مجالس المحافظات  في العراق

 بين النجاح والإخفاق

إعداد وتحليل: عدنان الصالحي*

  مقدمة

شبكة النبأ: تمارس الحكومات في أي دولة من دول العالم، سواءً أكانت تلك المستبدة أم المتمقرطة وظيفتين أساسيتين في آن واحد،  هما: وظيفة الحكم والسياسة، ووظيفة الإدارة وتمشية شؤون المواطنين. وإذا كانت الوظيفة الأولى (الحكم والتسييس) تحتل اهتماماً كبيراً، إلا أن الإدارة وإنجاز معاملات المواطنين أصبحت اليوم لها الدور الأكبر، حيث إن المعضلات الإدارية والتعقيد المتصاعد في التداخلات الإدارية للدول والاحتياجات اليومية المتشابكة يمكن أن تعرقل الوظيفية الأساسية، وهي: الحكم وسير إدارة الدولة المركزية.

   وإذا كان هناك أكثر من نظرية لإدارة شؤون الدولة، إلا أن اللامركزية الإدارية باتت اليوم أكثر انتشاراً في الدول المتقدمة، وبدأت تستهوي الكثير من إدارات دول العالم الثالث، ومنها العراق على وجه الخصوص.

ومن وجهة نظر الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده) فإن (تطبيق سياسة اللامركزية في أي بلد يحقق الكثير من المزايا، لعل أهمها: أنها ممارسة فعلية لمبدأ الاستشارية السياسية الذي يقوم على أساس اشتراك المواطنين لإدارة شؤونهم والمشاركة في صنع القرار بأنفسهم، وهذا ما يعبر عنه في السياسات الحديثة "بالديمقراطية" فإن النظام الديمقراطي السياسي يمنح الفرد السلطة عن طريق الآخرين الذين يمنحونه هذه السلطة، ولذلك فهي ذلك النظام الذي يستطيع من خلاله المواطنون تحقيق أهدافهم، عن طريق الحكم بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب ).

   أما في العراق، فقد أدى التغيير السياسي في التاسع من ابريل عام 2003م إلى تغيير النظام الإداري في العراق، فقد اتجه من الناحية النظرية والتطبيقية معاً إلى العمل بالنظام اللامركزي أو ممارسة السلطات المحلية. حيث بدأ العمل بتشكيل مجالس المحافظات أولا تحت سلطة الائتلاف المؤقتة استناداً إلى أمر السلطة المؤقتة للائتلاف المرقم "71 " الساري المفعول الى الآن... ثم تم انتخاب مجالس المحافظات اثر نتائج الانتخابات التشريعية في 31 كانون الثاني عام 2005.

   إن اللامركزية الإدارية ومجالس المحافظات بدأت تأخذ اهتماماً متزايداً بعد التغيير السياسي في البلد والسبب الرئيس في ذلك هو محاولة الإفلات من قبضة الحكومة المركزية التي كانت تجربتها سيئةً طيلة العقود المنصرمة، إضافةً إلى الأسباب الأخرى.

   وحيث إن العراق يمر بمرحلة تأريخية حساسة للغاية، فالمطلوب منه أن يهدم البناء الأعوج الذي شيدته سلطات البعث،  ويشيد بدلاً عنه بناء الديمقراطية والحرية واللامركزية والمشاركة السياسية والإدارية ذلك البناء الذي يجب أن يكون الجميع مشتركاً فيها بدءً من مجلس النواب وانتهاء بالمواطن وما بينهما، والحلقة الأهم هي مجالس المحافظات وما ينتظر منها في المستقبل لتكون شريكاً أساسياً في التشريعات والقرارات المهمة، فأننا سوف نحاول في هذا الكراس تسليط الضوء على أهم مقومات ومعوقات مجالس المحافظات وأسباب فشل بعضها والحلول الناجعة التي من الممكن الاستفادة منها في المستقبل، وكيفية اختيار الأعضاء وانتخابهم.

 وأيضا إعطاء القارئ الكريم تصورا واضحا عن أداء مجالس المحافظات، وكيف يمكن أن يكون سنداً وعنصراً فعالا في إنجاحها وتطويرها وتقوية الصلة باعضاءها على أساس أنهم ممثلون لمصالح تلك المحافظة، وكيفية إشراكهم في صنع القرار بالاشتراك مع الحكومة المركزية.

اللامركزية الإدارية

  تُعرف اللامركزية الإدارية بأنها: طريقة من طرق الإدارة يتم بموجبها تقاسم الوظيفة الإدارية بين حكومة المركز، وبين هيئات أو إدارات منتخبة محلية تباشر سلطات ومهام ووظائف محلية بالتنسيق مع الحكومة المركزية.

   وفي هذا السياق هناك ثلاثة أركان في النظام اللامركزي الإداري:

1-الركن الأول: يقتصر النظام اللامركزي على وظيفة الإدارة ولا يشمل وظيفة الحكم، وعليه فان الوحدة التركيبية للدولة تبقى واحدة، أي أن الدولة تشهد وحدة واحدة في القانون.بمعنى آخر تقوم مجالس المحافظات بدور العمل الإداري فقط دون التدخل بالقرار السياسي أو التأثير فيه.

2-الركن الثاني: وجود مجالس محلية منتخبة تزاول إدارة المحافظة أو القضاء أو الناحية ويكون لها دور في وظيفة الحكم المحلي إضافة إلى إدارة الشؤون الداخلية.

3-الركن الثالث: الرقابة والإشراف، حيث إن قيام المجالس بإدارة المؤسسات والدوائر في المحافظة  أو القضاء أو الناحية يجب أن يخضع إلى رقابة المركز وإشرافه.

      وهنا تختلف الدول في طريقة وأسلوب الإشراف فبعضها يجعل الرقابة بيد القضاء والبرلمان مع رقابة بسيطة لحكومة المركز في حين إن بعض الدول الأخرى تجعل من الحكومة المركزية رقيباً أساسياً مع رقابة البرلمان والقضاء.

مميزات اللامركزية الإدارية

يتمتع النظام اللامركزي الإداري بمميزات عدّة منها:

1-إن اللامركزية الإدارية تؤدي إلى الوصول لحسن الأداء الإداري لسببين: الأول: إن حاجات المحافظة سيتم تحديدها بوجه الدقة لان أعضاء مجلس المحافظة الذين يتولون الإدارة هم من أهل المحافظة نفسها ويملكون معلومات دقيقة عن احتياجات ومصالح محافظتهم.

      أما الثاني: فان أعضاء مجلس المحافظة سيكون لديهم ولاء وإخلاص بقدر ما يتفانون في تطوير محافظتهم أكثر من الأشخاص الآخرين الذين لاينتمون إلى المحافظة.

2-إن اللامركزية الإدارية تستجيب لواقع التفاصيل الإدارية المتشعبة،كما تؤدي إلى السرعة في الأداء خاصةً في مواجهة الأزمات الطارئة.

3-إن المجالس المنتخبة التي تؤدي المهام الإدارية في المحافظات لها الجرأة في العمل أكثر من الموظفين في النظام المركزي، والسبب في ذلك ناتجٌ من خوف الأعضاء من الفشل العلني أمام أبناء محافظتهم والثاني التوقع للنجاح أمامهم لكسب الرضا والقبول والتأييد مستقبلاََ.

عيوب اللامركزية الإدارية

في الوقت نفسه وجّه للنظام اللامركزية عيوب عدّة منها:

1-إنها تمثل خطراً و تحدياً للوحدة الإدارية داخل الوحدة الواحدة، وذلك لأن مجالس المحافظات المنتخبة في المحافظات ربما ستتولى إدارة مصالح ومرافق المحافظة على نحو مختلف في أسلوب الإدارة المتبع في المركز وباقي المحافظات.

2-تَعدَّ المجالس المنتخبة في المحافظات اقل خبرة وتفتقد إلى المهارات والمؤهلات الفنية التي يتمتع بها موظفو الإدارة المركزية.

3-تَعدّ المرافق اللامركزية الإدارية أكثر تبذيراً من المركزية وميلاً إلى زيادة عدد المصالح أو المرافق العمومية.

4-ربما يكون احد نتائج اللامركزية تشتيت وبعثرة السلطة إلى الحد  الذي يفقد الدولة هيبتها.

أسباب قيام اللامركزية في العراق

 في العراق هناك أسباب عدّة نتجت عنها الآلية الجديدة المتبعة في القيادة أو الإدارة منها:

1-تقسيم البلاد بعد سقوط النظام البائد إلى مناطق عسكرية تحكمها القوات المتعددة الجنسيات مما شكل مجالس محلية ومناطقية تعمل مع تلك القوات على أساس تسيير الإعمال والخدمات اليومية والذي نتج عنه تقسيم مناطقي إداري يعمل كلاً على حدة.

2-التجارب السيئة مع الأساليب القديمة في الحكم ( حكومة المركز المطلقة) ومحاولة تحصين السلطة من إنفراد جهة معينة أو شخص محدد وتوزيعها بين أكثر من طرف ومنح صلاحيات أوسع لإدارات السلطة المحلية ضمانا منها لعدم عودة الاستبداد والتصرف الانفرادي بالسلطة.

3-الإقصاء والتهميش والحرمان الكبير الذي عانت منه مناطق عدةّ أبان الحكومات السابقة على الرغم من احتواءها على الكثير من الثروات التي لم تنتفع بها،  بل واسُتخدمت بأساليب خاطئة وبشكل سلبي في سير الحكم وتشديد قبضته على حساب الخدمات والمنافع الاجتماعية، التي ولدت ردة فعل بعد التغيير السياسي اتجه نحو محاولة الاستفادة من تلك الثروات الموقعية والتعويض عن الفترات السابقة.

4-التوسع والتشعب الإداري الكبير الناتج من التغيير السياسي والذي يصعب على حكومة المركز مفردة مواجهته والتوجه العام الذي بدا يسود مناطق كثيرة من العالم والانفتاح الذي شهدته البلاد،  وتغيير صيغ التفكير من الارتباط المطلق بالمركز إلى إنشاء قيادات مساعدة،  وسريان مفاهيم جديدة في المجتمع العراقي من حيث التعامل القيادي ولاسيما بعد عودة أكثر المهجرين من سياسات النظام السابق واطلاعهم على أساليب الحكم في الدول التي كانوا يقطنوها ومحاولة الاستفادة من تجاربها.

5-محاولة التهرب من تطبيق الفدرالية من قبل بعض الأحزاب السياسية وتخوفهم منها أدى إلى دعمهم الكبير لقضية (اللامركزية الإدارية ) و الاستمرار في تجربة مجالس المحافظات، وتأجيل البت في تطبق النظام الفدرالي في المحافظات إلى وقت أخر... وهذا بدوره كرس ودعم النظام اللامركزي بصيغة أو بأخرى.

 

مجالس المحافظات وقانون التشريع

أولا:  قانون إدارة الدولة العراقية

 *(الباب الثامن ـ الأقاليم والمحافظات والبلديات والهيئات المحلية)

المادة الخامسة والخمسون:

(أ‌)      ـ يحق لكل محافظة تشكيل مجلس محافظة وتسمية محافظ، وتشكيل مجالس بلدية ومحلية،  ولا يتم إقالة أي عضو في حكومة إقليم،  أو أي محافظ أو عضو في أي من مجالس المحافظة أو البلدية أو المحلية على يد الحكومة الاتحادية أو على يد احد مسؤوليها، إلا إذا أدين من قبل محكمة ذات اختصاص بجريمة وفقا للقانون.

 كما لا يجوز لحكومة إقليم عزل (محافظ) أو (عضو) من أعضاء أي من مجالس المحافظة أو البلدية أو المحلية، ولا يكون أي محافظ، أو أي عضو في مجالس المحافظة أو البلدية أو المحلية خاضعا لسيطرة الحكومة الاتحادية. إلا بقدر ما يتعلق الأمر بالصلاحيات المبينة في المادة 25 والمادة 43 (د)  من القانون.    
المادة السادسة والخمسون:

(أ) ـ تُساعد مجالس المحافظات الحكومة الاتحادية في تنسيق عمليات الوزارة الاتحادية الجارية داخل المحافظة،  بما في ذلك مراجعة خطط الوزارة السنوية وميزانيتها بشأن الأنشطة الجارية في المحافظة نفسها. يجري تمويل مجالس المحافظات من الميزانية العامة للدولة.

    ولهذه المجالس الصلاحية كذلك بزيادة إيراداتها بشكل مستقل عن طريق فرض الضرائب والرسوم، وتنظيم عمليات إدارة المحافظة، والمبادرة بإنشاء المشروعات وتنفيذها على مستوى المحافظة وحدها أو بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات الغير حكومية، والقيام بأنشطة أخرى طالما كانت تتماشى مع القوانين الاتحادية.

 (ب) ـ تساعد مجالس الاقضية والنواحي وغيرها من المجالس ذات العلاقة في أداء مسؤوليات الحكومة الاتحادية وتقديم الخدمات العامة وذلك بمراجعة خطط الوزارة الاتحادية في الأماكن المذكورة والتأكد من أنها تلبي الحاجات والمصالح المحلية بشكل سليم،  وتحديد متطلبات الميزانية المحلية من خلال إجراءات الموازنة العامة وجمع الإيرادات المحلية وجباية الضرائب والرسوم والحفاظ عليها، وتنظيم عمليات الإدارة المحلية والمبادرة بإنشاء المشروعات المحلية وتنفيذها وحدها أو بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والقيام بأنشطة أخرى تتماشى مع القانون.

(ج) ـ تتخذ الحكومة الاتحادية كلما كان ذلك عمليا إجراءات لمنح الإدارات المحلية والإقليمية والمحافظات سلطات إضافية وبشكل منهجي،  سيتم تنظيم الوحدات الإقليمية وإدارات المحافظات، بما فيها حكومة إقليم كردستان، على أساس مبدأ اللامركزية ومنح السلطات للإدارات البلدية والمحلية.

الأمر (71) ماهيته وأسبابه

  صدر أمر سلطة الائتلاف  رقم(71) وهو يكرس مبدأ اللامركزية الإدارية الذي جاء في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ولكن بإستفاضة وإستطراد أكثر في تشكيل مجالس المحافظات وتفصيل اختصاصاتها.

 وهنا يتم التركيز على هذا الأمر لسببين:

1-الأول:  كون الأمر ساري المفعول لوقتنا الحاضر، لعدم وجود تشريع بديل عنه وبالتالي فمن الضروري أن يطلع القارئ على أهم ما جاء به هذا الأمر والاختصاصات التي منحها للمجالس.

2-والثاني يعد هذا الأمر أول تشريع يبين بالتفصيل صلاحيات  الحكومة المحلية وإختصاصات المجالس والذي صدر بعد تغيير النظام السياسي في العراق، وبالتالي فأنه يُعد نقطة انطلاق للتشريعات التي ستصدر لاحقاً مما يفيد بتشخيص النقاط السلبية والايجابية التي رافقت  عمل المجالس وفق ذلك القانون.

أما الأسباب التي دعت لتشريع هذا القانون  فهي:

· تطبيق مبدأ اللامركزية في سلطات الحكم التي تضمنتها (قانون إدارة الدولة).

· تحسين إيصال الخدمات العامة إلى الشعب العراقي وجعل الحكومة أكثر تجاوبا مع احتياجاته.

· تشجيع ممارسة السلطة المحلية من قبل الموظفين المحليين في كل إقليم ومحافظة.

 

صلاحيات مجالس المحافظات بموجب الأمر(71) الصادر من سلطة الائتلاف

 لكون الأمر أعلاه مازال قائما بسبب عدم وجود القانون الخاص بالمحافظات فان صلاحيات المجالس مازالت تستند إليه وهي تباعا:

1-  تنظيم عمليات الإدارة في المحافظة.

2-المبادرة بإنشاء مشاريع على مستوى المحافظة بمفردها أو عن طريق الشراكة مع منظمات  دولية أو غير حكومية وتنفيذها.

3- تحديد أولويّات المحافظة وتعديل أي مشروع محلي محدد يرد في خطة الموازنة السنوية للوزارة.

4-تعديل أي مشروع محلي يرد في خطة الوزارة بتصويت ثلثي أعضاء المجلس بشرط أن لا يؤدي التعديل لزيادة حدود الصرف المذكورة في خطط الوزارة أو يتعارض مع فاعلية تنفيذ الأهداف الوطنية الموحدة.

5-مراقبة وتقديم التوصية لتحسين أداء الخدمات العامة وتمثيل اهتمامات الناخبين.

6-توليد وتحصيل العائدات بشكل مستقل عن طريق فرض الضرائب والرسوم.

7-المصادقة أو عدمها على التعيين الذي تقوم به الوزارات للمدراء العامين والموظفين المحليين في المناصب العليا.

8-إختيار المحافظين وعزلهم وإنتخاب محافظ أو وكيل محافظ جديدين.

9-التصويت على إختيار مدير الشرطة بالمحافظة أو عزله بتصويت ثلثي أعضاء المجلس.

 

ثانيا: الدستور العراقي

 كفل الدستور العراقي لسنة 2005 النظام الإداري اللامركزي، كما كفل إدارة المحافظات التي لم تنتظم في إقليم من قبل مجالس المحافظات وهي مجالس محلية منتخبة.

وبيّن الدستور إن جمهورية العراق تتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية(م/116 من الدستور) وبالتالي فان وضع الدولة مبني على شكلين:فيدرالي أو اتحادي، ولا مركزي.

  واشترط الدستور أن تكون تلك المجالس منتخبة انتخابا حراَ مباشراَ وبنفس الطريقة التي اشترطها قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية عندما نص على إجراء انتخابات المجالس بنفس اليوم الذي تجري فيه انتخابات الجمعية الوطنية في 31/1/2005 وتم ذلك بالفعل، إلا أن الانتخابات الثانية لم ترافق انتخابات مجلس النواب وأجُلت لأسباب عدةّ منها :عدم وجود تشريع خاص بمجالس المحافظات والذي تُرك لإصدار قانون لاحق يبين ذلك في (م/122ـ الفقرة رابعاً من الدستور).

* الفصل الثاني من الدستور (المحافظات التي لم تنتظم في إقليم)

المادة ( 118):         
أولا :ـ تتكون المحافظات من عددٍ من الأقضية والنواحي والقرى.

ثانياً :ـ تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها  من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون.

ثالثاً :ـ يُعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة،  لممارسة صلاحياته المخول بها من قبل المجلس.

رابعاً :ـ ينظم بقانونٍ، انتخاب مجلس المحافظة، والمحافظ، وصلاحياتهما.

خامساً :ـ لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة  بوزارة، وله ماليةٌ مستقلة.

موقع المجالس من الحكومة المركزية والجهات الرقابية

   من خلال قراءة النصوص الدستورية العامة بقانون المجالس يظهر من خلال ذلك بأن مجالس المحافظات تتمتع باستقلالية تامة في مزاولة أعمالها ومهامها الإدارية والمالية في المحافظة، وهي غير خاضعة لحكومة المركز لأنها منتخبة من قبل سكان المحافظة،  ولا تمارس حكومة المركز أية وصاية على مجالس المحافظات.

ولكن هنا يطرح سؤال، هل إن المجالس مستقلة تماماً وغير مراقبة أو محاسبة من أي جهة؟

 إن الاستقلالية التي منحها الدستور للمجالس هي من اجل إنجاح عملها وإعطاءها الحرية بالقدر الذي يلبي متطلبات العمل في حاجات المحافظة.

ولكن هذا لا يعني ترك الباب مفتوحا دون محاسبة أو مراقبة في حالة مخالفة المجالس لواجباتها أو ارتكابها مخالفات إدارية أو مالية تضر بسكان المحافظة، أي أنها لن تكون بمنأى عن المحاسبة القانونية أو القضائية أو الشعبية وبناءا على القواعد العامة للقانون توجد قنوات عدة من الرقابة.

  وهذه الرقابة تكون صمام أمان أمام تعسف المجالس وإضرارها بالمحافظة وسكانها بأية صورة ومن هذه القنوات:

1-الرقابة القضائية:  تتمثل الرقابة القضائية برقابة القضاء على أفعال وتصرفات أعضاء مجالس المحافظات التي تعد جرائم في نظر القانون كالرشوة والاختلاس وخيانة الأمة وغير ذلك،  كما تتمثل برقابة القضاء الإداري وهو يمارس الرقابة على صحة الأوامر والقرارات الإدارية التي قد تصدر وهي تخالف القانون، فضلا عن رقابة المحكمة الإتحادية العليا.

2- رقابة الهيئات والمنظمات المستقلة التي نص الدستور على استمرارها ورقابتها على أمور الصرف العام والحفاظ على المال العام من التلف والضياع والتبذير والفساد الإداري والمالي، ومن أمثلة ذلك هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وحسب المواد(102)و(103 )من الدستور.

3-الرقابة الشعبية هي مثال آخر على الجهات التي تراقب المجالس، ولكون الدستور منع الرقابة والتبعية من قبل الحكومة المركزية على المجالس إلا أنه عوض ذلك بالجهة التي أنتخبت المجلس مباشرة وأعطى لها صلاحية محاسبته ويتم ذلك من خلال:

منظمات المجتمع المدني، الإعلام  والصحافة، التظاهرات السلمية والاعتصامات، إضافة إلى إنشاء مكاتب شكاوى المواطنين داخل المحافظة، وقبل هذا يجب إن تفهم العلاقة بين مجلس المحافظة والسكان على أنها المصدر الشرعي للمجلس وان إستمرارية عمله وديمومته باقيةً على قوة الدعم والتأييد للمجلس.

تجربة المجالس على ارض الواقع

   بدأت فكرة المجالس المحلية على ارض الواقع بعد التاسع من نيسان عام 2003 وأخذت في بادئ الأمر تسميات مختلفة وكلا حسب موقعه الجغرافي، فبعضهم أطلق عليها الإدارة المدنية، وبعضهم الأخر المجلس البلدي، والبعض الأخر مجلس إدارة المحافظة.

وأياً كانت التسميات إلا إن الهدف بقي واحدا وهو السير بالبلاد من الحكم الشمولي المركزي الواحد إلى تعدد الحكومات المحلية وتقسيم الأدوار.

  وبرغم نتائج التغيير السياسي وفقدان السلطة لفترة غير قليلة فقد دفع الكثير من المتصدين لهذا النوع من العمل للسير فيه ولم يكن في حساباتهم بداية الأمر ماهية وطبيعة تلك الإدارات بقدر ما كانت تشبه إلى حد كبير حكومة مصغرة لتصريف الإعمال والخدمات اليومية بالتنسيق مع القوات الأجنبية.

   ورغم إن تلك الإدارات في بداية الأمر لم تكن ترتبط بأي مرجعية إدارية أو حكومة حقيقية إلا إنها في واقع الحال نجحت نجاحاً طيباً على مستوى تقديم الخدمات النسبية رغم انهيار أكثر البنى التحتية لها والسيطرة على الأوضاع من الانفلات إلى ما لا تحمد عقباه.

 وكما أسلفنا آنفا ورغم قلة الخبرة لدى المتصدين للعمل في تلك الحلقات إلا إنها كانت تجربة جيدة وطيبة في ذلك المسار رغم بعض الأخطاء التي صاحبتها،  وتصنف المجالس أو الإدارات المحلية التي نشأت بعد التغيير السياسي إلى أصناف عدةّ وذلك حسب الجهة التي قامت بموجبها تلك المجالس، ومن هذه الجهات:

1-الطرق المتنفذة والوجهائية حيث تم تعيين أكثر المجالس بتلك الطرق والتي استندت إلى مقدار معرفة الأشخاص وذياع صيتهم بين أفراد المحافظة ومعرفية أسمائهم بغض النظر عن شهاداتهم أو كفاءاتهم ولاسيما وجهاء المدينة وشيوخها من العشائر.

2-التعيين من قبل قوات سلطة الائتلاف المؤقتة بالتعاون مع بعض الأشخاص المنتدبين من قبل الشخصيات السياسية المرموقة في البلاد بالتشاور مع شخصيات إدارية أو عسكرية أو قيادية.

3-الانتخابات المغلقة والتي تمت بإنتخاب أشخاص من بين مجموعة بسيطة مرشحة لهذا العمل وكانت الطريقة مقتصرة على إنتخاب الحاضرين فيما بينهم لعضوية من يرونه مؤهلا لذلك وهي برغم قلتها ومحدوديتها إلا إنها تعد تقريبا أفضل الطرق التي  استخدمت في إبراز مجالس ناجحة نوعاً ما.

أهم ما تميزت به مجالس المحافظات

       قد يثني البعض على ما قدمته مجالس المحافظات، وقد يرى الآخر عكس ذلك وعلى كلا الرأيين فان الواقع على الأرض يبقى هو الفيصل بينهما،  وعلى هذا الأساس نرى أن مجالس المحافظات قد تميزت بكثير من الفاعلية والحيوية برغم الفترة التي قد نشأت ونمت فيها.

ويمكن إجمال ما قدمته تلك المجالس من خطوات على المستوى البناء الجدي بما يلي:

1-إن المجالس المحلية ضرورة حتمية لواقع جديد وحياة مغايرة عما كان في السابق في طريقة التفكير المركزي بكل شيء وقد أثبتت وجودها بالفعل بالرغم من قلة الخبرة وفترة النشوء.

2-صغر دائرة العمل الإداري في داخل المحافظات وتدخل المجالس في أجزاء كثيرة من العمل اليومي يظهر حالة العمل الرقابي والمتزامن من أكثر من طرف وكيفية تقديم أفضل الخدمات، ولاسيما في حالة الأزمات والمراحل الخطرة في بعض الحالات الحرجة سياسياً و امنياً.

3-إسناد الكثير من المهام إلى مجلس المحافظة بعد نزعها من الوزارات أعطى نوعاً من الاستحقاق إلى بعض المناطق المحرومة من خلال فرص التعيين والعمل الاقتصادي والإستثماري والنهوض بالمحافظة مستفيدة من وضعها الأمني المستقر نسبيا معزولة وغير مرتبطة بأوضاع باقي المحافظات غير الآمنة.

4-التأهيل والتدريب على كيفية القيادة في كل المواقع والنهوض بالبلاد مستقبلا  كلا من موقعه،  وإعطاء الفرصة للجميع في المشاركة في الحكم بغض النظر عن الطائفة والقومية والعرق، والإستفادة من التجارب لبعض الشعوب التي عانت نفس المعاناة في تغيير نمط الحكم ترسيخاً لمبدأ المشاركة الجماهيرية.

إخفاقات مجالس المحافظات

بعد أن ذكرنا أهم مميزات ومزايا تلك المجالس لابد لنا من وقفة مع أهم المساوئ والأخطاء سواء أكانت  سياسية أم إدارية أم قانونية وتتمثل في:

أولا: الآلية والطريقة:

1-يتفق الجميع تقريباً على إن الآلية التي تمت عن طريقها انتخاب المجالس هي طريقة( القائمة المغلقة) مشكلة بحد ذاتها وهي المشكلة نفسها التي أفرزت أعضاء غير كفؤيين على مستوى البرلمان العراقي، وعليه فهي تَعد اللبنة الأولى الخاطئة في تشيد هذا النوع من المجالس والتي ظهرت آثارها السلبية فيما بعد عن طريق إفراز شخصيات غير مؤهلة للعمل الإداري أو القيادي والمتحيزة لعنصر الطائفة او العشيرة إن لم يكن الشخصية، مما اثر سلبا في توافق الآراء حول القضايا المهمة أو الحساسة.

2-الفترة الزمنية التي تمت الانتخابات فيها مع عدم علم الجمهور بأغلب المرشحين وعدم معرفة سيرتهم الذاتية والتاريخية، أي بمعنى آخر أن الوجهائية كانت المقياس الرئيس في الترشيح والانتخاب إضافة إلى التخندق المذهبي والطائفي.

3-عدم ووجود ضوابط صحيحة في اختيار الأعضاء للترشيح سوى بعض الفقرات الخاصة بعدم اشتراكهم في جرائم أو عدم  تسنمهم مناصب عليا في النظام السابق، وبرغم ذلك حدث الكثير من الاختراقات التي لم يتعامل معها بصورة دقيقة.

4-عدم التركيز على الجانب المهني والفني والخبرة  العلمية والعملية والسمعة الاجتماعية، بقدر ما تم التركيز على نظام المحاصصة الحزبية والفئوية.

ثانيا: عمل المجالس:

1-في نظر أصحاب القانون يرى الكثير منهم بان أهم الأخطاء التي أثقلت أعمال المجالس في المحافظات هي عدم معرفة اغلبهم بالقانون الإداري والتدرج الهرمي في السلطة وعدم معرفة موقعهم من (السلطات العليا) كالقضاء أو السلطات الدنيا كالتنفيذية وما إلى غير ذلك من تشكيلات أخرى في الحكومة، وهذا يبدو بدوره ناتج من خللين أحدهم عدم وجود الثقافة الكافية لأغلب الأعضاء في المجالس وعدم إشراكهم في دورات خاصة بتلك القوانين والآخر عدم وجود التشريعات الخاصة بقانون المجالس وترك الباب مفتوحاً أمامهم معتمداً علّة القانون (71) فقط وبدون أي ذكر للتفاصيل والمهام وهي مهمة مجلس النواب.

2-عدم وجود خطط متكاملة لدى المجالس في طبيعة العمل وغياب المشروع السياسي الشامل لدى اغلب المجالس وإنحسار رؤيتهم على بعض الشخصيات وتسير العمل وفق ذلك المبدأ بغض النظر عن صحته اوعدمه.

3-فقدانها التوافق الإداري في السياق اليومي مع الحكومة المركزية وإعتمادها مبدأ المعارضة في اغلب القرارات لفرض الآراء رغم عدم أهلية بعض ذلك لمثل تلك المواقف والتي تعتمد الحكومة المركزية فيها على مستشارين اختصاص في تنفيذ المشاريع الخدمية والبنى التحتية.

4-إرتباط أغلب الأعضاء في المجالس باعضاءهم المماثلين لهم في البرلمان في نفس الكتل السياسية وتأثرهم بقراراتهم مما ولد خطوط  فاصلة بين الأعضاء في داخل المجالس وانعكاس المواقف السياسية على الأداء اليومي بين الأعضاء في العمل الداخلي داخل الوحدات الإدارية.

5-فقدانهم التواجد الموقعي على مساحة عمل محافظاتهم وعدم المتابعة الموقعية لأكثر الأمور والخدمات ولاسيما إن المواطن العراقي يتعامل بلغة الواقع وما هو موجود على الأرض وليس  بلغة الأرقام والتقارير الإدارية.

6-فقدان حلقة الاتصال بينهم وبين الجماهير وإنفصال أغلب المجالس عن قواعدها الجماهيرية لسبب أو لآخر أدى إلى ظهور حالة التذمر الشعبي من ذلك وفقدان الثقة بالمجالس مما تركها في ساحة المواجهة لوحدها في حالة التعامل مع الأزمات سواء مع الحكومة المركزية أو قوات الاحتلال.

 

كيف يمكن أن نشارك في أداء المجالس

   قد يعتقد البعض بان وصول المسؤول إلى موقع الإدارة يعتبر حصنا حصينا له من كل المسائلات القانونية والشعبية وهذا بحد ذاته ناتج عن إفراز قديم مستوحى من أسلوب التعامل الدكتاتوري للسلطة على أساس أن كل من في داخل الحكومة الحاكمة في وقتها يتمتع بحصانة تبيح له فعل كل شيء وتحميه من الآثار السلبية المترتبة عليه.

   هذا قد يكون غير دقيق إلى حد كبير إن لم يكن خاطئ الأساس، فالمنتمي إلى سلم الحكومة وحسب أي تخصص أو أي تسلسل يكون محكوم بقوانين ونظم إدارية عالمية وليست محلية فقط ولكنها تختلف في آليات وشدة العمل فيها من دولة إلى أخرى، ولكن النتيجة النهائية الحقيقية بان المسؤول والمتصدي للعمل السياسي في أي بلد له من الحقوق ما يضمن سلامته الشخصية والجسدية والصلاحيات التي تؤهله لممارسة عمله ولكن بنفس الوقت هناك قوانين وواجبات تحاسبه وتتابعه في حالة الإخفاق المتعمد أو الغير متعمد وكلاً حسب قوانينه وطبيعته.

 ومن هذا الإيضاح العام لطبيعة التعامل مع المسؤول على مساحات المعمورة، نعرج على التعامل مع الطبيعة الجديدة للحكم في العراق وبالخصوص مع الحكومات المحلية وكيفية التعامل معها.

لعل التغيير السياسي في نمط الحكم في العراق لم يُفهم بصورة جيدة لحد الآن من قبل الكثير من القواعد الشعبية وحتى من كثير ممن هم داخل الجهاز الحاكم  في الدولة بشقيه التشريعي والإداري،  وهذا قد يكون ناتج من أسباب عدّة أولها وأهمها الحقب الطويلة من التعامل مع نمط واحد من الحكم وهو الطبيعة الدكتاتورية والسلطة العسكرية والمَعسكرة.

 فعلى هذا الأساس لم يعتبر الشعب نفسه لحد الآن سوى مقود من قبل قيادات هي الأس الأعلى في العمل ويجب أن تكون هي صاحبة اليد الطولى في أخذ الدور الكامل في بناء البلد، وهذا بطبيعة الحال خطأ فادح وكبير لابد من الانتباه له ووضع اليد عليه لان (تأليه القادة) وتعظيم من لا يستحق ذلك قد يخلق نظام جديد قائم على أسس غير منطقية أو ديمقراطية.

    أن من انُتخب إنما هو نتاج لأراء من يمثلهم وعليه يجب أن يكون هو بمرتبة العمل تحت وصايتهم إن صح التعبير وفي الوقت نفسه عليهم متابعة من انتخبوهم نيابة عنهم ليمثلهم في العمل السياسي أو الإداري.

  ومن هنا يبدأ الفعل الحقيقي في تغيير نمطية وأسلوب الحكم أي أن من ينتخب من قبل القاعدة الجماهيرية تكون مسؤوليته الأخلاقية والقانونية اكبر بكثير ممن يكون التعين الإداري هو أسلوب عمله وهذه حقيقة أزلية ومنطقية غير قابلة للتصحيح لكونها صحيحة مؤكدة.

 لان الذي ينتخب على أساس النزاهة والكفاءة يجب أن يحمل ثوابت المتابعة الداخلية من الذات قبل أن تكون المحاسبة الوضعية هي الصفة الملازمة له.

 هذا من جانب المختص بذاته،  أما المنتخب المباشر والمسؤول عن إيصال ذلك الشخص إلى مركز القرار يجب أن تكون المتابعة له صفة ملازمة ومسؤولية مستمرة وان لا يتعد ذلك المتابعة والمسائلة التي يجب أن يحكمها قانون مع عدم الإسفاف وعدم الترك،  للحصول على رقابة عليا غير ملتزمة بقانون وضعي وإنما يتحكم فيها عنصر الثقافة الواسعة لفهم طبيعة النظام التعددي لكلا الجانبين الحاكم والمحكوم لنصل إلى مستوى متقدم من اتصال القاعدة الجماهيرية بالجهات الإدارية والحكومات المحلية ويكون العمل اليومي صفة ملازمة لكلا الجانبين المراقب والعامل.

وهنا يمكن إن يكون النقد البناء في أضيق الحلقات اليومية من المواطن إلى المسؤول المباشر وكذا يكون الرد بأسرع وقت وهذا مما يعزز الثقة بين الاتجاهين  ويقوض حلقة الاتهامات المفرغة والتصيد فيها.

ما هو المطلوب مستقبلا ؟

ضمن سلسلة أفكار للإمام الشيرازي(قده) العدد  الخاص بنظام الحكم في الإسلام، يقول (قده)(أن نقل السلطات إلى المحليات، ومنح المحافظين كافة السلطات والمسؤوليات دون الرجوع إلى سلطة مركزية في العاصمة، واختيار المحافظين من أبناء المحافظات، أو ما أشبه من الوحدات الإدارية أو الحكومات المحلية، هو تطبيق عملي للاستشارية بمفهومها الشامل لما في ذلك النظام من توافر للمبادئ التي تكفل له أعلى درجة من الاستشارية التي تستمد السلطة في صنع القرار من أبناء الشعب مباشرة بالمحافظات دون الرجوع إلى السلطة المركزية).

 وحيث تجري الآن في أروقة البرلمان وفي الشارع السياسي التحضيرات شبه النهائية للإنتخابات القادمة لمجالس المحافظات والتي يرى الكثيرون أنها ستنطوي على الكثير من التغير في آلية وأسلوب التعامل معها وفق معطيات جديدة ونتائج ما أفرزته الانتخابات السابقة والآثار السلبية التي نتجت عنها، فانه لابد من التفكير الجدي في كيفية الرقي بأفضل طرق التعامل مع المرحلة القادمة ضمانا لتلافي الأخطاء السابقة.

وبعيداً عن الطريقة التي طالما تحدث الكثير عنها في إجراء الانتخاب حتى أصبح الاتفاق على تغييرها شيء بديهي لدى الكثيرين ولكن تبقى بعض الإشكاليات والتداخلات الأخرى قائمة بحاجة إلى النظر فيها وبدقة عالية.

 والسبب فيها ناتج من كونها انتخابات قد تمتد إلى أكثر من أربع سنوات كما حصل في المجالس المحلية التي أُجريت مع الدورة السابقة للإنتخابات البرلمانية ولكنها مازالت قائمة لحد الآن بالرغم من مرور أكثر من عام على الدورة الانتخابية التشريعية الثانية، وهذا قد يكون شيء طبيعي في وضع كالوضع العراقي.

وعليه فلابد من العمل بصيغ متطورة وفنية عالية في البدء في هذه الإنتخابات وابتداءاً من المرشح إلى انتقاءه وصولاً إلى يوم الإنتخاب.

وعليه نرى في هذا السياق ما يلي:

1- المرشح للعضوية: لابدّ من النظر نحو الخطوة الأولى بدقة عالية وتمحيص كبير لان جميع الخطوات التالية ستكون جميعها فضفاضة وغير عملية وعديمة الفائدة إن لم يكن العنصر المهم والفعال في العمل في دائرة الإختبار ناجح بدرجة جيدة وضمن مؤهلات عالية، وعليه فمن الممكن وضع شروط عدة بتطبيقها نصل إلى توافر أعضاء مرشحين للعضوية باستحقاق دقيق وهذا يتم  حسب ما نرى من خلال:

آ-الكفاءة العلمية والعملية : أي أن يكون المتقدم لنيل العضوية من الحاصلين على شهادة الدبلوم في أقل حالة وان يكون من الذين مارسوا إختصاصهم العلمي عمليا مدة لا تقل عن السنة الواحدة على الأقل ويكون هذا شرط أساس لقبول باقي الشروط.

ب-بيان وضع المتقدم خلال النظام السابق وموقعه العملي من ذلك وإبراز تأييد يؤكد عدم عمله ضمن حلقات الفساد الإداري والمالي خلال تلك الحقبة لأننا نؤمن إن تلك الفترة هي التي جعلت من الفساد الإداري آفةً كبيرةً ومتطورةً ومتفننةً في الابتزاز، وأن يكون من أصحاب السمعة الطيبة عملياً وبدرجة عالية من الالتزام الأخلاقي.

ج-  أن يكون قد سكن المحافظة التي يروم الترشح فيها بفترة لا تقل عن خمس سنوات، وان يكون سفره في حالة خروجه من هذه المحافظة من اجل النجاة من بطش النظام السابق أو لحالة خاصة ملحة كأن تكون للعلاج أو ما شابه ذلك ويكون بأدلة مادية موثقة.

د- أن يقوم بتقديم شرح مفصل وموثق بكشوف واضحة حول نوع درجة المعيشة التي يتمتع بها قبل التقديم لنيل العضوية في المجلس مرفق  بتقرير مفصل عن جميع ممتلكاته المسجلة باسمه وأسماء عائلته ويتعهد بعدم أخفاء أي تطور على تلك الممتلكات في حالة طُلب منه ذلك لاحقاً.

هـ- أن يُطلب منه أن يكون واضحاً من التغيير السياسي في البلاد ويتعهد بعدم الطعن بمشروعية النظام الجديد عليه أن يحدد موقفه من العمليات المسلحة التي تطال الأبرياء ويتعهد بتقديم كل المعونة في حال وصولة إلى الموقع الجديد في تطبيق القانون  على نفسه وعلى جميع المقربين منه.

2- مرحلة الانتخابات

    وهي من أهم واخطر المفاصل في العمل الديمقراطي وذلك لكون الأخطاء  والانتهاكات فيها تكون بدرجة كبيرة من التأثير على سير العملية برمتها وهذا يعني تحول في أسلوب ومعطيات النتائج.

 أضف إلى ذلك إن النتائج وما يتمخض عنها من ترتيبات لا يمكن الطعن فيها إلا عن طريق إجراءات دولية وهو ما يكون عسيراً ويتطلب جهوداً كبيرةً وتأخذ من الجهد والوقت الكثير، ولكن يمكن تجاوز تلك المشاكل والمطبات  بإتخاذ إجراءات احترازية وإستعدادات كافية للمرحلة ونراها تتمثل بما يلي:

آ- تجنيد اكبر عدد ممكن من الهيئات المستقلة والحيادية ولاسيما الدولية لمراقبة مراكز ومواقع الاقتراع، وتشديد الرقابة على عدم وجود أي نشاط حزبي أو سياسي قرب مواقع الاقتراع، ودعوة الصحافة العالمية  ومراسلي القنوات الفضائية لتغطية الحدث ونقل سير الإجراءات بصورة علنية، مما يشكل طوقاً جيداً من الحصانة لنزاهة الانتخابات أو الوصول إلى أدق النتائج على الأقل في الوقت الحالي.

ب- دعوة خبراء إختصاص مهنيين من دول العالم لمراقبة العملية الانتخابية وتقديم تقرير حول كفاءتها، ومدى مطابقتها للمعايير الدولية.

ج- إشاعة ثقافة الإنتقاء الشخصي والقرار الجريء في  إختيار العنصر الكفء بغض النظر عن توجهه السياسي،  وعرض برامج مسبقة عن تجارب الدول التي تشابه الحالة العراقية والاستفادة منها في معالجة الخروقات.

د- بث الوعي الإعلامي لدى المواطن بان الخرق  الانتخابي  سيولد عناصر فاسدة في التشكيلات اللاحقة في المجالس،   أي إن المواطن سيكون مشترك بتلك النتائج الفاشلة فـــــي  حال عدم التزامه بالقوانين الصحيحة.

هـ-  تشكيل لجان فرعية لمنظمات المجتمع المدني تقوم  بزيارات إلى المناطق النائية ولاسيما التي تقع تحت التأثير الفكري والتي تتميز بقلة المستوى الثقافي وشرح  مضامين وأهمية العمل الانتخابي النزيه وأثاره المستقبلية على التشكيلات الإدارية.

و- البدء بحملة توعية كبيرة تسبق الانتخابات بمدة معينة لإيضاح دورها في رسم الخريطة السياسية للبلد وأهمية الأعضاء المنتخبين وكيفية تجاوز الإخفاقات التي حصلت في التجارب السابقة، وكيفية تمكين المواطن عن الإخبار عن حالات التزوير  في عمليات الاقتراع. 

   قد يسير البعض وفق هذه التصورات على أساس نظري فقط ولكن التطبيق الميداني سيكون له الأثر الأكبر في نتائج الإنتخابات، وهذا مالمسناه في العمليات السابقة حيث وجدت بعض الاختراقات في طريقة الاقتراع والتدخلات السياسية والحزبية مما ولد نتائج غير صحيحة وهذا ما أنعكس سلباً على أداء الكثير من المجالس وتشكيلتها والتي لمسها المواطن في وقت متأخر وذلك بإتهام المجالس بالفساد الإداري وعدم الكفاءة في مواجهة الأزمات، وهذا بالتأكيد ناتج من عدم تحمل المواطن مسؤولياته في أثناء فترة الانتخابات وهو يكون بذلك قد أسس لمجلس ضعيف فلا يحق له(المواطن) الطعن فيه بعد ذلك لكونه جزء من الأسباب التي ولدت هذا الخطأ.

3- آلية العمل بعد التشكيل:

العمل على وضع قوانين خاصة بمجالس المحافظات تركز على كيفية عمل المجلس وكيفية متابعته ونقترح أن يكون كالأتي:

آ-   أن يُطلب من كل مجلس وضع نظام داخلي له بعد الانتخاب مباشرة ويُطلع المجلس أعضاء مجلس النواب في المحافظة والقادة السياسيين والاختصاصيين من أصحاب الكفاءة على هذا النظام والذي قد يختلف من محافظة إلى أخرى وحسب احتياج وطبيعة المحافظة، وان يتعهد  المجلس بالالتزام بما ورد فيه حال حصول الموافقة عليه.

ب- يقدم المجلس والأعضاء فيه خططهم المستقبلية تحريراً لما يصبون القيام به ويتم مراجعة ذلك بين الفينة والأخرى من قبل لجنة مستقلة مشكلة لهذا الغرض تقيم عمل الأعضاء منفرداً والمجلس سوية، وتقدم التوصيات اللازمة بما تراه مناسباً.

ج- يقدم المجلس بعد فترة لا تتجاوز الشهرين من بدء عمله تقريرا مفصلا عن الوضع السياسي والخدمي للمحافظة وبيان نقطة البداية له وإعلان التشكيلة الإدارية للمجلس ورسم الخطة  القادمة لعمله ويكون ذلك معروف ومبين لدى أبناء المحافظة جميعهم.

د.فتح قنوات ثابتة للعمل الشعبي و الجماهيري وكيفية التواصل اليومي أو الأسبوعي من خلال لجان مختصة بهذا الشأن لنقل المشاكل والآراء من المواطن إلى المسؤول مباشرة.

هـ- إنشاء لجان للاستماع الى الشكاوي تعمل على مدار الأسبوع وتطلب من جميع الدوائر إيفاد مندوبين ممثلين عنها لحضور الجلسات ووضع خطة خاصة بكيفية جدولة ذلك بين دوائر الدولة خلال أسبوع.

و- متابعة النتائج التي تفرزها اللجان التحقيقية وإعلانها إمام الملأ لما له من أهمية في ردع المسيئين والمتجاوزين وعدم الرضوخ للمجاملات والمساومات على حساب الحق العام.

ز- تشجيع العمل الجماعي الميداني والإشراف على ذلك بمساهمة الأعضاء مع بعض الدوائر الخدمية في المعايشة اليومية (المسؤولية من موقع أدنى) والاستماع ومعايشة ما يعانيه البعض من الموظفين البسطاء من الاستغلال من قبل المتنفذين في دوائر الدولة كافة. 

المصادر

1.اللامركزية الإدارية ومجالس المحافظات.... المنظمة العراقية لتنسيق حقوق  الإنسان

2. مجالس المحافظات في الدستور العراقي.

3. قانون إدارة الدولة( الأقاليم والمحافظات).

4. سلسلة أفكار للإمام الشيرازي العدد  الخاص بنظام الحكم في الإسلام. 

* مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات

قسم الرصد والتحليل

http://www.shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 11 تموز/2007 -26/جماد الاخرى/1428