حينما يغادر الاستبداد مكاناً ما تنفتح الأبواب أمام
الحريات بمختلف توجهاتها،الحريات السياسية والشخصية وحرية الرأي
والمعتقد المكتوبة في لوائح وتوصيات دعاة الحرية والديمقراطية في
بلدان العالم المختلفة، والعراق مثل كل البلاد حين غادر محطة
الدكتاتورية إلى المحطة التي تليها والتي سماها بعضهم الحرية
والديمقراطية فيما لا يزال بعضهم وبإصرار ملفت للنظر مفضلاً العودة إلى
المحطة الأولى، وهو مازال بعد أربع سنوات يملأ العالم ضجيجاً وصراخاً
في وسائل أعلامه ويتحسر على أيام الإعدامات والسجون والحروب والمقابر
الجماعية والكيماوية وليفتح جبهة واسعة النطاق وبتمويل منقطع النظير
للعودة للمربع الأول أو العبث في الطريق إلى المحطة القادمة، لإعادة
صنمهم القديم إلى ساحة الفردوس.
ولكن الصنم قد سقط وذوّب نحاسه في بواتق الزمن المر في أول
تفجير يطال العمال ليعملوا منه فؤوسا ومجارف لإخراج الضحايا من تحت
الأنقاظ لتصورها الفضائيات العالمية والعربية لتتشفى فيهم عائلة وأعوان
الصنم الفردوسي وهم ( يكرزون ) أصابع الأطفال في التفجير الذي يليه
كفلماً للسهرة.
وحين غادرت البلاد محطتها القديمة وانفتاحها على العالم تأسست
وانتشرت في خارج العراق وداخله عشرات الصحف والإذاعات والفضائيات التي
تفح ليل نهار مثل حشرات زاحفة ومتقاتلة يقتات بعضها على أجساد البعض
الأخر، ودأبت الكثير من هذه الوسائل الموجهة والمسيّسة في نشر السموم
والأفكار المنحرفة عبر وسائلها الإعلامية، وإن كان هناك عذراً لبعض
الفضائيات ( وليس لها عذر) باعتبارها غير عراقية ومن وراءها أيدي خبيثة
تدعوا إلى فرقة الصف وبث وإشاعة الفوضى والقتل للحفاظ على كراسيهم
المتهالكة وأنظمتهم الشمولية والاستبدادية ( المؤبدة ) فما هو العذر
لبعض وسائل الإعلام التي تدعي الوطنية،فيما تسعى نحو تشويه الوقائع
وتضخيمها والتباكي على النظام ورئيسه المقبور وكأنها صوتاً لحزب البعث
وليس لمؤسسة إعلامية تسعى وتريد تحرير العراق من الغزو و الاحتلال.
والمتتبع لهذه الوسائل المسمومة يجد النفس البعثي واضحا فيها
وضوح الشمس في رابعة النهار،ويلمس نفس الأساليب المتبعة في أجهزة
الإعلام السابق من تمجيد الحروب السابقة والتي أصرمت آلاف من أبناء
الشعب في مغامرات حمقاء على طول حدود البلاد وعرضها، بدون خوف أو حساب،
فيما ينتقدون الأوضاع غير الآمنة وهم من أحدى أسبابها لترويجهم سياسية
العنف والطائفية والبيانات الجاهزة التي تبث بين وقت وأخر بمجرد أن
يعلموا أن مجموعة من المشبوهين ألقي القبض تحت ذريعة أن من طائفة أخرى،
فيما يفتقد الحس الذي يسعى للوحدة وجمع الكلمة والدعوة إلى التسامح
التي ينادي بها ديننا الحنيف وكل توصيات مؤسسات المجتمع المدني.
بل والأكثر من ذلك أن هناك لبعض الإذاعات برامج مفتوحة للاتصالات
مع المواطنين لتشجيعهم لبث الأكاذيب والتهم بطريقة سمجة وغير
أخلاقية،وحتى مقدم البرنامج يشجع هؤلاء على التشهير والكذب والقدح في
الآخرين بدون وازع من دين أو خوف من عقاب....... وصدق من قال : ( من
أمن العقاب أساء الأدب ).
فإلى متى ستظل هذه الأبواق تنفخ في قربة الطائفية والتطاول على
العراقيين ؟..... وإلى متى ستبقى المؤسسات الإعلامية بدون قانون أو
رقيب يردعها ؟ |