لم يكن الفوز الكبير الذي حققه المنتخب الوطني العراقي على المنتخب
الاسترالي المرشح القوي لخطف البطولة الاسيوية بنسختها الرابعة عشرة
بالحدث الرياضي المجرد من محتوياته وحيثياته السياسية والاجتماعية
والإعلامية، بل لو كان الأمر كذلك فبالتأكيد فان العراق سيكون عاجزاً
ليس عن المشاركة في بطولات قارية كهذه وانما عن تشكيل فريق يحمل اسم
وراية هذا البلد الغريب في قوته واصرار أبنائه وشرائحه الاجتماعية
المتعددة.
لقد لاحظ العالم الدس الاعلامي الكبير الذي راح يُجري محاولات
اسقاطية وهمية على هذا الفريق وكيف اراد ان يظهر فريقنا على انه عبارة
عن خليط غير متجانس يعاني من التشظيات والانقسامات والاسقاطات التي
تزدحم بها الساحة السياسية العراقية حسب وصفهم، وقد امتد هذا السيناريو
الى الحدود التي اوجد فيها ذلك الاعلام انقسامات طائفية وعرقية بين
لاعبينا الذين ضربوا اروع الامثلة ليس بقدراتهم الفنية فحسب انما في
الظهور بالروح العراقية الواحدة التي تسكن الجسد العراقي الشيعي السني
الكردي التركماني الاسلامي المسيحي الواحد.
وقد جاءت المباراة بعفويتها الأكيدة لتوفر على خطابنا الاعلامي
والسياسي مشقة الدخول في مواجهة لا نعتقد بصحتها وليس لدينا الوقت
الزائد لمنعه اياها، فالأداء الوطني ولن اقول البطولي لفريقنا وإصراره
على الظهور امام العالم بصورة الكتلة الوطنية الواحدة التي لا هم لها
غير العراق قد منح فريقنا شرف تمثيل بلاده في المحافل الدولية، بل ان
ربما انه شكل بتلكَ الوجوه ذات التعددية العرقية والمذهبية برلماناً
عراقياً حقيقياً لا يوازيه أي برلمان اخر، اظهرَ ليس فقط انماطاً من
انماط وحدتنا الوطنية بل وانماطا اخرى من التحدي والاصرار المكمل
للارادة العراقية التي لن تقبل بغير التغيير الجذري لكل الانماط
السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي ظلت جاثمة على صدور
العراقيين منذ اكثر من ثمانين عاماً.
العراقي في بانكوك ان كان هوار او يونس او نور او قصي هو نفسه
العراقي في بغداد الذي يخوض التجربة العراقية الجديدة والاثنان معاً،
هما كل العراق ابتداء من دهوك واربيل والسليمانية مروراً بالموصل
والرمادي وتكريت عبوراً الى ديالى وكركوك وبغداد وامتداداً مع بابل
والديوانية والسماوة والناصرية والبصرة واستكمالاً مع النجف وكربلاء
وواسط وميسان وانتهاء بكل مدينة وقصبة وقرية ومحلة وزقاق وشارع عراقي.
هذه المسيرة العراقية التي انطلقت في التاسع من نيسان عام 2003
ستبقى الحد الفاصل بين زمنين: زمن ولى الى غير رجعة، واخر حاضر وقادم
حضور التاريخ العراقي الذي يزداد شموخاً كلما يغادر محطة من محطاته
الألفية.
* رئيس تحرير صحيفة الاستقامة
رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين |