الإرهاب..... والهجرة العكسية

يحيى الشيخ زامل

    لقد أثبتت تجارب (حروب الفناء) فشلها، والتاريخ يشهد بأن الشعوب التي مارست حروب الفناء قد انتهت أما إلى الفناء وأما إلى الذوبان في شعوب أخرى، ومنها شعب المغول على سبيل المثال......

 فبعد أن تمكن (جنكيزخان) وخلفاؤه من الاستيلاء على آسيا كلها ونصف أوربا مستخدمين في حروبهم أبشع أساليب القسوة والمذابح الجماعية راح قانون حفظ النوع الإنساني يعمل بسرعة، فجعل الشعوب الأخرى تتضافر ضد الإمبراطورية المغولية وتقضي عليها بصفتها حشرة ضارة، لتصبح هذه الإمبراطورية من ذكريات التاريخ، حتى تشتت شعب المغول وذاب بين الشعبين : الصيني والروسي.

   واليوم تقف  الهجرة العكسية لقوى الإرهاب كأقوى دليل على صحة وفاعلية هذا القانون ـ قانون حفظ النوع الإنساني ـ فالدول التي صدرّت لنا الإرهاب هي نفسها تكتوي بناره بعد أن ساهمت بشكل وبأخر على تنشأته ورعايته، كما أن المراقب للعمليات الإرهابية التي تقوم بها المجاميع المختلطة من عدة شعوب  في العراق ـ وهي حالة جديدة لم يشهدها التاريخ ـ من قبل يجمعها (حب الفناء) لشعب أخر وأن أعلنوا خلاف ذلك، وأن جعلوا أهدافهم سامية وذات طابع تأويلي يندرج تحت مسميات ورموز ودلالات تختلط عند البعض فلا يميز بين الجيد والرديء.

   كما أن هذه المجاميع التي تعودت سفك الدماء وأي دماء إذا حوصرت وقوتلت من قبل الأجهزة الحكومية مدعومة من قبل المواطن ـ كما في الأنبار وديالى ومجلسي صحوتهما وباقي المحافظات وعشائرها ـ دفعها (قانون حفظ النوع الإنساني) إلى الهرب إلى مصادرها القادمة منه أو إلى أي ملاذ أخر يؤمن لها ملجأ لتمارس نشاطها المعهود أنفا.

 ولعل ما يشهده العالم الآن بصورة عامة ودول الجوار بصورة خاصة من عمليات إرهابية تطال المراكز الحكومية والبنى التحتية خير مثال لما نقول :  والتي كان أولها محاولة المجموعة التي نشطت في المملكة العربية السعودية لتفجير مراكز مهمة وحيوية في المملكة، ولكن قوات الأمن السعودي أحبطت هذه العمليات بعملية أستباقية وئدت هذه العمليات الكبيرة، وأحدثت مقتلة كبيرة في صفوفهم، ولتليها عمليات التفجير التي استهدفت مبنى رئاسة الوزراء في تونس ومكاتب ومراكز الانترنت والمرافق الحيوية الأخرى في البلاد.

 وإلى الآن تتحدث التقارير الصحافية عن تحذير من الاتحاد الأوروبي للمغرب من أن احتمال وقوع هجمات إرهابية في البلاد ودعوتها إلى تكثيف الإجراءات الأمنية في السفارات الغربية والمقاصد السياحية، وقد سبقتها عملية استهداف المؤسسات السياحية في مصر وخاصة شبه جزيرة سيناء والتي راح ضحيتها عشرات السّياح من العرب والأجانب.

    ولم يسلم من ذلك لبنان إذ تفجر الوضع على خلفيات متداخلة وشائكة، بعملية تمرد واسعة لمنظمة (فتح الإسلام) في مخيم نهر البارد الفلسطيني بشمال لبنان، والتي تشير المعلومات أنهم خليط من عدة جنسيات أكثرهم من الجنسية السعودية، والتي هي الامتداد الطبيعي لتنظيم القاعدة المحظور .

    وما جرى في الباكستان من أعمال عنف في المسجد الأحمر وسط العاصمة إسلام آباد، والذي يعد المدرسة الرئيسية للتطرف السلفي، والتي راح ضحيتها العشرات من المعتصمين والقوات الحكومية غير بعيد عن حمى الإرهاب العكسية.

    كما أن العملية الأخيرة في مطار (غلاسكو) في بريطانيا لو تحقق لها النجاح لما كانت أقل خسائر من أحداث الحادي عشر من أيلول والتي ضربت العمق الأمريكي ومركزها التجاري والحيوي، وقبلها المحاولة الفاشلة في لندن في21  يوليو 2005  والتي أدين فيها مؤخرا ثلاثة من المتهمين الستة، بتهمة التآمر لارتكاب عمل إرهابي. وهم كلا من مختار سيد إبراهيم (29) عاما وياسين عمر (26) عاما ورمزي محمد (25) عاما.

    وفي سعير هذه الحمى الملتهبة في القارة الأوربية تجري هذه القارة ترتيبات جديدة لعدم استشراء ظاهرة الإرهاب والعنف ورجوع بعض المتطرفين إليها بعد أن هاجروا إلى البلدان التي أعلن عنها أنها ساحة للجهاد، كما في أفغانستان والعراق وغيرها من البلدان الآسيوية أو الأفريقية ليحتدم الجدل في ألمانيا حول القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب حيث  أثار وزير الداخلية الألماني (فولفغانغ شاوبل) جدلا بعد إن دعا إلي تشديد الإجراءات القضائية لمكافحة الإرهاب العائد من تلك البلدان.

    والغريب أن ألمانيا البعيدة عن أذى الإرهاب الدولي، تبحث عن أحدث السبل في القضاء على الإرهاب، فيما تقف دول الجوار من العرب وغير العرب  مكتوفة الأيدي عن منع المتسللين إلى العراق وكأنها عن منأى من الهجرة العكسية للإرهاب، ولكنها عاجلاً أو أجلاً ستكتوي بناره، وعندها يكون قد فات وقت الندم .

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد 29 تموز/2007 -14/رجب/1428