رجال المرور بين حر الصيف وهجير الاستخفاف

عدسة وتحقيق:عصام حاكم

 شبكة النبأ: وقفت جميع عناوين الصبر خجلة امام أصرار أولئك الذين اثروا على أنفسهم مواصلة الليل بالنهار لتطبيق الية السير عند تقاطع الطرقات وفي الساحات والشوارع المزدحمة بالسيارات، وفي زمن قد عمت فيه الفوضى والارباك كل مفاصل الدولة العراقية الحديثة، ومن دون ان يصيبهم  كلل او ملل ومن دون ان يردعهم حر الصيف او برد الشتاء، اولئك هم رجال شرطة المرور.

بيد انهم باتوا يضيقون ذرعا هذه الايام،  بالممارسات التي ينتهجها نفر من الصبية ومن  بعض ضعاف النفوس وذلك من خلال أطلاق الكلمات النابية والعبارات غير اللائقة وعدم المبالاة والاستخفاف بهم، فضلا عن ان رجل المرور أمسى بين امرين لا ثالث لهما، بين ان يودع مفارق الطرق ويترك الحبل على الغارب وبين ان ينفذ الية السير ويلجم كل العابثين بسوط القانون الضعيف.

لذا كان لمراسل(شبكة النبأ المعلوماتية) هذه المتابعة للاطلاع عن كثب على التصرفات التي باتت تشكل ظاهرة لا سابق لها في الواقع العراقي، ومحاولة البحث عن الاسباب  الحقيقية التي دعت اليها وما هي السبل الكفيلة للحد منها او القضاء عليها:

اول من تحدثنا اليه كان المفوض (رياض محمد جاسم) وهذا الرجل يعد انموذج  يحتذى به بالنسبة لمنتسبي شرطة المرور، حيث يعمل من الصباح الباكر الى ساعة متاخرة من النهار وهو يدور في فلك ذلك التقاطع الذي يدعى تقاطع الضريبة في محافظة كربلاء المقدسة، ولم تكن هذه الرغبة في تأدية الواجب لمقتضى كسب  مادي بحت، حيث أكد لي احد المقربين بانه في اغلب الاحيان لا يستلم راتبه الشهري بل يتبرع به الى العوائل الفقيرة، أذن نحن امام  ظاهرة او تجربة قل نظيرها وتستحق الاشادة والثناء والذكر، ومن هنا انطلقنا لنسائل المفوض رياض اسئلة كثيرة، ولكنه بادرنا بالاجابة على وجه السرعة.

حيث قال: اني ادرك بان العمل شئ مقدس والحرص على العمل أقدس، فان عملي في سلك المرور لم ياتي اعتباطا بل هو جاء منسجما  مع ما لاحظته في احد السفرات الى خارج العراق، كون رجل المرور يمثل صمام الامان في ذلك البلد ويساهم في دعم انسيابية السير بالنسبة للعجلات والافراد، وهذا الانطباع حفز لدي الشعور بالمسؤولية والرغبة في امتهان تلك الوظيفة، ولم يكن بالحسبان ما اتقاضاه من اجر، بل كانت الرغبة هي الدافع الاساس، فضلا عن ان رجل المرور في العالم المتحضر له مكانة خاصة واحترام بين عامة الناس هذا مما يخلق حافز اكيد على التواصل بالعمل والتركيز على العطاء أكثر.

وهذه الثقافة غير موجودة في الوسط العراقي مع شديد الاسف، بل على العكس فان شرطي المرور يتعرض الى المضايقات والى الوان واساليب لا تعد ولا تحصى  من الرفض والتجاوز وعدم الامتثال الى تعليمات السير، ناهيك عن انتهاج مبدأ الاستخفاف واطلاق الصفارات والمنبهات دون وجه حق، اذن نحن امام ثقافة تحث على عدم الانصهار في تطبيق الية وبنود السير. وهذا الامر  قد يثير الشىء الكثير من الامتعاض والحزن في قلوب من يريدون خدمة العراق والعراقيين في ظل هذه الظروف العصيبة.

اما محطتنا التالية فكانت مع المقدم (مانع عبد الحسين) مدير مرور محافظة كربلاء.اذ تحدث قائلا لـ(شبكة النبأ), من المؤكد أن الدور الذي يضطلع به منتسبو شرطة المرور لا يقل شأنا عن الدور الذي يضطلع به منتسبو الحرس الوطني اليوم، فكلاهما يحاولون  جاهدين للقضاء على حالة الفوضى والارباك التي تعم بلدنا هذه الايام، وبالتالي تبقى الثقافة الوطنية والوعي الوطني هو العنوان الاساس لخلق عراق جديد، اما بالنسبة للظروف التي يمر بها منتسبو شرطة المرور في كربلاء وهم يحاولون تادية واجبهم فبالتاكيد هناك الكثير من الصعاب التي يواجهونها من خلال بعض التصرفات غير المسؤولة التي ينتهجها بعض اصحاب السيارات وهم من شريحة الشباب، فضلا عن انهم لا يجيدون  السياقة ولا يلتزمون بقواعد المرور،هذا مما  يجعل افراد الشرطة في حيرة من امرهم ، فهم لا يستطيعون التمادي او غض الطرف عن سلوك وتصرفات اولئك المتجاوزين، وفي الوقت ذاته هم غير قادرين على تطبيق الية القانون لما يعتري الواقع العراقي الراهن من فوضى امنية لا تستطيع بضلها اقامة حدود القانون.

 اذن اصبح رجل المرور اشبه بالمشلول لانه لايستطيع التغاضي ولا يستطيع ان يقيم ابسط عناوين القانون، وهذا الامر يجعل منتسبي شرطة المرور بين المطرقة والسندان، لذا يجب ان نمهد لاقامة مبدأ الثواب والعقاب لانه مبدأ اسمى من ان تشوبه شائبة، علما بان منتسبي شرطة المرور في محافظة كربلاء لا يتجاوز عددهم 250 عنصر فقط وهذا العدد  لايتسنى له السيطرة على انسيابية السير وبالمقابل فرض سطوة القانون.

محطتنا الثالثة كانت مع الاستاذ (فاهم عزيز) أستاذ في جامعة كربلاء, قال لـ(شبكة النبأ),اذا كان الوعي سائدا في المجتمع فمن الطبيعي ان يكون السير منتظما,لان السياقة فن وذوق واخلاق ,كما ان أحترام قانون المرور سينظم السير ويقلل من الحوادث, فضلا عن ان الشوارع لم تكن مصممة لهذا الكم الهائل من السيارات ناهيك عن وجود الكتل الكونكريتية والاسلاك الشائكة التي أدت بدورها الى غلق كلي او جزئي للعديد من الشوارع التي عملت في النهاية الى كثافة أزدحام السيارات..

ولكن هذا الامر لا يخلق متنفس للذين يحاولون التطاول على دولة القانون، اذن نحن اليوم امام ثقافة  يجب على الجميع ان يدرك مفاصلها من خلال الممارسة والتطبيق، وهذا الشعور بالتاكيد يلاقي صعوبات جمة الى حيت ان تتوفر له الارضية الصالحة من خلال الوعي الجماهيري والحس الوطني وذلك عبر تعزيز كل مفاصل ومكونات البناء المجتمعي،لذلك فأن المواطن مسؤول مسؤولية مباشرة لديمومة الحفاظ على مقومات وبنود قانون المرور، لانه بالتالي هم مشترك بين الدولة والمواطن والا  يصبح الامر كمن يبحر في الظلام لا يدرك الى اين يتجه، فامتلاك السيارة لا يعني مخالفة السير, فالسيارة تحتاج الى قيادة جيدة ليصل كل مواطن الى غايتة سيما وان بعض المرضى يتعذر وصولهم الى المستشفى بسبب الازدحام ,اذن كل عمل غير منظم لا يطور البلاد بل يقودها الى التخلف.

السيد(عقيل هادي شريف) موظف، حدثنا قائلا: الاسباب لا تعد ولا تحصى, لما نشهده من فوضى حولت حياة المواطنين الى جحيم لا يطاق, ولعل أبرزها يكمن في الانفلات وضياع القيم لدى الكثير من مستخدمي الشارع ,وعدم الشعور بالمسؤولية, وضياع الحرص على النظام,وعدم أحترام الاخر, فرجل المرور يقف حائرا وهو يرى هذه الانانية وخرق النظام من الجميع، فالكل يريد ان يمر ولا أحد يشعر بأن النظام الجديد أساسه الشعور باحترام القوانين, واعطاء الاخر حقه في أستخدام الطريق, وينم هذا على عدم نضج في الحرية, فالحرية ليست في تجاوز القانون,ولا الشطارة في الاستبداد بحقوق الاخرين. وما يزيد الطين بله هو هذا التدفق غير المنضبط والمدروس للسيارات التي ترد الى البلد دون مراعاة لحجم الشوارع, وانسيابية المرور, فضلا عن هذه الفوضى المتمثلة بالاستحواذ على مسافات مهمة من الشارع والارصفة من قبل المحلات والاكشاك الصغيرة, فهي اسباب كثيرة وتحتاج الى وقفة جدية ومعالجات جذرية, قبل ان تتفاقم ويصبح حلها صعبا وغير ممكن.

اما محطتنا الاخيرة فكانت مع احد السواق القدامى والذي تحاشى عن ذكر اسمه، حيث قال لـ(شبكة النبأ): لا استطيع ان ابرأ ذمة اصحاب السيارات هذه الايام وانا ارى في أمّ عيني التصرفات غير المالؤفة التي يمارسها هؤلاء الشباب والصبية من خلال عدم اكتراثهم بضوابط المرور والسير عكس الاتجاه حتى يصل الامر بهم الى التجاوز على شرطة المرور، فضلا عن التصرفات الاخرى كاطلاق المنبهات والصفارات بدون وجه حق، وما زاد الطين بله هو ذلك العدد الكبير من السيارات والدراجات البخارية التي زادت  الامر سوءاً، ولكن ليس بالضرورة كل سواق الاجرة هم غير جيدين وانما الاعم الاغلب هم غير منضبطين للامتثال للاوامر الصادرة من رجل المرور، ويبقى رجال المرور في حيرة من امرهم حيث لا يستطيعون اقامة الحدود الدنيا للقانون ولا يستطيعون في الوقت عينه التغاضي عن تلك التجاوزات، اذن هم اليوم في مأزق كبير وهم يتحملون سموم الصيف وبرد الشتاء واستخفاف اولئك ضعاف النفوس، ولكن يبقى عزاءهم الوحيد انهم يخدمون العراق العظيم.

ومن هنا نستشف بان رجال المروريعيشون اليوم اشبه ما يكون الى حالة الارباك وعدم القدرة على الموازنة بين تطبيق الية القانون المغيب تحت وطأة الفوضى الامنية التي يشهدها العراق اليوم وبين الحرص على سلامة العراقيين، ويبقى هذا الصراع قائما الى ان تنبثق ثقافة تصمد امام هذه الهجمة التي تحاول ان تهزم كل مقومات البناء المجتمعي الجديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 تموز/2007 -4/رجب/1428