الإنترنت داخل صندوق... للعالم النامي

 شبكة النبأ: في ظل التطور التكنولوجي السريع اصبح لزاما مواكبة العالم فيما يقدمه من خدمات تسهّل العديد من الاعمال ومنها تبادل المعلوماتية ونشرها على اكبر نطاق ممكن في الانحاء الفقيرة من العالم، حيث اتبعت مؤخرا طريقة سهلة لنقل المعلومات هي اكثر قابلية للانتقال الى المناطق النائية وتقديم ما هو أكثر من مجرد إتاحة الفرصة للاطلاع على الكتب والصحف وغيرها من الوثائق، حيث ستكون فرصة حقيقية لمحو أمية المعلومات، كما انها ستغير حقيقة الطريقة التي يفكر بها الناس في كيفية اتاحة الفرص للحصول على المعلومات.

ومنذ العام 2000 تحاول جامعة أيوا الأميركية نقل مزايا وفوائد الإنترنت إلى مناطق من العالم تكون فرص الوصول إلى الإنترنت فيها إما ضئيلة أو مكلفة أو كليهما.

يشرف مشروع (وايدر نت) بالجامعة على إدارة المكتبة الإلكترونية التي أطلق عليها اسم (إي غراناري)، التي تجمع المصادر المتاحة على الإنترنت وتضعها على شكل خدمة أو شبكة داخلية تكون متوفرة بحرم الجامعات في الدول النامية التي يكون اتصالها بالإنترنت إما محدودا أو منعدما.

ومن مقرها في جامعة أيوا بمدينة أيوا تقوم المكتبة الإلكترونية (إي غراناري) بتحديث محتويات المكتبة يدويا على الأقل مرتين سنويا في الشبكات الداخلية بحرم الجامعات في أفريقيا والهند وبنغلاديش وأذربيجان وهيتي.

ونبعت فكرة إي غراناري من تجربة لأحد الدارسين بمنحة فولبرايت من نيجيريا اسمه كليف ميسين الذي لمس بنفسه في العام 1999 مدى الصعوبات التي يعاني منها أمناء المكتبات من أجل تجميع معلومات حديثة وذات قيمة إلى رواد مكتباتهم. فبدأ ميسين، الذي يشغل الآن منصب المدير المشارك لشبكة وايدر نت، نقل اسطوانات صغيرة (مضغوطة) عليها معلومات مفيدة إلى جامعة نيجيريا حيث كان يدرس للطلبة فيها. وهذا ما أدى إلى تطوير فكرة إي غراناري.

وفي حديثه مع موقع يو إس إنفو قال ميسين، إن الناس في الدول النامية ينبغي ألا تنتظر حتى تصل إليها شبكة الإنترنت. فهناك سبعة أشخاص من بين كل ثمانية في العالم لا يملكون فرصة الاتصال بالإنترنت. والقلائل الذين تتاح لهم تلك الفرصة في دول العالم النامية يدفعون مبالغ كبيرة مقابل ذلك. لكنهم مع وجود إي غراناري يستطيعون الاطلاع على 10 ملايين وثيقة دون أن يكون لديهم خط للاتصال السريع.

غير أن إي غراناري تقدم ما هو أكثر من مجرد إتاحة الفرصة للاطلاع على الكتب والصحف وغيرها من الوثائق؛ فهي تتيح فرصة حقيقية لمحو أمية المعلومات، حسب تعبير ميسين، وأضاف، إنها تغير حقيقة الطريقة التي يفكر بها الناس في كيفية إتاحة الفرص للحصول على المعلومات.

* الحاجة إلى المعلومات

بعض الأشخاص في الدول النامية لا يكون لديهم سوى أبسط خدمات الاتصال بالإنترنت وهو ما يسمح لهم بالاطلاع ما يصلهم من بريد إلكتروني أو ما شابه ذلك، لكن بمجرد أن يشاركهم عدد أكبر من الأشخاص في استخدام خدمة الاتصال هذه فإن التعامل مع الشبكة يصبح أبطأ بكثير، حسبما قال ميسين وأضاف " وبالتأكيد لا يكون من الممكن في هذه الحالة القيام ببعض المهام مثل: تنزيل برامج الكمبيوتر من على الشبكة أو مشاهدة تسجيلات الفيديو أو الاستماع إلى الموسيقى. فهذه النوعية من المهام تنوء بحملها خطوط الاتصال الضعيفة."

وعلى النقيض من ذلك تكون إي غراناري سريعة جدا. ويستطيع مستخدموها تنزيل كتاب "خلال طرفة عين" حسبما قال ميسين، فقد أشار إلى أنه "بإمكانك أن تفتح ملف فيديو بطاقة 200 ميغابايت خلال خمس ثوان، وأمناء المكتبات وجدوا أنهم يستطيعون إضافة وصلة لا سلكية إلى ذلك الخط، وبذلك يصبح لديهم مكتبة عامة مجانية لا سلكية. ويصبح من غير المهم عدد من سيدخلون على الشبكة لأنه لا توجد تكلفة للاتصال بالإنترنت."

تبلغ تكلفة الحصول على إي غراناري 750 دولار، بينما تصل تكلفة الحصول على خدمات الإنترنت بحيث يستطيع استخدامها آلاف الأشخاص 2800 دولار. كما يتكلف التجديد السنوي لإي غراناري 200 دولار أخرى، لكن ميسين يقول إن عددا كبيرا من أمناء المكتبات وجدوا أن المعلومات المتوفرة عليها تتمثل قيمتها الكبيرة في كونها مراجع بحيث يمكن الاستغناء عن إجراء تحديث سنوي لها.

* الإنترنت في صندوق

كثيرا ما يطلق على مكتبة إي غراناري الإلكترونية اسم "الإنترنت داخل صندوق" لأنها توفر ما يقرب من 10 ملايين مصدر تعليمي بعيدا عن الشبكة الإلكترونية العالمية، وهذه المصادر مستمدة من أكثر من ألف موقع إلكتروني من بينها الموقع الموسوعي الشهير ويكابيديا وموقع الدراسة المجانية المعروف باسم (أوبن كورس وير) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومشروع غوتنبرغ الذي يقدم المجموعة الكاملة للأدب الكلاسيكي.

يذكر أن مشروع غوتنبرغ تأسس في العام 1971 وهو يتيح تنزيل 2 مليون كتاب مجانا كل شهر إلى المقيمين في أكثر من 100 دولة من أجل نشر المعرفة بالآداب. ومعظم تلك الكتب يكون قد انقضى أجل حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها في الولايات المتحدة.

أما عن الدراسة المجانية فإنها تقدم بقيادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عبر موقع (أوبن كورس وير) حيث يتيح لأي شخص في العالم فرصة الاطلاع مجانا على المواد التعليمية لكل المناهج التي يدرسها المعهد وعددها 1800 مادة دراسية، بالإضافة إلى مواد دراسية من جامعات ومعاهد عليا أخرى. وتشمل تلك المواد قائمة بموضوعات كل مادة دراسية وقائمة أخرى بموضوعات القراءات الخارجية لتلك المادة، وشحا بالشرئح الملونة لموضوعات الدروس وعروضا نموذجية للمسائل الرياضية وحلولها وملخصات للمحاضرات واختبارات وفي بعض الأحيان محاضرات مسجلة على شرائط فيديو.

وقد صمم موقع إي غراناري بأسلوب مبسط بحيث يسهل تصفحه والتجول بين أقسامه، وكذلك صممت أدوات البحث فيه بأسلوب موحد ومبسط أيضا. وكل المواد المتوفرة على إي غراناري بما فيها 40 ألف كتاب كامل وما يتراوح بين 150 إلى 200 صحيفة دورية بأرشيفاتها الكاملة، وكلها ضمها الموقع بتصريح من الناشر أو المؤلف. والعديد من تلك الكتب والصحف يصعب على أي مكتبة في الدول النامية اقتناؤها نظرا لتكلفتها الباهظة.

والطاقة التخزينية لإي غراناري تصل إلى 750 غيغابايت وهو ما يجعلها تضم أكبر مجموعة مواد للمعلومات موجودة على خط للخدمة يمكن الاطلاع عليه بدون الاتصال بالإنترنت.

مشروع مكتبة غوتنبرغ الإلكترونية

وقبل 36 عاما وضع مايكل هارت الطالب بجامعة إلينوي إعلان الاستقلال الأميركي على جهاز كمبيوتر رئيسي وبذلك أصبح متاحا للجميع على الشبكة التي أصبحت تعرف فيما بعد باسم شبكة الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية.

وقام ستة من مستخدمي الكمبيوتر آنذاك بتنزيل نسخة إعلان الاستقلال الأميركي من شبكة الكمبيوتر، وكان ذلك إيذانا بافتتاح مشروع أطلق عليه صاحبه اسم مشروع غوتنبرغ تكريما للعالم الألماني الذي اخترع في القرن الـ15 أسلوبا للطباعة أحدث ثورة في عالم الطباعة والنشر.

وخلال الوقت الذي كان يتاح له فيه استخدام الكمبيوتر في الجامعة، قام الطالب مايكل هارت بوضع 100 كتاب بنفسه على الشبكة وكرس حياته للمشروع. وهو يوصف حاليا بأنه كان شخصا صاحب رؤية مستقبلية وأن رؤيته كانت سابقة لعصره. أما هو فيصف نفسه بأنه "رومانسي لا يمكن شفاؤه من الرومانسية" وأنه "بطبيعته خيالي ومثالي وشديد الحب للعمل." وأدرك هارت من البداية أن فكرته لإنشاء مكتبة إلكترونية يمكن أن تغير العالم وتشجع على الإلمام بالقراءة والكتابة وحب المعرفة. وأصبح مشروع غوتنبرغ أول مشروع يوفر المعلومات على الإنترنت وأقدم مكتبة إلكترونية تضم أكبر مجموعة فريدة من الكتب الإلكترونية المجانية.

يقدم مشروع غوتنبرغ 3 ملايين كتاب إلكتروني مجاني أسبوعيا عبر موقع إلكتروني واحد يسمى موقع آيبيبلو التابع لجامعة نورث كارولينا حسبما قال هارت. ومعظم الكتب التي يقدمها المشروع يكون قد انتهى أجل حظر نشرها حسبما تقضي قوانين حماية الحقوق الفكرية بالولايات المتحدة. كما يقدم المشروع أيضا كتبا مسجلة صوتيا، وتسجيلات موسيقية، وموسيقى مدونة، وأفلاما سينمائية وصورا ثابتة. وعلى سبيل المثال من بين التسجيلات التي يضمها مشروع غوتنبرغ المقطع المسجل بالفيديو لهبوط المركبة أبوللو 11 على سطح القمر قبل 4 ساعات فقط من أن تطأ قدما رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ سطح القمر ليصبح أول إنسان يمشي عليه.

وقال هارت، إن فكرة مشروع غوتنبرغ هي توفير كل مصادر المعلومات والثقافة إلى الجماهير العريضة بالأسلوب نفسه الذي فعلته مطابع غوتنبرغ في منتصف الألفية الثانية، ولكن بأسلوب عصري.

وتتضمن مقتنيات المشروع كتبا بلغات متعددة بالإضافة إلى الإنجليزية. وعلى سبيل المثال يوجد 1053 كتابا بالفرنسية و451 كتابا بالألمانية و396 كتابا بالفنلدية و279 كتابا بالهولندية و155 كتابا بالإسبانية و114 كتابا بالإيطالية و113 كتابا بالبرتغالية و54 كتابا بلغة التغالوغ التي تتحدث بها جزر الفليبين؛ كما تضم المجموعة كتبا ببعض اللغات القديمة مثل الكاتالان والفريزيان والناهاواتل والسانسكيرت والإيروكوايان.

وأعرب هارت عن توقعه لأن تصبح مجموعة مقتنيات مشروع مكتبة غوتنبرغ الإلكترونية مليون كتاب بـ100 لغة بالإضافة إلى كل ما يتوفر للاستخدام العام بما في ذلك الرسوم البيانية والتوضيحية والموسيقى والأفلام والتماثيل واللوحات والصور.

أما هدف هارت فهو هدف بسيط يشرحه بقوله "إننا نريد توفير أكبر عدد ممكن من الكتب الإلكترونية بأشكال متعددة للعالم كله لكي يقرأها الناس بأكبر عدد ممكن من اللغات." وأضاف أن الكتب الإلكترونية تسهم في نشر الثقافة والمعرفة والديمقراطية وقواعد المجتمع المدني المتحضر.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 1 آب/2007 -17/رجب/1428