الفرصة.. والباب الموصد بالإستبداد

شبكة النبأ: الحظ وكما هو مشهور يطرق الباب مرة واحدة، والحقيقة التي التمسناها ان الحظ قد اطال الوقوف على باب القوى السياسية العراقية المهمشة لعشرات السنين وقد ظل ينتظر من يفتح له الباب ويسمح له بالدخول.

الحظ تحت الشمس الحارقة يتلقى اشعاعها على جلده الرقيق الذي كان يحضه على المغادرة وهو الذي لايتحمل الصبر، وليس من شيمه الانتظار على الابواب المقفلة.

وهكذا هو الحال لدى القوى السياسية العراقية المهمشة التي لم يكن نصيبها من الحياة سوى المطاردات والتصفيات السياسية على مختلف وتعاقب السلطات الجائرة، حتى يخال المراقب ان تلك القوى لم تكن قد نضجت بما يكفي لإحتواء الوضع، والسير بانسجام في الخط السياسي والمسار الحكومي وهي امام ضربة حظ كبيرة.

فبدلا من مؤازرة الحكومة الحالية وتثبيت اقدامها ومساعدتها في تركيز الدعائم المهمة والضرورية بغض النظر عن النواقص والاخطاء المحتملة ذلك لأن مؤازرتها تعني مؤازرة تاتي اكلها على الجميع في نهاية المطاف، وان اي فشل فانما يعني فشل كارثي يقع الجميع في حفرته ولا يؤمل بعدها ان يقف الحظ مجددا على تلك الباب المقفلة او على الاقل بعد مرور حقبة اخرى ربما يتكرم بها الزمن الضنين.

وبعد ان يدفع الشعب المحروم الثمن الباهض ويقاسي الويلات وبعد ان تسقط من عيونه تلك القوى التي اضاعت الفرصة بكونها قد فرطت بفرصة تاريخية ليس لها مثيل.

وتشير الدلائل في الزمن الراهن على وهن تلك اليد التي تضرب على الباب وصار انسحابها مرهون بيد الزمن بين لحظة واخرى.

ان الحكومة التي يقودها الآن المالكي مكبلة بسلاسل من حديد فليس لديه آلية سياسية يمكن ان يتحرك بها لمباشرة الوضع المتردي والاداء المتماوت على شتى المستويات وحتى لو فرضنا وجود غير المالكي فان الامر لايختلف ابدا كون الاوضاع ذاتها هي التي تتحكم في المسار وتضع المعرقلات في وجه الحكومة من احزاب وتيارات ومكونات سياسية اخرى وان كانت محسوبة على الائتلاف الشيعي ولذا يعد فشل المالكي هو فشل لكل مكونات الائتلاف مهما كانت الخصائص والاتكاءات والمرجعيات.

اذن فنحن امام فرصة كبيرة وممتدة في طول زمني واسع، لم نحظ بها منذ مئات السنين وامام كثير من المعضدات منها التعضيد والتعاطف الدولي وهو امر مهم يمكن استغلاله لتحسين احتمالات النجاح واستثماره بذكاء لصالح العملية برمتها وهو عامل قلما يتوفر ضمن المتغيرات المحتملة في الزمن القادم، وكذلك وجود عامل أخر وهو التمويل النسبي الذي يحصل عليه العراق إضافة الى ما يضخه النفط من قوة مالية تعضد مسار الحكومة وطبعا ذلك خير مما لو ان القوى الدولية تحجم عن التمويل وتعطل ضخ النفط فان الحال في ذلك الوضع الذي افترضناه سيكون بمثابة الخروج الى منطقة القتل.

وامام هذه الظروف والعوامل المساعدة الكثيرة كان من المفترض على جميع القوى المتآلفة ان تدعم حكومة المالكي بكل قوتها سواء في المال او في المهادنة السياسية لأجل النجاح الذي سيشمل المسار برمته دون استثناء ويحقق للشعب العراقي ان ينجو من هذه البئر العميقة التي ينزل بها يوما بعد اخر وان يمد له حبل النجاة من كارثة ساحقة ماحقة لايعلم مآلها الا الله سبحانه وتعالى.

والشارع العراقي كاد ان يكفر بتلك القوى وبالحكومة التي اطالت امد المعاناة لديه وضاعفتها والتي غيبت الامل في ان تشرق الشمس الباهرة في يوم من الايام.

وتلبدت الاذهان بغيوم الياس وعدم الرجاء، فان القوى من خلال التجربة الطويلة اثبتت بما لا يقبل الشك انها بعيدة كل البعد عن تطلعات الجماهير العراقية البائسة التي انتظرت بما فيه الكفاية لكي تتحرك الجثث السياسية من موتها البطئ وان ينقطع ما تنزه اجسامها من صديد يحمل الجراثيم والعدوى ويؤصل الامراض القاتلة في جسد العراق.

ان الجثة لن تتعافى ابدا ما لم تتخلى عن الانانية السياسية وتنظر الى ما هو ابعد من موطئ الاقدام وان تخرج من الصناديق المقفلة وتنظر بتمعن الى الافق الرحيب وان ترى الامور بحرية اكثر وعقلانية اكثر ومرونة اكثر.

ان ضيق الافق الذي التهبت به الاذهان السياسية هو الذي سيؤدي بها الى السقوط المحقق في الحفرة التاريخية الرهيبة فالسفينة التي تركبها القوى السياسية لاتتحمل الخرق والخرم فانه ستغرق وتغرق جميع ركابها بشكل حتمي.

وكثرة الربابنة في السفينة واختلافهم وعدم التفافهم حول سفان واحد بغض النظر عن الخبرة التي يتمتع بها انما تؤدي الى التيه في عرض البحر ولا يجنون غير الموت عطشا وجوعا وتضييع البضاعة والجواهر الانسانية معهم.

اذا فان الماساة قادمة والطوفان آت لا محالة في ظل الوضع المتفاقم وظل التناحر القائم والتكالب على المكتسبات المتنوعة التي هي في طريق زوالها لا سامح الله.

فهبوا ايها العراقيون وهبوا ايتها القوى السياسية لدرء الخطر القادم من خلال المؤازرة اللامحدودة لقيام الجهد بكل السبل الممكنة والمتاحة من اجل النهوض بروحية مختلفة ومرنة لخلق واقع جديد يتسم بالقوة والرصانة فان ذلك هو الطريق القويم.

ان داء الاستبداد في الراي والتصلب في النهج والعدائية السياسية لاتثمر سوى التراجع عن الاهداف وتمويعها مع الزمن بل وتضييعها الى الابد بكونها لاتستقرئ الظروف وكذلك لاترى فيما اذا كان الظرف ناضجا بما يؤهل تلك النهوج في السير بنجاح وبلوغ الهدف ام لا.

يقول الكاتب علي عبد الرضا في معرض تناوله الاستبداد السياسي:

الاستبداد لا يكون حكرا على الحكومات او المتسلطين في راس الحكم بل ان الاستبداد يمكن ان يكون لدى الافراد العاديين او لدى فئات محددة سواء كانت في وسط اجتماعي او في وسط سياسي.

وقد يكون اغماض العين عن مآلات الواقع الميداني هو في لب الاستبداد كونه يركن الى محصلة معينة ويتم الاقفال عليها والاصرار على انها الفكرة او السلوك الذي لايصل اليه الوهن او الخطا وليس له من بديل آخر.

.......................................

المصادر/

1- مجلة النبأ العدد  36  

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7 آب/2007 -23/رجب/1428