مستوى السِلم.. هل هو معيار كافٍ لتصنيف الدول؟ 

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: ان العنف الاجتماعي والدولي مترابطان غير اننا لن نستطيع ان نقف على هذا الامر إلا اذا شملت دراسات العنف اغلبية المجتمع وهي، النساء والاطفال، وعليه، فاذا كنا جادين بشأن السلام يتعين علينا ان ننظر الى الصورة في شموليتها، وأن نولي الانتباه بصفة خاصة لمراحل التكوين الاولى حينما يتعلم الصغار لاول مرة احترام حقوق الانسان او قبول انتهاكها.

ونشرت وحدة، ذي إيكونوميست إنتيليجنس يونت، التابعة لمجموعة ذي إيكونوميست، الناشرة للمجلة التي تحمل الاسم نفسه، اول دراسة من نوعها تصنف البلدان وفق مستوى السلم فيها. اما الأساس المنطقي الذي استندت اليه، فيتمثل في ان، السلام ليس هو غياب الحرب فحسب وإنما غياب العنف أيضاً.

ويستعمل المؤشر 24 مقياساً من قبيل عدد الجنود الذين يُقتلون، ومستوى جرائم العنف، والعلاقات مع البلدان المجاورة. غير أنه لا يشمل أكثر شكل من أشكال العنف انتشاراً في العالم، ألا وهو العنف ضد النساء والأطفال، والذي غالبا ما يحدث داخل البيت. وبعبارة أخرى، فإن إغفال الدراسة لهذا الجانب يجعل المؤشر مفتقراً إلى الدقة.

يقول ريان إيسلر، كاتب ومحلل سياسي أميركي: الواقع أن نظرة واحدة إلى قائمة الدول تُظهر السبب في الافتقار للدقة. فمن أصل 121 بلداً، احتلت الولايات المتحدة المرتبة السادسة والتسعين؛ وإسرائيل المرتبة التاسعة عشرة بعد المئة؛ في حين جاءت ليبيا وكوبا والصين – وجميعها دول ليست قدوة في حقوق الإنسان- في المراتب الثامنة والخمسين، والتاسعة والخمسين، والستين، على التوالي. غير أن نظرة أقرب وأكثر إمعاناً إلى القائمة تظهر بعض مكامن الخلل الاخرى:

- فمثلا، صُنفت مصر في المرتبة الثالثة والسبعين في وقت يتعرض فيه أكثر من 90 في المئة من النساء والفتيات المصريات للختان الاجباري؛ علما بأن هذه الممارسة تتسبب في العديد من المشاكل الجسدية التي ترافق المرأة طوال حياتها، وتودي بحياة الكثير من النساء. ورغم أنها تمثل شكلا فظيعاً من أشكال العنف، فإن المؤشر لم يشملها.

- احتلت الصين المرتبة الستين رغم أن قتل الإناث بعد الولادة ما يزال يشكل مشكلة كبرى، مثلما يدل على ذلك التفاوت بين عدد الذكور والإناث.

- جاءت تشيلي في المرتبة السادسة عشرة، والحال أن معدلات ضرب النساء، مثلما هو الحال في الكثير من بلدان أميركا اللاتينية (وغيرها من بلدان العالم)، عالية جداً. فبالرغم من أنه قلما يتم النظر في قضايا ضرب النساء من قبل القضاء أو التبليغ عنها، فإن 26 في المئة من النساء الشيليات على الأقل عانين العنف على أيدي أزواجهن، حسبما تفيد به دراسة أجرتها اليونيسيف في 2000.

لقد عبر معدو مؤشر السلام العالمي عن أملهم في أن يؤدي المؤشر إلى مقاربة جديدة تجاه دراسة السلام؛ وأعلنوا أنهم يعتزمون توسيع المعايير المعتمَدة في المؤشرات المقبلة. غير أن هذا التوسيع يجب أن يُستهل بتعديلات رئيسية في "مقاييس الأمن والسلام المجتمعَيين" العشرة. فإذا كان المؤشر الحالي يسعى إلى قياس مستوى عدم احترام حقوق الإنسان، فإن هذا المستوى يقوم -حسب المنهجية التي اعتمدتها الدراسة- على "سلم الرعب السياسي" – وهو سلم يتجاهل حقيقة أن معظم انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث عبر العالم، مثلما أشار إلى ذلك تقرير "اليونيسيف" قبل عشر سنوات، هي انتهاكات لحقوق النساء والأطفال.

والحقيقة أن تخلف المؤشر عن أخذ هذا النوع من العنف بعين الاعتبار يثير الذهول، ولاسيما في ضوء توفر إحصائيات دولية من قبيل:

- أن عشرين في المئة من النساء، وما بين 5 و10 في المئة من الرجال، عانوا الاستغلال الجنسي في مرحلة الطفولة.

- وأن ما بين 100 مليون و132 مليون امرأة وفتاة تعرضن للختان في العالم؛ في وقت تشير فيه الإحصائيات إلى أن مليونين يُضفن سنوياً إلى صفوف هؤلاء النساء.

- وأن قتل الإناث عند الولادة (وأد البنات)، وسوء التغذية الذي تتعرض له الإناث بشكل انتقائي، والإهمال الطبي للفتيات أمور منتشرة جداً. ففي ولاية البنجاب الهندية، مثلاً، يفوق عدد من يتوفى من الفتيات، اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين سنتين وأربع سنوات، عدد الذكور من الفئة العمرية نفسها بحوالي الضعف.

إلى ذلك، ولئن كان المؤشر يأخذ "مستوى جرائم العنف" في عين الاعتبار، فإنه يغفل حقيقة أن معظم العنف الذي يحدث في العائلات مايزال لا يُنظر إليه باعتباره جريمة في الكثير من البلدان؛ وهو ما يفسر عدم التبليغ عنه أو إجراء متابعات قضائية بشأنه.

الحقيقة أنه من غير الواقعي أن نتوقع "ثقافات سلام" طالما أن الأطفال ينشأون في عائلات مايزال استعمال العنف فيها من أجل فرض الإرادة على الآخرين أمرا عادياً، بل أخلاقياً. غير أن الخبر السار هو أنه ليس كل من يترعرع في هذه العائلات يديم العنف؛ أما الخبر غير السار، فهو أن الكثير من الأشخاص يفعلون.

والعنف الحميمي والدولي مترابطان ترابطاً قوياً؛ غير أننا لن نستطيع أن نقف على هذا الأمر إلا إذا شملت دراسات العنف أغلبية المجتمع: النساء والأطفال. وعليه، فإذا كنا جادين بشأن السلام– ليس بشأن قياسه فحسب، وإنما إحلال المزيد منه أيضاً- فيتعين علينا أن ننظر إلى الصورة في شموليتها؛ وأن نولي الانتباه بصفة خاصة لمراحل التكوين الأولى حينما يتعلم الصغار لأول مرة احترام حقوق الإنسان أو قبول انتهاكها، مثلما هو الحال اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13آب/2007 -29/رجب/1428