روسيا ومحاولة اختراق الحلف الامريكي الغربي

 شبكة النبأ: منذ عدة اشهر حاولت الولايات المتحدة اقناع روسيا بانهاء معارضتها لاقامة نظام للدفاع الصاروخي مزمع نشره في جمهورية التشيك وبولندا بالقرب من الحدود الروسية والانضمام لجهودها لاحباط تهديدات مزعومة من ايران وغيرها.

وحين حصلت امريكا على الرد اخيرا من خلال اقتراح مفاجيء تقدم به بوتين يقضي بتقاسم معلومات من محطة رادار روسية في اذربيجان يمكن ان نجد لها العذر لعدم لترحيبها به.

ورغم تعارض الاقتراح مع جزء كبير من التخطيط الامريكي حتى هذا الحين فان واشنطن لا تريد ان تبدو كرافضة له. كما انه عامل جديد قد يقوض مساندة هشة من جانب حلفاء غربيين للولايات المتحدة لخطة الدرع الحالية التي امضت واشنطن بضعة أشهر في محاولة حشدها.

وقال جيلز ميريت مدير مؤسسة اجندة الامن والدفاع ومقرها بروكسل "الحقيقة ان احدا لا يعلم ما اذا كان الروس يظهرون جانبا اكثر تعاونا.

وللوهلة الاولى يبدو العرض الذي تقدم به بوتين في اجتماع مجموعة الثماني يفتقر لاي اغراء. وتغطي محطة رادار (قابالا) وهي من اكبر المحطات في العالم وتقع في شمال اذربيجان المحيط الهندي والشرق الاوسط ومعظم شمال افريقيا ويمكنها رصد الصواريخ التي تطلق من هذه المواقع. بحسب رويترز.

غير ان مسؤولين امريكيين اكدوا مرارا ان وجود رادار في جمهورية التشيك وصواريخ مضادة في بولندا يتيح موقعين مثاليين للتصدي لتهديدات صاروخية من ايران والشرق الاوسط ولا يرون خطة بوتين كبديل للدرع الصاروخية.

وقال روبرت بل نائب رئيس شركة ساينس ابلبيكشنز انترناشيونال كورب لتكنولوجيا الامن الامريكية، تصلح كاضافة. ولكن كبديل فانها تثير عدة قضايا ليس اقلها هندسة الاعتراض.

وصرح ياب دي هوب شيفر الامين العام لحلف شمال الاطلسي امام مؤتمر للدفاع بان المحطة في اذربيجان قد تكون قريبة نوعا من الدول المارقة التي يدور حولها النقاش مؤكدا ان من السابق لاوانه اصدار حكم قاطع.

وحتى اذ قبل كاضافة لاي درع امريكية في المستقبل فان محللي الدفاع الغربيين يتساءلون ما اذا كانت المحطة التي تعمل في شمال اذربيجان منذ عام 1985 ويقوم بتشغيلها الجيش الروسي الذي يستأجرها من اذربيجان تصلح لهذه المهمة.

واستغلالا لقلق اوروبي بشأن عدم تغطية الدرع مناطق كبيرة في جنوب شرق اوروبا اشاد بوتين بقدرة رادار قابالا على تغطية اوروبا بالكامل وهي نقطة لم يعلق عليها مسؤولون الامريكيون بالتفصيل بعد.

واوضح رد فعل بعض حلفاء الولايات المتحدة رغبتهم في ان تبدي واشنطن على الاقل استعدادا لدراسة العرض.

وقال متحدث باسم الحكومة في المانيا حيث يعارض الجناح اليساري المشارك في الائتلاف الحاكم الدرع الامريكية، هذا الاقتراح جدير بالدارسة عن كثب وحتى يتحقق ذلك ... ينبغي ان يحجم الجميع عن اصدار احكام سابقة لاوانها.

بل ابدى البعض تفاؤلا اكبر في ردود فعل علنية اذ صرح نائب رئيس الوزراء التشيكي الكسندر فوندرا بقوله انه أمر طيب ان يبدأ الروس في التخلي عن الرفض المستمر.

الرهان العلمي للدرع الصاروخية

وشكل اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول استخدام روسي امريكي مشترك لمحطات رادار روسية متقدمة محاولة من جانبه لسحب البساط من تحت مبادرة الدرع الصاروخية الامريكية التي يرى انها موجهة نحو (سيف) القدرات الروسية العسكرية ولدرء مخاطر اشتعال سباق جديد للتسلح لا تستطيع موسكو تحمل تكاليفه في الظروف الراهنة.

ومثّل اختبار الاطلاق الروسي الناجح لصاروخ مجنح متطور من طراز (ار اس 24) نهاية مايو الماضي ما قد يكون بالفعل مؤشرا على ان هواجس انطلاق سباق جديد للتسلح يعيد اجواء الحرب الباردة تبدو حقيقية تماما في اطار رد موسكو على خطط واشنطن لنشر منظومة الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ في اوروبا الشرقية التي تعد الفناء الامامي للاتحاد الروسي. بحسب تقرير لـ(كونا).

غير انه من الناحية العلمية البحتة قد لا تكون مبادرة الدرع الصاروخية في النهاية سوى مبادرة سياسية في المقام الاول قبل ان تكون عسكرية كما يبدو من محتواها وذلك بحسب دراسة اعدتها مجموعة من علماء برامج الدراسات الامنية والعسكرية في معهد ماساتشوستس الامريكي العريق للتكنولوجيا (ام اي تي) بينهم محللون قدامى لبرامج الدفاع الصاروخية.

ونشرت (مجلة العلوم الامريكية) وهي الترجمة العربية الرائدة لدورية (ساينتفيك امريكان) والتي تقوم بها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الدراسة وذلك تحت عنوان (لماذا لن يكتب النجاح لنظام الدفاع الامريكي ضد الصواريخ) والتي شكك واضعوها في نجاح الرهان العلمي بالغ الصعوبة لمبادرة الدرع الصاروخية.

ولا يتمثل هذا الرهان باقل من صد طلقة رصاص باطلاق اخرى عليها عند تخوم الفضاء في الطبقات العليا للغلاف الجوي للكرة الارضية وعلى سرعات عالية تصل الى آلاف الكيلومترات في الساعة.

وتتميز مبادرة الدرع الصاروخية بتطوير منظومات اعتراضية قادرة على صد اي صواريخ باليستية جوالة قد تطلقها بلدان مارقة حسب وصف واشنطن مثل ايران او كوريا الشمالية او غيرهما على الاراضي الامريكية من خلال اطلاق صواريخ اعتراضية تحمل ما يسمى بكبسولات التدمير الذكية ذات القدرة على المناورة للتصدي للراس الحربي الهجومي.

وتنطلق كبسولات التدمير المناورة من مقدمة الصاروخ الاعتراضي على مسافة عالية جدا من سطح الارض عند تخوم الفضاء ويعتمد مدى نجاح المنظومة بكاملها على قدرة كبسولة التدمير على اصابة الرأسي الحربي للصاروخ المهاجم اصابة مباشرة وهو ما يشبه بالفعل محاولة صد رصاصة باطلاق رصاصة اخرى عليها.

غير ان بامكان العديد من البلدان وليست روسيا فقط تطوير منظومات مضادة للدرع المضادة نفسها ابسطها واقدمها على الاطلاق اخفاء الرأس الحربي الحقيقي الذي يحتويه الصاروخ المهاجم في بالون ضمن مجموعة من البالونات المضللة (ديكوي) ذات الاغشية المعدنية التي تستهدف ارباك مستشعرات توجيه كبسولة التدمير وعدم قدرتها على تمييز البالون الذي يحتوي الراس الحربي الحقيقي عن باقي البالونات ما يجعل تحقيق اصابة مباشرة امرا شبه مستحيل.

واشنطن وخطر الاستخفاف ببوتين

يقول الكاتب باتريك لانج في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور بشان تداعيات استخفاف امريكي بتصريحات الرئيس بوتين، لا يوجد هناك خطر متأتًّ من الصواريخ الإيرانية، أو تهديد نووي إيراني وشيك، أو على الأقل لا تلوح في الأفق إمكانية تبلور ذلك الخطر قبل عقد من الزمن. فالمشكلات والتعقيدات المرتبطة بعملية تطوير الصواريخ، وصناعة الرؤوس النووية، وتصغير حجم تلك الرؤوس، ثم معالجتها لتناسب الصواريخ المتاحة، فضلاً عن اختبارها وتصنيعها على نطاق واسع، كلها اعتبارات تجعل أي حديث عن تهديد الصواريخ النووية الإيرانية لأوروبا مجرد حبكة غير مقنعة لرواية رخيصة لا يمكن أن تنطلي على القارئ. لكن مع ذلك انخرطت وكالة الاستخبارات المركزية وبعض الأجهزة الحكومية في ترديد نفس الادعاءات على مسمع من العالم، فلماذا تمتنع إدارة الرئيس بوش عن الاستماع إلى الحقائق؟ فالرئيس بوتين يدرك جيداً أنه لا وجود لخطر إيراني على أوروبا، فحتى لو كانت روسيا قد خسرت الحرب الباردة، لكنها مازالت تتوفر على جيش من العلماء والمهندسين الذين يخبرونه بحقيقة الأمر.

وما دام الأمر لا يخلو من تهديد إيراني لأوروبا كما تعرف روسيا ذلك جيداً، يتساءل المسؤولون في موسكو عن الدوافع الحقيقية لإقامة نظام دفاعي مضاد للصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك. وبحسب رأيهم ليس هناك من هدف سوى تعزيز السيطرة الأميركية على أوروبا الشرقية وإظهار تفوق القوة الأميركية على الساحة العالمية. لكن بوتين لم يفوت فرصة لتوضيح موقف بلاده، حيث اشتكى في العديد من المناسبات بأن روسيا وإن كانت تفهم وضعها الجديد، وبأنها لم تعد قوة عالمية، إلا أنها ليست مستعدة، لأن تكون مجرد تابع لواشنطن تأتمر بأوامرها وتنصاع لإملاءاتها.

ولئن كانت روسيا تقبل الريادة الأميركية في العالم، كما أوضح بوتين ذلك، إلا أنها تحتاج إلى الضبط وتوخي المزيد من الحذر، محذراً الأميركيين من أنهم قد يتحولون إلى "فاعلين سيئين" في العالم بنفس الدرجة التي كان عليها قادة بلاده خلال فترة الاتحاد السوفييتي. ولتفسير موقفه أحال بوتين إلى النظام الديمقراطي الأميركي الذي يقيم توازناً دقيقاً بين مختلف السلطات، وهو ما يتعين برأيه أن يطبق على الساحة الدولية، بحيث تلعب روسيا دوراً أساسياً لموازنة القوة الأميركية.

ومن ناحيتنا علينا ألا نستهين بتصريحات الرئيس بوتين وأن نأخذها على محمل الجد. فروسيا تظل قوة نووية مهابة الجانب، وهي أكثر من ذلك تسبح في عائدات النفط كما لم تفعل من قبل، لذا فإن قدرتها على ممارسة الشغب على الساحة العالمية هي في تزايد مستمر. وبعد أن كانت بولندا والتشيك دولاتين تدوران في فلك الاتحاد السوفييتي لسنوات عديدة، أصبحتا اليوم عضوين في حلف شمال الأطلسي، الذي كان الروس يعتبرونه في السابق أكبر تهديد لأمنهم طيلة خمسين عاماً.

ولا ننسى أيضاً أن بوتين نفسه ترعرع في كنف جهاز الاستخبارات الروسي كي.جي.بي وكرس حياته لحماية الاتحاد السوفييتي من حلف شمال الأطلسي. فكيف نريد لبوتين وروسيا أن يقرّا إقامة نظام مضاد للصواريخ على الحدود الروسية ضد تهديد إيراني غير موجود؟ ورداً على مشروع نظام الصواريخ الأميركي أعلن بوتين خلال هذا الشهر أن المضي قدماً في المشروع الموجه ضد روسيا، سيقابل بإقامة صواريخ روسية قبالة أهداف أوروبية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14 حزيران/2007 -26/جمادي الأول/1428