كيف نفهم ما يحدث بين فتح وحماس؟

بقلم  د. محمد سعد

 لا نريد أن نتحدث بكلام عاطفي وأحلام غير واقعية عما كان يجب أن يكون من منع للاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين، فالصراع هنا بين «شرعيتين» وبين حركتين لهما برنامجان سياسيان بدا من الصعب التوفيق بينهما. نحن نحاول أن نفهم ما يجري بين فتح وحماس؟ هل هو انقلاب على الشرعية الفلسطينية أم تثبيت لهذه الشرعية؟ هل هو انقلاب عسكري أم إعادة ترتيب الأوراق من جديد.

ما الذي دفع الأحداث لذلك؟

حركة حماس لم تكن مستعدة لفوزها الكبير في الانتخابات التشريعية وإن كان مؤشر الصعود لديها يفيد أنها تعمل في إطار مشروع كبير لها يعتمد على إعادة تدوير القضية الفلسطينية وإبرازها كقضية بلد محتل يمارس مقاومة مشروعة وتديره سلطة تنفيذية دون الادعاء بأنها ذات سيادة، ولتثبيت هذا المشروع قامت حماس في بداية توليها للحكومة بعملية كبيرة أسرت فيها جندياً إسرائيلياً في عملية عسكرية واستعادت زمام المبادرة السياسية في الوضع الفلسطيني من خلال هذا الملف، وكان من المفروض وفق السيناريوهات المعدّة أن تسقط حماس إثر هذا الحصار والتعطيل ولكن الذي جرى أن قوة حماس تعززت بفعل صمود حكومتها المحاصرة عربيا ودوليا سنة كاملة ثم خروجها منتصرة (بالنقاط) في اتفاق مكة.

أما حركة فتح فبعد رحيل زعيمها المؤسس ياسر عرفات وبعد خسارتها في انتخابات المجلس التشريعي مطلع 2006، لم تكن مهيأة للتعامل مع وضع ديمقراطي لا يتناسب مع زعامتها الفردية للقرار الفلسطيني منذ أربعين عاماً، فكان الإطار الناظم لعلاقتها مع القوة المنافسة الجديدة (حماس) يعتمد على سياسة (منع حماس من التمكّن في السلطة) وبالتالي فكانت مصلحة فتح في إشاعة الانفلات الأمني‏,‏ وفي جرجرة حماس إلي الاقتتال الداخلي الذي اعتبرته دائما خطا أحمر‏,‏ لا ينبغي الاقتراب منه‏، وهو ما نتج عنه 475 قتيلا فلسطينيا بالرغم من عقد 13 اتفاقا للتهدئة.وظهر تيار داخل فتح يقوده محمد دحلان يسعى لتأجيج الفوضى والاقتتال الداخلي لاتهام الحكومة بالفشل وفرض إرادتهم على الشارع الفلسطيني لتحقيق مكاسب ذاتية دفعت بعضهم إلى استهداف منزل رئيس الوزراء الفلسطيني تنفيذا لتهديدات "إسرائيل" باغتياله وهذا يؤكد أن الأمر وصل بهم إلى وضع أنفسهم أدوات لتنفيذ الجرائم التي فشلت "إسرائيل" في تنفيذها وهو ما دفع كتائب القسام إلى التصدي لهم واحتلال مكاتبهم التي وجدت فيها أسلحة غريبة عن الساحة الفلسطينية تؤكد الاتهامات التي وجهت إليهم بالحصول على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتصفية المقاومة الإسلامية.

 وكما تشير التقارير فان خطة دايتون وهو الممثل المقيم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في الأراضي المحتلة تتضمن العديد من المهام مثل الإشراف على برامج تدريب الحرس الرئاسي التابع لرئيس السلطة الفلسطينية وتحديث الكفاءة القتالية لقواته عن طريق إمدادها بما تحتاج من أسلحة وتجهيزات، ومن المدهش حقاً أن المسئولين الإسرائيليين لا يحرصون على إخفاء الهدف من دعم وتقوية الحرس الرئاسي. فهم يصرحون علناً بأن الغاية المنشودة هي تمكين قوات الرئيس الفلسطيني من القضاء على قوات حماس نهائيا.

كيف نفهم ما فعلت حماس؟

إن حماس لم تتعامل مع خطوتها العسكرية بوصفها انقلاباً على الشرعية الفلسطينية أو السلطة بتعبير أدق، بل تعاملت معها بوصفها خطوة لتحسين شروط الشراكة السياسية التي لم يشأ الطرف الحاكم في السلطة منحها أفقاً حقيقياً لتحقيقها.

نقول ذلك لأن حماس ليست غبية كي لا ترى واقع المعادلة الإسرائيلية والعربية والدولية المعادية لها. فكان كل ما تريده حماس هو العودة إلى اتفاق مكة لا أكثر، رغم علمها أن حصتها في الحكومة بحسب نصوص الاتفاق هي أقل من حصة الرئيس وحركة فتح.

كانت رؤية حماس هي وقف لعبة التحرش المتكررة وحسم الموقف على نحو يؤدي إلى التفاوض مع الرئيس على رؤساء جدد للأجهزة الأمنية ووزير داخلية بكامل الصلاحيات، وفى هذا الإطار ووفقا لما كتبه الأستاذ فهمي هويدى فقد نشر تقرير فلسطيني رسمي داخلي بتاريخ‏14/5‏ يشرح خلفيات الانفجار الأخير في الموقف الذي كانت أزمة وزير الداخلية من العوامل الممهدة له ويذكر التقرير ما يلي‏:‏ أن وزير الداخلية هاني القواسمي لم يجد مفرا من الاستقالة لأسباب ثلاثة‏:‏ حصار أبو شباك له ومنعه من الاتصال بالأجهزة الأمنية‏-‏ عدم تمتعه بصلاحيات أدائه لوظيفته‏-‏ احتجاجه علي حالة التعبئة المسلحة التي تقوم بها عناصر فتح وإدخال أسلحة ومعدات دون علمه‏.‏

الخلاصة أن حماس سعت إلى إقناع "الانقلابيين" بحسب تعبيرها بأن لعبة طردها وتنغيص حياتها في الحكومة وصولاً إلى إقصائها لن تنجح، وأن زمن الخنق "بالزجاجة"، بحسب تعبير بعض عناصر فتح، "أي التعذيب بالطريقة المعروفة" لزعماء حماس لن يعود من جديد أياً يكن الثمن.

سيناريوهات المستقبل

يبدو أن سيناريو التدخل الإسرائيلي لإسقاط حماس في غزة بات مستبعدا بعدما أعلن أولمرت أن بلاده لن تخوض الحرب نيابة عن «فتح»، وذكرت الصحف الإسرائيلية أن رئيس الجمهورية الجديد بيريز سيشجع الأمير كيين على قبول الأمر الواقع، لأنه هو صاحب نظرية إقامة دولة فلسطينية في غزة. وبالتالي فان هناك العديد من السيناريوهات المتوقعة بغزة والضفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء 19 حزيران/2007 -3/جماد الاخرى/1428