الخصخصة السياسية في العراق

رشيد السراي

 هناك تجارب خصخصة في الكثير من الدول بعضها فشل وبعضها نجح-هذا من الجانب الاقتصادي- أما من الجانب السياسي والانساني فإن كل تجارب الخصخصة فاشلة برأيي ولست هنا بصدد الحديث عن الفشل او النجاح الاقتصادي لانه يعتمد على عوامل كثيرةليست لها صلة بالموضوع الذي نتحدث عنه وانما انا اريد ان اتحدث عن الفشل والنجاح في تجربة الخصخصة من ناحية سياسية وانسانية وكذلك الحديث عن الخصخصة في العراق والتي اسميتها بالخصخصة السياسية ولا ادري ان كان هذا المصطلح متداول في عالم الاقتصاد ام لا فاقول:-

الفشل السياسي في تجارب الخصخصة نقصد به مايلي:-

1- فقدان الدولة للسيطرة على اقتصاد البلد وبالتالي تصبح الدولة اضعف في الجوانب الاخرى لان الاقتصاد عصب الحياة.

2- ظهور قوى اخرى داخل جسم الدولة لان الشركات التي ستشتري الشركات الحكومية ستصبح اكثر ثراء وبالتالي ومع وجود رغبة التسلط ودور التسلط ايضاً في الحصول على مكاسب مالية اكثر فلابد ان تحاول هذه الشركات فرض سياسات معينة في تلك الدولة بشكل او بآخر.

3- ضعف ثقة المواطن بالدولة لانه لا يراها حاضرة في اغلب جوانب الحياة.

4- ضعف الاحساس بالمواطنة الذي يترتب على ما قلناه.

5- كثرة الفساد الاداري على العكس مماهو المطلوب من الخصخصة-احد اهم مبررات اللجوء إلى الخصخصة هو القضاء على الفساد الاداري-لأن المغريات ستكون اكبر وسيطال الفساد شخصيات سياسية وبالتالي سيؤثر على سياسة الدولة سلبياً.

6-إعادة رسم علاقات الدولة مع مواطنيها وفقاً لمصالح تلك الشركات(هذا الامر واضح في الولايات المتحدة الامريكية بتامل بسيط لسياسات تلك الدولة مع مواطنيها وعلاقة تلك السياسات بمصالح الشركات الكبرى).

7- إعادة رسم علاقات تلك الدولة مع الدول الاخرى وفقاً لمصالح تلك الشركات(وهذا الامر من اوضح الواضحات في السياسة الخارجية الامريكية على سبيل المثال).

8-تغيير رأي  الدولة في العديد من القضايا الداخلية والخارجية بسبب ضغوطات تلك الشركات عليها(كمثال على ذلك موقف الولايات المتحدة من اتفاقيات حماية البيئة وموقف بريطانيا من روسيا في الازمة الاخيرة بينهما).

9- التمويه على الحقائق وخداع الرأي العام بسبب ماتمتلكه تلك الشركات من وسائل اعلام ضخمة تحاول رسم الحقية بما يتناسب ومصالح تلك الشركات .

10- وفقاً لنظام العولمة ستكون لهذه الشركات علاقات عالمية بمعزل عن الدولة وربما على عكس ماتريد الدولة وذلك سيؤدي إلى فقدان الدلوة لوجودها الواقعي وتصبح اسمية فقط.

هذه النقاط ليست مبالغات وانما هي امور واقعية حدثت ولازالت تحدث في الكثير من الدول منها ايطاليا التي يكاد اقتصادها ينكسر بسبب ماذكرت وفقاً لخبراء اقتصاديين وامريكا التي تتحكم فيها الشركلات الكبرى بالسياسة والقرارات السياسية ومنها قرار دخول العراق والارجنتين التي تدمر اقتصادها في فترة سابقة بسبب نشاط تلك الشركات وهلم جراً.

اما الفشل الانساني فنقصد به:-

1-كثرة البطالة حيث ان الشركات تحاول انجاز اعمالها باقل مقدار ممكن من العمال لان غرضها الربح والربح فقط وكلنا يسمع في وسائل الاعلام عما تجريه الشركات الكبرى بين الفينة والاخرى من عمليات تسريح لعدد من موظفيها تاركة اياهم بدون عمل لا لشيء الا لتقليص النفقات وبالتالي زيادة الارباح اضافة إلى مشكلة حلول الالة مكان الانسان في كثير من الاعمال والابحاث التي تجرى حول ذلك والتمويل الضخم الذي تخصصه الشركات لتلك البحوث لتقليل حاجتها للانسان وما سيترتب على ذلك من مشاكل تنبه لها الكثير من الباحثين وكتبوا عنها وحذروا منها فلوتصورنا دولة تم تخصيص كل شركاتها ماذا سيكون مصير مواطنيها ياترى؟

2-ظهور فوارق طبقية كبيرة بين المواطنين لان ارباح الشركات ومالكيها ستكون هائلة في حين ان المواطن البسيط دخله محدود بل وصل الامر ان بعض الاثرياء صاروا يمتلكون اموال اكثر من ميزانية  دولتهم بل وربما من مجموعة دول بسيطة بل وفكر البعض منهم في شراء دولة –بطريقة الانقلابات- لجعل سكانها فئران تجارب لابحاث شركاته(كما في بعض شركات الادوية والمستحضرات الطبية العالمية).

3-فقدان الكثير من المشاعر الانسانية حيث تعوّد تلك الشركات الناس على الحسابات المادية والتفكير المادي في كل شيء –كما هو الموجود في امريكا واوربا وكل الدول الصناعية-حيث ان الخصخصة تشجع وترسخ النزعة المادية.

4-انتشار الجريمة بكل انواعها نتيجة لما سبق فبتأمل بسيط للاحصائيات نجد ان المجتمعات التي طبقت فيها الخصخصة فيها اعلى معدلات الجرائم بكل اصنافها.

الخصخصة في العراق

هناك دعوات كثيرة لخصخصة الشركات الحكومية في العراق وذلك بعدة حجج أهمها:-

1-ضعف الشركات الحكومية عن تقديم الخدمات للمواطن وعدم جدية موظفيها.

2-كثرة الفساد الاداري في تلك الشركات.

3-حاجة تلك الشركات إلى مبالغ ضخمة لأعادة تأهيلها وهذه المبالغ غير متوفرة لدى الدولة في الوقت الراهن.

هذه الحجج الثلاثة الاساسية المعلنة من قبل المطالبين بالخصخصة وهي صحيحة إلى حد ما ولكن لا يعني ذلك إن الخصخصة هي الحل الوحيد وهذا ما سنعرفه لاحقاً بإذن الله.

ومن الأسباب  والحجج غير المعلنة – وبسببها اطلقت على الخصخصة التي يطالب بها البعض في العراق أسم الخصخصة السياسية- وجود مصالح سياسية خاصة بافراد ومؤسسات(سياسيون واحزاب ومنظمات) مرتبطة بالخصخصة تحقق لهؤلاء مكاسب مادية ضخمة ولذا تجدهم يطالبون بالخصخصة ويصورونها لنا على انها الحل السحري بل وصل الامر ببعضهم –ممن لهم اليد الطولى في مؤسسات الدولة-إلى السعي إلى تخريب الشركة الحكومية بشكل او بآخر لدفعها نحو نقطة اللاحل  حتى يصل الامر إلى مطالبة المسؤولين والموظفين في تلك الشركة بخصخصتها وذلك لأسباب عديدة منها:

أولاً: ان بعض السياسيين –بل اغلبهم- هم من أصحاب رؤوس الاموال الضخمة فيدفعون بالشركات العراقية نحو الخصخصة دفعاً ليكون لهم النصيب الأوفر عند خصخصة تلك الشركات ليستثمروا اموالهم فيها وهم يعلمون جيداً غن السوق العراقية سوق ضخمة جداً .

ثانياً: البعض منهم متفق مع شركات عالمية ومحلية  لشراء تلك الشركات العراقية بعد خصخصتها حيث سيكون لهم النصيب الافر من العمولة على هذه الخدمة العظيمة.

ثالثاً: الكثير من الاحزاب وخاصة التي كان اغلب قادتها خارج العراق مبهورة بالنظام الراسمالي والعةولمة والخصخصة وما حققته من نتائج اقتصادية –كجزء من انبهارهم بالغرب الواضح- وبالتالي هم يدعون ويتبنون نهج الخصخصة ويحاولون تطبيقه –لأثبات صحة نهجهم- بل هم يحاولون –وفعلوا ذلك فعلاً- إيصال الشركات العراقية إلى واقع متردي جداً تصبح معه الخصخصة هي الحل الوحيد المنظور(مع الاسف تتعامل الكثير من الجهات وخاصة في هذه الايام بهذه الطريقة البشعة وأقصد بها إنها عندما تتبنى أمور خاطئة غير واقعية بدلاً من تغيير متبناها تحاول تغيير الواقع وتدفع به دفعاً سلبياً ليكون مطابقاً لتصوراتها).

نعود الآن إلى الحجج المعلنة -كما اسميناها- ونحاول دراستها وطرح البديل الناجح للحل مع اعترافنا بوجود اغلب تلك المشاكل قطعاً فنقول:-

1- ضعف الشركات الحكومية عن تقديم الخدمات  للمواطنين وعدم جدية موظفيها صحيح ولكن يجب ان نبحث عن أسبابه الواقعية لأيجاد الحلول الواقعية أيضاً وأسباب ذلك كما نتصور هي:-

أ-ما مر به العراق من احداث سياسية اثر على اداء تلك الشركات وهذا لن تحله الخصخصة لأن سببه تأثير تلك الاحداث على نفسية الموظف وعلى آلية تعامل الموظف مع المواطن وبالعكس ونظرة الموظف إلى علاقته بالشركة التي يعمل فيها.

ب-ضعف القانون ولد الكثير من المشاكل ومنع الكثير من الحلول وهذا لن تحله الخصخصة أيضاً.

ج-عدم وجود تمويل مدروس لتلك الشركات تُؤخذ فيه الأهداف الأستراتيجية بنظر الاعتبار والحل هو التمويل المدروس وليس الخصخصة.

د-ضعف رواتب الموظفين وثباتها نسبة للانتاج وهذا خطا فادح يقلل من شعور الموظف بالمسؤولية لانه سيستلم راتبه سواء اقام بعمله بشكل جيد ام سيء وهذا تحله الخصخصة ونستطيع حله بدون الخصخصة كما سنعرف لاحقاً.

هـ-كثرة الفساد الاداري -المترتب على الامور السابقة- والتسيب من قبل الموظفين والية التعامل السيئة بين الموظف والمواطن وضعف تحصيل الشركة لديونها أدى إلى ضعف أداء الشركة وهذا لن تحله الخصخصة أيضاً.

و-الخلط بين الصلاحيات خاصة بعد صدور الدستور الجديد ووجود قوانيني إدارية متناقضة لم تحل تناقضاتها بعد فمثلاً الدستور الجديد يقول إن العراق دولة فيدرالية وعلى هذا الاساس تعمل-تقريباً- مجالس المحافظات في حين إن دوائر الدولة لازالت تعمل بالنظام المركزي الصارم.

ز-عدم تفعيل نظام الثواب والعقاب بشكل واضح وجدي.

2-وكثرة الفساد الإداري الموجود في تلك الشركات سببه ما ذكرناه والحل ليس الخصخصة لانها لن تغير نفسية الموظف لأن الموظف الفاسد إدارياً على ثلاثة أنواع الأول: هو الفاسد إدارياً لانه يتصور أنه لا يحصل على حقه كاملاً من خلال الراتب لانه قليل فيلجا إلى الرشوة وغيرها للحصول على الأموال التي يراها من حقه وهذا سنحل مشكلته لو اعطيناه حقه كاملاً بالخصخصة أو غيرها وأعدنا رسم ثقافته المبتنية على رواسب النظام السابق.

والثاني: هو الفاسد إدارياً لان راتبه لا يكفيه فيلجأ إلى الرشوة وغيرها فهو يعلم إن ما يقوم به خطأ ولكنه يرى إنه مضطر لعمل ذلك وهذا سنحل مشكلته بزيادة راتب ليتناسب مع حاجاته الفعلية وذلك يحصل بالخصخصة وغيرها.

والثالث: هو السيء الاخلاق والمريض نفسياً وهو لا يحتاج إلى تبرير لما يقوم بهوهو قد يكون سابقاً قد بدأ كالنوعين الاوليين ثم تجذرت المسألة في نفسه حتى اصبحت طبعاً يصعب الخلاص منه وهذا النوع لاتحل مشكلته لا الخصخصة ولا غيرها ولا مكان له إلا السجن.

ومن التدقيق في واقع الحكومات التي طبقت الخصخصة نجد إن الفساد الاداري لم ينته وانما صار اكثر دهاءاً وادسم واكثر تهذيباً واكثر خفاءاً فقط.

3-أما الإدعاء بكون هذه الشركات تحتاج إلى مبالغ ضخمة لإعادة تأهيلها وعدم قدرة الدولة على ذلك التمويل في الوقت الراهن فهو كاذب من ناحيتين الأولى: هي ان المبالغ المدعاة اكثرمن المطلوب وفيها مبالغات فنحتاج الى جهة امينة تعيد حساب المبالغ المطلوبة للتاهيل.

والثانية: إن دولة بميزانية معلنة اكثر من 40 مليار دولار-قلت معلنة لان هناك من يقول من الميزانية الحقيقية اكثر من 90 مليار دولار بالعافية- ليست عاجزة عن تمويل هذه الشركات علماً إنه يمكن ان يتم التمويل والتأهيل على مراحل ولن يكون مضراً بميزانية الدولة خاصة لو تخلت الدولة عن غنفاقها الخيالي الغير مجدي على الأمن والمسؤولين.

إذن نستنتج من كل هذا إن الخصخصة في العراق غير مطلوبة-في الوقت الراهن على الاقل- ومع اعترافنا بوجود المشاكل التي تحتاج إلى حل وبضرورة طرح بديل عن الخصخصة المقترحة فنقول يمكن تصور حلين هما:-

1-نظام الحوافز :- ويتضمن:-

أ-توزيع نسبة من أرباح الشركة شهرياً على موظفيها تزداد وتنقص وفقاً للانتاجية وقد كان ولازال هذا النظام مطبق في بعض الشركات الحكومية العراقية  وجنت منه تلك الشركات الكثير من الفوائد.

ب-تفعيل نظام الثواب والعقاب.

ج-إنشاء مراكز في الشركات للإهتمام بالموظفين ومشاكلهم ومحاولة تطوير قدراتهم ومواهبهم.

د-الاكثار من الدورات التعليمية للموظفين.

هـ-إعادة ترميم بنايات الشركات وتطويرها بحيث تكون مشابهة ولو إلى حد بسيط لما موجود في الخارج.

ز-تفعيل دور الرقابة الحكومية.

ح-تجهيز الشركات بالمواد والعدد والآليات الحديثة اللازمة للعمل ومن مناشء جيدة.

ط-إبعاد الشركات الحكومية عن الصراعات السياسية والعرقية والمذهبية.

2-الخصخصة العراقية ونقصد به:

الخصخصة الجزئية لبعض الشركات بحيث تكون الدولة العراقية هي الشريك الأكبر على ان تكون الشراكة محدودة الزمن وقابلة للتجديد وفقاً لشروط مهنية دقيقة مع إلزام الشركات الشريكة على العمل على تطوير الشركة المخصخصة جزئيا وامدادها باحدث الاجهزة والتقنيات وتطوير إمكانيات الموظفين وزيادة رواتبهم ودفع حوافز لهم على ان تكون مسئلة تسريح الموظف من صلاحية الحكومة العراقية فقط لمنع انتشار البطالة.

ويمكن العمل بالطريقتين معاً حيث نعمل بالطريقة الأولى في شركة معينة ونعمل بالطريقة الثانية في شركة أخرى وفقاً لوضع هذه الشركة او تلك ويحدد ذلك من قبل لجنة مختصة يوجد ممثل عن الشركة المعنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22 آب/2007 -8/شعبان/1428