فن اللاعنف... فن المهارات الاجتماعية - النفسية

الدكتور اسعد الامارة

 عدت المهارات الاجتماعية التي يمارسها الناس الاسوياء في حياتهم اليومية مع افراد اسرهم والاخرون في المجتمع، فن يرقى الى السلوك الحضاري بكل ابعاده وخصوصا اذا اتسم بطرق واساليب متنوعة منها: التواضع الحقيقي، القبول، التودد، التفاهم بدون شد عصبي، معاملة الاخرين كل حسب علمه وثقافته، معرفة حاجات الصغير والكبير، احترام المرأة كأم او كبيرة في السن، احترام الفتاة الشابة كوجود متحقق لها حق التعبير عن حريتها، والاستماع اليها بدون اشعارها بالدونية او الاذلال، احترام الزوجة لانها تشكل العضو الاساس في الرابطة الاسرية التي تجسد الترابط المصيري للفرد في حياته الخاصة وامام الملأ، لا ان يرفض الاعتراف بها وكأنها عورة، كما يردد البعض من المتطرفين الاسلاميين، وحتى المغالين الذين اعتبروا صوتها عورة، مشيتها عورة، ظهورها في مجالات العمل، عورة... الخ من المغالاة.

ان هذا الفن النبيل في الوقت نفسه يمكن الفرد من تحقيق اهدافه الخاصة والعامة ويوفر له الحماية الشخصية والاجتماعية لما يتميز به من تعامل، انه العلاقات الاجتماعية التي تربط الفرد بابناءه اولا، فتشكل قنوات اتصال بين كافة افراد الاسرة بكل سهولة وليونة، وتجعل من الفرد يؤمن ايمانا كاملا بروح التكافل والتعاون الذي يسود بينه وبين افراد اسرته اولا والجميع في المجتمع الخارجي ثانيا.

هذه المهارات تنبع من ذات الفرد، وهي مهارات نفسية في التكوين، اي منشأها نفسي، وتقف وراءها دوافع نفسية، وتحركها ديناميات ربما شعورية واحيانا لا شعورية، وهي ليست ميكانيزمات دفاعية، فالميكانيزمات "الحيل " الدفاعية يهدف منها الفرد اظهار شئ في ذاته او تعويض عن نقص او استبدال سلوك بسلوك او هي تكوين عكسي او نكوص الى مرحلة سابقة في الشخصية لم تشبع، الا انها ان تقاربت مع الميكانزمات النفسية فهي تعبر عن ميكانيزم التسامي "العلو" في السلوك ويقول مؤسس التحليل النفسي (سيجموند فرويد) في التسامي يتقبل الانا الدافع الغريزي ولكنه يحول طاقته من موضوعه الاصلي الى موضوع بديل ذي قيمة ثقافية واجتماعية.

ان البعض من الناس ممن يتبادر الى ذهنهم او ممن غادرهم السواء النفسي " السواء هو الصحة" ولو لحين، وحل محله التفكير الاعوج المتمثل باللاسواء في الشخصية وراحوا يتعاملون على اساس ان اللاعنف هو الضعف بعينه، تذكرنا هذه الاساليب في التعامل على انها ميول عنيفة نحو التمرد على سلطان الدين وبصفة خاصة خاصة على السلطان اياً كان نوعه. كما اورد ذلك عالم النفس الشهير مصطفى زيور.

ان العنف والسلوك العدواني كما هو معروف طاقة انفعالية لابد لها من منصرف، ولا مناص من ان تتخذ لها هدفا تفرغ فيه شحنتها الزائدة، ويقول علماء النفس في الظروف الاجتماعية العادية، يجد العدوان منصرفا في انواع النميمة وتجريح الغير او الفتنة بين افراد المجتمع الواحد، وهذا السلوك يصدر من مختلف الافراد المتعلمين او الآميين، المتدينين او اصحاب المهن، فهو تصريف عن شحنات مكبوتة، اما في سلوك فن اللاعنف واساليب التعامل فأنه يؤدي الى تناغم ونجاح بين" الانا" ومقتضيات الواقع بتسوية موفقة رغم مناهضات الاخرين ممن يؤمنون بالعنف واسلوب السلوك العدواني. اذن لحمة الحياة الاجتماعية قائمة على اساس مبدأ اللاعنف والمسالمة والتسامح، ليس في داخل النفس فحسب، بقدر ما هو اظهار لهذا السلوك بالعلن والتعامل به كسلوك بديل عن جميع التشوهات الاخرى في التعامل بين الناس.

يعد سلوك وفن اللاعنف ارسخ الانظمة النفسية – الاجتماعية وأكثرها فائدة للانسان والمجتمع بدون اي جدال او مناقشة، رغم ان سلوك العنف والعدوان اسلوبا عتيدا استمر لقرون ولم يحقق شيئا غير المآسي والويلات، ولم تثري هذه الويلات المجتمعات الانسانية الا بكثرة اليتامى والثكالى وتمزق نسيج المجتمع عبر العصور. اما المجتمعات الراسخة حضاريا والتي تركت سلوك العنف والعدوان، فأنها جنت بمردود نفسي واجتماعي لا يمكن ان يتحقق من خلال البيانات الكاذبة او الدعوات المغلفة باطر سياسية او دينية او مذهبية.

نستنتج اذن ان فن مهارة اللاعنف ينبع من الذات المتزنة والشخصية الهادئة الورعة مهما كان دينها او مذهبها او اتجاهها السياسي، فالكثير من علماء الاديان المختلفة واصحاب المذاهب الدينية المتنوعة، وبناة الفلسفات او الاديان غير السماوية، كان على نقيض هذا السلوك "اللاعنف والمسالمة" وكان من اعتى دعاة التعصب والتطرف نحو الالتزام الديني او السياسي، فالدين قد يكون غطاء لتمرير الاعوجاج في النفس، بعد ان بنى الفرد في نفسه هيكل منحرف وراح يدعو اصحابه او اتباعه الى القتل او انشاء المحاكم الشرعية ومحاكمة الناس على افكارهم او اتجاهاتهم حتى وان كانت مسالمة او سوية، فهؤلاء ينظرون الى الناس من خلال عقدهم ويواجهون مشاكل الحياة بطرق واساليب تنتج من شرعهم الذي وضعوه حتى وان كان الجميع لا يتفقون معهم، فهؤلاء اتسمت شخصياتهم بما يلي:

تنفر انفسهم من الكشف عما يدور في حناياها من ميول، وتكره ان تواجه في اخلاص ما تنطوي عليه من نزعات. كما شخصهم مصطفى زيور.

واخيرا يمكننا ان نتفق مع دعاة فن اللاعنف والمسالمة والتسامح بمهاراتهم النفسية والاجتماعية التي تحقق الراحة والاتزان النفسي بأن نقول ونؤمن بأن خير وسيلة لضبط الانفعال، إنما هو تحليل الانفعال.

* استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16 تموز/2007 -1/رجب/1428