شرعية حكومة الوحدة الوطنية تستند الى اغلبية الشعب العراقي

علي حسين علي

يذهب بعض السياسيين الى ان انسحاب كتلة(التوافق)من الحكومة انما يعيب في شرعيتها باعتبار ان(التوافق)تمثل مكوناً مهماً من مكونات الشعب العراقي، ويبدو ان هذا الرأي يحمل الكثير من المبالغة وسوء التفسير لمصطلح الديمقراطية الجديد على العراقيين والمعمول به في معظم الدول في العالم.

ففي بريطانيا مثلاً يتنافس على الحكم حزبان رئيسان (العمال والمحافظين)فضلاً عن حزب الاحرار الذي يأتي بالمرتبة الثالثة من ناحية موقعه وعديد مقاعده في البرلمان البريطاني. وعندما فاز حزب العمال في الانتخابات التي جرت قبل سنوات قليلة وشكل حكومته لم يطعن حزب المحافظين بشرعيتها وكل ما فعله هو ان اخذ موقع المعارض في البرلمان..

 وفي امريكا فاز الحزب الديمقراطي بأغلبية مقاعد مجلس النواب وهو الذي تقدم بمقعدين او ثلاثة في مجلس الشيوخ الامريكي، ولما كان الرئيس جورج بوش جمهورياً وقد نال ثقة الشعب الامريكي قبل اكثر من سنتين فإن الحزب الديمقراطي المعارض ولا أي حزب اخر يشكك بشرعية الرئيس بوش مع ان الاغلبية في الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) معارضة له، وفي كثير من الاحيان تجبره على التراجع عن قراراته.

واذا ما اخذنا مثلين لسلطة الحزب الواحد، بمفهومها الديمقراطي وليس الشمولي كما هو الحال في العالم الثالث، فإن هناك بلداناً يحكمها ائتلاف مكون من العديد من الاحزاب، مثل ايطاليا والمانيا وغيرهما من الدول الديمقراطية، ففي ايطاليا مثلاً يتولى الحزب الاشتراكي الحكم منذ عام بعد هزيمة الحزب المسيحي المحافظ والذي يمتلك مقاعد أقل من المقاعد النيابية التي حصل عليها الحزب الاشتراكي وبعض الاحزاب الايطالية الصغيرة المتحالفة معه، ولكن الحزب المسيحي لم يجرؤ على القول بأن الحكومة الايطالية الحالية غير شرعية، وهو لن يفعل ذلك لأن زيادة مقعد واحد في مجلس النواب لصالح الحزب الاشتراكي يعطيه شرعية كاملة غير قابلة للتشكيك، كما يجري عندنا في العراق.

وفي العراق تطلق التوصيفات السياسية من دون حرج او حتى مراجعة بعد حين، وربما تخضع تلك التوصيفات لاهواء قائليها.. فمن يقول بعدم شرعية حكومة الوحدة الوطنية الحالية لا يتوفر له الدليل على صحة قوله، فالقاعدة الجماهيرية التي تمثلها الحكومة الحالية اكبر من ان يعيبها انسحاب اربعين او خمسين نائباً مع احترامنا لكل نائب لانه يمثل الشعب العراقي.. لكن العبرة هنا في العدد فعديد النواب الذين تستند اليهم الحكومة الحالية كبير جداً وقد اوصلته الى المجلس النيابي اصوات الملايين من العراقيين في انتخابات لم يشكك احد بنزاهتها، وحتى مناوئي الحكومة الحالية لم يقولوا يوماً من الايام بأن انتخابات اواخر عام 2005 كانت محل تشكيك.

اذن، الشرعية متحققة في الحكومة الحالية ولا تحتاج الى كثير من العناء لاثباتها، وربما لا يملك خصوم الحكومة من الكتل السياسية الدليل المؤكد على عدم شرعيتها، وبذلك تظل(الاعلانات)الصحفية او الاعلامية مجرد كلام لا يعني شيئاً ولا ملموسية او حسية له!.

من الصحيح جداً الاقرار بأن كتلة(التوافق)في حالة انسحابها من التشكيلة الوزارية قد احدثت ثغرة في بنائها، لكن هذه الثغرة ليست الى درجة كبيرة من الخطر بحيث تهدد البناء برمته، خصوصاً اذا ما تنبهنا بأن(التوافق) لم تنسحب من العملية السياسية، وهي التي اعلنت تمسكها بها في بيانها الاخير. إذ  يمكن ان تتحول (التوافق)من الموالاة الى المعارضة، وهذا عرف ديمقراطي معمول به في معظم النظم السياسية الديمقراطية في العالم، ولا يعني بأية حال من الاحوال عدم شرعية حكومة الاغلبية في حال انسحبت كتلة او اكثر من صف الحكومة الى صف خصومها.. إذ لا يمكن ان يوضع الشعب العراقي في كفة تقابلها كفة محددة باسماء او اسم نائب او نائبين او حتى خمسين نائباً من مجموع حوالي الثلاثمائة نائب هم كل عديد البرلمان العراقي.

وهذا لا يعني بتاتاً التقليل من اهمية أي نائب، ولكنه يعني من جهة اخرى احترام رأي الاغلبية واعتماد سياستها وخيارها، وهذه هي الديمقراطية كما نفهمها وكما هو معمول بها في بلدان العالم الاخرى.. اما اخضاع القوانين والاعراف لرغبات البعض فما ذلك إلاّ خروجاً على مفهوم الديمقراطية وحقيقتها.

واذا كنا مؤمنين بالديمقراطية والرأي الاخر، فينبغي علينا ان نحترم خيارات الاخرين، ومن هنا نعتقد بأن انسحاب كتلة او اكثر من الحكومة والعمل كمعارضة انما هو حق لهذه الكتلة او الكتل البرلمانية ما دام عملها كمعارضة يظل منسجماً مع القوانين المرعبة ومقيداً بالدستور.

وفي اوضاع معقدة مثل الاوضاع التي يعيشها بلدنا في هذا الوقت بالذات نعتقد ان العملية السياسية تكون اكثر جدوى لو ظل الجميع تحت سقفها، فكل المشاكل يمكن تسويتها بالحوار اذا ما خلصت النيات، وما تطالب به أية كتلة من مكاسب سياسية من المناسب ان ينظر اليه كحق مشروع في بعضها او اغلبها، غير ان هذا الحق لابد ان يخضع للدراسة من قبل الاطراف الاخرى، ان كان ممكناً تلبيته في هذا الوقت او تأجيله الى مرحلة اخرى.. فليس ما تطالب به هذه الكتلة النيابية او تلك امراً يجب تنفيذه فوراً، ففي هذه الحال لا يصبح أي معنى للحوار الديمقراطي واحترام الرأي الاخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13آب/2007 -29/رجب/1428