الشركات الأمنية ودورها في نشر الفساد والفوضى في العراق

إعداد:القسم الوثائقي والمعلوماتي

شبكة النبأ: بينما تستمر حرب العراق التي كان احد مهندسيها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي كي تستنزف المزيد من دماء وعذابات العراقيين، وتقتل الألوف من الجنود الأميركيين فإن وثائق كثيرة تظهر بين حين واخر لتثبت أنه خلال خسارة واشنطن للحرب فإنّ (تجّار الموت يربحون).

فقد تحدثت صحيفة بريطانية عن موضوع الامن في العراق وتشير إلى ان نسبة كبيرة من المساعدات المالية التي تقدمها الحكومة البريطانية تذهب إلى الشركات الأمنية الخاصة التي تقوم بأعمال الحراسة.

وتقول الصحيفة أن الشركات الأمنية حققت أرباحا كبيرة من خلال عملها في العراق ومن بين اكبر الشركات الأمنية المستفيدة من العمل في العراق شركات امريكية وبريطانية.

واحدي اكبر الشركات الأمنية البريطانية العاملة في العراق تسمى ارمز جروب ويرأسها عضو مجلس العموم عن حزب المحافظين المعارض مالكوم ريفكند.

وتقول الصحيفة إن نصف إرباح الشركة التي بلغت العام الماضي 129 مليون جنية إسترليني قد جاءت من العراق.

وتشير الصحيفة إلى أن ما نسبته 34 بالمائة من مبلغ 21 مليار دولار خصصتها الولايات المتحدة لإعادة اعمار العراق قد تم تحويلها للإغراض الأمنية.

بلاك ووتر Black water... جيش مرتزقة

وصدر مؤخرا كتاب بعنوان "بلاك ووتر بروز أقوى جيش مرتزقة في العالم للكاتب" Jeremy Scahill". الكتاب يحذر من خطر جيش المرتزقة المتخفي ضمن صيغة الشركات الأمنية. عنوان الكتاب (بلاك ووتر) هو اسم لشركة أمنية أمريكية تعمل حاليا في العراق.

برز اسم بلاك ووتر في وسائل الإعلام العالمية بشكل ملفت في 31 مارس (آذار) 2004، بعد أن اصطادت المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة أربعة أمريكيين يعملون لدى الشركة، وقيام المواطنين بحرق جثثهم وتعليقها على الجسر كرد فعل على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال المغولي في المدينة الصامدة. ادعت إدارة الشركة حينذاك بأن الأشخاص الأربعة كانوا في مهمة توفير الحماية لقافلة شاحنات محملة بالمواد الغذائية!

إلى جانب حادثة الفلوجة، فأن اسم الشركة تردد في أكثر من حادث وعمل عسكري للمقاومة، ففي نيسان (ابريل) 2005 نجحت المقاومة من إسقاط طائرة نقل تعود ملكيتها للشركة كانت تقل 11 شخصا قتلوا جميعا، 6 منهم كانوا من حملة الجنسية الأمريكية، ثلاثة بلغاريين واثنان من فيجي، وفي 23 كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، أسقطت المقاومة طائرة أخرى تعود ملكيتها إلى شركة "بلاك وتر" في شارع حيفا قتل فيها خمسة أشخاص.

حادثة شارع حيفا كشفت الكثير عن طبيعة عمليات الشركة الخطرة ، وتجاوز دورها لمهام توفير الأمن والحماية للشخصيات والمنشئات، وانتقالها إلى دور المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية كبديل للقوات الأمريكية المسلحة.

ماذا نعرف عن هذه الشركة ؟ ومن هو مالكها؟

البحث في موقع "ويكبيديا" يقدم الشركة على أنها شركة متخصصة في" تقديم الخدمات الأمنية والعسكرية، أي إنها شركة " مرتزقة " تقدم خدماتها للحكومات والأفراد في مجال التدريب المسلح والعمليات الخاصة".

تتكون الشركة من تسعة شركات فرعية وهي:

Blackwater Training Center

Blackwater Target Syestems"

Blackwater Canine

Blackwater Airships, LLC

Blackwater Armored Vehicle

Blackwater Maritime

Raven Development Group

Greystone Limited

Blackwater Security Consulting.

والأخيرة المتخصصة في مجال الاستشارات الأمنية أنشئت في عام 2002، وهي واحدة من الشركات العديدة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية في حربها على شعب العراق لتوفير الحماية للشخصيات وللمنشئات، بالإضافة إلى مهام تدريب وإعداد أجهزة الجيش والشرطة في العراق، مقر الشركة يقع في ولاية "North Carolina"، وتم إنشائها تحت اسم "بلاك ووتر أمريكا" عام1997.

مدونة الشركة في الانترنيت يقدم وصفا لمهامها كشركة متخصصة في تقديم الدعم العسكري لأجهزة المنفذة القانون والأمن وحفظ السلام وعمليات حفظ الاستقرار، وتشير إلى إن هذه الخدمات لا ينحصر نشاطها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بل إنها من خلال شركاتها الفرعية التسع توفر خدمات واسعة لزبائنها في كافة أنحاء العالم، وحاليا لدى الشركة مكاتب بغداد والكويت.

كما تصف المدونة بأن إحدى مهام الشركة تتمثل في دعم السياسة الأمنية الوطنية والدولية التي تحمي المواطنين العزل، وتوفر بإخلاص صوت حر للجميع!

رئيس الشركة هو غاري جاكسون "Gary Jackson " وكان يعمل سابقا في القوات الخاصة التابعة للقوات البحرية الأمريكية، أما مالك الشركة فهو المليونير "Erik Prince" سبق وأن خدم في سلاح البحرية الأمريكية، وهو يميني مسيحي أصولي من عائلة جمهورية تعتبر من كبار الداعمين لحملات الجمهوريين الانتخابية، وهو عضو في مجلس إدارة مؤسسة Christian Freedom International" "، الحرية العالمية للمسيحيين، وهي مؤسسة غير ربحية يصف موقعها الالكتروني عمل المؤسسة بأنها تسعى لتقديم المساعدة للمسيحيين المضطهدين بسبب إيمانهم بالمسيح، ويكمل الوصف بأنها مؤسسة إنسانية لا طائفية توفر المساعدات والدفاع وكتب الإنجيل للمسيحيين المضطهدين في مناطق النزاع أو الاضطهاد الحاد في العالم.

أعضاء مجلس إدارة شركة بلاك ووتر كل من "Joseph E. Schmitz" المفتش العام السابق لوزارة الدفاع في حقبة ريغان و"J. Cofer Black" نائب رئيس مجلس الإدارة (المنسق السابق في مكتب مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية لدى كولن باول)، بالإضافة إلى أن عدد من كبار مسئولي البنتاجون والمخابرات المركزية السابقين يشغلون مناصب عليا في شركة بلاك وتر منهم نائب رئيس الشركة Cofer Black الذي كان من كبار المسئولين في إدارة مكتب مكافحة الإرهاب في إدارة بوش خلال أحداث 11\9 والذي اشتهر بمقولته "هناك قبل 11/9 وبعد 11/9، وسنخلع القفازات".

المقاتلين في شركة بلاك ووتر

الشركة لا تجند الأمريكيين فقط بل إنها تجند عناصر المرتزقة من كافة أنحاء العالم، ربما من أبرز هؤلاء، "الموظفين الأمنيين" الكوماندوز التشيليين الذين سبق وأن تدربوا وعملوا في الأجهزة الأمنية القمعية التابعة لحكومة الدكتاتور التشيلي السابق (اوغستو بنوشيه Augusto Pinochet ) وهو ما صرح به رئيس الشركة غاري جاكسون لصحيفة "الغارديان" البريطانية، حيث اعترف بأن عدد من الكوماندز التشيليين السابقين سيتم إرسالهم إلي العراق لحراسة أبار النفط! هذه العناصر تتقاضى أجورا عالية، حيث يبلغ معدل الدخل اليومي للعاملين في هذه الشركة ما بين 300 و600 دولار أمريكي.

والشركة تفرض على العاملين أداء قسم الولاء للدستور الأمريكي وذلك لتأكيد واثبات إخلاصهم للشركة ومهامها، ويمكن قراءة نص مذكرة موجهه للعاملين موقعة باسم اريك برينس مالك الشركة تشير إلي قسم الولاء في الرابط أدناه.

http://mountainrunner.us/files/blackwaterpledge.pdf

علاقة الشركة بإدارة بوش

يصف برينس شركته بأنها امتداد وطني للجيش الأمريكي. وفي هذا السياق فأن الإدارة الأمريكية استخدمت وبشكل واسع النطاق عناصر من بلاك ووتر لتوفير الحماية لأعضاء الإدارة الأمريكية في العراق، ابتداء من بول بريمر إلى نيغروبنتي وانتهاء في زلماي خليل زادة. وقد كشف تصريح لخليل زلماي زادة السفير الأمريكي السابق في العراق بعد حادثة سقوط طائرة تابعة لـ"بلاك ووتر" في شارع حيفا وقتل من فيها، وصف زاده القتلى بأنهم رجال أكفاء وسبق أن عملوا معه، هذا التصريح ربما يكشف عن إن عملية شارع حيفا كانت لحماية شخصية أمريكية مهمة.

للشركة نشاطات واسعة في كل من العراق وأفغانستان كما يذكر الكاتب Jeremy Scahill إن الشركة تسعى للعمل في السودان كقوات حفظ سلام في دارفور، ويذكر الكاتب عن مصادر بأن هنالك مفاوضات مباشرة جرت مع "الجيش الشعبي للتحرير" المشارك في الحكومة من أجل السماح للشركة في تدريب "المسيحيين" في جنوب السودان عسكريا، كما ويشير إلي علاقة مالك "بلاك وتر" Erik Prince في "مؤسسة الحرية العالمية للمسيحيين" التي استهدفت السودان لسنوات طويلة.

وفي تقرير أورده السيد Mark Langfit مراسل NPR (الإذاعة الحكومية الوطنية)، أشار في التقرير بأن "بلاك ووتر" تدفع من أجل السماح لها المشاركة في حفظ السلام في دارفور، وأن هناك معارضة في الأمم المتحدة من استخدام قوة خارجية في قوات حفظ السلام، وفي الواقع فإن الشركة توفر خدماتها بالفعل لـ"قوات حفظ السلام"، وقد بعثوا جنودهم الأفارقة حول دارفور في الكونغو وليبريا، وقاموا بحماية قوافل الشاحنات للمواد الغذائية والمخازن كما وفروا الحماية للشخصيات.

اللافت إن الحكومة الأمريكية أيضا قد استخدمت عناصر من "بلاك ووتر" في مدينة New Orleans بعد إعصار كاترينا من أجل السيطرة على الوضع الأمني في المدينة والولاية.

اتحاد المرتزقة في العراق

"بلاك ووتر" ليست الشركة الوحيدة العاملة في العراق، فهناك أكثر من 60 شركة أمنية أجنبية تعمل في العراق، وجميعها منظمة في اتحاد واحد تحت اسم "اتحاد الشركات الأمنية في العراق (PSCAI)"، ويقدر عدد الأفراد العاملين في هذه الشركات ما بين 30 إلى 50 ألف مرتزق، وهم بذلك يشكلون القوة العسكرية المحتلة الثانية بعد الولايات المتحدة، ويمكن الحصول على قائمة أسماء ومهام الشركات الأمنية في العراق من موقع PSCAI اتحاد الشركات الأمنية في العراق على الرابط التالي:

http://www.pscai.org/fulllist2.html

كما يمكن للقراء الكرام الحصول على معلومات واسعة عن الموضوع من خلال الاطلاع على الروابط التالية:

http://www.npr.org/templates/story/story.php?storyId=5433902

http://www.youtube.com/watch?v=w8mfGx_wuvQ

http://www.youtube.com/watch?v=g3zPt0ysxgg&mode=related&search=

موقع شركة بلاك ووتر

http://www.blackwaterusa.com/

لقاء مع مالك شركة بلاك ووتر ايرك برينس

http://content.hamptonroads.com/story.cfm?story=107985&ran=89575

موقع الحرية العالمية للمسيحيين

http://www.christianfreedom.org/

الشركات الأمنية الخاصة تمنى بخسائر في الأرواح.. والأرباح!

تتمتع الشركات الامنية الخاصة العاملة في العراق بسمعة سيئة تتكسب على حساب الغزو واحتلال البلاد. غير ان عدم وجود مثل تلك الشركات كان سيرفع عدد قوات التحالف في العراق الى معدلات مرتفعة جدا. لكنها اليوم ومنذ أن بلغت ذروة ازدهار اعمالها في ،2004 تواجه مخاطر اكبر ومكاسب مالية اقل، بحسب خبراء في الصناعة.

يقول جوناثان غارات، المدير الاداري لشركة ايرانييز التي يعمل لديها الف موظف امن في العراق، ومعظم عقودها مع الحكومة الاميركية 'الوضع اصبح اكثر خطورة فالتعقيد وعدد الهجمات يزداد، فضلا عن ان مستوى المعلومات التي يعرفها الارهابيون عن انشطتنا ارتفع ايضا، وعلى مدى 4 اعوام نجح المتمردون في رصد الطريقة التي تدير بها الشركات الامنية الخاصة انشطتها وبالتالي عملوا على تعديل عملياتهم تباعا.

ونتيجة لذلك، عمدت تلك الشركات الى نصح زبائنها بعدم السفر الا عند الضرورة، كما حرصت على تجنب العمل ضمن اسلوب ونمط واحد لا يتغير وسفر في اوقات متغيرة واستخدام طرق مختلفة بسيارات مختلفة.

ومع تزايد المخاطر اكثر فأكثر، اصبح العمل اقل ربحية ايضا، على حد قول مسؤولين في بعض الشركات، اذ يقول احدهم 'اعتقد ان السوق تتقلص. الآن سوق الشاري على صعيد من يشتري الخدمات وصعيد من يبحث عن عاملين'.

ويعد تقلص عقود الحكومة الاميركية العامل الرئيسي وراء تراجع السوق فضلا عن ان عقود الحكومات الاخرى والقطاع الخاص تراجعت هي الاخرى مع ارتفاع وتيرة العنف.

ويقول لاكلان مونرو، رئيس العمليات في بلو هاكل البريطانية: 'المخاطر التي يتعرض لها المتعهدون الاجانب والمحليون ازدادت العام الماضي. ومما فاقم من سوء الوضع هو اختراق المتمردين لقوات الشرطة في انحاء البلاد'.

  بوش يراهن على المرتزقة لفرض الأمن في بغداد

  كشفت صحيفة واشنطن بوست أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تراهن على شركات الأمن الأميركية والأجنبية المرتزقة لفرض خطة أمن بغداد.

 ونقلت الواشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين وعراقيين ومسؤولين في هذه الشركات الخاصة قولهم «زادت مؤخراً هذه الشركات عديد موظفيها واشترت المزيد من الأسلحة وبدأت القيام بعمليات للرد على تنامي الهجمات».

وأوضحت في المقابل فإن قافلة من كل سبع قوافل تحرسها هذه الشركات، تتعرض لهجوم». وأشارت إلى أن «إحدى هذه الشركات تعرضت إلى 300 عملية معادية أثناء الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري. وتابعت أن غالبية هذه الشركات التي يفوق عددها المئة، تعمل في العراق خارج القوانين العراقية.

وأكدت على أن شركة (بلاكووتر يو اس ايه) من كارولاينا الشمالية التي تتولى حماية السفير الأميركي رايان كروكر، إضافة إلى العديد من الشركات الأخرى، لا تملك ترخيصاً للعمل في العراق». وأضافت أن الجيش الأميركي شجع على تنامي هذه الشركات التي تستخدم ما بين 20 و30 ألف موظف بناء على عقود وذلك بهدف تلافي نقص عديد الجيش الأميركي رغم بلوغه حالياً 160 ألف جندي في العراق.

ويؤكد مسؤولون أميركيون ومسؤولون في هذه الشركات على أن «عناصر هذه الشركات لا يشاركون إلا في أعمال دفاعية، غير أن المسلحين لا يفرقون بين عناصر الجيش الأميركي وعناصر هذه الشركات التي يتفاقم عدد الإصابات في صفوفها.

ثلث موازنة الحكومة العراقية تذهب للحماية!

يقول خوسيه غوميز برادو عضو مجموعة العمل التابعة للامم المتحدة، وهي مجموعة مسؤولة عن ملف المرتزقة لدولي : 'ان هؤلاء جاءوا الى العراق للقيام بمهمات امنية صعبة محفوفة بالمخاطر، وهؤلاء المرتزقة العاملين في شركات الحماية الخاصة يشكلون القوة العسكرية الثانية بعد الجيش الاميركي واغلبهم من البيرو وبلدان اميركا اللاتينية وجنوب افريقيا وشرق اسيا وهناك عدد اخر من اميركا وبريطانيا، وان هذه الشركات قد تحولت الى شركات كبيرة خلال عامين فقط نظرا لحجم العقود التي اعطيت لها وحجم المهمات التي انيطت بها.

وحين يمر هؤلاء وهم يحرسون موكبا لاحد المسؤولين سواء كان المسؤول اميركيا او بريطانيا، سفيرا او وزيرا اوقائدا عسكريا او وزيرا عراقيا، فان هؤلاء سرعان مايغلقون الشارع او يفتحونه بطريقتهم الخاصة بعد ان يقوموا باطلاق نار كثيف في الهواء، فيفر العراقيون من امامهم كما تفر العصافير المذعورة. وتتنحى السيارات لكي تمر مواكب هذه الحراسات بما تحمل من مسؤولين وراء الزجاج الاسود . واغلب اخطاء هؤلاء وجناياتهم لايمكن الكشف عنها، إنما تنسب الى الجيش الاميركي لان المعدات والاليات التي يستخدمونها تشبه معدات الجيش الاميركي مما يسهل على المواطن اتهام هذا الجيش بما يحصل من تجاوزات على المجتمع من قبل هذه الميليشات التابعة للشركات الخاصة، خصوصا تلك الرمايات التي تقتل المواطنين بالخطا، لكنه خطا جسيم، عشوائي اكثر مافيه صفاقة الاحتلال ولامبالاة المرتزقة.

ولادة المافيات ونموها

يقول احد العاملين في احدى هذه الشركات 'ان وضع العراق المضطرب والخالي من سلطة الدولة والقانون طيلة اربع سنوات ليس فقط جعل شركات الامن والحماية تحقق ارباحا طائلة تفوق الخيال، انما جعلها توسع من نشاطها ومن مناهج عملها وبرامجها. حيث لم تعد الحراسات تقتصر على حماية المسؤولين والشخصيات السياسية والوزراء انما اتسعت لتشمل حماية مؤسسات الدولة والشركات المتعاقدة والسفارات والمنظمات الدولية والاحزاب وقادتها ورؤساء العشائر والمقاولات وقوافل التموين والاسواق وغير ذلك من مفردات الحياة التي فقدت الامن في العراق.

ان مهام الحكومة بمعناها الامني ومسؤوليتها الكاملة عن امن الحياة اليومية للمجتمع العراقي تحولت الى ايدي هذه الشركات منذ ان اصدر بريمر القرار 17 عام 2003 الذي فرض هذه الشركات على الواقع السياسي لتدير الوضع الامني في البلاد.

ويمكن القول ان هذه الشركات ورثت دور الحكومة الامني في حماية الدولة والمجتمع بدليل ان الحكومة ذاتها تحرسها شركات امنية في حلها وترحالها فيما يخضع كل مسؤول في هذه الحكومة حين يخرج او يدخل من والى حصن المنطقة الخضراء الى تفتيش وكونترول امني من جانب تلك الشركة المسؤولة عن امن المنطقة الخضراء والمتعاقدة مع الجيش الاميركي.

وبامكان هذه الشركة ان تمنع اي مسؤول من الدخول إلى مقر عمله اذا وجدت مبررا امنيا لذلك. وكثير ما اشتكى المسؤولون العراقيون من سوء المعاملة وصفاقة التفتيش من قبل هؤلاء، لكن شكواهم وتذمرهم لم يجديا نفعا حيث لاسلطة للحكومة على قوات الاحتلال او على هذه الشركات.

وهكذا يمكن القول ان الوضع العراقي انجب اخطبوطا من 'المافيات'. وهو وصف قد يكون رديفا للميليشات المتعددة الجنسيات. لما تملكه هذه الشركات من امكانات عسكرية ومن حرية في التصرف وتامين سلامة المهمات التي تتولاها بدون قيود او شروط .

البدايات الخطأ تقود الى الكارثة

لم يعد شيئا ممتعا التذكير بقرارات الحاكم الاميركي بريمر الذي استلم السلطة في العراق منذ نيسان / ابريل عام 2003 حتى نهاية يونيو عام 2004، فتلك اخطاء مترابطة قادت الى منزلقات خطيرة لعل اخطرها قرارات حل الجيش ومؤسسات الدولة الامنية المهمة دون تحضير بديل كفوء يمنع حدوث فراغ امني خطير كما حصل فيما بعد.

وسارعت الادارة الاميركية الى تكليف 'مدير شرطة نيويورك برنارد كيرك' بمهمة اعادة تشكيل الشرطة العراقية. ولم يكن كيرك قد زار العراق من قبل او اطلع على كتاب عن العراق .

كانت مهمة 'كيرك' هي تحضير وإعداد قوة شرطة عراقية تتولى حماية المؤسسات والسكان بعد ان ادت تداعيات الغزو غير المنظم والعشوائي الى انهيار الدولة ومؤسساتها الامنية وتعرض تلك المؤسسات الى النهب (الفرهود) بما في ذلك المتحف والاثار العراقية ومؤسسات الدولة المالية والعسكرية ,دون ان تفعل قوات الاحتلال شيئا يمنع ذلك او يحد منه، بل بالعكس راحت وسائل اعلامها تبرر حالة نهب الدولة وتحويلها الى انقاض 'خردة' وتهريبها وبيعها في الدول المجاورة بان هذا الامر طبيعي لان الشعب العراقي كان شعبا مكبوتا وقد عبر بذلك عن حريته.

شرطة في النهار لصوص في الليل

في مثل تلك الاحوال والاجواء شرع 'كيرك' بقبول افواج المتطوعين لسلك الشرطة دون شروط سياسية او اجتماعية او مهنية ودون خطط تاهيل، ظنا منه ان الجميع تقدموا للعمل بوازع وطني، لكن هذا الظن كان مجرد افتراضات خاطئة، ذلك لان الذين تطوعوا و التحقوا بعمليات انشاء 'الشرطة العراقية' هم من فئات العاطلين الذين كان همهم الوحيد الحصول على مصدر رزق، اضافة الى اعداد كبيرة من المجرمين الذين كانوا في السجون والجانحين ومنتسبي الميليشيات وعصابات الجريمة ولهذا كان احسن وصف لهؤلاء ما قاله مسؤولون اميركيون ومنهم غارنر حيث قال 'ان هؤلاء هم شرطة في النهار ولصوص في الليل' وبدلا من ان تتمكن ادارة 'غارنر بريمر ـ كيرك' من تشكيل جهاز شرطة عراقية يتولى الامن، اصبح هذا الجهاز جزءا من المعضلة الامنية حيث انتهى ليصبح عبارة عن مجموعات تابعة لاحزاب الطوائف وجزء كثير منه تابع للجماعات المسلحة.

وبهذا ذهبت تلك الجهود والاموال ادراج الرياح وكانت ادارة 'غارنر ـ بريمر' كمثل من يحرث في البحر، ونتيجة خيبة الامل اتجهت هذه الادارة الى الشركات الامنية الخاصة فاصدر بريمر القرار 17 الذي دعا فيه ميليشيات الاحزاب الى الانخراط في عملية الانضمام لاجهزة الدولة الامنية من جيش وشرطة. لكن هذه العملية باءت بالفشل ايضا واصبح في كل سنة من السنوات الاربع الماضية يعاد بناء قوات الجيش والشرطة وسط تهاليل متفائلة من قبل المسؤولين العراقيين.

الاعتماد على الذعر والتمويه

ان اهم ماتعتمد عليه قوات هذه الشركات الامنية هو نشر حالة الذعر لكي يكون بالامكان السيطرة على الممر الامن على الارض. ويتحقق الذعر في الشارع او المكان باساليب عديدة في مقدمتها منظر هؤلاء الحراس وطريقة تعاملهم مع من حولهم من بيئة اجتماعية ومواطنين. فيما تثير اسماء شركاتهم وشعاراتها ومسمياتها المزيد من الذعر والرهبة، فهي لاتخرج عن اطار المسميات الجهنمية والمقترنة باسماء العنف مثل 'الماء الاسود، النسر، العين الحمراء، المحاربون، التعامل مع الخطر، الاقتحام، القبضة الحديدية الخ' ، كما انهم اعتادوا في الشارع على اطلاق النار بمختلف الاتجاهات ولايميزون بين هذا وذاك و دون اعتبار للقواعد المعروفة لدى الجنود النظاميين التي تحدد لهم حالات واوقات اطلاق النار.

غير ان عناصر هذه الشركات لايابهون لمثل هذه القواعد ويعتقدون ان المواطن العابر مشكوك بامره ولابد ان يكون لغما متفجرا وعلى ضوء هذا الحذر السلبي الشديد يتصرفون بعشوائية وصفها احد المواطنين قائلا :

'نضطر الى التوقف بعيدا عنهم او الابتعاد او الانزواء حتى يغادروا المكان ونشعر بحرية التحرك'.

و تزايدت الشكوى لدى المواطنين جراء تزايد القتل العشوائي والاصابات التي يتعرض لها مواطنون ابرياء جراء هذا السلوك غير المنضبط وتجاوز هذه الشركات مبادئ حقوق الانسان، مما حدا بوزارة الداخلية الى وضع رقم تلفون خاص '7749751' دعت المواطنين الى الاتصال به في حالات الشكوى من تجاوزات الشركات الامنية والحمايات الخاصة .

مؤتمر لندن وفضائح الانتهاكات

لقد صادف انعقاد مؤتمر الجمعية البريطانية لشركات الامن الخاص في لندن نشر تقرير لاحدى منظمات حقوق الانسان البريطانية الذي اتهم هذه الشركات بانتهاكات لحقوق الانسان في العراق دون ان تبادر جهة لردعها ومحاسبتها واتهم تقرير منظمة WARE ON WANT الحكومة البريطانية بانها باتت تعتمد اعتمادا كليا على شركات الامن الخاصة في العراق وتنيط بها المهام التي من المفروض ان تقوم بها القوات البريطانية. ان حالة وضع القوات البريطانية النظامية في معسكراتها وفي وضع امن. وجعل الشركات الامنية البريطانية وغير البريطانية تقوم بالمهام الامنية بذريعة الحفاظ على الجنود ماهو الا اكبر عملية غش سياسي وعسكري قامت بها بريطانيا في جنوب العراق وفي البصرة بالذات. وماترتب على هذا التوظيف السيئ لشركات 'المقاولات' الامنية من اثار جانبية.

حيث يكون المال يكون الخطر

تنفق قوات الاحتلال مايفوق 3 مليارات دولار شهريا في العراق. وقيل اكثر من ذلك. وحسب مصادر المعلومات فان جزءا كبيرا من هذه الميزانية الشهرية ذهبت وتذهب للشركات الامنية الخاصة خصوصا تلك التي تضطلع بمهمات مزدوجة لوجستية وتموينية وامنية. ولعل من المناسب هنا ايضا الاشارة الى ان ثلث ميزانية الحكومة العراقية وربما اكثر من ذلك تذهب لامور الحماية والحراسة للوزارات ومؤسسات الدولة. وفي بعض الحالات اهدرت اموال اعادة الاعمار وذهب جزء منها لحماية الوضع الامني. وحسب تقارير تالية اكتشفت هيئة المراقبة المالية في الكونغرس الاميركي ضياع اموال تفوق العشرة مليارات 2003 و2005.

وفيما يخص عقود الحماية للمنشآت النفطية التي اعطيت لجهات عراقية سياسية وعشائرية فان لدى هيئة النزاهة ملفات لفساد تلك العقود التي اعطيت لاشخاص ولرؤساء عشائر انفقوا الاموال على حراسات وهمية.

تقول مديرة فرع لشركة مقاولات امنية في بغداد : ان الافا من العاملين في المقاولات اللوجستية والامنية قتلوا في العراق طوال السنوات الاربع وهو عدد كبير يضاهي عدد القتلى من الجنود الاميركيين بثمان مرات. غير ان هذا العدد جرى التكتم عليه وتمريره في سياق ضحايا الحرب . باعتبارة ضريبة الخطر التي دفعتها وتدفعها الشركات الامنية الخاصة لقاء الارباح الجزيلة التي حققتها في العراق والتي كانت ارباحا خيالية تفوق قيمة الضحايا من المرتزقة.

كلما تأجج الصراع ازدهر العمل  

وهناك معادلة تقوم عليها عقيدة هذه الشركات وهي 'كلما تاجج الصراع في العراق ازدهر سوق الخدمات الامنية في العراق' وهذه عقيدة تتحكم في سلوك هذه الشركات التي تؤمن بالمخاطر لكنها لاتابه لها مادام المال متوافرا، فحيثما يوجد المال توجد ايضا المخاطر. ويقبل المرتزقة على العمل في العراق، حيث يكون دخل الواحد منهم يتراوح بين 300 و1000 دولار باليوم الواحد حسب المهمة والكفاءة.

وغالبا مايتم التعامل مع الشركات التي لاتضع حدودا للمخاطر والتي تعتبر مواجهة الاخطار شيئا طبيعيا مادامت تحظى بعقود مالية مجزية.

ومثل هذه الشركات القادرة على توفير الامن لمشروعات الجيش الاميركي وللافراد ولمحيط مواقع العمليات والمعسكرات وهي مهمات كان الجيش الاميركي النظامي يقوم بها هي التي تحظى بالعقود المجزية، لكن الادارة الاميركية والبنتاغون على وجه الخصوص لم تكشفا الا نزرا يسيرا عن الحجم المالي لتلك العقود ، واغلب المصادر تؤكد ان عقود الشركات الامنية في العراق وصلت الى مليارات الدولارات.

ومثال على ذلك ان العقد السنوي لشركة ايجيس AEGIS وهي شركة بريطانية تعمل في مجال ادارة المخاطر المتخصصة وتعتمد مثل شركة اي.اس.اي I.S.I على توظيف الخبرات الامنية الاسرائيلية بلغ 293 مليون دولار.

فيما تقاضت احدى الشركات مبلغ 21 مليون دولار في السنة لحماية الحاكم الاميركي في العراق 'بول بريمر' وتامين تنقلاته ووفرت له مروحيتين عسكريتين للتنقلات واطقما واجهزة كافية للحماية.

الخصخصة العسكرية

ان استراتيجية الاعتماد عسكريا على الشركات الامنية والعسكرية الخاصة او بمعنى اخر 'عسكرة الشركات' هي استراتيجية اعتمدها البنتاغون تدعو الى 'خصخصة' الكثير من المهمات التي كان يضطلع بها الجيش الاميركي.

ونظرية 'خصخصة' المهام العسكرية يقال انها قامت على فكرة تحمس لها ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي، تدعو الى إناطة الكثير من المهمات التي تقوم بها القوات النظامية في وضع حرب مثل حرب العراق الى شركات خاصة بصفة 'مقاولات' بين البنتاغون وبين تلك الشركات، بحيث يؤدي ذلك الى تخفيف عبء الكثير من المهام عن كاهل الجيش، ومنتقدو هذه الفكرة التي فتحت الباب لشركات اميركية عديدة تقوم بمهام التموين والاعمال اللوجستية والامنية، وهي فكرة باتت تلقى قبولا في صناعة الجيوش الحديثة التي يطلق عليها زميلي سكرتير التحرير سهيل عبود اسم 'جيوش الدجيتل'. فهل ان ماحصل للعراق هو نتيجة الافراط في 'الديجيتل العسكري الاميركي'؟ ام ان كل مايقال عن خصخصة الحرب هو تبرير لما حل بهذا البلد من دمار بسبب 'حرب المقاولات؟

التحقيق مع المعتقلين

في تقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية للكاتبة 'براون مادوكس' نقلت الكاتبة عن ريتشارد فيننغ وهو رئيس ادارة العمليات في شركة 'المنظمة الاستشارية للرقابة على الاخطار' وهي شركة تولت تامين الخدمات الامنية والعسكرية لحرب العراق قوله : 'انه قلق للتقارير التي تتحدث عن استخدام شركات امنية خاصة في استجواب المعتقلين من قبل الجيش الاميركي'.

وبالطبع، لم يحصل هذا في اي مكان اخر اللهم الا اذا كانت الولايات المتحدة قد تعودت على استخدام مثل هؤلاء في التحقيق مع المعتقلين في المناطق الاخرى التي خاضت فيها حروبا شتى ، غير ان ماحصل في العراق من قيام محققين وعناصر 'مرتزقة' بالتحقيق مع المعتقلين مهما كانت تهم وجرائم هؤلاء، يعد انتقاصا ليس للجيش الاميركي الذي اوكلت له الامم المتحدة امر حماية السكان وحماية حقوق الانسان انما ايضا انتقاص للعراق كدولة وحكومة.

فاناطة 'التحقيقات والاستخبارات واستجواب الناس' الى الشركات الامنية الخاصة ووفق 'مقاولات) وعقود تمثل إباحية غير اخلاقية لهذا البلد. وهي في الوقت نفسه استهانة كبيرة بالعراق وشعبه وما كان يجب ان يسمح بها ابدا.

الشكوك علامة الاستفهام

يقول احد العاملين في الحراسات الامنية عن الصورة العصابية التي تظهر بها قوات الشركات الامنية الخاصة في الشارع العراقي: 'ان خلق هذا الوضع امر لابد منه، ان الشارع العراقي عبارة عن ممر من ممرات الخطر وليس بالإمكان التعامل معه بحسن نية والا فان الموت غالبا مايكون اقرب الينا من اي شيء اخر. اننا لانعرف من هو عدونا او صديقنا، وجميع احتياطاتنا الامنية بما فيها ارسال مجموعة استطلاع في الطريق الذي نسلكه للتاكد من اي وضع غير طبيعي قد تكون غير مجدية. فهناك العديد من القنابل الموقوتة في طريقنا وعلى هذا الاساس نتصرف'.

الشركات الامنية الامريكية لاتخضع للقوانين العراقية؟ 

 تقوم الشركات الامنية الامريكية بشراء كميات من الاسلحة وبدأت تقوم بعمليات عسكرية رداً على تنامي الهجمات المسلحة على القوات الامريكية وان هذه الشركات لا تخضع للقوانين العراقية. حسب ما افادت صحيفة واشنطن بوست.

وقالت الصحيفة في تقرير لمراسلها في بغداد ستيف فينارو"ان شركات الأمن الأميركية الخاصة تنخرط اكثر فأكثر في العمليات العسكرية الجارية حاليا في العراق".

ونقل مراسل الصحيفة عن مسؤولين عراقيين واميركيين قولهم "ان تلك الشركات الخاصة الممولة بمليارات الدولارات بعقود مع الجيش الأميركي ووزارة الخارجية شهدت زيادة وصفت بأنها توازي زيادة عديد الجنود الاميركيين الذين وصلوا الى بغداد".

واوضح المراسل "ان قافلة من كل سبع قوافل تحرسها شركات الأمن الأميركية الخاصة تتعرض لهجوم ".

موضحا "بانه على الرغم من تأكيد مسؤولين اميركيين ان تلك الشركات لا تشارك الا في اعمال دفاعية غير ان الجماعات المسلحه لا تفرق بين عناصرها وبين افراد الجيش الأميركي".

واكد المراسل في تقريره "ان اغلب تلك الشركات التي يفوق عددها المئة تعمل في العراق خارج القوانين العراقية مثل شركة بلا كووتر التي تتولى حماية السفير الأميركي في العراق رايان كروكر اضافة الى العديد من الشركات الأخرى التي لا تملك ترخيصا للعمل في العراق".

مشيرا الى "ان الجيش الأميركي شجع على تنامي تلك الشركات التي تستخدم ما بين 20 و30 الف من المتعاقدين وذلك بهدف تلافي النقص في عدد القوات الأميركية في العراق".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4 تموز/2007 -17/جماد الاخرى/1428