شبكة النبأ: رغم ذوبان الجليد لم
تشهد العلاقات الروسية الامريكية تحسنا خلال العقد الماضي بل اتجهت بعد
الحرب الباردة الى طريق شائك اقل مايقال عنه انه صراع جديد يتمثل في
حرب مصالح ونفوذ واستغلال نقاط الضعف لكل منهما للتاثير على الاخر.
وتتمثل الحرب الجديدة في خلافات حادة على قضايا استراتيجية منها
الدرع الصاروخي الامريكي الذي تقول روسيا انه يهدد امنها القومي، اضافة
الى التجاذبات التي تمليها الازمة النووية الايرانية، فضلا عن محاولة
روسيا عرقلة استقلال كوسوفو الذي تصر عليه واشنطن واخيرا وليس اخرا
عودة دور الوسيط الروسي في الشرق الاوسط كلاعب اساسي.
روسيا تهدد
وقالت روسيا إنها ستعلق مشاركتها في معاهدة مهمة للحد من القوات
العسكرية في اوروبا خلال خمسة أشهر مالم يتم التوصل لتسوية بشأن تحديث
المعاهدة. بحسب رويترز.
ويأتي هذا التحرك بعد أشهر من التراشق اللفظي مع أوروبا وواشنطن على
عدد من القضايا وبينها خطط واشنطن لنشر أجزاء من درع مضادة للصواريخ في
أوروبا الشرقية واقتراح استقلال اقليم كوسوفو عن صربيا وسياسات موسكو
في مجال الطاقة.
وقال الكرملين ان الرئيس فلاديمير بوتين وقع مرسوما يعلق مشاركة
روسيا في معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لاسباب تتعلق "بالامن
القومي".
وعبر حلف شمال الاطلسي وواشنطن والاتحاد الاوروبي عن أسفهم وخيبة
أملهم في التحرك الروسي.
وأبرمت المعاهدة عام 1990 للحد من عدد الدبابات والمدفعية الثقيلة
والطائرات المقاتلة التي يتم نشرها وتخزينها بين المحيط الاطلسي وجبال
الاورال الروسية.
وقال يفجيني فولك رئيس مؤسسة هيرتدج للابحاث ومقرها واشنطن "
التهديدات الروسية نفذت ولا أستبعد أن تتبعها خطوات أخرى.
"اذا لم يتم التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الدرع المضادة
للصواريخ فمن المحتمل أن تنفذ روسيا تهديداتها بتصويب ( اسلحتها تجاه
أوروبا) مرة أخرى واعادة نشر الصواريخ."
وقال متحدث باسم حلف شمال الاطلسي تعقيبا على الاعلان "اذا تأكد ذلك
فان الامين العام يأسف بشدة لهذا القرار. الحلفاء يعتبرون هذه المعاهدة
ركنا أساسيا في أمن أوروبا."
وأخذت العلاقات الأمريكية – الروسية مؤخرا منحى يصعد تارة و يهبط
تارة أخرى نظرًا لرواسب الحرب الباردة بين الجانبين ونظرة كل منهما إلى
الأخر على أنه عدوه اللدود. وبعد أن تحسنت العلاقات في بدايات عهد بوش
وبوتين بالتوقيع على معاهدة التسلح النووي التي تنص على تخفيض الترسانة
النووية الأمريكية والروسية بمعدل الثلثين، تدهورت العلاقات بينهما
بشأن العديد من القضايا التي كانت محل نقاش وبحث بين الرئيسين في
المنتجع الصيفي لعائلة بوش في "كينيبنكبورت" على خليج ولاية "ماين"
والتي راهن عليها الرئيس بوش لكسر الجمود في العلاقة مع موسكو. بحسب
موقع تقرير واشنطن.
أهم القضايا الشائكة
عُقدت القمة التي استمرت لمدة يومين في أجواء من توتر تُعتبر سابقة
منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وفي وقت يتصاعد فيه
الحديث عن عودة أجواء الحرب الباردة من جديد بين الجانبين للعديد من
القضايا منها:
الدرع الصاروخي الأمريكي
يثير الدرع الصاروخي الأمريكي المزمع إنشائه في بولندا وجمهورية
التشيك حفيظة موسكو؛ حيث تنظر إليه على أنه موجه إليها وليس إلى الدول
المارقة (كوريا الشمالية وإيران) حسب التصريحات الأمريكية، وخصوصا بعد
أن توسع حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) إلى الحدود الروسية بدخول
العديد من دول الكتلة الشرقية والأعضاء السابقين في (حلف وراسو) السابق
كأعضاء في حلف شمال الأطلنطي.
فموسكو ترى أن طهران لا تملك التقنية الصاروخية التي تستطيع من
خلالها ضرب الدول الأوروبية كما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية،
فضلاً عن إعلان العديد من المسئولين في الإدارة الإيرانية أنهم لن
يوجهون صواريخهم إن امتلكوها إلى أوروبا؛ حيث أنها الشريك الاقتصادي
الأول لطهران. ومن هذا المنطلق لا تري روسيا أي أهمية لنشر هذا الدرع
بالقرب من الحدود الروسية. ولهذا أجرت روسيا اختبارًا ناجحًا على صاروخ
باليستي جديد ة من غواصة نووية قادر على احتراق الدرع الصاروخي
الأمريكي، و الذي وصفه بوتين بأنه العنصر الأساسي في قوى موسكو النووية
المستقبلية، فضلاً عن زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي.
وفي بادرة من موسكو لحل هذه المعضلة (المشكلة) طرحت عدداً من الحلول
لها، منها إذ كانت الولايات المتحدة تريد مواجهه طهران أو كوريا
الشمالية فإنه من المستحسن إنشاء هذا الدرع في دول قريبة من طهران،
ولاسيما العراق التي تتمركز فيها القوات الأمريكية بعد الحرب الأمريكية
على العراق في مارس 2003 أو تركيا. كما طرح الرئيس الروسي قي قمة
الثماني المنعقدة في ألمانيا الشهر الماضي (يونيو 2007) إمكانية
استفادة واشنطن من القاعدة الروسية في أذربيجان.
ولهذا فقد كان مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي على أولويات أجندة
القمة الأمريكية، وفي المؤتمر الصحفي بعد لقاء الرئيسيين، طرح بوتين حل
أخر لهذه المعضلة تمثل في إنشاء نظام موسع للدفاع المضاد للصواريخ يشمل
أوروبا بمشاركة حلف شمال الأطلنطي؛ مما يجعل من غير المجدي قيام واشنطن
بنشر الدرع المضاد للصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك.
الأزمة النووية الإيرانية
أضحت الأزمة النووية الإيرانية على أجندة الاجتماعات الأمريكية(
الرسمية وغير الرسمية) مع الحلفاء والأصدقاء؛ نظرًا للمخاوف الأمريكية
من سعي طهران إلى امتلاك برنامج نووي عسكري يهدد أمن منطقة الشرق
الأوسط ـ التي تحتل مكانة مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية للعديد
من الأسباب (النفط وإسرائيل) ـ، فضلاً عن تهديد التوازن العسكري لغير
صالح إسرائيل التهديد الإيراني الحالي للوجود الإسرائيلي في منطقة
الشرق الأوسط، وللاختلاف الأيديولوجي والمصالحي بين الجانبين، بالإضافة
إلى الرغبة الإيرانية في تأكيد نفوذها في منطقة الخليج العربي باعتباره
الفناء الخلفي للأمن الخليجي، وكل هذا يهدد المصالح الأمريكية و
الغربية بل والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وانطلاقًا من هذه المخاوف، تسعى الولايات المتحدة بكافة الطرق
الدبلوماسية والإكراهية إلي تحجيم البرنامج النووي الإيراني، ولاسيما
من خلال مجلس الأمن، من خلال فرض المزيد من العقوبات على طهران، وعلى
تصدير التكنولوجيا النووية إلى طهران. ولكن موسكو تعارض فرض المزيد من
العقوبات على طهران، فضلاً عن الدعم الذي تقدمه لها في مجال الذرة
والطاقة النووية، وتعهد موسكو بإنشاء عدد من المفاعلات النووية
الإيرانية والذي دفع الكونجرس إلى صياغة قانون يفرض حظراً على الشركات
الروسية المتعاملة مع طهران.
ولهذا فقد كانت الأزمة النووية الإيرانية موضع بحث من قبل الجانبين،
فالرئيس بوش يسعى إلى الحصول على موافقة بوتين على فرض المزيد من
العقوبات على طهران وبرنامجها النووي، ولهذا أعلن بوش في المؤتمر
الصحفي أن بوتين يشاركه القلق بشأن الملف النووي الإيراني، وأن الأخير
يوافق علي توجيه رسائل مشتركة إلى طهران بشأن ملفها النووي، إلا أن
بوتين أشار إلى وجود إشارات مهمة تدل على رغبة إيران في التعاون مع
الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
استقلال كوسوفو
ومن القضايا الشائكة بين الجانبين الرغبة الأمريكية في استقلال
إقليم كوسوفو، حيث تقود الولايات المتحدة الأمريكية المجتمع الدولي من
خلال الأمم المتحدة و مجلس الأمن إلى استقلال كوسوفو عن صربيا، وتدفع
به بقوة على أجندة مجلس الأمن. وقد أعلنت واشنطن في تحد واضح للرغبة
الروسية في عدم استقلال الإقليم أنه حتى لو استخدمت موسكو حق النقض(
الفيتو) خلال مجلس الأمن ضد مشروع استقلال كوسوفو، فإن هذا الإقليم
سيحصل على استقلاله وسيتم الاعتراف به من قبل واشنطن و الاتحاد
الأوروبي.
عودة الدور الروسي في الشرق
الأوسط..
روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق تريد أن تستعيد مجد
الإمبراطورية السوفيتية ودورها على الساحة الدولية كمنافس للولايات
المتحدة؛ ولذلك بدأ بوتين في استعادة عافية روسيا الاقتصادية لكي يكون
قادراً على لعب هذا الدور، وما مكنه من استعادة عافية الاقتصاد الروسي
الارتفاع الأخير في أسعار البترول مما انعكس بالإيجاب على الاقتصاد
الروسي. ولهذا بدأ يستعيد الدور الروسي في المناطق التي تراجع فيها
الدور الأمريكي ولاسيما منطقة الشرق الأوسط، مستغلاً الأزمة الأمريكية
بسب الحرب على العراق، وتزايد كراهية الولايات المتحدة الأمريكية في
الشرق الأوسط لسياساتها، وتزايد تأييدها لممارسات الإسرائيلية في
الأراضي الفلسطينية.
وفي أثناء زيارة الأخيرة لثلاثة دول عربية (المملكة العربية
السعودية وقطر والأردن) ظهرت الرغبة الروسية في استعادة الدور السوفيتي
كمنافس لواشنطن ولاسيما في مجال الطاقة، حيث طرح بوتين أثناء زيارته
للملكة العربية السعودية استراتيجية جديدة لأمن الطاقة وإنشاء منظمة
خاصة بالبلدان المصدرة للغاز على غرار "أوبك"، فضلا عن الرغبة الروسية
في تقديم كافة أنواع الدعم التقني في مجال الطاقة النووية إلى الدول
الخليجية الراغبة في امتلاك طاقة نووية سلمية التي أقرها ملوك الدول
الخليجية في ختام قمة (جابر) الأخيرة.
الدور الروسي في أمريكا اللاتينية
أُضيف أخيرًا بند جديد إلى القضايا الخلافية بين الجانبين، هو دخول
موسكو القوى إلى منطقة أمريكا اللاتينية نتيجة التعاون بين الكرملين
والرئيس الفنزويلي "هوجو تشافيز"، الذي زار موسكو مؤخراً قبل زيارة
بوتين إلى واشنطن سعياً لشراء غواصات قادرة على حمل رؤوس صاروخية
مدمرة، وأنظمة دفاعية متطورة لسلاحي الجو و البحرية الفنزويلليين. ولم
يخف تشافيز نية بلاده استخدام التقنيات الروسية لتطوير استراتيجية
دفاعية متكاملة تمكنها من مواجهة التهديدات الأمريكية المتواصلة ضدها.
مستقبل العلاقات الأمريكية ـ
الروسية
تعكس هذه القمة رغبة البلدين في تجاوز الخلافات، وإحياء الوئام الذي
ساد بينهما في الماضي، ولإنقاذ العلاقات الروسية ـ الأمريكية التي شهدت
تراجعا ولاسيما أن كلاً منهما تارك منصبه الرئاسي العام القادم(2008)،
فيقول "أندرو كوشينز" خبير الشؤون الروسية بمركز الدراسات الاستراتيجية
و الدولية بواشنطن "لا أعتقد أن أيا منهما يريد أن يسجل أن عهده شهد
علاقات أمريكية ـ روسية متوترة". ولكن في حقيقة الأمر القمة لم تبدد
أجواء عدم الثقة و الشكوك بين موسكو وواشنطن.
والاتفاق الوحيد بين الجانبين كما أعلن البيت الأبيض هو أن واشنطن
وموسكو ستوقعين اتفاق حول المحادثات التمهيدية التي ستسبق انتهاء العمل
بمعاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية (ستارت).
وفي هذا الصدد أشار "ستيف هادلي" مستشار الرئيس بوش للأمن القومي،
إلى أن هذا الاتفاق سيوقع من قبل وزيري خارجية البلدين "كونداليزا
رايس" و"سيرجي لافروف"، و يتعلق الاتفاق ببدء المحادثات حول العلاقة
بين البلدين حيال القوات الاستراتيجية النووية بعد انتهاء العمل باتفاق
(ستارت) في 2009.
وفي الوقت ذاته تبرز إمكانية إبرام شراكات جديدة بين واشنطن وموسكو،
إذ يري الكرملين أن مبادرة بوتين الخاصة بإنشاء مركز دولي لتخصيب
اليورانيوم على غرار المؤسسة الروسية في "أنغارسك"، وكذلك مبادرة بوش
التي تشمل الاستخدام السلمي للطاقة النووية في إطار "الشراكة العالمية
في مجال الطاقة النووية" تشكلان ركيزة التعاون الروسي ـ الأمريكي لدعم
تطوير الطاقة النووية السلمية.
وأخيرًا، يمكن القول أنه رغم تعدد القضايا الخلافية بين واشنطن
وموسكو إلا أنها لا تمثل عودة لأجواء الحرب الباردة كما تصور العديد من
التحليلات الأمريكية، حيث أنه لم يعد في مقدور الدولتين الدخول من جديد
في سباق التسلح، في وقت تعزز فيه دولاً أخري من قوتها الاقتصادية حتى
تكون قطبا مناوئاً للولايات المتحدة على الساحة الدولية، فضلاً عن
العديد من القضايا المشتركة بين الجانبين مثل الإرهاب العالمي وقضايا
منع انتشار أسلحة الدمار الشامل و العديد من القضايا العالمية التي
تتطلب تعاون الدولتين، فالعلاقات الدولية لا تقوم على (Zero Sum game)
بل على (Win To Win). أي بعبارة أخري ليس هناك فائز وحيد أو خاسر وحيد،
ولكن من يكسب شيء يخسر في المقابل شيء أخر، وذلك اعتماداً على موازين
القوى و القدرات الذاتية لكل منهما مما يمكنهما من المساومة و التفاوض
لتحقيق مكاسبها. |