المتابع للشأن العراقي منذ الانتخابات الاخيرة وما رافقها من مشاركة
شعبية واسعة ودخول كافة المكونات العراقية في بوتقة العمل الديمقراطي
والسياسي، يؤشر وجود ايادي خفية من الارهابيين والصداميين والتكفيريين
في تحالف شرير يهدف الى اللعب على اوتار الفتنة الطائفية والمذهبية في
مسعى حثيث الى تدمير المنجزات الديمقراطية للشعب العراقي وتعطيل
العملية السياسية، واصابع الاتهام موجهة في هذا الامر الى الفكر
التكفيري الارهابي.
وقبل اكثر من عام اقدم هذا المثلث الارهابي على انتهاك حرمة مرقد
الامامين العسكريين بتفجير قبته الذهبية، وقد ادى الحادث في وقتها الى
انزلاقات خطيرة على الصعيد الامني والاقتصادي والاجتماعي. وبعد ان
استفاق الجميع من صدمة الحدث وتداعياته، واسبابه ومسبباته، خلصوا الى
ان الهدف من التفجير الارهابي في حينها هو استهداف وحدة النسيج
الاجتماعي العراقي الرصينة المتحابة والمتعايشة منذ الآف السنين، ورغم
ما اصاب هذه الوحدة من اثار وتداعيات زلزال سامراء الاول الا ان لملمة
الجراح وسمو الروح الاخوية والوطنية الحقة والرغبة للخروج من المأزق
السياسي الخانق هي التي دفعت الكتل البرلمانية المختلفة للتصويت
بالثقة على حكومة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في مجلس النواب
وبالاجماع بعد ثلاثة اشهر من الحادث.
وقد ورثت حكومة الوحدة الوطنية الجديدة ميراثا ثقيلا من المشاكل
والتداعيات وعلى كافة الاصعدة، ومن ضمن هذه التركة الثقيلة كانت
مسؤولية مرقد الامامين العسكريين وموضوعة حمايته وتأمينه واعادة
اعماره.
ان الدعوة الى اعمار المرقد الشريف كانت وما زالت مطلب وطني وحاجة
ملحة لترميم الجرح الذي اصاب نفوس العراقيين في معتقدهم ومقدساتهم.
ورغم المطالب الشعبية والدعوات المتكررة من اكثر الاطراف وفي اكثر من
اتجاه حتى من خارج العراق، الا ان هذا الموضوع ظل مجمدا وبقي المرقد
تحت حماية الاجهزة الامنية ومن مسؤوليات الحكومة المباشرة، الى ان
فاجئنا صباح الثالث عشر من الشهر الجاري لتحمل الاخبار نبأ تفجير
مئذنتي مرقد الامامين العسكريين وبنفس الطريقة الارهابية السابقة، ولكن
هذه المرة والموقع تحت مسؤولية الحكومة والاجهزة الامنية الرسمية.
وهذا يعطي مؤشرات سلبية كثيرة تكتنف عمل المؤسسات الامنية،
السياسية، القضائية والاعلامية في التعاطي مع الاحداث والازمات
والاماكن والمقدسات وسلم الاولويات، وبما يؤكد الانطباع بالتلكؤ
الحكومي الواضح في معالجة الملفات الساخنة ومن ضمنها موضوعة بناء
المرقد الشريف والمصالحة الوطنية والتعديلات الوزارية وغيرها من
الملفات الشائكة.
ان العجز والتقاعس في العمل الحكومي التنفيذي ممكن ارجاع اسبابه
الرئيسية من خلال تأشير الخلل والتضارب المرافق لاعمال المؤسسات الثلاث
المهمة الداعمة والمكونة والساندة للمشاريع الوطنية الحكومية. وهي:
المؤسسة التنفيذية (الامنية)
وتشتمل على وزارتي الدفاع والداخلية والامن الوطني وكافة الوحدات
والتشكيلات والهيئات النظامية الساندة للعمل الامني، ويؤشر الخلل على
هذه المؤسسة منذ بداية التأسيس والتشكيل حيث رافقت هذه العملية الكثير
من السلبيات والتي امتدت في تأثيراتها الى عمل هذه الاجهزة كافة منذ
اوائل عام 2004 والى الان، ومن هذه السلبيات:
1. الافتقار الى الكفاءة والمهنية
في الاختيار:
ان عملية بناء وتأسيس الاجهزة الامنية الحديثة تستند الى معايير
دقيقة في الاختيار والتقييم عند القبول والتعيين، ومنها التحصيل
الدراسي والقابليات البدنية والمهارات الخاصة والسيرة والسلوك والسمعة
الطيبة والتأثير في المقابل وغيرها. ولكن، الذي حدث في العراق هو
السرعة في تشكيل واختيار منتسبي المؤسسات الامنية وتم ذلك على حساب
المعايير السابقة وبأعتماد المحاصصة الحزبية والطائفية والمحاباة
والمحسوبية والمنسوبية مما ادى الى دخول اعداد كبيرة من المسيئين
وارباب السوابق الى الاجهزة الامنية بدون ضوابط وبشكل انعكس سلبا على
اداء هذه الاجهزة من خلال ولاءاتها المتعددة وبالتالي على الاداء
الحكومي بأعتبارها الذراع التنفيذي له، ويجب ذكر الجهود الحثيثة التي
تبذلها وزارة الداخلية في مجال تنقية اجهزتها وآخرها كشف الناطق بأسم
الداخلية للمعلومات المتعلقة بفصل 926ضابط من سلك الخدمة لانهم لا
يمتلكون المؤهلات اللازمة والاوليات المهنية والوظيفية.
2. قلة التجهيز والتسليح:
ان التدريب المكثف والمركز تحت اشراف الخبراء من المهنيين في مجالات
الاختصاص القتالي في تقنيات الدفاع والهجوم والمناورة والتكتيك
الميداني يعتبر حلقة الوصل بين عملية الاختيار (وهذا ما افتقدته
الاجهزة الامنية العراقية وذلك لقصر المدة المطلوبة بين الاختيار ودخول
الخدمة الفعلية) ومرحلة التجهيز والتسليح الحديث بكافة صنوف الاسلحة
والتي ينبغي ان تكون على اعلى المستويات والمقاييس الدولية المعتمدة،
وهذا الموضوع يستحق لحظة توقف وتأمل، فقد عانت الاجهزة الامنية ومنذ
تأسيسها والى فترات قريبة من تفوق الارهابيين والجماعات المسلحة عليها
ميدانيا في مجال التسليح والتجهيز. وبتحقق هذه الشروط الثلاثة في
الاختيار والتدريب والتسليح تكون أي قوة جاهزة للنهوض بالمهام الموكلة
اليها وبالشكل المطلوب وهذا ما يفتقر اليه منتسبو الاجهزة الامنية
الحالية.
يبقى ان نقول في هذا الصدد ان التوسع في اعداد منتسبي المؤسسات
الامنية يجب ان يقابله وبصورة طردية توسع في مراكز التدريب والتأهيل
والتجهيز والتسليح، واي خلل في ذلك ممكن ان يحدث ترهلا وقصورا في تنفيذ
المهام في مفاصل كامل المؤسسة الامنية. اضافة الى التركيز على موضوعة
حصر السلاح بيد الدولة واجهزتها التنفيذية، وهذا ما لا يسمع صداه في
الوقت الحالي مع طرح مشاريع تتعلق بتسليح العشائر التي تحارب القاعدة
او تأسيس افواج مقاتلة وتسليحها في بعض احياء بغداد مهمتها الرئيسية
محاربة التكفيريين، ومنها ما تناقلته مؤخرا كبريات الصحف الامريكية حول
تشكيل فوج ما يسمى ب (وطنيو العراق) الذي تأسس في منطقة العامرية
بالتنسيق مع قوات المتعددة الجنسيات.
3. ضعف الالتزام والانضباط :
ان تأسيس الجيوش المحترفة والاجهزة الامنية الرصينة يقوم على اسس
اعتماد مباديء التربية العسكرتارية وروح التضحية والايثار في سبيل
الوطن والارتباط المصيري والدائمي وفق ضوابط تجعل من المنتسب لهذه
المؤسسات مقيدا بالاستمرار في الخدمة ضمن مدة لا تقل عن عشر سنوات،
وهذا ما تفتقده المؤسسة الامنية العراقية والتي تقوم على اسس العقود
القصيرة وغير الملزمة، والتي تجعل من الانتساب والانفكاك من المؤسسة
واليها امرا ميسرا لمنتسبيها طبقا لاهواءهم والظروف المحيطة بمناطق
خدمتهم المؤقتة او الدائمية بما يحمله هذا الامر من سلبيات تتعلق بما
يلي:
• ضياع فرصة تحقيق وحدة العمل والانسجام بين افراد الوحدات الفعالة.
• هدر للمال العام.
• تصدع مباديء الالتزام والانضباط.
• تفشي وانتشار الاسرار العسكرية.
ولتجاوز السلبيات المتعلقة في هذا الشأن، ينبغي الاسراع في احكام
الطوق حول منتسبي الاجهزة الامنية كافة واعادة جدولة الكوادر الموجودة
وتنقيتها وربطها بالمؤسسة بشكل دائمي ضمن ضوابط طويلة الاجل وملزمة.
4. غياب الرقابة وتسلل الارهاب:
بناءا على السلبيات السابقة، اصبح من المستحيل تحقيق أي نوع من
الشفافية في الرقابة والتقييم على ملفات منتسبي الاجهزة الامنية كافة
وبشكل جعل من عملية التسلل والاختراق الى مفاصل المؤسسة الامنية من قبل
الارهابيين امرا متاحا، يقابله الصعوبة في التنقية الكاملة والشاملة او
اعادة الهيكلة ضمن الظرف الحالي.
ان المؤسسة الامنية جزء من السيادة الوطنية وعملية اختراقها او
التسلل اليها من قبل الزمر الارهابية يعتبر خرقا للسيادة، بل للحكومة
ايضا وخططها الرامية للنهوض بالملف الامني وفرض القانون. وما حدث في
سامراء خير دليل على وجود الخرق العمودي والافقي للخطط الامنية
والمشاريع الحكومية، فالخرق العمودي تمثل في المعرفة المسبقة لتوقيت
الخطة الحكومية الرامية الى توقيع عقد اعادة بناء المرقد يوم 16 من
الشهر الجاري وتأمين الطريق اليه. اما افقيا فيتمثل بالتعاون الافتراضي
لعناصر حماية المرقد الرسميين في تسهيل تنفيذ الجريمة. ان تكرار العمل
الارهابي بنفس الطريقة وذات المكان مثلما حدث في سامراء وقبلها في
الصدرية وكربلاء، الهدف منه النيل من الجهود الحكومية الرامية الى
استتباب الامن وكسب ثقة المواطن ومحاولة اظهار الحكومة عاجزة في مواجهة
الارهاب والارهابيين. وعليه، ينبغي التفكير وبجدية في التعامل مع
التكتيكات الارهابية وتفويت الفرصة عليها وخصوصا في الملفات الامنية
الساخنة وسلم الاولويات.
وعلى سبيل المثال، ان الحكومة توفر حماية متحركة تقدر ب (1500)
عنصر من الكادر الامني المتخصص لشخصية سيادية مسؤولة، وفوجين لشخصية
اخرى في مستوى ادنى، وفي نفس الوقت تعجز عن توفير الحماية وبأعداد اقل
بكثير للمرقد الشريف بما يحمله من قدسية ورمزية في نفوس كافة
العراقيين.
المؤسسة السياسية (الحكومة
والبرلمان)
وتشمل الكتل والاحزاب الفائزة في الانتخابات والممثلة تحت قبة
البرلمان والمكونة للحكومة، ويؤشر الخلل في الانسجام والعمل السياسي
وانعكاساته على الواقع العراقي من خلال:
1. غياب الفصل بين السلطات الثلاث:
النظام السياسي في العراق بعد التاسع من نيسان 2003 جمهوري برلماني
يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)
وآلية رقابة السلطة التشريعية على اداء السلطة التنفيذية. ولكن الحقيقة
خلاف ذلك، حيث التداخل المزمن بين السلطات الثلاث، فما يحدث في اروقة
البرلمان تجد صداه في مجلس الوزراء والعكس صحيح ايضا، مع غياب وتقييد
الرقابة البرلمانية على الوزارات التنفيذية من خلال التوجيه مؤخرا
بالحصول على اذن مسبق من وزير الدولة لشؤون مجلس النواب قبل الشروع في
زيارة أي من مباني الوزارات المعنية، علما ان الوزير المذكور هو جزء من
احدى الكتل البرلمانية المشكلة للحكومة والسلطة التنفيذية وهذا ما يضعف
آليات الرقابة والنقد والتوجيه. والسلطة التنفيذية تستقل قولا وعملا عن
آليات الرقابة مستغلة اغلبيتها النيابية في البرلمان مما يحدث خللا في
سير العملية الرقابية الديمقراطية.
ومن ذلك ايضا ما يحدث من تشكيل وزارة خاصة بحقوق الانسان والاحرى
تشكيل هيئة خاصة مستقلة تراقب وتنفذ عملها بعيدا عن السلطات الثلاث،
وتكون الرقيب الانساني المستقل على اداء الوسائل القهرية للاجهزة
التنفيذية وبما يحقق نوع من التوازن المطلوب في النظام العام. اضافة
الى ان بعض الكتل البرلمانية تناور احيانا وتحاور بما يؤثر على استقرار
اداء السلطة التنفيذية في حكومة الوحدة الوطنية، والتي من واجب قمة هرم
المسؤولية فيها – رئيس الوزراء- الكشف العلني عن هذه المناورات
والمؤامرات التي تستهدف منجزات الشعب العراقي وعلاقات هذه الكتل
الخارجية وفضحها في وسائل الاعلام لتكون ضمن موقع المسؤولية الاخلاقية
امام الشعب العراقي وتحت طائلة القضاء والقانون لان اعمالها تلك والقول
لرئيس الوزراء تصنف ضمن جرائم الخيانة العظمى.
2. الصراع والعنف السياسي:
الصراع هو الصفة الملازمة للاداء العمومي لمختلف الكتل والاحزاب
الممثلة في البرلمان، فالرفض والاعتراض والتعديل ونقطة النظام
والمشاحنات والتوترات هي الاوصاف الدقيقة لجلسات البرلمان، وان استمرار
هذه العملية والمحاصصة حتى في اختيار اماكن الجلوس تحت قبة البرلمان
ولفترة طويلة عبر وسائل الاعلام المرئية امتد بتأثيره السلبي الى
الشارع العراقي وخلق نوعا من الصراعات بين انصار الكتل والاحزاب
الممثلة وعرقلة لسير عمل الجلسات الاعتيادية والطارئة للبرلمان، كما
القى بثقله وظلاله على الحكومة واداء الاجهزة الامنية، هذا بالنسبة
للسلطة التشريعية.
اما السلطة التنفيذية فأن اعتماد المحاصصة كمبدأ في توزيع الوزارات
بين الكتل المشتركة في تشكيل الحكومة الحالية ادى الى تضخم وترهل في
اعداد الحقائب الوزارية حتى وصلت الى 37 حقيبة المضاف منها هو مناصب
على سبيل الترضية مثل بعض وزارات الدولة المختلفة. ولكن الذي يحدث
الان، هو تحويل تلك الحقائب التشريفية الى وزارات ومقرات تستنزف الكثير
من المال العام ومخصصات الميزانية الحكومية وترهق كاهل السلطة
التنفيذية. وسلبيات المحاصصة شملت كل شيء حتى المناصب السيادية، مثلا
امانة مجلس الوزراء والمكاتب الخاصة والمستشارين هي من حصة حزب رئيس
الوزراء "الدعوة الاسلامي" بل هي حكرا له ولا يجوز لاي مكون من مكونات
الاتئلاف العراقي الموحد التمثيل بها.
3. غياب الرؤية الموضوعية في النظرة
الى مشاكل المجتمع العراقي:
تفتقر العملية السياسية في العراق الى الرؤية المشتركة بين الكتل
البرلمانية، بل في اختلاف الرؤية والنظرة الموضوعية الى مشاكل الواقع
العراقي وتحليلها داخل الكتلة الواحدة، وهذا ما حدث داخل كتلة الائتلاف
العراقي الموحد مثلا من انسحاب حزب الفضيلة الاسلامي والاختلاف في
النظرة وتقسيم المهمات والاولويات والصراع بين اطرافه الكبيرة والصغيرة
مما قد يعرض كامل جدار الكتلة الى التصدع والتشقق، وكذا في كتلة
التوافق وانسحاب عبد مطلك الجبوري وتشكيله كتلة المستقلين الاحرار
والدلائل تشير الى انسحابات اخرى مستقبلا وخصوصا ما يتعلق بجبهة الحوار
الوطني، والعراقية في انسحاب مهدي الحافظ. وعليه فأن الاختلافات
الداخلية في الكتل البرلمانية هي دليلنا في عجز وفشل الاجتماعات
الدورية والمتكررة بين مختلف مكونات البرلمان لتحقيق تقارب في وجهات
النظر من اجل تشكيل جبهة سياسية برلمانية جديدة تستطيع الخروج من اطر
المحاصصة والتخندق الكتلوي السائد على اسس طائفية. ان النهوض بأعمال
البرلمان وتفعيل دوره في الحياة السياسية وتعضيد الاداء الحكومي يستلزم
العمل على توحيد الرؤية المشتركة بين كافة اعضاءه وانهاء المحاصصة
وتغيير خارطة التحالفات والتكتلات ولكن هذه المرة على اسس اعلاء
المصلحة الوطنية وتغليب المصالح العامة على الفئوية والحزبية.
4. الاستئثار بالسلطة:
ان الانتخابات ليست غنيمة للفائزين وبالتالي فأن الحكم ليس حكرا
لاحد، والحكومة العراقية اليوم تمثل التيار الاسلامي الذي كان له الدور
الفعال والباع الطويل في مقارعة فترات الاستبداد والديكتاتورية، وان
نجاح الحكومة في ايصال العراق الى بر الامان هو نجاح للتيارات والحركات
الاسلامية ولكل من عارض النظام البائد، ولكن عجزها او فشلها سيكون ذا
تأثير ومردود سلبي على مجمل التيار الاسلامي.
ان احتكار السلطة وغياب التعاون والتنسيق مع اصدقاء الامس في
المعارضة او مع الخط القريب في الرؤية والنظرة الى الاحداث يعتبر احدى
معوقات النهوض بالعمل الحكومي وتفعيله على المستوى الجماهيري،
فالقيادات السياسية الحاكمة بحاجة الى اعادة نظر في تحالفاتها خارج
الحكومة والبرلمان، وهناك اطراف كثيرة خارج البرلمان تؤمن بالعمل
السياسي وترتبط بصلات وثيقة مع اغلب التيارات الممثلة به الا انها
مهمشة وبعيدة عن كل شيء حتى التشاور والتحاور. ومن هذه القوى منظمة
العمل الاسلامي بما تمتلكه من رؤية وتقارب مع اغلب التيارات والاحزاب
الممثلة في البرلمان الحالي والمشكلة للحكومة، وما تحمله من سجل نضالي
في مقارعة الديكتاتورية حيث كانت السباقة الى تبني العمل الجهادي
المسلح من خلال تأسيسها "جيش تحرير العراق" عام 1979، ومن ينسى شهيد
المنظمة الاستاذ طالب العليلي في كربلاء الذي انتفض علانية في وجه
ازلام السلطة البائدة وهي في اوج قوتها وجبروتها في العاشر من محرم
1979 احتجاجا على حملة اعتقالات وتصفية كانت تنفذها السلطة ضد اخوانه
من اعضاء الحركات الاسلامية ومن بينهم اعضاء وكوادر حزب الدعوة
الاسلامي في وقتها، وهذا ان دل على امر مهم فهو ان مكونات التيار
الاسلامي العراقي في مركب واحد.
واليوم نرى ان المنظمة وكوادرها الجهادية تعاني من التهميش، بل
انها لا تمتلك أي مساحة في الخارطة السياسية الحالية، رغم دورها
الجماهيري والشعبي الفعال ونشاطاتها الثقافية والاعلامية والانسانية
المتعددة، فهل يعقل ان يكون هذا الجهد مجمد مهدور ومهمش من الناحية
السياسية ؟.
ومن التيارات الاخرى المؤتمر الوطني العراقي صاحب المشاريع
التأريخية في السعي الى اسقاط النظام البائد، والشخصيات المستقلة
والعسكريين المعارضين للنظام في السابق، وغيرهم من القوى والتي هي
بحاجة الى الحوار والمشاركة. ان موضوعة ابعاد الآخر والعجز عن
استيعابه بهذه الروحية في التعامل لن تكون قادرة على تنفيذ البرامج
الاصلاحية وبالتالي ضياع وهدر القدرات الوطنية تحت مسميات شعارات
المصالحة الوطنية، بل الاجدر والاحرى بالقيادات الحكومية احتواء هذه
التنطيمات والاحزاب والشخصيات لسلوك الطريق الاسرع والانجح لتفعيل
وتعزيز العملية السياسية وتدوير آليات المصالحة المعطلة.
المؤسسة القضائية
وتشمل مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الدستورية العليا ومحاكم التمييز
والاستئناف ودوائر المحاكم الجنائية والشرعية والبدائية، ويؤشر الخلل
في هذه المؤسسة من جانبين:
الجانب الاول – من جانب الحكومة، ويتمثل في الفشل بالمحافظة على
استقلالية القضاء وموضوعة فصله عن التأثيرات الخارجية السياسية منها
والامنية خصوصا المتعلقة بحماية القضاة وابعادهم عن تأثير التهديدات
والتصفية الجسدية، حيث تشير اخر الاحصائيات الى تعرض 24 قاضي الى
الاغتيال خلال فترة الشهور الثلاثين الماضية.
الجانب الثاني – من جانب المؤسسة القضائية، ويتمثل في العجز الكامل
عن مواكبة سير تحقيقات وتطورات الملفات الساخنة خصوصا حادث سامراء
الاول والملفات الاخرى المتعلقة بمنفذي الاعمال الارهابية في الصدرية
وكربلاء وغيرها وسرعة التعامل العلني والاعلامي معهم واصدار الاحكام
الخاصة بحقهم، لان هذا الموضوع يمثل مطلب وطني وشعبي مستعجل. بالاضافة
الى عجز هذه المؤسسة التام عن تهيئة الاعداد اللازمة من القضاة وقضاة
التحقيق والاستعانة بالسلطة التنفيذية لرفدها بالكوادر المطلوبة
لتأهيلها وبشكل يجرح استقلالية القضاء ويصيبه في مقتل.
المؤسسة الاعلامية (السلطة
التكميلية الرابعة)
وتشمل القنوات المرئية، المقروءة والمسموعة والمواقع الرسمية التي
تدار عبر الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) والخاضعة للحكومة
العراقية، ويؤشر الخلل في المجال الاعلامي في مجالات مهمة منها على
سبيل المثال لا الحصر القصور في مجال التعامل مع الخبر الآني بالصورة
المطلوبة، فالمصداقية في نقل الصورة دون الخضوع لاية اعتبارات لا تتعلق
بالعمل الصحفي كفيل بتدعيم الخطط والاداء الحكومي وايصاله الى المواطن
بالصورة الصحيحة، مع منح هذه المؤسسة الحرية في تحديد السلبيات
المرافقة للاداء التنفيذي والنقد البناء الذي يخدم المرحلة والمشاريع
الوطنية وبقدر عالي من الشفافية بعيدا عن المركزية والرقابة الصارمة
المقيدة والمقولبة لحرية الرأي والتعبير وحتى التفكير.
ان تفجير قبة مرقدي الامامين العسكريين قبل اكثر من عام شكل بمعنى
الكلمة بوادر ازمة داخلية اراد من ورائها الارهاب والتكفير اشعال الحرب
الاهلية وتأجيج الفتن الطائفية والخلافات المذهبية، ويمكننا ان نحدد
عناصر الازمة الاولى في سامراء من خلال الاستعانة بمعايير وخواص العنصر
الاجرائي طبقا لروبنسون *، بما يلي:
ان الحادث هو نقطة تحول في سير وتدفق الاحداث والتصرفات بشكل مستمر
وتداعياته هي مواقف تكون فيها الحاجة ضرورية تماما للقيام بفعل سريع
يدور في فكر ومخططات احد الاطراف الرئيسية (الحكومة) والمتعلق في وقتها
بأزالة آثار الحادث من خلال الاسراع في تخصيص القوة الامنية الكافية
لتأمين الطريق الرئيسي المؤدي الى مدينة سامراء والمرقد الشريف
والمباشرة الفورية بأعادة الاعمار بالسرعة الممكنة، وهذا ما عجزت في
حينها عن تنفيذه مؤسسات السلطة التنفيذية وادى العجز والقصور في تنفيذ
المهمات الى تكرار الحادث بالشكل الذي تلمسناه الان. والحدث او الحادث
يتضمن ايضا تهديد للاهداف العليا والمقدسة، وعادة ما يعقب ذلك نتائج
مهمة تؤدي الى رسم مستقبل البلد وكافة الاطراف السياسية الموجودة
والداخلة فيه، وهو ما تمخض عنه تجاوز الخلافات السياسية وانتخاب حكومة
الوحدة الوطنية بعد الحادث مباشرة. وتتميز أي ازمة داخلية كانت ام
خارجية اقليمية ام دولية بتغير العلاقات القائمة بين اطرافها لما يخدم
الاهداف الوطنية العليا وتجاوز المصالح الحزبية والجهوية والفئوية
لصالح الخروج بأقل النتائج والتداعيات السلبية للحدث او الازمة.
ان مواقف ودعوات المراجع الدينية والعقلاء والشخصيات السياسية
والوطنية في الدعوة الى التهدئة وتجاوز آثار وتداعيات الحادث الاليم في
وقتها بزيادة اللحمة الوطنية بين مختلف الطوائف العراقية، كان كفيلا
بأنهاء الازمة وتفويت الفرصة على مسببيها واسقاط اهدافهم في النيل من
وحدة النسيج الاجتماعي والبنيوي العراقي، هذا من جانب. اما في الجانب
المقابل، فقد تقاعست الجهات الحكومية وادواتها التنفيذية عن تحمل
مسؤولياتها في العمل على ازالة آثار الحدث والحادث في سامراء بل وعجزت
حتى بتوفير الحماية اللازمة لمنع تكراره. وهذا ما يستوجب التوقف من قبل
السلطات الثلاث للمراجعة واعادة التقييم ومن ثم العمل الجاد والدؤوب من
قبل السلطة التشريعية في ضمان محاسبة واستقلالية الرقابة على السلطة
التنفيذية. وعمل القيادات الحكومية التنفيذية على تجاوز السلبيات
المرافقة لملف سامراء والملفات الاخرى والافصاح عنها من خلال الابتعاد
عن التصريحات المتكررة (يقول ولا يفصح ) ومصارحة الشعب العراقي اعلاميا
في مجال الكشف عن اعداءه داخل العملية السياسية، ومن هم الذين يعملون
في الخفاء ! وبشكل علني مع اهمال لاية اعتبارات اخرى والعمل على تحييد
هذه القوى واخراجها من مراكز القرار والمسؤولية، والانفتاح الايجابي
في المقابل على التيارات الوطنية الشريفة والمؤمنة بالعمل السياسي
لتكون ظهيرا ورديفا لتنفيذ السياسات الحكومية وترويجها جماهيريا.
-------------------------------
* ( حول التصعيد في الازمة ) – للكاتب والاكاديمي
الامريكي هيرمان كاهن، اما روبنسن فهو احد اهم المنظرين للازمة
الدولية.
* الناطق الرسمي بأسم منظمة العمل الاسلامي
info@iao-iraq.org |