هل يصبح العراق مستعمرة امريكية جديدة؟

 شبكة النبأ: إن التصريحات الامريكية الاخيرة حول نية اقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق تفرغ الجدال القائم في الولايات المتحدة حاليا حول ضرورة الانسحاب من محتواه.

فواشنطن تريد تعزيز حضورها في العراق لأسباب قوية ومهمة، أولها إحكام السيطرة على مصادر النفط، وبسط النفوذ الأمريكي على كل منطقة الخليج وما بعدها، ومواجهة إيران وسوريا وتحجيم دورهما الاقليمي، وكذلك حماية إسرائيل وتعويض خسارة عدد من القواعد الأمريكية في السعودية.

ان المشروع الامريكي من قبيل بقاء طويل الامد في العراق يعدّ مشروعا استعماريا على شاكلة المشروعين الفرنسي والبريطاني اللذان استهدفا الشرق الاوسط في القرن الماضي.

لكن إقامة 110 قاعدة عسكرية في العراق، من بينها 14 من المرجح أنها ستصير قواعد دائمة في كردستان ومطار بغداد ومحافظة الأنبار، وبناء اكبر سفارة امريكية في العالم، يشير الى ان الادارة الأمريكية لن تلتفت إلى الانتقادات في سبيل تحقيق هدفها.

هل انكشف المستور؟

يقول الكاتب باتريك سيل في صحيفة نيويورك تايمز، منذ عدة ايام وبطريقة تكاد تكون غير ملحوظة، دخلت الحرب في العراق طوراً جديداً. حدث ذلك بعد أن أكدت التصريحات المقتضبة الصادرة عن البيت الأبيض شيئاً ظل طويلاً موضعاً للشك، ألا وهو أن الولايات المتحدة تخطط لوجود عسكري طويل الأمد في العراق. ويعد هذا في الحقيقة تطوراً استراتيجياً عظيم الأهمية، حيث يمثل إعلاناً واضحاً من قبل الولايات المتحدة  أنه على رغم المصاعب التي تواجهها في ذلك البلد في الوقت الراهن فإنها تنوي استبقاء سيطرتها على العراق، وعلى احتياطياته النفطية الضخمة، وهو شيء سينتبه إليه ولاشك جيران العراق، والدول المتعطشة للطاقة، وشركات النفط العملاقة.

وفي زيارته للقيادة الأميركية في المحيط الهادي التي يقع مقرها في هونولولو ، قال وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس إن الولايات المتحدة تتطلع إلى وجود طويل ومستمر في العراق يتم بموجب ترتيبات متفق عليها بشكل ثنائي مع الحكومة العراقية.

وأضاف جيتس أن تلك العلاقات، يمكن أن تكون على غرار النموذج الكوري الجنوبي، أو على غرار ترتيباتنا الأمنية مع اليابان.

يذكر في هذا السياق أن هناك قوات أميركية موجودة في كوريا الجنوبية منذ انتهاء الحرب الكورية (50- 1953)، وأخرى في اليابان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

كذلك أكد المتحدث باسم البيت الأبيض توني سنو أن الرئيس بوش قال إنه يريد أن يرى وجوداً طويل الأمد للقوات الأميركية في العراق، يتم بناءا على دعوة من الدولة المضيفة.. لأن الحرب الدائرة في العراق، والحرب الأوسع نطاقاً ضد الإرهاب ستستغرقان وقتاً طويلاً - كما قال.

ويستطرد الكاتب باتريك سيل، مثل تلك التصريحات والتخطيط العسكري الذي يرافقها، تجهض بشكل واضح، بل وتُسَفِّه، الجدل الدائر في الوقت الراهن في الكونجرس وفي الصحافة، وبين الجمهور الأميركي العادي، حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تحدد موعداً نهائياً لانسحاب قواتها من العراق، أو ما إذا كانت الزيادة الأخيرة في أعداد القوات في هذا البلد تحقق نتائج إيجابية أم لا. فتلك التصريحات عن البقاء الدائم في العراق، تبين بجلاء أن إدارة بوش تنظر لما هو وراء ذلك بكثير، وهو ما يستدعي سؤالاً بديهياً هو: ما هي الدوافع التي تقف وراء ذلك الطموح البعيد الأمد؟ لاشك أن الرغبة في استبقاء السيطرة على مصدر مهم من مصادر الطاقة في وجه المنافسين المحتملين مثل الصين يمثل دافعاً من بين تلك الدوافع - فلو لم يكن هناك نفط في العراق لما كانت الولايات المتحدة هناك الآن.

الدافع الثاني لذلك، هو رغبة الولايات المتحدة في إظهار تواجدها القوي في منطقة الخليج المنتجة للنفط، بل وعلى ما وراءها، وهي منطقة تمتد من آسيا الوسطى إلى شرق أفريقيا.

وهناك إلى جانب ذينك الدافعين دوافع أخرى منها مواجهة إيران وسوريا، وتعويض القواعد التي فقدتها الولايات المتحدة في مناطق أخرى من المنطقة بأخرى جديدة في العراق، وهناك دافع آخر - وليس الأقل أهمية في هذا السياق- وهو حماية إسرائيل عند اللزوم. هذه هي الدوافع لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق، وهي ذاتها الدوافع التي جعلت الولايات المتحدة تقدم أصلاً على غزو ذلك البلد منذ أربع سنوات ونيف. وإذا ما نظرنا إلى الأمر من هذا المنظور، فإننا سندرك أنه على رغم كل تلك الأحاديث عن تحقيق الاستقرار، والترويج للديمقراطية، فإن المشروع الأميركي في العراق يمثل بلا مراء مشروعاً كولونيالياً جديداً، أو مشروعاً إمبريالياً، مثل ذلك الذي عانت منه المنطقة على أيدي بريطانيا وفرنسا في مرحلة سابقة.

ويضيف الكاتب سيل، الحق أن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وهو من كبار المنتقدين لإدارة بوش، كان بصيراً، عندما قال في الثالث من فبراير 2006: هناك أناس في واشنطن لا ينوون مطلقاً سحب القوات العسكرية من العراق، بل يتطلعون إلى بقاء تلك القوات لعشر سنوات أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة مستقبلاً... إن السبب الذي من أجله ذهبنا إلى العراق هو إقامة قاعدة عسكرية دائمة في الشرق الأوسط... علماً بأنني لم أسمع على الإطلاق من بين قادتنا العسكريين من يقول إنه سيلتزم أمام الشعب العراقي بأنه خلال عشر سنوات من الآن، لن تكون هناك قواعد عسكرية للولايات المتحدة في بلاد الرافدين.

ولكن هل تلك الطموحات الأميركية واقعية.. أم أنها ستراكم المشكلات للولايات المتحدة، وتفاقم من سوء علاقاتها التي وصلت إلى حالة مزرية مع معظم العالم العربي والإسلامي؟ مما يذكر في هذا السياق أن الجنرال أنتوني زيني القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، قد وصف فكرة إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق بأنها فكرة غبية، كما أنه من الواضح أنها غير مقبولة سياسياً، لأنها ستشوه صورتنا في المنطقة حيث سيعتقد الناس هناك أن ذلك كان هو غرضنا منذ البداية.

ويضيف الكاتب، في بواكير عام 2004، شجبت جيسكا ماثيوس رئيسة مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" فكرة إقامة قواعد دائمة في العراق ووصفتها بأنها فكرة سيئة بدرجة كارثية لأنها تؤكد شكوك العراقيين حول كون الولايات المتحدة شنت الحرب من أجل وضع يدها على نفطهم، والسيطرة على المنطقة، وإقامة حكومة من الدمى في العراق.

وعلى رغم كل ذلك فإن عملية بناء القواعد العسكرية الأميركية في العراق تمضي على نحو حثيث، وبتكلفة تزيد على مليار دولار في العام. وخلال السنوات التي انقضت منذ وقوع الغزو، كانت هناك تقارير صحفية عديدة عن القواعد هائلة الحجم التي بنتها الولايات المتحدة في العراق والتي تواصل توسيعها. فهناك قاعدة ( بلد ) الضخمة التي تقع على مساحة 14 ميلاً مربعاً وتبعد 40 ميلاً إلى الشمال عن بغداد، وكانت تشغلها سابقاً الكلية الجوية العراقية. وهناك قاعدة أكثر ضخامة هي قاعدة ( الأسد ) التي تقع على مساحة 19 ميلاً مربعاً، وهناك قاعدة ( الطليل ) وقاعدة ( الصقر ) وقاعدة ( القياره ) في الشمال - والكثير غيرها.

ويختتم الكاتب باتريك قائلا، عقب غزوها للعراق بفترة قصيرة، أقامت الولايات المتحدة 110 قواعد هناك.. وعلى ما يبدو أن الخطة الحالية تهدف إلى تعزيز القواعد الأربعة عشرة (الدائمة) التي تقع في كردستان العراق، وفي مطار بغداد، ومحافظة الأنبار، وفي المداخل الجنوبية للعاصمة بغداد.

كما أن بناء سفارة أميركية قادرة على استيعاب 1000 موظف، وتقام على مساحة 100 فدان على ضفاف نهر دجلة - لتصبح أكبر سفارة أميركية في العالم- لا يشير إلى فك اشتباك أميركي مبكر مع العراق.

العراق والسيناريو الكوري... وحرب المقارنات

من جانب اخر وفي معرض تناوله لحرب المقارنات الجارية بشان الموقف الامريكي الحالي في العراق يقول الكاتب ديفيد سنجر في صحيفة نيويورك تايمز، شرعت إدارة بوش مؤخراً في مناقشة فكرة إقامة قواعد للقوات الأميركية في العراق علناً على أساس بقائها هناك لسنوات بل وعقود، وهو موضوع محفوف بالألغام السياسية إلى درجة تدفع المسؤولين الأميركيين إلى الالتفاف على الأسئلة التي لا مناص منها بخصوص طبيعة المهمة طويلة الأمد للولايات المتحدة هناك.

الواقع أن الرئيس الأميركي جورج بوش طالما تحدث في السابق عن ضرورة الحفاظ على حضور عسكري أميركي في المنطقة، ولكن من دون أن يذهب إلى حد تحديد المكان. وإضافة إلى ذلك، يفيد زوار مختلفون للبيت الأبيض بأن بوش يبدو مهتماً في المجالس الخاصة بما يسميه "النموذج الكوري"، في إشارة إلى الحضور الأميركي الكبير في كوريا الجنوبية على مدى السنوات الأربع والخمسين التي تلت "اتفاق الهدنة" الذي أنهى الأعمال العدائية المفتوحة بين "الشمال" و"الجنوب".

غير أن أحداً من إدارة بوش لم يسبق له أن طرح الفكرة علناً قبل يوم الأربعاء حين أشار المتحدث باسم بوش "توني سنو" إلى النموذج الكوري أثناء حديثه عن العراق -وهو ما فجر "حرب مقارنات" بين البيت الأبيض والمنتقدين الذين اتهموا الإدارة مرة أخرى بجهل حقائق الأمور في العراق. وقال "سنو" إن النموذج الكوري الجنوبي هو إحدى الأفكار المطروحة بخصوص كيفية تحول مهمة الولايات المتحدة إلى "دور للدعم"، حين تنتهي مهمة القوات الأميركية في الحفاظ على الأمن في شوارع بغداد.

وفي اليوم التالي، أشار وزير الدفاع روبرت جيتس أيضاً إلى كوريا الجنوبية، قائلاً إن إقامة قاعدة أميركية طويلة المدى هناك أسلوب أذكى من الأسلوب الذي تم تبنيه بخصوص حرب فيتنام، حين غادرنا نهائياً، مضيفاً أن الفكرة هي نموذج لاتفاق نحصل بموجبه على حضور طويل ودائم، ولكن بموافقة من الطرفين ووفق بعض الشروط.

وتعد كوريا الجنوبية نموذجاً جذاباً لإدارة بوش لجملة من الأسباب: فبعد نصف قرن، تعد هذه البلاد اليوم ديمقراطية صلبة تتمتع باقتصاد قوي عالمياً. غير أن كوريا الجنوبية هي في الوقت نفسه نموذج من النوع الذي يؤجج مخاوف أولئك الذين يرون أن العراق ماضٍ نحو حرب لا نهاية لها، على اعتبار أن النموذج يشير إلى حضور شبه دائم في العراق، وإن كان بعدد أقل بكثير من القوات مقارنة مع الـ150000 جندي المرابطين هناك اليوم.

علاوة على ذلك، فإن الكونجرس ذا الأغلبية الديمقراطية، الذي مازال يدفع في اتجاه تحديد سقف زمني لسحب القوات، لا يرحب بالحديث عن قواعد دائمة، وإن كان الكثير من "الديمقراطيين" يقرون بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تنسحب بكل بساطة من العراق وتتركه غارقاً في الفوضى.

كما يشير المنتقدون في اليسار، الذين جادلوا على مدى سنوات بأن حرب العراق إنما شُنت بدافع النفط، إلى هذا الحديث باعتباره دليلاً على أن الأجندة الحقيقية للإدارة تتمثل في وضع قواتها بالقرب من أنابيب النفط العراقية. أما أولئك الذين يخشون أن يكون الهدف المقبل هو إيران فسينظرون إلى الحضور الأميركي باعتباره قواعد خلفية في حال قررت الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري ضد برنامج إيران النووي والتعامل مع التداعيات لاحقاً.

اللافت أن المقارنات التاريخية شكلت مشكلة بالنسبة لهذه الإدارة منذ اندلاع حرب العراق في 2003. ففي الأشهر التي تلت الغزو، راج حديث حول جعل عراق ما بعد صدام نموذجاً على شاكلة الاحتلال الناجح لليابان وألمانيا، غير أن المؤرخين والمحللين كانوا يحذرون من عقد مقارنات مماثلة على اعتبار أن الأمر كان يتعلق بمجتمعين متلاحمين أنهكتهما سنوات طويلة من الحرب ولا يشبهان المجتمع العراقي المشرذم في شيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17 حزيران/2007 -29/جمادي الأول/1428