الحوار في صناعة المستقبل

شبكة النبأ: التطلع الى اليوم القادم تم في العصور السحيقة برغبة جماعية فطرية تامل فيها بنو البشر نتيجة لظروف مختلفة كانت على الدوام في موازاة مسيرتهم للعيش والاستفادة من خيرات الطبيعة اي بمعنى ان هناك دافع قوي لاستثمار تجاربهم لصالح المستقبل.

 ولكن هل تم هذا التطلع من خلال تامل منغلق فردي محجوب عن الآخرين، ثم وصل الى الدرجة المرضية في مراحله ام هو تكدس خبرات متوالية وجماعية؟.

لاشك بان المبادرات تكون فردية في بادئ الامر لكل فعل مجدد ولكن المجتمع مهما كانت درجة رقيه في مرحلة ما من الزمن فانه لا يعدم وجود متميزين فيه وبدرجات متفاوتة لكن هؤلاء ايضا ورغم التباين يتكئون على بعضهم البعض كونهم مشتركون في التجربة الحياتية.

ونصل الى ان تطبيق الافكار المستقبلية ستكون متعثرة وبطيئة وتنعدم كثير من الفرص الجيدة لانطلاقها وتجسيدها على ارض الواقع وهي خسارة فادحة ان تخسر فرصة متاحة من الزمن.

يقول الامام علي عليه السلام:

الفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير.

اضاعة الفرصة غصة.

الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.

وهذا يدلنا ان ثمن الفرصة انما هو زمن مضاعف آخر يخسره الانسان بانتظار ظروف مؤاتية اخرى.

وطالما هناك فرصة فهي ايضا يمكن ضياعها من خلال انعدام التفاعل الانساني ولغة الحوار التي تثري التنظيم وتثري العمل ويكسبها رصانة وفاعلية وحكمة في الاداء، ان التجربة المقصورة على الفردية او في محيط ضيق انما لاتكون مؤهلة ان تنمو بمستوى الافكار التي تخضع للنقاش مع الآخرين واستثمار قدرات مضافة وزيادة العقل الصغير الى عقل كبير واسع المدارك والتجارب.

يجسد انشتاين واصدقاؤه مثالا للامكانات الهائلة الكامنة في الفكر التعاوني المفتوح الصادق يسمح بالتفكير بالنمو كظاهرة جماعية الى سقراط الحكيم ومفكرين آخرين عاشوا في اليونان القديمة.

كان سقراط واصدقاؤه يكنون إجلالا عظيما لمفهوم الحوار الجماعي الى حد انهم الزموا انفسهم بمبادئ المناقشة التي ارسوها للحفاظ على الاحساس بالزمالة.

والمستقبل انما يعتمد على قدرات متعددة لايمكن الاستغناء عنها وقطعا هذه القدرات لن تكون في مستطاع فرد واحد ان يحتكم عليها كلها وانما هي في ذلك التنوع الرائع في الافكار الاخرى ولعل الافكار المناقضة قد تحمل في تفاعلها حلولا لقضية المستقبل.

وهذا يدلنا باكثر من صفة ان الانغلاق هو ليس في صالح التسريع والتبني الجاد لفكرة المستقبل.

* اقم الحوار والتحدث بحرية:

 كان اليونانيون يؤمنون بان مفتاح إقامة الحوار هو تبادل الافكار دون محاولة تغيير آراء الآخر ويختلف ذلك عن النقاش الذي يعني وفقا لأصله اللاتيني ـ التحطيم الى قطع او شظايا ـ .

وقد تمثلت القواعد الاساسية للحوار عند اليونانيين في ـ تجادل.. لا تقاطع.. أصغ باهتمام.

· وضح فكرك:

لكي توضح فكرك يجب عليك ان تعلق كل الافتراضات غير المختبرة، فالوعي بافتراضاتك وتعليقها مؤقتا يسمح للتفكير بالتدفق بحرية، ان افتراض الجهل او قصور الافكار لدى الاخرين انما يسد الطريق باتجاه التفاعل وقيام افكار مسبقة تؤول الى تحطيم الابداع وتنقص شيئا مهما من العقل الجماعي الذي يراد له ان يكون كبيرا يتسع لتجارب الاخرين.

ان هذه المبادئ التي يقودها الصدق والجدية في الرؤية وتحذوا لان تكون ظاهرة جماعية تظللها روح الزمالة تسمح لمجموعة ما بالدخول الى تجمع اكبر من الافكار المشتركة لا يمكن الوصول اليها فرديا.

ان نوعا جديدا من العقل يبدا في التشكل يقوم على تطوير الافكار المشنركة، لم يعد فيه الافراد في حالة من التعارض والتضاد فقد اصبحوا مشتركين في تجميع الافكار القابلة للتطوير والتغيير المستمرين.

ان فكرة الذكاء الجماعي تعود الى العصور القديمة حينما كانت فرق الصيادين او الفلاحين وهم يواجهون مشكلات تتعلق بمصادر عيشهم فكانوا يجتمعون ويطرحون المشكلة التي تهددهم كيانهم ككتلة واحدة كانوا يقترحون بحرية تامة وعفوية تامة وانتقاء ما يفرزه العقل الجماعي لديهم.

وقد ادرك المدير التنفيذي للاعلانات في مدينة بفالو نيويورك نقطة العصف الذهني التي تنبثق في اجتماعات حرة وسعى الى خلق بيئة صالحة خالية من كل قيد لتشجيع الافكار والخواطر والخيال وذلك بجعل مجموعة صغيرة تناقش مشكلة ومن ثم تطرح افكار المجتمعين بمعدل فكرة في كل مرة ويسجل احد افراد المجموعة الافكار وينسبها للافراد المعنيون ويمتنع الجميع عن الرد عليها او اصدار الاحكام الى ان تنتهي الجلسة وفي لحظة الانتهاء تتم مراجعة الافكار والاقتراحات المتنوعة ويجري الاتفاق من قبل المجموعة على حل نهائي.

ان اكتشاف الحمض النوويDNA  وما كان يمكن اكتشافه لولا ان كان جماعيا رغم اختلاف اختصاصات العلماء الذين اجتمعوا الى موضوع خارج تخصصهم لكن الروح الجماعية ولغة الحوار وعدم الاتكاء على الاحكام المسبقة هو العامل الحيوي في النجاح الذي توصلوا اليه، ** فجيمس واطسون.. عالم في ميكرو بيلوجيا.** موريس ويلكنز عالم بلوريات.

** فرانسيزكريك.. فيزيائي. ** لاينوس بولينج.. كيميائي.

وكانت اساليبهم المتنوعة في العمل، والروح العالية في الحوار المتفاعل واستيعاب الآخرين والاصغاء بصدق لما يطرحون هي المفاتيح الهامة التي قادت الى الاكتشاف.

...............................................

المصادر/

1- مايكل ميكالكو/ كيف تصبح مبدعا

2- عبد الله احمد اليوسف/ مجلة النبأ العدد 62

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 24 آب/2007 -10/شعبان/1428