الديمقراطية في المحك العراقي

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: بعد مرور السنوات الخمس على التجربة الديمقراطية ماذا يكون الراي الذي افرزه الواقع المعاش في الساحة العراقية وما شكلته من رؤى حقيقية في الموائمة للنسيج الثقافي المختزن في الخصيصة الاجتماعية والسياسية والدينية؟.

بعد هذه التجربة وبغض النظر عن الامل والاعتزاز بالاحلام المستحيلة فان تجربة السنوات الخمس اثبتت بما لايقبل الشك بان الديمقراطية والحرية السياسية التي تمنحها تلك الديمقراطية اشياء ليس في صالح الاستقرار والديمقراطية بالنسبة للمجتمع العراقي والعربي عموما بكونها جسم غريب وشائبة لا يتقبلها الجسد الفكري والثقافي العربي بشكل عام.

فالعربي والعراقي خطابين قد يكونا غير منسجمين ثقافيا وقد يكون العراق بسعته العامة اكثر مرونة لتقبل الديمقراطية لكن ارتباطه القسري التاريخي بالعرب يغير هذا الميل ويلوي عزيمته كونه ذا علاقة تاريخية اسست لتبادل التاثير بين العرب والعراقيين بحيث ان التطلعات مهما كانت حيوية في نفوس العراقيين فان التاثير العربي يسحبها باتجاه ثقافته المتخلفة ويضاف الى ذلك ارتباطات العراق مع جيرانه وما لهم من اجندات تتعارض في كثير من الاحيان مع تلك التطلعات.

فالاحزاب التي تشكلت بعد الاطاحة بالحكم الصدامي كانت اغلبها احزاب ذات ميول الى الجوار العراقي ومنفذة لمرامي غير عراقية فيما ظلت الاحزاب الاخرى بلا تاثير سياسي او اجرائي يمكن من خلاله ان تعدل المسار الوطني بالاتجاه المعقول للعملية السياسية.

وحتى الحكومة الحالية فانها مقمطة وفق الائتلاف لاتستطيع ان تنفك من الشريط الذي ربطها منذ البداية في وحدة سياسية ضمت كثير من المعرقلات على الوجه السياسي والاستقرار الامني والتقدم بخطوات السنين الخمس التي انتهت.

والمشكلة القائمة لها اوجه كثيرة حاولت بعض الاحزاب ان تحل الاشكالات لكنها وقعت في تجزيء المشكلة فقد رفعت بعض احزاب السنة العداء ضد ايران فيما رفع الحزب الوطني حزب الامة شعار الامة العراقية للتخلص من الارتباط السلبي مع العرب والتخلص من الذيلية المقيتة التي تسحب العراق باتجاه الآبار الآسنة للتخلف العربي وعدم النهوض باتجاه العالم الحر.

فيما اشتغلت باقي اغلب الاحزاب بتنفيذ الاجندات الاجنبية واما المتبقي منها فانها ظلت ذيلا للمسار الخاطئ لعدم قوتها في التمثيل الحكومي وقطعا هذا ناتج عن الانتخابات التي فرضها التخلف الثقافي والسياسي للمجتمع العراقي المتاثر بدرجة كبيرة مع واقع الذيلية العربية وعدم المرونة في الفكر وعدم فهم الحرية بمعناها الحقيقي.

والسنوات الخمس من عمر الزمن تساوي الكثير من العمل وكثير من الانجازات المحسوسة وربما تحدث ثورة من التغيير والبناء والتنمية والاعمار لكن الامر يبدو وكان الزمن قد توقف ولم تعد الساعات تتحرك عن نقطتها الجامدة فلا زالت عملية الاقناع الذي هو سبيل الضعفاء المتخاذلون تجري وفق حك الظهور ولمس الاكتاف والمحاباة والتجمل.

ولا زال العراق مظلما يعيش بين الازبال وتعم البطالة شبابه والفقر يضرب اطنابه بشكل مريع والزراعة اودت الى بوار وليس هناك امل في ان ترسو السفينة السياسية على بر آمن.

خمس سنوات يؤكد فيها كل يوم ان الديمقراطية ليست بالدواء الناجع ولا هي السبيل الرشيد لقيادة التخلف العراقي او العربي في ظل وضعه الراهن والمنظور في المستقبل.

يؤكد اغلب العقلاء ان الروح العبودية والبدوية والقبلية التي تنخر الجسد العراقي والتي اشاعت الفساد الاداري والفساد المالي والغش والكذب والنفاق والسمسرة واطاحت بالمال العام وتشويه الدين انما هي الدونية بعينها لايطوعها غير قانون صارم ودواء مر تجرعه تجرعا لتستفيق من غيها وتصحو على الاخلاق الاجبارية لتمارس انسانيتها وتتطبع عليها رويدا رويدا.

عند ذاك قد نجد من ينادي بالديمقراطية وعند ذاك فقط تكون الارض مهيأة لزراعة الاشياء الخيرة.

استطلعنا بعض الآراء حول هذا الموضوع وفق صيغة السؤال التالي:

ــ بعد مرور خمس سنوات من الديمقراطية، هل ترى بان هذه الديمقراطية صالحة للعراق او العرب وفق الرؤية الراهنة؟.

وكان الصحفي عصام حاكم اول من استطلعناه فقال لـ(شبكة النبأ): من المؤكد بان التجربة الديمقراطية ليست لكل من يشاء يرتديها، بل هي ابعد بكثير من تلك التصورات السطحية والبسيطة، انما هي اختزال لمعان اعمق واكبر في كثير من الاحيان من تصورات بعض من يدعيها، ان الديمقراطية ثقافة ووعي وسلوك ومراس يجب التعود عليها والا تصبح وبال على من يحاول ان يطبقها في زحمة تلك التراكمات والثقافية المنبثقة من وعي الغابة ، اذن نحن امام  ثقافة الاديان نفسها وان ارتدت ثوبا عصريا انها ثقافة الوعي الانساني المتحضر، فليس من السهل ان تتقبل الجاهلية الجديدة ثقافة الوعي الالهي المنسجم مع تلك الثقافة، وواهم جدا من يعتبر ان الديمقراطية اختراع غربي بل هو من وحي القران وثقافته فهل يستطيع العرب والعراقيين على وجه الخصوص تقبل ذلك الفكر وقد جاء بلسان غير عربي، ولكن يبقى السؤال يدور في حلقة مفرغة لان العرب لم يستوعبو رسالة الاسلام منذ اربعة عشر قرنا وهي من السماء فكيف به يهتدوا برسالة هي مغايرة لبداوتهم، اذن انت امام مهمة صعبه لا يمكن تقبلها في الظرف الراهن وتحت مختلف الذرائع  الا اذا استخدمت اسلوب القهر والاستبداد حين ذاك يمكن ان تجبرهم على ممارسة الديمقراطية على مضض،وقد طرحنا ذات السؤال على الاعلامي الكاتب حيدر السلامي، فقال لـ(شبكة النبأ): نحن من منطلق إيماننا واعتقادنا بأن الإسلام نظام شامل له القدرة على استيعاب الحياة بكل تفاصيلها وجوانبها المختلفة، وأن لقوانينه وتشريعاته الصلاحية الكاملة والنافذة إلى يوم القيامة.. من هذا المنطلق نعتقد بأن الديمقراطية لا تعدو وصفها آلية وإجراء محكوم بعوامل الزمكانية والراسخ الذهني الموروث والمرتكز الثقافي وسائر العوامل الأخرى.

ونعد الديمقراطية شعبة من شعب الشورى الإسلامية وهي تجد في الأخيرة بذرتها الأولى التي أنبتها الإسلام في أرض الواقع منذ بزوغ فجره أيام كان الغرب يرزح تحت نير الاستعباد والتوحش في فترته الظلامية.

هكذا إذن نفهم الديمقراطية وبهذا المقدار نتعاطى معها أي كآلية نصل بواسطتها إلى حالة من المشاركة الفعلية بين جميع الأطراف والاتجاهات في صنع القرار الذي يهم الجماعة ويحترم حق الفرد في التعبير والمعارضة.

لكن هناك من ينظر إلى الديمقراطية كنظام سياسي متطور لإدارة شؤون الدول والشعوب وهناك من يستغرق في المفهوم الديمقراطي ويصل به ـ كما الإسلام ـ إلى مستوى النظام الحياتي الشامل والدائم والكامل ويعده فلسفة ومنهجية للفكر والسلوك معاً وينعت المذهب الديمقراطي بأنه التيار الجارف لكل ما سبقه أو المستقبل الحتمي للبشرية جمعاء.

إن هذا الاختلاف في الفهم أو النظر إلى الديمقراطية يؤدي إلى نتائج تصورية وفعلية مختلفة ويفضي إلى صراع دائر غير منقطع الأمر الذي قد يضيع على الشعوب الكثير من فرص الارتقاء في سلم التكامل الحضاري لأنه سيكون بمثابة الاجترار والدوران في الفلك الواحد أو المراوحة في ذات النقطة وسيوجد حالة من الوهم والفراغ.

أما المتطلب الثاني وهو دراسة المجتمع الموصوف له الديمقراطية فإنه من الضروري واللازم الشروع بهذه الدراسة وتحليل نتائجها لمعرفة وتشخيص سبل تمكين المجتمع من تقبل هذا التغيير الذي قد يتصادم مع الكثير مما يزخر به واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وربما يتناقض والبنى الفكرية والدينية التي يرتكز عليها ذلك المجتمع.

ويضيف حيدر السلامي، بالنسبة للشعب العراقي فالملاحظ أن جميع التغيرات التي طرأت عليه لحد الآن هي تغيرات فجائية يمكن تسميتها بتغيرات الصدمة إذ لم تسبق أي تغيير على المستوى السياسي خاصة أية ثقافة ولم تمهد لأي تغيير أية أرضية اجتماعية ضمن نسق علمي ومدروس وإنما يحدث التغير بسرعة خاطفة فيعصف بالحياة العراقية دون سابقة ويحيل بين عشية وضحاها النار رماداً والزرع صفصفاً لدرجة أن دعاة التغيير أنفسهم لا يستوعبون هذا التغيير ولا يستطيعون هضمه بينما هم يسيرون في زوبعته.

وهكذا هو الحال بالنسبة لتدشين الديمقراطية إذ جاءت إلى العراق مع الصواريخ عابرة القارات وبسرعة البرق أو الموت الخاطف لم تسبقها نذر ولا بشائر فكيف نطلب من الشعب بلمحة أن يفهم ويستوعب ويقبل على ممارسة الديمقراطية مؤمناً بالجملة بأنها ضرورة حضارية ومتطلب للمرحلة السياسية التي يمر بها الوطن ؟!

هذا مع افتراض وجود الترجمة الأمينة للفكرة قولا وتطبيقا أما في حال غياب هذه الترجمة الفورية التي يقوم بها الساسة الأمناء فستظهر لنا مشكلة أخرى من نوع خاص.

ويختتم الاعلامي السلامي بالقول، في ضوء ما تقدم.. نخلص إلى القول بأننا يمكن أن نحكم بعدم صلاحية الديمقراطية للعراق خلال الخمس السنوات الماضية باعتبارها تجربة مررنا بها ووقفنا على نتائجها على أية حال.. كما أننا لا يمكن أن نحكم بصلاحية الديمقراطية للخمس السنوات القادمة في ظل هذه المعطيات اللهم إلا أن تحدث المعجزة فيتأهل الشعب العراقي ويتهيأ لاستقبال مولوده الجديد أو القادم الغريب والمثير للشك عبر المحيطات والقارات (الديمقراطية) بشكل واعٍ ومؤدلج وغير مصطنع.

محمد عبد الرسول، اعلامي- مدير ادارة مجلة النبأ-، قال: يجب قبل تطبيق الديمقراطية ان يضع السياسيون مهمة الاستطلاع عن مدى تفهم الشعب للديمقراطية وكذلك دراسة البيئة العراقية والعربية من خلال التاريخ الذي يفيد بان هناك بون شاسع بينهما.

وعود على بدأ، ونحن نرى الفوضى العارمة والتاسيس للاحتدام والعنف حتى يرتسم الياس على المواطنين العراقيين بان لا بارقة من الامل تلوح على الافق البعيد لمستقبل العراق الغامض المجهول.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 1 آب/2007 -17/رجب/1428