أمَرِيْكَا و الْتَخْطِيْطُ  لِلإرْهَابِ !!؟؟.

محمّد جواد سنبه

إنّ الاستراتيجية الأمريكيّة، تبني مواقفها، على أساس وجود عدو على الدوام، وفي حالة عدم وجود عدو حقيقي، تلجأ أمريكا لصنع عدو لها، ولو كان وهمياً أو بصورة مفتعلة، كما حصل في حرب أمريكا مع فيتنام الشمالية في آب عام 1964، حيث يذكر الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كانتون) في كتابه(حياتي صفحة 122) مايلي : (... ذلك القرار المعروف باسم قرار خليج (تُنْكِن) الذي أقر في 7 آب 1964 بطلب الرئيس (جونسن)، بعد أن تعرضت مدمرتان أمريكيتان هما(مادكس) و(سي ترينر جوي)، إلى هجوم مزعوم  من سفن فيتنامية شمالية في يومي الثاني والرابع من آب /اغسطس 1964 وردّت الولايات المتحدة بهجوم على القواعد الفيتنامية الشمالية ومستودع لخزن النفط، وقد خول هذا القرار الرئيس (اتخاذ كل اجراء ضروري لصد اي هجوم مسلح على قوات الولايات المسلحة، ومنع عدوان آخر واتخاذ كل خطوة ضرورية بما فيها استعمال القوات المسلحة لمساعدة أي دولة عضو في معاهدة جنوب شرق آسيا في الدفاع عن حريتها)(انتهى). 

وفي أثناء فترة مرحلة الحرب الباردة، مع الاتحاد السوفيتي سابقاً، ظهرت مشكلة الثورة الإسلامية في إيران، وآلت الأمور إلى إسقاط  شرطي أمريكا، في الشرق الأوسط (شاه إيران). فانبرت الولايات المتحدة لحرب هذه الثورة، فسخرت العراق، لضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونشبت حرب ضروس بين البلدين الجارين، خرجت إيران منها بنتيجة واحدة هي، أنّها ترفض التبعية لأمريكا. وخرج العراق بنتيجة واحدة أيضاً، أنّه ضعيف أمام تحديات الأمريكان. لقد بلع النظام العراقي، طُعُم المصيدة الأمريكيّة، التي أعدت له بدهاء عظيم، فلم يحقق النظام الحاكم آنذاك، سوى الخسائر البشرية والمادية الفادحة. ومعلوم للجميع، خلو هذه الحرب من أيّة مكاسب عسكرية، على أرض الميّدان لكلا الطرفين..

 وبعد أن رفعت الحرب أوزارها، توجّهت أمريكا لتفكيك الترسانة العسكرية العراقيّة، خشية وقوعها بأيدي قوى وطنية عراقيّة، لا تلتقي مع التطلعـات الأمريكيــة، خصوصاً وقد اشتعلت شرارة الثورة الشعبية الشعبانيّة في آذار عام 1991، على أعقاب هزيمة قوات النظام البائد في حرب الكويت.

كان هناك صراعاً آخراً في الشرق، يختبئ تحت أدخنة الحرب العراقيّة الإيرانية، التي غطت عليه إعلامياً، وهو الصراع بين الأمريكان والشيوعين، الذين دخلوا افغانستان في 30/4/ 1978. وبما أنّ التركيبة الإجتماعية للشعب الأفغاني، تركيبة عشائريّة ذات توجهات إسلامية، لعبت المخابرات الأمريكيّة، على تقويّة دور الإسلاميين (من انتاج أمراء البترول)، الذين يعادون (الملحدين) الروس من جهة، ويختلفون في (بعض التصورات العقائديّة)، مع جيرانهم الإيرانيين (أهل الضلالة) من جهة أخرى، وقد تمّ اختيار هذه الجماعات (ذات الصبغة الإسلاميّة)، حسماً للقلق من احتمال لاحق هو: تقارب الإسلاميين، في كلا البلدين افغانستان وإيران، (المعتدلين في أفغانستان، مع الإسلاميين في إيران). فرسمت المخابرات الأمريكية مشروع (المجاهدين) الأفغان، وأوكلت مهمة رعايتهم (عقائدياً ومالياً) إلى أمراء النفط، في العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ؛ أولاً : ليخلعوا الغطاء الديني المقدس على هذه الجماعـات، عن طريق سيل من  فتاوى وعاظ السلاطين المرتبطين بالبلاط الأميري.  وثانياً : ليدعموا مالياً هذا المشروع الجهنمي.

وفعلا لعب أمراء البترول دوراً فاعلاً، في دعم مجاميع (المجاهدين) العرب، وغيـر العـرب كـذلك. فالمال السيّال بالدولار الأمريكي (عملة الكفّار)، يغطي جميع احتياجاتهم، (انفقت السعودية 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين، لنشر الوهابية في العالم، بينما الاتحاد السوفيتي السابق، انفق 7 بليون دولار لنشر الايدولوجيا الشيوعية، خلال الاعوام من 1921حتى1991/مجلة ميدل ايست مونيتر/تموز2007/نقلا عن مقال للدكتور عبد الخالق حسين/جريدة (البينة الجديدة/26/7/ 2007. (انتهى)).

 أمّا الفتاوى الدينيّة، التي تبيح قطع رؤوس البشر، فجاهزة عند الطلب. ومن المضحك أن هذه الفتاوى، تدفع الشبان (للجهاد) خارج السعودية، لمجاهدة (الملحدين) الروس، بينما (الكفار) الأمريكان، لهم قواعد وترسانات عسكرية، على أرض بلاد الحرمين الشريفين، التي انطلقت منهما الصواريخ والطائرات الأمريكية، لضرب الشعب العراقي الأعزل، في الاعوام (1991 ـ 1994ـ 1998ـ 2003)، سواءاً كان بالاسلحة التقليدية، أو الاسلحة الحاوية على اليورانيوم المنضب، ومعروف أنّ 98% من الشعب العراقي، يديـن بعقـيدة الاسـلام. يقول (محمد حسنين هيكل)، في كتابه(الإمبراطوريّة الأمريكيّة والاغارة على العراق/ صفحة53) : (كان جيمي كارتر وهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، بادئ حرب مسلحة ضد الاتحاد السوفييتي بالوساطة في افغانستان، وكان هو ومستشاره للأمن القومي (زبجنيو بريجنسكي) ورئيس مخابراته (ستاتسفيلد ثيرنر)، أصحاب نظرية تسليح الاسلام لكي يطارد ويطرد الاتحاد السوفييتي الشيوعي في افغانستان، وكان ذلك الاسلام المسلح والمدرب بواسطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. (انتهى)).

 في 13/12/1989 انسحبت القوات الروسيّة من أفغانستان، تاركة الصراع بين أطياف الشعب الافغاني على أشده حتى عام1994، حيث سيطرت قوات طالبان على مقاليد الأمور، لقد أصبح (المجاهدون) الأفغان والعرب، دولة تأوي الشباب المدرب على القتال، في أصعب الأراضي طوبوغرافيّة، إنّهم الآن قوّة، وأمريكا تمسك بيدها زمام تحريكهم، أنى شاءت و أينما رغبت، فخيوط السيطرة ملك أيديهم.

على ضوء ما تقدم هل نستطيع أنْ نجيب على السؤال التالي :

هل يستطيع الأمريكان، عن طريق أصدقائهم أمراء البترول، تحريك هذه المجاميع المقاتله، نحو أيّة بقعة في العالم، وهم مزودون (بصكوك) فتاوى جهاد الكفرة، الموقعة من المؤسسة الدينية السعوديّة، التي أنتجتهم سابقاً ؟، و هل(المجاهدون) الآن، حولتهم أمريكا من خانة الصداقة إلى خانة العداء ؟.

 المنطق السليم يوجب الإجابة على هذا السؤال المزدوج بنعم. فأمريكا تبحث دائماً عـن عـدو لـها، سواء كان حقيقياً أو وهميّاً أو مصطنعاً، المهم هي تقاتل في العالم على الدوام ؟؟. إنّ أسباب هذا التوجه عديدة لكن منها :

1.     اثبات دورها القوي أمام القوى العالميّة الأخرى. (وعلى لسان الرئيس بوش نفسه : إنّ الحرب هي الوسيلة التي تكشف بها الأمم، موارد قوتها الداخلية، قبل قوتها الخارجية، والبوتقة التي تتبلور فيها شخصيتها وتتجسد إرادتها، ثم هي بعد ذلك أوثق رباط لوحدتها وأقوى حافظ لتماسكها) (انتهى). (محمد حسنين هيكل /الامبراطورية الأمريكية والاغارة على العراق/ صفحة 54).

2.   عن طريق العدو (الوهمي)، يمكن إثارة الأزمات وانتاجها، وبذلك يتحرك الاقتصاد الحربي الأمريكي، الذي يعكس الانتعاش في الاقتصاد الأمريكي القومي بشكل عام.

3.   عن طريق وجود العدو الافتراضي، يُصنع المُسوّغ القانوني، للوصول لأيّة بقعة في العالم بمرونة عالية، وتحت غطاء القانون الدولي وذرائعه. وهذا يسمى بمبدأ (ترومان).

4.    العدو الافتراضي، يعطي المبررات الجاهزة، لتدخل القوات الأمريكيّة، لقمع الدول التي تطمح بلعب دور متقدم عالمي، في محوري الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة. وهذا يتماشى مع مبدأ (آيزنهور)، الذي يفترض كل سماء العالم، مفتوحة أمام القوات الأمريكية،مبدأ (السماوات المفتوحة). 

5.   إيجاد ساحات قتال، لتجربة الاسلحة الأمريكية، وفاعليتها وسبل تطويرها، إضافة الى تصريف مخزون النفايات النوويّة التي تبلغ (خمسمائة مليون كيلو غرام) من اليورانيوم المنضب، (ألقت طائرات (فاير تشايلد A10 )، ما مجموعه (255680كغم) من اليورانيوم المنضّب على الشعب العراقي.)(د. سيد هاشم مير لوحي /أمريكا بلا قناع /صفحة 56).  

لقد بدأ الارهاب في العراق، يصعّد هجماته ضد الأضرحة التي يقدسها الشيعة والسنّة، وسيكرس هجومه المقبل، على هذه الأمكنة المقدسة، ابتداءاً بالعراق ومن ثم الانتقال إلى بلدان أخرى، فقد أعطى (عبد الله بن جبرين) الضوء الأخضر، لانطلاق هذه العمليات، عن طريق فتواه التي نشرها على صفحة موقعه الألكتروني ؛ وفي مايلي مقتطف منها : (..... واعتقاد أن أصحاب هذه الأضرحة من الأولياء والشهداء الذين لهم جاه عند الله، والذين ينفعون من تعلق بهم، ويشفعون لمن دعاهم، ويجيبونه ويعطونه سُؤلَه، وذلك بلا شك شرك في العبادة، وتعظيم لهؤلاء الأموات، فالواجب هدم تلك الأبنية، حيث يقر أهلها بأن البناء محرم، ولا يسوغ بقاءها الناحية الفنية والجمالية في البناء، ولا أنها تراث إسلامي وعمارة إسلامية، ولا أن بقاءها مما يكسب الإنسان عبرة وموعظة بقوة الأوائل وقدرتهم على هذا التلوين وهذا الجمال، فإن ذلك وإن دل على ما أوتوه من قوة وإمكانيات، لا يدل على إباحة المحرمات وإقرار وسائل الشركيات، وهناك عبرة وموعظة غير هذه الأبنية على الأضرحة والقبور، وأما وصفها بأنها عمارة إسلامية فليس بصحيح، وإن كانت في بلاد المسلمين، ولا تسمى تراثاً إسلامياً، فإن الشرع لا يقرها، والإسلام يأمر بإزالتها، وأما تدريسها بعد إزالتها فلا مانع من ذلك، ويكون على وجه التحذير منها، وبيان ما يترتب على بقائها وعلى تعظيمها من المحاذير وذرائع الشرك وعبادة الأموات، فيكون تدريسها يشتمل على ذكر صفتها قبل هدمها وزمان بنائها، وكذلك سبب هدمها وإزالتها، ليكون الطلاب على معرفة بتأريخها ولسبب المنع من بقائها. والله أعلم. )(قاله وأملاه عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين)(انتهى). 

وجدير بالذكر أنْ نبيّن بأنّ الارهاب يواكب الآن الثورة المعلوماتيّة، فأخذ ينشئ شبكات ومواقع الكترونيّة، على الشبكة العنكبوتية الدولية للاتصالات، فيذكر موقع (تقرير واشنطن)، في بحث منشور على صفحته، يحمل عنوان (مواقع جهادية متطرفة.. برعاية شركات أمريكية) بأنّ : عدد المواقع الجهادية الأصولية كانت حوالي 12 موقعاً عام 1998، واصبحت اليوم 4800 موقعاً، واضحى الآن يصطلح على هذا النشاط بـ(الارهاب الألكتروني). ويشير المصدر أن جميع هذه المواقع الارهابية، يستضيفها مزودو خدمات الانترنت في الغـرب، بصـورة مباشـرة أو غيـر مباشرة، (ISPS)(Internet service providers)، وقد قدم المصدر آنف الذكر، بعض اسماء هذه المواقع، والمدن التي تستضيفها في العالم :

      موقع عصائب العراق الجهادية Layered Technologies, Inc تكساس.

      موقع جماعة جيش المجاهدين Network Operations Center Inc بنسلفانيا.

      موقع جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية (سرايا القدس) ThePlanet.com Internet Services, Inc تكساس.

      موقع أنصار الجهاد في العراق Electric Lightwave واشنطن.

      موقع أبو قتاده الفلسطيني المعروف باسم (عمر محمد أبو عمر) وهو أردني من أصل فلسطيني المحتجز في بريطانيا منذ عام 2005 للشك في صلته بالقاعدة، الذي تستضيفه (BT-Wholesale) ببريطانيا.

      موقع الشيخ أبو محمد المقديسي والذي كان الأب الروحي لزعيم تنظيم القاعدة بالعراق (أبو مصعب الزرقاوي)، الذى تستضيفه (Interserver, Inc)، نيوجيرسي.

      موقع الشيخ (حامد العلي) المتطرف المعروف بدعمه لمقاتلي الجهاد، الذى تستضيفه (FortressITX)، نيوجيرسي.

وقد جاء في موقع(تقرير واشنطن) : (وهدفت تلك الدراسة إلى تسليط الضوء على المواقع الجهادية الإسلامية الأصولية التي تستخدم المنظمات والجماعات الإرهابية شبكة الانترنت كأداة للتدريب العسكري لعناصرها، من خلال نشر كتيبات عن الأسلحة، تكتيكات القتال، صنع المتفجرات، تقديم دورات في صنع المتفجرات وإرشادات حول كيفية صناعها محلياً وفي المنازل، وموضوعات أخري ذات الصلة على غرار مجلة (معسكر البتار) التابعة لتنظيم القاعدة ذات الطبيعة العسكرية، والمنشورة على الانترنت والتي تنشرها (جماعة المجاهدين في الجزيرة العربية) والتى تستضيفها (R & D Technologies, LLC)/ نيفادا. (انتهى)).       

إن الحرب على الإرهاب هو سيناريو محكم الحبكة (مادياً وعقائدياً وتقنياً)، وقضيته ستبقى متجددة على مرّ الأيام، وتوالي الأحداث. وتنظيم القاعدة، وسيلة فاعلة لإنتاج أعداء حسب الرغبة الأمريكيّة، وعلى ضوء معاييرها أيضاً، وأكثر من ذلك أصبحت القاعدة اليوم، تنتج مجموعات إرهابية تحمل أسماء جديدة تتحرك بخفاء، وتظهر باي بقعة مطلوب الظهور فيها، وتنظيم فتح الإسلام، نسخة جديدة من الارهاب المتنقل في أرجاء العالم المختلفة، وتفجيرات مطار كلاسكو في لندن، تموز 2007 الذي قاده سبعة أطباء وخبير متفجرات واحد، هو نسخة متطورة من جيل الارهـاب السابق.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 17 آب/2007 -3/شعبان/1428