مصطلحات ادبية: الكناية

شبكة النبأ: الكناية شكل من الحديث يتم فيه توصيل المعنى بتوارد الخواطر وهو ما يتناقض مع الاستعارة حيث يتم توصيل المعنى بالتشبيه، وتتكون كلمة metanoma من جزئين (meta التحويل) و(onoma الاسم) وعليه فإنها بالتسمية الحرفية تعد التسمية البديلة.

مقارنة بين الاستعارة والكناية 

الاستعارة

الكناية

التشبيه/ التماثل

الانتقاء

التشبيه

الرومانسية

السريالية (في اللوحات الزيتية).

الشعر

تحديدات ورمزية فرويد (في الأحلام)،

التوارد/ التحاور،

الجمع/ الدمج

المجاز المرسل،

الواقعية،

التكعيب (في اللوحات الزيتية)،

النثر،

تكثيف وإحلال فرويد (في الأحلام)

وفي مقالة للأهمية النظرية الكبرى (والصعوبة) لفقد القدرة على الكلام- وهو مرض يصاحب أية أمراض تحدث بالمخ ويكون من شأنها منع الأفراد من التعبير عن أفكارهم،- يناقش رومان ياكويسون 1988 roman Jackson  الفرق بين كل من الاستعارة والكناية فيقول:

"فكل شكل من اضطراب فقد القدرة على الكلام يتكون من مرض ما أكثر أو أقل حدة سواء كالقدرة على الانتقاء والاستبدال أو الجمع والتركيب، ويشمل  المرض السابق تشوه العمليات اللغوية الكبرى بينما يتسبب المرض الأخير في تلف القدرة على الحفاظ على الترتيب الهرمي للوحدات اللغوية،ويتم قمع القدرة على التماثل في الاولى والتحاور في النوع الاخير بين فقد القدرة على الكلام، وتعد الاستعارة غريبة على اضطراب التشابه أما الكناية فهي على اضطراب التحاور".

"وقد يحدث تطوير الخطاب إلى جانب الخطوط الدلالية المختلفة، وقد يؤدي أحد الموضوعين إلى الموضوع الآخر سواء من خلال تشابههم أو من خلال تحاورهم، وقد يكون الأسلوب الاستعاري هو الأكثر مناسبة للحالة الأولى وقد يكون أسلوب الكناية هو الأكثر مناسبة للحالة الثانية نظراً لأنهم قد وجدوا التعبير الأكثر قوة في الاستعارة والكناية على الترتيب" .

بعدها سيكون لدينا قطبين (تناقضين كاملين) هما الاستعارة والكناية، وتتواصل الاستعارة بالانتفاء (التركيز على التماثل بين الأشياء) أما الكناية فتتواصل بالجمع (التركيز على التوارد في الزمان والمكان بين الأشياء) ويعد التشبيه هو الشكل الضعيف من الاستعارة (استخدم ك وكأن) والمجاز المرسل هو الشكل الضعيف من الكتابة (حيث سجل الجزء محل الكل والعكس بالعكس)، ويوضح الجدول هذه الفروق (وعدد الآخرون وهو ما تم أخذه من عدة أجزاء من مقالة لياكوبسون jackobson ووفقاً لياكوبسون jackobson فيمكن للفرد أن يحدد أسلوب الكاتب بناء على كيف يستخدم هذا الكاتب أو الكاتبة آليتين بلاغيتين وأي من القطبين سيتغلب على الآخر، ولهذا الفرق ارتباط بأي عملية رمزية كما أوضح ياكوبسون.

"تتضح المنافسة بين كلا الآليتين: الاستعارة والكناية في أي عملية رمزية ويمكن أن تكون شخصية بينية أو اجتماعية، وعليه ففي الاستفسار عن تركيبة الأحلام سيكون السؤال الحازم والقاطع هو إذا ما كانت العلامات والعواقب المؤقتة يقومان على التحاور (تكثيف فرويد الكنائي للإحلال والمجاز المرسل) أو عن التشابه (تحديد ورمزية فرويد)" ..

من السهل نسبياً تحليل الاستعارة إلا أن التعامل مع الكناية، أمر بالغ الصعوبة وهي العملية التي يقول عنها ياكوبسون بتحد بسيط للتفسير وهو ما تم تجاهلها نسبياً، وما يجعل الأشياء أكثر تعقيداً هو أننا غالباً ما نجد أن كلتا العمليتين تختلطان سوياً، وعليه فإن صورة الثعبان في اللوحة الزيتية أو الإعلان يمكن أن يعمل بشكل استعاري على أنه رمز للذكورة أما من ناحية الكناية فإنه سيقترح الثعبان الموجود في جنات عدن، وتعد الإشارة إلى جنات عدن لها سمتها التاريخية ..

متعلقات

تعريف الكناية(1)

 (الكناية) من (كَنَيْت) أو (كنَوْت) بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.

وهي في اللّغة: التكلّم بما يريد به خلاف الظاهر.

وفي الاصطلاح: لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي، لعدم نصب قرينة على خلافه.

وهذا هو الفرق بين المجاز والكناية، ففي الأول لا يمكن ارادة الحقيقي لنصب القرينة المضادّة له، بخلاف الثاني.

نعم قد يمتنع المعنى الحقيقي لخصوص المورد، كقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(1) فإنه كناية عن القدرة والإستيلاء، ويمتنع المعنى الحقيقي، لامتناع كونه تعالى جسماً.

ومثال الكناية: (فلان كثير الرماد) تريد انه كريم، للتلازم في الغالب بين الكروم وبين كثرة الضيوف الملازمة لكثيرة الرماد من الطبخ.

أقسام الكناية

تنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ الكناية عن الصفة، نحو (طويل النجاد) كناية عن طول القامة.

2 ـ الكناية عن الموصوف، نحو قوله:

فلما شربناها ودبّ دبيبهـــا            إلى موطن الأسرار قلت لها قفي

أراد بموطن الأسرار: القلب.

3 ـ الكناية عن النسبة، كقوله:

إن السماحة والمروة والندى            في قبة ضربت على ابن الحشرج

فإن تخصيص هذه الثلاثة بمكان ابن الحشرج يتلازم نسبتها إليه.

الكناية القريبة والبعيدة

ثم إن الكناية عن الصفة تكون على قسمين:

1 ـ قريبة، وهي التي لا يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لعدم الواسطة بينها وبين المطلوب.

2 ـ بعيدة، وهي التي يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لوجود الواسطة بينها وبين المطلوب.

فمثال الأول: (طويل النجاد) فإن النجاد حمائل السيف، وطوله يستلزم طول القامة بلا واسطة.

ومثال الثاني: (كثير الرماد) فكثرة الرماد تستلزم الكرم لكن بواسطة، لأنّ كثرة الرماد ملازمة لكثرة الإحراق، وهي ملازمة لكثرة النار والطبخ، وهي ملازمة لكثرة الضيوف، وهي ملازمة للكرم، المقصود(2).

الكناية باعتبار اللوازم

تنقسم الكناية باعتبار اللوازم والسياق إلى أربعة أقسام:

1 ـ التعريض، وهو أن يطلق الكلام ويراد معنى آخر يفهم من السياق تعريضاً بالمخاطب، كقولك للمهذار: (إذا تمّ العقل نقص الكلام)(3).

2 ـ التلويح، وهو أن تكثر الوسائط بدون تعريض، نحو: (كثير الرماد) و( وجبان الكلب) و(مهزول الفصيل).

3 ـ الرمز، وهو أن تقل الوسائط مع خفاء في اللزوم بدون تعريض، كقولهم: (فلان متناسب الأعضاء) كناية عن ذكائه، إذ الذكاء الكثير في الجسم المتناسب، وقولهم: (هو مكتنز اللّحم) كناية عن قوّته وشجاعته.

4 ـ الإيماء وهو أن تقل الوسائط، مع وضوح اللزوم بلا تعريض، كقوله:

اليمــــن يتبــــع ظلــــه والمجد يمشي في ركابه

من فوائد الكناية

ولا يخفى: أن الكناية أبلغ من التصريح، وذلك لأنها تفيد اُموراً، منها:

1ـ القوّة في المعنى، وذلك لأنّها كالدعوى مع البينة، إذ لو قيل (فلان كريم) سئل عن دليل ذلك؟ فاللازم أن يقال: بدليل كثرة رماده، فإذا ذكر أولاً أراح، وأتى بالدعوى مع البيّنة.

2 ـ التعبير عن أمور قد يتحاشى الانسان عن ذكرها احتراماً للمخاطب.

3 ـ الإبهام على السامع.

4 ـ تنزيه الاُذن عمّا تنبو عن سماعه.

5 ـ النيل من الخصم دون أن يدع له مأخذاً يؤاخذه به وينتقم منه.

وهناك أغراض كثيرة اُخرى تترتّب على الكناية لا تخفى على البليغ.

الكناية(2)

فصل في الكناية والتعريض والبحث فيهما من وظيفة علماء المعاني والبيان , لكن لما اختلف في [ ص: 63 ] الكناية , هل هي حقيقة أو مجاز ؟ . أو منها حقيقة ومنها مجاز : ذكرت ليعرف ذلك , وذكر معها التعريض استطرادا . ثم ( الكناية حقيقة إن استعمل اللفظ في معناه ) الموضوع له أو لا ( وأريد لازم المعنى ) الموضوع له , كقولهم " كثير الرماد " يكنون به عن كرمه . فكثرة الرماد مستعمل في معناه الحقيقي , ولكن أريد به لازمه , وهو الكرم , وإن كان بواسطة لازم آخر , لأن لازم كثرة الرماد كثرة الطبخ , ولازم كثرة الطبخ كثرة الضيفان , ولازم كثرة الضيفان الكرم , وكل ذلك عادة . فالدلالة على المعنى الأصلي بالوضع , وعلى اللازم بانتقال الذهن من الملزوم إلى اللازم , ومثله قولهم : " طويل النجاد " كناية عن طول القامة , لأن نجاد الطويل يكون طويلا بحسب العادة , وعلى هذا فهو حقيقة , لأنه استعمل في معناه , وإن أريد به اللازم فلا تنافي بينهما .

( ومجاز ) يعني وتكون الكناية مجازا ( إن لم يرد المعنى ) الحقيقي وعبر بالملزوم ( عن اللازم ) بأن يطلق المتكلم كثرة الرماد على اللازم , وهو الكرم وطول النجاد على اللازم , وهو طول القامة , من غير ملاحظة الحقيقة أصلا فهذا يكون مجازا , لأنه استعمل في غير معناه . والعلاقة فيه : إطلاق الملزوم على اللازم , وما ذكرناه : هو أحد الأقوال في الكناية , وهو الذي قدمه في التحرير والقول الثاني : أن لفظ الكناية حقيقة مطلقا . قال بعضهم : وهو الأصح .

قال الكوراني : الجمهور أنها من الحقيقة , وتبعهم ابن عبد السلام في كتاب المجاز . فقال : والظاهر أن الكناية ليست من المجاز ; لأنها وإن استعملت [ اللفظ ] فيما وضع له , لكن أريد به الدلالة على غيره . كدليل الخطاب في قوله تعالى ( { فلا تقل لهما أف } ) وكذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء والعرجاء .

والقول الثالث : أنه مجاز مطلقا , نظرا إلى المراد منه , وهو مقتضى قول صاحب الكشاف عند قوله تعالى ( { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } ) حيث فسر الكناية بأن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له . [ ص: 64 ] والقول الرابع : أنها ليست بحقيقة ولا مجاز . وهو قول السكاكي وتبعه في التخليص ( والتعريض حقيقة , وهو لفظ مستعمل في معناه مع التلويح بغيره ) أي بغير ذلك المعنى المستعمل فيه , مأخوذ من العرض - بالضم - وهو الجانب .

فكأن اللفظ واقع في جانب عن المعنى الذي لوح به , ومن ذلك قول سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى سيدنا محمد ( { بل فعله كبيرهم هذا } ) [ أي ] غضب أن عبدت هذه الأصنام معه فكسرها , وإنما قصده التلويح أن الله سبحانه وتعالى يغضب أن يعبد غيره ممن ليس بإله من طريق الأولى . وبذلك يعلم أن اللفظ - وإن لم يطابق معناه الحقيقي في الخارج - لا يكون كذبا إذا كان المراد به التوصل إلى غيره بكناية كما سبق , وتعريض كما هنا , وإن سمي كذبا فمجاز باعتبار الصورة , كما جاء [ في الحديث الشريف ] { لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات } المراد : صورة ذلك , وهو في نفسه حق وصدق .

 

الكناية(3)

الأمثلة :

1. تقول العرب : فلانة بعيدة مهوى القرط .

2. قالت الخنساء (1) في أخيها صخر :

طويل النجاد رفيع العماد كثير الرمــاد إذا مـا شتا . (2)

* * *

3. وقال آخر في فضل دار العلوم في إحياء لغة العرب :

وجدت فيك بنت عدنان داراً ذكـريها بداوة الأعــراب.

4. وقال آخر :

الضـاربين بكل أبيض مخدم والطـاعنين مجامع الأضغان .(3)

* * *

5. المجــد بين ثوبيــــك والكــرم ملء برديــك .

البحث :

مهوى القرط المسافة من شحمة الأذن إلي الكتف . وإذا كانت هذه المسافة بعيدة لزم أن يكون العنق طويلاً ، فكأن العربي بدل أن يقول : "أن هذه المرأة طويلة الجيد " نفحنا بتعبير جديد يفيد اتصافها بهذه الصفة .

وفي المثال الثاني تصف الخنساء أخاها بأنه طويل النجاد ، رفيع العماد ، كثير الرماد . تريد أن تدل بهذه التراكيب علي أنه شجاع ، عظيم في قومه ، جواد ، فعدلت عن التصريح بهذه الصفات إلي الإشارة إليها والكناية عبها ، لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه ، ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة ، ثم أنه يلزم من كونه رفيع العماد أن يكون عظيم المكانة في قومه وعشيرته ، كما أنه يلزم من كثرة الرماد كثرة حرق الحطب ،ثم كثرة الطبخ ، ثم كثرة الضيوف ، ثم الكرم ، ولما كان كل تركيب من التراكيب السابقة ، وهي بعيدة مهوى القرط ، وطويل النجاد ، ورفيع العماد ، وكثير الرماد ، كُني به عن صفة لازمه ، لمعناه ، كان كل تركيب من هذه وما يشبهه كناية عن صفة وفي المثال الثالث أراد الشاعر أن يقول : إن اللغة العربية وجدت فيك أيتها المدرسة مكاناً يذكرها بعهد دواتها .فعدل عن التصريح باسم اللغة العربية إلي تركيب يشير إليها ويعد كناية عنها وهو " بنت عدنان "

وفي المثال الرابع أراد الشاعر وصف ممدوحيه بأنهم يطعنون القلوب وقت الحرب فانصرف عن التعبير بالقلوب غلي ما هو أملح وأوقع في النفس وهو " مجامع الأطغان " ، لأن القلوب تفهم منه إذ هي مجتمع الحقد والبغض والحسد وغيرها .

وإذا تأملت هذين التركيبين وهما : " بنت عدنان " ، " مجامع الأطغان " رأيت أن كلاً منهما كُني به عن ذات لازمة لمعناه ، لذلك كان كل منهم كناية عن موصوف وكذلك كل تركيب يماثلها .

أما في المثال الأخير فإنك أردت أن تنسب المجد والكرم إلي من تخاطبه ، فعدلت عن نسبيهما إلي ما له أتصال به ، وهو الثوبان والبردان ‘ ويسمي هذا المثال وما يشبهه كناية عن نسبة . وأظهر علامة لهذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة كما رأيت ، أو ربما يستلزم الصفة ، نحو : في ثوبيه أسد ، فإن هذا النثال كناية عن نسبة الشجاعة .

وإذا رجعت إلي أمثلة الكناية السابقة رأيت أن كل منها ما يجوز فيه إرادة المعني الحقيقي الذي يفهم من صريح اللفظ ومنها مالا يجوز فيه ذلك .

القواعد :

(26) الكناية لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعني .

(27) تنقسم الكناية باعتبار المكني عنه ثلاثة أقسام ، فإن المكني عنه قد يكون صفةً، وقد يكون موصوفاً ، وقد يكون نسبة . (1)

نموذج

1. قال المتنبي في وقيعة سيف الدولة ببني كلاب :

فمساهم وبسطهم حرير وصحبهم وبسطهم تراب (2)

ومن في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب

2. وقال في مدح كافور :

أن قي ثوبك الذي المجد فيه لضياء يزري بكل ضياء (3)

الإجابة

1- كني بكون بسطهم حريراً عن سيادتهم وعزتهم ،2- وبكون بسطهم تراباً عن حاجتهم وذلهم ،3- فالكناية في التركيبين عن الصفة .

4- وكني بمن يحمل قناة عن الرجل ،5- وبمن في كفه خضاب عن المرأة وقال إنهما سواء في الضعف أمام سطوة سيف الدولة وبطشه ،6- فكلتا الكنايتين كناية عن موصوف .

7- أراد أن يثبت المجد لكافور فيترك التصريح بهذا وأثبته لما له تعلق بكافور وهو الثوب ..

عيون اللغة :الكناية(4)

  يقول البيانيون إِنَّهُ اذا تجاذبَ الكلامَ جانبا حقيقةٍ ومجازٍ، وجازَ حملُ الكلام على الجانبين فتلك هي ( الكناية) نحو قولك ( زيدٌ كثير الرَّماد) فهذا يجوز حملُهُ على الحقيقة وعلى المجاز. وكلاهما يصحُّ به المعنى ولا يختلُّ.

بيان ذلك أنَّ من يقول إِنَّ كثرة الرماد هي من كثرة ما يُوقد من النار فقوله حقيقة، ومن قال إِنها من كثرة ما يطبخ للذين يضيفونَهُ فقوله مجاز، فالكناية اذاً هي كل لفظٍ ذي معنىً يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز بوصفٍ جامعٍ بينهما، من ذلك ( عمرُ طويلُ النجاد ) فيُحْمَل على لازم معناه وهو طول القامة، أو على كون نجادهِ طويلاً والنجاد حمائل السيف، ومن كان نجاد سيفهِ طويلاً كانت قامته طويلة.  

الكناية(5)

تعريف الكناية

(الكناية) من (كَنَيْت) أو (كنَوْت) بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به. وهي في اللّغة التكلّم بما يريد به خلاف الظاهر. وفي الاصطلاح لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي؛ لعدم نصب قرينة على خلافه.

وهذا هو الفرق بين المجاز والكناية، ففي الأول لا يمكن إرادة الحقيقي لنصب القرينة المضادّة له بخلاف الثاني.نعم قد يمتنع المعنى الحقيقي لخصوص المورد، كقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)، فإنه كناية عن القدرة والاستيلاء، ويمتنع المعنى الحقيقي لامتناع كونه تعالى جسماً. ومثال الكناية: (فلان كثير الرماد) تريد أنه كريم؛ للتلازم في الغالب بين الكرم وبين كثرة الضيوف الملازمة لكثيرة الرماد من الطبخ.

الكناية في كلام الرسول (ص)(6)

يقول يحيى بن حمزة العلوي صاحب كتاب الطراز "أعلم أن الكناية واد من أودية البلاغة وركن من أركان المجاز ، وتختص بدقة وغموض " والكناية مصدر كنى يكنى ، وفى اللغة ما يتكلم به الإنسان ويريد به غيره ، يقال أكنيت الشيء إذا سترته ، وإنما أجرى هذا الاسم على هذا النوع من الكلام ، لأنه يستر معنى ويظهر غيره . وليس هنا مجال لعرض اختلافات البلاغيين حول تعريف الكناية وكونها حقيقة أم مجازاً ، فهي في أدق تعريف وأوضحه "لفظ أطلق وأريد به لازم معناه ، مع جواز إرادة ذلك المعنى ، وهو قول إمام البلاغيين في العصر الحديث الشاعر على الجارم ، والكناية تختلف عن التعريض حيث أنها أكثر وضوحا من التعريض الذي هو أدق وأخفى ولا يكون إلا في تركيب لغوى على حين تكون الكناية في اللفظ المفرد أو التركيب اللغوي ".

وقد قسم البلاغيون الكتابة ثلاثة أقسام طبقا للمعنى المقصود:

فالأول كناية عن صفة

إذا كان المكنى عنه فكرة أو شئ غير محسوس ، مثل قولهم "كثير الرماد " كناية عن صفة الكرم

والثاني كناية عن موصوف

إذا كان المكنى عنه شيئاً محسوساً أو ملموساً أو شخصاً ، كقوله تعالى "وحملناه على ذات ألواح ودسر" والثالث كناية عن نسبة

أي نسبة الصفة إلى شئ متعلق بالموصوف في التركيب اللغوي ،وهذا النوع من الكناية لا يأتي إلا مركبا ، مثل قول الشاعر :

إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على أبن الحشرج

فقد نسبت الصفات ، السماحة والمروءة والندى إلى القبة التي تخص الممدوح وليس إلى الممدوح نفسه ، ولم يرد القسم الأخير في كلام النبي (ص) إلا على نحو قليل وإنما ورد القسمان الأول والثاني بكثرة في كلامه(ص) وخاصة الثاني .

فمن القسم الأول

قوله (ص): "ياعدى إنك لعريض الوساد " وهو كناية عن بله الإنسان : وقلة فطانته ، وذلك أنه ورد في الحديث عن النبي (ص) أنه لما نزل قوله تعالى "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ": (البقرة - 187)، جعل عدى بن حاتم خيطين في يده أحدهما أسود والآخر أبيض علامة للفجر فحكى ذلك لرسول الله (ص) وأخبره بما فعل ، فقال الرسول (ص) قوله المذكور ، ومن ذلك أيضاً قوله (ص) "من شق عصا المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام " فهذا القول كناية عن مخالفة الجماعة .

أما القسم الثاني

وهو الكناية عن موصوف فهو كثير في كلام النبي (ص) ، مثل قوله (ص) لأنجشة "يا انجشة رفقاً بالقوارير ". فكنى بالقوارير عن النساء ، وهى كناية لطيفة ودقيقة تدل على رهافة ذوق النبي (ص) في التعبير عن المرأة وحال ضعفها . ومنه أيضا قول الرسول (ص) حين رأى أهل مكة يتقدمون يريدون لقاءه للحرب "هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ كبدها يريدون أن يحادوا الله ورسوله ". فكنى الرسول (ص) بقوله أفلاذ كبدها عن الرؤساء الأكابر لأن الكبد من أهم أعضاء جسم الإنسان وأعزها فكنى بها عنهم . ومن الكناية اللطيفة التى تؤكد بلاغة الرسول (ص) وتعبيره الدقيق عما يتحرج ذكره ما ورد عنه (ص) أنه قال "كانت امرأة ممن كان قبلنا وكان لها ابن عم يحبها فراودها عن نفسها فامتنعت منه ، فأصابتها سنة مجدبة فجاءت إليه تسأله فراودها فمكنته من نفسها ، فلما قعد منه مقعد الخائن قالت "اتق الله ولا تفضض الخاتم إلا بحقه ، فقام وتركها " فقد كنى بالخاتم عن بكارتها وأنها بمنزله الشيء المختوم الذي لم ينكسر ختمه .

ومن القسم الأخير

قوله (ص):"الخيل معقود بنواصيها الخير"

دكتور/ محمد عبد الحليم غنيم

من روائع الكناية في القرآن الكريم

قال تعالى : " فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة " سورة البقرة .

هذه الآية كناية عن عدم العناد عند ظهور المعجزة . أي لا تعاندوا عند ظهور المعجزة فتمسكم هذه النار العظيمة تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من جمال التعبير ، و روعة التصوير ، و لطافة الإيجاز . إنها عبرت عن العناد عند ظهور المعجزة بالنار العظيمة ، و هذا التعبير فيه ما فيه من شدة التنفيذ و قوة التأثير ، ثم أن هذا التعبير قد أبرز لك هذا المعنى الفكري المجرد في صورة محسوسة ملموسة و لم يقف عند هذا الحد من التجسيم والتشخيص بل تعداه إلى التصيير و التحويل . فحوله على نار ملتهبة متأججة متوهجة بل تعداه إلى أعجب من هذا التصوير ، و لا أروع و ألذ من هذا التعبير ؟ إنه الإعجاز يلبس ثوب الكناية فتنحني له هامات البلغاء ، و يثير في النفس أسمى آيات الإعجاب .

قال تعالى : " نساؤكم حرث لكم " لقد كنى القرآن الكريم في هذه الآية بكلمة " الحرث " عن المعاشرة الزوجية .

إن هذه الكناية الفردية مما انفرد به القرآن الكريم فهي لطيفة دقيقة راسمة مصورة ، مؤدية مهذبة ، فيها من روعة التعبير و جمال التصوير ، و ألوان الأدب و التهذيب ما لا يستقل به بيان ، و لا يدركه إلا من تذوق حلاوة القرآن . إنها عبرت عن العاشرة الزوجية التي من شأنها أن تتم في السر و الخفاء بالحرث و هذا نوع من الأدب رفيع وثيق الصلة بالمعاشرة الزوجية ، و تنطوي تحته معاني كثيرة تحتاج في التعبير عنها إلى الآف الكلمات انظر إلى ذلك التشابه بين صلة الزراع بحرثه وصلة الزوجة في هذا المجال الخاص ، و يبن ذلك النبت الذي يخرجه الحرث ، و ذلك النبت الذي تخرجه الزوج ، و ما في كليهما من تكثير و عمران و فلاح كل هذه الصور و المعاني تنطوي تحت كلمة " الحرث " أليست هذه الكلمة معجزة بنظمها و تصورها ؟

هل في مفردات اللغة العربية ـ على كثرتها ـ ما يقوم مقامها و يؤدي ما أدته و يصور ما صورته . إن المعنى لا يتحقق إلا بها . و عن التصوير لا يوجد بسواها .

قال تعالى : " و لكن لا تواعدوهن سراً " سورة البقرة 235.

في هذه الآية كنى القرآن الكريم عن الجماع بالسر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . إن في الكناية بالسر عن الجماع من ألوان الأدب و التهذيب ما يعجز عن وصفه أساطين البيان ، و فيها من جمال التعبير ما يسترق الأسماع و يهز العواطف و يحرك الأحاسيس و المشاعر . لقد ألبست الجماع الذي يتم في السر ثوب السر فذهبت بسر الفصاحة و البيان . أبعد هذا يقال أن الكناية في القرآن يستطيع أن يحاكيها بنو الإنسان ؟ أبداً و الله إن بني الإنسان من المعجز بحيث لا يمكنهم فهم ما تنطوي عليه الكناية في القرآن من الأسرار .

قالى تعالى : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم " سورة آل عمران.

كنى القرآن الكريم في هذه الآية بنفي التوبة عن الموت على الكفر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من الجمال و الروعة . ألا تحس أن التعبير الذي كنى به القرآن أجمل من أي تعبير آخر ؟ ألا تحس أن في هذا التعبير إيجاز لطيف ؟ إن التعبير بجماله و إيجازه و بديع نظمه فوق مقدور البشر .

قال تعالى : " فجعلهم كعصف مأكول" سورة الفيل . كنى القرآن الكريم " بالعصف المأكول " عن مصيرهم إلى العذر فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك .

تأمل هذه الكناية إن فيها من ألوان الأدب و الجمال ما لا يستقل به بيان ، و فيها من الإعجاز اللطيف ما يعجز عن وصفه مهرة صناع الكلام . أما الأدب و الجمال ففي التعبير عن العذرة بالعصف المأكول و هذا التعبير مما أنفرد به القرآن فلا يوجد في غيره ، و أما الإيجاز اللطيف ففي اختصار مقدمات لا أهمية لها بالتنبيه على النتيجة الحاسمة التي يتقرر فيها المصير . و فيها زيادة على ذلك التلازم الوثيق بين اللفظ و المعنى الكنائي الذي لا يتخلف أبدا فإن العصف المأكول لابد من صيرورته إلى العذرة .

فالمعنى لا يؤدي إلا بهذا اللفظ لا يصلح لهذا المعنى حتى لتكاد تصعب التفرقة بينهما فلا يدري أيهما التابع ؟ و أيهما المتبوع ؟ و من هنا يأتي الإعجاز .

قال تعالى : " و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا " سورة الإسراء . كنى القرآن الكريم في هذه الآية بغل اليد إلى العنق عن البخل ، و ببسطها كل البسط عن الإسراف . تأمل الكنايتين تجد فيهما من روائع البيان ما لا يحيط به فكر إنسان فيهما جمال في التعبير ، و روعة في التصوير ، و إيجاز و تأثير ، و تنفير .

حدثني بربك ألا ترى أن التعبير عن البخل باليد المغلولة إلى العنق فيه تصوير محسوس لهذه الخلة المذمومة في صورة بغيضة منفرة ؟ فهذه اليد التي غلت إلى العنق لا تستطيع أن تمتد ، و هو بذلك يرسم صورة البخيل الذي لا تستطيع يده أن تمتد بإنفاق و لا عطية . و التعبير ببسطها كل البسط يصور هذا المبذر لا يبقى من ماله على شيء كهذا الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . و هكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . و هكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى قوياً مؤثراً ثم تأمل التلازم الوثيق الذي لا يتخلف أبداً بين التعبير و المعنى الكنائي . إن هذا التلائم يدلك على أن المعنى الكنائي لا يمكن تأديته و تصويره إلا بهذا التعبير ، و أن هذا التعبير لا يصلح إلا لهذا المعنى . هل في مقدور البشر أن يحاكوا هذا الأسلوب ؟

الكنايات الكبرى في شعر الجواهري(7)

لا يمكن الاستغناء عن منهج بالغ الدقة حرص رواده ومطوروه على مواكبة التحولات الإبداعية في النصوص الأدبية كالمنهج البلاغي لصالح التحولات في طبيعة المناهج النقدية ولا سيما الأسلوبية، انطلاقا من كون البلاغة قابلة للتطور ومواكبة الفعل الإبداعي إذا ما توافرت على اشتراطات تمنحها شرعية معالجة النصوص استناداً إلى شرعية ما يمكن أن تقدمه من إفادة في هذه المهمة، وهذا لا يعني إلغاء الفعل المتميز الذي تضطلع به الدراسات الأسلوبية في الكشف عن مميزات النصوص الإبداعية وأسرارها الإبداعية.

وقد تشمل التطورات في تفعيل البلاغة ومحدداتها الاتساع فيما تقدمه من إمكانية للرصد للتحول بمحدداتها من التراكيب الضيقة التي تنحصر في الأغلب بمواجهة الكلمة الواحدة إلى ما يكون قادراً على استيعاب تركيب متسع قد يصل الى استغراق النص بأكمله.

وهذا ما ينطبق على الكتابة بوصفها إحدى الفعاليات المميزة للتعبير الأدبي وهي في الوقت ذاته خصيصة منهجية علمية ترصد طبيعة التعبير وتقدم معالجة له تميزها عن الفعاليات التعبيرية والعلمية (النقدية) الأخرى كونها تخص بما ينتج (حين يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيوحي إليه ويجعله دليلاً عليه) مما يعني إن التركيز على الدال مبعثه الرغبة في التصرف بطبيعة الدلالة من خلال تلمس دال آخر يمكن أن يقع بديلاً عن الدال المباشر المعبر عن المعنى، ولكن هذا الإجراء لا ينخرط في الإطلاق الذي يوحد بين دخل الكناية التعبيري وما تؤديه الاستعارة من اثر على الرغم من إن بعض البلاغيين يوحد بين الفعاليتين مع شمولية الاستعارة في مقابل انضواء الكناية تحت محدداتها.

ولكن التصرف في إظهار دال بإخفاء آخر في الكناية لا يعني استبدالاً كاملاً لدال بآخر كون الكناية لا تبتعد دوالها غير المباشرة عن الصلة بالدوال المباشرة التي تؤدي المعنى على وفق الطبيعة التداولية للغة. مما يعزز القناعة بالارتباط الصميمي بين التعبير الكنائي واصل المعنى المراد إخفاءه فنياً أو فكرياً بإبراز دلالة شفافة تعمل على تقريب الأعماق من سطح التعبير.

و ثمة خصيصة بالغة الأهمية تكفل للتعبير الكنائي تميزه والإفادة منه في تشكيل كيان فني يعمل على تحريك طاقة التأويل فضلاً عن تقديمه للملمح الجمالي، تتجلى فيما يوضحه الحلبي بقوله (اللفظة إذا أطلقت وكان الغرض الأصلي غير معناها فلا يخلو أما أن يكون معناها مقصوداً أيضاً ليكون دالاً على ذلك الغرض الأصلي) وعليه فان المتلقي يملك الخيار في أن يتعامل مع التعبير الكنائي على انه تعبير مقصود لذاته أو انه يتجاوز ذلك ويشف عما وراءه من دلالة وواقع كون الكناية (بنية ثنائية الإنتاج، حيث تكون في مواجهة إنتاج صياغي له إنتاج دلالي موازٍ له تماماً بحكم المواضعة) إذ يتجاذب تعبيرها مجالان يشتمل الأول على المقصود المباشر من الأداء في حين يجنح الآخر إلى الانزياح إلى الوجود المغاير للثبات التداولي قبل التحول.

ويحقق جانب من شعر الجواهري ـ وان ندر ـ التحول بالكناية من الاستعمال الضيق إلى الاتساع بما يغطي نصاً شعرياً بأكمله مع الاحتفاظ بطبيعة تعبيرية لا تحتكم في كل مفرداتها إلى ما تقرره الكناية أنواع فهذا الإجراء الفني يجترح أفقاً تعبيرياً يباين الأصل في المحدودية مع انتمائه له في السمات الجذرية).

غير إن هذا الانفلات من الاحتكام لكل ما تقرره أنواع الكناية يقابل بإجراء يحتفظ بخصوصية تعبيرية للشاعر تجعل كنايته المتسعة تسير باتجاهين يؤثث الأول كياناً فنياً تختلف فيه الدلالة عن خط سير التعبير بمعنى حصول افتراق في اتجاه التعبير وما يقصده الشاعر منه، فقد يعبر عن ناحية سلبية بمتن ايجابي أو بالعكس أما الاتجاه الآخر فتتسق فيه الدلالة مع ما يمثلها من تعبير فيتوحد من ناحية موقف الشاعر، القصد مع التعبير ويمكن التمثيل للاتجاه الأول بقصيدة (رسالة إلى محمد علي كلاي) وتشغل التمثيل للاتجاه الآخر قصيدة (النباشون).

ففي قصيدة (رسالة إلى محمد علي كلاي) يؤطر الفعل الكنائي بأكملها أن يمثل المقصود الأول والوحيد الذي يرتبط به تركيب القصيدة ومتنها التعبيري البؤرة الكنائية التي تقابل الكلمة في الدرس البلاغي القديم كونه يقع تحت فعل التجاذب بين القصد المباشر الموجه له حقيقة والمقصود الذي يحتل موقع المكنى به عنه.

فما يعرف به محمد علي كلاي من صفات أجلاها وأكثرها بروزاً القوة متوافر في النص على نحو يحتفي به في مقابل القيم المعنوية، التي يضحي بها في الخطاب الظاهر تجاه الموهبة المادية (الجسمانية) التي يتمتع بها بطل النص أو البؤرة الكنائية له، ويمثل محور التعبير في هذا النص، فتشع منه التعبيرات المتعددة، التي تراتبت على وفق تراكيب محسوبة الأثر أسلوبياً وإيقاعياً قول الشاعر:

شسعٌ لنعلك كل موهبة

   وفداء زندك كل موهوبِ

الذي نجد فيه صدى تحقق فعله الدلالي مع الاختلاف في الموضع والاستعمال في قوله:

وصدى لهاثك كل مبتكر

         من كل مسموعٍ ومكتوبِ

 وغيرها من الأبيات وبحسب هذا البيت المحور ينشغل الشطر الأول بإظهار انحطاط القيم المعنوية المحركة للإبداع من دون تحديد في حين يشمل الشطر الثاني حامل هذه القيم وهو الموهوب. وان بدرجة اخف من الاستهانة التي توجه في الشطر الأول وتحتكم الدلالة في الشطرين إلى إظهار علاقة الجزء بالكل إذ يمثل و شسع النعل، جزءاً يعادل كل موهبة في استغراق يقوم على تعدد المواهب وشمولها بالحكم دون تمايز، وفي المقابل يشكل الزند وهو جزء من الجسد الذي يمثل بؤرة كنائية في النص قيمه تفضل على كل موهوب.

ولا يخفى إن اختيار هذا البيت بؤرة للنص لا يأتي من فراغ استناداً إلى واقعة نصية نظيرها تكرار خطاب هذا البيت واعتماد أكثر من بيت ومقطع عليه إذ تعد بعضها صياغة تنويعية لا تخرج عما يرسمه من دلالة.

وما يمكن عدّه مظهراً من مظاهر الاتساع ومفارقة الفعل المحدود للكناية كون النص يدور متنه التعبيري حول ما أطلقنا عليه البؤرة الكنائية وهي تفرض هيمنة النص بأكمله.

وتمثل هذه البؤرة اظهار القوة الجسمانية غير العاقلة في موقف التميز الذي ترجح فيه كفة الجسد او القوة العمياء المعدة لقهر جسداً آخر لا يملك القوة ذاتها وحتى العقل المستعمل الى جانب هذا الجسد لا يحرك غير مكان من القوة فيه في عالم يتوج القوة ولا يخضع لسوى مقاييس المادة، وبعد اختيار الشخصية نوعا من احترام القوة غير المعدة بشكل جدي في حلبة تحقق الغلبة والخسارة فيها فعلاً امتاعياً لمن يشترك في التفرج والمتابعة.

الجواهري في هذا المنحى الكنائي ينعى الحضارة التي يستهين جمهورها الاوسع بالقيم لصالح المظاهر الخادعة.

ويمكن ان تسرب الدلالة في مجال آخر وهو ان يكون كلاي المقصود هنا دال كنائي على الطاغية الذي يستهين بكل قيمة ويسخرها لصالحه من موقع الاستهانة بها. ولكن مثل هذا التأويل لا يستند الى اساس تعبيري متين يؤسس عليه مثل هذا الفهم لكون الطاغية يسعى الى الاستناد الى قيم ومبادئ تكرس هيمنة على كل شيء.

فالكناية هنا ذات بعد حضاري شمولي ينحسر في الشاعر على امتياز الاعتبارات التي تحترم كل ما هو رفيع في حياة الانسان ولا سيما الفكر والفن والادب وفيما يخص اتجاه الدلالة الظاهرة في التعبير نجد انصرافها الى مدح كلاي والتعريض بكل ما سواه وهو ما فهم ظاهراً من القصيدة اتهم الجواهري به فاضطر للرد عليه وتسفيه رأي من ذهب الى ذلك . وذلك كون ما يوجه الى كلاي  في القصيدة ذا طبيعة ايجابية ولكن على حساب كل ماهو حاكم ومتميز ورفيع في حركة انفعالية تحاول ان تصل الى التخوم القصوى من السخرية والتهكم وبذلك يفترق التعبير عن المقصود الدلالي.

وفي مجال الاتجاه الثاني الي يكتشف فيه التعبير مع الدلالة يمكن التمثيل بنص (النباشون) الذي يشجب فيه الشاعر سلوك الاحتفاء ببعض من لا يستحق الذكر وتمجيد من لا يملك من الخير والفضيلة والموهبة قدراً يذكر والفعل الكنائي واضح الاثر قريب من سطح التعبير كون نباش القبور يقترب من طبقة من يحيي ذكر من لا يستحق احياءاً او اظهاراً، اذ يساوي فعل النبش فعل احياء الذكر.

وفي حين يعد النبش فعلاً شائناً فانه استجابة لدواعي تمثيل الحال المراد شجبها فالاتساق حاصل بين حركة التعبير الكنائي وناتجه الدلالي ولكن البؤرة الكنائية لا تستقر على فعل النبش بل تنزاح عنه الى فعل الرؤية لما ينتج عن هذه الممارسة في مقبرة لا تضم سوى من تحيط به السمات السلبية اذ يتخلىالشاعر عن الاطار القصصي الذي بدا وكأنه سيمثل المتن التعبيري للنص الى موقف مراقبة الفعل عبر الرؤية التي يتوقف عندها الحدث مفسحاً المجال واسعاً للوصف:

ابصرت (حفاراً) بمقبرة

         نكراء يوسعُ اهلها نبشاً

قد كنت اعرف ان ساكنها

        ممن اشاع (الكيد والبطشا)

ومن الذين يرون موهبةً

        للمرء ان يرشو وأن يُرشى

ومع ان فعل الرؤية ينسجم مع التجسد المادي للاشياء وحركتها والاحداث وتطورها إلا انه ينزاح في هذا التصدي الى مفارقة الاجواء المادية التي يمكن ان يخبر عنها الرائي الى ما يمكن ان يكون انفعالاً ذا طابع يفسّر مادية الحدث بمعنويته التي يحكم فيها الشاعر سلبياً على الفعل عبر سلسلة من التعبيرات التي لا تخضع لتسلسل في التناول.

بل تندرج تحت محددات هجائية تقوده شبكة من التشبيهات والاتكاءات على معالم وشخصيات معروفة لإظهار موقف الشاعر بشكل اكثر وضوحاً واشد ضراوة.

واذا الزنيم اللص يبعثهم

      مثل الملائك حفت العرشا

واذا مخيفٌ فارغ عفنٌ

         بالعبقرية مذّ يحشى

وذا بـ (نابليون) يهزمهُ

        هرٌ يصاول ضيغماً نفشا

وإذا (روفائيل) يزاحمه

       من لا يميز لصورة نقشا

والنص يمثل خطوة فنية باتجاه تحقيق الممازحة بين الفعل الفني والقصد المباشر غير ممارستي النبش والتزيين اللذين يتجاذبان علاقة التكنية.

واخيراً فان البحث محاولة تمهيدية نحاول الفات النظر الى محاولة اكبر يمكن ان يفحص من خلالها نتاج الشاعر ويستقرأ لأبراز هذه الخصيصة التعبيرية واكتشاف انواع متميزة لدى الشاعر.

الكناية(8)

 تعريف الكناية

الكناية لغة: مصدر كَنَيْتُ بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به، و منها أخذت الكنية، لأن فيها مواراة للإسم، و عدم التصريح به.

و اصطلاحاً: «استعمال اللفظ في معناه الموضوع له،ليراد منه لازمه، مع جواز إرادة الملزوم، و هو المعنى الموضوع له اللفظ»(1).

و تفترق عن المجاز اللغوي ـ بقسميه ـ بأمرين:(2)

1. و تسمى عند قدامة ابن جعفر إردافاً، حيث عرفه بقوله: «أن يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني، فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى، بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه و تابعه، فإذا دلّ التابع أبان عن المتبوع».

2. اختلفوا في حقيقة الكناية على أقوال:

     1 ـ أنّها من باب الحقيقة.

     2 ـ أنّها مجاز، فإنّه عندما نكني عن الكرم بكثرة الرماد، تكون كثرة الرماد مستعملة في الكرم ابتداء، و تفترق عن المجاز في جواز إرادة المعنى الحقيقي فيها.

     3 ـ أنّها لا حقيقة و لا مجاز، لأنّ المراد منها غير ما وضع له، فليست بحقيقة، و لأنّه يصح إرادة المعنى الحقيقي، فليست بمجاز.

     4 ـ أنّها تارةً تتّصف بالحقيقة و أخرى تتّصف بالمجاز، و ذلك لأنّه إن استعمل اللفظ في معناه مراداً منه لازمة فهى حقيقة، و إن عبّر بالملزوم عن اللازم فمجاز.

     و الحق ـ كما بنينا عليه التعريف ـ هو الأوّل؛ لأنّ الحقيقة و المجاز من صفات الاستعمال، دون الإرادة، و الكناية و الصراحة من صفات الإرادة دون الاستعمال.

1. أنّ المجاز مستعمل في اللازم ابتداءً، و الكناية مستعملة في الملزوم، ليراد منه اللازم.

2. لا يصح إرادة الملزوم في المجاز، لمنافاته مع القرينة، و يصح إرادته في الكناية، لأنها و إن احتاجت إلى قرينة، للدلالة على إرادة اللازم، لكنها لا تمنع من إرادة الملزوم.

أركان الكناية

للكناية ثلاثة أركان:

أ) المكنى‏به: وهو المعنى الحقيقي الذي استعمل فيه اللفظ، لينتقل منه إلى لازمه.

ب) المكنى عنه: و هو لازم المكنى به.

ج) القرينة المرشدة إلى إرادة المعنى الكنائي، و هي غالباً حالية.

تقسيمات الكناية

التقسيم الأول: تنقسم الكناية باعتبار المكنى عنه إلى ثلاثة أقسام:

1. الكناية عن صفة: و ذلك بأن يكون المكنى عنه صفة لازمة للمكنى به، كقوله تعالى: «فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا»(1)، فتقلب الكفين كناية عن الندم و الحزن، لأن النادم و الحزين يفعلان ذلك عادة.

2. الكناية عن موصوف: و ذلك بأن يكون المكنى عنه موصوفاً لازماً للمكنى به، كقوله‏تعالى: «أَوَمَنْ يُنْشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِى الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(1)، فإنه سبحانه كنّى عن النساء بانهنّ ينشَّأن فيالترفه، و التزين، و التشاغل عن النظر في الأمور و دقيق المعاني.

3. الكناية عن نسبة: و ذلك بأن يكون المكنى عنه نسبة لازمة للمكنى به، و المراد بالنسبة إثبات صفة لموصوف أو نفيها عنه، كقوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى‏ءٌ»(2)، حيث جعل نفي مثل مثله، كناية عن نفي مثله، لأنه لازم له، إذ لو كان له مثل لكان هو ـ أعني اللّه تعالى ـ مثل مثله، فلا يصح نفي مثل مثله، كما تقول: «ليس لأخ زيد أخ» مريداً أنه ليس لزيد أخ.

1. الكهف: 42.

التقسيم الثاني: تقسيمها باعتبار الوسائط إلى ثلاثة أقسام:

1. التلويح؛ و هو لغة: أن تشير إلى غيرك من بعيد. و اصطلاحاً: «كناية كثرت فيها الوسائط بين المكنى عنه و المكنى به»، كقول الشاعر:

وَ مَا يَكُ فِيَّ من عَيْبٍ فَإنّي جَبَانُ الْكَلْبِ مَهْزُولُ الفَصِيلِ

فإن بين جبن الكلب، و هزال الفصيل، و بين الكرم أكثر من واسطة، حيث إنّ الذهن ينتقل من جبن الكلب عن الهرير، إلى دوام ردعه و تأديبه، و منه إلى كثرة القادمين إلى دار سيده، و منه إلى كرم السيد، إذ لا يزدحم الناس إلا على المنهل العذب، و النبع المعطاء.

تَزْدَحِمُ القُصَّادُ فِي بَابِه وَ المَنْهَلُ العَذْبُ كَثيِرُ الزِّحَامِ

و كذا الحال في هزل الفصيل.

2. الرمز؛ و هو لغة: أن تشير إلى قريب منك خفيّةً، بنحو الشفة أو الحاجب(3).

1. الزخرف: 18.

2. الشورى: 11.

3. قال تعالى: «ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً»، و قال الشاعر:

رمزت إليّ مخافة من بعلها من غير أن تبدي هناك كلامها

و اصطلاحاً: «كناية قليلة الوسائط خفيّة اللزوم»، كقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفْثُ إلَى نِسَائِكُمْ»(1)، حيث جعل الرفث ـ و هو في الأصل قول الفحش ـ كناية عن الجماع، و الذهن ينتقل منه إليه بتأمّل، مع عدم كثرة الوسائط.

3. الإيماء و الإشارة؛ و هي كناية قليلة الوسائط، واضحة اللزوم، كقول البحتري:

أَوَمَا رَأَيْتَ الَمجْدَ أَلْقَى رَحْلَهُ فِي آلِ طَلْحَةَ ثُمَّ لَمْ يَتَحَوَّلِ

حيث شبه المجد برجل له رحل على طريقة الإستعارة المكنية، ثم جعل إلقاء الرحل فى آل طلحة كناية عن إثباته لهم، و اللزوم هنا واضح، لأن المجد صفة لابدَّ لها من موصوف، فإذا ألقى رحله فيهم لزم قيامه بهم.

التقسيم الثالث:(2) تقسيمها باعتبار القبول و عدمه إلى قسمين:

1. الكناية الحسنة؛ و هي ما يكتسب بها الكلام حسناً و بهاءً، كقول الشنفري:

يَبِيتُ بِمِنْجَاةٍ مِنُ اللّومِ بَيْتُهَا إذَا مَا بُيُوتٌ بِالمَلاَمَةِ حَلَّتِ

حيث كنّى عن نسبة العفة إلى المرأة ببعد اللائمة عن بيتها، و هي كناية حسنة، لكونها لم يصرح فيها بما هو قبيح.

2. الكناية القبيحة: و هي ما تعد عيباً في الكلام لكونها أفحش و أقبح من التصريح، كقول المتنبي كناية عن العفة و النزاهة:

إِنِّي عَلَى شَغَفِي مِمّا فِي خِمْرِهَا لأَعُفُّ عَمَّا فِي سَرَاوِيلاَتِهَا

يقول ابن الأثير تعقيباً على هذا البيت: «هذا كناية عن النزاهة و العفة، إلا أنّ الفجور أحسن منها».

1. البقرة: 187.

2. و هو من مبتكرات ابن الأثير.

التعريض

هناك نوع من الكناية أطلق عليه علماء البلاغة اسم التعريض، و هو لغة: ذكر الشخص بسوء.(1) و اصطلاحاً: «أن ينسب الفعل إلى شخص و المراد غيره».

و الداعي إلى ذلك أغراض:

منها: التهديد بطريقة غير مباشرة، التي هي أبلغ من التهديد الصريح، كما لو شتمك شخص، بعد أن كان قد شتمك من هو أقوى منه، فتقول له: «شتمني الأمير و ضربته».

و منها: إسماع المتكلم المخاطبين ـ الذين هم أعداؤه، و من شأنهم أن لا يقبلوا نصحاًـ الحق، بطريقة لا تثير غضبهم، و هي ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل، التي هي أشد تأثيراً في قبول الحق، كما في قوله تعالى: «أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرِّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنّى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَ لاَ يُنْقِذُونِ * إِنّى إذاً لَفىِ ضَلاَلٍ مُبينٍ»(2)، إذ المراد: أتتخذون من دونه آلهة، إن يردكم الرحمان بضرٍّ، لا تغن عنكم شفاعتهم شيئاً، و لا ينقذونكم، إنكم إذاً لفي ضلال مبين.

و لذلك قيل: «آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ»(3)، دون (ربي). فقد أعلم السامع الحق بصورة لا تقتضي مواجهته بالخطاب المنكر، كأنه لم يعنه، و هذا في أعلى محاسن الأخلاق، و أقرب للقبول، و أدعى للتواضع، و قد أطلق السكاكي على هذا النوع من الخطاب: «المنصف»، و هي تسمية في محلها.

1. واستعمل في معان أخرى، منها: ترك التصريح، و التعبير بما يدل على المراد من بعيد، ومنه التعريض بالخطبة.

2. يس 23 ـ 24.

3. يس: 25.

…………………………………………………

المصادر/

1- محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي/موقع الامام الشيرازي

2- الشبكة الاسلامية

3- رابطة رواء للادب الاسلامي

4- موقع جريدة  كل العراق

5- رابطة رواء للادب الاسلامي

6- منتديات فوكسر

7- فائز الشرع/ موقع شارع المتنبي

8- مركز جهاني علوم اسلامي

9- النقد الثقافي..تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية/ارثر ايزابرجر

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26 تموز/2007 -11/رجب/1428