نهضة الإمام المهدي(عج) عقيدة تستند للعلم والمنطق

صباح جاسم

 شبكة النبأ: كان الناس قبل القرن العشرين يعترفون بمعطيات من قبيل تراكب السماوات السبع والعرش والكرسي وتراكب الارضين السبع كطبقات البصل-حسب تعبيرات هيئة الفيلسوف بطليموس- ومن كون الارض مركز الكون، ومن حركة جميع السماوات والكواكب والنجوم... الى اخر معطيات فلسفة ارسطو وطب جالينوس وسائر العلوم التي كانت سائدة في تلك الاجيال.

وما كان يتردد احد في قبول شئ منها إلا ويتهم بالخيانة العظمى متمثلة بالكفر والزندقة والالحاد، ومن هذا النوع كان اعترافهم بالروحانيات والعلوم الغريبة.

وهم ايضا(الناس) في هذا القرن يعترفون بجميع معطيات العلوم الحديثة من الفسيولوجيا والبيولوجيا والتكنولوجيا وانتهاءا بالنسبية العامة والديالكتيك، وايضا لا يتردد احد في قبول شئ منها إلا ويتهم بالخيانة متمثلة في السخافة والجمود والجهل.

وذلك كله لا لأن الاولين اعترفوا بمعطيات علومهم عن استيعاب وتصديق، ولا لأن الاخِرين اعترفوا ايضا عن استيعاب وتصديق وانما لأن كل واحد من اولئك عندما تفتق فيه الوعي وجد المجتمع من حوله يردد اشياء فرددها معه، كما يكرر عاداته وتقاليده، شان الطفل الذي يدخل مدرسة فيردد مع زملائه اناشيد ربما دون ان يفهم شيئا منها.

لذلك حارب الناس جميع الانبياء والمصلحين والمجددين واوائل المكتشفين في باكورة نهوضهم بالرسالات التي حملوها، وكان هذا ايضا لا لشيئ إلا لأن المصلحين طرحوا افكارا لم يكن يرددها المجتمع، فمن استطاع منهم ان ينجو من الإعدام والنفي ويواصل طريقه حتى يقنع المجتمع بافكاره اصبح فيما بعد عظيما تنحني امامه رؤوس من بادروا لحربه بلا هوادة، وهذا ليس لان افكاره كانت مغلوطة ثم صححها، انما لأنه استطاع ان يلقنها للمجتمع حتى اصبحت مالوفة معروفة.

وبهذه الببغاوية نعى القران الحكيم هذه المجتمعات، معزيا رسول الله(ص)، قائلا: ذلك مبلغهم من العلم.

وأعذَرَهم الرسول ايضا متجاوبا مع القران، بالقول: اللهم اهد قومي فانهم لايعلمون.

وفي بدايات القرن العشرين انشقت المجتمعات الانسانية بفعل عاملين اساسيين:

 الاول هو عامل (الحضارة المادية) التي تصاعدت بقوة واثارة لتصنيع مظاهر الحياة المختلفة حتى بهر بريقها الالباب واسر العقول.

والثاني عامل (التكتلات الدينية) التي هي ايضا اخذت تتصاعد بقوة، وتجاوب معها قطاعات كبيرة من البشر قائلين بان الحضارة المادية لا تعبر إلا عن وجه واحد من اوجه الحياة.

فمن كان قريبا من قواعد الحضارة المادية تمسك بمعطياتها واعتبر الدين مرحلة تجاوزها الانسان، ومن كان قريبا من قواعد التكتلات الدينية تمسك بمعطياتها واعتبر المادية وسيلة لتجاوز الحياة لا اكثر.

اما الاكثرية من الناس فاخذوا بمعطيات الحضارة المادية لتنعيم الحياة وتسهيلها، متسترين بغطاء رقيق من الايمان والاعتراف بوجود الله تعالى وصحة كتبه ورسالاته، واما التفاصيل والفروع فلا يجدون ما يلزمهم بها.

واذا عرفنا ان الذهنية العامة تؤمن بالمألوف بلا محاكمة وترفض غير المألوف بلا مناقشة، فاننا سنعرف لماذا يكوّن الناس غالبا غطاءا رقيقا من الايمان يتسترون به.

من هذه المعطيات نستطيع ايضا ان نعرف السبب في تهرب الناس من الخوض في الحوار حول القضايا الفكرية الدينية عموما، واتهامها بانها قضايا ايمانية مجردة لا جدوى من التعمق بها، مهما كان مردودها في حياتهم الفردية والاجتماعية، ومن هذه القضايا:

قضية الروح، الروحانيات، المعجزات، حكومة الانسان في سائر المخلوقات، واخيرا قضية (المصلح المنتظر) التي تعبر عن معادلة الخير والشر النهائية، لانها تتعلق باحدى الغرائز المتاصلة والثابتة في البشر الى نهاية العالم.

ولعل غريزة التارجح بين الاضداد او ما تسمى بغريزة التطور وُكلت بالانسان لتقليبه في المعادلات المختلفة،

حتى تكشف كل مخابئه وتنمي كل ما في اعماقه من نوايا وركائزن فتحقق بذلك هدفا من اهداف الحياة الا وهو تجربة الانسان، كما هو الحال في قوله تعالى:وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءا غدقا لنفتنهم فيه.

واستجابة لهذه الغريزة نجد الانسان دائم الاندفاع بين اقطاب الاغراء الكثيرة المتنوعة، فهو يحب الشيئ ويتدفق نحوه بلهفة، حتى اذا شبع منه اعرض عنه واتجه نحو ضده، مثلا:

قد ترى انسانا محافظا لا تذكر له هفوة واحدة، ثم تجده ينفلت بعشوائية، وبعد حين يحاول ان يعيد سيرته الاولى.

او قد يظهر جيل محارب يتتبع الخلافات المعقدة والارتجالية والغير واضحة المعالم-كما هو الحال في الوقت الحاضر- فيتمسك بها لإشعال الفتن والحروب دون ان يعي ان ما يفعله هو التدمير الذاتي بعينه، وقد يعقبه جيل مسالم يتنازل عن اغلى ما لديه هروبا من المواجهة.

وهكذا الدين، فقد يظهر مصلح يحرك فطرة الناس في اتجاه الدين فيتهافتون على جوامعه ومجامعه باندفاع مخيف، ثم تتوتر الفطرة فيهم، فيتجاهلون كل شيئ منه حتى يتحير دعاته ولا ياخذ التيار مداه، ويبدا بالانحسار، ويثوب الناس الى رشدهم في اتجاه الدين من جديد وكانه يطرح عليهم لاول مرة.

ولهذا السبب فانه كلما ظهر نبي او امام واستطاع ان يعلي كلمة الدين، عرف ان ثورته تستهلك من بعده، وان خلفائه سيعانون الثورة المعاكسة فيبشرهم بأن الردة لن تكون قاضية، وان المطاف الاخير سيكون للدين وان الله تعالى سيظهر من يجدده ويقود الناس الى الصراط المستقيم.

فما من نبي إلا وبشّر بمصلح لا يعلى على صوته، ودعا الناس الى الصبر على المكاره وانتظار ذلك المصلح والالتفاف حوله ان هم ادركوه.

لقد بشّر نوح بإبراهيم، وبشّر ابراهيم بموسى، وبشّر موسى بعيسى، وبشّر عيسى بمحمد، وبشّر محمد (ص) بظهور المهدي ونزول المسيح، عليهم الصلاة والسلام.

فما ظهر دين إلا وطرح فكرة المصلح المنتظر، والديانات الحية في الوقت الحاضر كلها تتطلع وتتهيأ لمصلح منتظر، حتى في العالم الغربي، وان اختلفت الاسماء باختلاف العقيدة، فاليهودية والنصرانية تبشّر بالمسيح،  والاسلام يبشّر بالإمام المهدي.

واذا ما تتبعنا هذه العقيدة نجد انها تعني فيما تعنيه من معطيات:

* واقعية الاديان في استيعاب المستقبل وفي استيعاب دورة البشر بالاتجاه نحو الدين والانحراف عنه.

* تطمين المبشرين والمؤمنين بان لهم المطاف الاخير حتى لا ييأسوا مهما اشتدت الفتن ومهما استبدت الثورة المعاكسة.

* تيئيس العاملين ضد الدين وضد المبشرين به، فاذا استطاعوا ان يهرجوا اياما، فلا يعني ذلك انهم اضحوا سادة الموقف، فالدين هو الخط الصحي العام اما الانفلات فهو فوضى لن تدوم مهما طالت.

* تهيئة المؤمنين لاستقبال المصلح المنتظر، حتى يظلوا متأهبين له، حيث تأهبهم يعني ابقاءهم موفوري القوى، وهذا يخدمهم حياتيا في مجمل فترات انتظارهم للمصلح المنتظر مهما طالت.

* تمهيد الارضية الصالحة للمصلح المنتظر، حتى اذا حان الوقت للنهوض لا يجد نفسه غريبا يبني ابتداء من حجر الاساس، وانما يجد نفسه يرفع البناء على اساس من سبقه.

وهذه الظاهرة اوجدت اخوة الانبياء والصالحين فكل واحد منهم كان مبشَرَا به من قبل السابقين، فيصدق السابقين عليه ويبشر اللاحقين به، ويقوم بدور الحلقة الواحدة ضمن السلسلة البعيدة الطرفين.

 وليس الامام المهدي المنتظر إلا حلقة في هذه السلسلة الالهية، ولكنه يتميز بانه الحلقة الاخيرة التي ترتبط مع الطرف الاول البعيد، حيث ولايته ستكون نهاية المطاف، ليملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما تكون قد ملأت ظلما وجورا.

ولادة المصلح المنتظر ونسبه الشريف 

ولد الامام المهدي المنتظر عليه السلام في سامراء بالعراق في اليوم الخامس عشر من شعبان عام 255 هجري. وهو الامام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة، وابوه الامام الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر  بن علي السجاد بن الحسين السبط  بن علي بن ابي طالب (عليهم افضل الصلاة وأتم التسليم).

المهدي في القرآن

لقد وعد القرآن الكريم الامة بيوم يستلم فيه رجال الحق والمؤمنون اللائقون ازمّة القيادة في الارض، و ينتصر فيه الدين الاسلامي ويعم الارض، بالإضافة الى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي، ومنها:

1- ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون.

2- وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا.

3- هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

4- ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين.

وهكذا يتوضح من هذه الآيات ان العالم سيصل حتماً الى اليوم الذي تستلم فيه القيادة المؤمنة اللائقه ازمّة الامور فيه ، فيكون اولياء الله قادة الارض.

المهدي في الحديث

1- قال رسول (ص): والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني، حتى يقول اكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن ادرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني فقد اخرج ابويكم من الجنة من قبل وان الله عز وجل جعل الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون.

2- وقال الامام علي بن ابي طالب (ع): للقائم منا غيبة امدها طويل كاني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه بطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة، ثم قال: ان القائم منا اذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.

3- ويذكر مؤلف كتاب ينابيع المودة، ان النبي (ص) قال: المهدي من ولدي تكون له غيبة اذا ظهر يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً.

4- وجاء في ذات الكتاب ان سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (ص) وإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ويقول انت سيد ابن سيد أخو سيد، انت امام ابن امام أخو امام، انت حجة ابن حجة أخو حجة، وانت ابو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.

5- وقال ابن ابي دلف، سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول: الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

6- وروى حذيفة ان النبي (ص) قال: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرّي.

7- ونقل مسعدة عن الامام الصادق(ع) انه قال: ان قائمنا يخرج من صلب الحسن العسكري والحسن يخرج من صلب علي الهادي وعلي يخرج من صلب محمد الجواد ومحمد يخرج من صلب علي الرضا وعلي يخرج من صلب ابني هذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي، ونحن اثنا عشر إماما، كلنا معصومون مطهرون، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت.

المهدي عند اهل السنّة

وروى علماء السنة في هذا المجال روايات كثيرة عن رواة يوثقونهم عن النبي الاكرم (ص)، تؤكد هذه الروايات على ان الائمة هم اثنا عشر إماماً وانهم كلهم من قريش، وان المهدي من اهل بيته (ص) وابناء علي وفاطمة، وقد صرح الكثير منها انه من نسل الامام الحسين (ع).

وقد رووا في هذا المجال المئات من الأحاديث جاءت في أكثر من 70 مصدراً معتبراً، ومنها:

- المسند تأليف أحمد بن حنبل المتوفي سنة 24 سنة 241 هجرية

- صحيح البخاري تأليف البخاري المتوفي سنة 256 هجرية

- صحيح مسلم تأليف مسلم بن حجاج النيشابوري المتوفي سنة 275 هجرية

- صحيح الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي المتوفي سنة 279 هجرية

- مصابيح السنة تأليف البغوي المتوفي سنة 516 هجرية

- جامع الأصول تأليف ابن الأثير المتوفي سنة 606 هجرية

- الفتوحات المكية تأليف محي الدين بن عربي المتوفي سنة 654 هجرية

- تذكرة الخواص تأليف سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 654 هجرية

- فوائد السميطي تأليف الحموي المتوفي سنة 716 هجرية

- الصواعق تأليف ابن حجر الهيثمي المتوفي سنة 973 هجرية

- ينابيع المودة تأليف الشيخ سليمان القندوزي المتوفي سنة 1293 هجرية

وقام عدة من علماء السنّة بتاليف كتباً حول الإمام المهدي (ع) منها:

1- البيان في أخبار صاحب الزمان للعلامة الكنجي الشافعي

2- عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر للشيخ جمال الدين يوسف الدمشقي

3- مهدي آل الرسول لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي

4- كتاب المهدي تأليف أبى داود

5- علامات المهدي جلال الدين السيوطي

6- مناقب المهدي الحافظ أبى النعيم الأصفهاني

7- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لإبن حجر

8- البرهان في علامات مهدي آخر الأزمان للملّا علي المتقي

9- اربعون حديثاً في المهدي لأبي العلاء الهمداني

............................................................... 

شبكة النبأ المعلوماتية

www.annabaa.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 28 آب/2007 -14/شعبان/1428