مصطلحات سياسية: الأوليغارشية.. سياسة التسلط واستبداد الاحزاب

  الأوليغارشية

  Oligarchie, Oligarchy

شبكة النبأ: تقود احترافية السياسة إلى نشوء طاقم سياسي متخصص يتذرع بخبرته الخاصة ليبرر مكانته كنخبة والتحكم الذي يمارسه على إدارة الأحزاب السياسية.

متبعاً خطوات أوستروغورسكي.. أظهر روبرتو ميكلز في كتابه الكلاسيكي، "الأحزاب السياسية، بحث في الميول الأوليغارشية في الديمقراطيات"، كيف أن قادة حزب مثل الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني، وفيما كان في أوج قوته التنظيمية، شكلوا هم أيضاً أوليغارشية داخلية مغلقة وحريصة على حماية استمرارية سلطتها، بالرغم من الإيديولوجية الاشتراكية رسمياً والمفتوحة على العمليات الديمقراطية، والتي يتبناها هذا التنظيم العامل الكبير. هذه الأوليغارشية تستفيد من مزايا مكانتها، وتراقب ملفات الأعضاء وتسميات الطاقم الداخلي، وتتحكم بأصوات مختلف الجمعيات الانتخابية الداخلية، فتبرر عبر تقسيم العمل مصادرتها للسلطة. إنها عبارة عن مجموعة ضيقة تنجح في البقاء في السلطة مهما تكن المنعطفات الإيديولوجية، وفي التحول إلى دائرة إدارة طويل الأمد. يظهر قانون الأوليغارشية هذا كعملية لا بد من أن تؤدي، وبالرغم من القيم الديمقراطية المعلنة، إلى نواة إدارية ثابتة تملك صلاحيات اجتماعية اقتصادية مهمة تحرص عليها مانعة ترقية الأعضاء المنتمين حديثاً. وحتى في أيامنا هذه، برغم الاختلافات الشديدة في أيديولوجيتها ونمط تنظيمها الداخلي، وسواء أكانت مركزية أم غير مركزية، تتسم الأحزاب الأمريكية الكبيرة، أو أيضاً الديمقراطية المسيحية الإيطالية وكذلك الأحزاب الشيوعية في الغرب والأحزاب الاشتراكية، أو التنظيمات السياسية المتوالية التابعة لديغول، تتسم، بدرجات متفاوتة، بهذه الملامح الأوليغارشية ذاتها والتي يصعب على ما يبدو تفاديها، وهكذا فهي تحد من التعبير الديمقراطي للمواطنين وتدرج بينها وبين الدولة حاجباً من الامتيازات الشخصية والتي قد تمنع النقل العملي لمطالبهم.

متعلقات

عن الأوليغارشية والطائفية في تجاربنا الراهنة(1)

من دون ديموقراطية سياسية، خلافا لدول كثيرة في الغرب والشرق، ومن دون «ديموقراطية

اجتماعية»، على عكس ما كان بعضها قبل أربعين عاما، آلت نظم الحكم في أكثر الدول العربية إلى أوليغارشيات ضيقة. فبينما تستجيب الديموقراطية السياسية للحاجة إلى الفصل بين السلطة والثروة (وبين السلطة والنسب)، أو الحد من احتمالات تطابقهما، فإن الديموقراطية الاجتماعية كانت موجهة بنيّة تسخير السلطة لمصلحة كسر احتكار الثروة. على أن الالتزام هذا اقتضى في التجارب العربية وغير العربية تركيزا عاليا للسلطة واحتكارا متشددا لها، الأمر الذي لم يتأخر في جميع الحالات التي نعرفها عن توليد احتكار جديد للثروة متوافق معه. وستكون الحصيلة النهائية للديموقراطية الاجتماعية نقل الثروة من أيد إلى أيد أخرى، أو وضع طبقة محل طبقة. غير أن الطبقة الجديدة تملك السلطة والثروة معا. ولحداثة عهدها وارتباط ثروتها بسلطتها، فقد نزعت بثبات نحو استخدام السلطة العارية لحراسة الثروة الفاحشة.

ونتحدث عن نظم أوليغارشية لإبراز واقع التطابق الجديد بين السلطة والثروة. فالنظم هذه ليست محكومة من قبل قلة فقط، وإنما هي أيضا تراعي مصالح أقلية اجتماعية. قد يمكن أن توصف القلة هذه بأنها طبقة، على أن نعرّف الطبقة بأنها موقع من السلطة السياسية التي تتحكم بقوة بالموارد والثروات الوطنية، وبالعمليات الاقتصادية المحلية والدولية.

تجمع الأوليغارشيات العربية بين الدوام المميز لاشتراكياتنا أو ديموقراطياتنا الاجتماعية في ستينات القرن العشرين، كالبعثية والناصرية و»جبهة التحرير» الاشتراكية في الجزائر...، وبين ما يميز الليبرالية الصرفة من التزام محدود بدور اجتماعي. فلا هي اليوم دول تغييرية ولا هي دول تتغير. وتتمحور سياستها بصورة كاملة حول دوامها الذاتي ومنع التغير من أي مصدر جاء ومهما يكن إيقاعه الزمني. ولعله لأول مرة في تاريخنا الحديث تمضي عقود دون أن تتغير نظمنا الاجتماعية أو تتغير نظم حكمنا. والأرجح أن لذلك صلة وثيقة بكون التغيير السياسي حاملا لأول مرة أيضا لمخاطر انهيار الدولة والاحتراب الأهلي.

لكن كيف يضمن نظام أوليغارشي بقاءه؟ بطرق متنوعة، أبرزها ثلاث: فائض من العنف، الغرض منه سحق فكرة الاعتراض الاجتماعي وليس فقط التغلب عليه؛ عقيدة إجماع وطني مفروضة تخفي الطابع الأقلوي للنظام، أعني صفته كنظام أعياني جديد؛ وأخيرا تفريق المجتمع المحكوم لتسهيل السيادة عليه، وذلك بأن يغدو النظام الأوليغارشي الممرّ المحتوم للتفاعلات الاجتماعية بين السكان، وهو ما سميناه في غير مكان نموذج المجتمع الممسوك، المحروم من أي تماسك ذاتي، والذي تتحكم سلطات ماسكة بمستوى تماسكه ووحدته.

ويمكن للتفريق أن يسلك خطوط التمايز الدينية أو المذهبية أو الإثنية القائمة أصلا في أكثر مجتمعات المشرق العربي. هذا يحصل من تلقاء ذاته في غياب إطار تماهٍ وطني مطابق للدولة. لكن يحصل في الغالب أن الأطقم الأوليغارشية تشجعه أو تتعامل مع مجتمعاتها بوصفها مكونة من أديان ومذاهب وإثنيات، وتعتمد على هذه اعتمادا تفاضليا كركيزة لحكمها وأمنها. ويلبي الارتكاز الأخير حاجتها إلى توفير قاعدة مأمونة وموثوقة للأوليغارشية الحاكمة.

هنا أصل أساسي للطائفية في مجتمعاتنا المشرقية. إنها من الخطط السياسية للأوليغارشية، أي لضمان الحكم الامتيازي لطبقة اجتماعية محدودة الحجم. ولعل هذه هي الحلقة المفقودة بين «الصراع الطبقي» و«الصراع الطائفي».

 نريد القول إن نظمنا المشرقية ليست طائفية أو أقلوية بالمعنى الثقافي، إلا لأنها نظم أقلوية بالمعنى الاجتماعي للكلمة. ويتأسس على هذه المقاربة القول إن الطائفية ظاهرة مشتقة وليست أساسية أو أصلية. إنها مرتبطة بنظم سياسية استبدادية، لا يمكن لغير استبدادها أن يحرس امتيازاتها واحتلالها موقع السيطرة على الموارد الوطنية وتحديد القرارات المهمة بشان توجيهها وتوزيعها. نستخلص أيضا أن الطائفية لا تصنع خارج السياسة والسلطة أو بمعزل عنها.

ويتمثل المغزى السياسي العملي لهذه المقاربة في أن أية استراتيجية للتحرر الديموقراطي والاجتماعي لا تذهب من وراء المظهر الإيديولوجي إلى الجوهر الاجتماعي تجازف بأن تعطي نتائج معاكسة تصب في مصلحة النظم الأقلوية الحاكمة. المسألة في جوهرها مسألة «حكم قلة» وليس «حكم أقلية» بالمعنى الاصطلاحي للكلمتين (القلة اصطلاحا: طبقة أو شريحة؛ والأقلية جماعة دينية أو مذهبية أو إثنية).

على أنه يتعين أن نتجنب نزعة اختزالية لطالما ميزت المقاربة اليسارية للطائفية، نزعة تنكر أية استقلالية على جملة العلاقات والعمليات التي نطلق عليها اسم الطائفية، وتجعل منها ظلا شحيحا لواقع طبقي يتمتع وحده بالأصالة. ما تخفق النزعة هذه في توضيحه هو سر فاعلية الطائفية وقدرة الطائفيين على حشد جمهور محروم، على العموم، وراءهم. الجواب الذي نقترحه يقتضي الكف عن مقاربة الطائفية بلغة معيارية تجعل منها رمزا لكل ما هو متخلف من جهة، ومخرب للوحدة الوطنية من جهة أخرى، ومعكر للصفاء الطبقي من جهة أخيرة. الطوائف، وهي نتاج الطائفية وليس العكس، تسيس جمهورا غفلا خاملا، وتزجه في حياة عامة لم تتوفر له في ظل الوطنيات الشكلية القائمة. وهي تحرر الجمهور هذا من غربته وتمنحه شعورا بقضية مشتركة ودرجة من المساواة لا تتوفر له في أطره العضوية التقليدية ولا في الدولة. هذا ما قد تصح تسميته بالنزعة الجمهورية الطائفية.

على أن رفض الاختزالية لا يلغي سلامة مقاربة الطائفية بوصفها استراتيجية للسيطرة السياسية وحارسة لامتيازات اجتماعية واقتصادية. فالجمهوريات الطائفية، أعني الطوائف كجمهوريات، تخذل بصورة نسقية نزعات الجمهور التحررية والمساواتية. وهي تموه بتغـذية شعور من القرابة والوحـدة حقيـقـة كونـها سلالم صعود للنخب الطائفية التي قلما تجد صعوبة في التفاهم بينها من وراء ظهر الجمهور (كان أشار إلى ذلك ياسين الحافظ في مقاربته للحرب اللبنانية، ضدا على تحليلات يساروية كانت تصادر على أن الجماهير الكادحة في مختلف الطوائف، وقد كان وقود الحرب كما هو معلوم، متطابقة المصالح ضد مستغليها الرأسماليين!)... ولا تشكل الطوائف أطرا للترقي الفكري والسياسي والأخلاقـي إلا فـي مجـتمعـات تـدنـت فـيها الدولـة إلى مستوى العشيرة، أي ما دون الطائفـة، وغـدت وكالة أمنية رعناء لحماية امتيازات لاعقلانية واستثناءات غير شرعية. فإذا تعقلنت الدولة، ولو قليلا، تراجعت الطائفية وتكشف طابع الطوائف الضيق والرجعي.

لكن لماذا تبدو الطائفية مسألة أديان ومذاهب وعقائد؟ لأن الإيديولوجية الطائفية تقوم على ذلك بالذات، أي على حجب وقائع السلطة والثروة وراء وقائع التمايز الديني، ولأنها تسخر وقائع القرابة الدينية والمذهبية لحماية الأوضاع الامتيازية التي تجني منها أعظم المكاسب. إن حكم القلة الثرية لا يقوم دون أن يحصن طابعه الجائر بمحاسيب موثوقين، ودون أن يخفي هذا التحصين وراء بلاغة وطنية عمومية من جهة، أو يعيد الاعتراض عليها إلى الإغراض الديني والمذهبي من جهة ثانية.

الحرب على لبنان ومشروع القرن الأمريكي الجديد(2)

 وإذا كان العاقل منا يتجنب الوقوع فيما يمكن أن يعتبر تفكيرا سطحيا والقول بأن ما يزعج سادتنا في الغرب هو هذا الانتشار الأفقي للإسلام في كل القارات: في أوروبا وجنوب شرق آسيا وفي أمريكا بالذات في مقابل التقوقع والانكماش للديانة المسيحية وانحسار حملاتها التبشيرية ،فماذا لو كان هذا التفكير السطحي هو بالضبط ما تفكر به القلة الأوليغارشية المتحكمة الآن في مصائر الشعوب ؟!

فليست الحرب على "الإرهاب" التي هي بالفعل "أولى الحروب العالمية في القرن الواحد والعشرين" على حد تعبير إيهود باراك سوى الفصل الأول من فصول ذلك المشروع التجزيئي.

ولإنجاز ذلك الهدف تحتاج القلة الأوليغارشية إلى توفر شروط ثلاثة على سبيل الإلزام:

*/ أن تتقاسم جميع دول العالم نفس النظام السياسي وهو "الديمقراطية مهما كلف الثمن " حتى ولو كان ذلك الثمن دماء الآلاف من شعوبها والقضاء إلى الأبد على أمل التعايش بين مكوناتها على غرار النموذجين العراقي والأفغاني، واللبناني حاليا.

*/أن يكون زعماء الدول جميعا قابلين للتحكم أو خاضعين مباشرة للألغارشية الدولية بحيث لا يكون ثمة أي شيء ولا أي شخص يعارض التحقيق النهائي لذلك المخطط.

*/ أن تستعمل الدول جميعا عملة مرجعية واحدة.

هذا ما جعل أهداف الحرب على "الإرهاب" تتحدد على النحو الآتي:

*/ عزل "المستبدين" وإسقاط الأنظمة "المعادية" بشكل يمكن من "تخليص" العالم من "الشر" وتغليب "الخير" و"الديمقراطية" إلى الأبد.

*/ وصم كل شخص يعارض تحقيق تلك الاستراتيجية بـ "الإرهاب" إذ "من ليس معنا فهو ضدنا".

*/ نزع سلاح العالم حتى تكون قوات الإمبراطورية وحدها القادرة على السيطرة عليه لضمان "الأمن".

*/ تمكين الأقلية الأوليغارشية مباشرة من التحكم في معدلات إنتاج النفط العالمية وفي المخدرات وفي المياه بشكل يعزز السلطة المطلقة على باقي المعمورة.

*/ جعل جيوش الإمبراطورية وتسليحها مبررا للميزانيات العسكرية وهو ما جعل إمبراطورية الغرب لا تكف عن التهديد بالحرب النووية دولا نذكر منها:إيران وسوريا والسودان وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا.

فإذا كان الأمر كذلك وكان هذا هو الإرهاب فلم لا نكون إرهابيين. أصبح الوصف بالإرهاب تماما كالوصف بمعاداة السامية شرا مستطيرا لا يطيقه حتى الإرهابيون أنفسهم وقد رأينا كيف تسبب الوصف بالإرهاب في خسارة فرنسا لكأس العالم ! إلا أن الوصف بمعاداة السامية يختلف عن الوصف بالإرهاب في أن التهمة الأولى يقصد منها الإنكار ونفي التهمة في حين يقصد بالثانية إلحاق الأذى.

ولم لا يكون شعارنا في هذه الحرب الكيانية (التي تستهدف كياننا) : مهلاً لا تقتل أخى وتتركني فكلنا إرهابيون ! وتيقنوا بأننا بالفعل كذلك بالمعنى الذي تقصده الأوليغارشية الكليانية  

ما أنوه إليه في هذا المقام هو أن الأوليغارشية الكليانية تعبر عن إرادة شمولية واحدة لكنها قد تختلف في وسائلها بين هذا الطرف أو ذاك لكن الهدف الذي حددته لنفسها يظل واحدا: إعادة تشكيل العالم على منوالها وهذا ما كررته في هذا اليوم بالذات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس عندما تحدثت عن الفكرة القديمة عن "الشرق الأوسط الجديد".

الإعلام أو الذراع الأيديولوجي للأوليغارشية الدولية هو الوسيلة الأولى المستخدمة لاستهواء الجمهور للماثلة مع النموذج الذي تحاول إقناع جماهير المعمورة بأنه الأفضل.فلا نستغرب عندما نرى هذا الإعلام "الحر" "المستقل" يعبئ بشكل منظم وعن قصد كافة وسائله للدفاع عن الخداع الشامل وتغطية النوايا الحقيقية لهذه القلة الأوليغارشية.

ذلك ما جعل دافيد روكفلير يتوجه إلى الصحافة خلال اجتماع اللجنة الثلاثية بهذه العبارات: "نحن مدينون للواشنتون بوست ولنيورك تايمز والتايمز ماغازين ولغيرها من الصحف الكبرى التي ساهم مدراؤها في لقاءاتنا والتزموا بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم بالسرية خلال ما يناهز الأربعين عاما .فلم يكن في مقدورنا بناء خطتنا للعالم طوال هذه السنين لو كانت الأضواء مسلطة على أنشطتنا .فالعالم الآن هو أكثر تطورا وأكثر استعدادا لقبول حكومة عالمية.فالسيادة العالمية هي بالتأكيد أفضل من مبدأ الاستقلال الذات الوطني للشعوب الذي تمت ممارسته طوال هذه العقود الأخيرة ".

وكما أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد اتخذت ذريعة لتنفيذ الخطوة الأولى من "مشروع القرن الأمريكي الجديد" من خلال الحرب على العراق،فإن عملية حزب الله قد تصبح بدورها الشرارة التي تدفع إلى الشروع في تحقيق الخطوة اللاحقة في المشروع.

............................................................

1- معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية/ بيار بيرنبوم

2- ياسين الحاج صالح/ فضاءات

3- أ.د. البكاي ولد عبد المالك/ موقع الاخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12 حزيران/2007 -24/جمادي الأول/1428