شبكة النبأ: تنتشر
في أصقاع المعمورة الكثير من الأديان السماوية والمعقدات الإنسانية
التي تمتاز بطقوس ومناسك خاصة يحرص اغلب معتنقي هذه الأديان على
تأديتها بأكمل وجه ، الواجبة منها والمستحبة ،بهدف التقرب من الخالق
واسترضائه لغفران الذنوب و الحصول على الأجر والثواب, فيما تنوعت هذه
المناسك والطقوس على أشكال مختلفة حسب الموروث الديني، والاجتماعي
أحيانا، لنلاحظ البون الشاسع بين طبيعة ونوع هذه الطقوس لدى ملة
وأخرى، ومدى التنوع في يسر أو مشقة أدائها.
وللدين الإسلامي الكثير من هذه الطقوس كالصلاة والحج والصيام
وإحياء ذكر آل بيت النبوة عليهم أفضل الصلوات الذي يحرص المسلمين
الشيعة بصورة خاصة على إقامتها والتمسك بتأديتها للتقرب لله عز وجل إلى
جانب الفرائض الأخرى، وفي مستعرض استطلاعنا هذا نسلط الضوء على ماهية
وأسباب زيارة النصف من شعبان وسبب احتضان مدينة كربلاء المقدسة كل عام
إقامة مناسك هذه الزيارة، وما هو ما الدافع لتوجه آلاف الزائرون إليها
من مختلف أرجاء العراق.
إيقاد الشموع وإرسالها في النهر
أملا في تحقيق أمانيهم
بعد زيارة الإمام الحسين(ع) في ليلة النصف من شعبان يتجمع أهالي
المدينة والوافدون من الزوار على ضفتي نهر صغير يقع عند مخل المدينة
الشمالي وهم يحملون الشموع المضيئة دون استثناء، رجالا ونساء شيوخا
وأطفال ليجوبوا بها شوارع المدينة قبل أن يرسلوها في مجرى النهر بعد
تثبيتها على قطعة من الخشب أو الفلين تضمن طوافها على وجه الماء، في
تقليد جميل توارثوه منذ عدة أجيال، بادية على وجوههم مراسم الفرح
والابتهاج، فيما يبدو هذا النهر الصغير كأنه يرتدي حلة من الأنوار،
تدوم حتى الصباح بمنظر بديع يسر الناظرين وصورة جميلة لا تتكرر حتى
العام المقبل في مثل هذا اليوم .
استوقفنا شاب في مطلع العشرينيات من عمره وهو يقوم بوضع شمعة مثبته
على قطعة من الفلين داخل النهر لنسأله مغزى تصرفه هذا فأجابنا قائلا: (
هذه ليست أول مره، فانا منذ صغري اكرر هذا الفعل كل عام في هذه
المناسبة كموروث تعلمته من أمي وأبي وهم لا يزالان حتى ألان يقومان به
كبقية المحتفلين بهذه المناسبة أملا بالأجر والثواب وإيمانا بالإمام
المهدي عجل الله فرجه أما أنا فبالإضافة إلى ذلك أرسل مع الشمعة أمنية
علها تتحقق، فالكثير من الناس يتمنون ابيضا عند إرسالهم الشموع في
النهر).
توجهنا صوب احد الفتيات عندما كانت تشعل شمعة تحملها من إحدى الشموع
لنبادرها بسؤالنا عن رأيها في سبب حمل الشموع والتجول بها فقالت:(
اعتقد إن الشمعة ترمز إلى النور والحياة المضيئة لذا يستعملها اغلب
الناس في أعياد الميلاد الخاصة بهم والمناسبات السعيدة, ولكون إن هذه
المناسبة هي مناسبة مفرحة لعموم المسلمين تراهم يخرجون إلى الشوارع
فرحا وابتهاجا لذكرى ولادة إمام العصر (ع) وهم يحملون هذه الشموع حتى
الصباح ).
أما السيد سعد عبد الله الموسوي وهو زائر قدم من مدينة البصرة مع
مجموعة من أصدقائه سألناه عن الدفع من وراء سبب تجشمه هذا العناء
والقدوم إلى هنا علما إن هذه الزيارة من المستحبات وليست واجبة في رأي
علماء الشيعة استشهد لنا بموقف صادفه وهو في طريقة إلى كربلاء للمشاركة
في إحياء هذه الذكرى: ( بصراحة نحن توجهنا إلى مدينة كربلاء المقدسة
مستقلين الباص وفي منتصف الطريق شاهدت امرأة عجوز وهي متوجهة إلى هنا
سيرا على الأقدام فتأثرت بهذا الموقف وأخبرت بقية أصدقائي بما شاهدته
فعزمنا على أن نكمل بقية الطرق سيرا على الأقدام وهذا ما حصل، فالمسألة
ليس مجرد استحباب فانا اشعر بارتباط روحي بيني وبين صاحب العصر وهذا
العناء النزر القليل في حقه صلوات الله عليه).
من أراد أن يصافح أربعة وعشرون نبيا
فعليه زيارة الحسين في النصف من شعبان
توجهنا إلى مدرسة العلامة ابن فهد الحلي وسط مدينة كربلاء لنلتقي
بسماحة الشيخ على مجاهد مدير مؤسسة الزهراء الخيرية، لنستفسر عن حيثيات
هذه المناسبة ومورثوها الديني لدى أتباع آل البيت (ع) حيث حدثتا قائلا:
( لجميع الأديان السماوية والمعتقدات الأخرى كل على حده نوع خاص من
الطقوس والشعائر والبرامج الدينية الخاصة بها وغيرها من الأمور، والكل
يلاحظ ذلك ويشاهده خصوصا بعد انتشار وسائل الاتصال في العالم كالنت
والفضائيات العديدة، وللمسلمين الشيعة مناسكهم وطقوسهم الإسلامية أيضا
وعلى ذكر هذه المناسبة المتمثلة بذكرى مولد الإمام المهدي عليه السلام
هناك نوع خاص من الشعائر والطقوس التي يسودها الابتهاج والفرح والحضور
للاحتفال في كربلاء المقدسة، ولكن الأمر يتعدى ذلك بكثير القضية هي
الارتباط الروحي بالإمام المنتظر روحي فداه الذي نجده في معتقداتنا
كمسلمين شيعة انه حي يرزق وهو موجود بيننا يفرح لفرحنا ويحزن لحزننا
لكنه غائب عن الأبصار بمشيئة الله عز وجل، لذا تلاحظ الحشود المليونية
تتوافد على كربلاء المقدسة في النصف من شعبان متجشمة كل هذا العناء
كدليل لمناصرته وفاءا منها لحقه تدعو له بتيسير مخرجه. وقد ثبتت في
العديد من الروايات صحيحة السند عن استحباب زيارة الإمام الحسين عليه
السلام في هذه الذكرى المجيدة لما لها من الأجر والثواب ، وفي الرواية
إن من أراد مصافحة أربعة وعشرون نبيا فعليه الحسين زيارة النصف من
شعبان.
أما سماحة الشيخ جعفر رفعتي مدير مدرسة الرسول الأعظم في مدينة قم
المقدسة استهل حديثة بسورة من القران الكريم: ( بسم الله الرحمن الرحيم
قل إن كان مائكم غورا من يأتكم بماء معين صدق الله العلي العظيم.
بالأضداد تجلى الحقائق فالأيام ليل ونهار لذا نعرف ما قيمة النور ولو
عاش الإنسان طيلة عمره في سجن عرف ما هي الحرية فبالأضداد نعرف حقيقة
الأمور وصفاتها، فالمحنة التي يعيشها أتباع آل البيت(ع) والظلم الواقع
عليهم يدل على نقيض ما ياملوه من تبدل حالهم في حال ظهور الإمام
المهدي(ع) وقد دلت الكثير من الروايات على إن تفسير الآية الكريمة هو
إن الماء المعين هو المهدي عجل الله فرجه ولذا نحن ندرك قيمة ظهوره
جيدا وكيف ستكون حكومته وكيف ستكون الدنيا أثناء حكمه والروايات
المنقولة عن رسول الله وآل بيته الأطهار (ص) تشير إلى سيادة العدل
والحق في عهدة وكيف يكثر الخير والرزق عندما توتي الأرض اوكولها حيث
كما ذكر إن في عهده عجل الله فرجه لا يبقى في الأرض فقير اومظلوم
لسيادة عدالة السماء بين الناس، من هذه المعتقدات نجد تعلق المسلمون
واستبشارهم بمولد قائم آل البيت عليهم السلام الذي سيملأ الأرض عدلا
وقسطا بعد أن ملئت ظلما وجورا كما هو الحديث الشريف، فيحتفل الشيعة كل
عام بهذه الذكرى وهم يتوجهون بالدعاء لله عز وجل ليعجل من ظهور الحجة
محمد ابن الحسن الملقب بالمهدي قائم آل البيت كما ذكره رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم في حديثه الشريف الذي يعده المسلمون الشيعة حي
يرزق إلى الآن وهو المنقذ والمخلص للبشرية حسب العديد من الروايات)..
شكرنا الشيخين لإيضاحاتهما ثم أكملنا جولتنا في أزقة المدينة
وشوارعها التي اكتظت بالتكايا والمواليد فيما انتشر على ابنيه
والعمارات ألافتات الملونة وفد خط عليها عبارات التهنئة والتبرك فيما
بقيت المحال التجارية والأسواق حتى الصباح مشرعة أبوابها في كرنفال
جماهيري كبير ندر مثيلة في اغلب مدن العراق.
|