ظاهرة بيع (البستنة) في كربلاء

 شبكة النبأ: الاراضي المحدد جنسها كأراضي زراعية للبساتين والمحيطة بمدينة كربلاء كانت تحتكم على غلّة عالية من الانتاج مثل التمور والفواكه المتنوعة، وتعد بانتاجها المتميز رافدا لأسواق كربلاء منذ عهود طويلة وهي كافية باقتدار حتى في المناسبات الدينية الكثيرة التي تتميز بها هذه المحافظة العراقية، ولعل من التراثي الذي يمارسه اصحاب البساتين في كربلاء هي السلال الصغيرة التي تحتوي الفواكه الكربلائية كونها تستوعب من ثلاث الى خمسة كيلوات من الفاكهة او التمور على شتى انواعها.

وغالبا ما تكون تلك السلال هي ما يعود به الزوار الى اهاليهم بعد انتهاء موسم الزيارة ويقدمونها الى ذويهم هناك كهدايا لها نكهتها المعنوية والاعتبارية.

والبساتين في كربلاء تشكل في مجملها كمصدات للرياح في الجهة شبه الشرقية للمدينة وكان من المؤمل ان يستزرع الجانب الشرقي بالكامل كونه الباب الاساسي للرياح الصحراوية بما يحمل من اتربة وهواء جاف في اغلب الاحيان، إلا ان الجهات الحكومية لم تتخذ خطوة بهذا الاتجاه وكان الامر هو انتظار النمو الطبيعي في توسيع رقعة البستنة.

وفي تأريخ ما ابان الحصار الاقتصادي شجعت الدولة زراعة المحاصيل الحقلية (الشلب) اي الرز، وكانت وهي المسؤولة عن شراء محاصيل الشلب وتدعمه بصورة مباشرة وتهيئ له المستلزمات الضرورية مما ساهم بشكل كبير في استغلال الاراضي وتعدى ذلك الى البساتين وجراء ذلك فقد الغيت مسافات واسعة على حساب النمو الشجري أي البساتين، واستثمار الارض بصورة جائرة لان زراعة الرز وكما هو معلوم تستلزم الري المستمر بال انقطاع، ويمكن تلمس آثار تلك الفترة من خلال المسافات الواسعة من البور والموات.

ويضاف الى ذلك عدم الانماء وتقاعس المزارعين في تشكيل مزارع فتية بالنسبة للنخيل او اشجار الفاكهة وظل الاعتماد على ما تدره البساتين الشائخة التي تضاءل انتاجها بمرور الزمن.

وهناك اسباب عديدة وقوية بما يكفي لتراجع الانتاج والتنمية الزراعية في كربلاء:

1ـ الاهمال من قبل السلطات سواء في العهد صدام البائد او في العهد الحالي.

2ـ عدم وجود خطة زراعية عامة او خاصة للتنمية الزراعية.

3ـ توقف التسليف الزراعي الفعال وفق خطة استراتيجية لمساعدة المزارعين.

4ـ انعدام الاشراف التنموي ومراقبة حالة البساتين وقلة حملات مكافحة الافات الزراعية.

5ـ العوز المادي لدى الفلاحين ويقابله عدم الدعم للمستلزمات الزراعية، حيث ان الاثمان الباهضة لتلك المستلزمات يقابلها احجام الفلاحين عن القيام باي عمل من شانه ان ينهض بواقع البستنة، كون المصروف على الاستصلاح او التنمية لا يتوازن مع المردود الضئيل للانتاج الزراعي.

6ـ وجود البدائل الاستهلاكية المستوردة من الفواكه والخضار وباسعار مناسبة لايمكن للانتاج المحلي ان ياتي بما يوازي تلك الاسعار او النوعية الممتازة التي تتحلى بها تلك المحاصيل.

لكل هذه الاسباب وغيرها اخذ اصحاب البساتين (بتقطيعها الى اجزاء وبيعها كقطع سكنية) لمن يرغب الشراء بنفس الجنس الزراعي كقطع بستنة وباسعار مناسبة يستطيع المواطن دفعها مقابل تلك القطع خصوصا وان هناك ازمة سكنية في البلد بسبب التوسع الطبيعي للسكان، تحت القول ان المدينة تأكل ضواحيها، مضافا اليه ما استقبلته هذه المحافظة من مهجّرين ولاجئين بسبب الارهاب في الفترة ما بعد زوال الحكم السابق نتيجة الفعل الارهابي والقوى التكفيرية وعوامل الكراهية الطائفية والسياسية.

وبهذا فان الجو الكربلائي يخسر مصدّاته الطبيعية شيئا فشيئا مع استمرار التقدم الصحراوي المطرد وهو يلتقم المسافات ليحول المدينة الى حضن الصحراء ورياح الهجير اللافحة الجافة كذلك يتضاءل الانتاج البستني الكربلائي ويبقى اثر بعد عين.

ويعد هذا انهيارا تدريجيا للبيئة الطبيعية التي تنامت عبر الحقب لتصل الى هذا المصير البائس المحزن. ونسأل بأسى: هل الدولة وحدها هي المسؤولة؟.

هل الدولة معنية بنفس الدرجة من المسؤولية في تنمية مدينة دينية سياحية ومقدسة؟.

وعلى افتراض ان الدولة قد تلكأت مثلا في هذا الامر لعدة اسباب او انها قد باشرت جزئيا في تلك التنمية فهل الجهات الدينية تحجم عن المساهمة المادية في حل المشكلات التي تواجه المدينة المقدسة، ام اذهب انت وربك ياموسى؟.

لماذا لا يصار الى التسليف من جهات دينية او استثمارية خاصة لأغراض زراعية مثلا؟.

لماذا لا يصار الى التسليف السكني من جهة دينية( ايضا مثلا)؟.

او مكاتب تاجير مكائن وآليات واسمدة ومعدات زراعية؟.

واذن فان اصحاب الاراضي نادوا بما فيه الكفاية ولا مجيب لهم فتأبطوا الياس واخذوا يزيحون العبئ الثقيل عن كواهلهم المثقلة.

فبساتينهم بدأت تتقوقع وتنهار تباعا، فلا مال يكفي ولا توفر مكين للمواد المساعدة ولا مكافحة لنخيلهم الذي يذوي ويموت باعداد كبيرة بسبب حشرة الدوباس والحميرة، إضافة الى تردي النوعية وتلفها وفسادها الى حد كبير.

فمن الطبيعي جدا وفق هذه الظروف ان تتفاقم ظاهرة بيع اراضي البستنة بشكل كبير في الاوقات الراهنة.

فانتشار اللافتات على الطرق العامة وفي مكاتب الدلاليات التي تشجع على شراء القطع السكنية المعدة عينيا بمسافة 200 متر لكل قطعة سكنية وفق كيفية غير مهندسة من قبل تخطيط المدن او اشراف البلديات.

وهكذا يضيع الحزام الاخضر ويتحول الى مساكن مكتظة من المربعات الاسمنتية والحجرية تتلفع بلون الصحراء الكالح وتتنفس المدينة الريح المتربة الجافة وكانها تعود الى تاريخ  موغل في الصحراء القاحلة بعد ان تنفست رطيب النسيم، انها الشيخوخة التي ضربت اطنابها بعد العنفوان والنماء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 تموز/2007 -4/رجب/1428