الوجه التركي قبل دخول حلبة الانتخابات

 شبكة النبأ: لم يبق الا القليل على بدأ ماراثون انتخابات الرئاسة التركية التي يتارجح فيها مصير الاسلاميين ممثلا بحزب العدالة والتنمية الواسع الشعبية يقابلهم العلمانيين الذين يحضون بمساندة المؤسسة العسكرية التركية ويمثلهم حزب الحركة القومية مع احتمال ميول الحزب الشعبي الجمهوري لتوجهاتهم الانتخابية.

ويتوقع ان يصبح حزب الحركة القومية ثالث اكبر حزب في البرلمان بعد حزب العدالة والتنمية الذي يمثل يمين الوسط والحزب المعارض الرئيسي وهو الحزب الشعبي الجمهوري وهو ايضا صاحب فكر قومي.

ومن جهتهم يأمل الأكراد أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول لأفقر مناطق تركيا وهي البلد الذي يمر بمرحلة من الانتعاش الاقتصادي باستثناء تلك المنطقة، وأن تساعد في نهاية الامر على إنهاء صراع مسلح بين المتمردين المسلحين الأكراد والقوات المسلحة.

وفي نظرة على تاريخ تركيا السياسي والمعنوي يسجل النصب التذكاري والمقابر الجماعية في جاليبولي اهوال وبطولات الحرب ويسهم ايضا في شرح الحس الوطني للشعب التركي وتشكيل الحملة الانتخابية لاختيار اعضاء البرلمان.

وغزت القوات البريطانية والفرنسية والاسترالية وغيرها شواطيء شبه جزيرة جاليبولي في عام 1915 لمحاولة الاستيلاء على اسطنبول ودحر الامبراطورية العثمانية لتنسحب من الحرب العالمية الاولى مع فتح طريق بحري لروسيا الدولة الحليفة. بحسب رويترز.

لكنهم لم يحسبوا حسابا في ذلك الحين لشجاعة الاتراك وقائدهم مصطفى كمال الذي قال لهم "لا امركم بان تقاتلوا بل بان تموتوا." وقتل وجرح نحو 400 الف أكثر من نصفهم من الاتراك قبل ان يتحقق لهم النصر.

وهيأ هذا الانتصار الاتراك نفسيا لمعارك اخرى في المستقبل تغلبوا فيها على جيوش غربية قوية ومضوا في سبيلهم لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة في عام 1923 تحت قيادة كمال الذي لقب فيما بعد باتاتورك.

وقال احمد اقطاي (78 عاما) وهو عامل سكك حديدية متقاعد "كان والدي في الرابعة عشر من عمره حين حارب مع اتاتورك هنا واصيب. انقذت بلادنا من هنا والجمهورية بدات حقا من هنا."

وقال عند نصب يحيي ذكرى ضحايا تركيا العثمانية المطل على مضيق الدردنيل "ندين بحياتنا المعاصرة للتضحيات التي بذلوها ولو لم يكن هناك شعور وطني لما نعمنا بحياتنا اليوم."

وتعرض كل الاحزاب السياسية مؤهلاتها الوطنية قبل الانتخابات التي تجري في 22 يوليو تموز.

ويتوقع ان يصبح حزب الحركة القومية الذي يمثل اقصى اليمين ثالث اكبر حزب في البرلمان بعد حزب العدالة والتنمية الذي يمثل يمين الوسط والحزب المعارض الرئيسي وهو الحزب الشعبي الجمهوري ويمثل يسار الوسط وهو ايضا صاحب فكر قومي.

وانتقد حزب الحركة القومية والحزب الشعبي الجمهوري الحزب الحاكم صاحب الجذور الاسلامية لبيعه شركات تركية لمستثمرين اجانب ويفضلان موقفا متشددا في محادثات عضوية الاتحاد الاوروبي.

ولكن هناك جانبا اكثر قتامة للقومية التركية ويمكن ايضا التعرف عليه في جاليبولي رغم اقامة نصب لاحياء ذكرى ضحايا الجانبين.

ويقول جنيد موسوك (34 عاما) وهو عامل بمصنع ويقيم حاليا في المانيا "تضمر الدول الغربية نفس النوايا التي كانت موجودة ابان الحرب العالمية الاولى. يريدون اضعاف تركيا وتقسيمها يخشون ان تصبح تركيا القوية زعيمة للعالم الاسلامي."

ويشيع هذا الرأي في تركيا عضو حلف شمال الاطلسي حيث يمكن ان يتحول الخوف من الاجانب لاعمال عنف. واتهم قوميون متطرفون بقتل الصحفي الامريكي من اصل تركي هنت دينك وقس ايطالي كاثوليكي.

وقد ترعرعوا في مناخ قانوني وسياسي يجعل من اهانة "التتريك" جريمة. ويحاكم من يشككون في النسخة الرسمية والقومية لتاريخ تركيا مثل اورهان باموك الحائز على جائزة نوبل للادب.

ودفع الاتجاه القومي حزب العدالة والتنمية الذي من المتوقع ان يعاد انتخابه لان يبدو اكثر تشددا.

وهدد الحزب بارسال قوات لشمال العراق لسحق المتمردين الاكراد وتجنب مناقشات عن الاتحاد الاوروبي الذي تتراجع شعبيته في البلاد.

وقال وليام هال الاستاذ بجامعة صابنجي في اسطنبول "تنامت المشاعر القومية في تركيا اليوم بسبب حرب العراق والسياسة الامريكية في العراق."

ويخشى الاتراك ان تؤدي السياسة الامريكية لاقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق تؤجج دعاوي الانفصال بين الاكراد في جنوب شرق تركيا.

الاتراك ينقلون المعركة الى الانترنت

ويبدو حزب العدالة والتنمية التركي في سبيله للفوز بالانتخابات البرلمانية ولكن حجم الاغلبية التي سيحققها قد يتوقف على ملايين من الناخبين الشبان الذين سيدلون باصواتهم لاول مرة هذا الاسبوع.

وتشير استطلاعات الراي الى فوز حزب العدالة والتنمية صاحب الجذور الاسلامية بما يصل الى 40 في المئة من الاصوات متقدما بفارق كبير عن اي من منافسيه مما يؤهله لتشكيل الحكومة التالية.

ولكن اذا ما تتبعنا ما ينشر على الانترنت فان الناخبين الشبان يحجمون عن دعم الحزب الذي يمثل يمين الوسط والمساند لقطاع الاعمال لاعتقادهم بانه قريب جدا من الولايات المتحدة.

ويقول احمد ساريدومان (24 عاما) وهو طالب يحاول تحسين صورة الحزب "حين تبحث عن اردوغان او حزب العدالة والتنمية على الانترنت فان معظم ماستجده لقطات مصورة عدائية واحيانا تضم كما كبيرا من الاهانات."بحسب رويترز.

ويضيف ان موقع يو تيوب لافلام الفيديو وغرف الدردشة عبر الانترنت ومواقع الانترنت مليئة بلقطات مصورة ورسائل ورسومات تسخر من رئيس الوزراء طيب اردوغان وحزبه.

وفي احد الرسومات يظهر وجه اردوغان على تمثال الحرية مما يوحي بتبعيته للولايات المتحدة التي فقدت شعبيتها الى حد كبير في تركيا بسبب حرب العراق. وتستغل اللقطات المصورة والرسومات الاخرى زلات اردوغان.

ففي احدى اللقطات يظهر وهو يوبخ فلاحا فقيرا يحتج على سياسات حزبه بلغة غير مهذبة. ويصور رسم اخر اردوغان وهو يقول لجندي تركي ميت ان الجيش ليس مكانا للراحة في اشارة للتصريحات التي سبق ات ادلى بها عن التطوع في الجيش.

غير ان ساريدومان لم يستسلم. ويعرض لقطات مصورة لخطب اردوغان على يو تيوب ويبعث برسائل لغرف الدردشة عبر الانترنت ليحث المواطنين على منج صوتهم للحزب الذي قاد البلاد لاكثر من خمس سنوات شهدت خلالها نموا اقتصاديا قويا ونموا للاستثمار الاجنبي.

ولكنه يقول ان منافسيه القوميين والعلمانيين يفوزون في معركة الصورة.

ويقول معارضو اردوغان من القوميين انه غير وطني ومتساهل مع الانفصاليين الاكراد الذين يقاتلون الجيش بشرق تركيا.

ويقول محمد يورتسيفين (24 عاما) وهو طالب يدرس الصحافة "انه رئيس وزراء لا يستطيع حتى ان يصرح بانه تركي."

وتزخر غرف الدردشة عبر الانترنت باهانات لزعماء حزب العدالة والتنمية ويزعم شبان ذوي ميول قومية بان اجداد اردوغان من اصل يوناني وان وزير خارجيته عبد الله جول يهودي. والوصفان يمثلان اهانة في تركيا. وادروغان وجول مسلمان متدينان.

وتحيي لقطات مصورة اخرى ذكريات كفاح كمال اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة لاقامة جمهورية علمانية حديثة عقب الحرب العالمية الاولى على انقاض الامبرامورية العثمانية وتتهم اردوغان صاحب الميول الاسلامية سابقا بانه يهدد الارث العلماني. غير ان الحزب له انصار كثر بين الشبان ولا تنطبق عليه بالضرورة الصورة الذهنية للمتدينين والمحافظين.

ولا ترتدي ناديا ديريجيل الحجاب وتصف موقفها من القضايا الاجتماعية بانه ليبرالي وهو من اشد مؤيدي حزب العدالة والتنمية. وترفض الطالبة التي تدرس العلاقات الدولية وتتطلع للعمل في السلك الدبلوماسي مايتردد عن سعى الحزب لتنفيذ اجندة اسلامية سرية وانه سيحول تركيا لايران اخرى.

الانتخابات تحيي آمالا بين الأكراد الاتراك

ويتأهب الساسة الموالون للأكراد لدخول البرلمان التركي لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات جالبين معهم أملا للكثير من الأكراد بالاهتمام بثقافتهم وحقوقهم السياسية.

ولم تمثل أحزاب موالية للأكراد الجزء الجنوبي الشرقي الفقير المضطرب من تركيا في البرلمان منذ أوائل التسعينات عندما طرد عدد من أعضاء البرلمان وسجنوا في وقت لاحق لتحدثهم اللغة الكردية عندما كانوا يؤدون القسم قبل تولي مناصبهم. ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية التركية في 22 يوليو تموزالحالي.

وقال محمد شريف كورتاي (47 عاما) وهو بائع متجول للخضروات في سوق بديار بكر أكبر مدن الجنوب الشرقي "لا يهمنا عدم وجودهم في الحكومة. كل ما نريده هو التمثيل في البرلمان وأن يتحدثوا بلساننا."

ويشكو أكراد تركيا الذين يتراوح عددهم بين 12 و15 مليونا بين 74 مليون نسمة هم إجمالي عدد السكان من التمييز السياسي والاقتصادي والثقافي ومن أسباب ذلك عدم الاعتراف بهم رسميا كأقلية عرقية.

يأمل الأكراد أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول لأفقر مناطق تركيا وهي البلد الذي يمر بمرحلة من الانتعاش الاقتصادي باستثناء تلك المنطقة وأن تساعد في نهاية الامر على إنهاء صراع مسلح بين المتمردين المسلحين الأكراد والقوات المسلحة.

وقال نصرت ليلي وهو موسيقي كردي تخلى عن عمله الفني بعد أن سجن لفترة، ما من أحد يجرؤ على تناول القضايا الكردية لأن الكثير من الأتراك يعتقدون أن كل الأكراد إرهابيون وأن اللغة والهوية الوحيدة هي التركية. وهو الآن يعد لتسجيل ألبوم جديد. ومضى يقول،يمكن أن يساعد المرشحون الأكراد في تغيير تلك الصورة.

اردوغان يحيد عن المشروع الاوروبي

حقق اردوغان انجازا كبيرا عندما بدأت حكومته مفاوضات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي لكن بعد سنتين من ذلك غاب هذا المشروع الكبير لتحديث تركيا عن خطبه الانتخابية.

ويواجه اردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية (منبثق عن التيار الاسلامي) انتقادات المعارضة التي تتهمه بـ الخضوع لمطالب الاتحاد الاوروبي في بلد ضاق شعبه ذرعا من المواقف الاوروبية المتذبذبة.

وقد فقدت انقرة حماسها للاصلاحات فيما يتراجع تأييد الرأي العام للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

من جهة اخرى تقترح دول اعضاء في الاتحاد الاوروبي بخاصة فرنسا خيارات بديلة تبتعد عن مشروع الاندماج الكامل لتركيا التي ادى ترشيحها لعضوية الاتحاد الى تزايد التوترات بشأن استمرار المواقف المترددة داخل التكتل الاوروبي بخصوص مستقبلها.

وترى انقرة ان بروكسل "مصممة على وضع طلبها (الانضمام) جانبا الى الابد" كما كتب مؤخرا اندور فينكل الصحافي الاميركي المقيم في تركيا منذ سنوات عدة.

و"لهذا السبب لا يستطيع اي حزب في الحكومة ان يتباهى بملء الاستمارة لدخول ناد يهزأ به" كما قالت.

وقد مرت العلاقات الاوروبية التركية في اختبار صعب في حزيران/يونيو عندما جمد الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي فتح الفصل المتعلق بالسياسة النقدية في المحادثات بالرغم من الموقف المؤيد للمفوضية الاوروبية.

واوضح محمد اوزجان من معهد الابحاث الاستراتيجية "ان الحكومة لا تكسب شيئا من جعل المشروع الاوروبي مسالة انتخابية".

ولفت هذا الخبير الى ان الاصلاحات الديمقراطية التي بدأ بتنفيذها حزب العدالة والتنمية للحصول على ضوء اخضر لبدء محادثات الانضمام في العام 2005 ادت الى تغيير كبير في تركيا لكن ذلك تم تجاهله تماما عشية الانتخابات التشريعية المرتقب اجراؤها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 22 تموز/2007 -7/رجب/1428