مصطلحات نسوية: النظام الرمزي

شبكة النبأ: اصطلاح مستمد من اعمال جاك لاكان الذي يرى ان الدخول في النظام الرمزي معناه دخول الطفل في عالم الثقافة نفسها، والى اللغة..وترى النسوية ان النظام الرمزي يساوي النظام الابوي ، فالمرحلة قبل الرمزية هي المرحلة التي يعيش فيها الطقل في حالة من النعيم الذي يرتبط فيه بعلاقة ثنائية مع امه، وهي مايسميه لاكان بالمرحلة الخيالية، بينما تسميهل كريستيفا بالمرحلة السيميوطيقية.. وهذه المرحلة عند كريستيفا هي المرحلة قبل اللغوية المرتبطة بجسد الام.. وعندما ندخل في النظام الرمزي فانن نظل نسنشعر تاثير المرحلة السيميوطيقية من خلال الايقاع والتلاعب بالكلمات في الكتابة..

وترى بعض المفكرات النسويات الفرنسيات ان المرحلة قبل الرمزية هي مصدر الكتابة الانثوية، التي يعرفها بانها نوع من الخطاب النسائي المتناغم مع جسد المراة والذي يستمد وجوده من الجوانب التي تتعرض للكبت عند الدخول في النظام الرمزي...

متعلقات

مقاربة النوع الاجتماعي والمرجعية الأنتربولوجية(1)

مفهوم الرجولة بين الواقع والمطلوب

لتفسير الهيمنة الذكورية، تذهب الباحثة فرنسواز إيرتيرييه، بالاستناد على مقاربة النوع الاجتماعي وبالاعتماد على نماذج المجتمعات البدائية التي درسها الأنثروبولوجيون؛ وخاصة مجتمعات القناصين الملتقطين الذين درستهم الباحثة آن شابمان (Anne chapman)؛ وهي نماذج تُظهر وجود تفوق ذكوري تشوبه تغيرات نسبية تسير من المساواة الكاملة بين الجنسين عند بعض الجماعات الهندية إلى العبودية الكلية للنساء، إلى أن هذه الهيمنة لا ترجع إلى وجود الملكية الخاصة، كما ذهب إلى ذلك موريس كودولييه، وإنما أساسها هو النظام الرمزي، فأسطورة الأصل هي التي تبرر هذه الهيمنة.

هكذا تحاول الباحثة، بالاعتماد على دراسة أساطير بعض المجتمعات، أن تبين أن الخطاب الرمزي يشرعن دائما السيطرة الذكورية، سواء بمبرر العنف الأسطوري الأول الذي أُخضِع له الرجال من طرف النساء، إذن باستعمال سيئ للسلطة عندما كانت في أيديهن، كما تبينه أسطورة مجتمع أونا(ONA)، أو بمبرر عدم الإمكانية "الطبيعية" البيولوجية التي لا تمكنهن من الوصول إلى الصف العلوي، الذي هو صف الرجال، تقول الباحثة: "هناك قلب أساسي بين الجنسين مدرك دون أن يلفظ به ظاهريا، وهو على الشكل التالي: إن المرأة تتصرف دائما نحو الرجل، هذه هي المعركة الأولى، لا يوجد مجتمع حيث الرجال والنساء يتصرفون كليا بشكل متواز ومتماثل"، فالرجل، يبقى في كل الحالات هو المقياس الطبيعي لكل الأشياء؛ إنه هو الذي يخلق النظام الاجتماعي.

هذا ما يتبين أيضا حسب الباحثة، من خلال حالة مجتمع باريا (les Baruya) بغينيا الجديدة. تبرز هذه الحالة أن النساء في فجر الزمن هن اللواتي ابتكرن الناي والقوس اللذين كانا رمز سلطتهن، لكنهن لم يصوبن القوس في الاتجاه الصحيح، وقتلن بطريقة عمياء وفوضوية يسودها اللانظام، لهذا السبب اختلس الرجال منهن القوس وصوبوه في اتجاه الوجهة الصحيحة، الشيء الذي يجعلهم يقتلون بروية حسنة، هكذا، فإن الرجل يأتي بالنظام، المقياس العقلي لكل الأشياء، كما يعبر الخطاب الرمزي لهذا المجتمع عن ذلك.

هذا الأمر يتبين كذلك بخصوص المجتمع العربي الإسلامي من خلال ميتولوجيا التأويل القرآني، والتي تظهر فيها حواء، حسب الباحث تركي علي الربيعو، على أنها مصدر الغواية. إنها هي السباقة إلى الأكل من الشجرة، الشيء الذي يؤكد على طبيعتها الغريزية، وبانتهاكها المحرم تقع في الخطيئة المعرفة ثقافيا، وعبر هذا، تتحول الأسطورة إلى أدلوجة ذكورية تبرر السقوط وتباركه وتؤكد على أنه بنية أساسية في تركيب المرأة، إن خطيئة آدم عابرة وعرضية ويمكن له أن يمحوها بذبح عظيم، أما خطيئة حواء فأصلية وأزلية وتشكل بنية وجودها، فقد خلقت من ضلع أعوج ومن مَيْسَرَة الإنسان، وتحالفها مع الشيطان هو بمثابة نتيجة لتكوينها، إنها الشر بعينه، كما تذهب إلى ذلك بعض الميتولوجيات المتطرفة.

إذن، إذا كانت كل الأساطير الكونية، تؤكد على تفوق وهيمنة الذكورة وخضوع الأنوثة وتبعيتها، فما هو إذن أساس هذه الهيمنة وهذا العنف ضد النساء؟

تجيب الباحثة إيريترييه (F. Heritier) أن الخصوبة -وليس الجنس- هي أساس الاختلاف الواقعي بين المذكر والمؤنث، وأن الهيمنة الذكورية هي أساسا مراقبة وتحكم في إنجاب المرأة، في الفترة التي تكون فيها في مرحلة الخصوبة، أما المكونات السيكولوجية والأهليات الخاصة التي تخلق نماذج الذكورة والأنوثة حسب المجتمعات، والتي يفرض فيها أن تبرر هيمنة جنس على آخر، فإنها نتاج التربية، إنها إذن نتاج الإيديولوجية.

هذا بالفعل ما أكده من قبل جورج بلاندييه حيث يرى أن هناك سلطة بالنساء وعلى النساء. هناك مراقبة وأخذ بالسلطة الطبيعية التي تمتلكها النساء والمتمثلة في الإنجاب، فالرهان كله يدور حول تملك خصوبة المرأة، أي إنتاجيتها الطبيعية، إلى درجة أن المرأة المسنة بحكم أنها أصبحت خارج نطاق إعادة الإنتاج، فهي أقل خضوعا للمراقبة الذكورية ويمكن لها القيام بوظائف كانت محرمة عليها من قبل، ولكون تملك الخصوبة في الجسد الذكوري مآله الفشل، فإن هذا التملك يمر إذن بالمراقبة، بتملك النساء أنفسهن أو تملك منتوج هذه الخصوبة، هكذا، تخلص الباحثة إلى أن المحتمل هو أن الضبط الاجتماعي لخصوبة النساء وتقسيم العمل بين الجنسين هما أساس اللاتكافؤ الجنسي، وهما في نظرنا أساس العنف الرجولي ضد النساء، وهو العنف الذي يجد مشروعيته في النظام الرمزي للمجتمع.

وقفنا إذن على بعض المقاربات التي يمكن أن تشكل أرضية لتحليل وتفسير ظاهرة العنف ضد النساء وسننتقل بعد ذلك إلى البحث عن تمظهرات هذا العنف على أرض الواقع وعن المبررات التي يقدمها المجتمع لذلك.

شبكة العراق الثقافية

البنية الأسطورية عند كلود ليفي شتراوس(2)

1-1 من الأسطورة إلى البنية (النموذج اللساني):‏

ينطلق ليفي شتراوس من رؤية تفيد بأن الثقافة هي نظام يسير وفق النظام اللساني، والهندسة التي يبنى وفقها النظام الثقافي شبيهة بهندسة النظام اللغوي(1). ومن هذا المنحى يصبح ممكناً دراسة الأنساق الثقافية بنفس المسار الذي نحدد به النموذج اللساني. فالعلامات والرموز الثقافية مشحونة بالمعاني والدلالات المختلفة، وخاضعة لجملة من القواعد المضبوطة التي تمكننا من معالجتها.‏

ولعل هذه الخصوصية، التي انتبه إليها ليفي شتراوس، هي التي جعلته يستعير القواعد اللسانية والصوتية التي صاغها رومان جاكبسون، ليجعل منها أرضية لدراساته وملاحظاته ومعايناته الميدانية، وأبحاثه المختلفة في مجال الاثنولوجيا. حيث توصل إلى أن "أنظمة القرابة هي ظواهر شبيهة بالظواهر اللسانية"(2). ووفق هذا التصور تمت صياغة جملة من القواعد والضوابط المنهجية والإجرائية، توجت بإقامة دراسة مشتركة بين شتراوس وجاكبسون، تناولت بالدراسة قصيدة "القطط" لـ شارل بودلير.‏

وتتجه هذه الدراسة نحو تحديد العمل الأدبي على أنه واقعة لسانية لغوية، وواقعة ثقافية في ذات الوقت؛ فالجانب اللساني يتأسس على البعد النظري المنطقي الذي يؤسس للنسق المطلق، والذي لا يمكن التمكن منه من خلال الملاحظة العينية، إنه قيمة مطلقة تحكم مجمل الأفعال والأقوال، وأساليب التنظير والتفكير، وبالتالي فهو بنية ليست ماثلة في الموضوع الذي ندرسه، بل قائمة في مستوى العمليات العقلية.‏

والارتكاز إلى هذه المقولة كسند تفسيري، يجعلنا نبتعد عن المستوى الوظيفي للظواهر الثقافية الاجتماعية، التي تتخذ بعداً تأويلياً نفعياً يأخذ بالانعكاسات والتمظهرات العينية المباشرة. فالباحث لا يركز على وقائعية الظاهرة المتجسدة والملاحظة، بل يعمل على إيجاد الآليات التي تحكم وتسير الظاهرة، هذه الآليات التي تتميز بالثبات والانسجام وفق منظور مؤسس قبلياً. ويميز ليفي شتراوس في هذا الصدد، "بين مفهوم العلاقات الاجتماعية وبين البنية الاجتماعية، فالعلاقات الاجتماعية هي المادة الأولية التي نرتكز عليها لبناء النماذج المعبرة عن البنية الاجتماعية".(3).‏

إن استفادة شتراوس من محاضرات جاكبسون حول الصوت والمعنى التي ألقاها في نيويورك عام 1942، -والتي نشرت بعد ثلاثين سنة من إلقائها من على منبر كرسي اللسانيات العامة الذي أنشئ آنذاك في المدرسة الحرة للدراسات المتقدمة بنيويورك –تعد الانعطاف الحاسم في تحول مسار الدراسات الفرنسية لاحقاً إلى الدراسات البنيوية، فقد اكتشفت فرنسا جاكبسون من خلال المقالة التي كتبها شتراوس معرفاً به(4).‏

لقد اطلع شتراوس على اللسانيات البنيوية وانبهر بإجرائيتها في مجال البحث. ولذلك فهو يصرح في مقالة كتبها سنة 1952 "إننا نريد أن نتعلم من الألسنيين سر نجاحهم. ألا يسعنا نحن أيضاً أن نطبق على هذا الحقل المعقد الذي تدور فيه أبحاثنا –القرابة، التنظيم الاجتماعي، الدين، الفلكلور، الفن-تلك المناهج الصارمة التي تبرهن الألسنية كل يوم عن فعاليتها؟"(5).‏

فالبحث اللساني يقترب من العلوم التطبيقية، ويفيد في إعادة تأهيل اللغة وترتيب النصوص، وفق منظورات جديدة تعتمد البنيات اللسانية والمكونات التركيبية للغة. ولقد نقل ليفي شتراوس النموذج اللساني، الذي كان في الأصل مركزاً حول النماذج التي تشكلها الكلمات في تركيبها وتواترها وبنياتها الصوتية، نقل هذا النموذج إلى البحث في الآلية التي يشتغل بها الفكر الإنساني وهو يستعمل اللغة، فينتقل من الحالة العادية للتوظيف اللغوي إلى المستوى الثقافي.‏

وقد توصل بذلك إلى أن الأشكال الثقافية لمختلف الشعوب، تحكمها علاقات تشابه عدة، نابعة من قيمة إنسانية واحدة، تتحكم في جوهر المجتمعات وقيمتها. ولذلك فما تنتجه الشعوب والمجتمعات لا يتشابه في مظهره، بل في البنية المكونة له. فالأسطورة نظام للتواصل والتعبير، يحمل الدلالات المختلفة والمتعددة، وبنيته مثيلة لبنية اللغة، وتتحدد قيمة التماثل في أن الأسطورة مكونة من مجموعة من الوحدات المحكومة بجملة من الضوابط والقواعد.‏

كما أن هذه الوحدات مترابطة فيما بينها عبر تقاطعات وتعارضات مؤسسة لطبيعة البنية، لكنها أكثر تعقيداً إذا ما قورنت بأسس اللغة. ومن خلال هذه المعطيات يرى شتراوس بأن التحليل البنيوي للأسطورة بإمكانه أن يشيد نظاماً، يستشفه ويستنبطه من الفوضى التي توحي بها مجموعة التعارضات، والتناقضات والاختلافات المظهرية للأسطورة، والممارسات الثقافية المختلفة في المجتمع. فالحركية المجتمعية تنتج منظومة من القيم المتشكلة عبر الرموز والعلامات الثقافية، والحاجات المجتمعية، والأنظمة المتعددة للتواصل بين الأفراد ومع المحيط الطبيعي والبيئي. وهذه الأفعال الثقافية، تنتج لنا الخصوصيات التي تميز المجتمعات عن بعضها مظهرياً، لأن الثقافة جزء مركزي في بناء الهوية الاجتماعية.‏

ويرى شتراوس "أن كل ثقافة يمكن اعتبارها بالدرجة الأولى مجموعة من الأنظمة الرمزية، مثل اللغة وقوانين الارتباط العائلي ونظم القرابة، العلاقات الاقتصادية، العلوم والفنون، والديانة، وكل هذه الأنظمة تهدف إلى التعبير عن مظاهر الواقع المادي والاجتماعي. كما يمكن أن تكشف عن طبيعة الصلة التي تحكم هذه الأنظمة الرمزية فيما بينها"(6). وهذا الطرح الذي نحن بصدده، يجعلنا نقدم النظرية البنيوية للثقافة المستوحاة من الأسطورة على أساس أنها نقلة فكرية، تستند إلى معطيات الانتقال من نظرة للوجود التاريخي، من جانب رؤية النظرية اللسانية حول البعد السانكروني الآني التزامني والبعد التعاقبي الدياكروني التطوري التزمني.‏

فباعتماد شتراوس على الآنية، ورفضه للمبدأ التاريخي الثقافي، أسس لرؤية تقوم على إلغاء المفاضلة بين الثقافات، ورفض كل منهج يبنى على مفهوم التطورية والتفوق العرقي. فالنظرية البنيوية الثقافية، وريثة اللسانيات البنيوية، تنظر للثقافة كبناء مستقل، وكل عنصر من مكوناتها، لا يمكن أن يدل إلا في سياقه الخلافي، مع مجموعة المكونات الأخرى. فيتكون النسق الثقافي من خلال العلاقات المكونة والرابطة للأجزاء، والمنتجة لقيم ليست هي محصلة الجمع بين المكونات، بل هي نتيجة لمجموعة العلاقات المتفاعلة، والتي تكون قيمة جديدة مخالفة لمجموعة العناصر‏ .

البنية النصية عند كلود ليفي شتراوس‏(7).

النظام الرمزي:‏

لقد أسس شتراوس، من خلال مجموع كتاباته، لنزعة تعمل على تخليص النظام الرمزي الثقافي من الاستنباطات المبنية على منظورات عينية تبسيطية. فكل واقعة اجتماعية ثقافية تخضع في أساسها لنظام ثابت لا يمكن تغييره بسهولة، وعلى الباحث أن يهتدي إلى البنية التي تتحكم في مجموع العلاقات الطافية والماثلة للعيان. وأن يعطيها البعد الرمزي الكافي، الذي يخلصها من التلقائية ورد الفعل النسبي.‏

ولعلنا نجد شتراوس، المتأثر بقوة بالنظرية البنيوية اللسانية، قد ساق نماذج متعددة من خلال مؤلفاته ومقالاته، ومنها مقالته المنشورة عام 1955 بعنوان "الدراسة البنيوية للأسطورة"، التي يوضح فيها التماثل بين النظام الرمزي الثقافي والنظام الرمزي اللغوي، على اعتبار أن الغاية الأساسية لكلا النظامين هي التواصل، وأن ما يميزهما هو التكرار والاستمرارية المميزة لكل فعل منظم، يرتقي إلى مستوى القانون أو النظام.‏

ومن هذا المنطلق ينظر شتراوس إلى العلاقات الاجتماعية في كتابه "البنيات الأساسية للقرابة"‏

(Les structures élémentaires de la Parenté) ، الذي ألفه سنة 1949 على أنها شبيهة بالنظام اللغوي، لأنها مبنية على أساس التبادل والحوار والتواصل، الخاضع لضوابط النظام الرمزي للمجموعة البشرية. فالزواج كفعل اجتماعي لا يجب النظر إليه بوصفه قيمة غايتها التناسل البشري، أو اللقاء البيولوجي المبسط، بل باعتبار أنه نوع من التواصل المنظم، غايته الجمع بين مجموعتين بشريتين تقبلان بقيمة التبادل لغاية المصاهرة.‏

فالكلام يتم عبر تبادل الكلمات، والزواج هو تبادل النساء وفق مجموعة من الطقوس المحددة لنظام متميز بالاستمرارية والتطور، شأنه في ذلك شأن اللغة. كما أن حظر زواج المحارم ينشأ من قيمة الهبة للآخر، وهي القاعدة التي جعلت الإنسان يتنازل عن جزء من أنانيته للآخر، وينتقل من المستوى الطبيعي إلى المستوى الثقافي(8).‏

فنشأة النظام الرمزي لدى الإنسان، جعل قيمة التماثل تنشأ بين تبادل النساء كأدلة مثلها مثل الألفاظ اللغوية، إنها تمتلك قيمة الرغبة والتملك الفردي، وفي ذات الوقت هي موضوع لرغبة الآخر، وهي أداة للتواصل والارتباط به. وقيمة هذا البعد الجوهري في طبيعة التحول لدى الإنسان أهلته لأن يرتقي إلى مستوى إدراك حقائق تنظيمية، يعبر عنها عبر الوسائط الرمزية، التي جعلت حياته تنتظم وفق سياقات خاضعة لمجموعة القيم التي يعتمدها كأساس لسيرورته وضمان بقائه، ومن ثمة الانتقال من مستوى الوجود الطبيعي البدائي إلى مستوى الحضور الثقافي.‏

والعنصر الأساسي في كل تحول يكمن في الخضوع لنسق مضبوط، هو بنية النظام المتداول، ففكرة تبادل النساء وتحريم الزواج من الأقارب كما رأينا، تحمل بعداً تواصلياً من حيث كون الجانب الثقافي هو الموجه للسلوك البشري، والمهيمن على الحس الغريزي الطبيعي. فقيمة الهبة ثقافياً منعت الزواج من الأم والأخت والابنة، وفرضت منحهم للآخرين، وبالتالي التخلص من قيمة التملك الغريزية، التي تنظر لنفس المرأة بوصفها من جهة موضوع رغبة تملكية جنسية، وفي ذات الوقت موضوع رغبة للآخر. فهي بالمعطى المنطقي وسيلة للتواصل، وهي هنا شبيهة باللغة المتداولة بين الأفراد، وهذا التداول ليس في مستوى الكلمات، بل بصفتها شيفرة اتفاقية تواضعية.‏

ويرى شتراوس أن إعطاء مثال المرأة ليس ثابتاً، ولا يجب أن يفهم على أنه حط من شأنها واعتبارها بضاعة متداولة، بل المقصود هنا هو جوهر وبنية النظام المتداول. فبالإمكان إعادة صياغة المعطيات عكسياً مادام النظام واحداً: "إن كل مجتمع يرى في نسائه قيماً كما يرى فيهن أدلة. ويمكن أن يقال إن النساء يتبادلن الرجال، ويكفي لذلك التبديل الدليل (+) بالدليل (-) وبالعكس دون أن تتخرب بنية النظام من جراء ذلك"(9).‏

فالتحليل يتناول التعبير عن الظاهرة بوصفها بنية عقلية ماثلة في المستوى المنطقي، والواقعة الإنسانية السابقة، يتم إدراجها ضمن نسق علائقي، يجعلها تتخذ أبعاداً أكثر تركيباً وتشابكاً وتعقيداً مما توحي به في ظاهرها، وهو مايمكن تسميته بالنسق الناظم للبنية.‏

البنية والنسق:‏

والبنية بهذا المعنى ليست التمثل الأمبريقي للعلاقات الاجتماعية، بل تتمثل في النموذج الذي يتجسد من خلال الممارسة الاجتماعية، وهذا النموذج محكوم بترابط عناصره المكونة والمنسجمة، بحيث يؤدي تغيير أي عنصر إلى تغيير في طبيعة العناصر الأخرى. ويتناول شتراوس التمييز بين السياقين، في الفصل الخامس عشر والذي خصصه للحديث عن مفهوم البنية في الدرس الاثنولوجي، يقرر بأن المبدأ الأساسي لمفهوم البنية الاجتماعية، لا يرتبط بالوقائع المادية بل بالنماذج التي تتم صياغتها وفقها، وحينها تغدو العلاقات الاجتماعية بمثابة المادة الأولية. كما أن البنية الاجتماعية لا يمكن لها التحقق إلا إذا كانت تستجيب لأربعة شروط:‏

-أن تكون نظاماً متماسكاً من العناصر التي يؤثر فيها تغيير أي عنصر.‏

-أن يكون كل نموذج مكوناً لتحولات من نفس النسق.‏

-أن يكون تصميم النموذج معبراً عن الوقائع والتحولات الواقعية.‏

-أن تكون ملاحظة الوقائع ممكنة وصياغة المناهج قادرة على إقامة النماذج(10).‏

وحين يتحدث شتراوس في الفصل الرابع من كتابه الأنثربولوجيا البنيوية، عن العلاقة بين اللسانيات والأنثربولوجيا، فإنه يتوجه بالتحليل نحو الأسس التي تتحكم في المسار الذي نتوجه من خلاله لدراسة النصوص الثقافية والأدبية فيقرر أن النصوص المتعددة مهما كانت أشكالها، بحيث أن نبحث فيها عن النسق المنظم للخطاب.‏

فالنص الأدبي نظام مغلق لسانياً ودلالياً، ويتشكل من مجموعة من الوحدات المحددة والدالة، التي تجعله بمثابة علامة. والقراءة البنيوية تعمل على ضبط الوحدات المكونة للمضمون فيه، ثم تصنيفها ضمن مستويات ومراتب متجانسة، وتعيين المستويات الدلالية والصوتية والتركيبية المكونة للخطاب السردي، ثم تنظيم هذه الوحدات المكونة وفق نظام محدد(11). فالنص من هذا المنظور لم يعد مجرد سلسلة من الوحدات المضمونية، أو متتالية من الكلمات، بل هو تمظهر خطابي لمجموعة من الأنظمة العلامية، المتناسقة ضمن البنية اللسانية والبنية الثقافية.‏

وهذه الوجهة المفهومية التي يتبناها شتراوس، تجد جذورها في أطروحات سوسير الذي غير المفاهيم الإجرائية السابقة في دراسة اللغة، حين بين أن موضوع علم اللغة هو نظام العلامات وآلية اشتغالها بناء على السلسلة الصوتية للدال وانعكاساتها الذهنية والمفهومية التي تحدد المدلول، ومعنى اللفظة لا يتحدد بعلاقتها مع الموضوع الذي تحيل إليه، بل بعلاقتها مع بقية ألفاظ اللغة، وهو ما يؤدي لأن تكون الدلالة ناتجة من العلاقة الخلافية القائمة بين الألفاظ.‏

ويشكل هذا النظام بنية قائمة بذاتها، ومنه نصل إلى أن المقاربة البنيوية للنص تستند إلى القراءة الداخلية والمحايثة للنص، وتلغي كل مرجعية خارجية عنه، فالدراسة البنيوية ترى بأن النص يحمل ماضيه وحاضره في آن واحد بداخله، ولذا فبالإمكان الاستغناء عن السياق التكويني الذي تخلّق فيه النص.‏

وقد اعتمد شتراوس مبدأ الفصل بين الزمن في مظهريه التاريخي واللا تاريخي أي التزمني والتزامني، وهذا بطبيعة الحال بالاستناد إلى التمييز الذي أقامه دي سوسير بين خاصية اللغة والكلام. فيرى بأن الطابع التاريخي للغة والطابع اللا تاريخي للكلام يتوافقان في مستوى النص الأسطوري ويتمثلان مكوناته.‏

************‏

النص والأسطورة عند كلود ليفي شتراوس‏

من نظام الجملة إلى نظام الوحدة الأسطورية:‏

لقد تناول شتراوس في الفصل الذي وضع له عنوان "بنية الأساطير" La structure des mythes). من كتابه الأنثروبولوجيا البنيوية، دراسة أسطورة أوديب، وخلص فيها إلى مقولة أساسية هي أن "الأٍسطورة لغة"، وككل كائن لساني فإن الأٍسطورة تتضمن وحدات تكوينية، وهذه الوحدات ليست مضمنة لا في الفونيمات أو المورفيمات، بل تمتلك وجوداً مستقلاً وخاصاً بها، ينتظم في مستوى الجملة تسمى الوحدات الأسطورية الأساسية Mythémes.‏

وعند مقاربة النص الأسطوري نعمد في البداية إلى تحديد المقاطع أو الوحدات الأسطورية وفق تسلسلها الزمني، وإعادة تشكيل النص والوحدات الأسطورية وفق حزم معنوية متجانسة ومتشابهة ومتكاملة، مما يعني تجاوز التنظيم التسلسلي التتابعي للوحدات كما يعرضها النص، والانتقال إلى ترتيب جديد ينمط "الميثيمات" إلى مستوى سطحي يرصد الزمن التاريخي للأحداث، وآخر عميق يتابع الوقائع وتفاعلها الآني(12).‏

ويذهب شتراوس إلى أن انعكاس التصور السابق في المستوى الإجرائي يتم عبر إدراك الأسطورة كمجموع كلي متناسق، لا تتحكم فيه الأحداث المنفصلة، بل حزمة أو مجموعة من الأحداث المتشاكلة. فمعنى النص الأسطوري يجب استنباطه من خلال المزاوجة بين محور التركيب والاستبدال في ذات الوقت. وعلينا بالتالي "قراءة الأسطورة وكأننا بهذا القدر أو ذاك نقرأ نص أوركسترا، فلا ندركه مقطعاً بعد آخر بل صفحة كلية بعد صفحة. وعلينا ألا نقرأ من اليسار إلى اليمين بل نقرأ عمودياً في الوقت ذاته".(13).‏

بالإضافة إلى ذلك فإن التصور الذي يسوقه ليفي شتراوس، بخصوص التشابه بين بنية الأسطورة وبنية اللغة، إنما يتجسد في المستوى الرمزي الذي يجعل من الأٍسطورة مشحونة بمستويات تأويل دلالية ثقافية، ترتقي إلى ما فوق المظهر السطحي، شأنها شأن اللغة التي ينتقل فيها المستوى التواصلي إلى حدود الرمز الدال على الوقائع، أو الإشارة إلى مسميات مكثفة الدلالة." والرمز في الأسطورة، هو الذي يؤسس وجودها عامة ونسيجها خاصة، فالأسطورة بنية رمزية تشبه بنية اللغة. وهذا يعني أن الصور اللغوية المختلفة هي التي تدعم كيانها العام"(14).‏

إن قراءة نص الأسطورة –كما أشرنا سابقاً- لا ينبغي أن يتم وفق تتابعية تسلسلية، تماماً مثلما نقرأ كتاباً سطراً بعد سطر، وصفحة بعد صفحة. لأن لها بنيتها الخاصة، ونظامها المميز الذي يحتم علينا إدراك الأسطورة كبنية كلية شبيهة ببنية اللغة، تتشاكل وحداتها الأسطورية الأساسية أو "الميثيمات" لتشكل المعنى، الذي يعد جوهر العملية القرائية للأسطورة.‏

فالأسطورة والمعنى مكونان مترابطان ترابطاً شبيهاً بعلاقة اللغة والمعنى. ويورد شتراوس في هذا السياق تبنيه لما قدمته أسس النظرية اللسانية، على يد كل من دي سوسير وجاكبسون، يقول: "لقد كان فردينان دو سوسير هو الذي أوضح أن اللغة تتكون من عناصر لا تنفصم عراها، هي الصوت من جهة أولى والمعنى من جهة ثانية. ثم قام صديقي رومان جاكبسون منذ عهد قريب بنشر كتاب سماه "الصوت والمعنى" وهما وجها اللغة اللذان لا ينفصلان. لديك الصوت، وللصوت معنى، ولا يمكن للمعنى أن يقوم بغير صوت يعبر عنه.‏

في الموسيقى يطغى عنصر الصوت، أما في الأسطورة فيطغى عنصر المعنى"(15). ويقوم عنصر المقارنة الذي يقدمه شتراوس هنا، على أساس من توسيع المشابهة المرتبطة بآليات البحث المتخصص. فمن جهة البحث الكمي يؤسس الباحث لما يمكن اعتباره جزءاً من آلية المقارنة بين خصوصية الأسطورة وخصوصية اللغة، من حيث كونهما يعبران ويحملان جملة من الأنظمة الرمزية الدالة لدى مجموعة اجتماعية، أو شعب من الشعوب.‏

الأسطورة و الخطاب:‏

وفي هذا الصدد يقرر شتراوس أن المنظومة الأسطورية لشعب من الشعوب هي بمثابة بنية خطابية، أو باختصار هي خطاب متداول. وعلى الباحث ألا تكون دراسته انتقائية لبعض الأساطير دون غيرها، فالنظام الأسطوري شبيه بالنظام اللغوي، ولا يمكن من حيث المبدأ لباحث في اللسانيات أن يضع قواعد لغة ما دون أن يرصد مجموع كلمات اللغة المدروسة، أو على الأقل جانباً أساسياً من بنية التبادل فيها والتراكيب، والجمل والتعابير والصيغ الأسلوبية الممكنة.(16).‏

وقيمة التشابه المتوصل إليها، تؤكد أهمية الدراسة البنيوية المعتمدة أساساً على البحث التركيبي للمكونات الثقافية للمجتمع. هذه المكونات التي لا يمكن التوصل إليها عبر البحث الاستقرائي التاريخي الذي لا يمكنه أن يصنف الظواهر بوضوح وتمام.‏

إن الدراسة البنيوية تأخذ في الحسبان الخصائص المشتركة الحاضرة في البنية الثقافية للمجتمع، هذه البنية التي يمكن أن تتخذ جملة من التمظهرات الواعية وغير الواعية في فكر وسلوك المجتمعات المتعاصرة، سواء أكانت هذه المجتمعات كتابية أم شفوية. غير أن كل هذا المنتوج الذي نعتقده بعيداً عن إدراك العقل والمنطق، والذي ندعوه أسطورة، هو في حقيقة الأمر محكوم بضوابط وقوانين وقواعد تكوين للرموز والعلامات الخاصة بأنماط الفكر البشري، الذي يبقى متشابهاً دائماً في قلقه وانشغاله بشأن الحياة والوجود، وبالأسئلة الكبرى التي تشكل انشغالاً أبدياً أزلياً، وهاجساً متواتراً للكائن البشري.‏

الأسطورة والمعنى أو البنية والشكل:‏

ومن هنا فإن الأسطورة تمثل قسماً من الفكر الموضوعي للإنسان، والوعي بتداول وإنتاج النص الأسطوري وبناء المعنى فيه، لا يشترط الوعي بقواعده أثناء تداوله وإنتاجه. وهذه الخاصية ماثلة في التداول اللغوي فالمتكلم لا يراجع بوعي المستويات التركيبية والصوتية للجمل التي يتلفظ بها، لأنها تشكلت كقدرة ذاتية لديه، ولو فعل العكس لانقطع حبل الأفكار لديه وهو يتأمل ويدقق في إعراب الكلمات والجمل(17).‏

ومن هذا المنطلق يتعين على الدارسين والباحثين، تتبع الخصوصية البنائية للمنظومة الثقافية، المعبر عنها من خلال المكونات المتعددة لثقافة المجتمع، والتي تشكل الأسطورة قسماً مهماً منها. وتشكل مكوناً للرسالة التي تستند لشيفرة الثقافة السائدة، وهذا الأمر يبقى ثابتاً مهما تعددت الأٍساطير، "فأسطورة ما تظل تحمل الحقيقة لها، وألوان جديدة من الأسطورة لن تكون سوى مظاهر للرسالة نفسها".(18).‏

ويرصد ليفي شتراوس من جهة أخرى الخصائص البنائية للأسطورة من خلال مقارنتها بالموسيقى؛ فيقر بأن الأسطورة والعمل الموسيقي لغتان يعبر كل واحد منهما بطريقته الخاصة، لكنهما يشتركان في الاعتماد بصورة واضحة على عنصر الزمن. غير أن علاقتهما بالزمن تتخذ بعداً محدداً، فهما تجمعان الدياكروني بالسانكروني، في سياق يجعل الإمساك بالزمن الواقعي ممكناً، ويتحكم فيه من خلال جعله يمتاز بالديمومة الآنية.‏

ويعود ذلك إلى طبيعة البنية الخاصة لكل من الأسطورة والعمل الموسيقي. إنهما بمثابة آلة لإلغاء الزمن، فالموسيقى تتعامل مع الزمن الفيزيولوجي الخاص بالمستمع، وعبر هذا الزمن تتراكب الأصوات والإيقاعات لتستقل بزمنها الداخلي المحكوم بآلية اشتغالها، مما يؤدي إلى إنتاج كل متكامل منسجم ومتناغم، يخضع لسانكرونية داخلية مغلقة على ذاتها. ومن خلال الاستماع للمقطوعة الموسيقية نحس ونلحظ بأنها أمسكت بزمن الأداء والتنسيق بشكل دائم مهما تعددت حالات الاستماع.‏

كما أن علاقة الموسيقى بالزمن تكون وفق مستويين؛ الأول تاريخي طبيعي فيزيولوجي، تتحدد معالمه وفق مقاييس مادية فيزيولوجية؛ أما المستوى الثاني فمحكوم بالإيقاعات المحسوبة وفق تباعد زمني خاص، يرتبط بالخصوصية الثقافية. فالسلم الموسيقي للنوتات والمقاطع يتلون بتلوينات مختلفة تتناغم مع أذواق وميول الجمهور، الذي يعيد صياغتها من جديد ليكمل المتعة الجمالية. فالمتلقي للنص الأسطوري، أو المستمع للمقطع الموسيقي يتحول إلى منجز لفعل تفكيك الرموز والدلالات، ومن ثم مستوعب ومنتج في آن للحالات الواعية واللا واعية للواقعة الفنية(19).‏

إن هذه المقاربة التي تسعى لأن تكون ثابتة في نتائجها من خلال تعدد مجالات الممارسة والتطبيق، تعد من الأسس التي تعمل على بلورة منظور منهجي، يسعى لتأسيس مسار عملي يأخذ العلوم الإنسانية والتطبيقات الثقافية الانثروبولوجية، باتجاه المنظور النسقي الذي يؤسس لنظرية المعنى. هذا المعنى الذي تنتجه علاقة الدوال بالمدلولات، فتشكل منه دالولا أودلالة نابعة من مسعى أساسي في فكر شتراوس و هو صياغة مفاهيم جديدة لتفسير العالم، انطلاقاً من التقابل البنيوي للأسطورة بوصفها تمثل حدود الفكر الميتافيزيقي، الذي يعد انعكاساً لبنية ثقافية مجتمعية، وبين مكونات النسق الذي تخضع له آلية التركيب السردي والجمالي للنص العجائبي.‏

فاستقلالية النص الأسطوري أمر خاضع لضوابط التلاؤم والانسجام القائم بين عناصره، التي وإن كانت في حقيقتها تمثل صورة عاكسة لنصوص أخرى فهي قادرة على خلق النسيج التركيبي والدلالي الخاص بها. وهو ما يقودنا للحكم بأن تفسير الأسطورة من داخلها، يعني ببساطة أن نسمح للنظام الرمزي الكامن فيها بتوجيهنا الوجهة المنطقية للتأويل. "فالمعنى في كل حالة يتحدد بالمكان الذي تحتله الرموز في شبكة العلاقات التي تتضمنها الأسطورة بالذات"(20). ويكون الوصول إلى تشكيل المعنى انطلاقاً من مستوى يستند إلى تنظيم المعطى الرمزي وفق منظومات متجانسة تعيد تشكيل وتوضيح المسار المنطقي للدلالة.‏

لقد كانت الخلاصات والنتائج التي وصل إليها ليفي شتراوس بمثابة فتح باهر في مجال الدراسات الإنسانية والأدبية بالخصوص، في أوربا وفي فرنسا بشكل خاص. لأن الامتدادات المنهجية والتطبيقية في مجال الدراسات الأدبية، والقصة على وجه الخصوص، عكست ملامح توجهات شتراوس بشكل متباين لكنه واضح وجلي في أعمال بارت (1966)، وتودوروف (قواعد الديكامرون 1969)، وجينيت، ومدرسة باريس السيميائية ورائدها غريماس (علم الدلالة البنيوي 1966)، وفي أعمال كريستيفا، وجماعة مجلة "تل كل Tel Quel"، وعلى رأسهم فيليب سولرز، وكذلك في دراسات كلود بريموند، خاصة في كتابه "منطق السرد"(1973).‏

الهوامش:‏

1-Claude Lévi-Strauss: Anthropologie structurale, ?ditions Plon, Paris 1958. page78.‏

2- Claude Lévi-Strauss: Anthropologie structurale,ed Plon, Paris 1958. page 41.‏

3-زكريا إبراهيم –مشكلة البنية-دار مصر للطباعة، ص82.‏

4-جان إيف تادييه: النقد الأدبي في القرن العشرين، ترجمة: قاسم المقداد، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1993، ص 267.‏

5-ليونارد جاكسون: بؤس البنيوية، ترجمة: ثائر ديب، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 2001، ص 130.‏

6- Claude Lévi-Strauss: Introduction à I'œuvre de Marcel Mauss in Sociologie et Anthropologie de PUF 9 eme edition. Page XIX.‏

7-جابر عصفور: نظريات معاصرة دار المدى للثقافة والنشر، دمشق 1998، ص 214.‏

8-C.L.Strauss: Les structures élémentaires de la Parenté. éd Mouton. Paris 1967. p.73.‏

9-كلود ليفي شتراوس: من قريب ومن بعيد، ترجمة: مازن حمدان، دار كنعان للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، دمشق 2000، ص 170.‏

10-Claude Lévi-Strauss: Anthropologie structurale, La notion de structure en ethnologie. Page306.‏

11-Claude Lévi-Strauss: Anthropologie structurale, éd Plon, Paris 1958 . page83.‏

12-Claude Lévi-Strauss: Anthropologie structurale, la structure des mythes. Page. 230.‏

13-كلود ليفي شتراوس: الأسطورة والمعنى، ترجمة: صبحي حديدي، دار الحوار للنشر، ط1، اللاذقية 1985، ص41.‏

14-سمير حجازي: قضايا النقد الأدبي المعاصر، الفكر الحديث، الدار البيضاء، 1983، ص 106.‏

15-كلود ليفي شتراوس: الأسطورة والمعنى، ترجمة: صبحي حديدي، دار الحوار للنشر، ط1، اللاذقية 1985، ص43.‏

16- Claude Lévi-Strauss: Le cru et le cuit, editions Plon, Paris 1964. page.14.‏

17-Ibid-page-19.‏

18-روبرت شولز: البنيوية في الأدب، ترجمة: حنا عبود، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1984، ص 86.‏

19- Claude Lévi-Strauss: Le cru et le cuit, editions Plon, Paris 1964. page.26‏

20-جون ستروك،: البنيوية ومابعدها، ترجمة: محمد عصفور، عالم المعرفة، فيفري 1996، ص 20.‏ جريدة الاسبوع الأدبي/بحث في شخصية المرأة في الرواية لرضا الظاهر.

(الامير المطرود) حفر سايكولوجي في أرض بكر(3)

هذا الكتاب يقع في 312 صفحة ويضم ثمانية فصول، هو حسب ما اورده المؤلف في الفصل الاول الذي يعد بمثابة مقدمة تفصيلية للكتاب، (اعادة نظر، اعادة قراءة، رؤية للماضي بعيون جديدة، والدخول الي نص قديم من وجهة نقدية جديدة. وهو كتاب يعتمد علي مقدمة اننا نقرأ، فيؤثر فينا ما نقرؤه، ويشبعنا بافتراضاته. انه محاولة لإضاءة وضع المرأة في الثقافة البطرياركية. ففعل وعيها الاولي هو الاحساس بالضياع. لكن ما هو اسوأ من الضياع هو تشوش الوعي الذي يجعل طبيعة الضياع بل وحقيقة الضياع نفسها غائمة. انها وهي مطوقة بالاساطير والصور والعقائد الجامدة والتعريفات والقوانين والقيود والخوف، مضللة بالاعتقاد بالنظريات المنسوجة حولها، التي تؤيد تبعيتها، وتمنعها من معرفة ما هي محرومة منه. ان شرط حياتها هو العزلة وهو بالضبط شرط امير مطرود).

هذا الكتاب هو، اذن محاولة في تعقب مصير (الامير المطرود) الضائع في (البرية الذكورية للرواية)، انطلاقا من حقيقة ان الوعي سلطة، وان خلق فهم جديد للادب يعني جعل التأثير الجديد للادب علينا نحن القراء أمرا ممكنا. ويعني هذا بالمقابل توفير الشروط لتغيير الثقافة التي يعكسها الادب. فالتساؤل والكشف عن ذلك المركب من الافكار والاساطير حول النساء والرجال الذين يوجدون في المجتمع وتنعكس في الادب يعني جعل نظام السلطة المجسد في الادب عرضة لا للمناقشة حسب وانما للتغيير ايضا. ولا يمكن، بالطبع انجاز مثل هذا التساؤل والكشف الا عبر وعي مختلف جذريا عن الوعي السائد الذي يصوغ الادب. ولا يمكن اختراق هذا النظام المغلق الا عبر وجهة نظر ترتاب بقيمه وافتراضاته وتيسر للوعي ما يرغب الادب في ابقائه مخفيا.

وفي الفصل الاول الذي يحمل عنوان الكتاب، أضاء المؤلف عددا من المفاهيم الاساسية مركزا، بشكل خاص، علي ثلاثة منها هي: الجندر، والبطرياركية، والمعيار الادبي، معتبرا اياها اساسا منهجيا في بحثه حول علاقة المرأة بالادب، وهو ما كان موضوع كتابه السابق (غرفة فرجينا وولف ــ دراسة في كتابة النساء) الصادر عام 2001 عن دار المدي، والذي درس فيه شخصية المرأة ككاتبة، بينما ركز تناولها في الكتاب الحالي علي كونها شخصية في الرواية متخذا مثال الرواية الامريكية، وهو ما يعتزم الكاتب استكماله بكتاب جديد يشتغل عليه في الوقت الحالي، ويدرس فيه شخصية المرأة في روايات بريطانية.

قصة الجسد الثقافية

ففيما يتعلق بالمفهوم الاول، اي الجندر يشير المؤلف الي انه في أواخر سبعينيات القرن العشرين اصبح مألوفا الجدال بأن هناك فرقا بين (الجنس) و(الجندر). فالجنس مصطلح بيولوجي، اما الجندر فمصطلح اجتماعي، وتري الباحثات في الشؤون النسوية ان ربط الاضطهاد بالخصائص البيولوجية الثابتة ينطوي علي التضليل ولهذا قضين سنوات يبحثن عن نظرية لاصول هوية الجندر: سايكومعرفية، سايكوتحليلية، سوسيولوجية، اقتصادية، ام مزيج من كل هذا؟

وهناك بايجاز، فارق يمكن استخلاصه بين الجنس والجندر. فجانب (الجنس) يتميز بحد ادني من العوامل البيولوجية التي تجعلنا نميز جسدا معينا باعتباره جسد امرأة او جسد رجل. اما الجندر فهو قصة الجسد الاجتماعية او السايكولوجية او الثقافية، اي انه النظرة الاجتماعية او السايكولوجية للاختلاف الجنسي، وهو مجموعة من الصفات المحددة ثقافيا.

وفي معظم الثقافات المعروفة تجسد النظرة الاجتماعية او السايكولوجية المعينة للاختلاف في الجنس نمطا من خصائص التمييز الجنسي، وهي خصائص تضطهد النساء، والامثلة علي هذا من الكثرة بحيث لا حاجة لوصفها فهي موثقة علي نطاق واسع في الادب.

ويساعد استخدام الجندر في حقل الدراسات الادبية علي اكتشاف حقيقة ان طرق القراءة والكتابة لدي الرجال كما لدي النساء تتميز بالجندر. بل ان الحديث عن الجندر يذكرنا، باستمرار، بالمقولات الاخري لاختلاف العرق والطبقة التي تبني حياتنا ونصوصنا بالضبط كما ان تنظير الجندر يؤكد التماثل بين النقد النسوي والاشكال الاخري لخطاب الاقليات.

غير ان الجندر بعيد عن ان يحقق حالة اجماع. فبينما تتفق معظم الباحثات في الشؤون النسوية علي الفارق بين الجنس والجندر، والحاجة الي دراسة الانوثة والذكورة، هناك جدل فكري محتدم حول بنية الجندر والطريقة التي ينبغي بها استخدامه من جانب الباحثين والنقاد. فالسايكوتحليليون وما بعد البنيويين يستخدمون مصطلح (الاختلاف الجنسي)، ويستخدم بعضهم مصطلح الجندر والاختلاف بصورة متبادلة مع انهما مستمدان من مواقف نظرية مختلفة.

ويستفيد النقاد العاملون تحت عنوان (الاختلاف الجنسي) من التحليل الفرويدي وما بعد الفرويدي وخصوصا من لاكان. ويعتقدون ان الجندر مبني اساسا عبر اكتساب اللغة اكثر من عبر الانتساب الاجتماعي او الممارسة الثقافية، وان موضوع التعبير يجب ان يدخل النظام الرمزي المحكوم بــ(قانون الاب). ولهذا فان تفكيك اللغة يعني تفكيك الجندر، وان تهديم النظام الرمزي يعني تهديم الاختلاف الجنسي.

غير انه بالنسبة للنقاد الماديين يفضلون مصطلح (الجندر)، يدل الحديث عن (الاختلاف الجنسي) ضمنا علي اعتقاد بحتمية العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، واختزال مكانة التاريخ والعملية الاجتماعية لصالح العوامل السايكولوجية واللغوية المقررة، وتشير الباحثات في الشؤون النسوية الماركسيات الي ان الجندر لا يوجد بصورة مستقلة او في فراغ سياسي واجتماعي، وانما يصاغ دائما في اطار ايديولوجي ولهذا فانه ينبغي عدم معالجة الجندر كمقولة منعزلة في الاطار السايكوتحليلي الخالص وانما ينبغي النظر اليه كجزء من عملية تشكل اجتماعي.

وفضلا عن ذلك فان الجندر ليس فقط مسألة (اختلاف) وانما مسألة (سلطة) طالما اننا نجد، في النظر الي علاقات الجندر، عدم تناسق جنسي ولا مساواة وهيمنة ذكورية في كل مجتمع. ان الباحثات في الشؤون النسوية ذوات النزعة المادية او الماركسية يحللن الطرق التي تصاغ بها ايديولوجيا الجندر وتتجسد ويعاد انتاجها في ممارسات ثقافية متنوعة، بما في ذلك الادب والاعلام الجماهيري والسينما والثقافة الشعبية.

تأبيد السلطة الراهنة

وينتقل المؤلف الي المفهوم الثاني. فبني السلطة التي تخضع بسببها مصالح النساء علي الدوام، في نهاية المطاف، الي مصالح الرجال تشكل النظام الذي نسميه (البطرياركية) وهو ما ينطبق تقريبا علي كل المجتمعات في الماضي وفي الحاضر. والبطرياركية نظام اجتماعي وايديولوجيا ايضا نظام من المعتقدات والقيم والمؤسسات يجعل افتراضاته تبدو نتاجا لطبيعة انسانية شاملة، وليس مصالح سياسية مكتسبة. وهذه الايديولوجيا وسيلة فعالة لتأييد الوضع الراهن من خلال اقناع البشر بان التقسيم الراهن للسلطة طبيعي وحتمي. وهكذا فان الرجال لا يحتكرون السلطة فقط، وانما يقومون بذلك علي اساس الحق الطبيعي المزعوم المرتبط بعجز النساء، وهو حق امتد عبر تاريخ كل المجتمعات البشرية تقريبا.

غير اننا يجب ان نكون دقيقين في استخدامنا لهذا المفهوم حتي لا يصبح مفهوما شاملا تبسيطيا، اي مفهوما يحجب الاشكال والمستويات المتعددة والمتنوعة للامساواة النساء في مجتمعات مختلفة، وانماط واساليب المقاومة التي تتحدي بها النساء هذه اللامساواة. فمثل هذا التبسيط يخلق اسطورة اعتبار النساء في كل زمان ومكان ضحايا سلبية لاضطهاد الرجال الشامل الذي لا يتغير. وهذا يعني قبول نمط من الجبرية الثقافية يشبه الاصرار التقليدي علي الجبرية البيولوجية التي تعني ان مصير المرأة محكوم برحمها.

ان اتساع مساهمة النساء في مجالات المعرفة المختلفة مؤشر علي المدي الذي تتحرك فيه النساء في مجالات المعرفة المختلفة خارج حدود ارغامهن علي الصمت وقدرتهن علي التعبير عن واقع جديد، وهن يخضن صراعا مريرا ضد القيم البطرياركية التي تؤيد تبعيتهن وتسعي الي ابقاء هذا التأييد مشروعا.

ولكن العوائق ما تزال جدية، فالواقع المهيمن الذي يجري فيه الانتقاص من قيمة النساء، والابقاء علي ارغامهن علي الصمت واقصائهن عن الفعل، ما زال هو الواقع السائد المعترف به، والمقبول عموما. ان (افرادا جددا يدخلون اليه ويتلقنون قواعده، ولا يمكن لاحد ان يبقي محصنا من تأثيره، برغم ان كثيرا من النساء يرفضن مقدماته المنطقية، ويصارعن من أجل التحرر من قيوده.. ويبقي الواقع المهيمن مرجعا حتي بالنسبة لاولئك اللواتي يسعين الي تغييره. وهذا لا يعني فقط اضفاء النساء صفات ذاتية علي كثير من تعاليمه وقواعده ووصاياهن وهي مربكة ومدمرة لمعنويات النساء بل يعني ايضا خطر صياغة بديل يجازف بأن يكون رد فعل وصورة مرآة ومنهجا مضادا ما يزال متجذرا في النظام الرمزي كما تعرفه الجماعة المهيمنة. ان الصعوبات بالنسبة للكاتبات صعوبات مركبة).

ان الواقع المهيمن يريد من النساء قبول (حقيقة) انه من الصعب عليهن القيام بفعل، لأنهن (تابعات) وليس لانهن نساء حرمن من التعبير عن انفسهن، وانهن بلا صوت ومرغمات علي الصمت.

وارتباطا بموضوع بحث هذا الكتاب، وهو دراسة شخصية المرأة في روايات امريكية، يضيء الكاتب بعض نواحي وضع المرأة خصوصا في القرن التاسع عشر. ويشير الي ان ما هو اكثر خطورة في تصوير النساء هو انه بسبب كون هيمنة الرجال الثقافية هي القاعدة يجري ادراك مواقف الرجال باعتبارها المواقف الانسانية الشاملة، وهو ما يؤيد النسخ الذكورية للانوثة واوهام الرجال حول النساء باعتبارها (الحقيقة الانسانية) و(الواقع). وهكذا فان النساء في الغالب، ينظرن الي النساء كما ينظر الرجال، متقبلات نسخ الرجال عن الانثوي باعتبارها نسخهن. فالنساء (ما زلن يحلمن عبر احلام الرجال (كما تقول سيمون دي بوفوار. وهذا سبب رئيس للحاجة الملحة لإعادة قراءة قراءات الرجال للنساء لا في اطار الادب حسب وانما في اطار اشمل.

ولكن ما الذي تكشف عنه بني السرد في النصوص الادبية حول مصير المرأة؟ يتمثل احد نماذج الحبكة السائدة في ان المعاناة والموت هو المصير الحتمي للبطلات اللواتي ينتهكن حدود الجنس. ويزعم هذا النموذج ان النساء طاهرات بطبيعتهن، وبالتالي فان اي عمل جنسي شرير يعد انتهاكا لذاتهن (الانثوية). ومن هنا يأتي المعيار المزدوج الذي يقضي بان الرجل مسموح له طبيعيا بالاتصال الجنسي غير الشرعي ويتعين غفرانه في حال قيامه بذلك، في حين ان المرأة التي (تسقط) تدمر جوهر ذاتها. وحتي عندما يجري تصوير هذه الشخصيات النسائية بتعاطف باعتبارهن ضحايا عالم اجتماعي وحشي، فانهن ما ان يفقدن براءتهن الجنسية يقودهن طريقهن الي الموت حتما.

ويري المؤلف ان هذه ليست قصة الشخصيات النسائية في الرواية الامريكية حسب بل هي ايضا قصة مدام بوفاري وانا كارنينا علي سبيل المثال لا الحصر. فتولستوي يصور انا كارنينا باعتبارها تعاني من حياة محبطة نتيجة زواج مرتب من رجل تقليدي تشمئز منه جسديا. وليس من غير الطبيعي ان تجد فرصة سعادتها مع رجل تنجذب اليه. غير ان الكشف عن الحبكة من لحظة (سقوطها) يتطور وفقا لمنطق مختلف تماما فخيانة انا تدرك باعتبارها غير طبيعية تماما بالنسبة لوجودها كامرأة يتميز استقرارها العقلي والعاطفي بعدم التوازن. انها تصبح، علي نحو متزايد، لا عقلانية مضللة لذاتها وتعيسة. ولا تشير حركة السرد القاسية في اية لحظة الي امكانية تراجع البطلة عن موقفها. وشأن القطار الذي ترمي نفسها تحته تدفع انا، علي نحو لا يرحم، الي طريق مصيرها المأساوي.

المعيار والبراءة المتخيلة

ويدرس المؤلف المفهوم الثالث ونعني به المعيار الادبي. فمن الملاحظ ان نقد الرواية (والادب عموما) غالبا ما بقي في اطار المعيار المقبول تقليديا (وهو ما تشكله في الغالب اعمال كتبها رجال). ولم يحلل الكثير من نقد (صور النساء)، حتي في النصف الثاني من القرن العشرين، علي نحو واف، العواقب السايكولوجية، والاجتماعية، والتاريخية ــ الادبية خلف الصور المقولبة للنساء في الرواية. ويبدو اننا ما زلنا نفتقر كثيرا الي اعادة تفكير متماسك في التاريخ الادبي.

وتواجه الناقد، في هذا الاطار، مشكلة المعيار، فقد لاحظ نقاد عديدون كيف ان الوصفات التقليدية للمعيار، وكذلك اعمال وآثار الكاتب المتفردة، اثرت علي التقييم النقدي، حيث ما زال التحامل الجنسي احد العوامل المؤثرة في ما يراه النقاد جديرا بالتحليل والتقييم.

وتكمن المشكلة في انه ما ان يؤخذ الادب الي المؤسسة الاكاديمية فانه لن يستعيد تلك البراءة المتخيلة قبل تشكل المعيار. فنحن نحمل تعصبات ايديولوجية لا تصبح واضحة الا عندما نستكشف تواريخنا، ونتفحص مساعينا نظريا. وقد جادل كثيرون بان المعايير هي سمة للبني التعليمية الحديثة، بمعني انه اذا لم نحرم، بطريقة ما، كل الكتب المدرسية في الغالب سيبقي معنا ويعني القول بانه لن يكون لدينا معيار تجاهل ما يحدث في قاعات الدراسة والامتحان.

غير ان هذا لا يعني ان علينا ان نحاول خلق معيار يحاكي المعيار التقليدي. نستطيع بدلا من ذلك ان نكون واعين بالمعايير المستخدمة، وان نسعي لتحدي وتوسيع مدي الامكانيات. فالتاريخ الادبي اكثر تنوعا وتشوشا مما يجري التلميح له في التواريخ الادبية. ان التمييز بين الادب كمجموعة نصوص وبين الحياة اكثر تعقيدا مما يبدو، وان الحدود بين الاثنين قد تكون متداخلة وتسمح بالتفاعل والتأثير المتبادل. فما نعتبره (رجوليا) قد يكون مستمدا من الطريقة التي تصور بها الذكورية لنا في القصص، والصور، والاعلام وكذلك من المعيار الموجود مسبقا للذكورية (هناك) في الواقع الذي ننسخه، من ثم، في الادب والفنون وفضلا عن ذلكم يعتبر المعيار الادبي في كثير من الثقافات شكل التجسيد الاكثر امتيازا. ويجري الزعم اننا نجد في الادب التعبير عن الطموحات والمثل الانسانية العليا، والامثلة الاكثر سموا للفكر والفعل الانساني التي نحاكيها ونتطلع اليها.

ولكن ما علاقة دراسة الادب بالجدالات الاخلاقية والسياسية؟ وكيف يمكن لقراءة الادب ان تحفز علي فهم لطبيعة واسباب لا مساواة النساء في العالم غير الروائي والمساعدة علي تغييرها؟ ربما يتعين علينا ان نبدأ بتعريف ما نعنيه بــ(الادب). فالادب يستخدم عادة للاشارة الي مجموعة من النصوص التي تتسم بسمات جمالية معينة. وهذه المجموعة من الكتابات غالبا ما يطلق عليها (المعيار الادبي). ومن ناحية ثانية يعتبر الادب، ايضا مؤسسة تتجلي اساسا في التربية والنشر. واخيرا فان الادب ممارسة ثقافية ترتبط بالكتابة والقراءة والتقييم والتدريس.

فهل الادب شيء يخلقه كتاب يتمتعون بقدرة وامتياز تخيلي، ام انه نتاج النقد الادبي؟ يشير النقاش بشأن هذه المسألة حتي الآن الي انه جزئيا علي الاقل بنية الاخير، ويبدو ان (الاعمال البارعة) يجري اختيارها والمعايير يجري تجميعها، في الغالب لا علي اساس المعايير الاصلية للامتياز وانما علي اساس افتراضات جنسية لا يمكن تفنيدها، وحماقات نقاد رجال مغالين. فدور النشر الادبية واقسام الادب في مؤسسات التعليم العالي تتواطأ في بنية الادب باعتباره نتاج الرجال في الغالب الاعم.

فيرال ومرجعيات أطروحة الرغبة(4)

في موضوع سابق خصصته للباحثة والمنظرة المسرحية الكندية جوزيت فيرال، وقفت علي أطروحتها الأساسية في تنظيرها لموضوع العرض والمسرَحَة، ألا وهي أطروحة "الرغبة" التي تمثل مركز القلب من فن العرض المسرحي، بالنسبة للمتلقي، هذا الفن الذي لا يستند، من وجهة نظرها، الي مفاهيم السرد والتمثيل، بل الأهم من ذلك أنه يرفض المعني، و يقوم بإعادة تعديل كفاءات المتلقين، وتوزيعها في ترتيب لا يخضع لنظام محدد، فالعرض المسرحي هو أحد الحقول التي تتغيرفيها الحدود علي نحومستمر، والأنساق الرمزية تعاد مساءلتها، ويكون الجسد مركزياً، والمؤدي والمؤدية يستخدم كلاهما جسده فيه كالرسام الذي يستخدم الخيش (الجنفاص) في الرسم، وتصف فيرال هذا الجسد بأنه جسد حرباء، جسد غريب من حيث رغبات الموضوع و مظهر الكبت. وتعد المسرَحَية، في رأيها، من نتاج اللعب اللامنتهي، و الانزياحات المستمرة لوضع الرغبة، وبعبارة أخري، لوضع الموضوع في العملية داخل فضاء خيالي. وهي، أي المسرَحَة، يمكن النظر اليها بوصفها ذات طبيعة مزدوجة، إذ تكون نتاجاً لفعل المتخيّل في حالين: عندما يحدث التشديد علي العرض، وعندما يحدث التشديد علي الطابع المسرحي للهياكل الرمزية المحددة.

وإذ استأنف مقالي هذا عن فيرال فإنما أهدف الي الكشف عن المرجعيات التي وجهتها، أو تأثرت بها في صياغة أطروحتها تلك، وهي مرجعيات تتمثل في بعض الدراسات المسرحية الحديثة، ونظرية التحليل النفسي لعمل الحلم، والتحليلات النسوية للفن. يمكن ملاحظة الأولي في كتابات أوبرسفيلد عن لذة المتلقي في المسرح، التي أثار اهتمامها بها رولان بارت، فهي تقول في كتابها (قراءة المسرح) "إن اللذة تعتمد علي الرغبة في أن يري المرء تقليد العالم بامكانياته المحدودة والحرفية"، وتوضح في دراستها (لذة المتفرج) بـأن اللذة المسرحية هي نتاج لجميع العناصر التأثيرية مجتمعةً، إضافة الي عملية التباعد التي نحتاجها لكي نشعر بالسكينة. وتتمثل حدود اللذة، من وجهة نظرها، في مسألة الرغبة، الرغبة بوصفها احتياجاً. وليس بوسع المتلقي الامساك بموضوع الرغبة، فهي في حقيقة الأمر تنتقل من موضوع الي آخر، وحينما تسكن وتستقر علي موضوع ما يبطل دور المتلقي، وتنتفي التجربة المسرحية"، ومن ثم فإن اللذة تتحدد من خلال الموقف الجوهري وهو موقف الإشباع الكامن في عملية التلقي، ولا يرجع ذلك فقط الي عدم قدرة المتلقي علي امتلاك موضوع الرغبة، بل لأنه إذا امتلكه فسوف يتحول عندئذ الي شيء آخر مختلف عما رغب فيه، فهو لا يستطيع أن يعايش تجربة اللذة من دون أن يعايش تجربة حدودها. ولا يخفي تماثل مسألة اللذة هنا، حيث تربطها أوبرسفيلد بمسألتي الرغبة والإشباع، مع اللذة الجنسية. وفي ما يتعلق بتأثر فيرال بأبحاث التحليل النفسي، علي الرغم مما يطرحه هذا التأثر من إشكالية فعلية بالنسبة لأية منظرة نسوية بسبب ما يوصم به التحليل النفسي من بطريركية، يمكن إحالة موضوع الرغبة الي بحث فرويد لها في كتابه (تأويل الأحلام)، فمن المعروف أنه عرف الحلم بأنه تحقق مقنّع لرغبة مكبوتة، أو أنه انحراف عن الرغبة الأصلية المستكنة في أعماق النفس، وهي رغبة مكبوتة يقاومها صاحبها في مستوي الشعور، ويُعيدها إلي اللاشعور، وفي أثناء النوم، عندما تضعف الرقابة، تأخذ طريقها باحثةً لها عن مخرج. وتكمن صعوبة تفسير الحلم بسبب كون الرغبة المكبوتة تتبدي علي شكل مقنع، ومن هنا وضعت مجموعة من الرموز التي تعد "مفاتيح" يستعان بها علي فهم الحلم. ومما يدعم هذه الإحالة توكيد أوبرسفيلد أن "المسرح له نفس قانون الحلم عند فرويد، فهو بناء متخيّل يعرف فيه المتفرج بأنه معزول كلياً عن نطاق الوجود اليومي. وكل شيء يسير لدي المتفرج وكأنه يعيش داخل فضاء مزدوج: فضاء يتعلق بحياته اليومية التي تخضع للقوانين الاعتيادية الخاصة بوجوده، والفضاء الآخر هو ذلك المكان الذي يتم فيه نشاطه الاجتماعي بشكل مغاير، والذي تصبح فيه القوانين والنظم الشائعة التي توجهه، غير قادرة علي ضبطه كفرد مأخوذ من نشاط سوسيو اقتصادي خاص به". أما لاكان فقد وصف الرغبة بأنها تلك "الحركة اللامتناهية من دال الي آخر، فكل رغبة تنبع من نقص، وهو نقص تكافح باستمرار لكي تسده، واللغة البشرية تعمل من خلال مثل هذا النقص، أي من خلال غياب الموضوعات الحقيقية التي تدل عليها الأدلة، واقعة أن الكلمات ليس لها معني إلاّ بفضل غياب غيرها وإقصائه". وهذا هو عمل النظام الرمزي للجنس عند الطفل في المرحلة ما بعد الأوديبية التي لن يعود بمقدوره فيها أبداً نيل موضوعه النفيس (جسد الأم) مرة أخري، بسبب "مبدأ الواقع" بصورة الأب الذي يهدد رغبة الطفل الأوديبية بأمه بعقوبة "الخصاء"، وعليه أن يقيم عوضاً عن ذلك علاقةً مع موضوعات بديلة، مع ما يدعوه لاكان "الموضوع الصغير"، ليحاول، عبثاً، أن يسد به الثغرة الموجودة في مركز كينونته تماماً، وهكذا يتنقل بين بدائل البدائل، واستعارات الاستعارات، علي الرغم من عدم امحاء الرغبة المكبوتة، وبقائها في اللاشعور، محدثةً ذاتاً منقسمة جذرياً، وقوة هذه الرغبة هي اللاشعور، كما يقول رامان سلدن. ونجد لهذا التحليل اللاكاني صداه، أيضاً، في مقابلة فيرال بين الفضاء الخيالي والنسق الرمزي للمسرَحَية، بوصفها ذات طبيعة مزدوجة، و ثنائية الخيالي/ الرمزي (عند كرستيفا= السيميائي/ الرمزي)، إذ يمثل الأول الطور قبل الأوديبي لعلاقة الطفل بجسد أمه (الامتلاك الخيالي المليء)، والذي يقوم علي "مبدأ اللذة"، في حين يمثل الثاني الطور بعد الأوديبي لهذه العلاقة (الامتلاك الرمزي الفارغ) الشبيه بعالم اللغة "الفارغ"، الذي يقوم علي سيرورة اختلاف وغياب لا حدود لها. وفي صدد تأثر فيرال بالتحليلات النسوية للفن، يمكن أن نشير الي أنموذج واحد، تمثيلاً لا حصراً، وهو دراسة تأسيسية لـ (لورا ميلفي)، نشرتها عام 1975، بعنوان ( اللذة المرئية والسينما السردية)، تحلل فيها الكيفية التي يقوم بها لاشعور المتلقي ببناء رؤيته للعرض. تري ميلفي أن لا شعور المتلقي (والذي يقوم ببناء الاستجابات حسب أنموذج لاكان) يتشكل من خلال النظام السائد، فالفيلم السينمائي بوصفه نسقاً تمثيلياً متطوراً داخل إطار النظام السائد يقوم بتشفير ما هو جنس (في سبيل المثال) من خلال لغة هذا النظام، ولهذا السبب (مع الأخذ بالحسبان أن النظام السائد هو نظام أبوي في جوهره) فإن المرأة دائماً ما تقدَّم من خلال دور سلبي، ومن ثم فالأنثي علي الشاشة يُنظر إليها بوصفها صورةً إيقونيةً، فهي موضوع جنسي بالنسبة للشخصيات داخل الفيلم، وبالنسبة للمتلقين في قاعة المشاهدة أيضاً. وتري ميلفي أن وضع المتلقين في السينما يفضي، نتيجةً للمواضعات التي تطور في إطارها هذا الفن، الي كبت رغبتهم في الكشف عن أنفسهم، والي إسقاط تلك الرغبة المكبوتة علي المؤدي، وإن لذة المشاهدة تشبع رغبةً إنسانيةً أوليةً، إلاّ أن هذه اللذة تنقسم الي لذة ذكرية ولذة سلبية أنثوية. وهكذا تكون رغبة المتلقي، حسب فهمنا لنظرية فيرال، متجهةً، علي نحو غير واع، في بداية الأمر الي إلإمساك بالموضوع، أوالعالم الخيالي للعرض المسرحي، وامتلاكه، ولكن هذه الرغبة تصطدم بجدار النسق الرمزي للعرض الذي يقوض المعني الراسخ، أو يُفقده، ويقوم بإعادة تعديل كفاءة المتلقي، وتوزيعها في ترتيب لا يخضع لنظام محدد، وغالباً ما يحول دون بلوغه مدلولات نهائية خالية من الشوائب للدوال التي يتألف منها العرض، لأن المدلولات في عملية متواصلة من الانزلاق والاختفاء تحت الدوال العائمة، كما يقول لاكان، وأن حدود العرض نفسه عرضة للتغيير بشكل مستمر، ومفهوم التمثيل فيه محطم، وجسد الممثل جسد حرباء، يتلون نشاطه بين حين وآخر. ولذلك فإن المتلقي يكتفي، في هذه الحال، لتحقيق لذته بالانتقال من دال الي دال آخر داخل نفق سيميوزيسي طويل، تماماً كالحلم المشوش والملغز الذي تخضع فيه الصور للتكثيف (عملية استعارية)، والتبديل (عملية كنائية)،

مجدداً رغبته، التي "يوقضها مالا يستطيع أن يمتلكه تماماً"، حتي يتمكن من استعادة الموضوع المفقود وامتلاكه في النهاية. والمقصود بالنهاية هنا هو الإشباع الذي يتحقق من تكوين معني ما محتمل للعرض.

تحليل علاقات الكتابة(5)

تشكل عملية الكتابة جهازا علائقيا نستطيع بداية أن نقف فيه على ثلاث مصطلحات تتشابك معاً مشكلة محاوره الأساسية. وإن كانت عملية الكتابة هي المعامل الذي تتعلق فيه وبه باقي العناصر. فالكتابة تصدر عن الذات في علاقتها بـ"الواقع".

وتتمركز "اللغة" في هذه العملة كإشكالية رئيسية من حيث "اللغة" هي الدال على عملية الكتابة، وبهذا نستدعي هنا عدة إشكاليات لا يمكن تجاوزها في أي مقاربة لتلك العملية المعقدة. فاللغة "ليست بريئة ولا محايدة" فعبر استخدامها زمنيا أصبحت محملة بمدلولات لها تاريخيتها الممزوجة بالذات الجماعية المستعملة لها، فحملتها حمولة أيديولوجية ذات أطر تاريخية.

ومن هنا تصبح لغة الكتابة متشابكة مع الذات والأيديولوجيا وتحمل رموزا تسعى لتخييل الواقع وإن كانت لا تحل محله.

ومن هنا تثور مسألة فعل الذات في اللغة وعمل الذات في البنية وعلاقتها بالأيديولوجيا التي تقوم بوظيفة تثبيت تمثيلاتها وتصوراتها الاجتماعية، وفي هذه القضية لابد من أخذ مسألة العلاقة بين الهوية واللغة في عين الاعتبار. لذلك نرى ضرورة لرسم هذا التكوين للذاتية ليتضح لنا موقعها في "عملية الكتابة" وكذلك اشتباكها مع "الواقع" محاولين الإمساك بشبكة الدلالات التي تكون جهازها العلائقي: الذات - الواقع - الكتابة

فما هي الذات وكيف تتكون؟

بداية أعلم أنه ليس بالسؤال السهل، ولكن من الضروري أن نركب المجازفة لعلها تصيب هدفها أو على الأقل نفتح شهيةً للنقاش بما تثيره من طرح، حيث يتملكني حدس قوي بأنه مصطلح محوري في أي بنية أدبية أو فنية.

أصبح معروفا لنا الآن كيف يتكون اللاوعي من الرغبات الممنوعة والمكبوتة، وقد أوضح عالم النفس الشهير جاك لاكان، أنه بالإضافة إلى المكبوت "هناك العودة والرجوع للآثار المكبوتة". فعندما ينقسم الفرد/ الأنا إلى مسموح وممنوع فإن هذا الانقسام (الانشطار) هو ما يخلق مكونات اللاوعي. ولكن ماذا عن الرغبات المحققة؟ المسموح بها وتلك التي تتمكن من التحقق بالانفلات، وناتج تحققها، أين يتجمع؟ من المحتفي بهذا المتحقق؟ والمستفيد من مكوناته؟ وفي أي موقع يتجمع؟

بمعنى آخر إذا كانت الرغبات الممنوعة والمكبوتة تشكل وجودا خفيا أليس المتحقق منها تشكل نتائجه الرمزية وجودا ظاهراً، خاصة وأن عوامل الكبت وطاقة الإلحاح على التحقق تخلق لهذا المتحقق منها قيمة يعتد بها. ويصبح السؤال الآن عن الموقع الذي تتجمع فيه هذه الآثار الرمزية للمتحقق من الرغبات.

يبدو أننا مضطرون إلى العودة إلى الجذور الأولى في حياة الفرد.. عند نقطة البدء وعلى وجه التحديد بعد ستة أشهر من الميلاد، عندما تقوم الأم بتلقيننا اسم الأب، الذي هو أول تعاطي للعالم الخارجي، يأتينا في شكل رمز مجرد متزامن مع أول تعرف لنا على أطرافنا، هذا التزامن الذي يمتد عاماً آخر حيث تحدث عملية الفطام، وما يعنيه من آلام الانفصال والاستقلال عن جسد الأم الذي يشكل عالم الطفل، الغداء، الدفء، والأمان في ثمانية عشر شهرا من بداية الميلاد سيتعرف الطفل على ثلاثة أحداث تشكل أهم الجذور التأسيسية لثقافة الإنسان الفرد.

فمنذ تلقينا اسم الأب، أول رمز للسلطة المجردة، والذي يثير انتباهنا إلى ما يقف خارجنا/ فوقنا، نكون قد بدأنا في نفس الوقت بالتعرف تدريجيا على صورة ما لأجسادنا معكوسة على مرآة ذهننا أنها تأسيس لمرحلة المرآة Mirror-Phase أو الجزء المقابل Countre Part حيث تشق طريقها في البدايات الأولى محتوية على خبرة ستظل فاعلة - أنها تحفر تلك الفجوة وتستصلح مساحتها وتحجزها لنفسها في براري الذهن.

تلك المساحة التي ستتجلى وتصبح ذات مطلبية للامتلاء بالتصور عن ذلك الآخر، الذي يظهر هناك في ذلك المشهد الذي يظل في حاجة إلى إشباع بالتغذي على القيمة الناتجة من ذلك الذي يتكون من رموز الرغبات المتحققة.

وتجربة التعرف على الجسد سوف نجد اكتمالها في الاستقلال عن جسد الأم في مطهر آلام الفطام وما يصاحبه من حرمان سيعمل بعد ذلك كمحفز لعمليات الذات واشتغالها، هذا المنع الذي يبتني بؤرة أخرى ليتشكل فيها فيما بعد عقدة تأسيسية شديدة الفعالية، وهكذا تكتمل الأحداث الثلاثة الأهم في حياة الإنسان: اسم الأب/ المرآة/ المنع.

اسم الأب الذي سيتكرس في الخبرة كرمز للسلطة -كل سلطة في حياتنا خاصة عندما يعرف الطفل عن طريق المنع الذي يمارسه عليه الأب، أن أمه ليست ملكه ولكنها ملك أبيه، فيتكرس الأب في وعي الطفل كسلطة خصائية، فتتكون بذلك عقدة الخصاء Castration Complex أي ناتج المنع المتراكم، وهكذا نرى جذور الأحداث الثلاثة السالفة تعمل كمحدد لطبيعة تكون ذلك -الآخر- الذي يظهر هناك في ذلك المشهد من الذهن.

تعمل السلطة الأبوية كسلطة خصائية بامتدادها في كل رمز تراتبي، على رسم حدود المسموح والممنوع. ليتشكل هذا الآخر بين ضغط الطاقة المكبوتة في اللاوعي والحدود العلائقية مع رموز السلطة الخصائية مثل الأب، المدرس، المدرسة، البيروقراطية، أجهزة القمع، القوانين، الأخلاق، المبادئ. أي كل المنظومات الرمزية خارجنا بالإضافة إلى الحرمان الكامن داخلنا من لحظة الفطام ومطلبية تلك المساحة للامتلاء، إن المتخلق الذي تمتلئ به تلك المساحة أو المسافة لا يمكن أن يكون سوى الذات، والذات وحدها هي التي يمكن أن ندعوها هنا في هذا الموقع الذي أصبح واضحا أنه موضع تكونها وهو ناتج المتحقق الذي يحتوي على العلاقة بالآخر، والملاحظ أن تكوّن الذات يكون في موقع خضوع.

أصبح الآن واضحا لنا أن الانشطار ينتج اللاوعي كما ينتج الذات. إذن كيف نستطيع أن ندركها؟

يقول لاكان: "علينا أن نعرف ذلك بالطريقة التي تظهر بها لنا وهو أمر يشبه طريقة العرض الفسيح الذي يقع فيه الطيف أو الصورة الخاصة بين الإدراك الحسي وبين الوعي ولكن علينا ألا ننسى المسافة التي تفصلهما حيث يقع في هذه المسافة موضع الآخر".

وحضور الذات والإحساس بها يظهر في الكلام ومن خلاله، ويحدد وضع الذات، واللغة المكتوبة هي المرجعية الأكثر رقيا، فالكتابة في إحدى أهم وظائفها هي إنشاء لعالم الذات وذلك لكي تتحقق في الوجود والكتابة ضرب من ضروب الوجود.. وإلى هنا نستطيع أن نرسم مخططا للذاتية في علاقتها باللاوعي كناتج لعملية الانشطار واتصال نشاطها بمواضع ظهورها.

وعلينا أن نعرف أن الرغبات المكبوتة تتحول إلى دال في عملية ترميزية تشتمل على شفرة، ومن خلال عملية العودة والرجوع، والتي يمكن أن نسميها تغذية الذات بغزارة الدوال الصادرة عن اللاوعي، والتي تحاول ساعية إلى الانفلات والتحقق مشيرة إلى النقص في النظام الرمزي للذات، ذلك النقص الذي يحدد الأولوية في برامج اشتغال الذات.

إن مجموع تلك الدوال يعطي علامة اللاوعي، حيث تكون الذات في علاقة ثابتة معها، وهذه العلاقة يمكن أن نراها في هذا المنطوق "أرغب في أن أكون" وهي تشير إلى دوال موضوعية توجد خارجنا، وعملية التحقق -تحقق الذات- تحتاج إلى أن نتعرف على الموقع المميز للذات الذي يسمح لها بأن تكون على صلة بالأجهزة النفسية الأخرى فهي فضلا عن علاقتها الثابتة بعلامة اللاوعي تكون بموقعها بين الإدراك الحسي وبين الوعي مطلعة على عملية تحويل الآثار المدركَة حسيا إلى الوعي، ومروراً إلى الذاكرة حيث تطمس فيها طمسا تبادلياً. وهنا يبدو أن عملية العودة والرجوع كإشارات صادرة عن اللاوعي تعمل كمنبه للذات لتأخذها ما في أولوياتها في برنامج الرغبات المطلوب تحقيقها. دعنا نقول أنها تعمل بطريقة نظام للتغذية الارتجاعية. حيث المدخلات من الخارج يتم ترميزها وتشفيرها ثم العودة مرة أخرى في عملية الإلحاح لتستقبلها الذات فتأخذ منها الإشارة الأكثر توافقا مع المعلومات المتوفرة أو التي يمكن توفرها والتي يمكن أن تخضع لخطة ما يرسمها الوعي للتنفيذ حتى وإن كانت لا تبين ملامحها تماما.

إن عملية الاختيار هذه تحتاج أن تكون الذات في موقع يسمح لها بالاطلاع على المعلومات الكافية في الخارج لتقوم بهذه العملية، كأن تكون على علم بكل النتائج في العمليات الواعية فضلا عن الآثار التي يحملها الإدراك الحسي إلى الداخل (المدخلات-input) وذلك أثناء مرورها إلى الوعي ومنه إلى الذاكرة حيث تطمس هناك بشكل تبادلي.

إن فعل الذات هنا يتأسس بالمعلومات المستقبلة عن الموضوع الخارجي أي الموضوع الذي تثيره الرغبة، وذلك ضروري لتنظيم الفعل. بينما يقوم الوعي بتبين العواقب الذاتية والاجتماعية الخارجية بشكل عام وجعل التناقض الخارجي مع الرغبة واضحاً.

ومع غزارة الرسالة (الإشارة) الصادرة عن اللاوعي يصبح هذا الإلحاح ضاغطا في شكل العودة والرجوع على الذات لتسخر الوعي في البحث عن حل لهذا التناقض ووضع خطة مبينة على المعلومات المستقبلة عن الموضوع، فتحصل بذلك على المعطيات اللازمة التي ستتفاعل معها على ضوء مطلبية العلامة اللاواعية بدوالها الغزيرة، والتي تظهر لها في عملية العودة والرجوع أي أنها تتحرك على استكمال ما ينقص النظام الرمزي.

وهذا الذي ينقصها يتحدد كدوال موضوعية (دوال إشباع الذات) لم نتحدث هنا عن الإشباع الوهمي أو الاشباعات التعويضية والمرضية وسنكتفي بدوال الإشباع الموضوعية لأنها تصلنا مباشرة بموضوعنا حيث المصطلح الإشكالي الآخر "الواقع" في حالته الخام، في حالة الفرد -الكائن وحاجاته البيولوجية وهو ما يسبق فرضية (الرمزي).

الواقع

إن مصطلح "الواقع" الذي كان في البداية يحمل أهمية محدودة قد تم تطويره تدريجيا وتغيير مغزاه بدرجة كبيرة حيث بدأ يقدم في علاقته بالاحلالات الرمزية والتنوعات التخيلية كوظيفة للثبات والاستمرارية، فهو يرتبط بالرمزي وبالمتخيل ولا يحل محلهما ويمكن أن يفترض فقط باعتباره المجهول الجبري المرموز له بالرمز (X) فالواقع هو ذلك الذي يعود دائما إلى نفس المكان.

ثم ظهر بعد ذلك باعتباره هو هذا الذي يتردد ويرتعش أمامه المتخيل، والذي فوقه يتعثر الرمزي، هو ذلك العنيد المقاوم ومن هنا جاءت الصيغة (الواقع هو المستحيل).

وبهذا المفهوم بدأ يظهر هذا المصطلح بانتظام كصفة تصف ما ينقص النظام الرمزي، والبقية التي لا يمكن إزالتها بكل الكلمات المنطوقة، والعنصر الممتنع الذي قد يمكن الاقتراب منه ولكن يستحيل الإمساك به: الحبل السري للرمزي، إن هذه الصيغة تدلنا على العلاقة بين المصطلح السابق (الذات) وهذا المصطلح (الواقع)، فالواقع يتحدد بدوال موضوعية هي رموز مطلبية للذات، أي أنها دوال إشباع لهذا الذي ينقص نظامها الرمزي مشيرة إليه في خارج الذات. وبناء على هذا التحديد تشكل عدم الاستجابة أو تناقضها مع النظام الرمزي للذات إشكالية.

الآن أصبحنا قريبين من رؤية العلاقات في ترابطها، حيث الذات وقضايا المجتمع، إذن، الواقع، في هذا المفهوم يتحدد بتلك الدوال الرمزية التي تعبر عن المطالبة والتي تفترض وجودا مسبقا بالآخر كما تقتضي الوعي به وهذا المفهوم يحيلنا إلى جدلية الذات الواعية في عملية التفاعل بين الدوافع الجسدية والتناقض الخارجي، وهي جدلية مسؤولة عن تكون الحالة الواعية للذات في علاقتها بالمحفز الخارجي.

الأمر الذي يضعنا أمام مفهوم للواقع نرى فيه بوضوح من خلال ممارسة الذات في عملية الكتابة مواقفها من موقع التناقضات الموضوعية.

الكتابة

أتضح لنا في مقاربة لمصطلحي: الذات والواقع مدى تعلقهما بمصطلح الكتابة من حيث هي إنشاء لعالم الذات الذي نرى فيه محددات ذلك الواقع بمنظومته الرمزية.

وسنحاول الآن مقاربة مصطلح الكتابة لنفض الغموض الذي يفرضه علينا أي فهم سابق غير منسجم مع التشابك الجدلي الذي طرحته المقاربة في المصطلحين السابقين.

ولنبين تعالقهما الذي يشكل آلية إنتاج للمعنى (معنى الذات) وتشكلها نوعيا داخل علاقات رمزية، لعل مراجعة معجمية لمصطلح الكتابة يلقي ضوءا على الكيفية التي يحل بها لفظ دال على عملية محددة ليدل على عملية أخرى.

مما يمكننا من رؤيته في المغزى الدلالي كمحصلة للممارسات الإنسانية للفعل، وكيف يُبنى رمزيا بمدلولات عبر الاستخدام الزمني.

ففي المنجد نجد: أن الكتب جمعها كتب هي: السير يخرزبه وأنّ كتب القربة كتْبا تعني: خرزها بسيرين وشد رأسها وربطه، وهي كذلك في لسان العرب المحيط لابن منظور مادة "كتب".

أي عملية تخييط أطراف ببعضها لتتحول إلى شيء له شكله الجديد بوظيفة جديدة، ولعل انتقال هذا الفعل: كتب، من عملية الرتق إلى عملية الكتابة قد انتقل عبر جسر دلالي يمثل مشتركا بين العمليتين معتمدا على آلية التشابه فالكتابة هي رتق الحروف ببعضها لتكوّن كلمة -لفظ- ورتق الألفاظ لتكوّن جملة ورتق الجمل لتكون عبارة ورتق العبارات لتكون جسد النص -متن النص- ولكن هل يمكن تلاقي العمليتين في آلية التشابه لتحفز عملية نقل هذا الدال ليدل على مجال عملية أخرى؟*

أم أن هناك حوافز دلالية أخرى كامنة في كلا العمليتين عملت على إزكاء طاقة نفسية ذات شحنة عاطفية، جعلت عملية الإحلال تبدو كعملية إحلال حلمية؟ نعتقد أن هذا ممكن خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن ناتج عملية رتق الكلمات تسمى: تركيبة الجملة، والوحدة الدلالية لكلمة تركيب تشترك في دلالتها مع كلمة جماع، والتركيب أيضاً يعني عملية مزج لعناصر مختلفة تنتج شيئاً جديداً متحداً من عناصر تصبح منسجمة بفعل التركيب.

مرة أخرى تتلاقى دلالة كلمة تركيب مع فعل الجماع الذي يجانس الرجل والمرأة. بينما تحيلنا كلمة -متن- التي تطلق على جسد النص إلى دلالتها الأولى، فالمتن هو ظهر الناقة (أنثى الجمل) ويقال قضب الناقة أي ركبها ولا يخفى التناظر بين قضب وقضيب، وركب وما يعنيه من إيحاء جنسي، وذلك التلاقي في المدلولات بين الألفاظ يجعل المتن حاملا ومعبأً وجاذباً لتلك الوحدات المعنوية والدلالية بينهما في معناه.

فماذا في "متن" النص من تلك الدلالات المشتركة التي رشحت اللفظ (متن) ليكون دالا على جسد النص؟

من البداية نجد أن انتقال لفظ "كتب-رتق" إلى دال على عملية الكتابة يحمل نفس الإيحاء الجنسي في عملية الرتق وهو الفعل الذي يُرى في حركة إيلاج وخروج إبرة الخياطة مما يستدعي أن الكتابة باللغة هي جسد لإيلاج الأفكار والمشاعر تخرز الكلمات حاملة وحدتها الدلالية، التي تلج الجملة فيتمدد وجه دلالتها مع إيلاجها في جملة أخرى وهكذا حتى تستوي العبارة فيخرج المعنى الذي بدوره يلج عبارة أخرى مكونا بذلك من تلك العملية "جسد النص" الذي يحمل في عملياته هذا التشابه مع مجموع الوحدات الدلالية للألفاظ التي استخدمت في وصف عملية الكتابة كما نراها في كتب -تركيب- متن- فعملية انتقال دال ليدل على شيء آخر لا تبنى على أحادية الوحدة المعنوية للفظ ولكن لابد من انغماسها في شفرة العملية نفسها التي تدل عليها كما أوضحنا، كما شكلت هذه الشفرة الانتشار الذي تسبح فيه المستويات المختلفة للاصطلاحات التي دخلت عملية الكتابة -كمجال للتلاقي والانتماء.

وهكذا نرى أن مصطلح الكتابة يسبح في شفرة رمزية تتجذر وشائجها في جسد وذات الإنسان، لأن الكتابة هي حضور الإدراك بالذات.

وقديما قال جلال الدين الرومي: "عصفور الرؤية وحده يطير على جناح الرغبة"، وعندما تختل وظيفة تلك اللغة، تختل طاقة الإنسان، لأن الوجود الذاتي يفقد معالمه عندما تفقد الكلمة فلولا الكلام "لم تكن تتعدى فوائد العلم عالمه، ولا صح من العاقل أن يفتق عن أزاهير العقل كمائمه، ولتعطلت قوى الخواطر والأفكار من معانيها واستوت القضية في وجودها وفانيها... ولكان الإدراك كالذي ينافيه من الأضداد، ولبقت القلوب مقفلة على ودائعها، والمعاني مسجونة في مواضعها، ولصارت القرائح من تصرفها معقولة والأذهان عن سلطانها معزولة، هكذا تحدث الجرجاني معتبراً الكلام يحتل "منزلة القادح لحيز الفعل، حتى أن قوى العقل والخاطر والفكر والإدراك والقريحة تظل حبيسة أبدا ما لم ينفث فيها الكلام معالم الوجود وهو ما مكن من وضع معادلة تقول: "أن بين الوجود والعدم الكلام".

هكذا نرى أن مصطلحات -الذات-الواقع- الكتابة- تثير إدراكنا لتشابك علائقي في عملية الكتابة، تبدو معها كجهاز منتج للعملية ذاتها. ولكننا سوف نلاحظ دون شك تلك التفريعات الهامة المندرجة ضمن هذا الجهاز العلائقي، فبينما يكون مصطلح الذات ثابتاً سنلاحظ حركة مصطلح الواقع بعد رؤيته في تعالقه مع الذات كما بينا سالفا حيث يتحول إلى تعبير عن صورة -للرغبات- بالمعنى اللاكاني، أي أنه سوف يُرى ملونا بالرغبة الصادرة عن الذات كتعبير عما ينقص نظامها الرمزي. السنا هنا قريبين من حدود الأيديولوجيا، خاصة عندما يتم التعبير عما ينقص النظام الرمزي باللغة، أي أن الذات تنتج معنى نوعي مصحوبا بهويات نوعية، فاللغة التي هي دال الكتابة تتحول إلى جهاز علائقي عندما تبدأ اللغة في حمل -الرسالة- بواسطة أنساق دلالية لا يمكن إلا أن تكون معبئة بفاعليات هذا التعالق.

فالأنساق الدلالية تتميز بعمليات تكثيف دلالي حامل للهويات، حيث تتضح مواقف الذات وفعلها في اللغة من موقعها بين التناقضات والتي تشكل مطلبية الذات ودوالها الموضوعية في الخارج حديها المثيرين.

إلى هنا يتضح لنا مدى التشابك العلائقي بين المصطلحات الثلاثة التي اقترحناها، والتي تبين عبر التحليل أن (الذات) هي واسطة العقد فهي المعنية بالعملية ذاتها حيث الكتابة هي ناتج التفاعل بين الذات والواقع أي أن إنتاج الهويات النوعية المشتركة على أرضية واحدة هي (الواقع) تحتوي على الوحدة والتنوع.

وحدة من حيث الواقع المشترك وتنوع -اختلاف- من حيث محددات الذات النوعية لكل فرد في تفاعلها -رغبات، مطلبيات مع واقع، هو في الحقيقة أوسع من مطلبية الذات الفردية، لذلك فالواقع الخارجي الذي تتفاعل معه الذات يمكن وصفه بأنه واقع مقطعي.

كما رأينا طبقا لهذا التحليل أيضا أن هذه العملية تنتج بالضرورة رؤية ذاتية هي ما يمكن وصفه بالأيديولوجيا التي تحتفل بها اللغة في معالجتها لموضوعها الذي تحدده الذات كمجال لاشتغالها على مطلبيتها في الحضور.

* تشير كلمة "كتب" في اللغة السومرية إلى جملة "كلام منقوش على اللوح" حيث كل حرف في كلمة ك-ت-ب. العربية يقابله كلمة في السومرية وتصبح هكذا: ك "كلام أو فم" ت "نقش" ب "لوح".

.........................................................

المصادر/

1- محمد عبد ربي / شبكة العراق الثقافية

2- عمرو عيلان/ جريدة الاسبوع الادبي

3- قراءة: عبد المنعم الاعسم/ جريدة (الزمان)

4- عواد علي / جريدة (الزمان)

5- محمد سليمان الزيات / الفضاء الثقافي

6- النسوية ومابعد النسوية/ سارة جامبل

7- "ما قبل اللغة" تحت الطبع للدكتور عبدالمنعم المحجوب

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 6 تموز/2007 -19/جماد الاخرى/1428