من تحديات اعادة الاعمار

هل إن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد بمثابة تمرد ٍ ثان ٍ في البلاد؟

د. كمال البصري

 1.المقدمة:

قالت "الوكالة الأمريكية لإعادة إعمار العراق"، إن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد في العراق هما بمثابة تمرد ٍ ثان ٍ في البلاد.  المفتش العام للوكالة "ستيوارت بوين"، أوضح أن الحكومة العراقية فشلت في تحمل مسؤولية إنجاز مشروعات بقيمة مليارات الدولارات، لافتاً الى أن الوكالة بصدد التحقيق في أكثر من خمسين قضية إحتيال.  بوين أضاف في تقرير له أن وزارة المالية العراقية لم تصرف السنة الماضية سوى 22 في المئة من الميزانية على المشروعات الحيوية المتعلقة بجهود إعادة الإعمار، بينما أنفقت تسعة وتسعين في المئة من المخصصات المرصودة للرواتب.

لا احد يختلف ان الحالة الامنية القاسية وضعف في تطبيق سيادة القانون الكاملة كانت ولا زالت بيئة لنمو كثير من التجاوز واللممارسات غير المنضبطة.  كما ساهمت اللممارسات السياسة السابقة والتجاوز على حرية الانسان وكرامة وحقوقه الاقتصادية والثقافية، الى نمو مشاعرالغضب والانحراف التي تجسدت في غلبة المصالح الخاصة على المصالح العامة.  وكانت هده الحالة واضحة في حالات النهب والسلب التي رافقت الحرب الاخيرة (والتي شجعت عليها ايدي غير عراقية وغير منضبطة وباعترافهم). 

ورغم الممارسات السياسة الجديدة والمشجعة، الا ان استمرار معاناة المواطن اليومية والمتمثلة في انخفاض مستوى المعيشة ( بالرغم من التحسن النسبي في دخل المواطن) ادت الى استمرار شعور البعض بعدم عدالة توزيع الثروات. 

ان الحالة التي يمر بها  العراق ليست خاصة بالعراق،  بل حالة مصاحبة لكل دولة وقوم تنعدم عندهم الضوابط القانونية.  ولعل من المفيد دكره ان النجاح الذي حضيت به بعض الشعوب وبالاخص اليابان هو ليس بفضل تطبيق التكنلوجيا المتقدمة، بل بفضل القيم الاخلاقية واحترام القانون.  وهناك دراسات احصائية تؤكد الترابط الشديد بين النمو الاقتصادي واحترام سلطة القانون.  ان حالة عدم الانظباط ليس منحصرة بالاداء العراقي فقط بل بالادارات الاجنبية نفسها (وباعتراف حكوماتها واعلامهم).

2. سوء الإدارة الاقتصادية:

لاشك ان العراق يعش حالة جديدة تتمثل بتطبيق منهج مختلف تماما عن المنهج الاشتراكي ومركزية القرارات الاقتصادي.  ومن صور الممارسات الجديد دعم اللامركزية والمتمثلة بدعم مشاريع الاقاليم والمحافظات.  آن مشروع تطوير المحافظات والأقاليم المدرج في الموازنة العامة للدولة في عام /2006 يمثل بداية العمل في برنامج تطوير المحافظات، وقد خصص له مبلغ (1000) مليون دولار للإنفاق على مشاريع التطوير.  وقد اعتمد عدد السكان في توزيع المبلغ بين المحافظات وذلك لعدم اكتمال المؤشرات الخاصة بدرجة الحرمان في حينها, وقد حددت المشروعات لعام /2006 من قبل مجالس المحافظات وبالتنسيق مع وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي والوزارات القطاعية حيث تم التأكيد على المشاريع التي توفر الخدمات الأساسية للمواطنين والتي يمكن تنفيذها خلال العام لكي تعطي مردوداتها السريعة على صعيد الخدمات الأساسية والمساهمة في تشغيل المزيد من الأيدي العاملة لتقليل البطالة ورفع المستوى المعاشي للمواطنين. 

الا ان المحافظات لم تستطع استخدام اكثر 50% من تخيصاتها الاستثمارية.  وقد بدلت وزارة المالية هدا العام جهود استثنائية لتسريع الاعمار بالمحافظات ضمن الضوابط المعتمدة. كما خول المحافظون صلاحيات الوزير المختص في تعليمات وصلاحيات تنفيذ الموازنة الاستثمارية وذلك لتسهيل وتسريع تنفيذ المشاريع المدرجة ضمن برنامج تطوير المحافظات.  الا ن تأخير اقرار الموازنة ادى الى التأخير في توزيع التخصيصات الاستثمارية. 

لاشك ان التجربة جديدة تحتاج الى كوادر مؤهلة تدرك تفاصيل الدورة الكاملة لادارة المشاريع وفك اختناقاتها.  كما ان التغيير السياسي ادى الى تغير في بعض الادارات الاقتصادية المتمرسة، وظهور طليعة جديدة من الكفاءات تعوزها التجربة العميقة. ولم يرافق هدا التغيير التدريب والتأهيل المطلوب رخم التخصيصات التي  خصصتها الحكومات المساندة للعراق.  

3. الحالة الامنية:

ان ملف الامن وغياب سلطة القانون ليس من مسؤولة الحكومة العراقية وحدها بل دول التحالف ايضا. وسجلت الممارسات الخاطئة الى العجز في توفير الامن حتى لمناطق مثل شارع حيفا واللطيفية والمدائن!!!

ساهمت المشكلة الامنية الى غياب البيئة الضرورية لاحتضان المشاريع الاستثمارية ورجال الاعمال. لقد ادت الى غياب مساهمة الشركات المتمرسة وهجرة رجال الاعمال ورؤس الاموال. كما صعب دخول الشركات الاجنبية الضرورية للتهوض بالاقتصاد.  كما ادى تخلف قطاع النقل والحالة الامنية الى سوء توريد البضائع.  ومن جانب اخر ادت مشكلة شحة  الطاقة الى اختناقات انتاجية وتعطل سرعة الانجاز.  كما سجل تخلف المصارف وغياب المؤسسات المالية الداعمة للاستثمار وعموم النشاط الاقتصادي عاملا اخرا، حيث واجهت كثير من النشاطات مشكلة حقيقية تتجسد في ايصال الموارد المالية الضرورية.

بالرغم من حاجة الحكومة الى الخبرات والكفاءات، فانها لا ينقصها السعي في محاربة عدم الانضباط. فالحكومة لديها ثلاث اجهزة : دائرة المفتش العام (بالوزارات)، وديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة (وبالاضافة الى سلطة الاعلام).  وقد ادى تركيز العمل بهده الاجهزة الى تردد كثير من المسؤولين من اتخاد القرار المناسب بالوقت المناسب. 

ان الادارة الاقتصادية الكفؤة والبيئة السليمة وسيادة القانون من عوامل الاعمار والنمو الاقنصادي.  ان العدالة الاقتصادية لا تتطلب مجرد التخطيط لعدالة توزيع الموارد، بل ان العمل على انهاء الممارسات غير الحميدة والمتمثلة بالمحاصصة وابعاد الكفاءات عن مواقع العمل.

  ان الدولة العراقية تحتاج الى لجان خاصة لتوزيع الاعمال والمناصب الاساسية (مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء).  ان الاستمرار بالشعور بالغبن (كالفقر) مصدر من مصادر الفساد. 

اخيرا لم يكن هدف المقال تجاهل تصريح المفتش العام للوكالة اعادة الاعمار اوالتأكيد على صحة المنهج الحكومي، بل لتوضيح المشكلة والكشف عن عواملها.  ان المشكلة الحقيقية ليست بتوفير الموارد المالية والتكنولجيا المتطورة،  بل في حسن ادارة المشاريع اقتصاديا وبشريا.

* خبير اقتصادي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 12 آب/2007 -28/رجب/1428