شبكة النبأ: يتقاذفنا هذه الايام جدل دائر في الاوساط
العلمية حول ظاهرة الاحتباس الحراري وعن العواقب الوخيمة المترتبة ازاء
هذه الظاهرة، متذرعين في الوقت ذاته بأسباب عدة من شانها ان تؤدي الى
تزايد اتساع طبقة الاوزون تلك الطبقة التي تمثل بالحسابات العلمية درع
واقي للارض من اي ارتفاع ملحوظ لاشعة الشمس، وقد تعرض العلماء في
مؤتمرات سابقة للاسباب الحقيقية التي ادت وتؤدي الى ظهورها تلك
الظاهرة وهي تتمحور بين الغازات المنبعثة من المصانع والمعامل الصناعية
وقلة الغابات بالاضافة الى ما تخلفة السيارات من عادم وعوامل اخرى
لسنا بصدد الخوض بها في بلدنا العزيز.
وهي بالتاكيد ليست من ابجديات اهتمامات الواقع العربي، وقد لا
تعنينا بالمرة بقدر ما يتعلق الامر بتلك الظاهرة الجديدة التي استطاعت
ان تطفو الى السطح في البيت العراقي وهي اقرب ما تكون الى ظاهرة
الاحتباس الحراري، بل ربما هي اقسى بكثير، فيما اذا وضعنا نصب اعيننا
بان ظاهرة الاحتباس الحراري ظاهرة طبيعية وهي تحتكم الى عوامل خارجية
او عوامل تخضع للتطور البشري او التطور الصناعي.
بيد ان الامر يختلف في ظاهرة الاحتباس الحراري في البيت العراقي،
ونحن نعيش اجواء شهر تموز وآب اللهاب حيث تصل درجة الحرارة الى الخمسين
درجة مئوية في النهار او اكثر، ناهيك عن الانقطاع المستمر للتيار
الكهربائي وشحة الماء وقد تتضامن معه مادة الثلج تلاقيا من خلال ارتفاع
مناسيب سعره، ناهيك عن عدم توفر البنزين او ارتقاءه الى الضعف او
الضعفين من ناحية المادية، وهذا بطبيعة الحال لا يدع مجال او متسع
للمواطن البسيط ان يمارس فرصة تشغيل المولدة على اقل تقدير. وامور
اخرى من شانها ان تصعد من عملية الاحتباس الحراري في البيت العراقي.
من اجل ذلك كان لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) هذه الوقفة مع بعض
المواطنين للاطلاع على حيثيات هذه الظاهرة الجديدة على البيت العراقي،
من اجل الوقوف عند الاسباب الحقيقية التي دعت الى وجودها وما هي السبل
الكفيلة للقضاء عليها او الحد منها على اقل تقدير فكانت الحصيلة ما
يلي:
اول من توجهنا اليه بالحديث السيد(صادق غريب) وهو عسكري متقاعد، حيث
قال لـ(شبكة النبأ): لا ينبغي بالمرة لمن يمتلك ذرة عقل ان يحاول
التوفيق او التقريب بين ظاهرة الاحتباس الحراري تلك الظاهرة التي باتت
تحمل مؤشرات خطيرة للبيئة والمناخ العالمي أثر ظروف غامضة، كان يكون
الجزء الاكبر منها العامل الصناعي والتكنولوجي، وقد يذهب العلماء في
الغرب ببحوثهم الى موارد مختلفة، اما ما تراه اليوم في البيت العراقي
فهو بالتاكيد يختلف اختلافا جذريا كون هذه الظاهرة باتت عنوان يقتل
كرامة الانسان بل ربما يهدد حياته ويوقف صيرورة الحياة بكامل انشطتها،
والامثلة على ذلك كثيرة فهذا الرجل الماثل امامك، ويعني نفسه، متزوج
ولدي اربعة اطفال واعمل الان في مجال البناء، وكل ما اتقاضاه من اجر
يبلغ عشرة الاف، علما بان العمل ليس مستمر أي اني نصف الشهر تماما لا
يوجد عندي عمل، وفي المقابل فان الكهرباء انت تعلم بحالها حيث الاعتماد
الكلي يقع على المولدات الاهلية وليست لدي القدرة على دفع رسوم
الامبير الواحد وهي تقدر بسبعة الاف دينار شهريا، وبالمقابل فان قيمة
الثلج قد تعافت على وجه الصيف الحارق واصبحت اضعافا مضاعفة، ولهذا فاني
اتسائل أي احتباس في الدنيا اقسى من هذا الاحتباس وما هو واقع البيت
العراقي في ظل هذا الظروف، وانت تعلم قبل غيرك بان درجة الحرارة تصل
الى 47 درجة مئوية في ساعات الظهيرة.
اما محطتنا التالية فكانت مع(ام حسين) وهي ربة بيت، حيث قالت لـ
شبكة النبأ: لا اعرف معنى كلمة الاحتباس، ولكني ادرك فقط عبارة
الحراري، وهذا يكفي وهي تعني الحر، وهذا الكائن الغريب الذي تسلط على
اجسادنا قد اخذ مأخذه مني فهو لا يكاد يبارحني ليل ولا نهار وهو سر او
لغز محير لا يمكن القضاء عليه ولا يمكن تجاهله ايضا، وترك بصماته على
جسدي وكذلك اطفالي وانا في حيرة من امري ففي ساعات الظهيرة يتحول
البيت الى تنور يفور من شدة الحرارة لذا اضطر الى جعل اطفالي يسبحون في
اواني الطبخ، هذا اذا وفقنا الله واستطعنا الحصول على الماء.
ومن ثم انتقلنا الى احد معامل الثلج لنلتقي باحد الاشخاص ليحدثنا
قائلا: اني اقيم تجربة الاحتباس الحراري في البيت العراقي اخطر بكثير
من تلك الظاهرة العالمية التي يتحدثون عنها، حيث تحول المواطن العراقي
اليوم الى قنبلة موقوتة وقد تضافرت جهات عدة على خلق هذه الحالة،
وبالتاكيد فان منظومة أي ثقافة هي مستمدة من ارض الواقع لزاما، فماذا
تقول اذا كان بيتك عبارة عن فرن حراري يلتهب نارا من الصباح حتى المساء
ولا يتسنى لك في الوقت ذاته ان ترتشف ماء بارد بل على العكس فانت تشرب
من الجحيم، ناهيك عن فرص العمل القليلة التي تجعلك لا تفكر في الحصول
على امبير واحد للمروحة او فرصة ان ترى طريقك في الليل الدامس، ايعقل
ان يعيش انسان، اي انسان في ظل هذه الظروف؟ ويتمتع بسلامة الاستقرار في
سلوكه وتصرفاته او سلامة دينه ودنياه؟ واذا كان هذا الامر هكذا فعلا
فانها معجزات العصر، وهناك مثال بسيط ربما يتذكره الجميع، ففي السنوات
الاخيرة من الحرب على ايران جاء وفد من المفتشين ليراقب الحدود
العراقية الايرانية، وهم يقيمون في فنادق من الدرجة الاولى ومكيفة
بالاضافة الى ذلك فان سياراتهم حديثة هي الاخرى، وبالتاكيد تمتلك اجهزة
تكييف الا ان احد المفتشين قد توفى اثر درجات الحرارة العالية في
العراق، فما بالك ايها الاخ العزيز بحال العراقيين وهو لايمتلكون الماء
والكهرباء وليس لديهم عمل يدفع عن كاهلهم عناء المولدات او شراء الثلج
وباقي مستلزمات الحياة الاساسية، فساعد الله قلوبكم ايها العراقيين على
هذا الاحتباس الذي لا يضاهيه احتباس في الدنيا ابدا.
حتى وصلنا الى الحجية(ام علي) ولسان عملها يقول (مصائب قوم عند قوم
فوائد) وهي تبيع المهفات المصنوعة من سعف النخيل، حيث قالت لـ شبكة
النبأ: انا امارس هذا العمل منذ سنوات، ففي السنوات السابقة تاخذ
الناس المهفات للزينة او تستعملها ايام الزيارات فقط، ولكن منذ اربعة
اعوام فقط اصبح استخدام المهفة حاجة ضرورية وماسة لكل افراد الشعب
حيث تحقق للكثير منهم جزء يسير من الهواء اللاذع عند اوقات الظهيرة،
بيد ان هذا الحل لا يعول عليه كثيرا في جحيم تلك الاماكن، حيث تحولت
بيوتنا الى مناجم فحم، فهي تقطر حرارة من الصباح حتى ساعات الليل،
وربما هي تذكرنا بجهنم التي وعدنا الله (سبحانه وتعالى) بها يوم
المعاد، ولا اتصور بالمرة ان هناك شعب من شعوب العالم يعاني كما يعاني
الشعب العراقي اليوم، ولكني فقط اود ان اوجه سؤالي الى احد من السادة
المسؤوليين، واقول له ما هو حالك اذا كان لديك طفل يود ان يشرب ماء
بارد وليس لديك ماء حار اصلا؟ او يتمنى ان ينعم بهواء بارد ولا يجد الا
ابواب جهنم عند الساعة الواحدة ظهرا؟ فمن المؤكد ان حياتك سوف تكون
سعيدة جدا وتحترم الحياة وكذلك تحترم من هم اصحاب...؟
محطتنا الاخيرة كانت مع الاخ (ابو محمد) وهو مهجّر من محافظة ديالى،
حيث قال لـ شبكة النبأ: كم تمنيت في حياتي ان لا اتعرض الى المهانة او
الهوان ولكن ربما هو قدري المشئوم يأبى عليّ ذلك، فاني اسكن اليوم في
عمارة فيها شقق متعددة وتصور اني لا استطيع النوم نهائيا في ساعات
الظهيرة، اولاً كون الحر هذا العنوان البائس الذي رافقني منذ اعوام،
ناهيك عن صراخ الاطفال والذين هم اصروا على عدم تحقيق امنيتي في النوم
اوقات الظهيرة، بالاضافة الى ذلك فان الماء ينفذ بسرعة فائقة، فانت
تعلم علم اليقين ما حال شقة ليس فيها ماء او هواء او نوم، علما بان سطح
العمارة لا يتسع لمنام هذه العوائل في الليل، مما يضطرنا ان ننام جنبا
الى جنب علما باني اعمل في اعمال بسيطة لا تفي بالحاجة.
وفي الختام اود ان اقيم اولئك الذين يتحدثون عن الاحتباس الحراري
بأنهم بطرانيين، ففي شقتي مليون تغير مناخي ومليون طبقة من تلك الطبقات
التي تبعث الحمم، ولكن يبقى الصراع قائم بين البيت العراقي والتغيرات
المناخية، فكل منهم يتهم الاخر بانه اقل منه شأنا، بيد ان كل المؤشرات
تؤكد على تغلب ظاهرة الاحتباس الحراري في البيت العراقي على ظاهرة
الاحتباس الحراري العالمية،ومن الله التوفيق..!
|