شبكة النبأ: ليس من شك بان الانسان
ينطلق من واقعه العام اثناء تصوره للمستقبل، والمستقبل فكرة غامضة
محيرة لايتنبأ بها احد وهذا احد الدوافع الى ظهور الشعوذة التي ابتدأت
بادعاء معرفة المستقبل والتنبؤات التي تبطنها الايام القادمة.
فالواقع العام الذي يستند عليه ذلك التصور هو واقع حربي ومعترك كبير
بين القوى الخيرة والقوى الشريرة وكذلك قوى الشر مع بعضها لتشتعل نار
مستعرة وقودها الابرياء من بني الانسان.
فان غالب تلك التصورات تنطلق من تلك القلوب الحرى المستغيثة التي
تعاني العذاب والعبودية لمنطق القوة.
فالحضارات التي يهلل لها بعض التاريخيين او المهتمين بالارث
الانساني انما هي الشواهد الكبيرة لذلك الصراع والعبودية والاستهانة
بالانسان لدرجة انه يذبح كفرائض دينية تحت اقدام الملوك والاباطرة.
فالاهرام هذا الصرح المتعالي كم استنزف من النفوس الانسانية وكم روح
ازهقت فيها لتتحقق عظمتها وتصمد بوجه التاريخ الى الآن؟.
وهناك شواهد كثيرة اخرى متمثلة بما تركه لنا الزمن القديم من آثار
ومتعاليات صمدت بوجه الحقب التاريخية.
ان وجود عدالة حقيقية هو ضرب من الخيال وجموح عاطفي ليس له ما يؤيده
في الواقع الحياتي وستظل تلك الصراعات تتغذى على الانسان ذاته الى ان
ياتي امر الله سبحانه وتعالى في يوم الخلاص.
حيث هناك جذوة متقدة في الذهن الاجتماعي على مر العصور الا وهي(
المنقذ ) الذي وضعته الاديان الربانية لتهدئة النفوس الصابرة ولتعضيد
نضالها من اجل خير الانسان ولمواصلة المسير في النضال ضد قوى الشر حتى
الانتصار وتحقيق العدل الالهي.
فالمخلّص عند النصارى هو الذي يرفع العذابات ويمسح الدموع ويداوي
الجروح ويغسل الادران من البشرية كافة تحت خيمة السلام والمحبة
والايمان والتوادد والتراحم فلا من معتد ولا من آثم انما الامور في
عدالتها وعنفوانها وحيويتها وعفويتها.
والمخلّص او المنقذ فكرة ارتبطت بشكل ملازم لكل الاديان وهي لذلك
تعد من الاشتراك الميثولوجي الرابط مع الشعوب ذات الاديان السماوية.
وهي ليست ما امتاز به الإسلام وذلك لأن الاسلام نفسه جاء من السلسلة
المترابطة للرسائل الربانية في عهدة الانبياء فكلما وصلت البشرية الى
مرحلة او شأوا اعلى في دين سابق جاءها دين اخر لينسخ الذي قبله ثم
يبدا من حيث انتهى الدين السابق ليوصل الفكر الانساني الى مرحلة اعلى.
وعقيدة المهدوية في الفكر الاسلامي الشيعي انما هي امتداد لحقيقة
كانت موجودة وكامنة في ذات الاديان، والاسلام انما اعطاها وجه الدقة
والحقيقة، ولم يجهل منها غير التوقيت. ويقصد بالتوقيت بحسب الاعتقاد
الشيعي هو وقت الخروج وهو امر قد نهي عنه كونه ارادة ربانية لا يمليها
البشر على ذات الله سبحانه وتعالى بل العكس.
فالبشرية التي بلغت اعلى المراحل في الفكر والتقنيات والقدرة على
الفهم والاحتراز ووصولها الى اعلى مراحل التطور وهي لم تزل تمارس الظلم
وغياب العدالة الاجتماعية انما هي امة تستحق ان تعاقب على عنادها
ويستوجب ان تسير في الطريق السوي جبرا ام اقناع.
فمن آمن بالعدالة السماوية فقد هداه عقله الى الصحيح ومن كان يرى
الحق وينسل في طريق الشر فان الحكومة المنتظرة ستعطيه ما يناسب عناده
وكفره، ومن ذلك ما قاله الله سبحانه وتعالى (قد تبين الرشد من الغي).
فان الانسان بخضم ذلك التطور لن يكون جاهلا نفسه واي موقع هو يقف؟.
فقد عرف كل انسان انه على مربع الباطل او على مربع الحق والعدالة.
وقد ابصر كل امرئ موقعه وموقفه من العدالة التي يريدها الله سبحانه
وتعالى.
واذا كان الاسلام في بدايته يناضل على التنزيل فانه في دولة الحق
يناضل على التاويل وهي الحالة التي توصل اليها الانسان بعد التطورات
الثقافية والفكرية والفلسفية والتجريبية وعرف بصورة لا تقبل الشك اين
هو الباطل واين هو الحق؟.
واليوم ونحن نستقبل العيد الكبير بمناسبة ميلاد الإمام المهدي
المنتظر عليه السلام ونرى الى الملايين الآتية لزيارة العتبات المباركة
فان ذلك لايدهشنا بكون هذه المناسبة تتكرر كل عام وتتكرر معها معالم
الفرح والزينة والبهجة، لكنها على نحو ما ترينا عمق الجرح الاجتماعي من
الواقع المرير الذي تعيشه الامة الحزينة، وترينا على تلك الوجوه
الفرِحة العميقة بقرب الخلاص من الظلم والجور الممتد في الجسد
الاجتماعي العالمي منذ حقب بعيدة.
ترينا تلك الجموع المتعطشة للحرية والمحبة والحياة ان طقس الانتظار
لم يكن في يوم انتظارا خياليا ابتدعته المخيلة الانسانية هروبا من
واقعها، وانما هو الانتظار المقدس الذي حمل بشائره الاسلام وجعله يقينا
صنوا للصبر والنضال والحكمة. |