة بإيديولوجيات براقة ولكنهم لم يبلوروا مشروعاً فكرياً موحداً، حيث كانوا ينتمون لمدارس ومشارب متعددة من جانب، ومن جانب آخر كانت حالة الحماس الجماهيري وشعارات الثورة الاشتراكية مستحوذة على أذهان الجماهير ومن جهة ثالثة، أن الأنظمة العربية الملكية أو التقليدية لم تكن غالبيتها تشجع على حالة التحرر والاستقلال بسبب كونها أنظمة تابعة للغرب.

وعموماً يمكن تلخيص أهم الأسباب وراء ضعف الديمقراطية والثقافة السياسية في البلدان العربية منها:

1. غياب نموذج عربي حقيقي للحكم الديمقراطي يمكن الرجوع أليه واستلهامه.

2. غياب مفكرين ديمقراطيين متنورين في مركز القرار السياسي أو في مركز التأثير في أصحاب القرار، قادرين على بلورة رؤية أو مشروع يربط بين عالمية الفكرة الديمقراطية وعملية استثمارها محلياً بما يتواءم مع الخصوصية الاجتماعية العربية والإسلامية.

3. غياب ثقافة الديمقراطية، فالديمقراطية كما اشرنا ليست مؤسسات ولكنها ثقافة أيضاً، وما يحدث في المجتمعات العربية هو أن خلق المؤسسات الديمقراطية سبق نشر الفكر الديمقراطي- عكس ما حدث في الغرب حيث مهد فكر عصري النهضة والأنوار لتأسيس النظم الديمقراطية.

ومن هنا نجد تعارضاً بين الثقافة الجماهيرية الغالبة التي هي أما أصولية أو ثورية انقلابية أو ثقافية خضوع وانقياد للحاكم من جهة، والثقافة الديمقراطية من جهة أخرى، بمعنى آخر أن الديمقراطية مطلب نخبوي أكثر مما هو مطلب جماهيري.

4. عملية الاستقطاب الدولي سياسياً وأيديولوجياً أظهرت وكأن الديمقراطية هي خاصة غربية إمبريالية وبالتالي نظر إليها كجزء من الثقافة الغربية الاستعمارية وان المطالبة بتطبيق هذه المقولات يدخل في باب الغزو الثقافي الغربي.

إن عملية التحول نحو البناء الديمقراطي في المجتمعات العربية تستلزم توافر مجموعة من المؤشرات ينبغي تفعيلها لكي تؤسس ثقافة سياسية واعية على النهوض بمستلزمات الديمقراطية، ومن بين هذه المؤشرات وجود فهم ووعي وإدراك للمجتمع السياسي هو بالأساس تركيبة مؤسساتية ترمي بالدرجة الأولى إلى التوفيق بين حرية الأفراد والجماعات وبين وحدة النشاط الاقتصادي والقواعد الاجتماعية ووجود انسجام متكامل بين الثقافة الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية، ذلك أن العكس يحدث انعكاسات سلبية تهدد الديمقراطية وبالتالي النظام الاجتماعي ككل.

فالمؤسسات الديمقراطية بما هي وعاء يقوم بوظائف متعددة من تمثيل وتأطير ودمج وتنمية وتنشئة....الخ يتطلب بالمقابل وجود ثقافة سياسية تسمح باستيعاب هذه الوظائف وعدم التصادم معها.

يضاف إلى هذه المؤشرات عملية البناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة وضرورة المشاركة في الحياة السياسية بالشكل الذي يقود إلى بناء ثقافة سياسية واعية لحاجات ومتطلبات الشعب.

وفي ضوء ذلك ينبغي للدولة أن تقوم بدور المراقب المباشر لتطبيق الديمقراطية فهذا الدور ينبع من كونها البيئة التي تجري فيها عمليات التفاعل الديمقراطي والمحرك الأساس للقوى والانتماءات الأخرى لكي تؤدي دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهذا الدور المباشر وغير المباشر للدولة ينبغي أن يستلزم وجود قوة ليس بمعنى السلطة والقهر وإنما القدرة الفاعلة في التأثير في بنية ومكونات المجتمع وهذا ما يؤكد صحة فرضيتنا السابقة.

والديمقراطية لا تقوم فقط على القوانين، بل تقوم قبل كل شيء على مستوى ونوعية الثقافة السياسية وهذه الأخيرة لا يمكن أن تنشأ وتتبلور ما لم يكن هناك فهم وإدراك للمجتمع السياسي بعملية البناء الديمقراطي وهنا تبرز قوة دور الدولة في تبصير وتنوير مكونات الشعب بأحقية مبدأ الديمقراطية ويتجسد ذلك بإقامة المؤتمرات والندوات التثقيفية لزيادة الوعي ومستوى التثقيف السياسي لدى المواطن فضلاً عن السماح للأحزاب والكيانات السياسية الأخرى لكي تدلي بدلوها في الحياة السياسية.

ومن جهة أخرى تضطلع الدولة بدور أساسي ومهم في نشر الديمقراطية والثقافة السياسية وهو تحقيق الوحدة في ظل الاختلاف، فالتباين العرقي والثقافي والاقتصادي والديني أمر مسلم به في كل مجتمع وهنا يقع على عاتق الدولة مسؤولية تحقيق الانصهار والتعايش بين مختلف الطوائف والكيانات عبر مؤسسات الدولة المختلفة وصولاً إلى تحقيق هدفها في المستقبل تحقيق مبدأ المواطنة المشتركة.

والمجتمع العراقي مثال بارز على ذلك بما يمتلك من تعددية في الأديان والثقافات والأعراق، فالمسألة الأساسية تنحصر في إطار الدولة كونها القادرة على تحقيق التوافق والانسجام الكامل بين هذه الانتماءات وهو ما يستلزم وجود دولة قوية تمتلك عناصر قوتها من الشعب نفسه الذي انتخبها وأعطى شرعيته لها.

وهذا الدور الرئيس للدولة مرهون بقدرة القائمين على السلطة في تحقيق مطامح وآمال الشعب العراقي وتعميق الديمقراطية التي تجسدت أبرز صورها في الانتخابات العراقية التي عبرت عن مضمون وتلاحم الشعب العراقي بكافة أطيافه. 

"الثقافة السياسية" نموذج 'الشباب الجامعي'(2)

تمهيد

إن أول عائق يصطدم به كل من يحاول القيام بالبحث في علم الاجتماع السياسي, هو أنه يجد أمامه كتابات غزيرة في مجال السياسة بوجه عام, و التي تختلف بين كتابة تنتمي إلى حقل الفلسفة السياسية و أخرى تنتمي إلى علم,ناهيك عن الكتابات ذات الطابع الإيديولوجي و التي تسعى إلى شرح المشروع السياسي لحزب معين أو الدفاع عنه و الانتصار لمبادئه, وتعبئة الرأي العام في اتجاه حملة انتخابية قادمة.إلا أن الباحث لا يجد من المقاربات السوسيولوجية لموضوع السياسة إلا النزر  اليسير ,الذي يقتصر في الغالب على المستوى النظري و المنهجي المؤسس لعلم الاجتماع السياسي. اد لا يزال هدا المجال يفتقر للكثير من الأبحاث و الدراسات الميدانية و الجزئية المتصلة بالواقع الاجتماعي لمختلف الفئات و الطبقات الاجتماعية و الانتماءات الجغرافية و الثقافية والمستويات الاقتصادية, و التي تعكس أنشطتها السياسية القيم و المعتقدات و الاتجاهات و مختلف المواقع التي تتبعها في زمان أو مكان معينين.

و كل هدا يفيد أن علم الاجتماع السياسي يركز اهتمامه على البيئة السياسية التي تعتبر محددا لظهور ثقافة سياسية, من خلال رصد العوامل الفاعلة في تشكيل اتجاهات جماعية, تتحرك وفق منظومة من القيم و المعايير و الرموز نحو أشكال المقبول و المرفوض, الصحيح و الخطأ, الحسن و الغير الحسن.......,أي كل ما يجب أن يكون,وهي انعكاسات لنمط الثقافة السائدة التي تستمد مقوماتها من عناصر,الدين العرف و أشكال الترتيب الطبقي و ألاثني و نوع العلاقات و التفاعلات بينها, فكل ما هو سياسي ادن يشكل وجها من أوجه النظام الاجتماعي, و الثقافة السياسية شكل من أشكال ثقافة المجتمع, مما يؤكد على أهمية دراسة المواضيع السياسية ضمن الحقل السوسيولوجي.

و نظرا لما تحتله فئة الشباب من أهمية عددية و معنوية داخل مجتمع يعرف صراعا و تدافعا بين قيم الحداثة و قيم التقليد يعيش الشباب المغربي بين السعي إلى إبراز الذات و الاصطدام بمنظومة الأعراف التي تخول للأب احتكار سلطة القرار, و لا تعترف لفئة الشباب و الأطفال و المراهقين و الإناث عموما بوجودها إلا في حدود ضيقة جدا,في المقابل تقدم سيرورة التحديث أنماطا جديدة من التربية تقوم على التعليم النظامي بمناهجه و مضامينه و أشكاله التنظيمية و على مختلف مؤسسات المجتمع المدني.  

الفصل الأول  الثقافة السياسية

1-الثقافة

 إن تحديد مفهوم الثقافة ضرورة تفرضها أهميته كمفهوم محوري يشكل مدخلا لمعالجة و فهم الثقافة السياسية , خصوصا و الأمر يتعلق بأحد المفاهيم المعرضة للغموض و الالتباس من جراء اختلاف استعمالاته و تباين المعاني المقصودة منه اد ظل دائما يثير ردود فعل مختلفة ضمن هده اللغة أو تلك , إن مفهوم الثقافة كما تقدمه العلوم الإنسانية يبدو مخلفا للتعاريف الكلاسيكية التي تضمنتها مختلف اللغات , كما يشير إلى دلك "غي روشيه" الذي يعتبر أن الثقافة كمفهوم متداول في العلوم الإنسانية لم يجد بعد القبول و الاعتراف في اللغة الفرنسية(1), و في اللغة العربية تشكل أيضا كلمة ثقافة معطى جديدا , اد  يقول "د .محمد عابد الجابري" إن معاجمنا لا تعطينا عن أصل هده الكلمة و مشتقاتها إلا هاتين الدلالتين أو ما يشبههما  يقال ثقف الولد , ادا صار حدقا ... و ثقف الكلام , حدقه و فهمه بسرعة . ويقال كذلك ثقف الرمح ادا قومه و سواه ....  , وهكذا نلاحظ أن معنى الثقافة عند أجدادنا العرب كان هو الحذق و الذكاء و سرعة الفهم , فهي من هده الناحية خصلة عقلية و ليست مفهوما مجردا.(2)

هدا بخصوص اللغتين العربية و الفرنسية , أما على مستوى العلوم الإنسانية, فقد  طرح المفهوم اولا في الانثروبولوجيا على اعتبار أن الإنسان دلك الكائن الذي يلجا لإشباع حاجاته الأساسية مثل الأكل و الشرب و اللباس و الجنس .... بطرق مخالفة لحالة الطبيعة الموجودة عند الحيوان , اد انه يستعمل في سبيل دلك عقله لإبداع وسائل و طرق ينظم بها إشباع هده الحاجيات و يهيئها و يطورها , و يستطيع بقدراته العقلية أن ينشئ تلك الوسائل و يغير فيها و يتعلمها من أجيال سابقة و ينقلها إلى الخلف بعد أن نقلها عن السلف , هده الطرق أو النظم هي ما يطلق عليه اسم 'النماذج الثقافية' , ففي الثقافة نماذج معيشية و نماذج فكرية أبدعها الإنسان عبر العصور , فهي نماذج مكتسبة أي لا يولد الفرد مزودا بها , لأنها تنتقل عبر الأجيال و كل جيل يضيف إليها نماذج جديدة , فهي قابلة للتبدل و التغير. و يقول "تايلور" أن الثقافة هي دلك المركب الكلي الذي يتضمن المعارف و العقائد و الفنون و الأخلاق و العادات , و أي قدرات و خصال يكتسبها الإنسان نتيجة وجوده عضوا في المجتمع ,هده النماذج الثقافية تتخذ شكل بنية متعالية يخضع لها الأفراد باستمرار و تعبر عن وضعية المجتمع و تركيبته و عن العلاقات القائمة بين أفراده و مجموعاته , لدلك لا يمكن الحديث عن ثقافة مجتمع ما بكيفية مطلقة بل يصعب دلك حتى في المجتمع الواحد لأنه يمكن الحديث عن ثقافات فرعية و أخرى مضادة , و ثقافة سياسية أو اقتصادية أو جمالية أو دينية......(3) و يمكن كذلك القول بثقافة فئة ما (الشباب , النساء...)أو (نخبة , طبقة....)

تتخذ الثقافة ادن كبنية فوقية , تتكون من مجموعة مترابطة من أنماط العمل , التفكير و الشعور تتألف

منها الأدوار التي تحدد السلوكات المنتظرة من مجموعة من الأشخاص(4) فمكونات هده الثقافة تتواجدمن في المجتمع خارجة عن الأفراد و لا تتأثر بموتهم الفيزيولوجي فهي موجودة قبلهم و تبقى بعدهم , .من خلال ما تقوم عليه من آليات تضمن لها الاستمرار و الانتقال و التداول كاللغة و التربية.....و تتصف بالإلزامية لما تؤسسه الجماعات من معايير و قوانين تشكل قواعد للسلوك تمارس إكراها , بحيث لا يشعر الأفراد بضرورة الانصياع إليها. 

2 - لماذا الثقافة السياسية ؟

 إن أدوات المعرفة في العلوم الإنسانية تعود بالأساس إلى وعي الفرد , وحتى إن كانت تلاحظ سلوكه , فنحن نعرف أن ملاحظة السلوك لا تكفي إن لم نقارنها في نفس الوقت بمعرفة الدلالات التي يعطيها الأفراد لتلك السلوكات , ودراسة التفاعل أو الترابط بين السلوكات و الدلالات (5) فالثقافة السياسية تجد تفسيرها في تلك العلاقة بين الدلالات و السلوكات بل إنها أكثر من دلك تصبح شاملة لتدخل في نطاق أشكال و نماذج مترابطة من أنماط عمل و تفكير و شعور , تؤلف الأدوار التي تحدد السلوكات المنتظرة من مجموعة من الأشخاص حسب تعريف موريس ديفرجيه للثقافة.(6) ولهدا يبدو السلوك السياسي كجزء من الثقافة السياسية , و لا تعني الثقافة السياسية فقط السلوك فلكون مفهوم الثقافة أكثر شمولا , و أكثر عمقا , ولان السلوك و الممارسة في شكلها الأكثر انتظاما تنحصر فقط على نخبة قليلة من رجال السياسية واطر و مناضلي بعض الأحزاب , و يزداد الأمر وضوحا كلما تعلق بالشباب الذي يعتبر أكثر الفئات عموما ابتعادا عن الفعل السياسي(7)و ليس بأقل امتثالا لثقافة سياسية حتى التي يصفونها بالاتسيس و التي تجد تبريرها في استبعاد الشباب لكل ما يحيل الشباب على السياسة , و التلفظ بكلمة سياسة أو تسمية العاهل المغربي و الخوف الذي تبعثه محاذاة هدا المجال.(8) و لا تحجب أهمية ما هو ثقافي و كدا الأكثر عمقا , وان كانت تلك العوامل تعوق وصول الباحث إليها , لان المواضيع السياسية تجد في المجالات الأكثر حميمية بين الشباب و داخل أسرهم المكان الأنسب لمناقشتها و الخوض فيها بحرية.

و لأننا نريد من هدا العرض أن يلامس معطيات يمكن تعميمها على الشباب الجامعي بالخصوص , دلك انه إن كان محسوما في السلوك السياسي سلفا بسلبية تعامل الشباب مع المؤسسات و عزوفه عن أشكال الممارسة السياسية , من الانخراط في الأحزاب و النقابات و التنظيمات الطلابية , و المشاركة في الانتخابات و مختلف التظاهرات , يبقى التحديد العميق لمحددات الثقافة السياسية أمر غير محسوما فيه , و لا يعني هدا على أن محاولتنا البسيطة جدا للبحث قادرة على الحسم فيه, و إنما هي محاولة لفهم التركيبة الثقافية المؤطرة للوعي الشبابي في مجال السياسة و التي تظهر فيها العلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي و السياسي و البنية الثقافية أمر يصعب تجاوزه.

3- الثقافة السياسية الشباب الجامعي و البنية السياسية.

 تفيد الثقافة السياسية بصورة عامة , الأوجه السياسية للثقافة الأكثر شيوعا في المجتمع و التي تحدد قيمة الفعل السياسي في حد ذاته و درجة القبول به أو استبعاده , كما تتضمن أشكال التفكير و الشعور من خلال التصورات السائدة حول أنماط القيادة و الحكم و تسيير الشأن العام المحلي و الوطني , و التمثلات المرتبطة بالسلطة و العلاقة بها , وهي عوامل تتشكل بواسطة الأدوار و نماذج السلوك الصادرة عن الجماعة التي يفترض فيها أن تكون منسجمة مع منظومة القيم و المعايير و الأعراف و المعتقدات المكتوبة أو الشفهية(9) فالمجتمع الإنساني و خاصة بنياته السياسية تنتج مجموعة من المعايير , هده المعايير التي تتحدد إما على قاعدة السلوك المتبعة فعلا من طرف أغلبية أفراد المجتمع , أو على قاعدة من قواعد السلوك يجب إتباعها وفقا للنموذج الثقافي و لكنها غير متبعة (10) , فالمعايير تاخد شكلا عفويا أو منظما , ومن ثم فالمعايير العفوية تطبق من طرف الجماعات تلقائيا و دون وساطة سلطة أو مؤسسة كالثار و الطرد و الحجز....و تاخد شكلا شخصيا , فالشعور بالذنب و الندم هما الجانب السلبي , في حين أن الرضا هو الجانب الايجابي , ولكن الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية , دلك لان الشعور بالذنب أو الندم أو الرضا يقوم على الشعور بانتهاك الروابط الاجتماعية , أما الشكل المنظم  وهو الذي تظهر فيه القوانين المكتوبة , كالدستور أو القانون الجنائي أو غيرهما , و التي يؤدي انتهاكها لعقوبات كالسجن, الضرب , الغرامات ,مصادرة الأموال , النفي , الإقامة الإجبارية......(11)وقد تستند هده المعايير في عمومها إلى مرجعيات تتمثل في الدين القيم الثقافية و الأعراف أو مقتضيات اتفق عليها بناءا على أسس أخلاقية أو فلسفية معينة , أي ما يعرف بالقانون الوضعي , تكون في جوهرها عبارة عن قيم , فإضفاء قيمة ما على فعل من الأفعال أي تصنيفه إلى خير أو شر , عدل أو ظلم , حسن أو قبح , مناسب أو غير مناسب......(12) تشكل القاعدة الأساسية لمفهوم المعايير ومن حيث نتائجها على مفهوم الثقافة , فالثقافة في المرحلة الأخيرة من التحليل هي منظومة قيم تتخذها جماعة ما مرجعا وقواعد للسلوك يكون الانضباط أو عدم الانضباط بقدر نوع الجزاءات (العقوبات أو المكافئات) السائدة في المجتمع.إن الثقافة السياسية ادن تختلف من مجتمع لآخر و من زمن لآخر , هكذا تتحدث عنها النظريات السوسيولوجية  كمعطى غير قار مرتبط بقطاعات و فئات المجتمع , فهي لا تظهر دائما على نفس النحو لدى جميع الفئات , بل لكل فئة نقط التقاء و افتراق مع ثقافة مجتمعها , تجتمع على ما هو أساسي فيها , و قد لا تنضم فئة أو جماعة لهده الثقافة لتشكل بدلك ثقافة مضادة , تنضم بشكل جزئي فتكون ثقافة فرعية.

و هكذا نجد موضوع الثقافة السياسية ظل على غرار المواضيع السياسية الأخرى اقل حظا في الساحة العلمية و الثقافية في المغرب , ودلك بالتعامل المحتشم و المشوب بالحيطة و الحذر في التطرق إلى مجال يشكل مصدر توتر على مجموعة من المستويات , فانطلاقا مما يحيط به من طابوهات و مقدسات و محرمات.وصولا إلى كون العلوم الاجتماعية و السياسية تتطرق لهده المواضيع بشكل مباشر لأنها تسعى لمعرفة السياسي , و استكشاف تجلياته في مجتمعنا عبر مختلف المجالات , كالسياسة العادية , و المؤسسات و السلطة الاقتصادية و السلطة الثقافية , هده المجالات لا زالت في طور التغير و التطور في بلادنا , و البعض من هده القضايا لم يحسم بعد , كالدولة و طبيعتها , و علاقتها بالمجتمع المدني , المجتمع المدني نفسه هل يوجد أم لا ؟ الديمقراطية...الخ , كل هده القضايا لم تعرف طريقها إلى الحسم , وهي قضايا حساسة جدا , لكنها حساسة دون هن يعني دلك إن هناك رقابة من الأعلى , بل غالبا ما نجد أن هناك رقابة ذاتية هي التي تمنع البحث عن التقدم (13). ويزداد الوضع تعقيدا كلما تعلق الأمر بالمقاربة السوسيولوجية للمسالة السياسية , ومع دلك تظهر بعض مكونات الثقافة السياسية ولو بشكل غير مباشر في الدراسات التي تناولت النسق السياسي المغربي بشكل عام , واليات السلطة و الشر عنة , النخب السياسية , الأحزاب , الانتخابات وغيرها تمكننا من تلمس و تبصر ملامح و مميزات الثقافة السياسية (14) و ادا كان هدا حظ الثقافة السياسية في المغرب بشكل عام فان علاقة الشباب بالسياسة ليست بأحسن حال , مدام إن القليل من الدراسات التي أنجزت حول هدا الموضوع , و رغم أهميتها فإنها تضل غير كافية , حيث إن توسيع البحث و تجديده في هده المسالة بات يشكل ضرورة أساسية في ضل التحولات الاجتماعية و السياسية التي يعرفها المحيط الوطني و الدولي , خاصة ادا تعلق الأمر بالشباب الذي تنعكس عليه بوضوح هده التحولات. 

الفصل الثاني  تمثل الشباب الجامعي للثقافة السياسية

1 – معرفة الشباب الجامعي بالأحزاب السياسية:

 تضمنت الاستمارة سؤال لاستعراض أسماء بعض الأحزاب المغربية بالترتيب حسب الأهمية , فتبين أن نسبة 23,86 في المائة من أفراد العينة المبحوثة ذكروا حزب العدالة و التنمية , في حين نجد هن نسبة 18,18 في المائة ذكروا حزب الاتحاد الاشتراكي ,أما نسبة الفئة التي ذكرت حزب الاستقلال فهي تصل إلى 14,78 في المائة, وتبقى النسبة الكبرى( 25 في المائة) متحفظة عن ذكر اسم أي حزب , وهدا راجع لموقفهم السلبي من الأحزاب.

 الجدول 1  توزيع الطلبة حسب ذكرهم للأحزاب المغربية

 النسبة المؤوية

 عدد مرات تكراره

 اسم الحزب 

23,26

 21

 حزب العدالة و التنمية 

18,18

 16

 حزب الاتحاد الاشتراكي 

14,78

 13

 حزب الاستقلال 

18,18

 16

 أحزاب أخرى 

25

 22

 الموقف السلبي 

100

 88

المجموع 

يتبين من خلال هدا التصنيف –كما سبقت الإشارة- أن ربع المستجوبين لم يذكروا اسم أي حزب , و هدا راجع لنبد بعضهم طريق الإصلاح و تبنيهم الخيار الثوري , في حين أشار بعضهم للعائق الدستوري (فصل19) , بينما نجد أن الأحزاب ذات الشهرة والانتشار و التي نالت الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة (27 شتنبر 2002) هي المسيطرة و يأتي على رأسها حزب العدالة و التنمية , وهو حزب دو توجه إسلامي عقد مؤتمره التأسيسي سنة 1998 , وهو يعد امتدادا للحركة الشعبية الدستورية  الديمقراطية تحت قيادة د .الخطيب , و يهدف هدا الحزب حسب الباب الأول من قانونه الأساسي إلى 'تحقيق ديمقراطية منبثقة عن تعاليم الإسلام و متلائمة مع التقاليد الوطنية السليمة في نطاق ملكية دستورية تمكن الشعب من ممارسة حقوق و مظاهر سيادته , و يشدد عبد الكريم الخطيب على كون حزب العدالة و التنمية يعلن صراحة إن مشروعه ينطلق من الإسلام عقيدة الشعب المغربي'.(15)

لقد استطاع هدا الحزب تعزيز وجوده على الخريطة السياسية المغربية لأنه جاء في سياق انتشار المد الإسلامي من جهة , و لابداءه مرونة اتجاه القبول ببعض مظاهر الحداثة من جهة أخرى.

وبعد حزب العدالة و التنمية يأتي حزب الاتحاد الاشتراكي في المرتبة الثانية بنسبة 18,18 في المائة , ثم حزب الاستقلال بنسبة 14,78 في المائة, و نشير أن نسبة معينة من الفئة المبحوثة ذكرت جماعة

العدل والإحسان في قائمة الأحزاب السياسية , هدا مع العلم أن هده الجماعة تفتقر إلى الصبغة القانونية

كمؤسسة أو حزب , إضافة إلى أن نسبة 18,18 في المائة ذكروا أسماء أحزاب أخرى  نذكر منها

حزب التقدم و الاشتراكية , حزب اليسار الاشتراكي الموحد , حزب الاتحاد الدستوري...........

2 موقف الشباب الجامعي من الحركة الطلابية

تعتبر الحركة الطلابية كإحدى الظواهر الاجتماعية التي عرفها القرن 20 عبر أنحاء العالم , ويمثل الطلبة قوة اجتماعية تقودها هده الحركة , و في المغرب انبثقت الحركة الطلابية , ليس لمجرد رغبة ذاتية لدى الطلبة المغاربة الدين اجتمعوا في المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1956 ,بل كان ضرورة موضوعية و استجابة قوية يفرضها التطور الموضوعي لحركة الجماهير التواقة إلى التحرر السياسي و الاجتماعي (16) ما منح هده الحركة في البداية طابع مناهضة الاستعمار و الانخراط في النضال من اجل الاستقلال , حيث انخرطت في الحركة الوطنية لتشكل قطاعا حزبيا موازيا لحزب الاستقلال  ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية , إلا أن أعلنت المنظمة الطلابية قطيعتها مع التبعية المباشرة للأحزاب  السياسية بتبني الخيار الثوري , وقد وجد هدا التوجه في المنظور الفكري ل'هربرت ماركيوز' دعامة نظرية و سندا أيديولوجيا , ما يفسر سعي القوى السياسية المناهضة لقوى الحكم القائم إلى السيطرة على الفضاء الجامعي باعتباره أكثر قابلية لاستيعاب أطروحات المعارضة كما أن هدا الفضاء هو الأكثر تفاعلا مع التحولات المحلية و الإقليمية و الدولية , هده القابلية و هدا التفاعل هما اللذان سيجعلان الفضاء الجامعي بؤرة لتدبير التناقضات , ودلك ارتكازا على محددين , الأول يتمثل في كون الجامعة هي قبل كل شيء فضاء لإعادة إنتاج التناقضات الاجتماعية , أم المحدد الثاني يتجلى في كون التناقضات السياسية داخل المجتمع يتم نقلها إلى الفضاء الجامعي , و ضل دور الدولة بارزا ضمن هده المعادلة من خلال الحملات القمعية و الاعتقالات و المحاكمات.(17)

و في سؤال موجه إلى الطلبة حول رأيهم عن الحركة الطلابية , باعتبارهم المعنيين بالدرجة الأولى ببرامجها و توجهاتها , لكونها الهيئة المفترض فيها التمثيل القانوني للطالب في مختلف المحافل , و التعبير نيابة عنه بالنسبة لمختلف المشاكل و الانشغالات التي يحملها.

الجدول 2   نظرة الطلبة للمنظمات الطلابية

النسبة المؤوية

 التكرار

 نظرة الطلبة للمنظمات الطلابية 

24,20

 15

 هيئات نقابية 

22,60

 14

 هيئات سياسية 

48,40

 30

 فصائل متصارعة 

4,80

 3

 آخر 

100

 62

 المجموع 

يظهر من خلال الجدول إن نسبة 48,40 في المائة من الطلبة تنظر للمنظمات الطلابية على أنها فصائل

متصارعة الواحد منها يسعى لإقصاء الآخر , هده النظرة تعبر عن حقيقة نلمسها في واقع الحركة الطلابية ,

و لعل التعصب للأيديولوجيات و الذي غالبا ما يكون بوحي من قوى خارجة عن الجامعة و بعيدة عن واقع الشباب الجامعي نفسه , هو من الأسباب التي تغدي هدا الصراع , مع العلم إن الاختلافات الإيديولوجية لم تعد لها حاليا تلك الجاذبية التي كانت لها سابقا.

أما فيما يخص سؤال آخر تضمنته الاستمارة حول رأي الطلبة في مسالة الأسباب الكامنة وراء المشاكل التي تعرفها الحركة الطلابية , نلاحظ أن أغلبية الطلبة لم يدلوا برأيهم في هده المسالة , بينما أرجعت بعض الفئات هده الأسباب إلى عزوف الطلبة عن ممارسة الفعل السياسي , عدم مواكبة الحركة الطلابية للتغيرات الثقافية و السياسية , و كدا ارتباط هده المشاكل بالمناخ السياسي العام , إضافة إلى واقع القمع الذي تعرضت له الحركة الطلابية و تدخل السلطة لتفكيك أجهزتها.

و بالنسبة لتمثل الشباب الجامعي للمشاركة السياسية , و انطلاقا من سؤال احتوته الاستمارة تبين لنا ان نسبة 31,37 في المائة ترى أن الانتماء إلى حزب هو أمر هام , بينما ترى نسبة 68,63 في المائة انه غير هام , أما فيما يخص الموقف من المشاركة في التظاهرات السياسية فنسبة 47.06 في المائة ترى أنها هامة في حين ترى نسبة 52,94 في المائة عكس دلك , أما بالنسبة لمسالة الانتماء إلى اتحاد طلابي فنسبة 68,63 في المائة ترى بأنها مسالة هامة بينما ان نسبة 31,37 في المائة ترى ان انتماءا من هدا القبيل أمر غير هام.

الجدول 3  توزيع الطلبة حسب الرأي من المشاركة السياسية.

المجموع

 مسالة غير هامة

 مسالة هامة   

51 مرة

100 في المائة

 35 مرة

68,63 في المائة

 16 مرة

31,37 في المائة

 الانتماء الى حزب 

51 مرة

100 في المائة

 27 مرة

52,94 في المائة

 24 مرة

47,06 في المائة

 المشاركة في تظاهرة سياسية 

51 مرة

100 في المائة

 16 مرة

 31,37 في المائة

 35 مرة

68,63 في المائة

 الانتماء الى اتحاد طلابي

 3 موقف الشباب الجامعي من الانتخابات

 تشكل الانتخابات ميدانا للمشاركة السياسية في كل الدول الديمقراطية , هده العملية السياسية و التقنية التي تتم في إطار نوع من التعاقد المشروع , الذي يخول للمواطنين حق المساهمة و المراقبة لمختلف الاستشارات و القرارات السياسية , و تقوم المشاركة السياسية عموما بمختلف مظاهرها و أحجام حضورها , تبعا لطبيعة النظام السياسي للدولة , و خصوصيات التنشئة السياسية التي يتلقاها أفراد المجتمع , فتاتي الانتخابات او نظام الاقتراع كشكل من أشكال المشاركة السياسية , بحيث يتم التركيز على المواطنين لإقناعهم بضرورة التصويت لفائدة برنامج جزئي معين او جماعة معينة او مرشح معين.(18)

وفي المغرب كشفت الانتخابات الأخيرة (27 شتنبر2002) على ان نسبة المشاركة لم تتجاوز 25 في المائة , في الوقت الذي يضم فيه الحقل السياسي أكثر من 26 حزبا , وهو ما يشكل تراجعا عن نسب المشاركة السابقة (1984 كانت نسبة المشاركة هي 67,43 في المائة , في 1993 كانت هده النسبة هي 63,75 في المائة , في حين وصلت هده النسبة الى 58,30 في المائة سنة 1997) , الشيء الذي يؤكد ضعف المشاركة السياسية في المغرب , خصوصا حينما يتعلق الأمر بالشباب , هاته الفئة التي تشكل القاعدة الديمغرافية الواسعة , والتي تعرف حالة عزوف ليس على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية فحسب , بل عزوفها يشمل مختلف مظاهر الحياة السياسية ككل.

وقد تضمنت الاستمارة , فيما يخص أهمية بعض أشكال الممارسة الانتخابية , سؤالا حول مدى أهمية التسجيل في اللوائح الانتخابية , فأعربت نسبة 37,25 في المائة من العينة المبحوثة عن أهمية هدا التسجيل , في حين ترى الأغلبية (62,75 في المائة) عكس دلك , أما بالنسبة لمسالة الترشح للانتخابات نجد ان نسبة 34,30 في المائة ترى إنها مسالة هامة , في حين ترى نسبة 64,70 في المائة أنها ليست هامة , أما فيما يخص التصويت فنسبة 45,10 في المائة ترى انه أمر مهم بينما ترى نسبة 54,90 في المائة انه غير هام.

نلاحظ من خلال استقراء هده الأرقام ان النسبة الكبيرة ترى ان العملية الانتخابية غير هامة , و يعزى هدا الأمر الى عزوف الشباب عن الممارسة السياسية , و كدا الى عدم ثقتهم بفعالية و جدوى الانتخابات , ويمكن اعتبار هدا السلوك كنوع من الاحتجاج الصامت على الظروف التي تمر فيها هده العملية.

 الخلاصة

 انطلاقا من تحليلنا النظري أولا , و الذي اعتمدنا فيه على بعض المراجع التي تلامس المجال السياسي بشكل عام , و حقل السوسيولوجيا السياسية بشكل خاص.

و كدا نزولنا إلى الميدان , فقد اخترنا , بطريقة عشوائية , 51 طالبا و طالبة كعينة مبحوثة , واقترحنا عليهم ملئ استمارة تضمنت أسئلة تخص موقف الطلبة من ثلاث مؤسسات سوسيوسياسية , وهي الأحزاب السياسية , الاتحادات الطلابية ثم الانتخابات , وقد توصلنا لاستنتاجات يمكن تعميمها , نسبيا , على باقي الطلبة.

بالنسبة للأحزاب السياسية , فقد أكدت نسبة كبيرة من الطلبة موقفها السلبي من هده المؤسسات , وبالمقابل فقد تشبثت الأغلبية بالاتحادات الطلابية , اما مسالة الانتخابات فقد اعتبرتها جل العينة المبحوثة , مجرد لعبة الخاسر الأكبر فيها هو المواطن الذي يعتبر مجرد جسر تستعمله الطبقة السياسية في كل موسم انتخابي للمرور الى قبة البرلمان.

ومما سبق نخلص الى ما يلي

-  التأثير و التأثر المتبادلين بين الجامعة و الشارع السياسي.

-  عزوف الشباب عن ممارسة السياسة الرسمية.

-  الدور الغير مباشر الذي تلعبه الأسرة في تشكيل الثقافة السياسية.

-  تأثر الشباب بوسائل الإعلام التي تروج  ثقافة أحادية تمثل الخطاب الرسمي.

    أخيرا , يمكننا التأكيد على ارتباط الثقافة السياسية بالبنيات الاجتماعية , و السياسة المغربية التي تجعل من السلطة تهيمن على كل عناصر النسق السياسي , و هدا مما يجعل الثقافة السياسية , بالتالي , تتسم بالتبعية عوض  المشاركة و التأثير الايجابي في مراكز القرارات السياسية.

.......................................................................

الهوامش

1-Guy Rocher, « l’action sociale introduction à la sociologie générale » Paris H.M.H   P140.

2- محمد عابد الجابري , "الثقافة في معترك السياسي زمن الايدولوجيا" مواقف , العدد 11 , ص 76.

3- موريس ديفريجيه , "السوسيولوجيا السياسية" ترجمة هشام دياب ,دمشق , 1970 ,  ص 121.

4 – نفس المرجع ص105.

5- محمد جسوس , سلسلة مقالات نشرتها جريدة ' الأحداث المغربية' 12 نونبر 2002.

6- موريس ديفريجيه , "السوسيولوجيا السياسية" ترجمة هشام دياب ,دمشق , 1970

7- المختار شفيق , "الشباب و التغير الاجتماعي الأسرة , السياسة و الدين" المنار للنشر و التوزيع ,2002.

8- Mounia Bennani Chraïbi ; « Soumis et rebelles des jeunes au Maroc » , le Fennec ; Casablanca ; 1995.

9   موريس ديفريجيه , "السوسيولوجيا السياسية" ترجمة هشام دياب ,دمشق , 1970  ص109

10  موريس ديفريجيه , "السوسيولوجيا السياسية" ترجمة هشام دياب ,دمشق , 1970  ص 109-110

11   موريس ديفريجيه , "السوسيولوجيا السياسية" ترجمة هشام دياب ,دمشق , 1970  ص 111

12  موريس ديفريجيه , "السوسيولوجيا السياسية" ترجمة هشام دياب ,دمشق , 1970  ص 113

13 –عبد الله السا عف "أحاديث في السياسة المغربية" , منشورات الزمن , 2002. ص 42-43.

14 - المختار شفيق , "الشباب و التغير الاجتماعي الأسرة , السياسة و الدين" المنار للنشر و التوزيع ,2002 ص39.

15 – محمد ظريف ,"الأحزاب السياسية المغربية من سياق المواجهة إلى سياق التوافق 1999-1934 " ,منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي , 1999 , ص 303.                                                                                                   16- محمد ظريف ,"الأحزاب السياسية المغربية من سياق المواجهة إلى سياق التوافق 1999-1934 " ,منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي , 1999 ص142.

18 –مجلة "دراسات ووقائع دستورية و سياسية" ,العدد 4 , 2002 , ص 17.

الثقافة المجتمعية ومشاركة المرأة السياسية(3)

يخال الباحث تحت هذا العنوان أن المقصود به دراسة اثر ثقافة المجتمع على دور المرأة الأردنية في المشاركة السياسية وعلى الرغم من وجود بعض الاختلاف بين الثقافة السياسية للمواطن، أي مواطن وثقافة المجتمع بعامة، إلا أن البعد الاجتماعي للثقافة يؤثر أو يبدو أكثر وضوحا في ثقافة المرأة السياسية منه لدى الرجال في مجتمع سمته العامة أنه مجتمع محافظ. وتجربة المرأة السياسية في تاريخه أقصر بكثير من تجربة الرجل و أكثر محدودية، ولهذا كان من المناسب أن يبقى العنوان كما هو دون أن يقتصر على مجرد التأثير أو دون أن يقتصر على مضمون الثقافة السياسية للمجتمع.

وعليه فقد كان من الضروري أن تأخذ فرضية الدراسة صورة عامة تبحث في العلاقة بين ثقافة المجتمع كفاعل وكمتغير أصيل ودور المرأة في العملية السياسية أو الحياة السياسية كمتغير تابع ومنفعل. والأسئلة التي يمكن طرحها هي: هل ستؤثر ثقافة المجتمع على دور المرأة في الحياة السياسية. ومن ثم هل تصوغ ثقافة المجتمع طبيعة مشاركة المرأة السياسية؟ وهل هذا التأثير وهذه الصياغة ذا طبيعة سلبية محددة، أم ذا طبيعة إيجابية دافعة. ومع أن الإجابة المفترضة على هذه الأسئلة تنحو لأن تكون على النحو التالي: نعم تؤثر ثقافة المجتمع على دور المرأة في الحياة العامة عموما وفي الحياة السياسية خصوصا تأثيرا سلبيا، وأن صيغة مشاركة المرأة في العملية السياسية هي صيغة محدودة ومنفعلة تابعة أساسا ، بمعنى أن ثقافة المجتمع والمشاركة السياسية للمرأة علاقة سلبية، إلا أن هذا الأمر لا يبدو حتميا إذا ما تم التعرف على أسس الثقافة المجتمعية والاحتمالات الفعلية لإيجاد مشاركة سياسية متناسبة معها.

يمكن القول بأن الثقافة المجتمعية لجهة تعريفها في إطار الخصوصية الأردنية مع الأخذ بالاعتبار بأن جزءا هاما من الثقافة المجتمعية الأردنية يرتبط أو يشكل نسقا مكملا للثقافة المجتمعية العربية، هي:

المركب الثقافي الذي يتشكل من العقيدة الدينية والأعراف والتقاليد المتفق عليها عموما، والأفكار والاتجاهات والميول الخاصة أو الشائعة ومنظومة القيم التي تضبط تفاعل ذلك كله في المجتمع الأردني. أي هي الإسلام دينا أو حضارة، والعرف الاجتماعي والتقاليد عامها وخاصها بالنسبة للفئات التي يتكون منها المجتمع، والأفكار السياسية في إطار مدارسها و تياراتها (الليبرالي، القومي، اليساري، الوطني، الانعزالي)، والاتجاهات التي ترتبط بتطور بمصالح وتطورات الفرد عن دوره، وميوله النفسية وإنجازاته لقناعاته الخاصة أيا كان مصدرها أو مستقرها، وكل ذلك محكوم بالسلم القيمي المتمثل بالحلال والحرام، والعيب، والمشروع، واحترام السلطة، الامتثال، التدين، أخلاق العمل، ما هو المقبول والمرغوب فيه وما إلى ذلك من قيم يعتبرها الفرد معايير تضبط تفكيره أو سلوكه.

إن هذا المركب الثقافي يتحدد أيضا في المجتمع الأردني بمجموعة من الشروط الموضوعية مثل خصوصية الفئة السكانية التي ينتمي إليها الفرد، فالسكان في الأردن يميلون إلى التنوع من حيث الصول، وأساليب الحياة والأدوار الاقتصادية أو السياسية أو المهنية، كما يتحدد بالسقف العام للمركب الثقافي القومي باعتبار أن سمة المجتمع العربي " الأبوية " تنصرف على المجتمع الأردني بكل جدارة، ناهيك عن باقي الخصائص التي يصطبغ بها المجتمع الأردني بنسب متقاربة مع تلك التي تصطبغ بها المجتمعات العربية الأخرى، كالصبغة العشائرية، أو صبغة المحافظة أو في مواجهة أزمة الهوية أو المواقف من التقدم كفاية للجهد الاجتماعي والسياسي.

أما المشاركة السياسية كمفهوم عام، فهي وإن عنت في النهاية المساهمة بصورة ما في العملية السياسية في المجتمع والدولة، إلا أنها لا تكون كذلك إلا إذا كانت أساسا فعلا ناجحا و منظما ومستمرا، ويوظف بصورة شرعية أو غير شرعية الطرق والوسائل التي تهدف للتأثير على اختيار السياسة العامة.

ومع أن أثر هذا المفهوم يتجاوز حدود ما تسمح به المحاضرة، إلا إن كانت الإشارة إلى صور المشاركة ضرورية، فالمشاركة إما أن تكون بالتصويت والترشيح للانتخابات العامة أو الفرعية، أو بالحملات الانتخابات، أو عبر النشاط الاجتماعي (العمل ضمن مجموعة داخل المجتمع)، أو بمقابلة المسؤولين من أجل قضايا شخصية، أو بالاحتياج.

الثقافة السياسية الضيقة... علاجها دستوري(4)

 بدأ الحديث عن الثقافة السياسية في أواخر الخمسينات من قبل المفكرين الأميركيين الذين وجدوا أن التكوين السياسي في المجتمع هو نتيجة إفرازات سياسية مستمدة من عوامل الانتماء عند الأفراد، وهي تظهر سلوكهم وحركتهم ورد فعلهم تجاه العملية السياسية ويتصرف هؤلاء كأنهم جزء منها وإن لم يكونوا ليؤمنوا بها وبمشروعها السياسي.

الحديث عن الثقافة السياسية ليس الحديث عن الثقافة بشكل عام إنما عن جانب هذه المعتقدات وطريقة الالتفاف العاطفي أو التعصبي حولها، وكيف يتم توريث هذه الأفكار السياسية من جيل إلى جيل لصونها وترسيخها في أذهان الأتباع وحمايتها من غزو الثقافات الأخرى، وأن أي انحراف عنها يعد ضربا من ضروب الخيانة، ويتم توريثها من جيل إلى جيل بشكل طبيعي وبدون عناء، وأهم مكوناتها تأتي من الدين أو المذهب اللذين يلعبان الدور الأساس في تكوين الرؤية ورد الفعل.

فإذا أخذ الإنسان يعمل ويتصرف على أن رؤيته صائبة ورد فعله حقيقي فانه سوف يعمل ويتصرف على هذا الأساس مقتنعاً مع ذاته بأن ما يقوم به هو الصواب حتى ولو كان الغير الخطأ المبين. ولا يمكن أن تحصل عملية التغيير إلا من خلال التعمق والنقد الفكري البناء والاقتناع بالبديل. وأن المستفيدين من هذا هم الذين ينطلقون بعملهم إن بالسر أم بالعلن إلى توريث ثقافة اللون الواحد وتوظيف ما يتصل بها من الأساطير الدينية لترويج الغيبيات وترسيخها وإعطائها التفسيرات التي تؤدي إلى ما يخدم مصالحهم الشخصية.

عندما نتحدث عن المعتقدات التي تنمو في حدائقها الأساطير الدينية ليس المطلوب من ذلك التوصل إلى ما يدور في عقول الرجال أو لماذا يعتقد هؤلاء ما يعتقدون، إنما المقصد هو التعرف على سلوك الأفراد ورد فعلهم والتفسيرات التي يعطونها حول نتائج ما حصل وليس كيف حصل أو لماذا حصل. فالثقافة السياسية ليست تحليل الحالة أو درسها أو التعمق في أسبابها إنما رد فعل الأفراد على واقع الحال. إنه ليس المطلوب معرفة لماذا احتلت الولايات المتحدة العراق وكيف تم ذلك، أو ما هو سبب ذلك، إنما ردود فعل الأفراد العراقيين وغيرهم تجاه هذا الحدث (الاحتلال). وتدل الإحصاءات على أن رد فعل الشيعي هو غير رد فعل السني أو الكردي وغيرهم الخ.

وفي السياق ذاته ما هو رد فعل الأفراد في لبنان بناء على ثقافتهم السياسية تجاه ما حصل بين "حزب الله" والعدو الإسرائيلي؟ إن كل هذه الأمور يجب أن تتم دراستها وتمحيصها بطريقة موضوعية بناء على فهم الأفراد وتصرفهم وسلوكهم Behavioral understanding تجاه الحدث، مع العلم أن ثقافة "حزب الله" السياسية كانت موجهة ضد ثقافة العنصرية الإسرائيلية، وقد حققت الحرب الأخيرة هدفا رئيسياً وكبيرا يجب الانتباه الكلي إليه ألا وهو إلغاء فكرة الدولة الاستيطانية بالقوة في العصر الحديث من القاموس الإسرائيلي لاعتقادها بأنها سوف تعيد التاريخ إلى الوراء وتعمل ما عملته الدول الاستيطانية.

فقد نجحت حالة الاستيطان من قبل الولايات المتحدة يوم عمد المهاجرون الجدد من اسكتلندا وإنكلترا وغيرهما إلى الأرض الجديدة وعملوا على التوسع وإبادة "الهنادرة" السكان الأصليين وإقامة دولتهم عليها. والتجربة الثانية كانت الدولة الاستيطانية في القارة الاسترالية فقد استعملت الأساليب ذاتها لتحقيق الهدف وقد حاول الهولنديون في أواخر القرن العشرين اتباع سياسة الفصل العنصري في طرد الزنوج أو قتلهم لإقامة دولة البيض الاستيطانية في جنوب إفريقيا، ولكنهم لم يفلحوا وقبلوا بالأمر الواقع وتركوا زمام أمر البلد لأهله. ولم يبق من فكرة للدولة الاستيطانية إلا في عقول الصهاينة لإقامة دولتهم في فلسطين فكانت الحرب الأخيرة مع "حزب الله" الدرس الوافي لجعلهم يعقلون ويعدلون عن فكرة الدولة الاستيطانية بالقوة على حساب الأهالي الأصليين.

يعلمنا التاريخ بأن اليهود قد تعاطوا على مر السنين لغة الأساطير الدينية. من أسطورة أرض الميعاد المطلية بالميتولوجيا (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، إلى أسطورة شعب الله المختار المغلفة بالعنصرية الفوقية، إلى الكثير من الأساطير لتحقيق أهداف الدولة العبرية بالقوة. ولا تزال الصهيونية تبدع وتبرع في استعمال ثقافتها السياسية الضيقة للتأثير على الإدارة الأميركية لدعم إسرائيل وحمايتها ولكن ذلك لن يثمر مع الزمن لأن الحرب الأخيرة مع "حزب الله" كانت درسا وافيا وكافيا، وفلسفة المحافظين الجدد التي تنهل من منهل الأساطير اليهودية والتي تروج لعودة اليهود إلى فلسطين حتى يظهر المسيح على جبل هرمجدون لن تستطيع أن تخدر الاميركيين لأمد بعيد وتدفعهم في هذا الاتجاه.

لا شك في أن عنصر الدين والأساطير المتصلة به تشكل عنوانا واحدا للمشروع السياسي الواحد، ويدّعي بعض المفكرين الغربيين أن ليس هناك من حرب أهلية، إقليمية أو دولية من دون ثقافة سياسية ولو كانت مغلّفة بمصالح مادية وان أي طرف يخوض الحرب من دون أن يكون مزودا بها فمن المرجح أن يخسر لأن الدوافع عنده تصبح واهية وباهتة ولا تلبي طموحاته، وان أبناء الثقافة السياسية الواحدة إذا شعروا بأنهم على حق وإيمان في ما يقومون به، من دفاع عن قيم ثقافتهم خاصة إذا كانت عادلة وتوافرت لديهم الإمكانات المطلوبة فإنهم ينتصرون في نهاية الأمر.

وفي هذا السياق يقول ريمون آرون إن الدفاع عن القيم الغربية واجب وان أي اعتداء عليها هو اعتداء على الحضارة الغربية، وان على دول الغرب أن تعمل على تدمير كل من تخوله نفسه التعدي على هذه الحضارة وقيمها.

وقد تجاوب بعد سنين مع هذه الأطروحة صموئيل هنتنغتون ولكن الفرق بين الاثنين هو أن آرون كان يخاف على الحضارة الغربية من المد الشيوعي أما هنتنغتون فيخاف عليها من الإسلام. وفي آخر طروحاته بدأ يخاف عليها من المد الكاثوليكي الآتي من اميركا الجنوبية، وقد غاب عن هذين المفكرين أن الحضارة الإنسانية واحدة تأخذ الجيد من تجارب الإنسان والتاريخ وترفض السيئ. إنها ليست الحداثة أو العصرنة أو التغريب. إنها حضارة الإنسان ولكل البشر وليست ملكا للشرق أو للغرب. إنها الثقافة السياسية العالمية الهادفة إلى خير الإنسان أينما كان، كما هي الأديان السماوية فإنها تكمل بعضها البعض وتشكل العنصر الأساس في التكوين الحضاري.

الدول تحارب بعضها البعض بناء على مصالحها وطموحاتها مستغلة بثقافتها السياسية الضيقة وليس على أساس صراع الحضارات. وقد جاءت معاهدة كيلوغ - بريان عام 1928 تدعو إلى الحرب العادلة بحيث لا تستقوي دولة على جيرانها كما تفعل إسرائيل في ترويج لغة الأساطير لأبنائها كي تبرر ما تقوم به من اعتداءات على أهالي الضفة وغزة وجنوبي لبنان بأعتى آلة عسكرية وتكنولوجية متطورة. وهي تحاول في الوقت نفسه أن تغزو بثقافتها الدينية السياسية الضيقة المجتمع الاميركي تحت شعار تبني قيم الغرب. وهي تستغل طبيعة النظام الاميركي الذي يسمح للقوى الضاغطة بحرية الحركة بما فيها ممارسة الطقوس الدينية. ولكن هذا الأمر يجب أن يبقى تحت غطاء الثقافة السياسية القومية الاميركية وهذه الحرية يجب ألا تتعدى الحدود المعطاة لها بالقانون.

وقد دلت الإحصاءات أن حركة الأفراد وسلوكهم بإزاء الحالة السياسية وممارسة حقهم كقوى ضاغطة أن الكاثوليكي يتعاطف بحالة لا شعورية مع أوروبا الكاثوليكية والأرثوذكسي مع اليونان أو حتى الروس اليوم وغيرهم. والمثال الحي على ذلك في وقتنا الحاضر هو عندما نشب النزاع بين تركيا واليونان حول قبرص حين شكل الاميركيون من اصل يوناني ويبلغ عددهم حوالى المليون قوة ضاغطة لمصلحة اليونان، كما انه من المسموح للمسلم أن يشكل قوة ضاغطة لمناصرة المسلمين، ولكن اخطر ما في الأمر القوى الضاغطة اليهودية وتعصبها الأعمى للدولة العبرية. ومهما يكن هذا الانفتاح وهذه الحرية للقوى الضاغطة فان الاميركي سوف يعود بالنتيجة إلى اميركا عند حالة الصراع إلا اليهودي فانه سوف يعود إلى إسرائيل.

إن الثقافة السياسية الاميركية ألام أو الرئيسة وتحت غطاء محكم وكبير من النظام العلماني تطورت عبر التاريخ في اتجاهات عدة ولكن ليس في اتجاهات الثقافات السياسية الدينية الضيقة. فقد قامت ثقافة الحركة الهاميلتونية نسبة إلى هاميلتون وركزت على الرفاهية الاجتماعية والتنمية الداخلية وشؤون الاقتصاد الأنجع للبلاد، كذلك كان النهج الولسوني بالنسبة للرئيس ويلسون الذي لاقى تجاوبا عالمياً وخاصة في مبادئه الـ 14 التي تدعو في احد بنودها إلى حق تقرير مصير الشعوب والى الطمأنينة والسلام العالمي، كما مرت اميركا بالحالة الجاكسونية نسبة إلى جاكسون الداعية إلى الوطنية والتعصب القومي، ولكن لم تظهر حركة سياسية مبنية على ثقافة سياسية دينية في الداخل الاميركي الا عند المحافظين الجدد في عهد الرئيس بوش الابن.

ويعتقد الكثير من المفكرين والمحللين أنها إرهاصات سوف تزول قريباً لأن ثقافة الدستور الاميركي هي المرجع ا لأول والأخير عند الاميركيين كما شاء ذلك الآباء المؤسسون، وكانوا قد تنبهوا في فيلادلفيا وأخذوا في الاعتبار عوامل التفرقة والتعصب الديني والمخاطر التي سوف تلم بأميركا إذا لم يضبط هذا الأمر بالقانون. وكان بنجامين فرنكلين تقدم عام 1789 بورقة أنذر فيها أو حذر المؤتمرين من مخاطر الثقافة السياسية اليهودية وعواقبها على المجتمع الاميركي وكان الجواب بأن الدستور الاميركي هو الكفيل والضمانة في وجه هذه الحركات والقضاء عليها.

ومن هذا المنطلق فإذا شئنا أن نعرف إلى أي درجة يمكن أن ينجح النظام السياسي في وجه الثقافات الضيقة الأفق يجب النظر إلى الدستور، والى أي درجة ينص هذا الدستور على عملية انصهار المجتمع في ثقافة سياسية وطنية واحدة، والى أي مدى تطبق أحكامه وقوانينه، وكيف توزع فيه السلطات وتراقب وتحاسب بعضها البعض.

وإذا أردنا أن نعبر بعد كل ذلك إلى لبنان فنجد بأن دستور الطائف يقر بالثقافة السياسية المرتكزة على المذاهب والطوائف، ويرى البعض بأن هذا ليس دستوراً إنما اتفاق توصلت إليه القوى الإقليمية والدولية لوقف حالة الحرب. ولا تزال ثقافة الأفراد على ما هي عليه كما كانت قبل الطائف وربما أسوأ. ولا تزال الثقافة السياسية الوطنية بعيدة المنال. والمعاناة هي المعاناة كما نعهدها ونعرفها. ويتخوف بعض اللبنانيين من الهدنة التي أعطاها الطائف أن تكون فترة استراحة المحارب لشن حرب أهلية جديدة سوف لا تبقي ولا تذر.

السؤال هو هل توقف اللبنانيون يوما أمام صفحات دستورهم وقرؤوها قراءة موضوعية ومجردة بعيداً عن مفاهيم الثقافة السياسية والمذهبية والطائفية الضيقة وعملوا على تصحيح ما يجب تصحيحه وتطوير صياغته وبنوده من جديد ليصبح دستوراً راقياً وعمليا يطلون به على فجر حضارة القرن الحادي والعشرين من سياسة التوافق والتكاذب.

هل قرأ اللبناني أو سمع بأي دستور في العالم إلا الطائف تنص بنوده على أن المواطن اللبناني يحق له أن يعيش أو يسكن حيث ما يشاء في أرجاء الوطن؟ ولا نزال نتحدث حتى اليوم عن عودة مهجرين لم يعودوا إلى ديارهم، فالأحرى بنا والحال هذه أن نعمل على إقامة نظام سياسي قوي وفاعل يحفظ حق المواطن ويستحوذ على ولائه ويبعده عن ولاءاته المذهبية والطوائفية المناطقية وجعله يشعر بأن لبنان كله له ولإخوانه اللبنانيين.

هل ما زلنا حتى الآن نسعى إلى صوغ قانون انتخابي ثابت وعادل وعملي وقابل للتطبيق أو قانون مبني على الثقافات السياسية المذهبية والطائفية والمناهضة للمساواة بين المواطنين؟

هل ساعدنا الطائف على خلق فضاء واسع من الحرية المسؤولة، أو حالة تقدم كبير في ممارسة الديموقراطية الصحيحة، أو وضع سلطة قضائية مستقلة تطبق قوانينها وإحكامها على الجميع وبالقسطاس؟

هل نص الطائف على فصل السلطات، والوزراء معظمهم من النواب؟

هل نص الطائف على مركزية اتخاذ القرار؟ هل يعرف اللبناني بأن ليس هناك من نظام في العالم حتى العشائرية منها إلا وهناك من يتخذ القرار باسم الآخرين فكيف إذا كان القرار مناطاً بالأمة ككل! هل هناك في لبنان من رجل على رأس السلطة يأخذ القرار باسمنا أجمعين ويحاسب على قراره من بقية السلطات أو الشعب إذا كان القرار غير صائب؟ وانه لمن المؤسف أن نجد برلمانيا كبيرا يطالب بالثلث المعطل الذي يحافظ على تقاسم الحصص وليس بدولة قوية وعادلة تحارب ثقافة المذاهب والفساد.

كم نتألم ونشعر كمواطنين عندما نسمع ذلك، فإلى أي درك نحن سائرون وعلى أي نظام سياسي نحن متكلون؟ إن الحقيقة هي أن هذا وأمثاله يريدون أن تبقى الحالة على ما هي عليه ويبقى الوطن بدون قرار وتبقى سياسة التقاسم السياسة القائمة.

الأزمة كل الأزمة أن الزعماء السياسيين الذين يتربعون على عرش المذاهب والطوائف وينهلون من مدارس الثقافة السياسية المتصارعة لم يرتقوا إلى مستوى القادة الوطنيين كي يعملوا على تطوير الثقافة السياسية المذهبية والطائفية إلى ثقافية وطنية واحدة وجامعة. أن هؤلاء الزعماء يلتحفون اليوم الطائف وكل يشعر بدفئه من زاوية معينة ويتقاسمون هذا الدفء ولكن المواطن اللبناني لا يشعر لا بهذا الدفء ولا بهذه الحرارة وهو يدرك بأن لحافه مهلهل لا رجاء منه لا في الأصل ولا في التطبيق.

رحم الله ميخائيل نعيمة عندما زرته في الشخروب وكنا نناقش هذه الأمور حين قال لي "المؤمن هو من قال كلمة اللهم" والتفاصيل يسكنها الشيطان، هذا الشيطان يختبئ في ثقافتنا السياسية الطائفية والمذهبية، فعلينا أن نعمل بكل جهد لطرده والتخلص منه قبل فوات الأوان ليسلم الوطن والمواطن، ويجب أن ندرك أن أصعب شيء في حياة الإنسان وأمرّه هو أن يخسر وطنه ويصبح بلا دولة أي بلا هوية Statelessness وهنا الطامة الكبرى، فليؤمن من آمن وليكفر من كفر. 

الانتخابات في ضوء ثقافة المشاركة السياسية(5)

كل فكر بحاجة إلى ممارسة كي يترجم من خلالها إلى واقع ملموس ويبتعد عن كونه بنياناً معرفياً أو فلسفياً. كما أن كل ممارسة بحاجة إلى فكر يشرعن وجودها ويفسره, سواءً سميناه أيديولوجية, ثقافة, أخلاقاً...الخ. كلما كان هنالك تطابق بين الفكر والممارسة أو النظرية والتطبيق كلما غلبت الموضوعية والعقلانية والعلمية على السلوك الإنساني. لكن كثيراً ما يوجد قصور في فهم وتطبيق التصورات والمبادئ والقيم التي نحملها والتي تساعدنا على فهم الحياة من حولنا والكيفية التي تعمل بها أو التي نريد نهجنا الحياتي أن يعمل وفقاً لها, وبالذات الجانب السياسي من السلوك الإنساني. هنا نحن نقترب شيئاً فشيئاً من الحديث عن الثقافة السياسية والتي هي تمثل المعارف والقيم والمبادئ التي تعطي مضموناً وقيمة للعملية السياسية. بمعنى آخر هي ترتبط في جزء منها بنظرة الفرد للمؤسسات السياسية من حوله والتي تجعله قادراً على الحكم عليها.

تبدو الثقافة السياسية مهمة لأنها ترتبط بالسلوك السياسي للفرد. فهي التي تؤثر بهذا السلوك وتقولبه في شكل أو آخر. حيث أن تفاعل الإنسان مع بيئته السياسية يكون وفقاً لنوعية المعارف والمفاهيم التي يؤمن بها. وقد  القيم التي يحملها الفرد المشارك سياسياً

لا تزال غير مهيأة للأفكار التحررية المطروحة قسم علماء الدراسات السياسية المقارنة الثقافة السياسية إلى ثلاثة أنواع. فهناك المواطن الذي لا يكترث بالشأن السياسي العام نظراً للامبالاة وضعف التعليم وهكذا. وهناك ثقافة التبعية, حيث يدرك الفرد أهمية الشأن السياسي ولديه تصور حياله لكن دوره هنا أشبه بالمتلقي فقط. وغالباً ما يوجد هذا النمط من الثقافة في الأنظمة الديكتاتورية حيث الثقافة الواحدة المفروضة. أما النوع الأخير فيمثل ثقافة المشاركة السياسية, إذ يكون المواطن فاعلاً في الشأن السياسي ومهتماً به, من خلال الانتخابات, الأحزاب, التواصل مع المسئولين...الخ. أي أن هنالك هامشاً يمكن من خلاله التأثير في العملية السياسية وإبداء الرأي فيها, وفقاً بطبيعة الحال للقنوات المتاحة بهذا الخصوص.

إن ما يجب الإشارة إليه هنا هو أن الثقافة وثيقة الصلة بالواقع الاجتماعي المعاش, بل هي في الغالب نتاج له. فهي تؤثر فيه وتتأثر به, وبالتالي فإن أي قراءة خاطئة للواقع السياسي والاجتماعي تؤدي حتماً إلى قناعات تترجم بشكل خاطئ مما يقلل من نجاحها. هذا في الحقيقة ما يعتري في كثير من الأحيان سلوك الناخب والمرشح في العالم العربي. كيف؟

في الانتخابات التشريعية الأخيرة في الكويت شاركت المرأة لأول مرة كمرشح وكناخب. تعددت أيضاً الأفكار والتيارات السياسية داخل الطيف السياسي الكويتي, تعددت الشعارات والدعايات والتسميات, ولكن كما يقال لا يصح إلا الصحيح. أي أن الذي كان أكثر ارتباطاً بالواقع الاجتماعي والثقافي السائد كان هو الأوفر حظاً للفوز. من هنا كانت الغلبة للتيار الديني أو الإسلامي كما يسميه البعض. والنجاح الانتخابي لهذا النوع من الفكر السياسي تكرر قبل ذلك في مصر والسعودية. وفي اعتقادي أن عوامل نجاحه لا تعزى بالمقام الأول لقوة البرامج الانتخابية للمرشحين بقدر ما هي ترجمة لثقافة سياسية سائدة يحمل لواءها هؤلاء المرشحون. أي أن هنالك ترابط أكبر بين الواقع السياسي للمجتمع والثقافة السياسية في هذه الحال. فالقيم والقناعات التي يحملها الفرد االمشارك سياسياً لا تزال في الغالب غير مهيأة للأفكار الليبرالية والتحررية التي تطرحها القوى السياسية الليبرالية, بقدر ما هي أكثر تماهياً مع توجهات وطروحات القوى السياسية المحافظة. لكن ما يجب إدراكه أن الثقافة أشبه بالكائن الحي يتطور وينمو ويتغير من حين لآخر بتغير الظروف المحيطة. وقد نرى في المستقبل تغيراً في سلوك الناخب العربي في اتجاه أو آخر.

ثقافة سياسية جديدة فـي العراق(6)

للحوار الدائر بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وجبهة التوافق التي توصف على الدوام بأنها كبرى كتل العرب السنة في البرلمان نكهة لم يعرفها العراقيون تتعلق بلغة الحوار الممكن أن يدور بين السياسيين لانهم تعودوا منذ أكثر من خمسين سنة على الانقلابات العسكرية والقائد الملهم والوزراء الطيعين والجيش الذي ينتظر أحد ضباطه الفرصة المناسبة للانقضاض على الحكم وإعلان البيان الاول فاذا نجح تحول إلى معبود الجماهير ونصبت تماثيله في الساحات وصار ما يقوله أشبه بالمعجزات تردده اجهزة الاعلام ليل نهار ليتمكن أبناء الرعيه من فهمه وهضمه والعمل بمقتضاه أما إذا فشل في الوصول إلى الاذاعة لإعلان البيان رقم واحد فهو خائن للوطن والامة وعميل للاستعمار والامبريالية والصهيونية وملعون حتى الجد العاشر وعائلته جميعا من نفس طينته ويتلقون نفس العقوبات التي كان أقلها في الفترة الاخيرة الاعدام.

أما وقد بات بمقدور بعض الوزراء أن يعلنوا مقاطعتهم لاجتماعات المجلس فيدعوهم الرئيس إلى العودة عن قرارهم والاحتكام إلى القانون لحل المشكلة التي دفعتهم للمقاطعة فهذه ثقافة جديدة ، لم يحسن الجميع فهمها وهضمها ، وقد يذهب البعض إلى أن الرئسي ضعيف لانه لم يأمر بإعدام المقاطعين وقطع دابر الفتنة لا بل إنه دعا - خصومه - للاحتكام إلى القانون الخارج عن سيطرته (نظريا على الاقل ).

لكن المؤسف أن هذا التحول لم يكتمل بعد سنوات من سقوط نظام البعث الشمولي ، ويمكن ملاحظة ذلك من التصريحات النزقة لبعض المسؤولين ، وهي تصم كل الخصوم السياسيين الذين يسعون لتنفيذ برامجهم السياسية من خلال بناء تحالفات مغايرة في التوجهات للتحالف الحاكم بأنهم متآمرون وانقلابيون ومرتبطون بقوى خارجية وهي نفس الالفاظ التي مل من تكرارها الشعب العراقي المتطلع إلى تجربة ديمقراطية حقيقية يبدو أنها لم تنضج أو أن أدواتها - وهم السياسيون - لم يستوعبوا حتى اللحظة المتغيرات الكبيرة في وطنهم

السياسي الحاكم يتحالف مع كل من يضمن له البقاء حاكما ، لكنه لا يعطي للسياسيين الآخرين حق بناء تحالفات توصلهم للسلطة حتى لو لم يلجأ هؤلاء إلى تحركات عسكرية تنتهي بالبيان الأول عبر أثير الراديو ، غير أن المؤسف أن التجربة العراقية في بناء مجتمع التعددية والديمقراطية وتداول السلطه تترافق مع عنف دموي أعمى يتهم كل طرف سياسي الطرف الآخر بتنميته وإشعال الحطب تحته .

والواضح أن حكام العراق يفتقرون للتجربتين الادارية والسياسية ذلك أنهم أتوا جميعا من العمل الحزبي السري في كل الاحيان إن كان في داخل العراق، أو غير المتصل بالواقع العراقي إن كان من أحزاب المنفى ، كما أن قناعة كل منهم أنه الأصلح والأفضل تدفعه إلى إقصاء الآخر أو تهميشه بأساليب ليست نظيفة دائما

ومع كل السلبيات المرافقة لعملية التحول الكبرى في بلاد ما بين النهرين فان على المتابع أن لا يغفل الجانب الايجابي المتمثل باطلاق حرية التعبير - إلى حد ان أكثر من 100 صحيفة تصدر في العراق إلى جانب العشرات من الفضائيات والاذاعات - صحيح أن العاملين في الاعلام العراقي يتعرضون للإغتيال ، لكن علينا ملاحظة أن كل تلك العمليات تتم على استحياء من منفذيها الذين يتورعون عن إصدار بيانات مسؤولية عن تلك العمليات وبما يؤشر لاعترافهم بخستها ونذالتها ولا أخلاقيتها . علما بأن الكثير من التنظيمات التي تتمسح بالمقاومه تداوم على إصدار بيانات عن عمليات نفذتها أو توهمت وتخيلت أنها ارتكبتها .

اخبار آرام

أزمة بنيوية أم ثقافة سياسية(7) 

ناقشت الأدبيات السياسية مسألة طريقة الانتخابات الأفضل للنظام الديموقراطي والشكل السياسي الذي تؤسسه، وتنوعت التوجهات النظرية حول هذه القضية.

 ركزت الأدبيات السياسية بالأساس على الجانب البنيوي الوظائفي للنظام متبنية النظريات البنيوية والوظائفية في العلوم السياسية، ولكن مع ظهور نظرية الثقافة السياسية أعطى الموضوع جانيا آخر للبحث والدراسة والفهم. كانت عملية فهم طرق الانتخابات وشكل النظام الديموقراطي منقوصة في ظل تغييب عامل الثقافة السياسية، فلا يمكن الحكم على الواقع السياسي مع خلال الآليات البنيوية فقط دون استحضار مفردات الثقافة السياسية.

من الصعب الحسم في عملية تحديد الطريقة الانتخابية المثلى للنظام الديموقراطي وشكله، وطبعا اكثر صعوبة أن يتم تأطير ذلك في قالب نظري يصلح لكل زمان ومكان وسياق. التي من خلالها نستطيع أن نقرر ما هي الطريقة المثلى؟ أو الأقل ضررا من بين الطرق المعروضة. لكل طريقة ومبنى سلبياته وإيجابياته وسياقاته التاريخية والثقافية. ولا يمكن اخضاعها لاعتبارت معيارية عالمية، فهي ليست قيمة بحد ذاتها بل وسيلة لتحقيق كل ما يصبو إليه النظام، وهو الاستقرار. تبقى عملية نجاح وفشل الطريقة الانتخابية أو النظام الذي تؤسسه متعلق أولا وقبل كل بالثقافة السياسية وليس بقدرتها البنيوية والوظائفية فقط.  

فمثلا، شكلت عملية اختيار طرق الانتخابات وشكل النظام الديموقراطي استجابة للسياق التاريخي والثقافي الذي نشأت في ظله والمشاكل والقضايا الذي ارتبطت فيه. فالطريقة الأمريكية كانت ضرورية لعملية بناء الأمة وتمكين النظام الفدرالي. والطريقة الإسرائيلية (رغم النقاش الدائر حولها الان وتاريخيا) كانت حيوية من وجهة نظر الدولة الفتية لهصر مجتمع المهاجرين والقادمين وقناة لاحتياجاتهم. في مرحلة تاريخية لم يكن مقبولا فيه في ظل بناء الدولة (وليس الأمة) من ممارسة "السياسية الصراعية": Contentious Politics  لان العمل السياسي والموارد الاقتصادية انصبت على عملية بناء الدولة واستيعاب القادمين وصد الخطر الخارجي.  

ركز التيار الموجه للإصلاح السياسي في إسرائيل ادعائه أن عوامل بنيوية فرضتها الطريقة النسبية هي التي زجت السياسة الإسرائيلية في حالة من عدم الاستقرار، سقوط حكومات قبل موعدها، حل البرلمان، انقسامات حزبية وكثرة الأحزاب والمصالح. ولم تنتبه أو لم تأخذ بعين الاعتبار عوامل الثقافة السياسية إلى جانب العوامل البنيوية المتعلقة بالطريقة لحالة عدم الاستقرار. في النهاية طريقة الانتخابات ومبنى النظام يبقى شكلا (رغم عدم تقليلنا لأهمية الشكل بحجة الجوهر الديموقراطي كما يحدث ويميز عملية "الدمقرطة" في العالم العربي) والثقافة السياسية هي الجوهر. والثقافة السياسية في الحالة الإسرائيلية هي ثقافة سياسة قبلية وسياسة قبيلة.  

على هامش النقاش، لا يفهم من كلماتي أنني أهمل واغيّب الشكل الديموقراطي وخصوصا في سياق الواقع السياسي في "الدول النامية"، حيث يتم تكريس الواقع التسلطي بالقول أن الجوهر الديموقراطي للنظام أهم من شكله الخارجي (فصل السلطات، انتخابات دورية الخ..)، فالشكل والمبنى في الحالة الديموقراطية لا يقل أهمية عن جوهره وربما يضاهيه في حالات معينة خصوصا مرحلة البناء والدمقرطة. وجود كل طرف مرتبط بوجود الآخر. 

ما نحاول أن نقوله في السياق الإسرائيلي، انه حتى لو تم إجراء إصلاح بنيوي سياسي على شكل النظام والطريقة الانتخابية فانه لن يخلق الاستقرار، كون الثقافة السياسية في هذه الحالة تلعب دورا مركزيا في عملية الاستقرار السياسي، ولان مؤسسة الحزب جزء من تركيبة المجتمع وتطوره التاريخي. 

شكلت عملية الانتقال إلى طريقة الانتخابات المباشرة محاولة إصلاحية راديكالية انسجمت مع عولمة الاقتصاد والمجتمع والثقافات، وظهور "السياسة الصراعية" بقوة في المجتمع الإسرائيلي بالإضافة طبعا إلى العوامل البنيوية الوظيفية التي تطلبها الجهاز الحزبي والسياسي. عند الانتقال إلى طريقة الانتخابات المباشرة انطلق النظام السياسي الإسرائيلي إلى شكل النظام الرئاسي ولكنه لم يفك ارتباطه بشكل النظام البرلماني. اعتقد انه يستطيع أن يكسب إيجابيات كل من الطريقتين ويحافظ في نفس الوقت على الاستقرار ويتخلص من ترسبات الطريقة القديمة. لكن ما حدث هو عكس توقعات المصلحين، فقد عمقت الطريقة الجديدة من سلبيات الطريقة القديمة ولم تتجاوزها، لا بل أنها فصلت بين الموقف السياسي والهوية الجهوية، فالطريقة الجديدة منحت الفرد فرصة إرضاء طرفين الحزب الذي يعبر عن انتمائه الجماعي الاثني في البطاقة الأولى، ويصوت للشخص الذي يعبر عن موقفه السياسي حتى لو لم يكن في الحزب الذي صوت له في البطاقة الأولى. 

في العقد الأخير لم تنجح أية حكومة في قضاء مدتها القانونية وانما تفككت الواحدة تلو الأ%C Eرى. مما يثير التساؤل النابع من الاستغراب كيف يستطيع هذا الجهاز أن يستمر بوظائفه على مختلف الصعد في حالة دائمة من عدم الاستقرار، ربما أن الجهاز تكيف وظائفيا مع هذه الحالة وتحول عدم الاستقرار الحالة الطبيعية التي بعمل فيها وليس العكس. 

إن الثقافة السياسية هي التي أوصلت السياسة الإسرائيلية إلى هذه الحالة اكثر مما فعله المبنى نفسه، ثقافة القبيلة وسياسة القبيلة، ثقافة سياسية غير ديموقراطية شعبويا وسياسيا، سيحتاج الجهاز إلى الكثير ليصل إلى حالة من الاستقرار في ظل غياب الثقافة السياسية الديموقراطية.

رؤية نقدية في المشهد الثقافي السياسي(8)

يلف عالمنا العربي ضبابية ثقافية ، وتلقائية تدور في أزقة الفوضى الفكرية ، والأنسحابات عن الإطار الفكري الذي يؤطر الثقافة العربية وما ينبثق عنها من ثقافة سياسية تتشكل في برامج التنمية والتوعية السياسية في البعد التربوي والإعلامي على وجه التحديد ، فمنظومة المعارف والقيم والرؤى والأفكار والاتجاهات التي تتشكل من أطياف ثقافتنا العربية في لغة النظم السياسية فيما يتعارف عليه بالثقافة السياسية في فردية منسحبة وسلطوية مستبدة وممارسات سياسية عشوائية منسحبة عن أبجديات التأطير السياسي الواعي الذي تشكله منجزات الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير والمشاركة الفاعلة للمواطن العربي في لغة اتخاذ القرار السياسي بوعي وخلق وكفاية ومسؤولية من خلال تفاعل نظريتي التدخل والإرسال في النهج السياسي الواعي لا المتخبط في ظلمات التبعية للغالب في كافة ما يخطر بالبال من أشكال التبعية وما لايخطر ، ونحن في ظل تلك الأزقة بحاجة إلى خلفية فكرية واعية تتشكل من تكاتف النخبة المثقفة المخلصة لتحديد أبعاد القرار السياسي والرأي العام في إطار جدية القرارات واستقلالية النهج واحترام الآخر والتفاعل مع التجربة الإنسانية السياسية ولكن في ضوء الوعي وعدم التذوت حتى الانسلاخ ، ولكن ما يترأى للمتتبع في المشهد السياسي العربي هو لغة التذوت حتى الفناء في الآخر بحيث لاتجد حتى مجرد أطلال الذات الحقيقية في رسم ذلك المشهد الهستيري بالمتضادات ، فلا نجد رسم متطلبات الهوية العربية الإسلامية في بعد ثوابتها وانفتاحها الواعي ، بل تتشكل لغة التجزئة والتبعية المطلقة المنفلتة من بعد ثقافتها ، والواقع النقدي يقدم مؤشرات حادة مفادها عدم بلوغنا ونحن على مساحات القرن الواحد والعشرين حقيقة المأسسة الجادة لثقافتنا العربية ، فضلا عن ضبابية الثقافة السياسية وعشوائية قراراتها التي تئن في آتون التبعية والصدمة من الأخر وبلوغ أزمة عقدة المغلوب فيها اوجها حتى فاقت ما سطره ابن خلدون في نظرية الغالب والمغلوب في بعدها الفردي و الجمعي المطلق ، بحيث يبرز فيها ظاهرة بيع المبادئ بالمزاد العلني على سيمفونيات الدولارات ، فلا يخفى ما يتشكل لنا من لوحات سريانية متضادة عبر المشهد السياسي العربي تنم عن غياب الوعي الثقافي وانحراف لغة السياسية عن خلفيتها الفكرية التي تضمن مساراتها في ضوء ثقافة الوعي والديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة الفاعلة بين المواطن والسلطة ، وفي مقدمة ذلك الانتماء العربي للامة العربية والتاريخ والمستقبل الحر الأبي وهذا يشكل بعدا من التحديات الحضارية التي تقتضي تكاتف النخبة المثقفة والأعلام العربي والمؤسسة التربوية لتفعيل ميثاق عربي جاد يجمع تلك النخب المثقفة المخلصة في ظل مأسسة إعلامية وإلكترونية وتربوية تنتشل ثقافة الهزيمة من جذورها بالوعي الفكري ، وتعلي قيم تقدير الذات واستقلالية قرارها أمام الأخر المستبد المستلب فتذوى معها منابر تلك الثقافة المتقزمة ، فتنتشر في أجوائنا الثقافية لغة النهوض الحضاري وقداسة الأرض وعمق الولاء في ثلاثية ( الإسلام ، العروبة ، الوطن ) معا بلا تضادات ، واستقلالية النهج وعدم الاستلاب أمام امركة السياسة ، بحيث تغذيها ثقافة الوعي السياسي والتنمية السياسية عبر المؤسسات التربوية التي يقع على عاتقها تنمية الولاء للهوية العربية الإسلامية ونبذ التبعية وتبني الديمقراطية والإثراء من التجارب الإنسانية واحترام الأخر في لغة قرارات تتسم بالإيجابية والمسؤولية والكفاية الفاعلة .

وتباعا لما سبق ؛ فإن مترتبات الفوضى الثقافية والعشوائية السياسية أسهمت في إفراز خطوط تدعي العقلانية الباردة في انحراف عن الخط القومي العربي وسياسة تقدير الذات في ضوء التذوت المنسلخ مع الأخر وفقدان إمكانيات الذات في الممكن والمتاح والحقيقة ، تحت لغة الانزواء في أحادية انهزامية تتطلب الخروج عن سرب الهوية القومية وسيادة الذات في كافة أبعادها الفردية والجمعية والمؤسسية وأشكال القرار السياسي والعام ، وبلغت حدتها في المشهد الإعلامي العربي ، ولكن في الوقت ذاته امتدت ثقافة الصمت التي تلف عالمنا العربي في مزيد من الصمت الكهفي المكفهر ، في غيبوبة عن الوعي والمشاركة وبذل اقل متطلبات المناعة والمواجهة ، أمام تلك الثقافات المدجنة المنظمة ، عبر مساحات إعلامية تتسارع في التمادي ومزيدا من البحبحة الإعلامية وفضاءات بوح رمادي لمبشراتها المستقبلية في غد جميل هادئ مستقر رومانسي شاعري ، بعيدا عن لغة الواقعية ومصداقية الحقيقة ، والمواطن العربي في ظل تلك الأجواء يمارس عليه القهر ومستجدات منتجات غسل الأدمغة الفكرية ، وماهيات لاتنتهي من لغات التفكير عنه ، في حالة وأد مطلقة لايعي معها أبجديات ثقافته العربية وماهية المستقبل الذي ينتظره وضبابية العلاقة بين أجياله ومترتبات نظمه السياسية في فوضوية القرارات ومسافات التسيب عن متطلبات النهوض الحضاري في منجزات الفكر والرقمية في كل مترتباتها الإلكترونية من قبيل تفعيل الاقتراع الإلكتروني في منجزات الديمقراطية الإلكترونية القادمة وغيرها من أبعاد إلكترونية الثقافة والرأي العام والفن والأدب وابعاد ميكانيكا المادة في المنجزات فضلا عن حالات التميع غير المستساغة في نبذ الولاء للهوية العربية الإسلامية في المؤسسة الإعلامية والحراك الاجتماعي .

أما ما يخص الثقافة السياسية وابعادها التوعوية فهي في رحم حروف لم ترتسم بعد في ذاكرة المواطن العربي في المشهد النقدي لواقعه، وما زالت في رؤى حالمة تنتظر الميلاد الجميل .

وكل ما سبق هو خلاصة رواسب الممنوعات التي تزج بعيدا عن برمجتها فكريا في عقول أجيالنا ، تحت تؤاطؤ النظم السياسية العربية وتخاذل النخب المثقفة في مساحات التوعية الجادة المسؤولة بكفاية وخلق وإيجابية ، وان وجد بعض رمق منها فهو شتات لايسمن ولايغني من جوع ، ولايتناسب البتة مع مساحات الهوة في التحديات بين الواقع والمطلوب من جهة ، وخارج عن سرب مأسسة منظمة من جهة أخرى . تستهدف بناء الثقافة السياسية الواعية لا الانشغال بمهاترات وازعاجات مع النظم السياسية من جهة وتكثيف الرؤى في الظهور الشكلي الخارجي على الساحة بعيدا عن البناء الفكري الثقافي الفاعل وبرمجة أدواته الفكرية في البث والنشر في المواطن العربي والأجيال القادمة عبر تنمية سياسية واعية في افقها التربوي والأعلامي الفاعل . .

وانطلاقا مما سبق ؛ فلا عجب أن تجتاحنا بين الحين والآخر هستريا فوضى سياسية في أتون ثقافات مدجنة من لغات متنوعة عبر طرفي الاستسلام والانسلاخ ، تستهدف تحريكنا في سمت دمية متهاوية في يد الأخر السادي ، حيث يعطل الجسد والقرار ويغدو السراب حقيقة على شاشات الوهم ، ويغدو الخريف ربيعا على صفحات الأعلام المتراقص على طبول التطبيع والأنا المستلبة في أعماقها في ذاكرة منفصمة عن جوهر ذاتها في ذاتها ، فتبدو لنا ثنائية ( الوهم ، انفصام الذاكرة ) مترامية مبتذلة على مسرح السياسة العربية ، وتعكس لنا رمادية ستائرها المستلبة في المشهد الثقافي القاتم وثلاثية متأكلة في ( الآن ، الأنا ، هوية الجغرافيا ) ، تقتضي حالة استنهاض عارمة مؤسسية في عالمنا العربي ، لأننا إن لم نصنع يومنا وغدنا ، فلابد أن نجد أنفسنا في آن وغد مصطنع من الأخر السادي الذي يرمقنا من بعيد ، ويسجننا في سجن أنفسنا من ذاتنا . ويطبع ألسنتنا بصبغته بمحض إرادتنا في _محرك إلكتروني ـ عن بعد ، فندفن حلمنا بعشق واهم منا ، ونتبجح برغباته المستعرة على مملكة أجسادنا حتى الفناء الأخير ، وحتى تغدو اللوحة برسم أقلام ثقافتنا الحرة الأبية فلتصبح أوراق آننا وحبرها الطاهر على صباح حرية جميل..

الثقافة السياسية(9) 

الأقوى، حسب روسو، ليس قوياً بدرجة كافية ما لم ينجح في تحويل القوة الى حق والطاعة الى واجب. إن محاولات تنشئة الولاء للنظام ليس مقتصرة على دول محددة دون غيرها، فهي موجودة في كافة دول العالم. إن دراسة كيف ينظر الشعب الى سياسات بلاده هي فحص في الثقافة السياسية. إن مفهوم الثقافية السياسية لا يرجع الى المواقف حيال لاعبين محددين مثل الرئيس الحالي او رئيس الوزراء، ولكنه يلمح الى كيف ينظر الناس الى النظام السياسي بصورة كلية. وهذا يتضمن ما اذا كان المواطنون يرون النظام بكونه شرعياً، أي ان حكامه يتمتعون بالحق وهكذا القوة. ولذلك، فإن أحجار بناء الثقافة السياسية هي: الاعتقادات، والآراء، والعواطف الخاصة بأفراد المواطنين تجاه شكل حكومتهم. ويعرّف باي (Pye) الثقافة السياسية على أنها (مجمل القيم الاصلية، والمشاعر والمعرفة التي تعطي شكل وجوهر العملية السياسية).

الثقافة السياسية والاستقرار السياسي

إن الثقافة السياسية الداعمة، والمتراكمة عبر الاجيال تساهم في استقرار الأنظمة السياسية. فالنظام القائم على الحق يمكن له أن يدوم فترة أطول، لكونه في الحد الأدنى أشد تأثيراً من ذلك النظام الذي يعتمد على القوة وحدها. إن تأثير الثقافة السياسية على الاستقرار السياسي كما يكشف عن ذلك كتاب ألموند وفيربا (الثقافة المدنية الصادرة عام 1963) والمستند على عمليات مسح أجريت خلال عامي 1959 ـ 1960 في الولايات المتحدة وبريطانيا، والمانيا الغربية، وايطاليا والمكسيك. وكان الغرض من عمليات المسح تلك هو تعريف الثقافة السياسية التي كانت في أغلب الاحتمالات تعيش وتتطور فيها الديمقراطية الليبرالية.

وقد استطاع الموند وفيربا التمييز بين ثلاثة أنواع نقية من الثقافة السياسية: الأبرشية أو المحدودة (parochial)، التابعة، والمشاركة. في الثقافة السياسية الابرشية، فإن المواطنين يعون بصورة غير محددة وجود حكومة مركزية فحسب، ويصدق هذا على القبائل المعزولة والتي لا يتأثر وجودها وبقاؤها بالقرارت الوطنية التي تتخذها الحكومة المركزية. في الثقافة السياسية التابعة، فإن المواطنين ينظرون الى أنفسهم غير مشاركين في العملية السياسية، وإنما كتابعين ورعايا للحكومة، كما هو الحال بالنسبة للشعوب التي تعيش تحت نظام ديكتاتوري. أما في الثقافة السياسية الأكثر شهرة، وهي القائمة على مفهوم المشاركة، حيث يؤمن المواطنون بأنهم قادرون على المساهمة في النظام وأنهم أيضاً متأثرون به.

إن الفكرة الجوهرية في كتاب الموند وفيربا هي أن الديمقراطية أثبتت بأنها أكثر استقراراً في المجتمعات التي تزوّد فيها الثقافات المحدودة والخاضعة بثقل مضاد من حيث الجوهر للثقافة المشاركة. وهذا الخليط يطلق عليه (الثقافة المدنية ـ civic culture). في هذا التركيب المثالي، يكون المواطنون فاعلين بدرجة كافية في السياسية للتعبير عن خياراتهم المفضّلة لحكامهم ولكنهم ليسوا ضالعين في رفض قبول القرارات التي لا يتفقون معها. في دراسة الموند وفيربا، تقترب بريطانيا والى حد أقل الولايات المتحدة، من هذه الفكرة المثالية. في هذين البلدين، شعر المواطنون بأنهم قادرون على التأثير في الحكومة ولكن غالباً ما يختاروا عدم فعل ذلك، وهذا ما يعطي الحكومة فسحة من المرونة.

وبطبيعة الحال، فإن الزمن يتغير، ومنذ تاريخ الدراسة الفريدة التي قدّمها الموند وفيربا، فإن كثيراً من الديمقراطيات الليبرالية قد اصطدمت بمياه عاصفة: فيتنام، النشاط الطلابي، الكساد الاقتصادي، الحركة المناهضة للنشاط النووي، جماعات البيئة، تقلّصات في دولة الرفاة. وكما لاحظ الموند وفيربا عام 1980 خلال تحديثهما للعمل الاصلي، بأن هذه الاحداث تركت أثرها على الثقافات السياسية الغربية. في بريطانيا، والولايات المتحدة فإن الثقة في الحكومة تراجع كثيراً. وأن ثلاثة أرباع الاميركيين قالوا عام 1964 بأنهم وثقوا بأن الحكومة الفيدرالية (تقوم بعمل ما هو صحيح) ولكن في عام 1996 لم يكن هناك سوى الثلث من يعتقد ذلك. في بريطانيا، فإن القسم الذي يثق في أن الحكومة تقدّم البلاد قبل الحزب سقط من 39 بالمئة في عام 1974 الى 22 بالمئة في عام 1996. تكشف هذه الارقام عن تحوّل كبير في الثقافة المدنية باتجاه سلوك ارتيابي جوهري في السياسة. يبقى، في الولايات المتحدة كما الحال في الديمقراطيات الرصينة، فإن الحكومات تواصل عملها الحكومي. وفي معظم العالم الديمقراطي، فإن الحكام كانوا قادرين على خصخصة الشركات العامة وتخفيض المعونات دون تهديد استقرار النظام السياسي. إن مثل هذا التذمر الظاهر يسلّط الضوء بدرجة أكبر على أداء الأحزاب الحاكمة والقادة أكثر مما يسلط الضوء على العملية الديمقراطية نفسها.

إن هذه النقاط تثبت بأن الديمقراطيات المستقرة لها بنك من الرأسمال السياسي والذي بمقدروه تعزيزها في الفترات الحالكة. وكما لاحظ ميكافيلي (1469 ـ 1527) في كتابه (الأمير) فإن (الامير يجب أن يكسب الشعب الى جانبه، واذا كان العكس هو الصحيح، فليس له عون في اللحظات الصعبة)، وقد ذكر انجلهارت (Inglehart) نقطة مماثلة بقوله:

حتى وإن كانت الديمقراطية لا تملك جواباً على سؤال: (ماذا فعلت لأجلي مؤخراً؟)، فإنها قد تتعزز عن طريق المشاعر المنبثّة بأنها من حيث الجوهر أمر جيد. إن هذه المشاعر قد تعكس من جهة نجاحات اقتصادية وغيرها والتي قد شهدها أحد ما منذ فترة طويلة أو تعلّمها من طريق آخر كجزء من المشاركة الاجتماعية المبكّرة للفرد.

وقد طوّر بوتنام (Putnam) عام 1993 مقاربة ألموند وفيربا، مستعملاً إيطاليا كمثال له. وقد أوضح كيف ان الثقافة السياسية الداعمة تعزز بصورة مباشرة أداء وأيضاً إستقرار أي نظام سياسي. في العمل الاصلي لكل من الموند وفيربا، صوّر الأخيران ايطاليا على أنها بلد يشعر سكانه بأنهم غير مضطلعين بالسياسة ومعزولين عنها. لقد عاد بوتنام الى هذا الموضوع ولكن أولى اهتماماً أكبر للتباين داخل ايطاليا، وشرح كيف أن الثقافات السياسية المتباينة في البلاد أثّرت في نشاطية عشرين حكومة اقليمية كانت قد أقامتها ايطاليا في السبعينيات. وعلى اية حال، فإن العشرين حكومة المتشابهة في تركيبتها وسلطاتها الرسمية اختلفت بدرجة متعاظمة من حيث الاداء. البعض منها (مثل إيميليا روماغانا في الشمال) أثبتت بأنها مستقرة وفاعلة، وقادرة على صناعة وتطبيق السياسات الابداعية. أما البعض الآخر (مثل كالابريا في الجنوب) فقد حققت القليل. والسؤال: مالذي يفسّر هذه الاختلافات؟

لقد عثر بوتنام على جوابه في الثقافة السياسية، إذ يعتقد بان الأقاليم الأكثر نجاحاً لديها ثقافة سياسية ايجابية، أي ثقافة ثقة وتعاون والتي تنتج مستوى عالياً مما أصطلح عليه بـ (الرأسمال الاجتماعي ـ social capital). في المقابل، فقد لوحظ بأن الحكومات الاقل فاعلية موجودة في المناطق التي تفتقر لأية ثقافة تعاون ومساواة. في ظروف كهذه، فإن بإمكان الحكومات تحقيق القليل وأن مخزون الرأسمالي الاجتماعي، الذي هو في الاصل محدود، سيتضاءل بصورة أكبر.

والرأسمال الاجتماعي يعرّف على أنه ثقافة الثقة والتعاون التي تجعل العمل الجماعي ممكناً ومؤثراً. وكما يقول بوتنام (إنها قدرة المجتمع على تطوير الانا الى نحن. إن الثقافة السياسية ذات رصيد من الرأسمال الاجتماعي يمكّن المجتمع من بناء المؤسسات السياسية بقدرة حقيقية لحل المشاكل الجماعية. وحيث تكون الثقافة السياسية شحيحة، فإن حتى الحكومة المنتخبة سينظر اليها على أنها تهديد للمصالح الفردية).

ولكن السؤال: من أين يأتي الرأسمال الاجتماعي ذاته؟ وتماماً كما الحال بالنسبة لكل من ألموند وفيربا قبل ذلك، فإن جواب بوتنام هو تاريخي. إنه يرجع، بصورة خلافية الى حد ما، التوزيع غير العادل للرأسمال الاجتماعي في ايطاليا الحديثة الى الاحداث العميقة في تاريخ كل إقليم. إن الحكومات الاكثر فاعلية في الشمال تستند على تقليد الحكم الذاتي الجماعي الذي يرجع الى القرن الثاني عشر الميلادي. أما الادارات الأقل نجاحاً في الجنوب فهي مثقلة بتاريخ طويل من الحكم الاقطاعي، الاجنبي، البيروقراطي، والتسلطي. وعليه، فإن تحليل بوتنام للثقافة السياسية يصبح الجهاز الذي من خلاله يفرض الماضي تأثيره على الحاضر.

ولكن تأثير الثقافة السياسية على الحكومة يسري في كلي الاتجاهين. فالثقافة المدنية تساهم في استقرار وفعالية الديمقراطية، ولكن الديمقراطية التي تقدّم ـ حرفياً ـ الصالح تخلق مواقف داعمة وستعزز النظام السياسي في المستقبل. وقد كتب دايموند وليبست عام 1995 (من أجل نجاح طويل المدى للديمقراطية، ليس هناك بديل للاستقرار الاقتصادي والتقدّم). إن نجاح المانيا الغربية في ترجمة معجزة اقتصاد ما بعد الحرب الى مواقف مفضّلة في ديمقراطيتها الجديدة هو اختبار لسلطة الاداء الاقتصادي في تشكيل الثقافات السياسية. على العكس، كان على البلدان الشيوعية سابقاً التعاطي مع الانهيار الاقتصادي في سنواتها الاولى، وهو تعديل لا بد أنه إختبر الالتزام العام لتفريخ الديمقراطية. ولذلك من الاهمية بمكان إدراك أن الثقافة السياسية نفسها تتشكل من قبل تاريخ الامة والاداء الاقتصادي.

النخبة والثقافة السياسية

بالرغم من أن تأثير الثقافة السياسية الجماهيرية على الاستقرار السياسي قد جرى النقاش حوله بصورة واسعة، فإن أهمية الثقافة السياسية للنخبة لم تُطرح غالباً الا بدرجة قليلة. يبقى أنه في الدول التي تسود فيها الثقافة السياسية الأبرشية او المحدودة أو ثقافة الخضوع، فإن الثقافة السياسية للنخبة تعتبر رئيسية. وحتى حين تكون مواقف الجمهور حيال السياسة متطوّرة جداً كما هو الحال في الديمقراطيات الليبرالية الرصينة، يبقى أن وجهات نظر النخبة هي التي تفرض الأثر الأكبر المباشر على القرارات السياسية. وكما ذكر فيربا (1987) فإن قيم القادة السياسيين يمكن توقّع أن يكون لها (انسجام وتداعيات). على سبيل المثال، فإن النخب كانت مركزية بالنسبة للتحولات الديمقراطية الأخيرة.

وتتألف الثقافة السياسية للنخبة من اعتقادات، مواقف، وأفكار حول السياسة التي تتبنى من قبل اولئك القريبين من مراكز السلطة السياسية، إن قيم النخب هي أكثر تماسكاً وجزماً من قيم السكان بصورة عامة.

إن ثقافة النخبة تتجاوز بكثير كونها جزءا تمثيلياً لقيم المجتمع الأوسع. إن أفكار النخبة، في كل انحاء العالم، متميزة عن الثقافة السياسية الوطنية، رغم أنها تكون متداخلة معها. على سبيل المثال، النخب تأخذ بصورة عامة خطاً أكثر ليبرالية في القضايا الاجتماعية والاخلاقية. ويؤكد هذه النقطة المسح المشهور الذي قام به ستوفر (Stouffer) عام 1954 عن مواقف الاميركيين من حرية الكلام. وقد أظهر ستوفر بأن أكثر قادة المجتمع يؤمنون بحرية الكلام بالنسبة للملحدين، الاشتراكيين، والشيوعيين في وقت كان فيه مواقف المجتمع أقل تسامحاً بكثير. وفي مسح لاحق ظهرت زيادة مفاجئة في دعم المجتمع الاميركي لحرية الكلام (راجع سوليفان، بييرسون، وماركوس 1982). وبالرغم من ذلك، فإن من الضروري بالنسبة لقضية حرية الكلام في الولايات المتحدة أن غالبية النخبة السياسية بقيت ملتزمة في وقت كان فيه المبدأ يتعرض لهجوم قوي من حملة مناهضة الشيوعية التي قام بها السناتور جو ماكارثي. وفي اسلوب مماثل، فإن كثيراً من قيادات البلدان الشيوعية سابقاً قبلت الحاجة للانتقال الشامل الى اقتصاد السوق حتى حين تبقى الثقافة الشعبية اكثر تعاطفاً مع مساواة الفقر المعمول به تحت الشيوعية.

وهنا سبب واحد بالنسبة للنظرة الليبرالية المعقّّدة لدى النخب هو مستواهم التعليمي. في الديمقراطيات الليبرالية، أصبحت السياسة مهنة الخريج (الجامعي). إن تجرية التعليم العالي التي تخلق نظرة ايجابية للطبيعة الانسانية تقوي القيم الانسانية وتشجّع على الايمان في قدرة السياسيين على حل المشاكل الاجتماعية، حسب أستن (1977). في حقيقة الأمر، إن التقابل بين قيم النخبة المتعلّمة والقسم الأقل تعليماً من السكان هو مصدر التوتر في أكثر الثقافات السياسية.

في تقييم تأثير الثقافة السياسية للنخبة على الاستقرار، هناك ثلاثة أبعاد حاسمة:

ـ هل لدى النخبة إيمان بحقها في الحكم؟

ـ هل تقبل النخبة فكرة المصلحة الوطنية، والفصل بين الطموحات الفردية والجماعية؟

ـ هل كافة أعضاء النخبة مع قوانين اللعبة، وخصوصاً أولئك الذين يديرون عملية انتقال السلطة؟

إن مكوّناً رئيسياً للثقافة السياسية للنخبة هو اعتقاد الحكام في حقهم في الحكم right to rule. إن الثورات التي اندلعت في أوروبا الشرقية عام 1989 تصوّر كيف أن انهيار الثقة بين الحكّام أنفسهم قد يؤدي الى سقوط الانظمة، كما أشار الى ذلك سكوبفلين (1990).

إن النخبة التسلطية تعزز نفسها في السلطة ليس فقط عن طريق القوة والتهديد باستعمال القوة، ولكن الأكثر أهمية، لأن لديها رؤية للمستقبل والتي بها تستطيع تبرير نفسها لنفسها. ليس هناك نظام يستطيع البقاء طويلاً دون أن يحمل فكرة ما حول الهدف.

في المرحلة الاولى للتصنيع، كان لدى الحكام الشيوعيين سبب وجيه للاعتقاد بأن اقتصادياتهم التخطيطية الجديدة كانت تفضي الى نتائج ما. ولكن مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، فإن التقدم قد إنتهى الى انهيار: فالاقتصاديات التخطيطية قد بلغت طريقاً مسدوداً. وحتى الدعم اللفظي من المفكرين قد تلاشى، حيث أن مسؤولي الحزب بدأوا يفقدون الثقة في حقهم في الحكم. وفي الأخير، سقط الحكم الشيوعي بسهولة لأنه تم إضعافه من الداخل. إن قيم النخبة توقفت عن دعم نظام الحكم، وكان الحكام الشيوعيون مدركين أنهم قد أصبحوا عقبة وليس مصدر تقدّم.

من أجل استقرارٍ طويل المدى، فإن النخبة السياسية يجب أن تقبل وتعمل على تفسير (ما) للمصلحة الوطنية. في هذا السياق يأتي سلوك الحكّام إزاء مناصب الحكومة التي يتولونها. هل يُنظر الى الخدمة العامة كطريقة فحسب لخدمة المصلحة العامة؟ بعض الأجهزة البيروقراطية الوطنية، من فرنسا وحتى باكستان، قد شهدت بروز خدّام الأمة الى حد حماية البلاد من (السياسيين) أنفسهم. وفي الغالب، على أية حال، فإن الدولة ينظر اليها من قبل الطبقة الحاكمة على أنها درزة لمصادر شحيحة يجب أن تكون ملغومة لمنفعة الحكام، ولعوائلهم، ومرشحيهم، وجماعتهم. في العالم النامي حيث المصادر الاقتصادية شحيحة ومؤسسات الدولة ضعيفة فإن هذه المقاربة تكون سائدة غالباً. في البلدان الشيوعية سابقاً، كان المسؤولون الذين شهدوا سقوط النظام القديم يكسبون شخصياً من الاحتياطي العام في عمليات خصخصة فاسدة. وهذا يعكس ثقافة الكلاب المتناحرة والسلوك الطارد تجاه (ملكية الشعب). ومن السذاجة بمكان افتراض ان السياسيين في أي مكان مقيّدون فحسب بالمصلحة الوطنية. وعلى اية حال، فإن قيم النخبة، في الحد الادنى، لا يجب أن تعذر المصلحة الذاتية، والتي تهدد الصالح العام. إن الفساد، حال فضحه، يجب أن يولّد نقداً وليس مجرد تربيت على الاكتاف.

إن البعد الأشد خطورة في الثقافة السياسية للنخبة ربما يكون المواقف التي يتنباها السياسيون في قوانين اللعبة rules of the game. هناك طائفة من الاحتمالات هنا: هل أن المنافسة بين النخبة مطلقة، كما في بلدان مثل ايرلندا الشمالية، حيث ان (المكاسب) لطرف ما (البروتستانت او الكاثوليك) يتم النظر اليها على أنها (خسائر) بالنسبة للطرف الآخر؟ في ظروف كهذه ليس هناك قوانين متفق عليها تحدد المنافسة السياسية. أو هل ان نزاع الحزب القوي يكون معتدلاً بموجب الاتفاق على تلك القوانين، كما في بريطانيا ونيوزلندا؟ إن نتائج هذين الموقفين من اللعبة السياسية على درجة كبيرة من الاهمية. خذ، على سبيل المثال، فضيحة ووترجيت في اميركا خلال ضلوع الداعمين للرئيس نيكسون في أنشطة غير قانونية مثل الاختراق والتنصّت على المكالمات ضد خصومهم الديمقراطيين. لقد عكست تلك الانشطة نظرة الرئيس للسياسة: (نحن) ضد (هم). فقد كان نيكسون على استعداد للتخلي عن القوانين الاعتيادية من اجل أن يكفل بأن خصومه قد (أصابهم ما يستحقونه). إن ديمقراطية تسود فيها هذه التصرفات بين النخبة ليس لها سوى أفق محدود للبقاء.

في المقابل، حين يشاء حزب او مجموعة قيادات للاتفاق على السماح للتعبير عن المصالح والقيم الاخرى، فإن توقعات الاستقرار السياسي ستتحسن. يعتقد ليجفارت (Lijphart:1977) بأن المواقف المتعايشة بين ممثلي الجماعة في مجتمعات منقسمة مثل النمسا وهولندا يقدّم وصفة للحكومة المستقرة في الخمسينيات والستينيات. ومع أن الدين قد قسّم بقوة هذه البلدان الا أن سياسيي الحزب الذين يمثلون مجتمعات متباينة قبلوا حق كل قوة اجتماعية في الحصول على حصة عادلة من مصادر الدولة. هذه الجماعات ـ الكاثوليك، البروتستانت، والعلمانية ـ قد أصبحت حرة في توزيع هذه المصادر تماماً كما يريدها قادتها. إن هذا السلوك (عش ودع غيرك يعيش) قد أستوعب بنجاح الانقسامات المتفجّرة وكشف أهمية قيم النخبة في المساهمة في استقرار الديمقراطيات.

التأهيل السياسي (Political Socialization)

يعرّف التأهيل السياسي على أنه عملية نتعلم من خلالها السياسة، وهي تتعلق باكتساب العواطف والهويات والمهارات وايضاً المعلومات. إن الابعاد الرئيسية في عملية التأهيل هي ماذا يتعلم الناس (المحتوى)، ومتى يتعلموا (التوقيت والتسلسل)، ومن أين يتعلموا (الادوات او الوسائط). إن اكثر الدراسات المتعلقة بالتأهيل السياسي مشتقة من النموذج الاولي (primacy model)، القائم على فرضية أن ما نتعلمه في حال الشباب يزوّدنا بمنظار نفسّر عبره التجربة اللاحقة.

إن التأهيل السياسي هو وسيلة يتم من خلالها نقل الثقافة السياسية عبر الاجيال، إنها عملية عالمية. فمن اجل البقاء، فإن كافة المجتمعات يجب ان تتعلم المهارات المطلوبة بالنسبة للشعب كيما يؤدي أدواراً سياسية، تتفاوت من التصويت في الانتخابات الى ادارة البلاد. إن النقطة المركزية في موضوع التأهيل السياسي هي كونها والى حد كبير عملية غير منضبطة وغير قابلة للانضباط. فمهما حاول الحكّام فإنهم يجدوا أنفسهم عاجزين عن السيطرة على هذه العملية او محتويات التأهيل. من الناحية الطبيعية، لذلك، فإن التأهيل السياسي يسهم في طي الوضع القائم للوراء. ونتيجة ذلك، فإن الثقافة السياسية تصبح قوة توطيدية، وتزوّد بمانع رئيسي ضد التغيير المخطط.

إن تعلّم الثقافة السياسية يختلف تماماً عن اكتساب المهارة الاكاديمية، مثل معرفة التاريخ. إن التعليم الرسمي يتعلق باستيعاب وتعلّم كيف نستعمل المعلومات المنقولة من المدرّس الى الطالب في الاطار التعليمي. إن التأهيل السياسي منبث، وغير مباشر، وغير مرسوم او غير مخطط. إنه يتعلق بتطوّر العواطف السياسية والهويات (ماهو وطني؟ ديني؟ حزبي؟) الى جانب اكتساب المعلومات. إن التأهيل السياسي يتموضع عبر مؤسسات مختلفة، العائلة، الجماعة المتماثلة، ومكان العمل الى جانب التعليم الرسمي. إنه يتأثر الى حد كبير بسياق التواصل وهكذا محتواه. على سبيل المثال، إن سلوك الاطفال ازاء السياسة سيكون منفعلاً الى حد كبير بواسطة تجربتهم في السلطة داخل البيت والمدرسة وهكذا بواسطة ما يقوله لهم الآباء والمدرسون حيال نظراتهم كيف يجب ان تكون.

إن النظرة الاولية للتأهيل السياسي هي أن الولاءات السياسية الاساسية تتشكل في مرحلة الشباب. إن التعليم في مرحلة الطفولة هو (تعليم عميق) لأنه يشكّل إطاراً لتفسير المعلومات المكتسبة في مرحلة البلوغ. إن الهويات السياسية الاصلية تتطور في الطفولة المبكرة، حيث تكون العائلة هي مصدر التأثير الحاسم في الطفل. أما في الطفولة المتأخرة، فإن هذه الملحقات مضافة عن طريق الزيادة الملحوظة في المعلومات. إن المؤثر الرئيسي في المراهقين هي في اعادة تصفية الادراك المفهومي للطفل، بناءً على المعلومات التي حصل عليها. إن هذه المراحل الثلاث من التأهيل: الطفولة المبكرة، الطفولة المتأخرة، والمراهقة، تؤهّل الطفل للمشاركة السياسية في حياة البالغين السياسية. إن تجربة البلوغ ستتطور ولكنها لا تحوّل عادة النظرة المؤمّنة في مرحلة الشباب. إن النموذج الاولي لمقاربة التأهيل تعمل بصورة أفضل في الفترات المستقرة مثل الخمسينيات.

والمثال على النموذج الأولي هو تحليل باي (Pye, 1985) للثقافات السياسية الاسيوية. يجادل باي بأن حجر الزاوية في بناء السلطة في الثقافات الاسيوية هي الولاء لجماعة أو المجموع. خارج إطار الحاجة للانتماء، فإن انضواء الفرد في هوية جماعية هي السلطة المتشكلة في الثقافات الاسيوية.

ولكن ما هو جذر هذه الحاجة للانتماء والتوافق؟ يقترح باي بأن الجواب يكمن في تجربة الطفولة. إن الطفل الآسيوي يعثر على حب غير مفنّد واهتمام من العائلة: فالطفل يحترم ولا يسأل عن السلطة الأبوية، ما يؤدي الى إذعان مماثل منه للحكام السياسيين في مرحلة لاحقة في الحياة. إن هذا القبول للقيادة الخيّرة هي خاصية فرضية في (الديمقراطية الاسيوية).

وبالرغم من أن معظم البحوث حول التأهيل السياسي تسلِّط الضوء على الاطفال، فإننا يجب ان نتذكر بأن عملية التأهيل هي ممتدة على طول الحياة. إن النظرات السياسية الاساسية تنضج في رد فعل على الاحداث والتجربة وأن التعليم السياسي لا يتوقف عند نهاية مرحلة الطفولة (أنظر كونفور وسيرنج: 1994). في القرن الثامن عشر الميلادي، لحظ مونتسكيو بأنه: نحن نتلقى ثلاثة أنواع من التعليم، واحد من عوائلنا، والثاني من معلمينا، والثالث من العالم، وأن الثالث يتناقض مع ما يعلّمنا إياه الاول والثاني.

بعض خبرات البالغين مثل السفر للخارج هي شخصية، ولكن الاحداث الجماعية مثل الكساد والحرب تحتفظان بأهمية سياسية. وعليه بإمكاننا معارضة النموذج الاولي ببديل آخر هو النموذج الجدّي (من جديد) أو الحديثي (model recency). إنها الفكرة القائلة بأن المعلومات الحالية تحمل ثقلاً أكبر فقط لأنها معاصرة وحديثة. فما نراه في التلفزيون اليوم يكتسب أهمية أكبر من ذكريات الطفولة المبكرة. إن واقع البلوغ يختزن أكثر بكثير من أساطير الطفولة.

إن المقاربة الحديثة تعمل بصورة أحسن خلال فترات التحوّل السياسي السريع كما في الثمانينات والتسعينيات، ولكن يجب أن يكون هناك بعض الجدارة العامة حيث من الواضح ان الثقافات السياسية تتغير، حتى وإن كان التغيّر بطيئاً. ليس هناك جيل يفهم السياسية بنفس الطريقة التي كان تفهمها الاجيال السابقة. في واقع الأمر، إن التحوّل الجيلي هو بلا شك آلية رئيسية للتغيير الثقافي. إن جيل الستينيات الذي جاء بدون ذاكرة الحرب العالمية الثانية إستطاع تطوير قيماً متميزة والتي أثبتت بأنها على درجة عالية من الاهمية حيث ان هذه الكتيبة تحركت الى مواقع السلطة.

الدين والثقافة السياسية

إن النقاش حول الثقافة السياسية يكون ناقصاً دون تقييم دور الدين. وكمصدر للقيم الاساسية، فإن الدين يعتبر مكوّناً هاماً في الثقافة السياسية في دول عديدة. وهذا يعود الى سلطة الدين في شرعنة او نزع شرعية السلطة العلمانية. وكونه يتموقع فوق العالم العلماني، فإن الدين يمنح الشرعية ولا يستمدها، فبإمكان القادة الدينيين المسؤولين عن تفسير العقيدة أن يتحولوا في اقصى نفوذهم الى حرّاس الثقافة السياسية.

إن هذا الدور الفريد أجبر الحكّام على تكريس اهتمام بالغ لعلاقاتهم بـ (المؤسسة الروحية). في العالم ماقبل الحديث كان الدين يشرعن بصورة مباشرة كافة مناشط ووجه الحياة في المجتمع. وقد لحظنا بان الدين والحكومة شكّلا نظاماً متكاملاً، فالدين الى حد كبير هو ثقافة سياسية. في العالم النامي، أصبح الدين ثقافة المحرومين، وأنه جهاز رئيسي بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالابعاد من المجتمع، إنهم قادرون على الافصاح عن احباطهم. وبالنسبة للفقراء بخاصة في مجتمعات غير متكافئة او متساوية فإن الدين يعتبر الصوت القوي للمعارضة السياسية.

في هذه المرحلة، إن الدليل الدامغ على أهمية الدين يبرز من خلال إنبعاث الاسلام. إنه الدين الأسرع انتشاراً في العالم، وهو الدين الذي تستمد منه كافة القوى السياسية ثقافة الاحتجاج ضد الديكتاتوريات وسياسات الهيمنة واخيراً ضد الغرب الاستعماري. لقد ازدادت أهمية الاسلام كمصدر رئيسي للثقافة السياسية لشعوب الشرق الاوسط وربما لأكثر من مليار مسلم في ارجاء العالم منذ عقدين على الاقل، حيث بات استعمال الخطاب الاسلامي ضرورياً في الحرب من اجل المصالح الخاصة او العامة.

إعادة بناء الثقافة السياسية عراقيا(10)

يعد مفهوم الثقافة السياسية من المفاهيم الحديثة في علم السياسية، حيث استخدمت في  خمسينيات القرن الماضي، عندما استخدمه الأمريكي (غابرئيل ارموند) ومن الملاحظ أن الثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة في المجتمع رغم كونها تتميز بنوع من الاستقلالية وكثيرا ما تنتقل قيم الثقافة السياسية الى المجتمع من خلال التنشئة السياسية عبر مؤسساتها المعروفة داخل كل مجتمع.  

والثقافة السياسية بصورة عامة تعاني من أزمة بنيوية في مجتمعات العالم الثالث وذلك لكون الاستبداد السياسي والموروث الشمولي للسلطة قد أدى إلى صياغة نوع من عقدة الخوف (الفوبيا) من كل ما هو سياسي وان الحديث عن أمور السلطة من قبل الشعب يعتبر تهديدا للأمن القومي وشخصية الزعيم، لذلك نرى البيئة الملائمة لظهور السلطات الاستبدادية في الشرق الاوسط خلال أكثر من سبعة عقود من الزمن، ونظرا لكون العراق احد الدول الهامة في المعادلة الشرق أوسطية لذلك فان أللاستقرار السياسي أصبح العنوان الرئيسي للعراق لأكثر من نصف قرن، لان النظام الملكي لم يخل من الأخطاء التي تحسب ضمن الشمولية السلطوية والثقافة السياسية في العراق جرت صياغتها وفق مصلحة الحزب الواحد والقائد الأوحد حتى بات الرئيس يعني البلد وان البلد لا يساوي شيئا دون الزعيم الكاريزمي، وان عملية بناء ثقافة سياسية معينة تم من خلال استخدام جميع الوسائل واستخدام الدولة ومؤسساتها لتحقيق ذلك الغرض فقد تحولت الأسرة والمدرسة والجامعة والإعلام إلى وسائل بيد النخبة الحاكمة لزرع الافكار الشوفينية في عقول الافراد ابتدأ من المؤسسات الأولية كالأسرة والمدرسة وانتهاء بالجامعة والإعلام والمؤسسات الإدارية واستمرت عجلة الظلام بالدوارن منجرفة وراءها عقول المئات من الاطفال والشباب من خلال عسكرة المجتمع وبناء جيش من المدنيين، إضافة إلى ممارسة الوسائل المخابراتية وصياغة مجتمع بوليسي لا يحترم فيها ابسط حقوق الإنسان واستخدام الحرب النفسية والدعاية الموجة في صنع راي عام مصطنع على المستويين الإقليمي والدولي، فمن الناحية الاقليمية إبراز قوة النظام السياسي الحاكم لدول الخليج وجعلهم في حالة من القلق ومن ثم دعم كل ممارسة سياسية للنظام ألبعثي سواء في الداخل والخارج من قبل تلك الدول،  وفي البعد الدولي ممارسة سياسة التبعية العمياء للقطب الشرقي وإهدار المال العام في صفقات الأسلحة التي استخدم في غير محله من خلال ضرب الشعب وكل صوت يختلف مع راي النظام أو يطلب بحقوق الافراد،  وما حملات الانفال والجينوسيات إلا أنموذجا بسيطا من ممارسات ثقافة السلطة والنظام السياسي حتى سقوطها في (2003).

وهنا تكمن جوهرة الموضوع أي ما الذي يمكن إن نفعلة في العراق الجديد لغرض بناء الثقافة السياسية من جديد وتحرير العقول من المفاهيم الحدية التي يرفض كل من لا ينسجم مع رأية واعتبار الرأي المخالف جرما لا يغتفر، وكما يقولون إن عملية الهدم أسهل من عملية البناء لذا تتطلب إعادة بناء البنية الثقافية في العراق جهودا مدروسة وميكانيزمات علمية وعملية تكفل تحرير الكلمة من المعتقل وتحرير العقول من الجمود وتنهض بالواقع الفكري العراقي بعد كل الحملات التشويهية التي استهدف العقل العراقي من قبل النظام العبثي الشمولي

التي لم يترك وسيلة إلا واستخدمها في سبيل إخضاع الشعب وقتل أية بذور للتنوع والاختلاف رغم كون الاختلاف سنة الله في الحياة.

وهنا لابد من الإشارة إلى الوسائل التي يتم بها تغير القيم الثقافية السلبية والتخلص من الموروث الثقافي للنظام ألبعثي البائد ويتطلب الأمر عدة طرق منها:

* تفعيل دور المؤسسات الأولية:- وذلك من خلال وضع برنامج تنموي للأسرةوتعويد الأسرة أفرادها على قيم التسامح والراي المخالف وثقافة قبول الأخر من خلال إعداد الآباء والأمهات على حمل مسؤولياتهم في إعداد الأبناء ثقافيا واجتماعيا لكي يحول الاطفال من خلالهم القيم الثقافية الجيدة إلى المحيط الذي يعيشون فيه، وخاصة المدرسة التي تعتبر المؤسسة الأولية الثانية في التأثير على التوجهات العامة للأفراد خاصة في المراحل الدراسية الاولى، وفي المدرسة يتم تحويل الافكار وتداولها بين الافراد بحيث تؤدي إلى صنع نوع معين من الثقافة السياسية لدى الافراد، وقد أشار المختصون في مجال علم الاجتماع السياسي إلى المراحل التي تمر بها حياة الطفل السياسي ومن ابرز العلماء (دايفيد أيستن) الذي أشار إلى وجود ثلاثة مراحل أساسية في حياة الطفل السياسي كالتالي (مرحلة التسييس، مرحلة الشخصية، مرحلة تصوير وتكوين قيم وأفكار)

ففي المرحلة الاولى - يشعر الطفل بوجود عالم سياسي ومواقع سياسية في محيطه الاجتماعية.

* وفي المرحلة الثانية - حيث يدرك الطفل من خلال تعرفه لبعض الوجوه السياسية ويكونون بمثابة نقاط اتصال مع النظام.

إما المرحلة الثالثة- ):- عندها ينظر الطفل للسلطة من خلال بعض وجهات النظر التي كونها عنها كأن تكون مقبولة لديه أو يرفضها شعورياً وتملكه بردود فعل معينة مرضية أو غير مرغوبة فيه.

* تفعيل دور المؤسسات الأساسية: ويتم من خلال تفعيل دور الأعلام الذي يعتبر محركة العصر في القرن الحالي، وبناء أعلام يكون قادرا على الضغط على الحكومة وعدم فسح المجال لها لخروج من السبيل الديمقراطي وبذلك يكون الأعلام من وسيلة بأيدي النظام إلى وسيلة للتعبير عن احتياجات الشارع وهموم المواطن العراقي الذي دفع الكثير جراء الأعلام المسيس من قبل الفاشية البعثية وعنصريتها الهوجاء في ممارسة حرب الكل ضد الكل. ويتحقق ذلك من خلال التوسع في الإعلام الحر المستقل إضافة إلى وضع إلية لصيانة الصحافة من القمع والتهميش الحزبي والفكري التي تعيق حركتها وتجعلها أسيرة الواقع المفروض قسرا. ومن الامور التي على الإعلام تبنيها في العراق الجديد نشر ثقافة الحوار وقبول الأخر والتسامح الفكري والديني لكي يتم من خلالها بناء ثقافة سياسية جديدة للعراق. ومن ثم يأتي دور الأحزاب التي تمارس نشاطاتها بصورة واسعة حيث من خلال التنظيمات الحزبية الهادفة التي تهدف إلى زرع قيم الإنسانية والحوار بين مؤيديها والتخلص من مرض المصلحة الذاتية للحزب لان استقرار البلد ورفاهيته الفكرية هي التي توفر الجو الملائم لعمل الأحزاب ونظرا لكون النسيج العراقي نسيجا معقدا وذات أطياف متنوعة لذا لابد من وجود إطار وطني تدور حولها نشاطات الأحزاب العراقية في نشر الوعي والثقافة السياسية لدى أفرادها. والواقع العراقي اليوم لا يعبر فقط عن المشاكل الأمنية والاقتصادية رغم تاثيرهما الواضح وإنما هناك أزمة فكرية بنيوية داخل المجتمع نتيجة سنوات البؤس والحرمان من كل الحريات والقيم الإنسانية،  وتكمن ألازمة في توجهات الافراد ورؤيتهم للقضايا التي يعانوها في حياتهم على كل المستويات، وان في المجتمع وان بناء دولة المؤسسات في العراق يحتاج إلى توفير بنية ثقافية يكفل نجاحها بحيث تقوم الدولة الجديدة على أساس سيادة القانون والمواطنة فنتيجة إدراك المواطنين لما لهم وما عليهم ينتج مجتمعا فعالا يضغط على الحكومة ويكون لدية راي عام منتج وفعال وتكون الحكومة خاضعة لمطالب الشعب في تحقيق الرفاهية على كل الأصعدة. وان أي تغير مرجو في العراق يتطلب تهيئة الاجواء المجتمعية لذلك التغير، لان التغير يبدأ من الافراد ومن ثم المجتمع والدولة. 

الثقافة السياسية و تغير الأنظمة(11) 

يحتل نظام الحكم مكانة في تحديد الثقافة السياسية فالنظام التسلطي ـ الدكتاتوري يتسم بتركيز عملية اتخاذ القرار عند قمة الهرم السياسي اذ يختفي فيه (مناخ الحرية السياسية) وهذا ما حدث في الحقبة السابقة والطويلة للنظام السابق،  

ولا يجد قادة الحكم الاستبدادي حرجا في استخدام ارهاب السلطة ضد الشعب وبذلك أفرزت هذه الأعمال القسرية الجائرة ثقافة سياسية تدور محاورها حول كراهية السلطة الحاكمة والخوف منها وعدم الاهتمام بكل ما هو سياسي، ومن هنا يمكننا تلمس هذا الواقع المرير الذي عاشه الشعب العراقي في ظل حكم الطغيان وبعد التغيير الذي.حصل في العراق نرى في الجهة المقابلة بروز الممارسة الديمقراطية بما تفرضه من توفر (الحرية السياسية) اذ تعدد الآراء والاتجاهات ووجود المعارضة سواء في البرلمان المنتخب او في الممارسات الديمقراطية الاخرى، هذه الأجواء مجتمعة ساعدت على بروز ثقافة سياسية ديمقراطية تؤمن بضرورة المشاركة السياسية والتسامح الفكري المتبادل.. ان تغير نظام الحكم في العراق وانتقاله من الحالة السلطوية الى نظام ديمقراطي، هذه الانتقالة تفضي بمرور الوقت الى بعض التحول في مكونات (الثقافة السياسية).

هناك حقيقة معروفة ان الديمقراطية لم تكن سائدة في المجتمعات الديمقراطية عندما اخذت بالنظام الديمقراطي لكن الممارسة الديمقراطية اسهمت في خلق الاتجاهات والمشاعرالملائمة للسياسة الديمقراطية وهذا البناء التدريجي هو ما يحدث في التحولات الجارية في العراق، وتلعب التعبئة الاجتماعية دورا في تغيير (الثقافة السياسية) ولهذا التغيير مؤشرات عديدة منها التعليم، ودرجة التحضر في المجتمع والتعرض لمسائل الاتصال الجماهيري وهذه المؤشرات تعد بمثابة أداة لبث قيم جديدة ورفع مستويات الوعي السياسي للمواطنين، لان الأكثر تعليما يعد اكثر وعيا وإلماما بالأمور السياسية..  

مسارالخطر القادم: الثقافة السياسية الالكترونية(12)

تعني الثقافة السياسية كما توصفها الموسوعات العلمية "مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم ونظام الدولة بما تتضمنه من مفاهيم الولاء والانتماء، والمشاركة" ومن خلال هذه المنظومة يتشكل الوعي السياسي للفرد مؤطراً بمراجع المجتمع التي تؤسس لضوابط العلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم في ضوء الظرف التاريخي والجغرافي وما يتوفر عليه أفراد المجتمع من إرث ثقافي - سياسي ومؤثرات خارجية مختلفة.

وإذا تأملنا في مدلولات الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى تجاوز شريحة الشباب الأقل من 30عاماً نسبة 60% من مجموع السكان السعوديين فان هذه النسبة المهولة تعني في جانب مهم منها (أهمية) التفكير الجدي في (دراسة) تأثيرات مصادر التثقيف والتوعية الالكترونية (الإنترنت والفضائيات) و بحث دورها في تشكيل القيم ورسم الإطار الفكري للوعي السياسي للأجيال الجديدة. وإذا عرفنا أن نسبة نمو استخدامات الانترنت في بلادنا تكاد تتجاوز 14% سنوياً وأن شريحة كبرى من هؤلاء الشباب هم المستخدمون الرئيسيون للإنترنت فلا أقل من البدء بالسؤال والمبادرة بالبحث عمّا يطالعه هؤلاء الشباب و تحليل (حجم) مساهمة المحتوى الإلكتروني (الوافد من كل مكان ) في تشكيل المعرفة وبناء الفكر السياسي للشباب.

المؤشرات الأولية تقول إن المواقع والمنتديات الجماهيرية الأشهر بين الشباب هي في الغالب تلك التي تروّج للكثير من الشائعات والفتن الفكرية و السياسية بين التيارات والدول والجماعات وهي - بهذه الصفة - لا يمكن التعويل عليها كمصادر رصينة لملء فراغ التثقيف السياسي للشباب الذي (لم تتصدى) له بعد مؤسسات مجتمعية لتتجاوز بهذه العقول الغضة (محنة انفعالات) مواقع الإنترنت إلى ما ينبغي أن يكون من (هدوء وعقلانية) الطرح والتحليل العلمي المفترض تقديمه من خلال كيانات مجتمعية مؤسسة على تحقيق الصالح العام والأهداف العليا للمجتمع والدولة.

ومما يضاعف من مشكلات التنشئة السياسية الواعية للشباب في هذه المرحلة أن (العملية السياسية العربية ) في مجملها كثقافة ومن ثمَّ كسلوك وممارسة ما هي إلا نتاج لإرث ثقيل من القهر وربما الظلم وسوء الفهم المتبادل بين أطراف المعادلة السياسية العربية بمختلف درجاتهم. وحين حضرت السياسة بمفهومها الحديث إلى وجدان المجتمع العربي (لأول مرة) كانت الإذاعة وسيلتها إلى الجماهير ومنها بدت الصورة السياسية العربية عبر الأثير وهي تختزل (أكبر) الأحداث في حشرجة المذيع البائس (وهو يصور الهزيمة نصرا، ويظهر المختلف خائناً وعميلاً، ويقسم الناس إلى رجعي وتقدمي)، ثم أتت بعد ذلك شاشة التلفزيون العربي الرسمي لتقدّم فكر (الثكنات) ومعه ظاهرة الخطابات السياسية الطويلة لذاك الزعيم الملهم، أو ذلك القائد المظفر فشوّهت مفهوم الفكر السياسي وأخرت مبدأ المشاركة المجتمعية الإيجابية ما أدى إلى حالة من الانفصام بين الفكر والممارسة وتأزيم العلاقة النفسية بين الفرد والنخبة.

تاريخياً يمكن القول إن ظاهرة الفضائيات العربية التي تلت (زعمت) أنها وُجِدت لتعيد إلى المفكر دوره التاريخي والحضاري في التصدي لمهمة التنوير والمساهمة في شرف تشكيل الوعي السياسي وتمتين العلاقة بين أركان الدولة العربية، ولكن (سوء) النوايا (وضيق) المصالح اظهر بعض هذه "الفضائيات" في وضع أشبه بسيرك الحواة بحيث تحوّل قسم من "الشباب" العرب تحت تأثيرها إلى كائنات سياسية Political Animals تقول ما لا يعي ولا تعي كثيراً مما تقول. ومن خلال هذه الفضائيات ظهرت مجموعة ترتزق بمهنة "مفكر عربي" لتضع (المشهد السياسي العربي) أمام العالم في سلسة عبثية من الجدل والصراخ والتخوين والإقصاء المتبادل الذي لا يؤسس لقضية ولا ينضج وعياً.

والسؤال هنا هل تشكّل مصادر التثقيف السياسي الإلكترونية (الإنترنت والفضائيات العربية) مواد صالحة (للبناء) الثقافي وتأسيس وعي جيل يمكن أن يشارك في بناء مستقبله؟ إذا كان الجواب نعم ..فلنستمر.. وإن كان غير ذلك فماذا نفعل ..كيف.. ومتى؟

الثقافة السياسية وتحرير مصطلح الخصوصية(13)

ليست ولادة السياسة من جديد في مجتمع من المجتمعات في وقت متأخر أمراً سيئاً كلياً كما يعتقد البعض.. ذلك أن باستطاعة العقل البشري الذي يواجه الأمور بعقلية التحدي أن يقلب على الدوام المعادلة، وأن يستخلص الكمون الموجود في مثل تلك الولادة بحيث يصبح الأمر في مجمله فرصةً، بدل أن يكون مجالا للحسرة والندب والعويل على ما فات ومضى..

من مثل هذا المنطلق، وبهذه الروح، يجب التعامل مع الانتخابات المحلية القادمة في المملكة، وعلى وجه التحديد مع ما بدأ يشيع في الأوساط الثقافية والإعلامية عن ضرورة تشكيل أو تجديد الثقافة السياسية. وفي هذا الإطار يأتي مصطلح الخصوصية الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وأن يُعطى عناية شديدة من قبل الباحثين وأصحاب الاهتمام، على طريق تشكيل الثقافة السياسية المطلوبة. ولئن كان من المعروف أن دعوى الخصوصية كانت ويمكن أن تكون على الدوام مدخلاً للتسويف وذريعةً للجمود وتأخير كل إصلاح وتغيير، غير أن تعامل البعض مع مفهوم الخصوصية من خلال تلك الممارسات لا يجب أن يمنع المثقف الجدي من أن يتناوله بالبحث والدراسة من مداخل أكثر علمية ومنهجية وموضوعية. ويكفي من معرفتنا بتلك الممارسات السلبية أن نكون واعين بمن يريد جرّ المصطلح مرة أخرى ليكون وسيلةً لقتل السياسة، بحيث يكون هناك جهد ثقافي تراكمي يمنع حصول مثل تلك العملية. سيما وأن من الواضح أن هناك نوعاً من الإجماع الرسمي والشعبي على المضي قدماً في إجراء الانتخابات البلدية كخطوة أولى على مسيرة الإصلاح السياسي الماضية بعزم وهدوء ومرحلية. الأمر الذي يشكل مناخاً ثقافيا وسياسيا يساعد على محاربة الأصوات النشاز التي يُتوقع وجودها على الدوام.

ونحن حين نتحدث عن الخصوصية فإننا لا نتحدث عن رؤية تقليدية متحجرة تنظر إلى النمط العالمي السائد في مسائل الديمقراطية والانتخابات وما إليها على أنه بضاعةٌ للآخر يجب رفضها بشكل متكامل، وإنما ندعو إلى إدراك حقيقة أولى تتمثل في أن النظام الديمقراطي بشكل عام، ونظام الانتخابات على وجه الخصوص، يعبران عن نفسيهما بأشكال عديدة في دول العالم. وهذه حقيقة لا يمكن فقط رؤيتها عملياً على أرض الواقع، وإنما هي مؤصلةٌ نظرياً وأكاديميا في حقول العلوم السياسية وتخصصاتها المختلفة، وعلى وجه التحديد في فرع علم السياسة المقارن. فعلماء السياسة، بل وكثير من المتابعين، يعرفون أن النظام الانتخابي السائد في أمريكا مثلا هو (الغالب يأخذ كل شيء / Winner take all) بمعنى أن من يفوز بنسبة 51% من الأصوات يفوز بالتمثيل كلياً بغض النظر عن رغبات وتوجهات نسبة الـ 49% المخالفة.. وهذا يختلف عن نظام الانتخابات النسبي التوزيعي السائد في معظم أنحاء أوروبا، حيث يجري توزيع التمثيل بنسبة تتناسب تماماً مع عدد الأصوات التي حازت عليها كل جهة في الانتخابات، بمعنى أن كل صوت شارك في الانتخابات يجري تمثيله في المجلس المحلي أو النيابي أو البلدي بشكل أو بآخر. وهناك دراسات عديدة عن مدى تمثيل كل من النظامين للتنوع الثقافي والسياسي السائد في البلد المعين. ففي حين يعطي النظام الأول قوة سياسية مقدرة للسياسي الذي فاز بالانتخابات ربما تمكنه من الإنجاز بشكل أكثر فعالية، غير أن هذا النظام يُغفل تمثيل فئات واسعة من المجتمع، وبالتالي فإن مصالحها يمكن أن تبقى مهمّشة إلى حدٍ معين في انتظار من يفوز باسمها ويمثلها في الدورات الانتخابية التالية. أما النظام الثاني فإنه أكثر تمثيلاً لشرائح المجتمع، ولكن من الممكن له أن يُضعف قدرة السياسي الذي يُصبح أحيانا محكوما بالتحالفات السياسية والتنازلات المتبادلة لتمرير بعض مايريده من قوانين وسياسات.

أما المثال الثاني على الفوارق بين الأنظمة الديمقراطية فإنه يتمثل في كيفية تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين، وفي الطرق المختلفة لإجراء تلك الحملات، وفي فترتها الزمنية، وغير ذلك من القضايا التفصيلية الحساسة التي تجب دراستها والحوار والبحث فيها، أثناء صياغة الثقافة الانتخابية والقوانين الناظمة لعملية الانتخاب على حد سواء.. فدور المال الخاص في الانتخابات الأمريكية معروف، وما ينتج عن ذلك الدور المتزايد أصبح مثار اهتمام يتصاعد باستمرار في أوساط الأكاديميين والنشطاء على حد سواء، ممن يرون خطورة تأثير المال الخاص على العملية الديمقراطية برمتها. بالمقابل، تمنع كثير من القوانين في أوروبا التمويل الخاص لحملات المرشحين وتفرض عليهم الالتزام بالتمويل المقدم من قبل الدولة للجميع، الأمر الذي يمكن أن يقلل من فرص تأثير أصحاب المصالح الخاصة على قرارات السياسيين، ويترك لدى هؤلاء فسحة من الاستقلالية لأخذ مصلحة أكبر شريحة ممكنة من الناخبين بعين الاعتبار. وفي حين تلعب مهارات العلاقات العامة والدعاية الإعلامية التي تركز على مظهر المُرشح دوراً أساسيا في الحملات الانتخابية للنظام السياسي الأمريكي، يلعب هذا العامل دورا أقل في النسخ الأخرى من الديمقراطية التي تركز على الحوار الحقيقي والمطول بين الناخب والمرشَّح حول جميع القضايا التي تهم الأول، وذلك من خلال اللقاءات والندوات بل والزيارات الخاصة. أما فيما يتعلق بفترة الحملات الانتخابية، ففي حين تمتد حملة الانتخابات الرئاسية الرسمية في أمريكا مثلا فترة تقارب عشرة أشهر، تُستهلك خلالها أقدار مقدرة من المال والوقت والجهد، فقد اشتكى الناخبون البريطانيون من أن حملة انتخابات رئيس الوزراء زادت على أسبوعين، الأمر الذي شغلهم وشتت انتباههم عن قضاياهم الأخرى الضرورية!..

وفيما يتعلق بتركيبة النظام السياسي بشكل عام، فإننا نجد في أمريكا مثلا ذلك التوزيع الحساس والمعقد للقوة السياسية بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية. وهو ما استفاد منه على سبيل المثال واضعو الدستور الإيراني بعد الثورة، حيث قاموا بإنشاء منصبي المرشد ورئيس الجمهورية في عملية كان القصد منها نظريا توزيع السلطات والقوة السياسية وعدم حصرها في جهة واحدة تمتلك القوة المطلقة. ولكن دراسات كثيرة ظهرت لتحليل مآلات الأمور عمليا في التجربتين ولمعرفة وفرز أسباب تلك المآلات، الأمر الذي يبين أهمية الاطلاع على ما يمكن من تجارب الآخرين العملية لمحاولة الاستفادة منها من خلال تجنب سلبياتها واستيعاب إيجابياتها ودراسة أفضل السبل لتنزيلها على واقع له خصوصية أخرى، من خلال هياكل أو أنظمة مبتكرة تناسب ذلك الواقع، بدلا من بدء التجربة من نقطة الصفر أو محاولة إعادة اختراع العجلة كما يقولون.

إضافة إلى ما سبق، نجد أن كثيراً من الدول الديمقراطية تختلف في ماهية مصدر دساتيرها وقوانينها، فالقانون العام أو الشائع أو ما يسمى (Common Law)، وهو عبارة عن تجميع الأحكام والأعراف المتراكمة عن العادات والتقاليد والسوابق، هو مثلاً مصدر تلك القوانين في بلاد مثل المملكة المتحدة (ماعدا سكوتلندا) والولايات المتحدة (ما عدا ولاية لويزيانا ومقاطعة بورتوريكو) وكندا (ماعدا مقاطعة كيوبك) وأستراليا وغيرها. وذلك في مقابل القانون المدني أو ما يسمى (Civil Law) المستقى أساسا من القانون الروماني، والسائد في معظم دول أوروبا غير الناطقة بالإنجليزية وفي ولاية لويزيانا الأمريكية ومقاطعة كيوبك الكندية ودول أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول. ونحن نلاحظ فيما سبق أن هناك اختلافات في شكل النظام السياسي حتى داخل الدولة الواحدة، بل إن ولاية مثل كاليفورنيا تجمع بين النظامين بشكل معين. وهذا كله يجب أن يغير طريقة فهمنا للأنظمة السياسية بشكل عام، وللنظام الديمقراطي على وجه الخصوص، بحيث تخرج ليس فقط الجماهير، وإنما أيضا كثير من شرائح النخبة من تلك الطروحات السطحية والمجتزأة لأنواع الأنظمة السياسية بشكل عام وللنظام السياسي الديمقراطي على وجه الخصوص. وإذا كان مفهوماً أن يدعو الكثيرون إلى الديمقراطية في البلاد العربية، إلا أن من الضرورة بمكان في إطار عمليات التغيير أن يجري الحوار في أشكال الديمقراطية ونسخها المتنوعة وما يتناسب من كل منها مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد المعني.

أما الأمر الآخر الهام الذي يتعلق بمفهوم الخصوصية فإنه يتمثل في مدى وكيفية الاستفادة من التراث السياسي العربي والإسلامي على طريق بناء ثقافة سياسية، وبالتالي نظام سياسي، يحقق أهداف عملية الإصلاح والتغيير بشكل فعال. وإذا كانت المهمة الأولى المتمثلة في التمييز بين النسخ المختلفة من الديمقراطية لا تتصف بالسهولة، فإن من الواضح أن هذه المهمة الثانية أصعب بكثير لعوامل كثيرة نفسية وأيديولوجية وعملية.. ذلك أن هناك انقساما أوليا واضحا في المجتمعات العربية بشكل عام فيما يتعلق بهذه المسألة بين تيارين يفكر كلاهما بمنطق القطعيات والنهائيات. الأول يقول بأن في تراثنا كل ما نحتاج إليه على طريق بناء ثقافة سياسية ونظام سياسي، ويخلط هؤلاء بين المنطلقات والمبادئ والمقاصد وبين التفصيلات والقوالب والأطر من ناحية، كما أنهم يغفلون من ناحية ثانية عن قيمة التجربة البشرية العالمية فيما يتعلق بالمسائل التي نتحدث عنها، وعن الثراء النظري والعملي الهائل الموجود فيها، وهو ما لم يغفل عنه بانو الحضارة العربية الإسلامية الأوائل، ممن انفتحوا على العالم في زمانهم واستفادوا من جميع نظمه وتجاربه إلى درجة لا يدركها الكثيرون. ولذلك يغفل هؤلاء عن المعاني الهائلة الواردة في القول التالي للخليفة المأمون والذي ورد في كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة وكتبنا عنه مقالا كاملا في "الوطن" منذ زمن "ولو شاء الله أن ينزل كتبهُ لا تحتاج لتفسيرٍ لَفعَل، ولكننا لا نرى شيئاً من الدين والدنيا دُفِعَ لنا على الكفاية. ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن تفاضلٌ، وليس على هذا بنى الله عز وجل الدنيا"..

أما التيار الثاني فإنه يرفض كل ما يمِت بصلة إلى هذا الموضوع في الرصيد الذاتي الحضاري والثقافي للعرب والمسلمين، ويحكم على مسألة العودة إلى التراث والاستفادة منه من خلال بعض التطبيقات العملية والممارسات الخاطئة. رغم أننا رأينا ونرى أن هناك في كل تجربة بشرية وكل نظام مفارقات بين النظرية والتطبيق وبين المبدأ والممارسة، وأن وجود تلك المفارقات والأخطاء لا يجب أن يمنعنا إطلاقا من إعادة النظر إلى النظرات وإلى المبادئ، وذلك بُغية إعادة تنزيلها على أرض الواقع من خلال هياكل وقوالب وأنظمة مختلفة تحاول أن تكون أقرب إلى تحقيق مضمونها والوصول إلى أهدافها. لأن هذا وحده هو الذي يعبر عن استمرارية المحاولة البشرية للوصول إلى الأفضل والأحسن.. وهي المحاولة التي تعتبر جوهر الوجود الإنساني على هذه الأرض..

ووجود هذين التيارين يذكرنا مرة أخرى بمشكلة أساسية في حياتنا الثقافية والسياسية العربية تتعلق بمفهوم التبسيط. فالتبسيط في العرض مطلوب عندما يتعلق الأمر بالحديث عن علاقة المثقفين بالرأي العام الذي لا يحب، في كل المجتمعات وليس فقط في المجتمع العربي، الغرق في المصطلحات العلمية الغامضة أو في بحور التنظير الأكاديمي المعقد. ولكن المشكلة تكمن في غلبة التبسيط على تفكير المثقفين وتحليلاتهم، وفي غياب العمق والشمول فيما يتعلق بالمسائل التي يتصدى للحديث عنها أولئك المثقفون. ويبدو أن الحفاظ على توازن حساس بين وجود العمق والإحاطة في التفكير والتحليل وبين امتلاك القدرة على التبسيط في العرض، بحيث لا يغلب أحدهما على الآخر، يحتاج إلى جهد ذهني وعملي مقدّر، لا يزال البعض بعيدين عن إعطائه ما يستحق من وقت وعمل.

وبعد، فإن هذا المقال لا يمثل دعوة إلى ممارسة عمليات (القص واللصق) بين أنظمة وتجارب مختلفة، وإنما دعوة إلى حراك ثقافي وعلمي جاد يليق بالتجربة الجديدة في المملكة، وبالتحولات الهامة والأساسية التي ستترتب عليها. يقول توماس سويل، أحد المثقفين المعاصرين المهتمين بالعلاقة بين السياسة والثقافة في الولايات المتحدة "لا يتمثل الدور الحقيقي الذي يلعبه المثقفون في صناعة التاريخ في تلك الكلمات والنصائح التي يهمسونها في آذان السياسيين بقدر كونه يتمثل في إسهامهم في صياغة تيارات الفهم وسوء الفهم الهائلة التي غيرت طبيعة الفعل البشري على مدى الأيام".. ونحن إذا أخذنا بعين الاعتبار مفصلية المرحلة القادمة في السعودية، فإن دور المثقفين فيها يصبح أكثر أهميةً وأشد حساسيةً ومدعاةً للارتقاء إلى مستوى المسؤولية أمام الأمة والوطن والتاريخ.

الثقافة السياسية والتعبير عنها بين الشباب والشابات(14) 

الثقافة السياسية والتعبير عنها بين الشباب والشابات يعتبر المجتمع الأردني مجتمعاً فتيا شأنه في ذلك شأن بقية مجتمعات الدول النامية التي تتصف بهذه الصفة حيث تشكل فئة الشباب دوماً أعمدة الأساس لتطوير البلدان وازدهارها، نظراً لحجم طاقاتها ومكامن الإنتاج فيها، فأصبحت رعاية الشباب قضية هامة من قضايا التنمية الشاملة والمستدامة، با عتبار الشبابا مصدراً هاماً ومتجدداً للإستثمار لأن الشباب أداة التنمية ووسيلتها وغايتها المنشودة، وعلية فأن رعاية الشباب اليوم واجب وطني لا بد من مشاركة كافة قطاعات المجتمع الرسمية والأهلية معاً لتحقيقها إذا أردنا الوصول إلى تنمية شاملة ومستدامة في عالمنا السريع التغير.

ويعرف تقرير التنمية البشرية 2000 الشباب بأنهم "الأشخاص في الفئة العمرية من (15-29) سنة لأن الشباب خلال هذه السنوات ينتقلون من المراهقة إلى سن البلوغ ويمرون في تحولات مشتركة، عاطفية، بدنية، إقتصادية، وإجتماعية، تؤثر في دورهم المجتمعي، في البيت وفي شتى مناحي مجتمعهم المحلي".

وحسب مقاييس الأمم المتحدة فأن مصطلح الشباب ينطبق على الفئة العمرية من (15-24) سنة ولكن من الناحية العملية فأن تحديد الفئة العمرية للشباب يختلف من بلد إلى آخر حسب العوامل الثقافية والمؤسسية.

ونحن في الأردن نعتمد الفئة العمرية من (15-24) حسب ما حددته جامعة الدول العربية. ويشير تقرير التنمية البشرية لعام 2000 إلى أن الشباب بين سن (15-29) سنة يشكلون (%31.4) من إجمالي السكان في الأردن، وحوالي (54.2%) من السكان الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة.

واعتمدت الإستراتيجية الوطنية للشباب الفئة العمرية من (12-30) سنة الذي ينتظر الإنتهاء من صياغتها خلال الربع الأخير من العام الحالي 2004.

جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ومنذ توليه سلطاته الدستورية حرص على إعطاء الشباب دوراً هاماً في عمليات التنمية الشاملة، وعلى تشجيع المشاركة السياسية وتمثيل الأغلبية الصامتة من حيث التوجه إلى الشباب وإنصافهم وأن يكونوا هم المبادرون في عملية التغيير انطلاقاً من رؤية جلالته " بأننا نريد شبابنا قادراً على التفكير والتحليل والإبداع والتمييز، مدركاً لحقوقه وواجباته تجاه وطنه وأمته حريصاً على المشاركة في مختلف مراحل العمل والبناء وأظهار قدرته على المنافسة والتفوق".

فالقيادة السياسية تدرك أن الاستثمار في الشباب هو الإستثمار القادر على النهوض بالأردن وتقديمه إنموذجاً في المنطقة والعالم. حيث جاء في كتاب التكليف السامي عام 2003 "الوقت قد حان لتعميم مفهوم التنمية السياسية التي يشارك بها كافة قطاعات المجتمع وقواه السياسية حيث النزاهه والمساءلة والشفافية وحيث سيادة القانون والعدالة والمساواة وحيث مشاركة فاعلة وحقيقية للمرأة الأردنية والشباب الأردني وتفعيل طاقاتهم واستثمارها في شتى مناحي الحياة فنحن ندرك أن لا تنمية شاملة بدون استثمار طاقات الشباب وبدون أن تأخذ المرأة مكانتها الطبيعية وحقوقها كاملة في المجتمع".

كما جاء في الدستور الأردني "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائط التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون".

دور المجلس الأعلى للشباب:

- تم تشكيل لجنة من الخبراء من أساتذة الجامعات والمجلس الأعلى للشباب لوضع برامج شبابية في إطار التنمية الشاملة المستدامة وفي مقدمتها التنمية السياسية.

- التوسع في الفئات العمرية من (12 – 24) عام على مستوى البرامج الشبابية لتشمل طلبة الجامعات.

- تشكيل لجنة مشتركة من المجلس الأعلى للشباب ووزارة التنمية السياسية لمتابعة القضايا المشتركة.

- غطت الإستراتيجية الوطنية للشباب تسعة محاور هي (الشباب والمشاركة، الشباب والحقوق المدنية، الشباب والتعليم والتدريب، الشباب والصحة، الشباب والبيئة، الشباب والنشاطات الترويحية، الثقافة والإعلام، تكنولوجيا المعلومات، الشباب والعمل).

- تنويع البرامج في المعسكرات واللقاءات الشبابية لتغطي كافة المواضيع ومن ضمنها الشباب والتنمية السياسية، والأردن أولاً، مهارات الحياة العصرية، ودور المجلس الأعلى للشباب في تعزيز الإنتماء والولاء الوطني.

- طرح عناوين جديدة في سلسلة التثقيف الشبابي التي يصدرها المجلس، لتنسجم والتوجهات الجديدة، لرفع سوية الوعي لدى شبابنا، ومن ضمنها الشباب والتنمية السياسية، الولاء والإنتماء لدى الشباب الأردني وأثره في بناء الشخصية، والشباب والإعتزاز الوطني وغيرها.

- تشكيل برلمان شبابي لإعضاء المراكز الشبابية في كافة المحافظات، ووضع برامج هادفة تتناسب مع المرحلة القادمة وتغطي كافة محاور عمل البرلمان الشبابي.

ويستطيع الشباب المشاركة في التنمية السياسية عن طريق:

- المشاركة في مجمل القرارات الأسرية المؤثرة عليهم حاضراً ومستقبلاً

- المشاركة في مجالس الطلبة في المدارس.

- المشاركة في برلمان الشباب في المراكز الشبابية.

- المشاركة في الإتحادات الطلابية بالجامعات وكليات المجتمع.

- الإنضمام إلى مؤسسات المجتمع المدني (الأندية، المراكز الشبابية، النقابات، المنتديات الثقافية، الجمعيات.... ألخ).

- العمل على إخراج صيغة برلمان شبابي لجميع شباب وشابات الأردن.

- الإنخراط في الحياة الحزبية.

أن مشاركة الشباب في التنمية السياسية تتطلب:

1- تثقيف الشباب سياسياً وبخاصة في الدستور والميثاق الوطني والقوانين السياسية، بما في ذلك الحقوق والواجبات.

2- منح الشباب حرية كاملة للتعبير عن أنفسهم والإستمتاع لهم وإحترام آرائهم ومنحهم الثقة بأنفسهم.

3- إعداد برامج عمل متكاملة لتعليمهم المهارات اللازمة لمثل هذه المرحلة، على أن يشاركوا في الإعداد والتنفيذ.

4- تحصين الشباب بالمعرفة والمعلومات والمهارات لإحداث التغيير الإيجابي خصوصاً في عصر ثورة المعلومات والإتصالات والإنفتاح الثقافي.

5- تضافر كافة مؤسسات التنشئة الإجتماعية (الأسرة، المدرسة، المراكز الشبابية والأندية والمنتديات الشبابية، الإعلام، مؤسسات المجتمع المدني..) لخلق سياسة لدى الشباب.

6- إنخراط الشباب في كافة مؤسسات المجتمع المدني،وتمكينهم من إختيار من يمثلهم في مؤسسات المجتمع المدني.

ومن أهداف الإستراتيجية الوطنية للتنمية السياسية التي وضعتها وزارة التنمية السياسية" ضمان مشاركة فاعلة للشباب في عملية التطوير السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإذكاء والإنتماء الوطني لديهم وتمكينهم من المعرفة والمنافسة. ضمان حقوق المرأة وتحفيز مشاركتها في جميع الحقول بما فيها مجلس النواب".

فالتنمية السياسية للشباب تعني "تنشئة اليافعين والشباب وتهيئتهم سياسياً للمشاركة في الحياة العامة وإعدادهم ليصبحوا مواطنين لديهم معرفة بحقوقهم وواجباتهم ملتزمين بالقيم الإساسية والمبادىء السياسية والديمقراطية للمجتمع أو الدولة ومالكين للمعرفة والمهارات السياسية اللازمة للمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية".

كما أكد القانون المؤقت للمجلس الأعلى للشباب رقم (65) لعام 2001" على ضرورة تنشئة شباب متمسك بعقيدته منتم لوطنه متحل بروح المسؤولية، قادر على تعزيز النهج الديمقراط والتعددية الفكرية واحترام حقوق الإنسان والتعامل مع معطيات العصر والتقنية الحديثة، كذلك تعميق إنتماء الشباب للوطن والولاء للقيادة الهاشمية واحترام الدستور وقيادة القانون ومبادىء الثورة العربية الكبرى فضلاً عن تنظيم طاقات الشباب وإستثمارها بما يكفل مشاركتهم الفاعلة في التنمية المستدامة وترسيخ قيم العمل الجماعي والتطوعي".

فالمشاركة السياسية للمرأة باتت ضرورية ولا يمكن تجاهلها لأنها جزء من عملية تطوير المجتمع في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والثقافة السياسية جزء من ثقافة المجتمع والتي تنتقل عبر التنشئة السياسية وتعتبر تفاعل خبرة تاريخية طويلة تتفاعل بها أبعاد عده منها البعد الجغرافي والعقائدي والظروف الاجتماعية والاقتصادية.

فالتنمية السياسية للشباب تهدف إلى تعزيز قيم المواطنة بين الشباب وتشمل فرص المشاركة الشبابية الواعية في كافة مجالات الحياة المختلفة ومنها المشاركة السياسية المؤثرة عليهم حاضراً ومستقبلاً.

أما آليات التنمية السياسية كما جاءت في خطاب العرش السامي خلال افتتاح المجلس الرابع عشر لمجلس الأمة في كانون أول 2003 فهي:

1- تكريس مجتمع التكافل والتعاون على قاعدة ثابتة من العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان عبر إعتماد مبدأ النزهة والشفافية، وذلك في سائر ميادين العمل والإنتاج، والإحتكام إلى سيادة القانون على الجميع، دون محاباه ولا تمييز.

2- تفعيل طاقات المجتمع وإشراك الجميع في عملية التنمية، وبخاصة الشباب والمرأة، التي يجب أن تتوفر لها كل الإمكانات اللازمة والحقوق المستحقة من أجل مشاركتها الكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالتغيير المنشود لا يتحقق إلا عبر تحفيز الشباب الأردني، والإستماع إلى أرائهم،لأنهم عماد الغد ومادة التغيير، وعلى هذا الأساس، يجب تعزيز دورهم وتوفير فرص العمل لهم وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم.

3- تعميم الثقافة الديمقراطية، والتي تركز على مبدأ الحوار، واحترام الرأي الآخر وتقبل الإختلاف مصدر غنى، لا مبرر للخلاف، والإلتزام بما تقرره الأكثرية بعيداً عن التطرف والمغالاة والقول باحتكار الحقيقة لجهة دون غيرها، ذلك أن قبول الآخر، والاعتراف بحقه في التعبير، والاختلاف في الرأي، هو الطريق الصحيح لإبراز التوافق الشامل لتطلعات الأردنيين والأردنيات، لتحقيق آمالهم وطموحاتهم.

أما محاور التنمية السياسية كما جاءت في خطاب العرش وفي كتاب التكليف السامي وفي برنامج الحكومة فهي:

1- قانون الإنتخاب لمجلس النواب.

2- قانون الأحزاب السياسية.

3- قوانين حقوق المرأة.

4- برلمان الشباب ومشاركتهم الفعلية في الحياة السياسية.

5- قوانين الإعلام والصحافة.

6- تطوير القضاء والإصلاح القضائي.

7- آليات صنع القرار في مجلس الوزراء للتطوير والتغيير والتفعيل.

وبالتالي لا بد من التركيز على دور الشباب والمرأة في عملية التنمية الشاملة المستدامة ويجب تحفيزهم على المشاركة والإستماع إلى آرائهم لأنهم أساس التغيير فالحقوق السياسية تشمل:

- حق الترشيح والإنتخاب.

- حق المشاركة في رسم السياسات الحكومية وتنفيذها واشغال الوظائف العامة.

- حق المشاركة في عضوية جميع مؤسسات المجتمع المدني.

- الحق في بناء أحزاب سياسية تمثل إتجاهات فكرية قادرة على المساهمة في الحياة السياسية.

- فتح قنوات اتصال وتعاون وتنسيق مع كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بالعمل مع الشباب بغية التشبيك بين كافة الجهود المبذولة في هذا المجال.

وأخيراً فأن تعزيز التنمية السياسية هي مسؤولية جماعية تشارك بها جميع مؤسسات التنشئة الإجتماعية بدءاً بالأسرة ومن ثم المؤسسة التربوية والإعلامية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني، في إطار صيغة تؤكد على التعاون والتنسيق الوثيق بين كافة الشركاء.

نحو تجديد الثقافة السياسية العربية(15)

تتميز الثقافة السياسية العربية، لدى غالبية الفاعلين السياسيين، بأنها تحتقر التنوير والفكر الحر، وتبرر الاعتقال والنفي والتشريد والقتل، وتعمل على إشاعة روح الخوف والترهيب لإضعاف دور المثقفين (ضمير الأمة)، فيتحول بعض منهم إلى مسوخ تضرب على كل دف، وتنفخ في كل مزمار.

ومن أجل تجديد الثقافة السياسية العربية يمكن الإشارة إلى أهم القواعد والمبادئ:

- اعتبار ساحة الفعل السياسي مفتوحة دوما على قوى ومجموعات ذات تصورات فكرية ومشارب سياسية متباينة، الأمر الذي يفرض على الممارس السياسي اعتماد قدر كبير من المرونة في التعامل مع الشأن السياسي تمكّنه من القدرة على التكيّف مع معطيات الواقع المتحول.

- ضرورة التزام الخطاب العقلاني والواقعي في العمل السياسي، لما يتيحه ذلك من إمكان الإحاطة بالواقع الشامل والتعرف على العوامل المؤثرة في سيرورة تطوره. إذ أنّ الواقعية والعقلانية تقتضيان تقديرا دقيقا للإمكانات الفعلية للذات التي تتوخى الفعل والتغيير في وضع سياسي ما، ذلك أنّ تضخيم تلك الإمكانات يترتب عليه رسم خطط وبرامج للممارسة مكلفة إنسانيا وفاشلة عمليا، وفي ذلك هدر للطاقات في معارك مجانية أو غير متكافئة قد تنتهي إلى كارثة محققة.

- اعتماد ثقافة الحوار انتصارا لفكرة أو دفاعا عن موقف وحماية لمصلحة خاصة أو عامة. وفي سياق ذلك ينبغي الحرص على عدم اعتماد الأساليب المتطرفة في التعاطي مع قضايا الخلاف، فقد تسيء الحدة المفرطة في الجدل السياسي بين المواقف المتعارضة إلى القضية موضوع الحوار، إذا لم تعرف الأطراف المتحاورة كيف ومتى تترك للمارسة هامشا يسمح باختبار مختلف الآراء والأطروحات وتمييز الصائب منها عن الخاطئ.

- الاستعداد الواضح لتمكين الأجيال الشابة من تحمل مسؤولية قيادة العمل السياسي باعتبار ذلك شرطا أساسيا من شروط تجديد شباب الأمة.

وتكتسب الدعوة إلى التعددية وحق الاختلاف أهميتها مما تشهده بعض أقطارنا العربية من انقسامات عمودية تهدد وحدتها وتسهّل لأعداء الأمة تمرير مخططاتهم التقسيمية على أسس ما قبل وطنية. ولذا، فإنه ليس من قبيل الترف الفكري الدعوة إلى ضرورة تطوير نسق عربي ديمقراطي مؤسس على مشروعية التعددية وحق الاختلاف، مما يتطلب: وفاقا بين السلطات القائمة في أقطارنا العربية وبنى المجتمع المدني لصياغة حل انتقالي تدريجي نحو الديمقراطية. ويبدو واضحا أنّ نجاح هذا المسار مرهون بمدى استعداد السلطات العربية لترشيد بنائها على أسس عقلانية وديمقراطية.

إنّ إعادة اكتشاف الديمقراطية اليوم يعيدنا أولا إلى إعادة اكتشاف مفهوم المواطن من خلال استحضار مجموعة من الأبعاد التي يحيل إليها هذا المفهوم.

- البعد الإنساني، فالمواطن ليس فردا فحسب، إنه المواطن - الإنسان، والمفهوم الحقوقي يحيلنا بالضرورة إلى مفهوم أوسع، مفهوم حقوق الإنسان القابل دائما للتجريد والتعميم، وبالتالي للتطوير كلما برزت عقبة في وجه المساواة والعدالة في مجتمع من المجتمعات. هذا البعد الإنساني، يتطلب نظرة ثقافية وتربوية تقوم بشكل أساس على التسامح وتعلّم قبول الآخر والتعامل معه بذهنية أخوة المواطنة وأخوة الإنسانية معا.

- البعد التنموي البشري، الذي يحيل بدوره إلى حلقات مترابطة في معاني المفهوم الجديد للتنمية وشروطه: تنمية وعي المواطن السياسي إنسانا مسؤولا للمشاركة في الحياة السياسية، وتنمية حس النقد والبحث عن الحقيقة ليكون الخيار والرأي عقلانيين، واعتبار مستوى التعليم ومستوى الصحة ومستوى الوعي البيئي ومستوى المشاركة معايير أساسية في درجات التنمية.

- البعد العالمي للمواطنة، ثمة من يدعو اليوم إلى إعادة تأسيس مجال المواطنة وثقافتها، خصوصا بعد أن اسُتنفرت الهويات الذاتية القاتلة في مواجهة الهويات المغايرة حتى في الوطن الواحد ولدى المواطنية الواحدة بذريعة البحث عمن يحمل مسؤولية مظالم الاستبداد والأزمات الاجتماعية والضائقة الاقتصادية.

إنها حركة تعمل على إعادة تركيب العالم بمواطنة في مجتمع ديموقراطي يسعى إلى مزيد من تنوعه، لا إلى مزيد من شموليته ووحدته. هذا جانب من جوانب البعد العالمي لمواطنة أضحى عليها أن تستوعب اختلافا قريبا أو بعيدا عنها، ولكن محيطاً بها بصورة دائمة، لا بفعل انعدام المسافات فحسب، بل بسبب حضور هذا الاختلاف في العيش والحياة اليومية.

.....................................................................

1- ياسر خالد الوائلي/ موقع البلاغ

 2- عامر السدراتي / حديقة لوركا

 3- عبدالله نقرش/  موقع المراة العربية والمشاركة السياسية

 4- حسين كنعان/ موقع سؤال التنوير

 5- د. خالد نايف الهباس/ صحيفة عكاظ السعودية

 6-   حازم مبيضين   / اخبار آرام

 7- مهند مصطفى/ موقع جمعية لقرأ

 8-   سعاد جبر / موقع دروب

 9- إعداد: عبد الله الراشد/ منتديات السعودية تحت المجهر

 10- زيرفان سليمان البرواري/ جريدة الاتحاد العراقية

 11- عماد الامارة/ جريدة الصباح العراقية

 12- د. فايز بن عبد الله الشهري/ جريدة الرياض السعودية

 13- وائل مرزا/ جريدة الوطن السعودية

 14- ورقة عمل قدّمها: معالي السيد مأمون نور الدين / بوابة المراة

 15- عبدالله تركماني / صحيفة الوقت البحرينية 

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 4 أيلول/2007 -21/شعبان/1428