اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ومؤازرة ضحاياه

شبكة النبأ: يصادف يوم 26 حزيران/يونيه  من كل عام مناسبة عالمية لاحياء ماساة ضحايا التعذيب في انحاء العالم، ويتيح هذا اليوم مساندة ضحايا التعذيب كي يؤكد مجددا أنه لا يمكن القبول أو السماح بارتكاب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وهذا يوم نجدد فيه التزامنا بالتنديد بمثل هذه الأعمال والسعي إلى الانتصاف لضحايا التعذيب. والأهم من ذلك أن هذا اليوم مناسبة للحكومات كي تتساءل فيه عما إذا كانت تبذل جهودا كافية للحيلولة دون وقوع أعمال التعذيب ولمساعدة ضحاياه، ولمعاقبة الجناة والحرص على عدم تكرار تلك الأعمال.

وللأسف، تظهر لنا التجارب أن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ما زالت شائعة في عدد كبير من البلدان، مع أن تحريم هذا السلوك صريح لا لبس فيه: فهو تحريم على الإطلاق. فجميع الدول ملزمة به في جميع الأقاليم الخاضعة لولايتها أو سيطرتها الفعلية. وهو يسري في ظل جميع الظروف، في أوقات الحرب وأوقات السلام سواء بسواء. ولا يسمح بالتعذيب عندما يطلق عليه اسم آخر. فلا يمكن استعمال عبارات التورية المخففة للتحايل على الالتزامات القانونية.

وينبغي للدول الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك أن تكافح بكل ما أوتيت من قوة إفلات مرتكبي أعمال التعذيب من العقاب. ويجب ألا يسمح بالإفلات من العقاب لأولئك الذين يدبرون أي شكل من أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو يأذنون به، وأولئك الذين يرتكبون أعمالا من هذا القبيل. وينبغي لهيئات مستقلة أن تلاحق قانونيا المسؤولين عن تلك الأعمال، وأن يكون العقاب على قدر جسامة الجريمة.

إن العديد من الدول التي صدقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، قبلت طواعية الالتزامات المفروضة بموجب القانون العرفي الدولي. واليوم، أدعو جميع الدول إلى التصديق على هاتين المعاهدتين الأساسيتين المتعلقتين بحقوق الإنسان، فضلا عن البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. وأدعوها أيضا إلى توجيه دعوة مفتوحة إلى المقرر الخاص المعني بالتعذيب، وكذلك إلى الآليات الأخرى المعنية بحقوق الإنسان، للقيام بزيارة لها.

وبمناسبة هذا اليوم، أحيي كذلك جميع أولئك الذين يعملون في جميع أنحاء العالم للتخفيف من معاناة الناجين من ضحايا التعذيب وأسرهم. ويساعد صندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيب العديد من المنظمات غير الحكومية على توفير الرعاية الطبية والنفسية والمساعدة القانونية والاجتماعية والدعم المالي لضحايا التعذيب. وأعرب عن امتناني للحكومات وغيرها من الجهات المتبرعة التي مكنت من تقديم هذه المساعدة، وأدعو جميع أعضاء المجتمع الدولي إلى دعم الصندوق.

لقد أُسست الأمم المتحدة لترسيخ الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته؛ ولتحقيق مستويات عيش أفضل مع التمتع بقدر أكبر من الحرية. ولا سبيل إلى الوفاء بهذا العهد ما لم نستأصل آفة التعذيب من وجه الأرض. فلنكرس أنفسنا مجددا للنهوض بهذه المهمة بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.

ما هو تعريف التعذيب والمعاملة السيئة؟

يحظر القانون الدولي الإنساني التعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيئة في جميع الأوقات, ويقضي بمعاملة المحتجزين وفقاً لأحكام ومبادئ القانون الدولي الإنساني وغيره من المعايير الدولية.

وتوفّر اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984 (المادة الأولى) (بالإنجليزية) تعريفاً للتعذيب يحظى بالإجماع.

ويعتمد القانون الدولي الإنساني تعريفاً مختلفاً بعض الشيء عن هذا التعريف من حيث عدم اقتضائه اشتراك شخص يتصرف بصفته الرسمية كشرط لتعريف العمل الذي يُقْصد منه إلحاق ألم أو عذاب شديد بأنه تعذيب.

وتستخدم اللجنة الدولية المصطلح الواسع "المعاملة السيئة" لكي يشمل التعذيب وغيره من أساليب الانتهاك التي يحظرها القانون الدولي, بما في ذلك المعاملة اللاإنسانية والقاسية والمهينة والإساءات المهدرة للكرامة الإنسانية والإكراه البدني أو المعنوي.

ويتمثّل الفارق القانوني بين التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في مدى شدة ما يتم إلحاقه من ألم أو عذاب. وإضافة إلى ذلك, يقتضي التعذيب توافر غرض محدّد وراء العمل ـ كالحصول على معلومات مثلاً.

ويمكن شرح المصطلحات المختلفة المستخدمة للإشارة إلى مختلف أشكال المعاملة السيئة أو إلحاق الألم على النحو التالي: 

التعذيب: توافر غرض محدّد إضافة إلى الإلحاق القصدي لعذاب أو ألم شديد;

المعاملة القاسية أو اللاإنسانية: من دون توافر غرض محدّد, إلحاق قدر كبير من العذاب أو الألم;

الإساءات المهدرة للكرامة الإنسانية: من دون توافر غرض محدّد, إلحاق قدر كبير من الإذلال أو الإهانة.

وقد تكون أساليب المعاملة السيئة بدنية و/أو نفسية في طبيعتها, وقد تترتب على كلا الأسلوبين آثار بدنية ونفسية.

تعذيب

التعذيب مصطلح عام يستعمل لوصف اي عملية تنزل آلاما جسدية او نفسية بإنسان ما وبصورة متعمدة و منظمة كوسيلة لإستخراج معلومات او الحصول على إعتراف او لغرض التخويف والترعيب او كشكل من اشكال العقوبة او وسيلة للسيطرة على مجموعة معينة تشكل خطرا على السلطة المركزية ، ويستعمل التعذيب في بعض الحالات لأغراض فرض مجموعة من القيم و المعتقدات التي يعتبرها الجهة المعذبة قيم أخلاقية . يعتبر التعذيب بكافة أنواعه منافيا للمبادئ العامة لحقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها في 10 ديسمبر 1948 وتم التوقيع عليها من قبل العديد من الدول في معاهدة جنيف الثالثة الصادرة في 12 أغسطس 1949 المتعلقة بمعاملة اسرى الحرب و معاهدة جنيف الرابعة (1949) المتعلقة بحماية المدنيين اثناء الحرب. في عام 1987 تم تشكيل لجنة مراقبة و منع التعذيب التابعة للامم المتحدة والتي تظم في عضويتها 141 دولة وبالرغم من توقيع العديد من الدول على هذه الإتفاقيات إلا ان توقعات منظمة العفو الدولية تشير إلى معظم الدول الموقعة لا تلتزم بتطبيق البنود الواردة في المعاهدات المذكورة.

هناك جدل حول استعمال كلمة "تعذيب" فيتم في بعض الأحيان استعمال تعبير "سوء المعاملة" او "التعسف" او "التجاوزات" او "وسائل قريبة من التعذيب" وخاصة من قبل الجهات التي قامت بعمليات التعذيب حيث يعتقد البعض ان لكلمة "التعذيب" مدلول محدد يشير إلى شخص يحاول عبر كل الوسائل "انتزاع معلومات". من جهة أخرى فإن تعريف كلمة التعذيب كما ورد في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب هو "الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية"  ويرى البعض إن توفر غرض محدد من إلحاق الأذى هو الفيصل في التمييز بين التعذيب و المعاملة القاسية أو اللاإنسانية إذ لابد من توفر الغرض المحدد في التعذيب.

 التعذيب عبر التأريخ

في العصور القديمة كان التعذيب يستعمل عادة كوسيلة لإختبار مزاعم او تهمة معينة يتعلق

بكسر عرف او مبدأ ديني وكانت الفكرة الرئيسية تكمن في كشف ما إعتقده القائمون بالتعذيب بإن شخصا ما قد يكون مسكونا بالشيطان او اي قوة اخرى لاتتماشى مع العقيدة الدينية السائدة في تلك المجتمع وهناك وسيلتين موثقتين حول استعمال التعذيب لهذا الغرض وهما :

وضع عصابة على العين وإجبار المتهم بان يمشي على شيء محترق ذات حرارة عالية و فحص قدمي الشخص بعد 3 ايام فإذا كانت هناك أثار للحروق فإن التهمة كانت تعتبر مؤكدة .

استخراج حجر مستقر في قاع ماء مغلي وفحص اليد بعد ذلك وحرق اليد كان كفيلا بإلصاق التهمة.

في اليونان القديمة كان العبيد فقط يتعرضون للتعذيب لغرض معرفة الحقيقة وكان استعمال هذا الإسلوب محضورا على الأحرار وبالإضافة إلى هذا كان هناك قانون يحظر استعمال التعذيب مع العبيد لغرض استخراج معلومات منهم عن أسيادهم . ويظهر تعذيب العبيد و المستضعفين جليا في بداية ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية حيث تم تعذيب بعض المسلمين على يد اهل مكة ومنهم بلال بن رباح على يد أمية ابن خلف و عمار بن ياسر على يد ابو جهل .

في القرون الوسطى و بالتحديد في القرن 13 تم استعمال التعذيب مع المهرطقين من قبل الكنيسة الكاثوليكية وبعد تشكيل محاكم التفتيش اصدر البابا إينوسينت الرابع في عام 1252 مرسوما بإستعمال التعذيب ضد المتهمين بالهرطقة لإستحصال المعلومات منهم . كانت إحدى الوسائل المشهورة في التعذيب أثناء هذه الفترة عبارة عن تعليق المتهم بواسطة حبل مربوط بالسقف في اوضاع غير مريحة كانت تؤدي إلى خلع مفاصل الجسم حتى قبل الشروع في عملية التعذيب.

النواحي النفسية للتعذيب

اختبار سجن ستانفورد

في السابق كان هناك إعتقاد شائع بان الشخص القائم بالتعذيب لابد ان يتحلى بصفات عدائية او عنيفة في شخصيته ولكن وبعد الحرب العالمية الثانية جرت العديد من الدراسات الأكاديمية لتحليل ظاهرة الطاعة العمياء لأوامر قد تعتبر لا أخلاقية ففي الستينيات قام العالم النفسي ستانلي ملغرام (1933 - 1984) بإجراء تجربته المشهورة في جامعة يايل و المعروفة باختبار ملغرام  في محاولة منه لتفسير ظاهرة التنفيذ الأعمى لعمليات الهولوكوست من قبل الجنود العاديين وبعد ملغرام وفي عام 1971 قام عالم النفس الأمريكي فيليب زمباردو (مواليد صقلية 1933)  بإجراء اختبار سجن ستانفورد وإستنتج زمباردو ان الأشخاص العاديين وبمختلف المستويات الاجتماعية و الثقافية معرضون للإنصياع و الطاعة العمياء عندما يتعرضون لنظام أيديولوجي يحظى بدعم اجتماعي ومؤسساتي وقال بان الوضع أو الواقع هو الذي سبب سلوك الأفراد أكثر من أي شيء موروث في شخصياتهم .

هناك إحتمالات أخرى واردة في علم النفس لتفسير تحول إنسان بسيط إلى جلاد ومنها :

مدى قبول ظاهرة التعذيب في الوسط الذي يعيشه او يعمل به ومدى ممارسة افراد الوسط او زملاء العمل لظاهرة التعذيب فالإنسان بصورة عامة يجنح إلى الإندماج و التأقلم مع الوسط لكي يشعر بانه جزء من المجموعة.

التنفيس عن مكبوتات فرضها المجتمع او السلطة او الدين على الأجزاء الغريزية في لاوعي الأنسان.

 المتعرض للتعذيب

بالرغم من وجود الجانبين الجسدي والنفسي للتعذيب إلا ان الآثار النفسية تعتبر أكثر اهمية لكونها تبقى مع الشخص لفترة طويلة وتكون لها على الأغلب بصمات مزمنة في العديد من مجالات الحياة . إستنادا إلى احد الكتب المنهجية لوكالة المخابرات الأمريكية فان عملية التعذيب يؤدي إلى تقهقر الأنسان إلى مراحل بدائية على عدة مستويات منها عدم قدرته على إنتاج اعمال إبداعية عالية المستوى وعدم القدرة على التعامل مع القضايا والمواقف المعقدة او القدرة على مواجهة الأزمات و المواقف المحبطة وعوائق عديدة في تواصل علاقات الشخص مع المحيطين به نتيجة لعامل الشعور بالعار و الخضوع وفقدان الشعور بأهمية الذات وعدم القدرة على تغيير الواقع والخضوع للمتغيرات وإنعدام الأمل بمستقبل مشرق وفقدان الكبرياء وعزة النفس نتيجة لبعض اساليب التعذيب .

هناك الكثير من التجارب التي تمت في القرن العشرين على الحيوانات بالإضافة إلى الإنسان وادت إلى نتائج مفادها ان جرعة معينة من الألم الجسدي و النفسي قد يؤثر بصورة ايجابية على قدرات الفرد العقلية و الجسدية لتحفيزه الأدرينالين ولكن هذه الجرعة اذا إستمرت فإن الشخص يدخل إلى منطقة ضبابية من الإدراك ويعرضه إلى قبول اية فكرة حتى إذا كانت منافية للمنطق او مبادئ الشخص وهذه الفترة يستعمل عادة في مايسمى بعملية غسل الدماغ  وفي بعض الأحيان يظهر الشخص المتعرض لعملية التعذيب تعاطفا مع جلاده ويعرف هذه الظاهرة النفسية المعقدة Stockholm syndrome بمتلازمة ستوكهولم  وفي بعض الأحيان ولفقدان شعور الشخص الذي تعرض للتعذيب بوجوده ككينونة فإنه يلجأ إلى تعذيب نفسه او إلحاق الأذى الجسدي بنفسه كمحاولة لإثبات انه لازال موجودا ..

من الأثار النفسية الشائعة للتعذيب بعد إنقضاء فترة التعذيب هي الأرق و القلق وإنعدام القدرة على التركيز والكوابيس او ومضات من التذكر الدقيق لتفاصيل التعذيب بالصوت و الصورة وقد يتطور الأمر إلى صعوبات في الذاكرة والقدرة الجنسية والعلاقات الاجتماعية والخوف او الرهاب و الوسوسة والهلوسة والكآبة . من أشهر الأمراض النفسية التي قد يكون الشخص المتعرض للتعذيب عرضة لها هو post-traumatic stress disorder مرض توتر مابعد الصدمة  .

 أنواع و وسائل التعذيب

التعذيب الجسدي وهو أكثر الأنواع شيوعا وتشمل الكوي و قلع الأسنان او الأضافر و استعمال العصي او السوط او الهراوة و الغمس في الماء المغلي او الماء البارد والإخصاء وتشويه الوجه و الأجزاء الظاهرة من الجسم و سلخ الجلد و التجويع او الإجبار على الإفراط في الأكل والسحل او السحق والتعليق بواسطة الحبال في اوضاع غير مريحة والصعقات الكهربائية. .

التعذيب النفسي بإستعمال اساليب تلحق آلاما نفسية وقد تشمل الإيحاء بان الشخص على وشك ان يتم قتله و الحبس الإنفرادي و الأبتزاز والإجبار على مشاهدة شخص آخر يتم تعذيبه و إجبار الشخص بان يقوم بتعذيب شخص آخر او إجباره على مشاهدة إعتداء جنسي او إستغلال خوف او رهاب المعتقل من شيء ما وإستعماله ضده او منع الشخص من النوم او إزالة المؤثرات الحسية بوضع عصابة على العين وصم الأذنين او إجبار الشخص على الكفر بمعتقداته الدينية او إهانة مقدساته و حلاقة شعرالراس وخاصة للسيدات او الإهانة العلنية بإجبار الشخص على التعري على الملأ او إجباره على الإشتراك في عمليات جنسية و التحكم بدرجة حرارة مكان الإعتقال. .

التعذيب بواسطة مواد كيمياوية مثل إضافة الملح إلى جروح الشخص او ايلاج الفلفل الحار او البهارات إلى الأغشية المخاطية في الجسم او إجبار الشخص على تناول بعض العقاقير التي تؤدي إلى اعراض جانبية غير مريحة. .

التعذيب الجنسي عن طريق الإغتصاب او إجبار المعتقل على القيام بفعاليات جنسية رغما عن إرادته أو إجبار المعتقل على الجلوس على زجاجة أو ماشبه من الأشياء. .

التعذيب بالنوم وله نوعان وهو إما إجبار المعتقل على النوم لفترات طويلة مما يؤدي لضمور عضلاته أو منعه من النوم لفترات طويلة مما يؤدي إلى فقدانه للتركيز والهلوسة وإصابته بالوهن.

 معاهدات جنيف

هناك 4 معاهدات تمت صياغتها في جنيف ، ثاني أكبر مدن سويسرا وحددت المقاييس العالية للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، هذه الإتفاقيات عبارة عن منظومة كاملة من الأدوات القانونية الواقية التي تعالج سبل خوض الحروب وحماية الأفراد وهي تحمي بالأخص الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال كالمدنيين وأفراد الوحدات الطبية والدينية وعمال الإغاثة والأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال كالجرحى والمرضى والجنود الغرقى وأسرى الحرب  :

اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان المؤرخة في 12 أغسطس 1949 

اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار المؤرخة في 12 أغسطس 1949

اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949 

اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949

هناك قانونين متعلقين بحماية أرواح الأفراد وصحتهم وكرامتهم، وهما القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان تهدف كلا المجموعتين من القوانين إلى حماية الحياة الإنسانية وحظر التعذيب أو المعاملة القاسية وكفالة الحقوق الأساسية للأشخاص الخاضعين لإجراءات قضائية جنائية، كما تضم كل منهما أحكاماً تكفل حماية النساء والأطفال وأخرى تعالج جوانب من الحق في الغذاء والصحة .

يتسائل العديد حول جدوى التوقيع على هذه الإتفاقيات و المعاهدات و معارضي هذه الاتفاقيات ينتقصون من قيمتها وينكرون جدواها استنادا على قدم عهدها وعدم ارتباطها بما يحدث بالفعل في ميادين الحروب من تجاهل تام لاية قواعد وعدم احترام لأية معاهدات. ويستند التيار المقتنع بعدم جدوى هذه المعاهدات بعدة امثلة منها الاسلوب الذي اتبعه الجنود الصرب بقيامهم بتنفيذ مجزرة ضد المدنيين المنحدرين من اصل الباني في حملتهم ضد المقاتلين من عناصر جيش تحرير كوسوفو و المذابح التي وقعت في رواندا او تلك الحروب التي تلتها في افريقيا او معسكرات الاعتقال المرعبة في أبو غريب و جوانتانامو .

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب

المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984 تاريخ بدء النفاذ: 26 حزيران/يونيه 1987، وفقا لأحكام المادة 27 (1)

إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ ترى أن الاعتراف بالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف، لجميع أعضاء الأسرة البشرية هو، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلم في العالم، وإذ تدرك أن هذه الحقوق تستمد من الكرامة المتأصلة للإنسان، وإذ تضع في اعتبارها الواجب الذي يقع على عاتق الدول بمقتضى الميثاق، وبخاصة بموجب المادة 55 منه، بتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ومراعاتها على مستوى العالم،ومراعاة منها للمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ومراعاة منها أيضا لإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي اعتمدته الجمعية العامة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1975،

ورغبة منها في زيادة فعالية النضال ضد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية في العالم قاطبة،اتفقت على ما يلي:

الجزء الأول

المادة 1

1. لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد "بالتعذيب" أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

2. لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطني يتضمن أو يمكن أن يتضمن أحكاما ذات تطبيق أشمل.

المادة 2

1. تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي.

2. لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.

3. لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.

المادة 3

1. لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده ("أن ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.

2. تراعى السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية.

المادة 4

1. تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب.

2. تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة.

المادة 5

1. تتخذ كل دولة طرف ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على الجرائم المشار إليها في المادة 4 في الحالات التالية:

(أ) عند ارتكاب هذه الجرائم في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية أو على ظهر سفينة أو على متن طائرة مسجلة في تلك الدولة،

(ب) عندما يكون مرتكب الجريمة المزعوم من مواطني تلك الدولة،

(ج) عندما يكون المعتدى عليه من مواطني تلك الدولة، إذا اعتبرت تلك الدولة ذلك مناسبا.

2. تتخذ كل دولة طرف بالمثل ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على هذه الجرائم في الحالات التي يكون فيها مرتكب الجريمة المزعوم موجودا في أي إقليم يخضع لولاياتها القضائية ولا تقوم بتسليمه عملا بالمادة 8 إلى أية دولة من الدول التي ورد ذكرها في الفقرة 1 من هذه المادة.

3. لا تستثنى هذه الاتفاقية أي ولاية قضائية جنائية تمارس وفقا للقانون الداخلي.

المادة 6

1. تقوم أي دول طرف، لدى اقتناعها، بعد دراسة المعلومات المتوفرة لها، بأن الظروف تبرر احتجاز شخص موجود في أراضيها يدعى أنه اقترف جرما مشارا إليه في المادة 4 باحتجازه أو تتخذ أية إجراءات قانونية أخرى لضمان وجوده فيها. ويكون الاحتجاز والإجراءات القانونية الأخرى مطابقة لما ينص عليه قانون تلك الدولة على ألا يستمر احتجاز الشخص إلا للمدة اللازمة للتمكين من إقامة أي دعوى جنائية أو من اتخاذ أي إجراءات لتسليمه.

2. تقوم هذه الدولة فورا بإجراء التحقيق الأولى فيما يتعلق بالوقائع.

3. تتم مساعدة أي شخص محتجز وفقا للفقرة 1 من هذه المادة على الاتصال فورا بأقرب ممثل مختص للدولة التي هو من مواطنيها، أو بممثل الدولة التي يقيم فيها عادة إن كان بلا جنسية.

4. لدى قيام دولة ما، عملا بهذه المادة، باحتجاز شخص ما، تخطر على الفور الدول المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 5، باحتجاز هذا الشخص وبالظروف التي تبرر اعتقاله. وعلى الدولة التي تجرى التحقيق الأولى الذي تتوخاه الفقرة 2 من هذه المادة أن ترفع فورا ما توصلت إليه من النتائج إلى الدول المذكورة مع الإفصاح عما إذا كان في نيتها ممارسة ولايتها القضائية.

المادة 7

1. تقوم الدولة الطرف التي يوجد في الإقليم الخاضع لولايتها القضائية شخص يدعى ارتكابه لأي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 4 في الحالات التي تتوخاها المادة 5، بعرض القضية على سلطاتها المختصة بقصد تقديم الشخص للمحاكمة، إذا لم تقم بتسليمه.

2. تتخذ هذه السلطات قرارها بنفس الأسلوب الذي تتبعه في حالة ارتكاب أية جريمة عادية ذات طبيعة خطيرة بموجب قانون تلك الدولة. وفى الحالات المشار إليها في الفقرة 2 من المادة 5 ينبغي ألا تكون معايير الأدلة المطلوبة للمقاضاة والإدانة بأي حال من الأحوال أقل صرامة من تلك التي تنطبق في الحالات المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 5.

3. تكفل المعاملة العادلة في جميع مراحل الإجراءات القانونية لأي شخص تتخذ ضده تلك الإجراءات فيما يتعلق بأي من الجرائم المشار إليها في المادة 4.

المادة 8

1. تعتبر الجرائم المشار إليها في المادة 4 جرائم قابلة لتسليم مرتكبيها في أية معاهدة لتسليم المجرمين تكون قائمة بين الدول الأطراف. وتتعهد الدول الأطراف بإدراج هذه الجرائم كجرائم قابلة لتسليم مرتكبيها في كل معاهدة تسليم تبرم بينها.

2. إذا تسلمت دولة طرف طلبا للتسليم من دولة لا تربطها بها معاهدة لتسليم المجرمين، وكانت الدولة الأولى تجعل التسليم مشروطا بوجود معاهدة لتسليم المجرمين، يجوز لهذه الدولة اعتبار هذه الاتفاقية أساسا قانونيا للتسليم فيما يختص بمثل هذه الجرائم. ويخضع التسليم للشروط الأخرى المنصوص عليها في قانون الدولة التي يقدم إليها طلب التسليم.

3. تعترف الدول الأطراف التي لا تجعل التسليم مرهونا بوجود معاهدة بأن هذه الجرائم قابلة لتسليم مرتكبيها فيما بينها طبقا للشروط المنصوص عليها في قانون الدولة التي يقدم إليها طلب التسليم.

4. وتتم معاملة هذه الجرائم، لأغراض التسليم بين الدول الأطراف، كما لو أنها اقترفت لا في المكان الذي حدثت فيه فحسب، بل أيضا في أراضى الدول المطالبة بإقامة ولايتها القضائية طبقا للفقرة 1 من المادة 5.

المادة 9

1. على كل دولة طرف أن تقدم إلى الدول الأطراف الأخرى أكبر قدر من المساعدة فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية المتخذة بشأن أي من الجرائم المشار إليها في المادة 4، بما في ذلك توفير جميع الأدلة الموجودة في حوزتها واللازمة للإجراءات.

2. تنفذ الدول الأطراف التزاماتها بمقتضى الفقرة 1 من هذه المادة وفقا لما قد يوجد بينها من معاهدات لتبادل المساعدة القضائية.

المادة 10

1. تضمن كل دولة إدراج التعليم والإعلام فيما يتعلق بحظر التعذيب على الوجه الكامل في برامج تدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، سواء أكانوا من المدنيين أو العسكريين، والعاملين في ميدان الطب، والموظفين العموميين أو غيرهم ممن قد تكون لهم علاقة باحتجاز أي فرد معرض لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن أو باستجواب هذا الفرد أو معاملته.

2. تضمن كل دولة طرف إدراج هذا الحظر في القوانين والتعليمات التي يتم إصدارها فيما يختص بواجبات ووظائف مثل هؤلاء الأشخاص.

المادة 11

تبقى كل دولة قيد الاستعراض المنظم قواعد الاستجواب، وتعليماته وأساليبه وممارساته، وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب.

المادة 12

تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية.

المادة 13

تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفى أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة. وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم.

المادة 14

1. تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفى حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض.

2. ليس في هذه المادة ما يمس أي حق للمعتدى عليه أو لغيره من الأشخاص فيما قد يوجد من تعويض بمقتضى القانون الوطني.

المادة 15

تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال.

المادة 16

1. تتعهد كل دولة طرف بأن تمنع، في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1، عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها. وتنطبق بوجه خاص الالتزامات الواردة في المواد 10، 11، 12، 13 وذلك بالاستعاضة عن الإشارة إلى التعذيب بالإشارة إلى غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

2. لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بأحكام أي صك دولي آخر أو قانون وطني يحظر المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو يتصل بتسليم المجرمين أو طردهم.

الجزء الثاني

المادة 17

1. تنشأ لجنة لمناهضة التعذيب (يشار إليها فيما بعد باسم اللجنة) وتضطلع بالمهام المنصوص عليها فيما بعد. وتتألف اللجنة من عشرة خبراء على مستوى أخلاقي عال ومشهود لهم بالكفاءة في ميدان حقوق الإنسان، يعملون في اللجنة بصفتهم الشخصية. وتقوم الدول الأطراف بانتخابهم مع مراعاة التوزيع الجغرافي العادل وفائدة اشتراك بعض الأشخاص من ذوى الخبرة القانونية.

2. ينتخب أعضاء اللجنة بطريق الاقتراع السري من قائمة بأشخاص ترشحهم الدول الأطراف. ولكل دولة طرف أن ترشح شخصا واحدا من مواطنيها. وتضع الدول الأطراف في اعتبارها فائدة ترشيح أشخاص يكونون أيضا أعضاء في اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشأة بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولديهم الاستعداد للعمل في لجنة مناهضة التعذيب.

3. يجرى انتخاب أعضاء اللجنة في اجتماعات الدول الأطراف التي يدعو إلى عقدها مرة كل سنتين الأمين العام للأمم المتحدة. وفى تلك الاجتماعات التي ينبغي أن يتكون نصابها القانوني من ثلثي الدول الأطراف ويكون الأشخاص المنتخبون لعضوية اللجنة هم الحائزون على أكبر عدد من الأصوات وعلى الأغلبية المطلقة لأصوات ممثلي الدول الأطراف الحاضرين المصوتين.

4. يجرى الانتخاب الأول في موعد لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ نفاذ هذه الاتفاقية. ويقوم الأمين العام للأمم المتحدة، قبل موعد كل انتخاب بأربعة أشهر على الأقل، بتوجيه رسالة إلى الدول الأطراف يدعوها فيها إلى تقديم ترشيحاتها في غضون ثلاثة أشهر. ويقوم الأمين العام بإعداد قائمة بأسماء جميع المرشحين على هذا النحو مرتبة ترتيبا أبجديا، مع بيان الدول الأطراف التي رشحتهم، ويقدم هذه القائمة إلى الدول الأطراف.

5. ينتخب أعضاء اللجنة لفترة مدتها أربع سنوات، ويكونون مؤهلين لإعادة انتخابهم في حالة ترشيحهم مرة أخرى. غير أن مدة عضوية خمسة من الأعضاء الذين يتم انتخابهم في المرة الأولى تنتهي بعد سنتين، ويقوم رئيس الاجتماع المشار إليه في الفقرة 3 من هذه المادة بعد الانتخاب الأول مباشرة، باختيار أسماء هؤلاء الأعضاء الخمسة بطريق القرعة.

6. في حالة وفاة أحد أعضاء اللجنة أو استقالته أو عجزه لأي سبب آخر عن أداء مهامه المتعلقة باللجنة، تقوم الدولة الطرف التي رشحته بتعيين خبير آخر من مواطنيها للعمل في اللجنة للفترة المتبقية من مدة عضويته شريطة الحصول على موافقة أغلبية الدول الأطراف، وتعتبر الموافقة قد تمت ما لم تكن إجابة نصف عدد الدول الأطراف أو أكثر على ذلك بالنفي وذلك في غضون ستة أسابيع بعد قيام الأمين العام للأمم المتحدة بإبلاغها بالتعيين المقترح.

7. تتحمل الدول نفقات أعضاء اللجنة أثناء أدائهم لمهامهم المتعلقة باللجنة.

المادة 18

1. تنتخب اللجنة أعضاء مكتبها لمدة سنتين. ويجوز إعادة انتخابهم.

2. تضع اللجنة نظامها الداخلي على أن ينص، في جملة أمور على ما يلي:

(أ) يكتمل النصاب القانوني بحضور ستة أعضاء،

(ب) تتخذ مقررات اللجنة بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين.

3. يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتوفير ما يلزم من الموظفين والتسهيلات لأداء اللجنة مهامها بمقتضى هذه الاتفاقية على نحو فعال.

4. يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بالدعوة إلى عقد الاجتماع الأول للجنة. وبعد عقد اجتماعها الأول، تجتمع اللجنة في المواعيد التي ينص عليها نظامها الداخلي.

5. تكون الدول الأطراف مسؤولة عما يتم تحمله من نفقات فيما يتعلق بعقد اجتماعات الدول الأطراف واللجنة بما في ذلك رد أي نفقات إلى الأمم المتحدة مثل تكلفة الموظفين والتسهيلات التي تكون الأمم المتحدة قد تحملتها وفقا للفقرة 3 من هذه المادة.

المادة 19

1. تقدم الدول الأطراف إلى اللجنة، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، تقارير عن التدابير التي اتخذتها تنفيذا لتعهداتها بمقتضى هذه الاتفاقية، وذلك في غضون سنة واحدة بعد بدء نفاذ هذه الاتفاقية بالنسبة للدولة الطرف المعنية. وتقدم الدول الأطراف بعد ذلك تقارير تكميلية مرة كل أربع سنوات عن أية تدابير جديدة تم اتخاذها، وغير ذلك من التقارير التي قد تطلبها اللجنة.

2. يحيل الأمين العام للأمم المتحدة التقارير إلى جميع الدول الأطراف.

3. تنظر اللجنة في كل تقرير، ولها أن تبدى كافة التعليقات العامة التي قد تراها مناسبة وأن ترسلها إلى الدولة الطرف المعنية. وللدولة الطرف أن ترد على اللجنة بما ترتئيه من ملاحظات.

4. وللجنة أن تقرر، كما يتراءى لها، أن تدرج في تقريرها السنوي الذي تعده وفقا للمادة 24 أية ملاحظات تكون قد أبدتها وفقا للفقرة 3 من هذه المادة، إلى جانب الملاحظات الواردة إليها من الدولة الطرف المعنية بشأن هذه الملاحظات. وللجنة أيضا أن ترفق صورة من التقرير المقدم بموجب الفقرة 1 من هذه المادة، إذا طلبت ذلك الدولة الطرف المعنية.

المادة 20

1. إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقا بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوى تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منظم في أراضى دولة طرف، تدعو اللجنة الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات، وتحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات.

2. وللجنة بعد أن تأخذ في اعتبارها أية ملاحظات تكون قد قدمتها الدولة الطرف المعنية وأية معلومات ذات صلة متاحة لها، أن تعين، إذا قررت أن هنالك ما يبرر ذلك، عضوا أو أكثر من أعضائها لإجراء تحقيق سرى وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى اللجنة بصورة مستعجلة.

3. وفى حالة إجراء تحقيق بمقتضى الفقرة 2 من هذه المادة، تلتمس اللجنة تعاون الدولة الطرف المعنية. وقد يشمل التحقيق، بالاتفاق مع الدولة الطرف، القيام بزيارة أراضى الدولة المعنية.

4. وعلى اللجنة، بعد فحص النتائج التي يتوصل إليها عضوها أو أعضائها وفقا للفقرة 2 من هذه المادة أن تحيل إلى الدولة الطرف المعنية هذه النتائج مع أي تعليقات واقتراحات قد تبدو ملائمة بسبب الوضع القائم.

5. تكون جميع إجراءات اللجنة المشار إليها في الفقرات 1 إلى 4 من هذه المادة سرية، وفى جميع مراحل الإجراءات يلتمس تعاون الدولة الطرف. ويجوز للجنة وبعد استكمال هذه الإجراءات المتعلقة بأي تحقيق يتم وفقا للفقرة 2، أن تقرر بعد إجراء مشاورات مع الدولة الطرف المعنية إدراج بيان موجز بنتائج الإجراءات في تقريرها السنوي المعد وفقا للمادة 24.

المادة 21

1. لأية دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن، في أي وقت، بموجب هذه المادة، أنها تعترف باختصاص اللجنة في أن تتسلم بلاغات تفيد أن دولة طرفا تدعي أن دولة طرف أخرى لا تفي بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية في أن تنظر في تلك البلاغات. ولا يجوز تسلم البلاغات والنظر فيها وفقا للإجراءات المبينة في هذه المادة، إلا في حالة تقديمها من دولة طرف أعلنت اعترافها باختصاص اللجنة فيما يتعلق بها نفسها. ولا يجوز للجنة أن تتناول، بموجب هذه المادة، أي بلاغ إذا كان يتعلق بدولة طرف لم تقم بإصدار مثل هذا الإعلان. ويتم تناول البلاغات الواردة بموجب هذه المادة، وفقا للإجراءات التالية:

(أ) يجوز لأي دولة طرف، إذا رأت أن دولة طرفا أخرى لا تقوم بتنفيذ أحكام الاتفاقية الحالية، أن تلفت نظر تلك الدولة الطرف لهذا الأمر برسالة خطية وعلى الدولة الطرف التي تتسلم الرسالة أن تقدم إلى الدولة الطرف التي بعثت إليها بها في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ تسلمها الرسالة، تفسيرا أو أي بيان خطى يوضح فيه الأمر ويتضمن، بقدر ما هو ممكن وملائم، إشارة إلى الإجراءات ووسائل الانتصاف المحلية التي اتخذت أو ينتظر اتخاذها أو التي تتوفر بالنسبة لهذا الأمر،

(ب) في حالة عدم تسوية الأمر بما يرضى كلا من الدولتين الطرفين المعنيتين في غضون ستة أشهر من تاريخ ورود الرسالة الأولى إلي الدولة المتسلمة يحق لأي من الدولتين أن تحيل الأمر إلى اللجنة بواسطة إخطار توجهه إلى اللجنة وإلى الدولة الأخرى،

(ج) لا تتناول اللجنة أي مسألة تحال إليها بمقتضى هذه المادة إلا بعد أن تتأكد من أنه تم الالتجاء إلى جميع وسائل الانتصاف المحلية المتوفرة بالنسبة لهذا الأمر واستنفادها، وفقا لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما، ولا تسرى هذه القاعدة في حالة إطالة مدة تطبيق وسائل الانتصاف بصورة غير معقولة أو في حالة عدم احتمال إنصاف الشخص الذي وقع ضحية لانتهاك هذه الاتفاقية على نحو فعال،

(د) تعقد اللجنة اجتماعات مغلقة عند قيامها بدراسة البلاغات المقدمة لها بموجب هذه المادة،

(هـ) مع مراعاة أحكام الفقرة الفرعية (ج)، تتيح اللجنة مساعيها الحميدة للدول الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام الالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية. وتحقيقا لهذا الغرض، يجوز للجنة أن تنشئ، عند الاقتضاء، لجنة مخصصة للتوفيق،

(و) يجوز للجنة أن تطلب إلى الدول الأطراف المعنية، المشار إليها في الفقرة الفرعية (ب) أن تزودها بأية معلومات ذات صلة في أية مسالة محالة إليها بمقتضى هذه المادة،

(ز) يحق للدول الأطراف المعنية، المشار إليها في الفقرة الفرعية (ب)، أن تكون ممثلة أثناء نظر اللجنة في المسألة وأن تقدم مذكرات شفوية أو كتابية أو كليهما،

(ح) تقدم اللجنة تقريرا، خلال اثني عشر شهرا من تاريخ استلام الإخطار المنصوص عليه في الفقرة الفرعية (ب)،

"1" في حالة التوصل إلى حل في إطار أحكام واردة في الفقرة الفرعية (هـ)، تقصر اللجنة تقريرها على بيان موجز بالوقائع والحل الذي تم التوصل إليه.

"2" في حالة عدم التوصل إلى حل في إطار أحكام الفقرة الفرعية (ج)، تقصر اللجنة تقريرها على بيان موجز بالوقائع على أن ترفق به المذكرات الخطية ومحضرا بالمذكرات الشفوية التي أعدتها الدول الأطراف المعنية.

ويبلغ التقرير في كل مسألة إلى الدول الأطراف المعنية.

2. تصبح أحكام هذه المادة نافذة المفعول إذا أصدرت خمس من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية إعلانات بموجب الفقرة 1 من هذه المادة. وتودع الدول الأطراف هذه الإعلانات لدى الأمين العام للأمم المتحدة، الذي سيرسل نسخا منها إلى الدول الأطراف الأخرى. ويجوز سحب أي إعلان في أي وقت بإخطار يوجه إلى الأمين العام. ولا يخل هذا السحب بنظر أية مسالة تشكل موضوع بلاغ سبقت إحالته بمقتضى هذه المادة، ولا يجوز تسلم أي بلاغ من أية دولة طرف بمقتضى هذه المادة بعد أن يتسلم الأمين العام إخطار سحب الإعلان ما لم تكن الدولة الطرف المعنية قد أصدرت إعلانا جديدا.

المادة 22

1. يجوز لأية دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن في أي وقت أنها تعترف بمقتضى هذه المادة باختصاص اللجنة في تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدعون أنهم ضحايا لانتهاك دولة طرف في أحكام الاتفاقية. ولا يجوز للجنة أن تتسلم أي بلاغ إذا كان يتصل بدولة طرف في الاتفاقية لم تصدر مثل هذا الإعلان.

2. تعتبر اللجنة أي بلاغ مقدم بموجب هذه المادة غير مقبول إذا كان غفلا من التوقيع أو إذا رأت أنه يشكل إساءة لاستعمال حق تقديم مثل هذه البلاغات أو أنه لا يتفق مع أحكام هذه الاتفاقية.

3. مع مراعاة نصوص الفقرة 2، توجه اللجنة نظر الدولة الطرف في هذه الاتفاقية التي تكون قد أصدرت إعلانا بموجب الفقرة 1 ويدعى بأنها تنتهك أيا من أحكام الاتفاقية إلى أية بلاغات معروضة عليها بمقتضى هذه المادة. وتقدم الدولة التي تتسلم لفت النظر المشار إليه إلى اللجنة في غضون ستة أشهر تفسيرات أو بيانات كتابية توضح الأمر ووسائل الانتصاف التي اتخذتها تلك الدولة، إن وجدت.

4. تنظر اللجنة في البلاغات التي تتسلمها بموجب هذه المادة في ضوء جميع المعلومات المتوفرة لديها من مقدم البلاغ أو من ينوب عنه ومن الدولة الطرف المعنية.

5. لا تنظر اللجنة في أية بلاغات يتقدم بها أي فرد بموجب هذه المادة ما لم تتحقق من:

(أ) أن المسألة نفسها لم يجر بحثها، ولا يجرى بحثها بموجب أي إجراء من إجراءات التحقيق أو التسوية الدولية.

(ب) أن الفرد قد استنفد جميع وسائل الانتصاف المحلية المتاحة، ولا تسرى هذه القاعدة في حالة إطالة مدة تطبيق وسائل الانتصاف بصورة غير معقولة أو في حالة عدم احتمال إنصاف الشخص الذي وقع ضحية لانتهاك هذه الاتفاقية على نحو فعال.

6. تعقد اللجنة اجتماعات مغلقة عند قيامها بدراسة البلاغات المقدمة لها بموجب هذه المادة.

7. تبعث اللجنة بوجهات نظرها إلى الدولة الطرف المعنية وإلي مقدم البلاغ.

8. تصبح أحكام هذه المادة نافذة المفعول إذا أصدرت خمس من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية إعلانات بموجب الفقرة 1 من هذه المادة. وتودع الدول الأطراف هذه الإعلانات لدى الأمين العام للأمم المتحدة، الذي سيرسل نسخا منها إلى الدول الأطراف الأخرى. ويجوز سحب أي إعلان في أي وقت بإخطار يوجه إلى الأمين العام، ولا يخل هذا السحب بنظر أية مسألة تشكل موضوع بلاغ سبقت إحالته بمقتضى هذه المادة، ولا يجوز تسلم أي بلاغ من أية دولة طرف بمقتضى هذه المادة بعد أن يتسلم الأمين العام إخطار سحب الإعلان ما لم تكن الدولة الطرف المعنية أصدرت إعلانا جديدا.

المادة 23

يحق لأعضاء اللجنة ولأعضاء لجان التوفيق المخصصة، الذين يعينون بمقتضى الفقرة الفرعية 1 (هـ) من المادة 21 التمتع بالتسهيلات والامتيازات والحصانات التي يتمتع بها الخبراء الموفدون في مهام متعلقة بالأمم المتحدة كما هو منصوص عليه في الفروع ذات الصلة من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها.

المادة 24

تقدم اللجنة إلى الدول الأطراف وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تقريرا سنويا عن أنشطتها المضطلع بها بموجب هذه الاتفاقية.

الجزء الثالث

المادة 25

1. يفتح باب التوقيع على هذه الاتفاقية لجميع الدول.

2. تخضع هذه الاتفاقية لإجراء التصديق. وتودع صكوك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة 26

يفتح باب الانضمام إلى هذه الاتفاقية لجميع الدول. ويصبح الانضمام ساري المفعول عند إيداع صك الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة 27

1. يبدأ نفاذ هذه الاتفاقية في اليوم الثلاثين بعد تاريخ إيداع صك التصديق أو الانضمام العشرين لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

2. يبدأ نفاذ الاتفاقية بالنسبة لكل دولة تصدق عليها أو تنضم إليها بعد إيداع صك التصديق أو الانضمام العشرين في اليوم الثلاثين بعد تاريخ قيام الدولة بإيداع وثيقة التصديق أو الانضمام الخاصة بها.

المادة 28

1. يمكن لأي دولة وقت التوقيع أو التصديق على هذه الاتفاقية أو الانضمام إليها، أن تعلن أنها لا تعترف باختصاص اللجنة المنصوص عليه في المادة 20.

2. يمكن لأي دولة طرف تكون قد أبدت تحفظا وفقا للفقرة 1 من المادة أن تسحب هذا التحفظ، في أي وقت تشاء، بإرسال إخطار إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة 29

1. يحوز لأي دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تقترح إدخال تعديل عليها وأن تقدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويقوم الأمين العام بناء على ذلك. بإبلاغ الدول الأطراف بالتعديل المقترح مع طلب بإخطاره بما إذا كانت هذه الدول تحبذ عقد مؤتمر للدول الأطراف للنظر في الاقتراح والتصويت عليه. وفى حالة تأييد ثلث الدول الأطراف على الأقل في غضون أربعة أشهر من تاريخ هذا التبليغ، لعقد هذا المؤتمر، يدعو الأمين العام إلى عقده تحت رعاية الأمم المتحدة. ويقدم الأمين العام أي تعديل تعتمده أغلبية من الدول الأطراف الحاضرة في المؤتمر والمصوتة إلى جميع الدول الأطراف لقبوله.

2. يبدأ نفاذ أي تعديل يتم اعتماده وفقا للفقرة 1 من هذه المادة عندما يخطر ثلثا الدول الأطراف في هذه الاتفاقية الأمين العام للأمم المتحدة بقبولها التعديل طبقا للإجراءات الدستورية لكل منها.

3. تكون التعديلات، عند بدء نفاذها، ملزمة للدول الأطراف التي قبلتها. وتبقى الدول الأطراف الأخرى ملزمة بأحكام هذه الاتفاقية وبأية تعديلات تكون قد قبلتها.

المادة 30

1. أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول فيما يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تنفيذها ولا يمكن تسويته عن طريق التفاوض، يطرح للتحكيم بناء على طلب إحدى هذه الدول. فإذا لم تتمكن الأطراف في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الموافقة على تنظيم التحكيم، يجوز لأي من تلك الأطراف أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية بتقديم طلب وفقا للنظام الأساسي لهذه المحكمة.

2. يجوز لكل دولة أن تعلن في وقت توقيع هذه الاتفاقية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها، أنها لا تعتبر نفسها ملزمة بالفقرة 1 من هذه المادة. ولن تكون الدول الأطراف الأخرى ملزمة بالفقرة 1 من هذه المادة بالنسبة لأي دولة طرف تكون قد أبدت هذا التحفظ.

3. يجوز في أي وقت لأي دولة طرف أبدت تحفظا وفقا للفقرة 2 من هذه المادة أن تسحب هذا التحفظ بإرسال إخطار إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة 31

1. يحوز لأي دولة طرف أن تنهى ارتباطها بهذه الاتفاقية بإخطار كتابي ترسله إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويصبح الإنهاء نافذا بعد مرور سنة على تاريخ تسلم الأمين العام هذا الإخطار.

2. لن يؤدى هذا الإنهاء إلى إعفاء الدولة الطرف من الالتزامات الواقعة عليها بموجب هذه الاتفاقية فيما يتعلق بأي عمل أو إغفال يحدث قبل التاريخ الذي يصبح فيه الإنهاء نافذا. ولن يخل الإنهاء بأي شكل باستمرار نظر أي مسألة تكون اللجنة ماضية في نظرها بالفعل قبل التاريخ الذي يصبح فيه الإنهاء نافذا.

3. بعد التاريخ الذي يصبح فيه إنهاء ارتباط دولة طرف بالاتفاقية نافذا، لا تبدأ اللجنة النظر في أية مسألة جديدة تتعلق بتلك الدولة.

المادة 32

يعلم الأمين العام للأمم المتحدة جميع أعضاء الأمم المتحدة وجميع الدول التي وقعت هذه الاتفاقية أو انضمت إليها بالتفاصيل التالية:

(أ) التوقيعات والتصديقات والانضمامات التي تتم بموجب المادتين 25، 26،

(ب) تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية بموجب المادة 27، وكذلك تاريخ بدء نفاذ أية تعديلات تدخل عليها بموجب المادة 29،

(ج) حالات الإنهاء بمقتضى المادة 31.

المادة 33

1. تودع هذه الاتفاقية، التي تتساوى نصوصها الأسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والعربية والفرنسية في الحجية لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

2. يرسل الأمين العام للأمم المتحدة نسخا مصدقة من هذه الاتفاقية إلى جميع الدول.

مقدمة

أعلن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 حظر التعذيب وإساءة المعاملة. وكما بيَّنا في الفصل الأول، تضمنت التطورات التي حدثت منذ ذلك الحين ما يلي :

إدراج الحظر في معاهدات دولية وإقليمية ملزمة، وسواها من الصكوك الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان * والعديد من الدساتير الوطنية؛

* المعاهدات الدولية ملزمة للدول الأطراف : وعندما تصبح الدولة طرفاً في معاهدة، توافق رسمياً على الالتزام بأحكامها. ويمكن للصكوك الأخرى لحقوق الإنسان التي تعتمدها الهيئات الحكومية الدولية أن تتضمن توصيات إلى الدول، لكنها ليست ملزمة لأن الدول لم توافق رسمياً على الالتزام بها. ويشير مصطلح "المعايير الدولية" إلى كل من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والمعايير الواردة فيها.

اعتبار حظر التعذيب في المعاهدات الدولية والإقليمية الرئيسية حقاً لا يمكن الانتقاص منه – حقاً لا يجوز أبداً وقف العمل به، حتى في حالات الطوارئ العامة؛

الاعتراف بحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة كقاعدة في القانون الدولي العرفي والاعتراف بحظر التعذيب كمعيار قطعي في القانون الدولي العام، ملزم لجميع الدول سواء أكانت أطرافاً في المعاهدات التي تتضمن الحظر أم لا (انظر الفقرة 3-2-6 أدناه)؛

صياغة معايير حول منع التعذيب والمعاملة السيئة، وحول التحقيق فيهما وحول تقديم الجناة إلى العدالة ودفع تعويضات إلى الضحايا؛

الاعتراف التصاعدي بهذه المعايير باعتبارها لا تشكل مجرد توصيات بل التزامات واجبة على الدول؛

وضع معايير وممارسات دولية تتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية عن التعذيب وسوء المعاملة؛

توسيع أشكال الانتهاك المعترف بها كما هي مدرجة في الحظر (انظر الفقرة 3-4)؛

زيادة الوعي بالواجب المترتب على الدول في حماية الناس من الانتهاكات التي يرتكبها أشخاص بصفتهم الخاصة والتي تتعارض مع حظر التعذيب وسوء المعاملة.

وقد حصلت هذه التطورات بوسائل مختلفة منها :

اعتماد معاهدات حقوق الإنسان وسواها من المعايير من جانب المنظمات الحكومية الدولية والإقليمية؛

الأحكام والقرارات والبيانات الصادرة عن المحاكم واللجان الإقليمية لحقوق الإنسان والهيئات والآليات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان والمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة ورواندا؛

الجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية لضمان وفاء الحكومات بالتزاماتها الدولية على صعيد حقوق الإنسان.

ويحدد هذا الفصل المعايير الدولية ذات الصلة وينظر في الكيفية التي يتم فيها حالياً التعامل مع حظر التعذيب وسوء المعاملة بموجب القانون الدولي.*

* يمكن العثور على قائمة المراجعة الخاصة بالصكوك الدولية والإقليمية ذات الصلة بحظر التعذيب في الملحق 5 المرفق بهذا الكتيب.

منظمة العفو الدولية

مقدمة

يقدم هذا الفصل ست دراسات لحالات تحرك ضد التعذيب وإساءة المعاملة. وأدت التحركات إلى إجراء إصلاحات في مجالات مثل وضع ضمانات للتوقيف والاعتقال؛ وحظر أساليب استجواب وتقييد معينة؛ واعتبار التعذيب جريمة محددة؛ وتحسين أوضاع الاعتقال؛ وإنشاء أنظمة للزيارات التفتيشية إلى مراكز الاعتقال؛ ومقاضاة المسؤولين المتهمين بممارسة التعذيب؛ وإماطة اللثام عن الحقيقة المتعلقة بالتعذيب الممارس في عهد حكومة سابقة. وقد اتُخذت التدابير من جانب مختلف سلطات الحكم – السلطة التشريعية أو السلطة القضائية أو وحدات معينة في وزارة العدل. وجاءت التغييرات كرد فعل على حوادث معينة، أو على خلفيات الانتهاكات القائمة منذ أمد طويل. وانبثق زخم التحركات من مختلف قطاعات المجتمع المدني ومن الهيئات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان ومن الضغط الذي مارسه الرأي العام العالمي.

وتوضح دراسات الحالات الست بعض السبل التي يمكن أن تؤدي إلى القضاء على التعذيب وسوء المعاملة أو إلى انحسار استخدامهما.

الأراضي التي تحتلها إسرائيل : حظر التعذيب ‘القانوني’

اعتباراً من العام 1967 مارست أجهزة الأمن الإسرائيلية التعذيب بشكل روتيني ضد المتهمين السياسيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة – واعتباراً من العام 1987 أصبح استخدام التعذيب قانونياً بصورة فعلية. وأمكن إضفاء صبغة شرعية فعلية عليه لأن الحكومة الإسرائيلية والسلطة القضائية، فضلاً عن أغلبية المجتمع الإسرائيلي، قبلت بأن طرق الضغط الجسدي والنفسي التي يستخدمها جهاز الأمن العام (المعروف أيضاً بالشن بت أو الشاباك) هي وسائل مشروعة لمحاربة "الإرهاب".

وحدث صراع مستمر مع الحكومة حول قضية التعذيب. فمن ناحية، بحث ضحايا التعذيب ومحامو حقوق الإنسان والمنظمات المحلية والدولية لحقوق الإنسان عن سبل لتحدي نظام التعذيب القانوني. ومن ناحية أخرى، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى الدفاع عن النظام وترسيخه.

وعلى العموم لم يحدث تغيير في الرأي العام الإسرائيلي إزاء معاملة المعتقلين الفلسطينيين. وعلى العكس أصبح أكثر تشدداً بين العام 1993 (عند توقيع اتفاقية أوسلو بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي وضعت تصوراً لانتقال تدريجي للمهام إلى سلطة حكم ذاتي فلسطينية تتوج بتسوية نهائية في غضون خمس سنوات) وفي العام 1999، وهي فترة شهدت مصرع أكثر من 120 مدنياً في هجمات انتحارية نفذها تنظيمان فلسطينيان متشددان هما حماس والجهاد الإسلامي. واعتُبر الفلسطينيون واللبنانيون وسواهم من الرعايا غير الإسرائيليين ضحايا "مقبولين" للتعذيب – واعتبرت وسائل التعذيب "مقبولة"، لأنه من جملة أشياء لم تُستخدم هذه الوسائل الأكثر قسوة ضد اليهود الإسرائيليين.

ورغم ذلك انطلقت حملة قوية ضد التعذيب. وعلى المستوى الوطني، اشتملت على دعاوى والتماسات قضائية أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية رفعها محامو حقوق الإنسان. وعلى الصعيد الدولي، تضمنت الحملة تعبئة الرأي العام الدولي. وفي الوقت ذاته، أخذت ممارسة التعذيب تخضع لتمحيص متزايد من جانب هيئات الأمم المتحدة وآلياتها، بمن فيها لجنة مناهضة التعذيب ولجنة حقوق الإنسان. ونتيجة لذلك، ازداد الضغط على محكمة العدل العليا، التي قبلت عموماً حتى العام 1998 حجج أجهزة الأمن بأن بعض أساليب الاستجواب كانت "ضرورية" في حربها على "الإرهاب".

وفي سبتمبر/أيلول 1999، أصدرت محكمة العدل العليا أخيراً حكماً يُحظِّر التعذيب. لكن الحكم أجاز استخدام التعذيب في حالات ما يُسمى بـ "القنبلة الموقوتة". ولهذا السبب استمرت ممارسة التعذيب في إسرائيل، وبخاصة منذ بداية انتفاضة الأقصى في العام 2000.

جعل التعذيب قانونياً – لجنة لانداو

عقب احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، أصبح بالإمكان اعتقال الفلسطينيين المقيمين فيها بموجب أوامر عسكرية من دون السماح لهم بالاستعانة بمحامين ومقابلة أفراد العائلة لفترة تصل إلى 90 يوماً. وكان ينبغي تمديد فترة اعتقالهم دورياً من جانب القضاة العسكريين، لكن ذلك كان مجرد مسألة شكلية في أغلب الأحيان. وتولى مسؤولية استجوابهم جهاز الأمن العام الذي يخضع مباشرة لسيطرة رئيس الوزراء.

وتعرض المعتقلون السياسيون بشكل مألوف لأساليب استجواب تصل إلى حد التعذيب أو المعاملة السيئة على يد جهاز الأمن العام للحصول على معلومات واعترافات استُخدمت لإدانتهم في محاكم عسكرية. وفي هذا الوقت، نفى المحققون التابعون لجهاز الأمن العام أمام المحكمة أنهم استخدموا التعذيب للحصول على اعترافات.

وتم إضفاء الصبغة الشرعية الفعلية على التعذيب نتيجة تقرير أعدته لجنة تحقيق ترأسها كبير قضاة المحكمة العليا السابق موشيه لانداو (لجنة لانداو) التي شُكِّلت في العام 1987 عقب افتضاح قضية تضمنت عمليات إعدام خارج نطاق القضاء نفذها جهاز الأمن العام. وفي الجزء العلني من تقريرها الذي نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 1987 وصادقت عليه الحكومة في الشهر التالي، ذكرت اللجنة أنه في العقدين السابقين أدى نحو 50 بالمائة من عمليات الاستجواب التي قام بها جهاز الأمن العام إلى إجراء محاكمات، وأن "الأغلبية العظمى من الذين قُدموا للمحاكمة أُدينوا استناداً إلى اعترافهم في المحكمة". كذلك لاحظت اللجنة أن "الرأي السائد بين جميع المعنيين بهذا الموضوع تقريباً هو أنه لا يمكن تفادي اللجوء إلى درجة من الضغط الجسدي في استجواب المتهمين بمزاولة نشاط إرهابي معادٍ". ودأب المحققون التابعون لجهاز الأمن العام على الكذب عندما واجهوا "مأزق" كشف طرق الاستجواب التي يمكن أن تدفع المحكمة إلى رفض الاعترافات، أو أداء يمين كاذبة لضمان إدانة المتهمين الذين يعتقدون على ما يظهر بأنهم مذنبون استناداً إلى أدلة أخرى سرية. وذكر التقرير أن : "الشهادات الكاذبة في المحكمة سرعان ما أصبحت معياراً غير قابل للطعن وباتت القاعدة السائدة طوال 16 عاماً."

وأوصت لجنة لانداو بوجوب السماح لجهاز الأمن العام باستخدام الضغط النفسي و"درجة معتدلة من الضغط الجسدي" في استجواب المعتقلين "الأمنيين". واعتمدت اللجنة على مفهوم "أهون الشرين" في قولها إن "التعذيب الفعلي … ربما يمكن تبريره لاكتشاف قنبلة على وشك الانفجار في مبنى يغص بالناس." ورغم أن التقرير أشار إلى أن "الضغط لا يجوز أن يصل إلى مستوى التعذيب أو إساءة المعاملة البدنية للمتهم أو إلحاق أذى شديد بشرفه يجرده من كرامته الإنسانية"، استخدمت السلطات الإسرائيلية صورة "القنبلة الموقوتة" بشكل متكرر لتبرير أساليب شكَّلت تعذيباً.

ولم يُنشر جزء من تقرير لانداو على الإطلاق – الجزء الذي يتضمن المبادئ التوجيهية حول المعاملة المسموح بها خلال الاستجواب. وفي الأعوام التالية، وثَّقت منظمات حقوق الإنسان نمط تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم خلال الاستجواب الذي تضمن الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، وتغطية الوجه والرأس، والشابه المطولة (الحرمان من النوم مقروناً بالأذى الفعلي، حيث يجبر المتهم على الجلوس أو الوقوف في أوضاع تسبب ألماً)، والضرب على مختلف أنحاء الجسم، والحبس في غرف بحجم خزانة الملابس، واستخدام الموسيقى الصاخبة المتواصلة، والتعريض لدرجات الحرارة أو البرودة القصوى، وفرض قيود على الأوقات التي يُسمح فيها بتناول الطعام أو الذهاب إلى المرحاض. وتضمنت الوسائل الأخرى المستخدمة جلوس القرفصاء لفترات طويلة مثل الضفدع والهز العنيف.

وصاحب استخدام وسائل التعذيب هذه نظام من الفحوص الطبية، يفترض إجراؤها لمحاولة التأكد من أن المعتقلين لن يفارقوا الحياة أو يصابوا بمشاكل صحية خطيرة في الحجز. وفي مايو/أيار 1993 نشرت صحيفة دافار "استمارة لياقة طبية"ستُستخدم في مراكز الاستجواب. وتطلب الاستمارة من الأطباء التحقق مما إذا كان المعتقل يستطيع تحمل أساليب استجواب تتضمن الحبس الانفرادي والتقييد وتغطية الوجه والرأس والوقوف المطول. وبعد صدور احتجاجات، اشتملت على الجماعات المحلية لحقوق الإنسان، أعطت نقابة الأطباء الإسرائيلية تعليمات إلى الأطباء بعدم استخدام الاستمارة. وأشارت السلطات الإسرائيلية إلى أن الاستمارة كانت خطأ. لكن أفراد الجسم الطبي واصلوا فحص المعتقلين عند وصولهم وجرى تعديل التعذيب وفقاً لحالتهم الصحية.

وأوصى تقرير لجنة لانداو بتشكيل لجنة وزارية تتولى بصورة دورية مراجعة المبادئ التوجيهية السرية حول استخدام "الضغط المعتدل". وشُكِّلت اللجنة وترأسها رئيس الوزراء. وكان أعضاؤها عادة هم كل من وزير الدفاع ووزير العدل ووزير الأمن الداخلي.

الجدل الذي دار حول ‘الهز’

في أكتوبر/تشرين الأول 1994، عقب وقوع هجوم انتحاري في شارع دزينغوف بتل أبيب أودى بحياة 23 إسرائيلياً، أعطت اللجنة الوزارية "ترخيصاً استثنائياً" إلى أعضاء جهاز الأمن العام باستخدام الضغط البدني المتزايد لفترة ثلاثة أشهر. وبعد الهجوم الانتحاري الذي وقع في بيت ليد في يناير/كانون الثاني 1995، جُدد هذا الترخيص كل ثلاثة أشهر إلى حين صدور حكم محكمة العدل العليا في العام 1999.

وفي إبريل/نيسان 1995، ألقت وفاة في الحجز الضوء على مخاطر أحد الأساليب – الهز العنيف – الذي بدا أنه حظي بالموافقة في المبادئ التوجيهية السرية التي سمحت باستخدام "الضغط البدني المتزايد". فقد أُلقي القبض على عبد الصمد حريزات، وهو خبير كمبيوتر من الخليل يبلغ من العمر 30 عاماً، قرابة منتصف ليل 21 إبريل/نيسان 1995 وسرعان ما دخل في غيبوبة بعد الساعة الرابعة من بعد ظهر 22 إبريل/نيسان. وتوفي بعد ثلاثة أيام من دون أن يسترد وعيه. وبعثت المنظمة الأمريكية أطباء من أجل حقوق الإنسان بخبير هو البروفيسور دريك باوندر لمراقبة عملية التشريح التي أجراها اثنان من الأطباء الشرعيين الإسرائيليين. وأظهر التشريح أن عبد الصمد حريزات توفي جراء "الهز العنيف" الذي تسبب بنـزيف تحت الأم الجافية داخل الجمجمة. ونتيجة الضغط الذي مارسه محامي العائلة فيما بعد، حصل على معلومات حول استجوابه : فقد تم هزه 12 مرة بين الساعة 4:45 صباحاً والساعة 4:10 بعد الظهر بإمساكه من ملابسه ومرتين بإمساكه من كتفيه.

ورغم أن المحققين الذين تسببوا بوفاته أو إلحاق الأذى البالغ به قد أفلتوا من العقاب كالعادة، إلا أن وفاة عبد الصمد حريزات أثارت نقاشاً عاماً حول التعذيب واستخدام الهز. وبحسب ما ورد كان وزير العدل ديفيد ليبائي والنائب العام مايكل بن ياير ضد استمرار استخدام الهز.

ورفعت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل دعوى في محكمة العدل العليا تطلب فيها إصدار أمر يمنع ممارسة الهز. كذلك سعت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل وجمعية الأطباء الإسرائيليين – الفلسطينيين من أجل حقوق الإنسان (التي تعرف الآن باسم أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل) إلى استصدار أمر زجري ضد استخدام الهز من محكمة العدل العليا، وطالبت بتوجيه تهمة القتل غير العمد إلى الموظفين الرسميين الذين اعتبرتهم مسؤولين عن وفاة عبد الصمد حزيرات.

وفي هذه الأثناء اطلع الرأي العام على تقارير رسمية تشير إلى أن الهز العنيف كان وسيلة فعالة في الحصول على معلومات. وأبلغ جهاز الأمن العام اللجنة الوزارية في أغسطس/آب 1995 أنه تم إحباط 48 هجوماً في الأشهر الستة السابقة نتيجة أساليب الاستجواب الخاصة. وفي الاجتماع الذي عقدته اللجنة في فترة لاحقة من ذلك الشهر، تم تجديد "الترخيص الاستثنائي" باستخدام "الضغط البدني المتزايد" وسُمح فعلياً باستخدام الهز – لم يعد الهز يُستخدم "بصورة منتظمة"، لكن يمكن استخدمه بإذن من رئيس جهاز الأمن العام أو نائبه في كل حالة على حدة.

الضغط الوطني والدولي

بدءاً من مطلع التسعينيات، رفعت المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والمحامون الإسرائيليون عدداً من الدعاوى أمام المحكمة العليا الإسرائيلية التي عملت بصفة محكمة العدل العليا، خاضوا من خلالها معارك رئيسية حول معنى التعذيب وشرعيته. (بموجب القانون الإسرائيلي، لا يحق للمحامين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة – باستثناء القدس الشرقية التي ضُمت إلى إسرائيل – تقديم استئناف إلى هذه المحكمة). فعلى سبيل المثال، بدأ محام إسرائيلي في العام 1994 سعيه لاستصدار أوامر زجرية من محكمة العدل العليا، تقتضي من جهاز الأمن العام السماح لموكليه الذين يخضعون للاستجواب بأخذ قسط من النوم قدره ست ساعات. لكن هذا لم يغير ممارسة الحرمان من النوم كوسيلة ضغط : وردَّ جهاز الأمن العام إما بأنه استكمل استجوابه أو – إذا تم منح الأمر الزجري – بأنه سيتم منح المعتقلين ست ساعات نوم وعندها سيُستأنف الاستجواب.

وفي الوقت ذاته، قدمت المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والمحامون الأفراد الإسرائيليون التماسات إلى محكمة العدل العليا لإصدار أوامر زجرية تمنع جهاز الأمن العام من استخدام "الضغط" ضد المعتقلين الأفراد. لكن هذه الأوامر الزجرية حققت نجاحاً محدوداً. ففي الحالات التي أصدرت فيها المحكمة الأمر الزجري المطلوب، وعاد فيها جهاز الأمن العام إلى المحكمة للطعن فيه، أصدرت المحكمة العليا بثبات أحكاماً لمصلحة جهاز الأمن العام.

فمثلاً في 24 ديسمبر/كانون الأول 1995، أصدرت محكمة العدل العليا أمراً زجرياً يمنع المحققين من استخدام القوة الجسدية ضد عبد الحليم بلبيسي. وتجاهل جهاز الأمن العام أمر المحكمة واستمر في تعذيبه وإساءة معاملته جسدياً، بما في ذلك تقييد ساقيه بكرسي وتكبيل يديه خلف ظهره وعصب عينيه وحرمانه من النوم طوال ثلاثة أيام. عندئذ اعترف عبد الحليم بلبيسي بزرع قنابل. وبوصفها قضية قد تصبح سابقة قانونية، عاد محاميه إلى المحكمة العليا للاحتجاج فقط على الهز العنيف والمطالبة بوجوب منعه. وفي 11 يناير/كانون الثاني 1996، لم تكتفِ المحكمة العليا برفض هذا الطلب وحسب، بل ألغت أيضاً أمرها الزجري الذي يمنع استخدام القوة الجسدية.

ورداً على أمر زجري جرت محاولة لاستصداره في قضية خضر مبارك، التي أُحيلت إلى محكمة العدل العليا في نوفمبر/تشرين الثاني 1996، قبلت المحكمة بحجة جهاز الأمن العام بأنه يجري تغطية الرأس والوجه لمنع المعتقل من التعرف على المعتقلين الآخرين وبأن استخدام الموسيقى الصاخبة يهدف إلى منع المعتقلين من التخاطب بعضهم مع بعض. كذلك قبلت "توضيحات جهاز الأمن … بأن القضية ليست حرمانً متعمداً من النوم، بل قضية فترات من الوقت احتُجز خلالها مقدم الاستئناف بانتظار استجوابه من دون منحه استراحة مخصصة للنوم". وأشارت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسلم، التي تفحصت الوثائق التي قدمها جهاز الأمن العام في المحكمة بشأن فترات حرمان خضر مبارك من النوم إلى أن :

"فترات ‘الراحة’ التي تجاوزت يوماً واحداً تضمنت بثبات يومي الجمعة والسبت، أي عطلة نهاية الأسبوع الإسرائيلية. ويبدو من غير المحتمل بالمرة نشوء ‘حاجة ملحة’ لحرمان مبارك من النوم أربع مرات خلال ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع خلال منتصف الأسبوع فقط، بينما مع اقتراب نهاية الأسبوع، تختفي ‘الحاجة الملحة’ بصورة غامضة لتعاود الظهور في الأسبوع المقبل."

وزادت الانتقادات التي وجهتها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أساليب الاستجواب الإسرائيلية والإجراءات التي اتخذتها لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة والمقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، زادت الضغط الدولي على الحكومة الإسرائيلية. وفي العام 1991، أصبحت إسرائيل طرفاً في ثلاث معاهدات دولية لحقوق الإنسان تحظر التعذيب هي – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل. ولم يتم دمج أي من هذه الاتفاقيات بموجب تشريعات في القانون الإسرائيلي، رغم أن إسرائيل قبلت الشرط المطلوب في هذه الاتفاقيات لتقديم تقارير إلى هيئات المراقبة المعنية (انظر الفقرة 1-5).

وقد سبق للمنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والفلسطينية والدولية أن استخدمت آليات حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة بتقديم العديد من الحالات الفردية للتعذيب إلى المقرر الخاص المعني بالتعذيب الذي أشار إليها في تقاريره السنوية التي رفعها إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

وكانت الأجوبة الرئيسية التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية للانتقادات التي وُجهت إلى استخدامها للتعذيب (مثلاً عبر آلاف الرسائل التي بعث بها إليها أعضاء منظمة العفو الدولية) أن المعتقلين "إرهابيين" وأن الضغط الجسدي أنقذ أرواح أناس من الهجمات "الإرهابية" وأن طرق الاستجواب التي يستخدمها جهاز الأمن العام لا تشكل تعذيباً أو إساءة معاملة.

وفي يونيو/حزيران 1994، عقب مراجعة التقرير الأولي الذي قدمته إسرائيل بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، أوصت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بأن "يتم نشر إجراءات الاستجواب بالكامل بحيث تتسم بالشفافية وتبدو متماشية مع معايير الاتفاقية" و"يتم وضع حد فوري للممارسات الحالية للاستجواب التي تنتهك الالتزامات المترتبة على إسرائيل بموجب الاتفاقية". لكن اللجنة لم تصل إلى حد وصف هذه الممارسات صراحة بالتعذيب.

لكن في العام 1997، اتخذت اللجنة هذه الخطوة. إذ إنه عقب قرارات محكمة العدل العليا التي سمحت باستخدام التعذيب في حالات بلبيسي وحمدان ومبارك في العام 1996، طلبت اللجنة استجابة لمناشدة قدمتها منظمة العفو الدولية وبتسلم من إسرائيل أن تقدم "بصورة عاجلة" تقريراً خاصاً – وهي المرة الأولى التي يُطلب فيها ذلك من أية دولة. وفي الاجتماع الذي عقدته في مايو/أيار 1997، فحصت اللجنة التقرير الخاص الذي قُدِّم، وفي بيان مهم، وجدت أن أساليب الاستجواب التي تستخدمها إسرائيل – "التقييد في أوضاع تسبب ألماً شديداً" و"تغطية الرأس والوجه في أوضاع خاصة بدأ" و"إطلاق العنان لصوت الموسيقى الصاخبة فترات طويلة" و"الحرمان من النوم لفترات مطولة". و"التهديدات بما فيها التهديدات بالقتل" و"الهز العنيف" و"استخدام الهواء البارد للإصابة بالقشعريرة" تشكل تعذيباً ويجب الكف عن ممارستها فوراً. كما شددت اللجنة على الطبيعة المطلقة لتحريم التعذيب وعدم القبول بأي استثناء لهذا التحريم.

وفي مايو/أيار 1998 بعد فحص التقرير الدوري الثاني لإسرائيل بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، كررت لجنة مناهضة التعذيب الخلاصات والتوصيات التي قدمتها في العام السابق وأعربت عن قلقها إزاء "تقاعس إسرائيل الواضح عن تنفيذ أي من التوصيات التي أصدرتها اللجنة."

وساعدت الاحتجاجات الوطنية والدولية على إحباط التهديد الذي شكله مشروعا قانون طُرحا على البرلمان في العامين 1995 و1996. وكان يمكن أن يجعلا التعذيب الذي يمارسه جهاز الأمن العام قانونياً عن طريق السماح باستخدام "الضغط" خلال عمليات الاستجواب ومنح المحققين التابعين لجهاز الأمن العام الذين يستخدمون القوة الحصانة من العقاب. وسقط التعديل المقترح على قانون العقوبات – حظر التعذيب 1995 بأكمله. وكان يفترض أن يجعل القانون الإسرائيلي متماشياً مع اتفاقية مناهضة التعذيب، لكنه كان سيستبعد "الألم أو العذاب الملازم لإجراءات الاستجواب أو العقوبة التي تفرض وفقاً للقانون". وأرجئ القانون المقترح لجهاز الأمن العام ("قانون جهاز الأمن العام") الذي جرت مناقشته في يناير/كانون الثاني 1996. وكان سيقبل باستخدام "الضغط" ضد الذين يتم استجوابهم في بعض الظروف المحددة "لمنع تعرض أمن الدولة لخطر حقيقي" وعندما "لا تتوفر أية وسيلة أخرى معقولة لدرء الخطر المذكور". وفي العام 2001، أعيد طرحه لكن من دون الإشارة إلى استخدام "الضغط".

ونتيجة للحملات الدولية والأوامر الزجرية التي جرت محاولات دؤوبة لاستصدارها من جانب المنظمات غير الحكومية والمحامين الأفراد (قدمت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل وحدها 67 التماساً كهذا بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 1999)، فضلاً عن المبادرات المحلية الأخرى، بدأت محكمة العدل العليا في نهاية المطاف بالتعاطي الجاد مع قضية التعذيب ولم تكتف، كما فعلت في السابق، بمجرد قبول التبريرات "الأمنية" التي ساقها جهاز الأمن العام.

الحكم الصادر في سبتمبر/أيلول 1999

في يناير/كانون الثاني 1998، حددت محكمة العدل العليا جلسة نادرة الحدوث تضم تسعة قضاة لمراجعة شرعية أساليب الاستجواب التي يستخدمها جهاز الأمن العام بموجب القانون الإسرائيلي.  وفي الوقت ذاته فإن قضية عبد الرحمن غنيمات، الذي قُبض عليه في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1997 والتقى بمحاميه للمرة الأولى بعد ستة أسابيع في 23 ديسمبر/كانون الأول، أُحيطت بالدعاية. وكانت محكمة العدل العليا قد رفضت ثلاث مرات منح أمر زجري لوقف استخدام الشابه ضد عبد الرحمن غنيمات. وفي إفادة مشفوعة بالقسم صرَّح أنه أُجبر خلال فترات عدة بلغت كل منها خمسة أيام أثناء الأسابيع الستة تلك على الجلوس على كرسي صغير ومنخفض ومائل قيَّدت به يداه وساقاه مع وضع كيس سميك على رأسه. وكان يصغي إلى موسيقى صاخبة ويحرم من النوم. ورأت محاميته أن معصمي موكلها كانا أحمرين ومتورمين لأنهما كانا مكبلين بإحكام إلى الكرسي. واشتكى غنيمات من الدوار والألم في جميع أنحاء جسده، بما في ذلك مفاصله وظهره.

وخلال الجلسة التي عقدت في يناير/كانون الثاني 1998 أمام تسعة قضاة، اعترف جهاز الأمن العام بأن أساليب مثل تغطية الرأس والوجه والشابه والموسيقى الصاخبة لم تستخدم فقط بين عمليات الاستجواب، لكنها كانت جزءاً من الاستجواب. ثم ضُمت إلى القضية التماسات مقدمة منذ أمد طويل تطعن في التعذيب، ومن ضمنها التماسات فردية والتماسان عامان قدمتهما منظمات إسرائيلية لحقوق الإنسان، واستمرت القضية حتى صدور الحكم النهائي في سبتمبر/أيلول 1999.

وفي 6 سبتمبر/أيلول 1999 صرحت محكمة العدل العليا في حكم أصدرته بالإجماع أن وزير العدل يملك صلاحية السماح لأشخاص بالاستجواب، لكن أساليب الاستجواب يجب أن تكون "معقولة". ولاحظت المحكمة أن "التحقيق المعقول هو بالضرورة تحقيق خال من التعذيب ومن المعاملة القاسية واللاإنسانية للشخص الذي يخضع للتحقيق وخال من أي تعامل مهين أياً كان … وتشمل الكرامة الإنسانية كرامة المتهم الذي يتم استجوابه". وفي هذا الصدد، استشهد الحكم بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها إسرائيل والتي تُحظِّر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ثم نظرت المحكمة في كل واحد من أساليب الاستجواب المختلفة التي استخدمها جهاز الأمن العام، بما فيها الهز؛ وإجبار المرء على الجلوس أو الوقوف في وضع الشابه؛ وإجباره على جلوس القرفصاء على رؤوس أصابع قدميه ("جثوم الضفدع")؛ والشد المفرط للأصفاد؛ والحرمان من النوم؛ وتغطية الرأس بغطاء؛ وإسماع المتهم موسيقى صاخبة جداً. وقضت المحكمة بأن كل طريقة منها ليست "معقولة" ويجب منعها.

لكن تُرك بعض المجال للمحققين. وقال القضاة إن الحرمان المطول من النوم الذي ليس ضرورياً لأغراض التحقيق ليس معقولاً، لكنهم قبلوا بإمكانية الحاجة إلى استجواب المعتقلين فترات طويلة. وأشاروا إلى أنه إذا دعت الحاجة إلى استخدام أساليب استجواب محظورة لإنقاذ الأرواح، يجوز لمحققي جهاز الأمن العام "أن يستفيدوا من دفاع (الضرورة)" وأخيراً سمحوا بثغرة لإعادة العمل القانونية بالتعذيب بالإيحاء بأن البرلمان ربما يضع تشريعاً يجيز استخدام "الوسائل البدنية" للتحقيق :

"إذا تقرر مع ذلك أنه من المناسب لإسرائيل، في ضوء الصعوبات الأمنية التي تواجهها، السماح باستخدام وسائل بدنية في الاستجواب … فهذه قضية يجب أن تقررها السلطة التشريعية التي تمثل الشعب."

بعد الحكم

تقيد جهاز الأمن العام بالحكم الصادر عن محكمة العدل العليا، وأشارت الأغلبية العظمى من الأنباء التي وردت من المعتقلين الفلسطينيين في الأشهر التي تلت صدور الحكم مباشرة إلى أنهم لم يتعرضوا للتعذيب خلال الاستجواب. فلم تستخدم الكراسي المنخفضة ولم ترد أنباء حول الهز العنيف. لكن الأنباء أشارت إلى إجراء استجواب قاسٍ تضمن عادة تناوب بين المحققين الذين كانوا يواصلون التحقيق لمدة 20 ساعة في اليوم.

وصدرت احتجاجات قوية ضد الحكم عن جهاز الأم العام والسياسيين اليمينيين. وقدمت مشاريع قرارات في البرلمان اقترحت السماح لجهاز الأمن العام باستخدام الضغط البدني خلال الاستجواب. وأعقب ذلك عمليات كسب تأييد قامت بها المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية والدولية، وصُرف النظر في فبراير/شباط 2000 عن مسودة التشريع الذي كان سيجيز التعذيب. وحُذفت مسودة فقرة تجيز استخدام أساليب استجواب خاصة من القانون الذي ينظم أنشطة جهاز الأمن العام والذي اعتمده الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في فبراير/شباط 2002. لكن لم يتم تقديم أي مشروع قرار للوفاء بالالتزامات المترتبة على إسرائيل لوضع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب موضع التنفيذ.

وبعد بدء انتفاضة الأقصى التي اشتعلت شرارتها في سبتمبر/أيلول 2000، بدأت أنباء استخدام الوسائل السابقة للتعذيب تتزايد. فعلى سبيل المثال، قبض جهاز الأمن العام على جهاد لطيف شومان، وهو مواطن بريطاني من أصل لبناني، في 5 يناير/كانون الثاني 2001 للاشتباه كما يبدو بأن حزب الله أرسله من لبنان إلى إسرائيل للقيام بهجوم فيها. وخلال استجوابه، أُجبر جهاد شومان على الجلوس على كرسي منخفض وساقيه مسحوبتين خلفه طوال ساعات متواصلة. كما أُجبر على الانحناء فترات طويلة، وصُفع على وجهه حتى سال الدم من أنفه وحُرم من النوم. وعانى من مشاكل في التنفس عقب هذه المعاملة. وبحسب ما قاله محاميه. توقف التعذيب فيما بعد، وتحسنت الحالة الصحية لجهاد شومان. وكما ورد قال الطبيب المستقل الذي فحصه إن حالته تتماشى مع مزاعمه بإساءة معاملته الجسدية.

وفي نوفمبر/تشرين الأول 2001، بعد مراجعة التقرير الدوري الثالث الذي قدمته إسرائيل بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، أعربت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن أسفها لأن الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا في العام 1999 "لم يتضمن حظراً قاطعاً للتعذيب"؛ وأنه منع الحرمان من النوم الذي يهدف إلى تحطيم مقاومة المعتقل، لكنه لم يمنعه إذا حدث عرضاً أثناء التحقيق، بينما على صعيد الممارسة "وفي حالات الاستجواب المطول، يستحيل التمييز بين الوضعين"، وأن المحققين الذين يستخدمون الضغط الجسدي في ظروف استثنائية قد يفلتون من التبعة الجنائية بالتذرع "بدفاع الضرورة". كذلك أعربت اللجنة عن قلقها إزاء استمرار مزاعم استخدام أساليب الاستجواب التي منعها الحكم الصادر في العام 1999 لدى التحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين.

الخلاصة

يبين تاريخ النضال ضد التعذيب القانوني في إسرائيل والأراضي المحتلة فعالية الحملات التي قامت بها المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية والمحامون الإسرائيليون والفلسطينيون، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية الدولية، جنباً إلى جنب مع التدقيق والتمحيص اللذين قامت بهما هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لكن في مجتمع يظل يقبل بصفة عامة التعذيب كسلاح مشروع ضد الذين يعتبرهم "إرهابيين"، فإن العودة التدريجية إلى ممارسة التعذيب عقب بدء انتفاضة الأقصى قد فضحت هشاشة الانتصارات التي حققتها حقوق الإنسان في أوقات المواجهة.

وعند كتابة هذا الكتيب، جرى إحياء العديد من الأساليب التي استُخدمت في الماضي، وأصبحت ممارسة التعذيب ضد  الفلسطينيين المحتجزين لدى جهاز الأمن العام واسعة الانتشار مرة أخرى. وذكرت الرسائل المرسلة من النائب العام إلى اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل في فبراير/شباط 2002 أنه في حالتين أثارت فيهما اللجنة بواعث قلق حول التعذيب، ساورنا "شك شديد" بأن المعتقلين كانوا "قنابل موقوتة" وبالتالي انطبق عليهم "دفاع الضرورة".

وإزاء هذا التحدي، يواصل المحامون الإسرائيليون والمنظمات غير الحكومية تقديم التماسات ضد الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي (الذي زيد في إبريل/نيسان 2002 إلى 18 يوماً من دون مقابلة محامٍ أو المثول أمام قاضٍ، مع إمكانية تمديده مرة أخرى إلى 90 يوماً بأمر من القاضي) والتعذيب. وإضافة إلى ذلك، تواصل ائتلافات المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية والدولية لحقوق الإنسان تشجيع الهيئات الحكومية الدولية على فحص أساليب الاستجواب في إسرائيل والمطالبة بوقف ممارسة التعذيب.

ويُظهر استمرار استخدام التعذيب في إسرائيل والأراضي المحتلة أهمية عدم ترك أية ثغرات في القانون يمكن من خلالها استئناف التعذيب.

بيـرو: اعتبار التعذيب جريمة محددة

كان التعذيب ولا يزال مشكلة قائمة منذ زمن طويل في بيـرو. وفي العام 2001 صرحت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة أن التعذيب في بيـرو يمارس "بصورة منهجية" (انظر أدناه). وقد تراجعت ممارسة التعذيب ضد المعتقلين بموجب قانون "محاربة الإرهاب" في السنوات الأخيرة، لكن ممارسة التعذيب ضد المتهمين بارتكاب جرائم عادية ظلت واسعة النطاق. وفي هذه الأثناء، ازدادت مراقبة التعذيب الممارس في بيـرو، سواء من جانب منظمات حقوق الإنسان في البلاد أو هيئات المراقبة التابعة للأمم المتحدة – لجنة مناهضة التعذيب ولجنة حقوق الإنسان. وتتضمن هذه الفقرة وصفاً لأحد الإصلاحات الأخيرة التي أجرتها الحكومة – إدراج جريمة محددة للتعذيب في القانون البيـروفي – وتأثيره الأولي على معاقبة ممارسي التعذيب.

حملة مناهضة التعذيب

تفشت حوادث "الاختفاء" وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب في بيـرو على نطاق واسع منذ مطلع الثمانينيات، وفي العام 1992، دخل قانون "محاربة الإرهاب" حيز النفاذ وأدى إلى استحداث إطار لاعتقال سجناء الرأي وجعل فعلياً جميع المحاكمات المتعلقة "بالإرهاب" جائرة. كما سمح بالاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي مدة تصل إلى 10 أيام، وهي ممارسة سهلت وقوع التعذيب. وفي الواقع اشتملت جميع الحالات التي وثَّقتها منظمة العفو الدولية لسجناء اعتُقلوا بجرائم لها صلة بالإرهاب على شكاوى من ممارسة التعذيب وسوء المعاملة.

ومع انحسار حدة الاشتباكات العنيفة التي دارت بين القوات الحكومية وجماعات المعارضة المسلحة في مطلع التسعينيات، شهدت حوادث "الاختفاء" وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء تراجعاً ملموساً. وحتى ذلك الحين، انصب التركيز الرئيسي للضحايا وأقربائهم، فضلاً عن منظمات حقوق الإنسان، على معرفة مكان وجود "المختفين" ووقف عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وضمان الإفراج عن الأشخاص الذين سجنوا زوراً بتهمة ارتكاب جرائم ذات صلة "بالإرهاب"؛ ونادراً ما جرت متابعة شكاوى التعذيب وسوء المعاملة. لكن انخفاض عدد حوادث "الاختفاء" وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء فتح المجال للمدافعين عن حقوق الإنسان لإيلاء اهتمام متزايد بمشكلة التعذيب وسوء المعاملة.

وبيـرو طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ العام 1978، وفي العام 1988 صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب. وبذلك تعهدت بموجب القانون الدولي بالوفاء بالالتزامات المتعلقة بحظر التعذيب وسوء المعاملة المحددة في هاتين المعاهدتين. كما ألزمت المعاهدتين البلاد بتقديم تقارير دورية إلى هيئتي المراقبة المعنيتين وهما لجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1994، راجعت لجنة مناهضة التعذيب التقرير الأولي لبيـرو المقدم بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. واغتنمت المنظمات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان، ومن ضمنها منظمة العفو الدولية، هذه  الفرصة لضمان تحميل بيـرو مسؤولية الاستخدام واسع النطاق للتعذيب وسوء المعاملة في البلاد بتقديم المعلومات المتوافرة لديها إلى اللجنة.

وبعد مراجعة تقرير بيـرو، خلصت اللجنة إلى أن الإجراءات القانونية والإدارية التي اعتمدتها بيـرو للتقيد بالمادة 2(1) من اتفاقية مناهضة التعذيب لم تكن فعالة في منع وقوع التعذيب. كما ذكرت بأن السلطات تقاعست عن التقيد بالمادتين 12 و13 من الاتفاقية اللتين تقتضيان إجراء تحقيقات سريعة وحيادية في شكاوى التعذيب وأنبائه. وأوصت اللجنة بمجموعة من الإجراءات التي ينبغي على الحكومة البيـروفية اتخاذها والتي شملت إعادة النظر في قانون "محاربة الإرهاب" في بيـرو بهدف إلغاء الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي. كما أوصت اللجنة بـ "تعريف التعذيب كجرم مستقل يُعاقب عليه بالعقوبة التي تتناسب مع خطورته". ولم يتضمن القانون البيـروفي في حينه جريمة محددة للتعذيب الذي يمارسه موظفو الدولة، ولا يمكن توجيه تهم إلى ممارسي التعذيب، إذا جرت مقاضاتهم، بموجب قانون العقوبات إلا "بإساءة استخدام السلطة" أو التسبب "بأذى"، مع عقوبة قصوى بالسجن لمدة ستة أشهر.

وبعد عامين، لم تكن بيـرو قد  استحدثت بعد جريمة محددة للتعذيب، ولم تُنفذ التوصيات الأخرى التي قدمتها اللجنة. وفي الواقع، عادت بيـرو خطوة إلى الوراء من خلال جعل الحصانة من العقاب مشروعة فعلياً. ففي العام 1995، اعتمد الكونغرس قانوناً، يمنح عفواً عاماً عن جميع أفراد قوات الأمن والموظفين المدنيين الذين كانوا موضوعاً لشكوى أو تحقيق أو اتهام أو محاكمة أو إدانة أو الذين يقضون عقوبات بالسجن بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبوها بين مايو/أيار 1980 و14 يونيو/حزيران 1995. وهذا يعني فعلياً أن آلاف حالات "الاختفاء" وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب وسوء المعاملة التي ارتكبتها قوات الأمن خلال الخمس عشرة سنة الماضية تلك لن يتم توضيحها، ولن يُقدم مرتكبوها إلى العدالة، وأن أياً من الضحايا أو أقربائهم لن يحصلوا على تعويضات. ورسخ قانون عفو آخر صدر في نهاية يونيو/حزيران 1995 ظاهرة الإفلات من العقاب بمنع المحاكم من البت في شرعية القانون الأول أو انطباقه.

وأثارت قوانين العفو قلقاً دولياً واسع النطاق، وأصبحت بيـرو هدفاً لحملات دولية متجددة على صعيد حقوق الإنسان. وفي يوليو/تموز 1996، استعرضت لجنة حقوق الإنسان التقرير الدوري الثالث للبيـرو المقدم بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأعربت اللجنة عن قلقها العميق إزاء قانوني العفو و"استمرار ورود تقارير حول ممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ضد الأشخاص المعتقلين للاشتباه بتورطهم في أنشطة إرهابية أو أنشطة إجرامية أخرى". ودعت اللجنة إلى إلغاء قانوني العفو بالقدر الذي انتهكا فيه حق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الحصول على وسيلة تظلم فعالة. كما أوصت "بوجوب إدخال نصوص في قانون العقوبات لتجريم الأفعال التي تُرتكب لغرض التسبب بالألم، من دون أن يؤثر ذلك على ما إذا كانت هذه الأفعال تؤدي إلى إصابة دائمة". بيد أن السلطات البيروفية لم تتخذ أي إجراء بشأن معظم توصيات لجنة حقوق الإنسان.

وبحلول العام 1997 شهدت أوضاع حقوق الإنسان في بيـرو تدهوراً هائلاً. وقد جُرِّد صاحب محطة تلفزيونية من جنسيته البيـروفية وأُجبر على الفرار من البلاد لأن محطته أوردت أنباءً حول انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من ضمنها التعذيب. وأُقيل ثلاثة قضاة في المحكمة الدستورية من مناصبهم لأنهم أعلنوا أن ترشيح رئيس بيـرو في حينه ألبرتو فوجيموري لرئاسة الجمهورية لولاية ثالثة غير دستوري، مما حدا بلجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان إلى الإعراب عن قلقها.

وبحلول نهاية العام 1997، كانت السلطات البيروفية تدرك أن لجنة مناهضة التعذيب ستنظر في مايو/أيار 1998 في التقرير الدوري الثاني للبلاد بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. وكانت منظمات حقوق الإنسان المحلية تستعد للقيام بحملة وطنية ضد التعذيب في العام 1999.

قانون العام 1998

وإزاء هذه الخلفية، اعتمد الكونغرس في فبراير/شباط 1998 بالإجماع قانوناً أُدرجت بموجبه جرائم الإبادة الجماعية والاختفاء القسري والتعذيب في قانون العقوبات البيروفي. وأدخل القانون رقم 26926 تعديلاً على قانون العقوبات بإدراج التعذيب وتجريمه كجرم محدد. وينص القانون على عقوبة بالسجن تتراوح مدتها بين 5 و 10 سنوات لأي "موظف مدني أو رسمي" فضلاً عن "أي شخص يتصرف بموافقة أو رضا موظف رسمي" يتبين أنه مذنب بممارسة التعذيب كما يحدده القانون. وتزداد العقوبة إلى ما بين 8 سنوات و20 سنة في السجن إذا أدى التعذيب إلى الوفاة.

وفي حينه، أعدت حفنة من أعضاء الكونغرس مشاريع قوانين مختلفة جرَّمت التعذيب. واستشار الكونغرس عدة محامين لحقوق الإنسان بشأن مشروع القانون الأنسب. وقرر المحامون وضع مسودة نص جديد تضمن الجوانب الإيجابية في جميع مشاريع القوانين التي سبق عرضها على لجنة العدل في الكونغرس، وأضافوا أيضاً خصائص مهمة أخرى كانت قد فاتت الكونغرس، مثل توسيع نطاق الجناة ليشملوا أشخاصاً ليسوا موظفين رسميين لكنهم يتصرفون نزولاً عند رغبتهم. وقبلت لجنة العدل مشروع القانون المعدل وأجازه الكونغرس بالإجماع في 18 فبراير/شباط 1998 – وهو حدث حظي بترحيب لجنة مناهضة التعذيب عندما استعرضت التقرير الدوري الثاني لبيرو في مايو/أيار 1998.

وتضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الجديد عناصر من اتفاقية الدول الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه، التي تشكل بيـرو طرفاً فيها، فضلاً عن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. كما يحدد القانون بأن المحاكم المدنية وليست العسكرية هي التي يجب أن تتولى التحقيق في حالات التعذيب وتحاكم مرتكبيها. ورحب المدافعون عن حقوق الإنسان بهذا الأمر، لأنه كان يُنظر إلى استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة أفراد قوات الأمن عن انتهاكات حقوق الإنسان كإحدى العقبات الرئيسية التي تقف في طريق محاربة ظاهرة الإفلات من العقاب. وإضافة إلى ذلك، ينص القانون على أنه يترتب على الأطباء الشرعيين واجب الاهتمام الفوري بالأشخاص الذين يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة، ويتمتع الضحايا بحق مقابلة طبيب مستقل يختارونه بأنفسهم.

وسلطت قضية "رفعت بموجب القانون الجديد الضوء على تأثير القانون. ففي يناير/كانون الثاني 1999، فُتح تحقيق في وفاة بابلو باسكوال إسبينوزا لومي. وعندما كان سجيناً في سجن ياناميلا في بلدة أياكوتشو في محافظة أياكوتشو، أمسك به موظفان في السجن واتهماه بمعاقرة الخمر. ونُقل إلى زنزانة حيث ورد أنه تلقى لكمة في بطنه. وتوفي فيما بعد. وكشف تقرير التشريح بأن سبب الوفاة يعود إلى تمزق الطحال.

وفي أغسطس/آب 1999، حكمت المحكمة العليا في أياكوتشو على أحد موظفي السجن بالسجن مدة 12 عاماً وبرأت ساحة الآخر. وعند الاستئناف، زادت المحكمة العليا، التي استخدمت القانون الجديد، العقوبة إلى السجن لمدة 15 عاماً وأمرت بإجراء محاكمة جديدة للتحقيق في تورط موظف السجن الآخر. وفي أغسطس/آب 2000 حكمت محكمة الجنايات في أياكوتشو على الموظف الثاني بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة ارتكاب جريمة التعذيب.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1999، رحبت مجدداً لجنة مناهضة التعذيب، عند النظر في التقرير الدوري الثالث الذي قدمته بيـرو، بقانون العام 1998، لكنها أعربت عن قلقها إزاء استمرار ورود مزاعم عديدة حول ممارسة التعذيب، واستمرار ممارسات مثل الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي واستخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، و"الغياب الفعلي للتحقيق والمقاضاة الفعالين لأولئك الذين يُتهمون بارتكاب أفعال التعذيب". وأوصت بأن تستثني قوانين العفو التعذيب من نصوصها".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، رحبت أيضاً لجنة حقوق الإنسان، التي كانت تستعرض التقرير الدوري الرابع الذي قدمته بيـرو بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، رحبت بقانون العام 1998، لكنها أسفت لحقيقة أنه لم يتم العمل بموجب توصية اللجنة الصادرة في العام 1996 والمتعلقة بقوانين العفو، ودعت مجدداً إلى إلغاء هذه القوانين.

وفي يونيو/حزيران 2001، أصدرت لجنة مناهضة التعذيب تقريراً موجزاً لتحقيق يتعلق بالبيـرو بموجب المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب (انظر الفقرة 1-5 ). وخلصت اللجنة إلى أن "التعذيب ليس حدثاً عرضياً، لكنه استُخدم بصورة منهجية كوسيلة تحقيق." وقانون "محاربة الإرهاب" ما زال ساري المفعول، ويجعل المعتقلين "معرضين جداً للتعذيب". وقدمت اللجنة سلسلة من التوصيات للقضاء على التعذيب، بينها تدابير تشريعية للتعويض على الضحايا بأشكال مختلفة.

الخلاصة

شكل القانون الجديد خطوة إيجابية باتجاه اجتثاث التعذيب في بيـرو. لكن لسوء الحظ ظلت ممارسة التعذيب وسوء المعاملة واسعة الانتشار عند كتابة هذا الكتيب.

ومنذ اعتماد القانون رقم 26926 في فبراير/شباط 1998، وثَّقت منظمة العفو الدولية عشرات حالات التعذيب أو سوء المعاملة، وظل القلق يساورها إزاء غياب التحقيقات الفعالة في شكاوى التعذيب بموجب القانون. فمثلاً، رغم وجود القانون، كانت الحالات ما زالت تحال على المحاكم العسكرية. وفي حالات أخرى، لم يتم اللجوء إلى القانون بالنسبة للجرائم التي بدا أنها تناسب تعريف التعذيب، وعوضاً عن ذلك، كانت توجه تهم أقل خطورة مثل "إساءة استخدام السلطة". وإضافة إلى ذلك، كان الضحايا وأقرباؤهم ما زالوا يتعرضون للتخويف والمضايقة والتهديد، وكانوا بالتالي يسحبون شكاويهم خوفاً من الانتقام. وانعكس هذا الأمر في حقيقة أنه بحلول نهاية العام 2001، لم تؤد إلا قضيتان رُفعتا ضد موظفين متهمين بممارسة التعذيب بموجب قانون فبراير/شباط 1998 إلى صدور إدانات.

وساعدت الحملة المحلية والدولية ضد التعذيب في بيـرو على توفير التشريع اللازم لمساندة أولئك الذين يحاولون فضح ممارسي التعذيب وإخضاعهم للمساءلة. لكن يجب مواصلة الضغط على السلطات البيـروفية لضمان تطبيق القانون بالكامل، واتباع التوصيات الأخرى التي أصدرتها لجنة مناهضة التعذيب ولجنة حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة الأمريكية: إجراءات اتحادية لمكافحة الانتهاكات المحلية

"رأيناهم يصعقون المعتقل (الهاييتي) على جسده بدرع كهربائي، وكذلك بمسدس كهربائي … وصُعق المعتقل الهاييتي ثلاث مرات تقريباً. وبينما كان يصعق، كان المعتقل الهاييتي مكبلاً بالأصفاد، وقد قُيِّدت يداه بساقيه، وكان مستلقياً على جانبه على الأرض…"

كانت هذه الشهادة واحدة من مزاعم مقلقة عديدة بممارسة التعذيب أو سوء المعاملة، أطلقها أشخاص اعتقلتهم إدارة الهجرة والتجنيس في الولايات المتحدة، في سجن محلي، هو المرفق الإصلاحي في مقاطعة جاكسون، في مريانا، بفلوريدا بين أغسطس/آب 1997 ويوليو/تموز 1998. ودفعت المزاعم الحكومة الأمريكية إلى فتح تحقيق بموجب قانون الحقوق المدنية للأشخاص المحتجزين في المؤسسات العامة للعام 1980. ويجيز هذا القانون للسلطات الاتحادية (الوطنية) إجراء تحقيق واتخاذ إجراءات مناسبة لإنفاذ الحقوق الدستورية للنـزلاء ضد الانتهاكات التي تُرتكب في مرافق الاعتقال في الولايات ومرافق الاعتقال المحلية.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تخضع معظم السجون للولاية القضائية للولايات أو السلطات المحلية. وبموجب المبدأ الدستوري الأمريكي لحقوق الولايات، لا تملك الحكومة الاتحادية إلا صلاحيات محددة للتدخل. وقبل العمل بقانون الحقوق المدنية للأشخاص المحتجزين في المؤسسات العامة، كان بإمكان السلطات الاتحادية مقاضاة الأفراد على انتهاك القوانين الجنائية الاتحادية، بمن فيهم مسؤولو الولايات أو المسؤولون المحليون الذين يتصرفون بموجب "أحكام القانون" (بصفتهم الرسمية)، لكنها لا تملك سلطة للتعامل مع الانتهاكات المنهجية أو الأوضاع السيئة في مرافق الولايات. وقد زود قانون الحقوق المدنية للأشخاص المحتجزين الحكومة الاتحادية بوسيلة انتصاف مدنية مهمة، حيث سمح لوزارة العدل (الاتحادية) الأمريكية باستصدار أوامر عادية أو زجرية من المحاكم الاتحادية للقضاء على أنماط الانتهاك أو الأوضاع غير الدستورية في المؤسسات التابعة للولايات المتحدة والمؤسسات المحلية.

وهذا القانون الذي اعتمده الكونغرس الأمريكي في العام 1980، يخول شعبة الحقوق المدنية في وزارة العدل إجراء تحقيقات في المرافق العامة التابعة للولاية أو السلطة المحلية، إذا تلقت معلومات تفيد أن النـزلاء يتعرضون للحرمان المنهجي من حقوقهم بموجب دستور الولايات المتحدة. ويغطي القانون سجون الولايات والسجون المحلية، فضلاً عن المؤسسات العامة الأخرى مثل مستشفيات الأمراض النفسية ودور الرعاية.

مزاعم الانتهاكات في سجن مقاطعة جاكسون

كان المعتقلون في المرفق الإصلاحي بمقاطعة جاكسون أشخاصاً ينتمون إلى دول مختلفة، من ضمنهم طالبو اللجوء الذي كانت تحتجزهم إدارة الهجرة والتجنيس، وهي هيئة اتحادية. وترسل هذه الإدارة معتقليها، بمن فيهم طالبو اللجوء، إلى سجون المقاطعات عندما تضيق المرافق التابعة لها بنـزلائها. وفي يونيو/حزيران 1998 بدأت مزاعم الانتهاكات تصل إلى مسامع إدارة الهجرة والتجنيس. وساورها القلق إزاء هذه المزاعم لدرجة كانت كافية لنقل جميع معتقليها الـ 34 إلى خارج السجن في الشهر التالي.

وقد وصفت الإفادات المشفوعة بالقسم التي أدلى بها 17 معتقلاً من معتقلي إدارة التجنيس والهجرة أمام المحامين في مركز فلوريدا للدفاع عن المهاجرين غير الحكومي في ميامي، وصفت الانتهاكات التي قال السجناء إنهم تعرضوا لها في سجن مقاطعة جاكسون بين أغسطس/آب 1997 ويوليو/تموز 1998. وكان المعتقلون السبعة عشر من جزر البهاما وبنغلادش وكوبا وهندوراس. وتضمنت الانتهاكات المزعومة الصعق بدروع الصعق بالتيار الكهربائي (انظر الفقرة 6-3-1 )، بما في ذلك وهم مكبلين بأغلال ذات أربع نقاط تقييد إلى أسرَّة خرسانية؛ وعمليات الضرب وسوى ذلك من سوء المعاملة البدنية؛ والحرمان من الرعاية الطبية، والحبس الانفرادي العقابي لفترات مفرطة الطول؛ والشتائم – بما فيها الشتائم العنصرية. وبحسب ما قاله النـزلاء، جرت هذه المعاملة بصورة تعسفية أو كعقاب على التدخل في شجار، مثلاً، أو الشكوى من الإهانات العنصرية التي يوجهها لهم موظفو السجن.

وأرسل مركز فلوريدا للدفاع عن المهاجرين النتائج التي توصل إليها إلى الحكومة الأمريكية للتحقيق فيها. كذلك أبلغ منظمة العفو الدولية بها وطلب مساعدة منها في لفت الانتباه إلى هذه النتائج.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1998، بعثت منظمة العفو الدولية برسائل إلى السلطات المحلية والاتحادية تدعوها فيها إلى إجراء تحقيق في هذه المزاعم. وأعطى رد سريع لكن سطحي من رئيس السجن مجرد تطمينات عامة بأن جميع النـزلاء في المرفق يتمتعون بالحماية من الأذى. وفي ديسمبر/كانون الأول بعثت وزارة العدل برسالة إلى منظمة العفو الدولية تشكر فيها المنظمة على لفت نظرها إلى بواعث القلق هذه، وتقول إن قسم المقاضاة الخاصة في شعبة الحقوق المدنية يجمع المعلومات ويستعرضها بشأن سجن مقاطعة جاكسون لتحديد ما إذا كانت تستدعي إجراء تحقيق بموجب قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة.

وفي مايو/أيار 1999، ورداً على عمليات تأخير واضحة في التحقيقات الاتحادية، بعث نشطاء منظمة العفو الدولية في شتى أنحاء العالم برسائل تعرب عن القلق إلى وزارة العدل، مع إرسال نسخ عنها إلى رئيس سجن مقاطعة جاكسون. وأدى ذلك إلى تجدد الاهتمام الإعلامي بالسجن والتحقيقات في الانتهاكات المزعومة.

التحقيق

في 30 مارس/آذار 2000، أصدرت شعبة الحقوق المدنية في وزارة العدل "رسالة تتضمن نتائج" تتعلق بالمرفق الإصلاحي في مقاطعة جاكسون. وأكدت هذه النتائج إلى حد كبير بواعث القلق التي أُثيرت في الإفادات المشفوعة بالقسم التي حصل عليها مركز فلوريدا للدافع عن المهاجرين وتوسعت فيها. وكان من النتائج العديدة التي تم التوصل إليها عدم كفاية المعالجة الطبية في السجن، بما في ذلك رعاية النـزلاء المعزولين أو المقيدين والإشراف عليهم. واستشهدت الرسالة التي تضمنت النتائج بحالة سجين بدا أنه عُزل عن الآخرين عقاباً له لأنه تقدم بشكوى حول نقص الرعاية الطبية لمشكلة صحية يعاني منها. واحتُجز في زنزانة مراقبة طبية لمدة خمسة أيام من دون أن يجري أفراد الجهاز الطبي تقييماً لحالته، ثم أُعيد للانضمام إلى سائر نزلاء السجن بعدما قدم اعتذاراً عن رفع الشكوى. كذلك كشفت الرسالة أن النـزلاء الأحداث وُضعوا قيد العزل الإداري" بما يناسب أوضاع المرفق"، مستشهدة بحالة حدث وُضع في زنزانة طبية لمدة ثلاثة أشهر رغم أنه لا يعاني من حالة طبية تقتضي ذلك.

وذكرت الرسالة أن موظفي السجن "يعمدون إلى الاستخدام المفرط وغير المبرر للقيود للسيطرة على النـزلاء حيث يعرضونهم لخطر الأذى الجسدي الشديد". وأعربت الرسالة عن قلق خاص إزاء وتيرة وسرعة لجوء السجن إلى التقييد رباعي النقاط للنـزلاء، حيث يكبلون الرسغ والكاحل إلى مسامير صمولة بعروة موصولة بأسرَّة مصنوعة من الكتل الخرسانية ومن دون مراتب، أحياناً لفترات مطولة ومن دون مراقبة وإشراف مناسبين. وبالنسبة للقضية المحددة المتعلقة بدروع الصعق بالصدمات الكهربائية، تبين أن الدرع "… استُخدم أكثر من اللازم لأغراض السيطرة على النـزلاء … وتشير تقارير استخدام المرفق للقوة إلى أنه في عدد من الحالات كان تشغيل الدرع هو الملاذ الأول بعد أن يفشل الوعظ الشفوي في فرض الطاعة. وفي العديد من هذه الحالات، كان هذا الاستخدام للقوة غير معقول، لأن أنواع القوة الأقل عنفاً كان يمكن أن تحقق الطاعة."

كذلك تبين لشعبة حقوق الإنسان أن التحقق غير الكافي في السجن من إصابة النـزلاء بالمرض أو أخذ الأوضاع الأخرى ذات الصلة بعين الاعتبار جعل استخدام الدرع ينطوي على خطورة. ففي إحدى الحوادث، جيء بدرع الصعق الكهربائي "إلى الغرفة بهدف استخدامه المحتمل ضد نزيلة حامل في شهرها التاسع". لكن الرسالة ذكرت أنه "يبدو أنه حدث تراجع في تشغيل الدرع منذ يناير/كانون الثاني 1999"، مما يوحي بأن المعلومات التي كشف النقاب عنها مركز فلوريدا للدفاع عن المهاجرين وتحركات منظمة العفو الدولية ربما كان لها بعض التأثير في التقليل من استخدام هذا النوع المحدد من القيود في السجن.

وقدمت الرسالة التي تضمنت النتائج سلسلة من التوصيات لتحسين السياسية والممارسة المتبعين في السجن، بما في ذلك توصية بأن يتم اتخاذ التدابير التصحيحية، التي ينبغي أن تُعتبر الحد الأدنى من الرد على الانتهاكات التي كُشف النقاب عنها، عن طريق التعاون وليس رفع دعوى قانونية. واعتباراً من منتصف العام 2001، تبين أن سلطات السجن كانت تبدي تعاوناً.

تجربة قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة

استُخدم قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، حيث أدخلت أكثر من 300 مؤسسة في طول الولايات المتحدة وعرضها والأراضي التابعة لها تحسينات على الأوضاع أو أنها تخضع للمراجعة حالياً. وتضمنت المؤسسات السجون المحلية في ألاباما وكاليفورنيا وجورجيا والميسيسيبي ونيويورك وفرجينيا والمرافق الإصلاحية الخاصة بالأحداث (إصلاحيات الأحداث) في جورجيا وكنتاكي ولويزيانا وأراضي بورتو ريكو. وفي العام 1999 أُجبرت ولايتا أريزونا وميشيغن على وضع ضمانات في سجون النساء التابعة لها عقب تحقيقات مطولة أُجريت بموجب قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة في مزاعم الأذى الجنسي وعمليات الانتقام واسعة النطاق ضد النـزيلات على أيدي الحراس الذكور.

وتغطي المشاكل التي تستوجب إجراء تحقيق بموجب القانون المذكور مجموعة واسعة من القضايا بينها إجراءات الوقاية من الحريق ومنشآت الصرف الصحي والرعاية الصحية والأذى الذي يمارسه الحراس والتقاعس عن حماية النـزلاء من الانتهاكات التي يرتكبها النـزلاء الآخرون. وقد تأتي المعلومات التي تؤدي إلى فتح تحقيق من مجموعة متنوعة من المصادر، تتضمن الأفراد ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية والجماعات المدافعة عن الآخرين. عندئذ يسعى المحققون الاتحاديون للدخول إلى المؤسسة لإجراء عمليات تفتيش ميدانية ومقابلات مع الموظفين والنـزلاء، غالباً باستخدام مستشارين من الخبراء المستقلين. وينجم عن ذلك إرسال رسالة تفصيلية حول النتائج التي تم التوصل إليها من وزارة العدل إلى المؤسسة تُعدد أية انتهاكات يتم اكتشافها مع تقديم توصيات.

ويقتضي القانون، قبل رفع دعوة قانونية، أن تنتظر وزارة العدل 49 يوماً عقب إصدار الرسالة التي تتضمن النتائج وذلك لإتاحة الفرصة أمام المؤسسة لإجراء تغييرات تطوعية من دون اللجوء إلى المحكمة (يمكن للوقت اللازم للتفاوض على تسوية أن يمتد إلى ما بعد هذه الفترة). وتتم تسوية معظم الحالات في نهاية المطاف من دون اللجوء إلى عملية تقاضٍ كاملة. أحياناً تسوى بصورة غير رسمية في مرحلة مبكرة، غالباً نتيجة اتفاق تؤيده المحكمة يتم بين الطرفين ويكون تأثيره مماثلاً لأمر المحكمة، ويُعرف باسم "مرسوم الموافقة". وحالما تصدر أوامر بإجراء التغييرات ويتم قبولها، تكون هناك عادة فترة إشراف من جانب وزارة العدل، يقوم خلالها المحققون بزيارات متابعة دورية، ويُطلب من المؤسسة إصدار تقارير حول الأوضاع فيها.

ولم يخلق قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة أية حقوق أو معايير جديدة، لكنه يسمح لوزارة العدل بالمقاضاة استناداً إلى حقوق دستورية أو قانونية محددة سابقاً. لكن هناك بعض القيود على العملية. فعادة يركز التحقيق على مرفق فردي ولا يكون للتسويات تطبيقات أوسع خارج تلك الولاية القضائية. فمثلاً، لم يؤد حظر استخدام كرسي التقييد في سجن دائرة إيبيريا بولاية لويزيانا، عقب تحقيق فُتح بموجب قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة في الانتهاكات الفظيعة، إلى فرض حظر على استخدامه في المرافق الأخرى التي صدرت بشأنها شكاوى بحدوث انتهاكات مشابهة فيها.  

والقيد الأكبر هو على صعيد الموارد: فالمطالبات بإجراء تحقيقات بموجب القانون المذكور تفوق بمراحل قدرة وزارة العدل على الاستجابة. لكن الوزارة حاولت زيادة مواردها إلى أقصى حد في التسعينيات، بالحصول على مساعدة على مستوى الولاية في عدد من الحالات. فعلى سبيل المثال، أجرت تحقيقات في 18 سجناً في ولاية الميسيسيبي في العام 1993، فتبين لها وجود أوضاع خطرة وقذارة وبؤس واكتظاظ، فضلاً عن قصور فاضح في الرعاية الطبية والرعاية الواقية من الانتحار. وأمرت بإغلاق أربعة سجون وإدخال تحسينات على سجون أخرى. وأجريت تحقيقات "جماعية" مشابهة في 11 سجناً بولاية جورجيا وفي جميع المرافق الأربعة للمتخلفين عقلياً التي تديرها ولاية تنيسي.

وأبدت وزارة العدل اهتماماً خاصاً بالتصدي للانتهاكات التي تقع في مرافق الأحداث بعد توجيه الانتقادات إليها على عدم استخدام كامل مواردها في هذا المجال. وخلال منتصف التسعينيات، عالجت المشاكل القائمة على مستوى الولاية في جميع المرافق الثلاثة عشر لمعالجة الأحداث في كنتاكي وثمانية مرافق لاعتقال الأحداث في بوتوريكو.

وفي العام 1997، فتحت وزارة العدل تحقيقاً طويلاً في مجموعة من مرافق الأحداث في جورجيا، بمساعدة 10 مستشارين مختصين. وفي الرسالة التي أصدرتها في فبراير/شباط 1998 حول النتائج التي توصلت إليها وثَّقت انتهاكات واسعة النطاق بينها الرعاية الصحية العقلية غير الكافية؛ وأوضاع تتسم بالاكتظاظ والخطورة؛ وممارسات تأديبية مؤذية، وبخاصة في "معسكرات الانضباط" (معسكرات لسجون الأحداث تدار بطريقة عسكرية)؛ والاستخدام المسيء للقيود الآلية والكيماوية ضد الأحداث المصابين بأمراض عقلية.

وفي العام 2000 اختتمت وزارة العدل تحقيقاً مشابهاً في مرافق الأحداث المحاطة بإجراءات أمنية في لويزيانا، ومن ضمنها مؤسستان يديرهما القطاع الخاص هما : مركز تالوله الإصلاحي للشباب ومركز جينا لقضاء الأحداث. وتضمنت النتائج التي توصلت إليها استخدام الموظفين للقوة المفرطة ضد الأطفال، والعزلة المطولة؛ والرعاية الصحية والتعليم والتغذية غير الكافية، وفي مركز جينا تضمنت الحرمان من الأغذية والبطانيات.

وفي كل من جورجيا ولويزيانا، تدخلت وزارة العدل بعدما سلطت المنظمات غير الحكومية الضوء على الانتهاكات. وتم التوصل إلى تسويات تقتضي إدخال تحسينات جوهرية على أوضاع اعتقال الأحداث في جميع الولايات المذكورة أعلاه وفي بورتو ريكو. وفي لويزيانا أدى ذلك إلى وضع المرفقين اللذين يديرهما القطاع الخاص تحت إشراف الولاية.

وتشكل المقاضاة إحدى الوسائل الأكثر فعالية لضمان التعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب في السجون ومرافق الاعتقال الأمريكية – رغم أن هذا لا يقلل من الحاجة إلى ضمان السلطات وجود معايير كافية للمعاملة في المقام الأول. وتُجري معظم عمليات التقاضي هذه منظمات غير حكومية أو مكاتب قانونية خاصة، وغالباً ما تعمل في أوضاع صعبة. وبموجب قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة، تؤدي وزارة العدل دوراً حيوياً، بسبب السلطة الخاصة التي تتمتع بها في القيام بعمليات التقاضي هذه، والموارد التي خصصها لها الكونغرس وقدرتها على الاستفادة من مجموعة واسعة من المستشارين الاختصاصيين والفنيين.

وبموجب قانون منفصل بدأ العمل به في العام 1994 للتصدي لسوء تصرف الشرطة (قانون مكافحة الجرائم العنيفة وإنفاذ القانون للعام 1994) استصدرت وزارة العدل أيضاً مراسيم موافقة بشأن عدة أجهزة شرطة في الولايات المتحدة، بينها إدارة شرطة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، تغطي قضايا مثل الاستخدام المفرط للقوة، والاعتقال بتهمة كاذبة والعنصرية. وقد أذنت مراسيم الموافقة التي تم التفاوض عليها حتى الآن، باتخاذ سلسلة من التدابير، بينها إصلاحات للتدريب والتحقيق في الشكاوى ومراقبة عنصر أو عرق الأشخاص الذين توقفهم الشرطة. وقدمت هذه المراسيم نماذج مفيدة للأجهزة الأخرى لإنفاذ القانون.

الخلاصة

منذ إصدار قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة، تمكنت السلطات الاتحادية من اتخاذ إجراءات فعالة لوقف أنماط التعذيب وسوء المعاملة وسواها من الانتهاكات في عدد من المرافق المحلية والتابعة للولايات. لكن هناك قيوداً على الإجراء فيما يتعلق بالموارد المتوافرة له وقدرته على الاستجابة. ويتوقف التمويل المقدم إلى قسم التقاضي الخاص الذي يتولى التحقيقات التي تجري بموجب قانون الحقوق المدنية للمحتجزين في المؤسسات العامة على الإرادة السياسية للسلطة التنفيذية والكونغرس الأمريكي. ورغم أن القانون المذكور له قيمة هائلة كآلية للتصدي للانتهاكات المنهجية في المرافق المحلية والتابعة للولايات، لكن ما زالت هناك حاجة لمراقبة مستمرة فعالة وهيئات رقابة وإشراف على جميع السجون ومرافق الاعتقال على مستوى الولايات والمستوى المحلي.

الهند : حكم تاريخي يضع ضمانات

تتفشى ممارسة الشرطة للتعذيب ضد المتهمين بارتكاب جرائم عادية وضد السجناء السياسيين على نطاق واسع في الهند. ويُستخدم التعذيب وسوء المعاملة لانتزاع اعترافات وابتزاز أموال ومعاقبة المعتقلين. وتتضمن وسائل التعذيب وسوء المعاملة الصعق بالصدمات الكهربائية والتعليق من السقف والضرب المبرح باللاثي (عصا خشبية طويلة) والركل. ويحدث معظم التعذيب خلال فترات الاعتقال غير القانوني عقب القيام بعمليات توقيف لا يتم تسجيلها.

ويتواصل التعذيب رغم الإقرار الرسمي بالمشكلة واتخاذ سلسلة من المبادرات القضائية والإدارية الإيجابية في السنوات الأخيرة. وهناك تقليد قديم للنضال القضائي في الهند، حيث تفسر المحاكم بطريقة متحررة نطاق الحقوق الأساسية المحددة في الدستور الهندي. وتم ضمان مطالبة الأفراد بهذه الحقوق من خلال العمل بمبدأ التقاضي في سبيل المصلحة العامة : فمنذ أواخر السبعينيات سُمح للأفراد والمنظمات بموجب المادتين 32 و226 من الدستور باللجوء إلى محكمة النقض العليا والمحاكم العليا "في سبيل المصلحة العامة" في قضايا الحقوق الأساسية نيابة عن أولئك الذين لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك بأنفسهم.

وفي سبتمبر/أيلول 1996 أصدرت محكمة النقض العليا في الهند حكماً تاريخياً يدين العنف في الحجز ويقدم عدة توصيات (انظر أدناه). فسمح ذلك بوضع آليات عملية لمنع ممارسة التعذيب خلال التوقيف والاعتقال، وكان له وقع ملموس على الطريقة التي يتم فيها توقيف الأشخاص واعتقالهم. ورغم استمرار ارتفاع مستويات العنف الممارس في الحجز، إلا أن الحكم أجبر الشرطة على إعادة النظر في استخدامها الواسع للاعتقال غير القانوني والتعذيب، وجعل نشطاء حقوق الإنسان في وضع قانوني أقوى يمكنهم انطلاقاً منه أن يطعنوا في هذه الممارسات. والشيء المهم جداً هو أن محكمة النقض العليا عاملت موضوع العنف في الحجز كباعث قلق مستمر وتواصل مراقبة تنفيذ الضمانات التي أوصت بها وإصدار أوامر أخرى لحماية المعتقلين.

خلفية الحكم الصادر في العام 1996

تعود بدايات الحكم الصادر في العام 1996 إلى ولاية البنغال الغربية قبل عشر سنوات. ففي 26 أغسطس/آب 1986، بعث الرئيس التنفيذي لمنظمة المساعدة القانونية دي. كيه باسو برسالة إلى كبير قضاة المحكمة العليا في الهند سلط فيها الضوء على بواعث قلقه إزاء العنف الممارس في الحجز في الولاية وحالات الوفاة في الحجز المبلَّغ عنها. وقال إنه من الأهمية بمكان دراسة القضايا ووضع "قوانين تتعلق بالحجز" واتخاذ خطوات لمنح تعويضات إلى الضحايا أو أقربائهم وضمان مساءلة رجال الشرطة الذين يتبين أنهم مسؤولون عن ممارسة التعذيب.

وقبلت المحكمة العليا طلب دي. كيه. باسو بمعاملة رسالته كتقاضي في سبيل المصلحة العامة وطلبت من المدعى عليهم – ولاية البنغال الغربية – أن يردوا على الاتهامات الواردة في الالتماس. وردت حكومة ولاية البنغال الغربية بأن الشرطة لا تتستر على الوفيات في الحجز، وأنه كلما تبين أن رجال الشرطة مسؤولين عنها، كانت تتخذ إجراءات ضدهم.

وفي 14 أغسطس/آب 1987، أشارت المحكمة العليا إلى تزايد ورود مزاعم العنف في الحجز في كل ولاية تقريباً وارتفاع عدد الوفيات في الحجز المبلغ عنها. ولاحظت المحكمة أنه لا توجد آلية للتعامل الفعال مع هذه المزاعم. وأصدرت أمراً طالبت فيه جميع حكومات الولايات بتقديم ردودها على المزاعم، وطلبت أيضاً من مفوضية القانون في الهند تقديم اقتراحات مناسبة بشأن قضية العنف الممارس في الحجز.

ورداً على هذا الأمر، قدم عدد من حكومات الولايات والحكومة المركزية ومفوضية القانون في الهند إقرارات مشفوعة بقسم تتعلق بالعنف الممارس في الحجز. وعينت المحكمة محامياً في المحكمة العليا هو الدكتور إيه.أم سينغفي للعمل بصفة صديق المحكمة بهدف مساعدتها في جمع معلومات حول العنف الممارس في الحجز.

وفي العام 1992، أصدر الدكتور دي. كيه. باسو – الذي أصبح الآن قاضياً لدى المحكمة العليا في ولاية البنغال الغربية – حكماً شاملاً في محكمته حول قضية العنف الممارس في الحجز. ووضع بالكامل العمليات التي اعتقد أنه يجب اتباعها لمنع ممارسة العنف في الحجز، وضمان إجراء تحقيقات مستقلة تؤدي إلى مقاضاة المسؤولين عن ممارسته وتقديم تعويضات إلى الضحايا.

وفي هذه الأثناء وبين العامين 1986 و1996، أوردت الصحف حالات تعذيب ووفيات في الحجز وأثارت منظمات حقوق الإنسان هذه الحالات وتابعتها في المحاكم، وقامت منظمة العفو الدولية بحملة دولية رئيسية حول انتهاكات حقوق الإنسان في الهند، وطرحت توصيات تفصيلية حول إجراءات التوقيف والحجز لمحاربة التعذيب والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان.

الحكم الصادر في العام 1996

في العام 1996، أصدرت المحكمة العليا أخيراً حكمها في قضية باسو ضد ولاية البنغال الغربية. وأعرب الحكم عن قلق  المحكمة العليا من أن "التعذيب أوسع انتشاراً الآن منه في أي وقت مضى". وذكر أن "التعذيب في الحجز يشكل انتهاكاً فاضحاً لكرامة الإنسان وإهانة لها يؤدي إلى حد كبير إلى تحطيم شخصية الفرد. وهو اعتداء مدروس على الكرامة الإنسانية، وكلما جُرحت كرامة الإنسان، ترجع الحضارة خطوة إلى الوراء."

وأشار هذا الحكم إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإلى حقيقة أن المادة 21 من دستور الهند تحمي الحق في الحياة، وهو نص قضت محاكم الهند بأنه يتضمن توفير ضمانة ضد التعذيب. كما قدمت توصيات عامة تتعلق بتعديل القانون بشأن عبء الإثبات والحاجة إلى تدريب الشرطة، وساقت الحجج ضد حق الحصانة السيادية لموظفي الدولة المسؤولين عن التعذيب ولمصلحة دفع تعويضات.

والإرث الأبعد أثراً للحكم هو "شروطه" الأحد عشر الواجب اتباعها في جميع حالات التوقيف والاعتقال (الفقرة 35). وأَمِلت المحكمة في أن "تساعد ‘الشروط’ على الحد من استخدام الأساليب التي تنطوي على علامات استفهام خلال الاستجواب والتحقيق إن لم يكن القضاء عليها كلياً" (الفقرة 39).

وفيما يلي موجز (شُرح بعبارات لا تخرج عن النص الأصلي) للشروط التي حددتها المحكمة العليا:

ينبغي على رجال الشرطة الذين يعتقلون الأشخاص المشتبه بهم ويستجوبونهم أن يرتدوا شارات تعريف وأسماء "دقيقة وواضحة وبادية للعيان" وينبغي تسجيل بيانات رجال الشرطة الذين يتولون الاستجواب في سجل.

يجب أن يعد رجال الشرطة الذين يقومون بعملية اعتقال مذكرة اعتقال يوقعها شاهد وكذلك الشخص الموقوف مع ذكر زمان الاعتقال وتاريخه.

يحق لكل شخص يُقبض عليه إبلاغ صديق أو قريب بتوقيفه ومكان اعتقاله "بأسرع ما يمكن عملياً".

إذا كان مثل هذا الصديق أو القريب يعيش خارج المقاطعة، يجب على الشرطة أن تبلغه بزمان التوقيف ومكانه ومكان الاعتقال عن طريق منظمة المعونة القانونية خلال فترة تتراوح بين 8 ساعات و12 ساعة.

يجب أن يحاط أي شخص يُقبض عليه بحقه في إبلاغ شخص ما بتوقيفه واعتقاله "حالما" يتم توقيفه.

يجب تسجيل المعلومات المتعلقة بالتوقيف وبيانات الشخص الذي أُبلغ بالتوقيف في سجل يومي يحتفظ به في مكان الاعتقال مع أسماء رجال الشرطة المشرفين على الحجز.

بناء على الطلب، يجب إجراء فحص طبي لأي شخص يلقى القبض عليه عند توقيفه وتسجيل أية إصابات. ويجب أن تُوقَّع "مذكرة المعاينة" هذه من جانب الشخص الموقوف ورجل الشرطة الذي أوقفه، وإعطاء نسخة إلى الشخص الموقوف.

يجب أن يجري طبيب فحصاً طبياً لأي شخص يُقبض عليه كل 48 ساعة خلال اعتقاله.

يجب إرسال نسخ من جميع الوثائق المشار إليها أعلاه إلى القاضي.

يجب السماح لأي شخص يُلقى القبض عليه بمقابلة محاميه خلال استجوابه "لكن ليس طوال فترة الاستجواب".

يجب إنشاء غرفة مراقبة للشرطة في جميع المراكز الرئيسية في المقاطعات والولايات تتوافر فيها معلومات تفصيلية حول الأشخاص الموقوفين ومكان احتجازهم تُعرض على لوحة إعلانات.

ورغم أن المحكمة العليا قالت إن هذه الشروط يجب أن تُتبع إلى حين" وضع نصوص قانونية في هذا الشأن" (الفقرة 35)، فإنها كانت دون شك على علم بالتوجيهات القضائية السابقة التي تتماشى معها والتي لم تؤد بعد إلى إجراء تعديلات في القانون. ولم تستطع المحكمة إعطاء توجيهات للحكومة بسن قانون، لكنها ذكرت أنه من المرغوب فيه بوضوح، برأيها، تعديل القانون الحالي لإدراج "الشروط" فيه. وحظي هذا الرأي في نوفمبر/تشرين الثاني 2000 بدعم مفوضية القانون في الهند التي أوصت في ورقتها التشاورية حول القانون المتعلق بالتوقيف بإدراج "الشروط" في القانون. واعتباراً من يونيو/حزيران 2002 لم تقدم الحكومة الهندية أي التزام بعزمها على القيام بذلك.

ولتعزيز "الشروط"، أشار الحكم إلى أن "التقاعس عن التقيد بالشروط المذكورة أعلاه، سيُعرِّض الموظف الرسمي المعني لاتخاذ إجراءات إدارية ضده، ليس هذا وحسب، بل يعرضه للعقاب بسبب تحقيره للمحكمة، ويمكن  اتخاذ الإجراءات المتعلقة بتحقير المحكمة في أية محكمة عليا في البلاد تتمتع بالولاية القضائية الإقليمية على المسألة" (الفقرة 36). كذلك أمر الحكم بوجوب إصدار الشروط للمديرين العامين للشرطة ووزراء داخلية جميع الولايات الذين يترتب عليهم بدورهم واجب تعميمها على جميع مراكز الشرطة الخاضعة لولايتهم القضائية، وتعليقها في مكان بارز في جميع مراكز الشرطة. وأوصت أيضاً أن تُبث الشروط في محطات الإذاعة والتلفزيون وتُوزع في نشرات باللغات المحلية "لخلق الوعي – والشفافية والمساءلة" (الفقرة 39).

تنفيذ الحكم

في زيارة قام بها مندوبو منظمة العفو الدولية إلى ولاية البنغال الغربية في يونيو/حزيران 1999، أُبلغوا أن مذكرات التوقيف صدرت في أغلبية الحالات. وشاهد المندوبون نسخاً من مذكرات التوقيف و"مذكرات المعاينة"، فضلاً عن الأوامر الحكومية التي تعطي تعليمات إلى الشرطة بدمج المبادئ التوجيهية في ممارساتها العملية. كذلك عُرضت هذه المبادئ في مواقع الإنترنت التي أنشأتها بعض أجهزة شرطة الولايات. لكن ظلت هناك بواعث قلق حول عدم تطبيق الشروط في مناطق عديدة من البلاد، حيث تتقاعس الشرطة عن إصدار مذكرات توقيف أو معاينة أو نشر الشروط على الملأ، أو تتقاعس عن تنفيذها بالكامل.

فمثلاً، أبلغ نشطاء حقوق الإنسان في ولاية البنغال الغربية منظمة العفو الدولية أن مذكرات التوقيف نادراً ما تحمل تواقيع الشهود على التوقيف، أو حيث ذُكرت أسماء الشهود، اتُهمت الشرطة بإدراج أسماء أشخاص معروفين لديها كشهود "مألوفين". وعلاوة على ذلك، لم ينتشر استخدام مذكرات المعاينة على نطاق واسع.

ورغم الإقرار بأن الوثائق المحددة في الشروط تقدم أدلة إضافية في حالات الاعتقال غير القانوني، إلا أن نشطاء حقوق الإنسان أشاروا إلى أنه ما زال بإمكان الشرطة التلاعب بمذكرة التوقيف (كما ورد أعلاه). ونظراً لأنه ليس مطلوباً تزويد المعتقل بنسخة من مذكرة التوقيف، فإذا كانت المعلومات المعبأة كاذبة، لا تتاح أية فرصة للطعن فيها أو للقاضي للتحقق من مدى دقتها. كذلك أشار نشطاء حقوق الإنسان إلى أن القضاة غالباً ما يتقاعسون عن تحدي الشرطة عندما تكون سجلات الحجز غير مكتملة. وتلقي هذه القضايا الضوء على الحاجة لليقظة الشديدة داخل السلطة القضائية لضمان التنفيذ الصحيح للضمانات.

ولم يتم الوفاء بشرط إجراء كشف طبي على المعتقل كل 48 ساعة؛ وليس هناك نظام معمول به يزور الأطباء بموجبه مراكز الشرطة لإجراء فحص طبي للمعتقلين أو معالجتهم، لذا يظلون تحت رحمة رجال الشرطة لنقلهم إلى المستشفى للمعالجة.

كذلك ظهرت مشاكل في تطبيق شرط السماح للمعتقلين بحضور محاميهم معهم خلال الاستجواب. وكانت المحكمة العليا قد فسَّرت سابقاً حق المعتقلين في توكيل مستشار قانوني (المنصوص عليه في المادة 21 من الدستور) بأنه يعني حق المعتقلين في استشارة محامٍ يختارونه بأنفسهم وحقهم في حضور المحامي خلال استجوابهم. لكن ما نادراً ما تم منح هذا الحق في الهند حتى بعد صدور حكم المحكمة العليا في العام 1996. وقد نصت قائمة "بالحقوق المتعلقة بالتوقيف" معروضة في موقع شرطة ولاية أوتار برادش على شبكة الإنترنت، وتعكس الشروط الأحد عشر التي أصدرتها المحكمة العليا على أنه : "وفقاً لأحكام القانون، يحق للأشخاص المعتقلين الاستعانة بخدمات محام. لكن خلال الاستجواب، لا يُسمح للمحامي بالحضور".

وقامت المحكمة العليا بمراقبة تنفيذ توجيهاتها في شتى أنحاء البلاد من خلال صديق المحكمة. وكل ستة أسابيع تقريباً، تصغي المحكمة العليا إلى تقرير صديق المحكمة حول التقدم الذي أحرزته الولايات في تنفيذ أمرها – لجهة الشروط الأحد عشر وتوجيهاتها العامة حول التحقق والمقاضاة ومنح التعويض في حالات الوفاة في الحجز. واعتباراً من يونيو/حزيران 2001، فهمت منظمة العفو الدولية أن المحكمة العليا تلقت إقرارات مشفوعة بالقسم من جميع حكومات الولايات تؤكد أنها تتقيد بالشروط الأحد عشر. وتكفل حقيقة تسجيل هذه الإقرارات بأن تؤدي الأدلة المتوافرة حول عدم التقيد إلى اتخاذ إجراءات قضائية سريعة تتعلق بتحقير المحكمة.

ويمكن لصديق المحكمة أن يلقي الضوء على الانتهاكات الرئيسية والتظلمات الفردية، وفي سياق أدائه لهذا الدور، قدم الدكتور سينغفي عدة طلبات توصي بأن تصدر المحكمة توجيهات جديدة تتعلق بالعنف الممارس في الحجز. وبناء على هذه الطلبات، أعربت المحكمة العليا في العام 1998 عن قلقها إزاء المعلومات "الناقصة" التي قدمتها الولايات حول تقيدها بالحكم الذي أصدرته المحكمة في العام 1996. وأمرت جميع الولايات بتقديم إقرارات مشفوعة بقسم تشير إلى سير جميع التحقيقات الجارية في الوفيات في الحجز وتقديم نسخ من جميع تقارير التحقيقات.

كذلك قدم الدكتور سينغفي طلباً حث فيه المحكمة العليا على إصدار مجموعة من التوجيهات الأخرى المتعلقة بالتحقيقات وعمليات تشريح الجثث بشكل خاص. وأشار الطلب إلى التقاعس المستمر عن إجراء تحقيقات حيادية في حالات الوفاة في الحجز واستند إلى النتائج التي توصلت إليها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان حول التعذيب. ورداً على ذلك، أصدرت المحكمة العليا في يناير/كانون الثاني 2001 إشعاراً آخر إلى الحكومة المركزية وحكومات الولايات تطلب منها فيه أن تثبت لماذا لا ينبغي على المحكمة أن تصدر المزيد من التوجيهات لاعتماد إجراءات تمنع حدوث وفيات في الحجز.

الخلاصة

من خلال متابعة أمرها الأصلي بهذه الطريقة، أشارت المحكمة العليا إلى استمرار قلقها واستعدادها لمواجهة مشكلة العنف الممارس في الحجز. لكن، ما زال هناك الكثير من العمل المطلوب تنفيذه لنشر الوعي بالمبادئ التوجيهية التي أصدرتها المحكمة العليا في صفوف رجال الشرطة والقضاء، فضلاً عن الرأي العام، ولمراقبة تنفيذ "الشروط" الأحد عشر. لكن حقيقة وجود المبادئ التوجيهية وإمكانية أن يؤدي عدم تنفيذها إلى اتخاذ إجراءات تتعلق بتحقير المحكمة وإجراءات إدارية، شدت من عزيمة نشطاء حقوق الإنسان. وقدم المحامون ونشطاء حقوق الإنسان العديد من الالتماسات التي تطعن في حوادث الاعتقال غير المشروع والتي تشير بعناية إلى انتهاكات الشرطة لأوامر المحكمة العليا في قضية باسو ضد ولاية البنغال الغربية. وعمل نشطاء حقوق الإنسان والموظفون القضائيون على زيادة وعي أفراد الجمهور بحقوقهم بموجب هذا الحكم من خلال التدريب على المعرفة القانونية. ورغم أن ممارسة التعذيب وسوء المعاملة تظل واسعة الانتشار في الهند، إلا أن حكم المحكمة العليا الصادر في العام 1996 والجهود التي تبذل لتنفيذه تشكل بوادر مشجعة على المحاولات الجادة التي تبذل لمعالجة جذور المشكلة.

النمسا : وفاة مبعد تؤدي إلى إصلاحات على صعيد حقوق الإنسان

تمت أخيراً الاستجابة للدعوات القائمة منذ زمن طويل لإنشاء جهاز مستقل لمراقبة أنشطة الشرطة وحقوق الإنسان في النمسا في العام 1999 بعد أن أثارت وفاة مبعد مكمم الفم غضباً عارماً. وتنظر الفقرة أدناه في المأساة التي شكلت حافزاً لإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتقييم مهامه وسجل بداياته.

وفاة ماركوس أوموفوما

في 1 مايو/أيار 1999 توفي ماركوس أوموفوما أثناء إبعاده قسراً على متن رحلة انطلقت من مطار فيينا شفيشات إلى نيجيريا عبر صوفيا في بلغاريا. وفي وقت إبعاده القسري، كان المواطن النيجيري البالغ من العمر 25 عاماً مكمم الفم ومكبل اليدين والقدمين. وقد قاوم محاولة إبعاده ونتيجة لذلك ورد أن رجال الشرطة اتخذوا قرار تقييده.

وعلى متن الطائرة وُضع في صف مقاعد خالٍ في مؤخر الطائرة. وذكر الشهود أن رجال الشرطة سبق لهم أن كمموا فمه بعدة قطع من الشريط اللاصق قبل إصعاده على متن الطائرة، ثم ربطوه بالمقعد مستخدمين شريطاً لاصقاً. وقال أحد الشهود : "كان أشبه بحيوان مذبوح مكبل اليدين والساقين". وذكر شاهد آخر : "أنهم لفوا كامل الجزء العلوي من جسده وذراعيه بالشريط اللاصق وكأنه مومياء مربوطة بالمقعد". وعندما واصل ماركوس أوموفوما احتجاجه : زُعم أن الشرطة وضعت المزيد من الشريط اللاصق على ذقنه واستخدمت حزاماً بلاستيكياً لأحكام ربطه بالمقعد. ونُقل عن أحد أفراد طاقم الطائرة قوله في مجلة أسبوعية نمساوية : "كان الرجل الأسود يتخبط بعنف ويحاول مراراً وتكراراً استنشاق الهواء. لكن رجال الشرطة لم يفعلوا شيئاً … لقد بدا الرجل أنه يصارع الموت حقاً."

وقال الشهود إنه بعد مضي وقت لا بأس به من الرحلة إلى صوفيا التي استغرقت ساعتين ونصف الساعة، هدأ ماركوس أوموفوما. وعندما فك رجال الشرطة وثاقه ونزعوا الشريط اللاصق عن فمه، أدركوا كما ورد أنه فقد وعيه. وفي الوقت الذي وصل فيه الطبيب، كان ماركوس أوموفوما قد فارق الحياة.

وأثير بعض الجدل حول السبب الدقيق للوفاة. وأشار تشريح أُجري في بلغاريا بعيد الحادثة إلى أن الوفاة ناتجة عن الاختناق. لكن تشريحاً اختُتم في نوفمبر/تشرين الثاني 1999 في النمسا أشار إلى أن عيب في القلب له علاقة بالتنفس ولم يتم اكتشافه يعني أنه لا يمكن القول على وجه اليقين اللازم إن هناك علاقة سببية بين تكميم فم ماركوس أوموفوما ووفاته. وبدا أن تشريحاً ثالثاً أجراه أخصائي ألماني ونُشر في مطلع مايو/أيار 2001 يعزز النتائج التي توصل إليها التشريح الأول – أي أن ماركوس أوموفوما قد مات مختنقاً بالفعل.

ووُجهت اتهامات إلى ثلاثة رجال شرطة في القضية بإساءة معاملة معتقل أدت إلى وفاته. وفي 15 إبريل/نيسان 2002، أدانتهم محكمة كورنيوبرغ الإقليمية بتهمة أقل خطورة هي "القتل نتيجة الإهمال في ظروف خطرة للغاية" وحكمت عليهم بالسجن مدة ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ. وعند كتابة هذا الكتيب، كان رجال الشرطة يقدمون استئنافاً ضد الأحكام.

وكانت وفاة ماركوس أوموفوما حافزاً لحدوث تطورين إيجابيين يتعلقان بحماية حقوق الإنسان في النمسا – الحظر الصريح لاستخدام التكميم خلال عمليات الإبعاد وإنشاء هيئة استشارية مستقلة لحقوق الإنسان.

التركة التي خلفتها وفاة ماركوس أوموفوما

أحدثت وفاة ماركوس أوموفوما فضيحة سياسية كبرى في النمسا. وكانت كما ورد أول وفاة في حجز الشرطة تحدث في التاريخ الحديث لجمهورية النمسا، واتسمت بالنسبة لمراقبين عديدين بالوحشية وكان بالإمكان تفاديها. وصدرت دعوات لاستقالة شخصيات حكومية اعتُبرت مسؤولة عن المأساة، وجرة مظاهرات سلمية في فيينا للإعراب عن القلق إزاء المعاملة التي لقيها ماركوس أوموفوما.

ومن النتائج الفورية لهذا الضغط، أنه رغم نتائج عمليات التشريح التي اختلفت بشأنها الآراء، تم المنع الصريح لاستخدام الكمامات خلال عمليات الإبعاد في 28 مايو/أيار 1999 مع بدء العمل بمبادئ توجيهية تنظم عمليات الإبعاد. وفي رسالة مؤرخة في 30 أغسطس/آب 1999، قال كارل شلغل وزير الداخلية في حينه لمنظمة العفو الدولية : "لقد منعت من دون استثناء استخدام الأشرطة اللاصقة أو المواد المشابهة . "وقبل هذه التغييرات السريعة لم تكن هناك مبادئ توجيهية تنظم عمليات الإبعاد ولم يتلق أفراد الشرطة تدريباً خاصاً في هذا الصدد

وكشف التحقيق الذي أُجري في وفاة ماركوس أوموفوما عن وجود درجة كبيرة من الغموض حول ما إذا كان بالإمكان استخدام الكمامات خلال طرد شخص مُبعد. وفي مؤتمر صحفي عقده في 16 أغسطس/آب 1999، صرَّح كارل شلغل قائلاً : "تكميم الفم ليس مسموحاً ولا ممنوعاً، أنه إخفاق للنظام". وأصر هو وعدة مسؤولين كبار في الشرطة على أنهم لم يعرفوا شيئاً عن ممارسة التكميم خلال عمليات الإبعاد القسرية. كذلك تبين أن رئيس شعبة الأجانب في شرطة فيينا ستيفان ستورتكي، منع استخدام التكميم في سبتمبر/أيلول 1998 عقب وفاة المواطنة النيجيرية سميرة أدامو اختناقاً خلال إبعادها القسري من بلجيكا. وقال لمرؤوسيه خلال اجتماع عقد في سبتمبر/أيلول 1998 : "… يعاد المبعدون إلى سجن الشرطة إذا كان الطرد غير ممكن إلا من خلال تكميم الفم" لكن موقف كبار مسؤولي الشرطة هؤلاء تناقض مباشرة مع البيانات التي أدلى بها أفراد الشرطة الذين شاركوا في إبعاد ماركوس أوموفوما. وفي 7 مايو/أيار 1999 ورد أن أحد رجال الشرطة المتهمين قال أمام محكمة في كورنيوبرغ: "برأيي كان الجميع في دائرتنا على علم بهذه الممارسات".

وكان التطور الإيجابي الثاني إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في 5 يوليو/تموز 1999، الذي قال أحد أعضائه إنه "لم يكن ليتحقق أبداً لولا وفاة ماركوس أوموفوما". ويتردد صدى هذه المشاعر في الموقع الرسمي للمجلس المذكور على شبكة الإنترنت : "بعد وفاة المبعد النيجيري ماركوس أوموفوما … تكثفت جهود إنشاء مجلس استشاري من هذا النوع." ولم يكن صدفة أيضاً أن يتناول التقرير الأول والتوصيات التي أصدرها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قضايا حقوق الإنسان المتعلقة "بعمليات الترحيل الإشكالية".

وكانت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب هي التي أوصت بالأساس بتشكيل هيئة مستقلة لحقوق الإنسان تُعنى بممارسات الشرطة وذلك في تقريريها الدوريين الأول والثاني المتعلقين بالنمسا. وفي التقرير الأولي، وبعد زيارة إلى النمسا في العام 1990، أوصت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب بأن تقوم السلطات النمساوية "باستكشاف إمكانية تخويل هيئة مستقلة القيام بمعاينة منتظمة لأوضاع الاعتقال في سجون الشرطة". وفي التقرير الثاني، الذي استند على زيارة جرت في العام 1994، كررت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب هذه التوصية. ورداً على التقرير الثاني صرَّحت الحكومة النمساوية قائلة "من حيث المبدأ، فإن إنشاء مثل هذه الهيئة يستحق النظر، لكن الفكرة تحتاج إلى دراستها عن كثب. ونقول باطمئنان منذ البداية إن أية مؤسسة كهذه يجب أن تزود بالأدوات القانونية والعملية الضرورية لتمكينها من العمل بفعالية. ويحتاج مثل هذا المشروع إلى بعض التخطيط طويل الأجل قبل أن يصبح بالإمكان تدشينه" لكن رغم إجراء مناقشات مبدئية في البرلمان النمساوي، الناشنالرات، حول إمكانية إنشاء مثل هذه الهيئة، لم تُتخذ أية خطوات محسوسة إلى أن هزّت وفاة ماركوس أوموفوما المؤسسة السياسية.

المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

يرد الأساس التشريعي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في المادة 15 من قانون الشرطة الأمنية. وتوجز أحكام هذا القانون تركيبة المجلس ووظائفه وصلاحياته، وتكملها أنظمة ترد في عدة مراسيم مصاحبة له.

ويضم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان 11 عضواً يعينهم وزير الداخلية للخدمة مدة ثلاث سنوات. ويرشح رئيس المحكمة الدستورية رئيس المجلس، وترشح المنظمات غير الحكومية النمساوية خمسة من أعضائه، وترشح وزارة العدل الاتحادية ومكتب المستشار عضوين، وثلاثة منهم موظفون في وزارة الداخلية الاتحادية. وإضافة إلى ذلك، يتم ترشيح 11 عضواً بديلاً يحلون محل الأعضاء الدائمين عندما يكون الأخيرون مشغولين.

ولدى مجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وظيفتان عامتان. أولاً، يمكنه تفحص جميع جوانب حقوق الإنسان المتعلقة بأنشطة وزارة الداخلية، وعلى هذا الأساس يقدم المشورة إلى وزارة الداخلية. وتنصب أنشطة المجلس على الكشف عن نواحي القصور الهيكلية الممكنة التي تؤدي إلى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان واقتراح إدخال تحسينات لتسهيل توفير درجة أكبر من الحماية في المستقبل.

ثانياً، يجوز للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، شأنه شأن اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب، مراقبة أنشطة الشرطة، مثل زيارة مراكز الاعتقال الخاضعة للولاية القضائية لوزارة الداخلية أو مراقبة عملية الحفاظ على الأمن خلال المظاهرات. ولهذا الغرض، شُكِّلت ست لجان لحقوق الإنسان في يوليو/تموز 2000 لتكون "بمثابة عيون المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وآذانه على الأرض"، كما وصفها أحد أعضاء المجلس. وقال عضو المجلس نفسه لمنظمة العفو الدولية إن قرار إنشاء نظام للزيارات، يمكن بموجبه إجراء أبحاث تجريبية، شكل إنجازاً مهماً لتلافي تحوله إلى "نادٍ للمناقشة".

المجموعات العاملة وتقارير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

منذ إنشائه تولى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عدداً من المواضيع المختلفة لحقوق الإنسان، وفي بعض الحالات أعد تقارير للاستعمال العام. وعادة تتم مناقشة المواضيع واعتمادها خلال اجتماعات المجلس التي تُعقد كل ستة أسابيع . وفي البداية، ورد أن اعتماد المواضيع الجديدة تم من وحي الساعة، رغم أنه جرى إنشاء مجموعة عاملة معنية بالتخطيط في الجزء الأخير من العام 2001 لاختيار معايير اعتماد المواضيع في المستقبل. وتعمل هذه المجموعة العاملة كنوع من المجموعة التوجيهية للمجلس.

وعند المباشرة بموضوع يتعلق بحقوق الإنسان، يتم عادة تشكيل مجموعة عاملة من أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ولجانه، والمنظمات غير الحكومية وخبراء من الوزارات لمناقشة كيفية إجراء الأبحاث وكتابتها. ثم تقدم المجموعة العاملة إلى المجلس مسودة تقرير يبادر أعضاؤه إلى التعليق عليه. وبعد إجراء أية تعديلات ضرورية، يعتمد المجلس التقرير رسمياً لعرضه على وزير الداخلية. وبحسب الأنظمة، يتم اعتماده بأغلبية الأصوات، ولكن حتى الآن ورد أنه تم التوصل إلى إجماع من خلال النقاش. ويقال إن ضمان إجماع الأعضاء الذين رشحتهم وزارتي العدل والداخلية يجعل التقرير "أقوى" ويزيد من احتمال تنفيذ التوصيات.

وخلال تاريخه القصير، نظر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في مجموعة واسعة من مواضيع حقوق الإنسان، وقد نشرت نتائج العديد منها كتقارير رسمية. وتضمن التقرير الأول وعنوانه عمليات الإبعاد الإشكالية، والذي اعتُمد في أكتوبر/تشرين الأول 1999، 32 توصية حول كيفية تسهيل تنفيذ عمليات الإبعاد هذه مع ضمان حقوق الإنسان. وتضمنت القضايا الأخرى التي جرت دراستها : القصَّر الموجودون قيد الاعتقال السابق للإبعاد، والمعالجة الطبية والنفسية للأشخاص الموضوعين في حجز الشرطة أو قبل إبعادهم؛ والنساء في الاعتقال؛ والمعلومات المقدمة إلى المعتقلين؛ واستخدام لغة قائمة على التمييز من جانب أفراد الشرطة. ويصدر تقرير سنوي حول أنشطة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ولجانه.

ومن التحديات  التي تواجه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان معرفة ما إذا كانت توصياته ستوضع موضع التنفيذ. وقد أُنشئت مجموعة عاملة لدراسة الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية استجابة للتقرير الأول حول عمليات الإبعاد الإشكالية. وفي المستقبل، ستجري كما ورد مجموعة عاملة عملية التقييم هذه بعد رفع توصيات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى وزير الداخلية.

زيارات اللجان

تضم "عيون وآذان" المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان "على الأرض" – اللجان – مجموعة واسعة من الأشخاص بينهم محامون وأكاديميون ومستشارون تنظيميون وأطباء وعلماء نفس وعاملون اجتماعيون ورجل دين (لاهوت) وصحفي. ويُعيَّن قائد كل لجنة من جانب المجلس الاستشاري مباشرة استناداً إلى خبرته في مجال حقوق الإنسان، بينما يتولى قائد اللجنة اختيار بقية الأعضاء ويعتمدهم المجلس نفسه. وتغطي ثلاث من اللجان المناطق الكائنة داخل فيينا وحولها؛ وتتولى اللجان الثلاث الأخرى المسؤولية عن سائر أنحاء النمسا ويقع مقرها في مدن غراز وإنسبراك ولينـز. وتوجد مقار المحاكم العليا النمساوية في هذه المواقع.

وتستطيع اللجان الست – التي تضم كل منها ستة أعضاء – الدخول إلى أية مؤسسة للشرطة خاضعة للولاية القضائية لوزارة الداخلية، كل في منطقتها. وهيئات الشرطة في هذه المؤسسات ملزمة بالتعاون مع أعضاء اللجنة ودعم أنشطتهم والسماح لهم بالدخول إلى مباني الشرطة والاطلاع على ملفاتها. كذلك يتمتع أعضاء اللجنة بالحق في مقابلة المعتقلين على انفراد بغياب طرف ثالث، لاسيما الشرطة. ويمكن إجراء الزيارات بصورة روتينية أو بحسب ما تمليه الظروف، ولا حاجة إلى الإعلان عنها.

والمهمة الرئيسية للجان هي الإشراف على أوضاع الاعتقال الخاضعة للولاية القضائية لوزارة الداخلية واستخدام القوة من جانب هيئات الشرطة. ولدى زيارة أماكن الاعتقال، تستخدم اللجان قائمة مراجعة للمقاييس لتحديد ما إذا كانت الضمانات الأساسية موجودة. وتُرفع النتائج التي توصلت إليها إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي يقرر كيفية وجوب استخدام المعلومات. ولم تكن هذه المهمة سهلة دائماً نظراً لضخامة عدد التقارير والحاجة إلى تحقيق انسجام أكبر بين تقارير مختلف اللجان. وفي العام الأول من تشكيلها قامت اللجان الست بحوالي 120 زيارة. وعند كتابة هذا التقرير، كان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يعكف على رفع مستوى تدريب أعضاء اللجان من أجل تحقيق قدر أكبر من الانسجام والتوافق في عملها.

نجاحات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والقيود التي تحد من حركته

من النجاحات الكبرى التي أحرزها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مدى الصلاحيات الممنوحة له التي تجيز له التعامل مع أية قضية من قضايا حقوق الإنسان تتعلق بأنشطة وزارة الداخلية في النمسا. وينعكس هذا الأمر في المواضيع المتشعبة نسبياً التي أنشأ المجلس مجموعات عاملة بشأنها لإجراء أبحاث.

وهناك نجاح آخر يتمثل في التعاون الذي حظي به المجلس الاستشاري ولجانه عند زيارته للمؤسسات الخاضعة للولاية القضائية لوزارة الداخلية. وقد أُبلغت منظمة العفو الدولية بوجود درجة عالية من الوعي لدى أفراد الشرطة حول عمل المجلس الاستشاري وحقه في الدخول إلى مجموعة واسعة من المؤسسات. وعلاوة على ذلك، ورد أن أعضاء المجلس ولجانه استُقبلوا بحرارة من جانب أفراد الشرطة خلال زياراتهم. وتتعارض هذه الصورة الإيجابية مع التجارب التي مرت بها اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب خلال زيارتها الأولى إلى النمسا في العام 1990، والتي أشارت في تقريرها إلى "التحفظ الذي أبدته السلطات" في المؤسسات التي زارتها. واعتقدت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب أن رد الفعل هذا قد يُفسَّر إلى حد ما" بعدم توافر المعلومات لدى الموظفين الرسميين المعنيين مباشرة، وبخاصة في حالة الشرطة، الذين بالكاد كانوا على علم بزيارة اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب وبدورها.

ويتمثل أحد القيود الرئيسية المفروضة على صلاحيات إجراء التحقيقات الممنوحة حالياً للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في أن صلاحياتها في إجراء التحقيقات لا تتعلق إلا بالمؤسسات الخاضعة للولاية القضائية لوزارة الداخلية. لذا، فالسجون خارجة عن نطاقها، لأنها تخضع للصلاحية القضائية لوزارة العدل. وبالتالي، لا توجد في النمسا هيئة مستقلة للإشراف على أوضاع الاعتقال في المؤسسات العقابية. وعلينا الانتظار لنرى ما إذا كان بإمكان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان توسيع صلاحياته في المراحل المقبلة من تطوره.

كما أن عدم قدرة المجلس على الإشراف على التحقيقات التي تجري في مزاعم إساءة الشرطة معاملة المعتقلين قد تُعتبر أيضاً قيداً رئيسياً. وكان يمكن لهذه المهمة الإشرافية أن تشكل رادعاً جباراً للشرطة عن ممارسة سوء المعاملة، وبخاصة في ضوء بواعث قلق منظمة العفو الدولية إزاء التحقيقات التي تجري في إساءة المعاملة المزعومة التي تمارسها الشرطة في النمسا. وفي السنوات الأخيرة، أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها إزاء حياد هذه التحقيقات وشموليتها، وهو باعث قلق ردد صداه محامو حقوق الإنسان داخل النمسا. كما أعربت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب في الماضي عن قلقها إزاء هذه التحقيقات. وعقب الزيارة التي قامت بها إلى النمسا في العام 1990، قالت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب إنه يجب معالجة مسألة ما إذا كان يتعين أن يشارك شخص مستقل في الإجراءات التأديبية المتعلقة بمزاعم إساءة المعاملة من جانب الشرطة لتحسين النوعية الملازمة للإجراءات وتعزيز ثقة الرأي العام بنـزاهتها. وفي تقريرها الدوري الثاني، طلبت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب من السلطات إبداء ملاحظاتها على الموقف المتساهل كما يظهر لوزارة الداخلية فيما يتعلق باتخاذ إجراءات تأديبية ضد رجال الشرطة على سلوكهم الذي يشكل انتهاكاً جسيماً للحقوق الأساسية للفرد  و- في ضوء بواعث القلق هذه – حول مدى استحسان تولي أشخاص من خارج جهاز الشرطة يتمتعون بالمؤهلات والمهارات المناسبة التحقيق في الشكاوى المتعلقة بإساءة المعاملة التي تمارسها الشرطة.

الخلاصة

ساهمت وفاة ماركوس أوموفوما وإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان فيما بعد في زيادة الوعي بحقوق الإنسان وحمايتها في النمسا. ورغم أن الصعوبات العملية والصلاحيات المحدودة التي يتمتع بها المجلس المذكور قد حدَّت من فعاليته في السنة الأولى من عمره تقريباً، إلا أن هناك العديد من البوادر المشجعة على أنه سيكون للمجلس تأثير كبير على حماية حقوق الإنسان فيما يتعلق بأنشطة الشرطة. كما أعربت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب عن رضاها على إنشاء المجلس، قائلة في تقريرها حول زيارتها الدورية الثالثة إلى النمسا إنه : "إذا عمل بفعالية، سيشكل المجلس الاستشاري ضمانة مهمة ضد إساءة المعاملة". لكن الأسئلة المهمة – وهي ما إذا كانت الحكومة ستُنفذ توصياته وكيف – تحتاج إلى جواب.

جنوب أفريقيا : فضح التعذيب في عهد الفصل العنصري

"بيتر جاكوبس (ضحية تعذيب) : كنت تجردني من ملابسي، وتربط قدميَّ بحزامي الأزرق، وتلقي بي على الأرض …. وفي لحظة ما، اعتقد أنها المرة الرابعة تقريباً، عندما ظننت أنني أُحتضر أيقظتني وقلت، ‘بيـتر، سآخذك إلى شفير الموت، عدد المرات الذي يحلو لي. لكن هنا ستتكلم وإذا كان ذلك يعني أنك ستموت عندها، فلا بأس.’ هل تتذكر ذلك؟

"جغري بنـزيين [عضو سابق في وحدة تعقب الإرهابيين] : أعترف بأنني ربما قلت ذلك، يا سيدي.

"بيـتر جاكوبس : أريد أن أعرف، أريدك أن تخبرني، لأن هذا مهم لي. لجنة الحقيقة تستطيع إصدار عفو، لكن هذا مهم لي، هل قلت ذلك؟

"جفري بنـزيين : نعم، أنا قلت ذلك. …

"جفري بنـزيين : [هذه الأوامر لا تتعلق بشخص محدد، ادخل الآن ومارس التعذيب ضد ذلك الشخص … كان هذا هو الأمر اليومي (العرف السائد)، عند استجواب إرهابي، كنت تحصل على المعلومات التي تريدها بأسرع وقت ممكن، باستخدام أية وسائل متوافرة تحت تصرفك. وفي حالتي، كان التعذيب هو الوسيلة … وكنا ندلي بأدلة في محاكمات عديدة و… خصوصاً عندما كان يتعلق الأمر بأشياء مثل التعذيب … كان الواحد منا يكذب بشأنه، ولم يكن يعترف.

"غاري كروزر (ضحية تعذيب) : بأمر من كذبت؟ قلت إنك تلقيت تعليمات بالكذب، فبأمر من كذبت؟

"جفري بنـزيين : أستطيع القول إنها كانت أوامر الملازم أول ليبنبرغ (رئيسه) … وكانت حقيقة معروفة، في ظروف معينة عليك الكذب، وفي الظروف التي كانت فيها شهادتي هي التي ستلطخ سمعة الشعبة الأمنية، كذبت. وكانت وسيلة مقبولة".

جرت هذه الأحاديث المتبادلة الملفتة في كيب تاون بجنوب أفريقيا في يوليو/تموز 1997 في جلسة علنية عقدتها لجنة العفو المستقلة التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة.

لجنة الحقيقة والمصالحة

أُنشئت لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا بموجب قانون تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية رقم 34 للعام 1995. وكانت تتمتع بصلاحيات واسعة واستثنائية قياساً "بلجان الحقيقة" التي شُكِّلت للنظر في الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان في الدول الأخرى. والقانون الذي عكس التوازن السياسي والسلطوي الدقيق الذي كان قائماً في مرحلة الانتقال بالبلاد من حكم الأقلية البيضاء (الفصل العنصري) في العام 1994، زوَّد اللجنة بـ : صلاحيات التحقيق والاستدعاء؛

صلاحيات واسعة للتحقيق في أنماط انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الموظفون الرسميون وأعضاء المنظمات المعارضة خلال فترة 34 عاماً؛

صلاحية إصدار توصيات، من ضمنها دفع تعويضات إلى ضحايا الانتهاكات.

والصلاحية شبه القضائية في منح العفو، في ظروف معينة، لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

والقانون الذي اعتُمد في عهد حكومة الوحدة الوطنية، التي ضمت أعضاءً من الحكومة السابقة، نوقش بصورة مكثفة في الحكومة والبرلمان الوطني وبين المنظمات غير الحكومية. ويعود أساس القرار بإعطاء صلاحية منح العفو إلى المفاوضات السياسية الصعبة التي أدت إلى الاتفاق على دستور مؤقت في العام 1993 وإجراء انتخابات يشارك فيها الجميع في العام 1994. وخشي أعضاء الحكومة في حينه، وربما أعضاء المنظمات المعارضة، من إمكانية إجراء ملاحقات جنائية وتحمل تبعة مدنية عن الجرائم التي ارتُكبت باسم الفصل العنصري أو باسم معارضته. وخلال المفاوضات، قاومت أحزاب المعارضة الضغط الذي مارسته الحكومة لإصدار عفو شامل. وانعكست التسوية التي تم التوصل إليها في حاشية ملحقة بالدستور المؤقت، أُشير إليها بعبارة ما بعد الديباجة، ذكرت بأنه سيصدر عفو عن الجرائم ذات الدوافع السياسية وبأن التشريعات المستقبلية ستضع المعايير والإجراءات اللازمة لتنظيم العملية. وعلى هذا الأساس، سنت الحكومة الجديدة في عهد الرئيس نلسون مانديلا قانوناً لإنشاء لجنة تحقيق متعددة المهام وتتمتع بصلاحيات منح عفو.  

وخلال الصياغة، كانت هناك مخاوف من أن تؤدي المساومات التي تجري على مستوى الحكومة إلى إصدار قرار بأن هيئة التحقيق المقترحة لا تستطيع النظر في طلبات العفو إلا خلف أبواب موصدة. لكن بموازاة الضغط الذي مورس داخل الحكومة جرى نقاش علني في البرلمان وعمليات كسب تأييد مكثف مارستها المنظمات غير الحكومية. وكان المحصلة النهائية إدراج نص في الفقرة 20 من قانون تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية للعام 1995 يفيد أنه حيث يعترف المذنب في طلب مقدم للحصول على عفو بارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" يجب أن تكون الجلسة علنية. ويترتب إبلاغ الضحية أو أحد أقربائه بتاريخ الجلسة ومكانها ويحق له "الإدلاء بشهادته أو تقديم أدلة أو أي شيء يؤخذ بعين الاعتبار". وينبغي على مقدم الطلب "أن يكشف جميع الحقائق ذات الصلة كاملة" وأن يثبت بأن الفعل الذي يسعى إلى الحصول على عفو عنه "كان فعلاً مرتبطاً بهدف سياسي وارتُكب في سياق النـزاعات التي نشبت في الماضي".

وكان يحتمل أن تكون النتيجة قاسية لجهة حقوق الضحايا، لأن مقدم الطلب الذي يحصل على العفو سيتمتع بحماية دائمة من أية تبعة جنائية أو مدنية بالنسبة للجرم الذي أقر بارتكابه. ولم يشترط القانون أن يبدي الجاني ندمه أو يقدم تعويضات شخصية إلى الناجي أو عائلته. وطعن أقارب بعض النشطاء البارزين المناهضين للفصل العنصري والذين كانوا ضحايا لوحشية الشرطة في هذه النصوص أمام المحكمة الدستورية. وفي حين أن المحكمة أقرت بأن النصوص أثَّرت على الحقوق الأساسية التي يحميها الدستور الجديد، إلا أنها قضت بأن الجزء التالي للديباجة حدَّ فعلياً من تلك الحقوق وأنه ينبغي على الضحايا أن يأملوا في برنامج حكومي أوسع للتعويضات في مرحلة ما بعد الفصل العنصري للحصول على تعويض. وبوجيز العبارة، كان موازنة بين "المصلحة الوطنية" المتصورة وبين مطالب الضحايا. والزمن وحده كفيل بأن ينبئنا بما إذا كانت ثمار "الكشف الكامل" الناجمة عن عملية العفو، والذي طبقته لجنة العفو التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة (انظر أدناه)، والمصالحة التي افتُرض أنه سيحققها، ستلبي احتياجات الضحايا ومطالبهم والالتزامات الدولية المترتبة على البلاد في مجال حقوق الإنسان.

وفي عهد دولة الفصل العنصري، واجه ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بمن فيهم ضحايا التعذيب، وأقرباؤهم إنكاراً من المسؤولين على مدى سنوات لحدوث الانتهاكات. وبكل بساطة تم إنكار الأدلة على الممارسة واسعة الانتشار والروتينية للتعذيب وسوء المعاملة والتي جمعها العاملون في مجالي الصحة والقانون ومنظمات مراقبة حقوق الإنسان. وتجاهلت المحاكم معظم أقوال الضحايا الذين قُدِّموا للمحاكمة بعد أشهر من الاعتقال غالباً بمعزل عن العالم الخارجي حول المعاملة التي لقوها على أيدي أفراد الشرطة الأمنية. وفي أفضل الأحوال، قد يحصل الضحايا على تسوية خارج ساحة المحكمة في دعوى مدنية، لكن مع نفي الشرطة لأية مسؤولية. وفي النهاية أتاحت لجنة الحقيقة والمصالحة والجلسات العلنية التي عقدتها بشكل خاص إحدى لجانها الفرعية الثلاث، وهي اللجنة المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان، الفرصة للناجين أو أقربائهم لكي يصفوا علناً تجاربهم المؤلمة.

الجلسات

عقدت اللجنة المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان عدداً من الجلسات العلنية في شتى أنحاء البلاد للتحقيق في مزاعم الضحايا والتوصل إلى نتائج حولها. وأتاحت هذه الجلسات لبعض الناجين أو لأفراد عائلاتهم فرصة لوصف ما حدث لهم وإبلاغ اللجنة بما يأملون أن يحققه عملها بشأن قضيتهم. وعُقدت الجلسات في مراكز حضرية رئيسية وبلدات صغيرة ومناطق ريفية، وحضرها أبناء المجتمعات المحلية. وجرى بث الجلسات، التي غالباً ما كانت مشحونة بالانفعالات والمشاعر العاطفية وتشوبها أحياناً تعقيدات قانونية تُعزى إلى الأحكام الصادرة عن المحاكم والتي تمنع ذكر أسماء الجناة المزعومين من دون إخطارهم مسبقاً جرى بثها على شاشات التلفزيون وعبر أثير الإذاعة على مستوى البلاد ونقلتها وسائل الإعلام المكتوبة على نطاق واسع.

وكان من ضمن الشهادات العديدة التي استُمع إليها، شهادة غلاديس نتسيزاكالو من بلدة نوبورت الواقعة في كارو الشمالية، التي أبلغت اللجنة المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان أن ابنها سيفيوو نتسيزاكالو البالغ من العمر 15 عاماً أصيب بمرض عقلي عقب اعتقاله وتعذيبه في الثمانينيات. وقد حُرمت من رؤيته مدة وصلت إلى ثلاثة أشهر. وقالت في شهادتها إنه عندما سُمح لها في النهاية بمقابلته في مركز الشرطة،

"[وجدته] وحيداً في الزنزانة. وكانت كلا يديه وساقيه مكبلة. وعندما نظرت إليه كأم، أدركت أنه أصيب باختلال عقلي. وعندما رآني، أجهش بالبكاء. وأحسست أن ابني قد تغير. ولما سألته، قال لي إنهم ظلوا يعتدون عليه بالضرب … ولهذا السبب أصبح مختلاً عقلياً. وكانوا يأخذون كيساً – كيساً مبللاً – ثم يغطونه به. ويضعونه في صندوق [سيارة]، ويقتادونه إلى مكان لا يعرفه، ثم … ينهالون عليه بالضرب … والآن لا يستطيع أن يفعل أي شيء بمفرده."

وخلال فترة الثمانية عشر شهراً التي عُقدت خلالها هذه الجلسات العلنية، روى مئات الشهود حكايات تفطر القلب حول التعذيب وسوء المعاملة اللذين مارستهما الشرطة والموظفون الآخرون في دولة التفرقة العنصرية. وكانت هناك بعض الروايات أيضاً حول التعذيب وسوء المعاملة اللذين مارستها التنظيمات المعارضة، بمن فيها المؤتمر الوطني الأفريقي، في المنفى في المعسكرات التي كان تسيطر عليها خارج جنوب أفريقيا. ورأت لجنة الحقيقة والمصالحة أن هذه الجلسات حيوية لتحقيق أحد أهدافها القانونية – "إعادة الكرامة الإنسانية والمدنية لهؤلاء الضحايا بمنحهم فرصة لرواية حكاياتهم حول الانتهاكات التي كانوا ضحاياها" كذلك ذكرت "أنهم أماطوا اللثام عن مدى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجعلوا من المستحيل على أبناء جنوب أفريقيا أن ينكروا من جديد حدوث هذه الانتهاكات فعلاً".

وفي مجتمع منقسم على نفسه بشدة وتجاهل فيه العديد من المستفيدين من نظام الفصل العنصري الانتهاكات واسعة النطاق والمنهجية لحقوق الإنسان، كانت الشهادات التي أدلى بها الجناة والتي تقشعر لها الأبدان هي التي خرقت جدار الإنكار. وخلصت اللجنة إلى أنه : "لدى مراجعة جهودها التي استهدفت كشف النقاب عن الحقيقة الأعمق التي تقف وراء الانتهاكات التي ارتُكبت في عهد الفصل العنصري، تقر بصراحة بأن جزءاً كبيراً من نجاحها يُعزى إلى حقيقة أن أعداداً كبيرة من أعضاء قوات الأمن اغتنموا إمكانية حصولهم على العفو مقابل كشف الحقيقة كاملة." كما أنها أقرت بأن ما دفع هؤلاء الموظفين الأمنيين إلى الكلام كان مقدار المعلومات التي كشفها أحدهم وهو يوجين دي كوك" الذي خالف ميثاق الصمت" وكان هذا الرئيس السابق لوحدة سرية تابعة للشرطة مقرها في فلاكبلاس يُحاكم في محكمة بريتوريا العليا بتهم متعددة بالقتل وجرائم أخرى. وقد قرر الاستفادة من أحكام قانون العام 1995، فقدم طلباً للعفو من سجن سي – ماكس ذي الإجراءات الأمنية القصوى في بريتوريا حيث كان يقضي عدة أحكام بالسجن المؤبد. وهددت الجلسات المتعلقة بطلبه الطويل بفضح دور الآخرين في الجرائم التي ارتكبها. وكان الخوف من احتمال مقاضاتهم أحد الأسباب التي حدت بأعضاء آخرين في الشرطة الأمنية إلى تقديم طلبات للحصول على العفو. ولم يشعر الجناة من قطاعات أخرى، مثل الجيش، بأنهم مهددون على نحو مماثل، فلم يتقدموا بطلبات للحصول على العفو، وكان غيابهم واضحاً.

حالات العفو

تلقت لجنة الحقيقة والمصالحة ما يربو على 7000 طلب للعفو، أغلبيتها من سجناء يقضون عقوبات بالسجن. وكانت لجنة أخرى من اللجان الفرعية التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة – وهي لجنة العفو المستقلة ذاتياً، والتي ترأسها قاض في المحكمة العليا – مسؤولة عن النظر في هذه الطلبات والبت فيها. وجرى البت في العديد منها على أساس الأوراق المقدمة، من دون عقد جلسة. لكن في 1000 حالة على الأقل، تم التوصل إلى قرارات حول الطلبات عقب عقد جلسات علنية أمام لجنة العفو. ومن بينها حوالي 50 حالة تتعلق بمقدمي طلبات كشفوا بأنهم هم أو أفراداً آخرين في الشرطة استخدموا التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة الشديدة ضد المعتقلين أو ضد أفراد اختطفوهم وقتلوهم فيما بعد.

ويشير سجل الجلسات إلى أنه في عدد من الحالات، كان الناجون من التعذيب أو أقرباؤهم أو ممثلوهم القانونيون حاضرين للطعن في الروايات التي أدلى بها مقدمو الطلبات. وفي أغلبية الحالات الخمسين، منحت لجنة العفو عفواً على أساس أن مقدم الطلب التزم بشروط الفقرة 20 من القانون، حيث أماط اللثام "بالكامل عن جميع الحقائق ذات الصلة؛" وحيث إن الفعل الذي كشفه "مرتبط بهدف سياسي وارتُكب في سياق النـزاعات الماضية،" وقد ارتكبه أو أصدر أمراً بارتكابه أو خطط له موظف في الدولة يتصرف في سياق مهامه وضمنها، أو عضو في منظمة سياسية معروفة أو حركة تحرير أو مناصر لها لتحقيق أهدافها.

سعى جيرهاردوس جوهانيز نيوودت، الذي كان أحد الأفراد الأسوأ سمعة في الشعبة الأمنية للشرطة في بورت إليزابث، لطلب العفو بشأن عدد م القضايا الشهيرة، ومن ضمنها الاعتداء على الناشط السياسي مخوزلي جاك في أغسطس/آب 1985. وزعم جيرهاردوس جوهانيز نيوودت في شهادته أنه بموجب أحكام قانون الطوارئ الرسمي المعمول به في حينه، أُجبر في سبيل "المصلحة الوطنية" وتعرض للضغط من أعلى السلطات السياسية لتهدئة "الاضطرابات". وتضمن ذلك اعتقال مخوزلي جاك واستجوابه في محاولة لكسر مقاطعة المستهلكين للشركات المحلية. وزعم جبرهاردوس جوهانيز نيوودت أنه عندما أثبت المعتقل أنه "عنيد للغاية"، أمسك بسوط بلاستيكي أسود وجلده عدة جلدات على جسمه وساقيه … وكانت طريقة لإضعاف مقاومته. وذكر أنه استفاد من أنظمة الطوارئ التي "منحته حماية واسعة … من المقاضاة والقضايا المدنية" : وقال إنه إذا نشأت قضية ضده أو ضد أعضاء آخرين في الشعبة الأمنية، "كنا نحاول التستر عليها أياً تكن القضية لضمان عدم وصولها إلى المحكمة".

بيد أن اعترافاته التي صيغت بعبارات متأنية، فُنِّدت بالكامل خلال الجلسة العلنية التي عُقدت في سبتمبر/أيلول 1997 للاستماع إلى مخوزلي جاك ومحاميه. وتحدى المحامي جيرهاردوس جوهانيز نيوودت، زاعماً أنه لم يعتدِ على المعتقل فقط، بل إنه قام بمساعدة رجال شرطة آخرين بممارسة أسلوب التعذيب "المعروف بتعذيب الهليكوبتر" ضده.

ونفى جيرهاردوس جونانيز نوودت هذا الأمر. واستطاع مخوزلي جاك الذي حضر الجلسة أن يواجهه :

"سأتلو ما جاء في إقرار مشفوع بالقسم كان أساساً للمطالبات المدنية التي … قامت (الشرطة) بتسويتها على أساس المعلومات الواردة في هذه الوثيقة...

"أخرج الصول (ضابط الصف) كوتزي منشفة وربطها بشكل مرتب حول كل واحد من معصميّ ووضع أصفاد اليدين فوق المنشفة. وشد الأصفاد بإحكام. وأُمرت بأن أجلس على الأرض وأن أضع ذراعيّ المكبلتين بالأصفاد فوق ساقيّ. ثم أُدخلت عصا تحت ركبتيّ وفوق ساعديّ، حيث تم تثبيتي في وضع انحناء دائم. ودخل نيوودت الغرفة … عندئذ رفعني كلا الرجلين بواسطة العصا وعلقاني بين طاولتين…

"وتعرض نحو 60 مقدم طلب آخر، شكلوا أساساً للقضية المدنية، لهذه المعاملة. وقد شارك هو (نيوودت) في تعذيب 80 بالمائة منهم … ولن أخوض في هذا الحديث المؤلم، لأن الجميع يعرفون ما هو هذا الشيء [تعذيب الهليكوبتر]… وأجد غرابة في عدم تذكره هذا الأمر، فقد كان في حينه يتبجح حول كيفية اعتدائه على جميع الأشخاص الآخرين … كيف … يمكن لنيوودت أن ينكر هذا، في الحقيقة لا أستطيع أن أفهم ذلك. كيف يأمل أن يحصل على عفو؟ إن هذا المنبر المخصص للعفو يجب أن يستخدم بالاحترام الذي يستحقه ولا يجوز تحويله إلى مهزلة تهدف إلى إهانة العائلات … أنا وعائلتي وعائلات العديد من الأشخاص الآخرين الذين لن تتاح لهم فرصة المجيء والتكلم أمام هذه [اللجنة]…"

ورد محامي جيرهاردوس جوهانيز نيوودت قائلاً إنه من غير المحتمل أبداً أن يكون الأخير قد علَّق على مسؤوليته عن الاعتداءات "أمام شخص سيتمكن يوماً ما في نهاية المطاف من أن يدلي بشهادته ضده". فرد مخوزلي جاك : لم يعتقد (نيوودت) قط إنه سيواجه يوماً هؤلاء الأشخاص هنا وهو جالس هنا … ولم يكن يخشى دعاوى المعتقلين". وفي الواقع، كانت الغطرسة التي مارستها الشعبة الأمنية أمداً طويلاً، والتي انعكست في شهادة جيرهاردوس جوهانيز نيوودت، هي التي أفشلت طلبه في النهاية. فقد رفضت لجنة العفو طلبه على أساس أنه لم يدلِ "بمعلومات كاملة" وأن الاعتداء المحدود الذي اعترف به لم يكن عملاً مرتبطاً بهدف سياسي.

وفي قضية أخرى، حظي قرار لجنة العفو بمنح بالصفح عن شرطي سابق في الشعبة الأمنية في دربن هو كريستو نل بسبب دوره في تعذيب معتقل اسمه يونس شيخ في يوليو/تموز 1985 حظي بدعم الضحية نفسه. وأدلى كريستو نل بشهادة قال فيها إنه أمسك بالمعتقل بينما كان رجال شرطة آخرون يعذبونه. وقال إن أحد ممارسي التعذيب كان طبيباً "أدار" في الحقيقة تنفيذ طريقة التعذيب (الشرجي) "غير المعتادة بالمرة" التي مورست ضد يونس شيخ. وأبلغ الضحية، الذي احتُجز في الحبس الانفرادي طوال 11 شهراً، لجنة  العفو أنه يتفق بصورة جوهرية مع الرواية التي أعطاها مقدم الطلب. وقال "لقد أصغيت … وأحسست كما لو أنني أعيش من جديد ذكرى مؤلمة." وتابع قائلاً بأريحية، إن اعترافات كريستو نل قد أتاحت فرصة (ليونس) وعائلته لطي صفحة" فترة كان فيها أيضاً والده وثلاثة من أشقائه معتقلين وأُصيبت والدته بنوبة قلبية وتوفيت. وهو نفسه كان يختزن كماً هائلاً من الغضب بعد الإفراج عنه. ورأى أن مقدم الطلب أبدى بعض الشجاعة في المثول أمام اللجنة في الوقت الذي تخلف فيه "العديد من رجال الشرطة الآخرين" عن القيام بذلك.

وعلى عكس ذلك، كشفت الجلسة المتعلقة بطلب جفري بنـزيين، وهو عضو سابق في الشعبة الأمنية للشرطة عن تناقض شديد في موقف ضحاياه السابقين، الذي شككوا في النهاية بأنه كشف بالكامل المعلومات ذات الصلة بالدفاع عن مطالبته بالصفح عنه. ومن ناحية شكلت أقوال جفري بنـزيين أمام لجنة العفو اعترافاً صريحاً بشكل مذهل بالممارسة الروتينية للتعذيب ضد أي شخص يشتبه في قيامه بأنشطة "إرهابية" نيابة عن المؤتمر الوطني الأفريقي في أواخر الثمانينيات. وأكدت شهادته وشهادة الشاهد المؤيد له اللواء المتقاعد جوهانيز غريبناو، وهو ضابط كبير سابق في الشعبة الأمنية للشرطة، أن سلوكه كان يحظى بالتأييد على أرفع مستوى سياسي. وفي إحدى مراحل الجلسة، وبناء  على طلب طوني بنغيني أحد ضحاياه السابقين، مثَّل جفري بنـزيين على متطوع، أمام اللجنة والجمهور وآلات التصوير التلفزيونية أسلوبه الشهير في التعذيب بالاختناق المعروف باسم "الكيس المبلل" والذي اعتبره المراقبون شكلاً من أشكال "التشهير العلني به". ورغم هذا فإن استجوابه المتواصل من جانب ضحاياه في الجلسة غالباً ما فضح تقاعسه عن الاعتراف بالأشكال الأخرى من سوء المعاملة وكشف أسماء رجال شرطة آخرين شاركوا في جلسات التعذيب.

وعند التوصل إلى قرارها بشأن طلب جفري بنـزيين، لم تفكر لجنة العفو، كما فعلت بشكل مألوف في أحكام أخرى، في مدى إدلاء مقدم الطلب باعتراف كامل. ومع ذلك منحته عفواً عن الاعتداء بهدف التسبب بأذى جسدي شديد لسبعة معتقلين ذُكرت أسماؤهم. وعقلت اللجنة ببساطة على الأدلة المقدمة لها قائلة إن "الجرائم التي يطلب مقدم الطلب الصفح عنه بشأنها ارتُكبت خلال النـزاعات التي جرت في الماضي بين الدولة وحركة التحرير ونجمت عنها".

وفي قضية ستانزا بوباب الذي أجرت عائلته تحقيقاً نشطاً في "اختفائه" الذي حدث في يونيو/حزيران 1988، قبلت اللجنة، بشيء من عدم الارتياح، مزاعم 10 رجال سابقين في الشعبة الأمنية، بينهم رئيس الشعبة في حينه، بأنهم قتلوه بصورة غير قانونية (نتيجة صعقه بالصدمات الكهربائية) وتخلصوا من الجثة واختلقوا رواية متقنة لإخفاء معالم الجريمة. وفي تأمل مقلق حول قضية "التناسب"، لاحظت اللجنة أن "الأساليب التي استُخدمت في استجواب الراحل كانت بغيضة وغير قانونية. لكننا بعد دراسة متأنية، نرى أن استخدامهم لجهاز الصعق بالصدمات الكهربائية في الاستجواب لم يكن غير متناسب مع الهدف الذي كانوا ينشدونه. وبالنسبة إليهم كان استخدام أجهزة الصعق الكهربائية في الاستجواب ممارسة شائعة … وتصوروا أنها وسيلة فعالة وملائمة لإجبار الضحية على التعاون معهم ولم يتوقعوا أو يشكوا في أن تترتب على استخدامها عواقب مميتة."

وأكملت لجنة العفو جلساتها وأصدرت أحكامها النهائية بحلول يونيو/حزيران 2001 ولم يبق أمام لجنة الحقيقة والمصالحة إلا إعداد تقريرها النهائي، الذي سيُدرج الوقائع التي توصلت إليها لجنة العفو في التقرير السابق للجنة الذي نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 1998، ويتضمن توصيات إضافية حول تقديم تعويضات إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الذين تعرَّفت عليهم لجنة العفو. ولم يكن ذلك التقرير الذي ينبغي رفعه إلى رئيس جنوب أفريقيا قد أُعد في مطلع العام 2002.

الخلاصة

وضع عمل لجنة الحقيقة والمصالحة حداً لإنكار المسؤولين الرسميين والأحزاب السياسية طوال سنوات حدوث تعذيب منهجي وإفلات ممارسيه من العقاب في عهد الفصل العنصري. كما أنه أتاح للعديد من الضحايا الفرصة للتحدث عن التجارب التي مروا بها في جلسات علنية ومنح البعض فرصة لتحدي ممارسي التعذيب ضده وجهاً لوجه.

لكن لم يكن الجميع مرتاحاً للنتائج التي توصلت إليها اللجنة، وتجسد الثمن الذي دفعوه باسم المصلحة الوطنية المتصورة في تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات بسرعة وأريحية إلى الضحايا الذين ذُكرت أسماؤهم. وعلاوة على ذلك، لم تُبدِ الحكومة وسواها من الأحزاب السياسية في البرلمان اهتماماً يُذكر بدراسة توصيات اللجنة التي وردت في تقريرها الصادر في العام 1998، لمنع تكرار ضروب مشابهة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ساعدت اللجنة على فضحها وتعريتها.

ومنذ العام 1996، عندما بدأت اللجنة عملها، تغير المزاج السياسي في البلاد بشكل كبير. وانتقل الاهتمام من حقوق الضحايا ومزاعمهم حول التعذيب وسواه من انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الفصل العنصري إلى حقوق ضحايا جرائم العنف التي بلغت مستويات باتت تسبب قلقاً عاماً متزايداً.

وما زالت جنوب أفريقيا دولة يحدث فيها التعذيب، أساساً في إطار "الحرب على الجريمة". ورغم الإنجازات التي حققها لجنة الحقيقة والمصالحة، إلا أن المبررات التي ساقها ممارسو التعذيب الذين قدموا طلبات للصفح عنهم وقبول لجنة العفو بها بموجب أحكام القانون، قد يَثْبُت أنها تركة خطرة على صعيد مواصلة الحرب ضد التعذيب.

لقد أظهر هذا الدليل كيف بات يُنظر إلى منع التعذيب وسوء المعاملة على أنه يترتب عليه التزامات محددة على الدول، وهي ملزمة لها بموجب القانون الدولي. وينبغي أن تتخذ الحكومات تدابير وقائية كافية لضمان عدم قيام موظفيها باقتراف التعذيب. كما يجب أن تردَّ بشكل مناسب على حالات التعذيب، وذلك بإجراء تحقيقات عاجلة وفعالة، وتطبيق العقوبات، وتقديم التعويضات للضحايا، كما يترتب على منع التعذيب وسوء المعاملة أن تتخذ الحكومات تدابير إيجابية لحماية الأشخاص من مثل هذه الانتهاكات التي يقترفها الأفراد.

وتبين الفصول 6 - 4 من هذا الدليل التدابير التي يجب أن تتخذها الحكومات في بلدانها لتوفير الضمانات في الحجز، وضمان توفير ظروف اعتقال مناسبة، ومكافحة التعذيب في البيئات الأخرى، بما فيها المجتمع والعائلة. ويتناول الفصل 7 مهمة التغلب على مشكلة الإفلات من العقاب على التعذيب الذي يُرتكب في الداخل والخارج.

ويقدم هذا الفصل التدابير الإضافية التي ينبغي أن تتخذها الحكومات لمنع التعذيب في الخارج. كما يبين إسهام منتسبي مهنة الطب وغيرهم من فئات المجتمع المدني في استئصال شأفة التعذيب.

الجهود الدولية   

"بدؤوا يطرحون علي الأسئلة منذ اللحظة الأولى التي وضعوني فيها داخل الحافلة الصغيرة. وعندما لم أُجب، أخذوا يهددونني على النحو التالي. وكانوا يقولون ‘لا تريدين أن تتكلمي الآن’. و‘خلال بضع دقائق عند تبدأ أيدينا بالولوج بين ساقيك، ستغنين مثل العندليب’…

"وأجبروني على خلع قميصي وجواربي ومددوني على الأرض وكبلوا يديَّ وقدميَّ بأوتاد. وضربني شخص يدعى أوميت إردال على باطن قدميَّ لمدة نصف ساعة تقريباً. وبينما كان يضربني على باطن قدميَّ كان يردد القول ‘لقد حملنا الجميع على التكلم هنا، أتعتقدين بأننا لن نفلح معك؟ وكان يوجه إلي الإهانات…

"وهاجمني أوميت إردال وطرحني أرضاً. فسقطت على وجهي. ووقف على ظهري وبمساعدة شخص آخر أدخل هراوة في شرجي. وبينما كنت أحاول النهوض بصعوبة ظل يردد عبارة ‘يا عاهرة! انظري ما سنفعله بك أيضاً. أولاً أخبرينا كم شخصاً ضاجعتِ؟ ولن تستطيعي فعل ذلك مرة أخرى. فالشيء التالي الذي سنفعله هو تدمير أنوثتك’…

"وصلوا سلكاً كهربائياً بالإصبع الصغير في قدمي اليمنى وآخر بطرف الهراوة. وحاولوا إدخال الهراوة في عضوي الأنثوي. وعندما قاومت ضربوني على جسمي وساقيَّ بمقبض فأس كبيرة. وما لبثوا أن نجحوا في إدخال الهراوة في عضوي التناسلي وكان عليها السلك الكهربائي، ثم مرروا فيه التيار. فأُصبت بالإغماء. وبعد برهة، جلب الجنود الموجودون في الخارج آلة تستخدم لضخ الهواء في الأشخاص وقالوا إنهم سيقتلونني…"

إفادة أدلت بها أيس سمرا إكر، التي أُلقي القبض عليها في تركيا في مايو/أيار 1972.

فتح هذا الوصف المخيف الذي أعطته هذه المرأة الشابة للمعاملة التي لقيتها على أيدي أفراد المخابرات التركية الباب أمام أول تقرير رئيسي لمنظمة العفو الدولية حول التعذيب، أصدرته في العام 1973. ومع تغييرات طفيفة يمكن ألا يختلف في وصفه عن وصف جلسة تعذيب تجري في بداية الحقبة الألفية الجديدة. وتشكل القسوة والتهديدات والضرب واستخدام الكهرباء والاعتداءات الجنسية والتسبب بألم شديد والاعتداء على الذات الإنسانية محاولة لإخضاع الضحية بالكامل – وما زالت كل أساليب التعذيب هذه قائمة حتى يومنا هذا. ورغم الجهود المضاعفة التي بُذلت خلال نصف القرن الماضي للقضاء على التعذيب، إلا أنه يظل متفشياً.

وتبين في دراسة مسحية لملفات الأبحاث الموجودة لدى منظمة العفو الدولية والتي يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة بين العام 1997 ومنتصف العام 2000 أن المنظمة تلقت أنباءً حول التعذيب وإساءة المعاملة من موظفي الدولة في أكثر من 150 بلداً خلال الفترة المذكورة. وفي أكثر من 70 بلداً كان بين الضحايا سجناء سياسيون، لكن ورد أن المجرمين العاديين والمتهمين بارتكاب جرائم وقعوا ضحايا للتعذيب أو سوء المعاملة في أكثر من 130 بلداً. وبحسب ما ورد توفي أشخاص نتيجة التعذيب في أكثر من 80 دولة. ولم تتعلق هذه الأرقام إلا بالأفعال التي ارتكبها موظفو الدولة ولم تشمل الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات السياسية المسلحة والأشخاص بصفتهم الخاصة والتي يمكن إدراجها ضمن مفهوم التعذيب أو سوء المعاملة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2000، أطلقت منظمة العفو الدولية حملة عالمية لمناهضة التعذيب، وهي الثالثة في تاريخ المنظمة. وتم اختيار شعار "ساهموا في القضاء على التعذيب" للتشديد على أن للناس في جميع أنحاء العالم أدواراً مهمة يؤدونها في محاربة التعذيب وسوء المعاملة. واستهدفت الحملة إثارة الرأي العام العالمي بحيث تضمن أن تظل محاربة التعذيب تحتل مكانة عالية على جدول الأعمال العالمي.

وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لا يُعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ومنذ اعتماده في العام 1948، تحقق الكثير في الحرب على التعذيب. واعتمدت الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية الإقليمية ضمانات تفصيلية لمنع التعذيب ووضعت آليات لمواجهة المشكلة. وأجرت الحكومات إصلاحات قانونية. واعتمدت المحاكم الوطنية قرارات مهمة. وشُكِّلت منظمات غير حكومية لمحاربة التعذيب ومساعدة الضحايا. وتصرف المحامون والأطباء وسواهم من أصحاب المهن بشجاعة وخبرة. وشارك المواطنون العاديون في المجهود، حيث مارسوا الضغط على الحكومات كي تتحرك. وتحقق الكثير، لكن استمرار التعذيب يُظهر أنه ما زال هناك الكثير مما يجب فعله.

ويتحدث كتيب التحرك هذا عن محاربة التعذيب. ويجمع بين الأفكار وأساليب العمل والإنجازات ومعايير السلوك الحكومي ووسائل تطبيق تلك المعايير التي تمخضت عنها جهود نشطاء محاربة التعذيب حول العالم على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية أو أكثر. ونأمل أن يستفيد الأشخاص والمنظمات حول العالم المعنيين بمحاربة التعذيب من معرفة ما فعله الآخرون، وبالتالي تعزيز النضال ضد التعذيب.

ويلخص الفصل الأول من الكتيب تطور الحرب على التعذيب والإنجازات التي حققتها منذ الحرب العالمية الثانية. ويورد وصفاً للتصورات الناشئة بشأن القضية، ويقدم إطاراً للتحرك ضد التعذيب يرتكز على مفهوم الإرادة السياسية، ويقدم بيانات موجزة حول الهيئات والآليات الدولية والإقليمية الرئيسية التي أُنشئت لمحاربة التعذيب – وهي لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب واللجنة الأوروبية لمنع التعذيب (CPT).

ويتضمن الفصل الثاني دراسات للحالات توضح مختلف الدروب التي سُلكت لمحاربة التعذيب في ست دول، حيث غالباً ما جاءت الإنجازات نتيجة مزيج من العوامل. وقد تنفرد الدولة المعنية ببعض العوامل، لكن العوامل الأخرى لها دلالات أوسع.

ويوجز الفصل الثالث المعايير الدولية الآخذة في التطور والتي تقدم إطاراً للتحركات ضد التعذيب. ويصف الواجبات المترتبة على الدول بموجب القانون الدولي في حظر التعذيب ومنع حدوثه وتقديم المسؤولين عن ارتكابه إلى العدالة.

ويتناول الفصلان الرابع والخامس الانتهاكات التي تُرتكب ضد الأشخاص الذين احتُجزوا على أيدي موظفي الدولة. ويصف الفصل الرابع الضمانات التي وُضعت لحماية السجناء، وبخاصة في المراحل الأولى للاعتقال التي غالباً ما يكون فيها خطر التعرض للتعذيب على أشده. ويتطرق الفصل الخامس إلى الأوضاع التي يُحتجز فيها السجناء؛ والتي يمكن لبعضها، سواء بمفردها أو مقرونة بغيرها، أن تشكل تعذيباً أو إساءة معاملة.

ويتناول الفصل السادس التعذيب في أُطر أخرى. ويغطي قضايا مثل التعذيب وسوء المعاملة في المدارس ومؤسسات الأمراض العقلية، والعقاب الجسدي، والتعذيب في النـزاعات المسلحة، والعنف الممارس في المجتمع والأسرة.

ويبحث الفصل السابع في تحريم التعذيب بموجب القانون الوطني، وينظر في الشكاوى وأنباء التعذيب، وتقديم المسؤولين عن ارتكابه إلى العدالة ودفع تعويضات إلى الضحايا. ويتضمن معلومات حول ممارسة الولاية القضائية الشاملة وعمل المحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة ورواندا.

ويصف الفصل الثامن إجراءات إضافية ينبغي على الحكومات اتخاذها بشأن ممارسة التعذيب في الخارج، مع تقديم توصيات حول قضايا، مثل وقف تجارة التعذيب ومنع إعادة الأشخاص قسراً إلى دولة يتعرضون فيها لخطر التعذيب. كما يبحث في دور مهنة الطب والشرائح الأخرى للمجتمع المدني في استئصال شأفة التعذيب.

وحيث أمكن، يستشهد الكتيب بأهم المعايير الدولية ذات الصلة، ويطرح أفكاراً للتنفيذ العملي. وتقترن بعض الفقرات بأمثلة على التحركات وتصف الجهود التي حققت نتائج. وقد لا نكون وضعنا حداً للتعذيب وسوء المعاملة، لكن الإنجازات اتسمت جميعها بالأهمية إلى حد ما. وهذه الأمثلة ليست الوحيدة – إذ كان يمكن الاستشهاد بأمثلة أخرى عديدة – لكن وقع عليها الاختيار لأنها توضح مجموعة واسعة من المقاربات للتحدي المتمثل في محاربة التعذيب. كما تُقدم اقتراحات للمزيد من المطالعة.

وسعت الحملة الأخيرة لمنظمة العفو الدولية لمناهضة التعذيب لإحراز تقدم في ثلاثة مجالات مترابطة – منع حدوث التعذيب، والتصدي للتمييز، والتغلب على ظاهرة الإفلات من العقاب. وتنعكس هذه الأفكار الثلاث في جميع أجزاء الكتيب. وبوجه خاص، يتناول الفصل الأول العلاقة بين التعذيب والتمييز؛ ويصف الفصل الرابع الضمانات الوقائية، وبخاصة فيما يتعلق بالأشخاص المحتجزين؛ وترد في الفصل السابع الإجراءات اللازمة للتغلب على ظاهرة إفلات موظفي الدولة من العقاب على التعذيب.

وقد أُرفقت بالتقرير نصوص مهمة وعناوين لمواقع على شبكة الإنترنت ومعلومات أخرى يمكن أن تساعد القراء على مواكبة التطورات التي ستتواصل، لكن المعلومات والأفكار الأساسية الواردة في هذا الكتيب يمكن أن تساعد في إعداد جدول أعمال للمجهود العالمي المناهض للتعذيب في السنوات القادمة.

الإجراءات تجاه الحكومات الأخرى

باعتمادها ميثاق الأمم المتحدة، تعهدت الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بأن "تقوم بشكل منفرد أو مشترك، وبالتعاون مع الهيئة، بتحقيق المقاصد المتمثلة في احترام حقوق الإنسان ومراعاتها". إن الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومات معاً في الأمم المتحدة، ومنها اعتماد الجمعية العامة من دون تصويت، سنوياً، القرارات التي تدعو إلى اتخاذ تدابير محددة لمناهضة التعذيب وسوء المعاملة في البلدان الأخرى، تعني أن الحكومات معنية، ويجب أن تكون معنية بأفعال التعذيب وسوء المعاملة في البلدان الأخرى. وكما تشير الفقرة 5.7، فإن طبيعة حظر التعذيب كمبدأ قطعي من مبادئ القانون الدولي العام تنطوي على أن لأي دولة الحق في أن تقدم إلى العدالة أي جلاد مزعوم يتواجد على أراضيها. وتؤمن منظمة العفو الدولية أن باستطاعة جميع الدول أن تفعل ذلك، بل إن من واجبها أن تفعله. وتستطيع الحكومات، ويجب عليها أن تتخذ إجراءات أخرى للدعوة إلى استئصال شأفة التعذيب وإساءة المعاملة في البلدان الأخرى.

ألبانيا: الإجراءات من جانب الحكومة والمجتمع المدني

كثيراً ما تستطيع المنظمات غير الحكومية أن تعمل جنباً إلى جنب مع الحكومات في مكافحة التعذيب. ففي ألبانيا ظلت حوادث تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم على أيدي الشرطة متفشية منذ نهاية الحكم الشيوعي في العام 1991. إلا أن بعض التدابير أسفر عن نتائج إيجابية؛ فقد قامت منظمات غير حكومية ألبانية، بالتعاون مع المركز الدنمركي لحقوق الإنسان ووزارة النظام العام الألبانية، بمشاريع تعليم حقوق الإنسان لأفراد الشرطة. كما قامت المنظمات غير الحكومية بمشاريع تعليم حقوق الإنسان لموظفي السجون، وقامت بزيارات إلى مخافر الشرطة ومراكز الاعتقال والسجون بهدف التحدث إلى السجناء ومراقبة الأوضاع فيها. وأنشأ العديد من المنظمات غير الحكومية خطوطاً هاتفية يستطيع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من خلالها الحصول على مشورة قانونية بشأن تقديم الشكاوى.

في مارس/ آذار 2001، نشرت وزارة النظام العام إعلانات في الصحف على مساحة صفحة كاملة لتعزيز الوعي العام بالأحكام القانونية المتعلقة بالشرطة، بما فيها الحقوق المنصوص عليها في أحكام الدستور، من قبيل الحق في عدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة. وفي سبتمبر/ أيلول 2001، أنشأت الوزارة نفسها خطاً هاتفياً للشكاوى. وورد أنها تلقت شكاوى عديدة بشأن حوادث سوء المعاملة على أيدي الشرطة، وقد نتج عنها طرد بعض أفراد الشرطة أو وقفهم عن العمل.

في فبراير/ شباط 2000، انتخب البرلمان الألباني أول محام للشعب (مسؤول عن مكتب المظالم). واستجابةً لبعض الشكاوى تدخل هذا المكتب في عدد من الحالات المتعلقة بمزاعم إساءة المعاملة على أيدي الشرطة. وأدت توصياته إلى طرد بعض أفراد الشرطة أو وقفهم عن العمل، وإلى البدء بإجراءات جنائية في بعض الحالات. وفي العام 2001، ورد أن ما لا يقل عن ثلاثة من أفراد الشرطة أُدينوا بتهمة إساءة معاملة المعتقلين.

 وبوسع الحكومات أن تفعل الكثير من خلال علاقاتها الثنائية. وتستطيع عبر سفاراتها مراقبة حالات التعذيب في بلد ما، وإثارة بواعث القلق مع الحكومة المعنية. وتستطيع في الحالات الملحة أن توفر المأوى في مقراتها الدبلوماسية للأشخاص الذين يتعرضون لخطر التعذيب في حالة القبض عليهم من قبل السلطات. وعادة ما تتم معالجة مثل هذه الأمور عبر القنوات الدبلوماسية، بيد أن الحكومات يجب ألا تتردد في الإعراب عن قلقها علناً حيثما يكون ذلك مفيداً.

وينبغي أن توجه كل حكومة ممثليها الدبلوماسيين للقيام بما يلي:

البحث عن معلومات بشأن حالات التعذيب أو سوء المعاملة المشتبه فيها، وحول أي قوانين أو ممارسات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل وقوع هذه الانتهاكات؛

الالتقاء بالمنظمات المحلية لحقوق الإنسان لجمع معلومات عن حالات التعذيب المزعومة؛

إثارة بواعث القلق بشأن مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة مع الحكومة المضيفة، بما في ذلك أوضاع الاعتقال التي تصل إلى حد إساءة المعاملة، وحالات استخدام العقوبة البدنية؛

التدخل لدى الحكومة المضيفة من أجل حماية الأشخاص المعرضين لخطر التعذيب، وحماية أعضاء منظمات حقوق الإنسان المعرضين للخطر بسبب عملهم في هذا المجال؛

تقديم المأوى للأشخاص المعرضين للتعذيب في الحالات الملحة؛

إرسال مراقبين لمحاكمات الأشخاص الذين يُزعم أنهم مسؤولون عن التعذيب، كدليل على رغبة حكومتهم في التأكد من تقديم المسؤولين عن التعذيب إلى العدالة؛

تقديم تقارير حول هذه المسائل إلى حكومات بلدانهم، كي تتمكن من أخذ أوضاع حقوق الإنسان بعين الاعتبار عند صياغة السياسات.

وتتضمن الإجراءات الموجهة للحكومات الأخرى والمتعلقة باستئصال شأفة التعذيب ما يلي:

توجيه انتقادات علنية للحكومات التي ترتكب التعذيب أو تسمح بارتكابه؛

بذل جهود، من خلال لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها من الهيئات الحكومية الدولية، من أجل مكافحة التعذيب من قبل أطراف متعددة؛

تقديم المساعدة التقنية التي تسهم في استئصال التعذيب، بما في ذلك مساعدة الخبراء في مجال أساليب التحقيق التي لا تنطوي على إساءة معاملة؛

حماية الأشخاص الفارين من التعذيب (أنظر الفقرة 3.8)؛

ضمان ألا يؤدي نقل المعدات الأمنية والتدريب عليها إلى تسهيل وقوع التعذيب (أنظر 4.8)؛

ممارسة الضغط على الجماعات السياسية المسلحة التي تربطها بها علاقات لحملها على وقف التعذيب.

 الصين: فضح الانتهاكات من قبل الصحافة

إن فضح الانتهاكات من قبل وسائل الإعلام يمكن أن يؤدي إلى التحرك بشأنها. ففي الصين، مثلاً، لعبت وسائل الإعلام، في السنوات الأخيرة دوراً متزايداً في فضح الانتهاكات التي تُرتكب على أيدي الموظفين العامين فيما يتعلق بالاعتقال والحبس. وليس ثمة تقارير صحفية بشأن الحالات السياسية، بيد أنه فيما يتعلق بالحالات الأخرى لم تعد الصحف تنتظر إجراء تحقيق رسمي في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة كي تنقل أنباءها. وقد تم البت في حالات ناضل فيها الضحايا وعائلاتهم من أجل العدالة وضد العرقلة أو اللامبالاة الرسمية التي كانت تستمر لسنوات عدة أحياناً إثر نشر وسائل الإعلام تقارير إخبارية بشأنها.

في يوليو/ تموز 2000، تحدثت صحيفة "ذي تشاينا يوث ديلي" عن حالة امرأة لم تنجح محاولاتها التي دامت سنة كاملة لرفع دعوى مدنية ضد سلطات الشرطة والمستشفى لمطالبتها بتعويضات عن الأضرار التي لحق بها. وكانت المرأة قد اعتُقلت خطأً من قبل الشرطة بتهمة "التسكع"، واحتُجزت طوال الليل في مستشفى للأمراض النفسية، حيث تعرضت للاغتصاب من قبل مجموعة من المرضى عقلياً. ووفقاً لروايتها، فقد بادرت مع زوجها إلى الإبلاغ الفوري عن واقعة الاغتصاب إلى الشرطة المحلية، التي لم تسجل شكواهما رسمياً، ولكنها اصطحبتهما إلى المستشفى، حيث تعرفت المرأة على عدد من المشتبه بهم. إلا أن الشرطة لم تقم بجمع أدلة ولم تمنع المشتبه بهم من المغادرة. كما قوبلت شكاواهما المقدمة إلى السلطات المحلية أو الإقليمية الأخرى بالرفض والتقاعس عن اتخاذ أي إجراء في بداية الأمر. وبعد مرور خمسة أشهر، أُبلغت بأن بإمكانها متابعة دعوى مدنية ضد أحد المشتبه بهم لمحاكمته على ارتكاب الجريمة، ولكن من دون السماح لها بطلب تعويضات من الشرطة أو المستشفى. ومع أن المشتبه به أُدين وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات، فإن المرأة لم تتمكن من رفع دعوى لمطالبته بتعويض، لأنه لم يتم إبلاغها بموعد المحاكمة.

لقد أدى نشر هذه الحوادث في صحيفة "ذي تشاينا يوث ديلي" إلى اندلاع موجة غضب عام. وأعلنت السلطات فيما بعد عن طرد أحد أفراد الشرطة وإلقاء القبض عليه بتهمة التقاعس عن القيام بواجبه، بينما تم تنـزيل رتبة شرطي آخر. وعُين نائب أمين سر حزب محلي رئيساً للجنة التحقيق، وأُخضع للتحقيق اثنان من العاملين في المستشفى بالإضافة إلى طبيب شرعي، ممن كانوا قد قدموا تقارير كاذبة.

كما يمكن أن تُتخذ الإجراءات من جانب أطراف متعددة. ففي 9 أبريل/ نيسان 2001، اعتمد مجلس الشؤون العامة التابع للاتحاد الأوروبي "المبادئ التوجيهية لسياسة الاتحاد الأوروبي حيال البلدان الثالثة فيما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وتنص هذه المبادئ التوجيهية على أن "العمل لمنع جميع أشكال التعذيب وسوء المعاملة واستئصال شأفتها داخل بلدان الاتحاد الأوروبي وفي شتى أنحاء العالم أمر يشكل سياسة راسخة للدول الأعضاء في الاتحاد"، وأن "تعزيز هذا الحق وحمايته من أولويات سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال حقوق الإنسان". ويحث الاتحاد الأوروبي البلدان ذات الصلة على اتخاذ "تدابير فعالة" لمناهضة التعذيب وسوء المعاملة. كما يحث سلطات الدولة المعنية، في الحالات الفردية الموثَّقة جيداً، على "ضمان السلامة الجسدية ومنع الانتهاكات وتوفير المعلومات وتطبيق الضمانات ذات الصلة". ويحث الدول الثالثة، من جملة أمور أخرى، على توفير ضمانات قانونية للأشخاص المحرومين من حريتهم؛ وتقديم المسؤولين عن أفعال التعذيب وسوء المعاملة إلى العدالة، ودفع تعويضات إلى الضحايا؛ واتخاذ التدابير المناسبة فيما يتعلق "بالنساء والأطفال واللاجئين وطالبي اللجوء والأشخاص المهجرين داخلياً والمهاجرين وغيرهم من الجماعات التي تحتاج حماية خاصة من التعذيب وسوء المعاملة"؛ وتحسين الأوضاع في الأماكن التي يُحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك وفقاً للمعايير الدولية. ويمكن اتخاذ هذه الإجراءات من خلال القنوات الدبلوماسية السرية أو البيانات العلنية على السواء. كما تنص هذه السياسة على ضرورة التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في المجال القانوني ومجال التدريب.

حماية الأشخاص الفارين من وجه التعذيب

يواجه العديد ممن يتعرضون للتعذيب صعوبات جمة عندما يحاولون التماس الأمان في بلد

آخر. وينادي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحق كل شخص في اللجوء إلى بلاد أخرى أو يحاول اللجوء إليها هرباً من الاضطهاد (المادة 14). بيد أن المسؤولين في البلدان التي يرغب الأشخاص في طلب اللجوء إليها غالباً ما يحرمونهم من هذا الحق بمنع الأشخاص الذين يحتاجون الحماية من دخولها، أو بتجاهل خطر تعرض أولئك الأشخاص للتعذيب عند إعادتهم قسراً إلى بلد آخر.

ويتمثل أحد التزامات الدول التي تترتب على منع التعذيب وسوء المعاملة في عدم إرسال أي شخص قسراً إلى بلد آخر أو منطقة أخرى، يمكن أن يتعرض فيها للتعذيب أو سوء المعاملة.

تنص المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب على ما يلي:

"1. لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده ("أن ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون عرضة لخطر التعذيب.

"2. تراعي السلطات المختصة، لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك في حالات الانطباق وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية".

كما أن الحق في الحماية من الإعادة القسرية مكفول بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين (اتفاقية اللاجئين)، وهي المعاهدة الدولية الرئيسية التي تنظم مسألة حماية اللاجئين وطالبي اللجوء. وتنص المادة 33 (1)  من اتفاقية اللاجئين على ما يلي:

"لا يجوز لأي دولة متعاقدة طرد أي لاجئ أو إعادته (قسراً) بأي طريقة كانت إلى حدود الأراضي التي يمكن أن تتعرض فيها حياته أو حريته للخطر بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى طائفة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية".

ووفقاً للرأي المتعلق بنطاق ومضمون مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي أُعد لطرحه في اجتماع مائدة مستديرة نظّمه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعُقد في كيمبريج بالمملكة المتحدة في يوليو/ تموز2001 كجزء من المشاورات الدولية بشأن الحماية الدولية التي أجراها مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فإن عبارة "حيث يمكن أن تتعرض حياته أو حريته للخطر" يجب أن "تشمل الظروف التي تنطوي على مخاطر حقيقية" لوقوع التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.6 إن مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في المادة (1) 33 من اتفاقية اللاجئين "يمنع أي شكل من أشكال الإعادة القسرية، بما فيها عدم السماح للأشخاص باجتياز الحدود، من شأنه أن يعرض اللاجئين أو طالبي اللجوء لخطر اضطهاد حقيقي"، ينطوي على احتمال التعرض للتعذيب وإساءة المعاملة. وهذا المبدأ لا ينطبق على طلبات اللجوء التي يقدمها الأفراد فحسب، وإنما "ينطبق كذلك على حالات التدفق الجماعي للاجئين والحماية المؤقتة"، كما "يتطلب إجراء مراجعة للظروف الفردية كشرط يسبق رفض توفير الحماية". وعلاوة على ذلك، فإنه "يمنع الإعادة القسرية إلى أي أراضٍ يمكن أن يتعرض فيها اللاجئ أو طالب اللجوء للخطر، بما فيها الأراضي التي لا يُحتمل أن يتعرض فيها اللاجئ أو طالب اللجوء لخطر مباشر، ولكنه يمكن أن يكون عرضة لخطر نقله إلى أراضٍ يتعرض فيها للخطر".

وكما أشرنا في الفصول السابقة، فإن المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب تنص على أن لجنة مناهضة التعذيب التي أُنشأت بموجب الاتفاقية يمكن أن تستمع إلى شكاوى مقدمة من أفراد خاضعين للولاية القضائية لدولة طرف في الاتفاقية، إذا كانت الدولة قد أصدرت إعلاناً تقبل فيه اختصاص اللجنة بذلك. وقد جاءت معظم الشكاوى التي قُدمت حتى الآن من أفراد يطلبون الحماية بموجب المادة 3 من الاتفاقية كي لا يتم إرسالهم قسراً إلى بلد يدَّعون أنهم سيتعرضون فيه لخطر التعذيب.

وعندما تتلقى اللجنة شكوى ما، فإنها يمكن أن تطلب من الدولة عدم طرد المشتكي أثناء فترة النظر في الشكوى. وحتى أواخر العام 2000، كانت جميع الدول، باستثناء دولتين، قد التزمت بمثل هذا الطلب.

في العام 1997، أصدرت اللجنة تعليقاً عاماً على تعاملها مع الشكاوى الفردية المتعلقة بالإعادة القسرية. وينص التعليق العام، من جملة أمور أخرى، على أن الشخص الذي يطلب الحماية من الإعادة القسرية بموجب المادة 22، "يجب أن يثبت أنه سيكون عرضة لخطر التعذيب"، وأن "الأسس التي يقوم عليها هذا الاعتقاد حقيقية"، وأن "مثل هذا الخطر شخصي وداهم". وستقوم اللجنة بتقييم خطر التعذيب "على أسس تتعدى النظرية المحض أو مجرد الاشتباه. إلا أن احتمال الخطر لا يُفترض أن يكون بالضرورة كبيراً للغاية" كي تنظر اللجنة في الشكوى.

وفيما يتعلق بأوجه عدم الاتساق في رواية المشتكي، والتي تعتبر سبباً لرفض السلطات في دولة ما طلب اللجوء الذي يقدمه المشتكي، فإن اللجنة تعتقد أنه "يندر توقع الدقة المتناهية من ضحايا التعذيب، وأن أوجه عدم الاتساق هذه التي يمكن أن توجد في عرض المشتكي للحقائق ليست مادية ولا تثير شكوكاً حول الصدقية العامة لادعاءات المشتكي". ويمكن تفسير بعض التناقضات أو عدم الاتساق بكون المشتكي "يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة". ورأت اللجنة أن الإعادة القسرية في الحالات الفردية يمكن أن تكون غير آمنة العواقب حتى لو أُعيد الشخص إلى جزء آخر من البلاد غير ذلك الجزء الذي قيل إن المشتكي تعرض فيه للتعذيب، كما رأت أن نطاق الحماية بموجب المادة 3 يمتد ليشمل الشخص الذي يتعرض للتعذيب من قبل كيان غير تابع للدولة يمارس وظائف "شبه حكومية".

إن الالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية، حيث يوجد خطر التعذيب أو سوء المعاملة لا يقتصر على الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب أو اتفاقية اللاجئين. وذكرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان أن "الدول الأطراف [في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية] يجب ألا تعرض الأفراد لخطر التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عند عودتهم إلى بلد آخر، سواء عن طريق تسليمهم أو طردهم أو إبعادهم قسراً. وقد أكد المقرر الخاص المعني بالتعذيب على "الصلة بين الطبيعة غير القابلة للانتقاص لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة ومبدأ عدم الإعادة القسرية"؛ وذكر أن المبدأ المذكور آنفاً والذي تضمنه بيان لجنة حقوق الإنسان ومنع الإعادة القسرية في المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب "يمثلان جزءاً لا يتجزأ من الالتزام الأساسي بتجنب المساهمة بأي شكل من الأشكال في انتهاك مبدأ حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، وأن "الحماية التي يمثلها مبدأ عدم الإعادة القسرية تعتبر ذات طبيعة إلزامية.

وترى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن "من المسلًّم به" في قانون دعاوى المحاكم أن "حظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة بموجب المادة 3 [من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان] التي تُقرأ بالترافق مع المادة 1 من الاتفاقية، الذي يكتسي أهمية أساسية ويهدف إلى "تأمين الحقوق والحريات المحددة في الاتفاقية"، إنما يفرض على الدول المتعاقدة التزاماً بعدم طرد أي شخص إلى أي بلد تظهر فيه أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيواجه خطراً حقيقياً لمعاملته بصورة منافية للمادة 3"، وأن "أنشطة الشخص المعني، مهما كانت غير مرغوبة أو خطيرة، لا يمكن أن تمثل اعتباراً مادياً".

واستناداً إلى هذه المصادر وغيرها ينص "الرأي المتعلق بنطاق ومضمون مبدأ عدم الإعادة القسرية" المشار إليه آنفاً، على أن مبدأ عدم الإعادة القسرية يمثل "عنصراً أساسياً" من عناصر منع التعذيب وسوء المعاملة بموجب القانون الدولي العرفي (أنظر 6.2.3). وفي سياق حقوق الإنسان، فإن مبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي العرفي "يركز على الأفراد بغض النظر عن وضعهم وسلوكهم"، حيث يمكن إظهار أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنهم سيواجهون خطراً حقيقياً للتعرض للتعذيب أو سوء المعاملة. وهو "يمنع أي إجراء، بغض النظر عن الشكل، من شأنه أن يكون من نتيجة تعريض الفرد للخطر، عن طريق نقله من مكان آمن إلى مكان محفوف بالخطر". كما يمنع "جميع مثل هذه التدابير التي تتخذها الدولة أو تُتخذ نيابةً عن الدولة، سواء اتُخذت على أراضي تلك الدولة أو في أي مكان آخر، وفي ظروف يمكن أن تُعزى فيها تلك التدابير إلى الدولة". ويمنع كذلك "طرد الشخص أو إعادته أو نقله إلى بلد يحتمل أن يتعرض فيه لخطر مباشر، أو إلى بلد يمكن أن يُنقل منه في وقت لاحق إلى بلد ثالث، يحتمل أن يتعرض فيه للخطر". وهذا المبدأ غير قابل للاستثناء أو التقييد لأي سبب كان".

زائير: أحد ضحايا التعذيب يحصل على الحماية

في العام 1990 فرَّ بلابو موتومبو من زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً)، ودخل بصورة غير شرعية إلى سويسرا، حيث تقدم بطلب للاعتراف به كلاجئ. وكان قد قُبض عليه في زائير في العام 1989 وتعرض للتعذيب بسبب انتمائه إلى حزب معارض. وقد أيدت التقارير الطبية روايته. وبعد رفض طلب اللجوء وطلب الاستئناف اللذين قدمهما، تقدم محاميه، بمساعدة منظمة العفو الدولية، بشكوى ضد حكومة سويسرا إلى لجنة مناهضة التعذيب. وكانت سويسرا، بصفتها دولة طرفاً في اتفاقية مناهضة التعذيب، قد أصدرت إعلاناً بموجب المادة 22 اعترفت فيه باختصاص اللجنة في النظر في الشكاوى الفردية.

وفي العام 1994، ارتأت اللجنة أن "طرد مقدم الشكوى أو إعادته إلى زائير في الظروف السائدة يمكن أن يشكل انتهاكاً للمادة 3" من اتفاقية مناهضة التعذيب، وأن سويسرا "في الظروف السائدة ملزمة بالامتناع عن طرد بلابو موتومبو إلى زائير أو أي بلد آخر يمكن أن يتعرض فيه لخطر الطرد أو الإعادة إلى زائير أو التعذيب". وفي سياق التوصل إلى قرارها، أشارت اللجنة إلى "الخلفية العرقية للمشتكي وانتمائه السياسي المزعوم وتاريخ اعتقاله، بالإضافة إلى الحقيقة التي لم تجادل فيها الدولة الطرف والمتمثلة في أنه يبدو أنه فر من الجيش وغادر زائير بطريقة سرية، وأنه عندما كتب طلب اللجوء استخدم حججاً يمكن أن تعتبر تشهيراً بسمعة زائير"، بالإضافة إلى "وجود نمط مستمر من الانتهاكات الصارخة والفادحة والجماعية لحقوق الإنسان" في نطاق معنى المادة (2) 3 من الاتفاقية. وبعد ذلك ألغت الحكومة السويسرية أمر الإبعاد.

ويلخص "الرأي" نطاق ومضمون المبدأ العرفي لعدم الإعادة القسرية في إطار حقوق الإنسان على النحو الآتي:

"لا يجوز رفض أي شخص أو إعادته أو طرده بأي طريقة كانت، إذا كان ذلك يجبره على البقاء في أراضٍ يمكن فيها إظهار الأسس الحقيقية التي تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيواجه خطراً حقيقياً للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا يقبل هذا المبدأ أي تقييد أو استثناء".

لقد نصت القرارات والأحكام التي أصدرتها لجنة مناهضة التعذيب والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرهما من الهيئات الدولية، على توفير الحماية للأفراد الذين يتقدمون بشكاوى، وعملت على إرساء مبادئ مهمة للتعامل مع طلباتهم. إلا أنه سيستمر اتخاذ معظم القرارات على المستوى الوطني. وللتقيد بالتزامات الدول فيما يتعلق بمنع التعذيب وسوء المعاملة، من الضروري أن تقوم السلطات الحكومية بإتاحة إجراءات لجوء عادلة ومُرضية، ووضع حد للمارسات الرامية إلى منع طالبي اللجوء من متابعة طلباتهم أو إعاقتهم عن ذلك.

الإجراءات الحكومية الدولية: جدول الأعمال الذي لم يكتمل

لقد قدمت الهيئات والآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان العديد من الإسهامات القيمة في مكافحة التعذيب وسوء المعاملة كما يبين هذا الدليل. ويمكن لهذه الهيئات والآليات، بدعم من الحكومات، أن تشكل نظاماً دولياً فعالاً للعمل المناهض للتعذيب.

إن اتفاقية مناهضة التعذيب تلزم الدول بالعمل لمناهضة التعذيب وتقديم المسؤولين عن ارتكابه إلى العدالة عن طريق تسليمهم أو ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأنهم عند الضرورة. ويتعين على جميع الدول أن تصبح أطرافاً في الاتفاقية، كما يجب على الدول الأطراف أن تصدر إعلانات بموجب المادتين 21 و 22 تسمح بتقديم شكاوى فردية أو بين الدول. كما أن الدول التي أعلنت أنها لا تعترف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 20 في التحقيق في أنباء التعذيب المنظم في بلدانها يجب أن تسحب إعلاناتها. وعلى الدول التي أبدت تحفظات على الاتفاقية أن تسحب تحفظاتها.

يجب على الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب أن تقدم تقاريرها الدولية إلى لجنة مناهضة التعذيب في أوقاتها المحددة وفقاً للمادة 19 من الاتفاقية (أنظر 5.1). وينبغي أن تكون التقارير شاملة وأن تتضمن حقائق تفصيلية وتحليلاً قانونياً، وأن تكون وفقاً للمبادئ التوجيهية للجنة. ويتعين على اللجنة ضمان أن تتسم المسائل التي تثيرها أثناء فحص تقارير الدول والتوصيات التي تقدمها بأكبر قدر ممكن من الوضوح والقوة. ويجب أن تستمر بعملها المهم فيما يتعلق بفحص الشكاوى بموجب المادة 22 من الاتفاقية.

يجب على الحكومات أن تنفذ توصيات كل من لجنة مناهضة التعذيب والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب ولجنة حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الهيئات والآليات الاقليمية المعنية، وأن تلتزم بالآراء التي تعتمدها لجنة مناهضة التعذيب ولجنة حقوق الإنسان في الحالات الفردية.

على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تمارس ضغطاً من أجل الإسراع في اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، الذي ينص على وضع نظام عالمي للزيارات التفتيشية إلى أماكن الاعتقال كضمانة ضد التعذيب (أنظر 8.5).

يجب على المنظمات غير الحكومية وغيرها من المدافعين عن حقوق الإنسان أن تقدم معلومات موثَّقة بشأن التعذيب إلى الهيئات والآليات الدولية المعنية. وعلى ضحايا التعذيب والمدافعين عنهم أن ينظروا في تقديم شكاوى فردية. وينبغي أن تقوم المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام بنشر الآراء والتوصيات الصادرة عن الهيئات والآليات الدولية على أمل إقناع السلطات بتنفيذها.

إن النقص الخطير في التمويل يؤدي إلى إعاقة عمل الأمم المتحدة المتعلق بمناهضة التعذيب. وقد طلبت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من الأمين العام للأمم المتحدة "أن يضمن، في إطار الميزانية العامة للأمم المتحدة، توفير مستوى كافٍ ومستقر للتوظيف، بالإضافة إلى التسهيلات التقنية الضرورية لهيئات الأمم المتحدة وآلياتها التي تتعامل مع موضوع التعذيب، من أجل ضمان أدائها الفعال".

يجب على جميع الحكومات أن تقدم أكبر إسهام ممكن في صندوق الأمم المتحدة التطوعي لضحايا التعذيب (أنظر 7.7)، كي يتمكن الصندوق من مواصلة عمله القيِّم فيما يتعلق بتقديم المساعدة إلى الضحايا وذويهم.

دور مهنة الطب

من المفارقات أنه في الوقت الذي كانت منظمة العفو الدولية تشن حملتها الأولى من أجل إنهاء التعذيب في الفترة 1973-1972، ظهرت أنباء عن مشاركة منتسبي المهن الطبية في التعذيب في بلدان عدة في مختلف القارات. ومن هنا كانت ورشة العمل التي نُظمت في مؤتمر منظمة العفو الدولية لإنهاء التعذيب الذي عُقد في باريس بفرنسا في العام 1973 حول دور المهنيين الطبيين في معارضة التعذيب، أبعد ما تكون عن المناقشات النظرية. فقد وردت في ذلك الوقت أنباء عن مشاركة أطباء في أعمال التعذيب في شيلي؛ ومزاعم حول مشاركة المهنيين الطبيين في التعذيب في البرازيل؛ وإساءة استخدام الطب النفسي في الاتحاد السوفيتي؛ وحضور أطباء من الشرطة في أماكن التعذيب في اليونان. وأشارت الأدلة المتوفرة إلى أن الأطباء كانوا حاضرين للمساعدة في انتزاع معلومات (بما في ذلك إنعاش الضحايا الذين تعرضوا لخطر الموت تحت التعذيب)، فضلاً عن التغطية على آثار التعذيب وإصدار شهادات طبية أو شهادات وفاة كاذبة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قدموا للسجناء رعاية طبية اعتيادية.

لقد اعتمد مؤتمر باريس عدداً من التوصيات المتعلقة بدور الأطباء. وقد وجد بعضها فيما بعد طريقه إلى التنفيذ (مثل اعتماد مدونات آداب المهنة التي تهدف إلى منع التعذيب)، بينما لم يتحقق بعضها الآخر (مثل التوصية الخاصة بضرورة تعيين الموظفين الطبيين من قبل هيئة مستقلة عن مصلحة السجون).

ومن القرارات التي اتخذها المؤتمر إنشاء فريق من الأطباء لفحص الأشخاص الذين يدعون بأنهم تعرضوا للتعذيب. وقد انبثق عن هذا القرار في السنة التالية ظهور أول مجموعة طبية لمنظمة العفو الدولية، ومن ثم شبكة المهن الصحية التابعة للمنظمة. كما أكد المؤتمر على أهمية دور الأطباء في توثيق حالات التعذيب.

وتم إصلاح الخلل المتمثل في عدم وجود إعلان طبي محدد ضد مشاركة الأطباء في التعذيب من قبل الجمعية الطبية العالمية في اجتماعها السنوي العام في طوكيو باليابان في العام 1975. إذ ينص إعلان طوكيو (المادة 1) على ما يلي:

"لا يجوز للطبيب التشجيع على ممارسة التعذيب وغيره من أشكال الإجراءات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو التواطؤ معها أو المشاركة فيها، بغض النظر عن الجريمة التي يُشتبه في أن الضحية ارتكبها أو اتُهم أو أُدين بارتكابها، وبغض النظر عن معتقدات الضحية أو دوافعه، وفي جميع الظروف، بما فيها إبان النـزاعات المسلحة والحروب الأهلية".

وتظل هذه المدونة تمثل أقوى بيان لمهنة الطب المنظمة ضد المشاركة في التعذيب أو السماح بممارسته، مع أنها لم تحل المشكلات التي يواجهها الأطباء الذين يشهدون التعذيب ولا يعرفون كيف يمكنهم العمل من أجل وقفه.

وعلى مدى العقد التالي، وفي مواجهة استمرار ورود أنباء الانتهاكات، اعتمدت هيئات مهنية أخرى بيانات واضحة لمعارضة مشاركة منتسبي المهنة في التعذيب أو السماح به. ففي العام 1975 اعتمد المجلس الدولي للمرضين بياناً حول مسؤولية الممرضين الذين يقومون على رعاية السجناء والمعتقلين، التي تحرِّم المشاركة في التعذيب. وفي العام 1977، اعتمدت الجميعة العالمية للطب النفسي "إعلان هاواي" الذي حظر مشاركة الأطباء النفسيين في ما يمكن أن يسمى "الطب النفسي السياسي" – وهو استخدام الطب النفسي لاحتجاز ومعاقبة معارضي الدولة أو غيرهم ممن يوضعون في مؤسسة ما لأسباب غير طبية. وقامت كل من المنظمتين بمراجعة بيانها. ومضى المجلس الدولي للمرضين ليعتمد عدداً من إعلانات حقوق الإنسان، بما فيها مراجعة إعلان العام 1975، بالإضافة إلى البيانات المتعلقة بدور الممرضين فيما يتعلق بالتعذيب وعقوبة الإعدام. وفي العام 1996 اعتمدت الجمعية العالمية للطب النفسي بياناً عاماً حول آداب المهنة – وهو ما سمي بـ "إعلان مدريد"-، تضمن فقرات خاصة تعالج قضايا من قبيل قضية التعذيب. وفي العام 1979 اعتمدت هيئة طبية متخصصة تدعى "المجلس الدولي للخدمات الطبية في السجون" ما سُمي بـ "قَسَم أثينا"، الذي يلزم الموظفين الطبيين بالتصرف مع السجناء على نحو أخلاقي.

كما عالجت الأمم المتحدة قضية مشاركة المهنيين الطبيين في التعذيب. ففي العام 1982، اعتمدت "مبادئ آداب مهنة الطب المتعلقة بدور الموظفين الصحيين، ولا سيما الأطباء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" (أنظر 2.4.5). وتحدد هذه الوثيقة المبادئ الأخلاقية التي تحكم العلاقات بين الموظفين الصحيين، ولا سيما الأطباء، والسجناء.

إن وجود هذه المعايير يمثل تقدماً مهماً، وهي بمثابة مبادئ توجيهية واضحة بشأن المبادئ التي تنطبق على العناية الطبية بالأشخاص المعرضين لسوء المعاملة. بيد أن المشكلة التي لم يُبت فيها بوضوح هي المشكلة المتعلقة بما يستطيع الطبيب عمله عندما يشهد عمليات التعذيب أو يرى آثارها. إن ما يقتضيه إعلان طوكيو بعدم "التشجيع" على التعذيب أو سوء المعاملة، أو "التواطؤ" بشأنهما يعني ضمناً أنه ينبغي إبلاغ الشخص المناسب أو المنظمة المناسبة بأي سلوك غير أخلاقي لأي زميل أو بأي ضغط يُمارس للتصرف على نحو غير أخلاقي. إلا أنه ليس ثمة مبادئ توجيهية محددة، وتظل هناك حاجة إلى إيجاد دعم أكثر فعالية للأطباء الذين يجدون أنفسهم في هذا الوضع الذي لا يُحسدون عليه. إن بيانات المجلس الدولي للممرضين تقدم توجيهات بشأن ما يجب على الممرضين أن يقوموا به عندما يشهدون التعذيب، مع أن النصيحة التي أُسديت إلى الممرضين الذين يكونون على علم بوقوع التعذيب بأن "يتخذوا إجراءات مناسبة، بما فيها إبلاغ الهيئات الوطنية و/ أو الدولية المناسبة بالأمر"، وهي النصيحة التي تضمنتها مدونة العام 1975، قد تم تعديلها في العام 1998 لتحثهم على "اتخاذ الإجراءات المناسبة". إن الممرضين الذين يشهدون التعذيب يعتبرون أكثر عرضة للضغط من الأطباء لحملهم على مسايرة الجلادين.

وبحلول أواسط السبعينات ظهر قلق متزايد بشأن آثار التعذيب والحاجة إلى توفير الرعاية الطبية والنفسية المناسبة للناجين من التعذيب. ففي شيلي، تصدى المهنيون الصحيون إلى آثار عمليات التعذيب التي وقعت عقب انقلاب سبتمبر/ أيلول 1973. وقد أدى العمل مع الجماعات السياسية والكنسية والمهنية والأطباء النفسيين إلى مساعدة المصابين بالصدمة جراء الاعتقال والتعذيب. وقام المهنيون الصحيون في شتى أنحاء أميركا اللاتينية بتقديم خدمات للناجين من التعذيب. وفي أوروبا وأميركا الشمالية، شكَّل وصول اللاجئين حافزاً للعاملين الصحيين المحليين لتلبية حاجات الأشخاص القادمين من البلدان التي يتفشى فيها التعذيب. وفي الدنمرك وفرنسا وكندا وهولندا وغيرها أنشأت جماعات المهنيين الصحيين مؤسسات خدمية لتلبية حاجات الذين يعانون من آثار التعذيب والنفي.

وثمة اليوم قدر كبير من الأدبيات المتعلقة بالتعذيب والرعاية الصحية، التي تعكس زيادة ضخمة في مجال الأبحاث الطبية وتقديم الرعاية الصحية في العقود الأخيرة. وتزامن مع ازدياد العمل الطبي السريري نمو المراكز المتخصصة -نحو 150 إلى 200 مركز على المستوى الدولي- التي ترعى أولئك الذين تضرروا من جراء العنف السياسي أو التعذيب أو الصدمات النفسية التي تنجم عنه.  وبالإضافة إلى ذلك. فإنه يتم تقديم الرعاية الصحية إلى الناجين من التعذيب من قبل مؤسسات الصحة العامة، مع أن التقارير الشفوية تشير إلى أن العاملين في هذا المجال كثيراً ما يكونون غير قادرين على استيعاب معاناة الضحايا أو معالجتها بشكل كافٍ.

وقد لعب الدعم المالي المقدم من الحكومات الملتزمة بتمويل مبادرات حقوق الإنسان ومن المسؤسسات الخيرية ووكالات التمويل الحكومية الدولية، من قبيل صندوق الأمم المتحدة التطوعي لضحايا التعذيب، دوراً مهماً في تطوير هذا العمل (أنظر 7.7).

لقد شهدت المراكز المتخصصة أعداداً متزايدة من الأشخاص الذين يزعمون أنهم تعرضوا للتعذيب، كما طوَّرت خبرات في مجال توثيق الأدلة على وقوع التعذيب. ومن بين تلك الأدلة إفادات الشهود والعلامات الجسدية والعقلية والصور الفوتوغرافية وغيرها من أشكال التوثيق. إلا أنه لم يكن ثمة معايير دولية بشأن ما يُعتبر تقريراً طبياً كافياً حول التعذيب المزعوم، مما أدى في بعض الحالات إلى رفض المحاكم للأدلة الطبية على أساس أنها لم تكن "علمية" بشكل كافٍ. وكان الأطباء في تركيا من بين الذين رفضت المحاكم آراءهم كخبراء لأن تلك المحاكم كانت تريد أدلة ملموسة أكثر منها "مجرد" رأي مهني. وقد أدى ذلك إلى تحفيز مجموعة من الخبراء في المجالات الطبية والقانونية للعمل على وضع بروتوكول دقيق للتحقيق في مزاعم التعذيب. وفي الفترة 1999-1996 طوَّرت هذه المجموعة منهجاً تفصيلياً للتوثيق الطبي للتعذيب. وفي أغسطس/ آب 1999، تم تقديم الدليل الذي وُضع – وهو "بروتوكول اسطمبول"- إلى المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ونُشر الدليل في العام 2001 في سلسلة التدريب المهني للأمم المتحدة (أنظر 3.7 و"لمزيد من الاطلاع").

وفي السنوات الأخيرة ازداد نشاط عدد من الجمعيات المهنية في مجال حماية حقوق الإنسان، ورأت هذه الجمعيات في هذا النشاط واحداً من بواعث القلق الطبيعية بشأن الصحة العامة والرفاه. وقد عقدت الجمعية الطبية التركية مؤتمرات حول موضوعات حقوق الإنسان، مع تركيز خاص على الرعاية الصحية وآداب المهنة ومشكلة سوء المعاملة في السجون. واستمرت الجمعية الطبية البريطانية في اتباع تقليد الاهتمام بدور المهنيين الطبيين في مناهضة التعذيب، وقامت مؤخراً بنشر دراسة رئيسية حول الأطباء وحقوق الإنسان. وأصدرت الجمعية الطبية العالمية مناشدات بشأن حالات أطباء معرضين للخطر، واعتمدت إعلانات خاصة بحقوق الإنسان.

وثمة منظمات غير حكومية، من قبيل الفدرالية الدولية للمنظمات الصحية وحقوق الإنسان، والمجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، بالإضافة إلى العديد من المنظمات الطبية غير الحكومية الوطنية، جهرت بمناهضتها للتعذيب وسوء المعاملة وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان. وتواصل شبكة المهن الصحية التابعة لمنظمة العفو الدولية النضال ضد التعذيب والدعوة إلى وضع مبادئ توجيهية من قبيل تلك الواردة في بروتوكول اسطمبول والعديد من البيانات المهنية المناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان. إن ثمة دوراً مهماً منوطاً بجميع هذه المنظمات – الجمعيات المهنية والمنظمات الطبية لحقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية- يتمثل في الانضمام إلى مجتمع حقوق الإنسان ككل من أجل بناء عالم خالٍ من التعذيب.

نحو عالم خال من التعذيب: دور المجتمع المدني

كما ذُكر في موقع سابق من هذا الدليل، فإن المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أنه: "لا يُعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وقد اعتُبر الإعلان العالمي، منذ اعتماده في العام 1948، مصدراً للقانون الدولي من ناحية وتعبيراً عن تطلعات البشرية من ناحية أخرى. وتشير ديباجة الإعلان العالمي إلى أنه يمثل "المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية، واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية وفعالة..." إن مسؤولية ضمان عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة تقع على عاتق الحكومات، بيد أن مهمة بناء عالم خال من التعذيب منوطة بنا جميعاً.

وقام أشخاص في شتى أنحاء العالم بتشكيل جماعات للعمل من أجل حقوق الإنسان. ويتم جزء كبير من العمل من قبل منظمات أخرى، مثل نقابات العمال، ومن قبل أفراد في إطار مهنهم – مثل المحامين والموظفين الصحيين والصحفيين والزعماء الدينيين وغيرهم. وتمتزج جهود هؤلاء لتشكل ضغطاً متواصلاً على الحكومات لحملها على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بمنع التعذيب وسوء المعاملة. إن تمتع هذه الجماعات والأفراد بفهم واضح لالتزامات الحكومات سيمكِّنهم من تذكير الموظفين العامين بما هية التزاماتهم.

وتُبذل هذه الجهود في المجالات المتعددة – في العيادات الطبية والمحاكم وإصلاح القوانين وفي مجال الرأي العام. وإن هذه الجهود المتخصصة التي يبذلها المهنيون والمنظمات، التي كثيراً ما تكون متخصصة كذلك، إنما يكمِّل بعضها بعضا ويعزز بعضها بعضا، وهو أمر موجود كذلك على الصعيد الدولي، حيث يعمل بعض المنظمات، من قبيل المنظمات الأعضاء في ائتلاف المنظمات غير الحكومية الدولية لمناهضة التعذيب، بطرقها المتخصصة لمكافحة التعذيب – وذلك من خلال فضح الانتهاكات، وممارسة الضغط على الحكومات، وكسب التأييد على المستوى الدولي، وإعادة التأهيل، ودعم الناجين الذين يطالبون بالإنصاف، ووضع برامج لتعليم حقوق الإنسان والتدريب عليها للموظفين الحكوميين والمنظمات غير الحكومية المحلية، والنضال من أجل تعبئة الرأي العام العالمي.

ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تسهم في رفع مستوى الوعي العام وتعبئة الرأي العام من خلال الحملات. وكجزء من جهودها الجديدة المنسقة الرامية إلى استئصال شأفة التعذيب في شتى أنحاء العالم، أطلقت منظمة العفو الدولية حملتها العالمية الثالثة لمناهضة التعذيب في أكتوبر/ تشرين الأول 2000. إن التخطيط الدؤوب والجهود التي يبذلها المعنيون بلا كلل شكلت علامة فارقة بالنسبة لمستوى التغطية الإعلامية ومدى الاهتمام الذي يمكن، بل يجب أن تثيره حملة من أجل حقوق الإنسان.

وكأسلوب لجذب الانتباه، قام أعضاء منظمة العفو الدولية بلفِّ المباني العامة، ومراكز الاعتقال السابقة وغيرها من الأماكن ذات الأهمية الرمزية بشريط أصفر وأسود كُتبت عليه عبارة "منطقة خالية من التعذيب". ففي نيبال، مثلاً، قام الأعضاء بتنظيم سباق للدراجات النارية، شارك فيه أكثر من 80 راكب دراجة. وقد انطلقوا من العاصمة كاثماندو، في مجموعتين، اتجهت إحداهما صوب شرق البلاد، بينما اتجهت الأخرى إلى الغرب. وقد ذهب راكبو الدراجات إلى كل مركز شرطة في طريقهم لإقناع أفراده بإعلان مركزهم "منطقة خالية من التعذيب" وإظهار التزامهم بذلك عن طريق عرض شريط "المنطقة الخالية من التعذيب". وفي اليوم التالي لإطلاق الحملة، صدرت 14 صحيفة من أصل 15 وهي تحمل أنباء الحملة، بعضها على الصفحة الأولى. وبالإضافة إلى إقامة المناسبات العامة، المتخيَّلة والفعلية، فقد قام الأعضاء بتنظيم ورشة عمل للمحامين حول نواقص قانون التعويض عن التعذيب في نيبال، وشاركوا في تدريب أكثر من 700 من أفراد الشرطة في مجال حقوق الإنسان.

وانضم ما يربو على 30,000 شخص من 188 بلداً للمشاركة في تحركات عبر شبكة الإنترنت على موقع الحملة، وهو: (www.stoptorture.org ). وقد تم إبلاغ المشتركين في غضون ساعات بعد أن علمت منظمة العفو الدولية بوجود شخص عرضة لخطر التعذيب. وفي حالة نموذجية، قام آلاف المشتركين بتوقيع التماس على شبكة الإنترنت موجَّه إلى السلطات، بينما بعث مئات الأشخاص رسائل إلكترونية فردية لهذا الغرض. وقد أسفرت المناشدات عن بعض التحسن في العديد من الحالات.

وتمثَّل أحد أهداف الحملة في الضغط على أكبر عدد ممكن من البلدان كي تصبح دولاً أطرافاً في اتفاقية مناهضة التعذيب. وفي الفترة منذ بدء إطلاق الحملة وحتى 30 يونيو/ حزيران 2002، أصبحت سبع دول أطرافاً في الاتفاقية، ووقعت عليها دولتان وأبدت كل منهما نيتها في أن تصبح طرفاً في الاتفاقية في المستقبل.

ويبين الفصل الأول من هذا الدليل نشوء الحركة الدولية المناهضة للتعذيب منذ الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك إنشاء منظمات غير حكومية لمكافحة التعذيب وتطوير عمل المنظمات غير الحكومية القائمة. وما انفكت هذه المنظمات غير الحكومية وغيرها من المدافعين عن حقوق الإنسان تعمل بشجاعة وفي مواجهة مصاعب جمة في كثير من الأحيان في بلدان أصبح التعذيب فيها أسلوباً للقمع السياسي على أيدي الدولة. بيد أنه حتى في الحالات التي تكون فيها الحكومات ملتزمة بصرامة بمنع التعذيب، وحيث تتوفر فيها ضمانات قوية، وتُحترم فيها المعايير الدولية بوجه عام، فإن أحداً لا يستطيع أن يستبعد احتمال أن يقوم موظف عام ذات يوم بارتكاب التعذيب أو سوء المعاملة – مثلما لا يمكن للمرء أن يضمن عدم قيام أي موظف عام بارتكاب جريمة. إن استئصال شأفة التعذيب على أيدي موظفي الدولة يجب أن ينظر إليه على أنه عبارة عن تحقيق ظروف يكون فيها:

من غير المحتمل إلى حد بعيد وقوع أفعال التعذيب وسوء المعاملة؛

إذا وقعت، فإنها لا تكون إلا في حالات منعزلة؛

إذا وقعت، سيكون هناك رد فعل من جانب السلطات، من شأنه أن يمنع مرتكبيها من تكرارها، الأمر الذي يفي بشروط العدالة والتعويض الواردة في الفصل 7، ويشجبها بطريقة لا تغري الموظفين العامين بارتكاب أفعال مشابهة.

إن المجتمع المدني يجب أن يكون مستعداً للضغط على السلطات كي ترد بشكل مناسب عندما تظهر حالات التعذيب وسوء المعاملة. وقد صاغ اثنان من موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر مصطلح "الآليات التنظيمية الداخلية" للإشارة إلى جميع الوسائل التي يستطيع بواسطتها المجتمع المدني – الذي يشمل جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والمؤسسات الديمقراطية- أن يسمع صوته في مثل هذه الحالات. وثمة "آليات تنظيمية خارجية" كذلك، ومنها المنظمات غير الحكومية الدولية والدول الأخرى، يمكن من خلالها ممارسة الضغط على السلطات من خارج البلاد. وثمة حاجة إلى ممارسة الضغط على الحكومات لضمان وفائها بالتزاماتها المتعلقة بالعمل بدأب واجب من أجل منع التعذيب وسوء المعاملة على أيدي الأفراد ومكافحة العنف في المجتمع والعائلة.

لقد أطلقت منظمة العفو الدولية حملتها العالمية الثالثة لمناهضة التعذيب تحت شعار "ساهم في القضاء على التعذيب". وقد اختير هذا الشعار للتعبير عن فكرة فحواها أن بإمكان كل شخص أن يسهم في الجهود الرامية إلى استئصال شأفة التعذيب وسوء المعاملة. وكما بيَّن هذا الدليل، فإنه ينبغي اتخاذ خطوات عدة في مجالات عديدة وعلى جميع المستويات – المحلية والوطنية والدولية. ويحدونا الأمل في أنه، ببذل هذه الجهود، سيأتي اليوم الذي نصل فيه إلى أقرب مسافة ممكنة إنسانياً من القضاء على التعذيب ومحوه عن وجه الأرض.  

وقف تجارة التعذيب

إن بعض المعدات المستخدمة في التعذيب مصمَّمة خصيصاً لهذا الغرض، بينما كثيراً ما تُستخدم أدوات أخرى للتعذيب، من قبيل الهراوات وقيود اليدين ومناخيس الماشية الكهربائية، التي يمكن استخدامها لأغراض مشروعة. وبالمثل، فإن هناك بعض أدوات التقييد التي تُعتبر قاسية ولاإنسانية ومهينة بطبيعهتا، بينما شكلت أدوات تقييد وأسلحة أخرى تستخدمها الشرطة أخطاراً كبيرة لوقوع انتهاكات أو أضرار غير مبررة (أنظر الفصلين 3.5.5 و 1.3.6). إن كثيراً من هذه المعدات لا يُستخدم محلياً فحسب، وإنما يتم تصديره إلى بلدان أخرى.

ويبين الفصلان الخامس والسادس الضوابط التي ينبغي أن تتبعها الحكومات فيما يتعلق بالمعدات المستخدمة من قبل موظفيها المكلفين بتنفيذ القوانين. بيد أن المسؤولية لا تتوقف عند حدود البلد. وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الحكومات "إلى اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والقضائية الفعالة المناسبة لحظر إنتاج المعدات المصممة خصيصاً لممارسة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ومنع الاتجار بها وتصديرها واستخدامها.

وتماشياً مع التزامات الدول بضمان عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة، ومسؤولياتها تجاه الإسهام في ضمان حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، فإن على الحكومات أن تقوم بما يلي:

منع نقل المعدات المصممة للتعذيب إلى الهيئات المكلفة بتنفيذ القوانين في بلدان أخرى؛ ومن بين هذه المعدات قراصات الإبهام وأصفاد الرجلين والقيود الحادة والمسننة وأحزمة الصعق الكهربائي، والتي يعتبر استخدامها ذا طبيعة قاسية ولاإنسانية ومهينة.

وضع ضوابط صارمة على تصدير المعدات الأخرى المستخدمة لتنفيذ القوانين، لضمان عدم استخدامها في التعذيب أو إساءة المعاملة. ويمكن أن يكون من بين هذه الضوابط إصدار شهادات "المستخدم النهائي" التي تكفلها الحكومة المتلقية للمعدات، وفرض رقابة من جانب الممثلين الدبلوماسيين للدولة المصدرة لضمان التقيد بالضمانات المقدمة.

تعليق عمليات تصدير المعدات المستخدمة لتنفيذ القوانين التي لا تُعرف آثارها الطبية تماماً، أو التي أظهرت الممارسة العملية تسببها بخطر حقيقي لوقوع انتهاكات أو أضرار غير مبررة (أنظر 1.3.6)، وذلك بانتظار ظهور نتائج تحقيق دقيق ومستقل في استخدامه أو مراجعة لاستخدامه.

زيادة المساءلة العامة والشفافية في عمليات تصدير المعدات المستخدمة لتنفيذ القوانين، بحيث يصبح بإمكان الجمهور  التحلي باليقظة إزاءها.

كما أن الإجراءات متعددة الأطراف يمكن أن تسهم في فرض الضوابط. ففي المراجعة الدورية لتنفيذ مدونة قواعد السلوك فيما يتعلق بصادرات الأسلحة للعام 1998 والتي وضعها الاتحاد الأوروبي، دعا البرلمان الأوروبي (وهو الهيئة البرلمانية للاتحاد الأوروبي)، في أكتوبر/ تشرين الأول 2001، هيئة أخرى من هيئات الاتحاد الأوروبي، وهي لجنة الاتحاد الأوروبي، إلى وضع وثيقة مماثلة لمراقبة صادرات المعدات غير العسكرية والأمنية والشرطية. ووفقاً لقرار البرلمان الأوروبي، فإن هذه الوثيقة يجب أن تتضمن "حظراً على ترويج المعدات الشرطية والأمنية التي يعتبر استخدامها ذا طبيعة قاسية ولاإنسانية ومهينة، وعلى الاتجار بها وتصديرها. ومن بين هذه المعدات أصفاد الرجلين وأحزمة الصعق الكهربائي والأدوات الأخرى المؤلمة بطبيعتها، مثل قيود الإبهام المسننة"؛ كما يجب أن تتضمن الوثيقة "وقف عمليات نقل المعدات التي لم تُعرف بعد آثارها الطبية تماماً" ريثما يتم إجراء تحقيق في آثارها، فضلاً عن نقل المعدات التي "أظهر استخدامها وجود مخاطر حقيقية لوقوع انتهاكات أو أضرار غير مبررة". وقد حث القرار لجنة الاتحاد الأوروبي على الالتزام بحظر أو وقف تصنيع واستخدام مثل هذه المعدات على صعيد الاتحاد الأوروبي بأسره.

كما أن وقف عمليات النقل الدولية للمعرفة المتعلقة بأساليب التعذيب تعتبر جزءاً من وقف تجارة التعذيب. ويجب على الحكومات أن تقوم بما يلي:

ضمان ألا تشمل برامج تدريب أفراد الجيش والأمن والشرطة التابعين لبلد آخر نقل المهارات أو المعارف أو الأساليب التي يحتمل أن تُستخدم في التعذيب وإساءة المعاملة في البلد المتلقي. وإن التطبيق العملي لمعايير حقوق الإنسان ذات الصلة والقانون الإنساني الدولي ينبغي أن يُدمج كلياً في مثل هذه البرامج التدريبية.

وضع إجراءات للتدقيق في أسماء المشاركين المحتملين في تدريب أفراد الجيش والأمن والشرطة التابعين لبلدان أخرى لضمان منع الأشخاص الذين تورطوا في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من المشاركة في التدريب.

الإعلان عن المعلومات المتعلقة ببرامج التدريب التي ترعاها الحكومات لتدريب الموظفين الأجانب، بمن فيهم الأفراد والوحدات التي تتلقى التدريب، وطبيعة ذلك التدريب.

إنشاء آليات لمراقبة أثر التدريب في مجال حقوق الإنسان.

سن تشريعات لضبط ومراقبة أنشطة الموردين الخاصين للخدمات العسكرية والأمنية والشرطية. وينبغي أن يُطلب من الشركات والأفراد الذين يقومون بتوفير مثل هذه الخدمات تسجيل أنفسهم وتقديم تقارير سنوية تفصيلية عن أنشطتهم. كما يجب أن يُشترط الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة على كل عملية نقل دولية للأفراد أو التدريب، ويجب ألا تُمنح هذه الموافقة إلا وفقاً للمعايير المعلنة التي تستند إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

لمزيد من الاطلاع:

يتضمن تقرير منظمة العفو الدولية المعنون بـ: "وقف تجارة التعذيب" (2001) تفاصيل التجارة الدولية بالمعدات والمهارات المستخدمة في التعذيب، وتوصيات بشأن وضع حد لها.  

جمع المعايير الدولية

التعذيب والمعاملة السيئة ممنوعان بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبموجب قوانين الحرب (القانون الإنساني الدولي) وبموجب القانون الدولي العام. وإضافة إلى ذلك، تُحظَّر أفعال التعذيب أو سوء المعاملة الفردية بوصفها جرائم بموجب القانون الدولي إذا ارتُكبت كجرائم حرب أو كجرائم ضد الإنسانية أو كإبادة جماعية. كما تنص المعايير الدولية لحقوق الإنسان على تدابير ينبغي على الحكومات اتخاذها لمنع التعذيب وسوء المعاملة والتحقيق في الحالات المزعومة وتقديم المسؤولين عن ارتكابها إلى العدالة وتقديم تعويضات إلى الضحايا.

1.2.3 الصكوك العامة لحقوق الإنسان **

** ترد نصوص حظر التعذيب وسوء المعاملة في الصكوك الدولية والإقليمية العامة لحقوق الإنسان في الملحق 6 المرفق بهذا الكتيب.** ترد نصوص حظر التعذيب وسوء المعاملة في الصكوك الدولية والإقليمية العامة لحقوق الإنسان في الملحق 6 المرفق بهذا الكتيب.

يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صكاً مرجعياً رفيعاً ينطبق على جميع الدول. وتنص المادة الخامسة منه على أنه:

"لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو المحطة بالكرامة."

ويشكل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعاهدة الدولية الأبرز حول الحقوق المدنية والسياسية. وهو ملزم للدول الأطراف التي وصل عددها إلى 148 دولة اعتباراً من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2002.* وتنص المادة السابعة منه على أنه :

"لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر." **

* يشير عدد الدول الأطراف إلى عدد الدول التي وافقت رسمياً على الالتزام بأحكام المعاهدة. وتصبح الدول عادة أطرافاً في المعاهدة بالتوقيع ثم المصادقة عليها أو بالانضمام إليها. (يمكن العثور على قوائم حديثة بأسماء الدول الأطراف في المعاهدات الدولية في مواقع الإنترنت المدرجة في الملحق 5 المرفق بهذا الدليل).

** لأسباب تاريخية، تستخدم النسخ الإنجليزية من بعض الصكوك الدولية لحقوق الإنسان لغة موجهة إلى جنس محدد، مثل ضمير الغائب "هو" الذي يشير إلى أشخاص قد ينتمون إلى أي من الجنسين.

وتتضمن المواد الأخرى الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تتعلق بالقضاء على التعذيب المادة الثانية الخاصة بواجب احترام حقوق الإنسان وضمانها، والمادة السادسة الخاصة بالحق في الحياة؛ والمادة التاسعة بشأن الحق في حرية الشخص وأمنه، والمادة العاشرة المتعلقة بحق الأشخاص المحرومين من حريتهم في أن يُعاملوا بإنسانية واحترام لكرامتهم الإنسانية، والمادة الرابعة عشرة المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة.

كما يحظَّر التعذيب وسوء المعاملة بموجب المعاهدات الإقليمية العامة الأربع لحقوق الإنسان المعتمدة حتى اليوم – الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 5)، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 5)، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 3)، والميثاق العربي لحقوق الإنسان (لم يدخل حيز النفاذ بعد، المادة 13).

2.2.3 الصكوك المتخصصة حول حظر التعذيب ومنع وقوعه

اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب) ملزمة للدول الأطراف التي بلغ عددها 130 دولة اعتباراً من 30 يونيو/حزيران 2002. وهي تحدد سلسلة من التدابير المتعلقة بمنع التعذيب والتحقيق فيه وتقديم المسؤولين عن ارتكابه إلى العدالة سواء محلياً أو عبر الحدود، وتقديم تعويضات إلى الضحايا. وتنطبق بعض بنود الاتفاقية على كل من التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، بينما، لا تنطبق بنود أخرى، مثل تلك التي تشير إلى التجريم والمقاضاة وممارسة الولاية القضائية الشاملة إلا على التعذيب فقط.***

*** يرد في الملحق 7 المرفق بهذا الكتيب الجزء الأول من اتفاقية مناهضة التعذيب. ويتناول الجزآن الثاني والثالث عمل لجنة مناهضة التعذيب والإجراءات التي يمكن أن تصبح الدول بموجبها أطرافاً في الاتفاقية.

ويشكل إعلان الأمم المتحدة بشأن حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (إعلان مناهضة التعذيب) صكاً أقدم عهداً، تشبه أحكام عديدة واردة فيه تلك التي ترد في اتفاقية مناهضة التعذيب. وتطبيق أحكامه على ضروب المعاملة السيئة الأخرى بخلاف التعذيب هو أوسع عموماً منه في الاتفاقية. لكنه مجموعة من المعايير المرجعية غير الملزمة التي تنطبق على جميع الدول.

وهناك أيضاً معاهدتان إقليميتان تتعلقان تحديداً بالتعذيب :

اتفاقية الدول الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه وتنص على الولاية القضائية الشاملة على التعذيب بين الدول الأطراف في منطقة الأمريكتين وتحدد التدابير الأخرى المتعلقة بمنعه والتحقيق فيه وتقديم المسؤولين عن ارتكابه إلى العدالة ومنح تعويضات إلى الضحايا. وبلغ عدد الدول الأطراف ست عشرة دولة اعتباراً من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2002.

الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة (الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب) وتنص على تشكيل لجنة (اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب) مخولة بزيارة الأماكن التي يُجرد فيها الأشخاص من حريتهم في الدول الأطراف، البالغ عددها 44 دولة اعتباراً من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2002. وبموجب البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية، هناك إمكانية لدعوة دول غير أعضاء في مجلس أوروبا لتصبح أطرافاً.

3.2.3 المعاهدات المتخصصة الأخرى لحقوق الإنسان

يُحظَّر التعذيب وسوء المعاملة صراحة بموجب عدد من المعاهدات المتخصصة لحقوق الإنسان التي تنطبق على جماعات محددة من الناس أو في ظروف محددة. وبالتالي، تنص المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل على : "ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". واعتباراً من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2002، كانت هناك 191 دولة طرفاً في اتفاقية حقوق الطفل. كما تتضمن الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم (لم تدخل حيز النفاذ بعد) والميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهه حظراً صريحاً للتعذيب والمعاملة السيئة.

وتتضمن الصكوك الدولية والإقليمية الرامية إلى محاربة التمييز حظراً صريحاً لممارسة التعذيب وسوء المعاملة أو حظراً لإلحاق الأذى الجسدي أو العقلي الذي تحظَّر بموجبه بوضوح مختلف أفعال التعذيب أو سوء المعاملة. وتلزم المادة الخامسة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الدول الأطراف "بضمان حق كل إنسان دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لاسيما بصدد التمتع بالحقوق التالية… (ب) الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، سواء صدر عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة فردية أو مؤسسة". وتنص المادة الرابعة من اتفاقية الدول الأمريكية الخاصة بمنع العنف ضد المرأة والمعاقبة والقضاء عليه على أنه : "لكل امرأة الحق في الاعتراف بجميع حقوقها الإنسانية وحرياتها التي تجسدها الصكوك الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان والتمتع بها وممارستها وحمايتها"، بما فيها "الحق في عدم التعرض للتعذيب". كذلك ذكرت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، التي شكلت بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في تعليقها العام رقم 19 بشأن العنف ضد النساء، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة من جملة الحقوق التي يتم إضعافها أو إبطالها جراء العنف الممارس ضد المرأة بسبب جنسها، ويشكل تمييزاً ضمن المعنى الوارد في تلك الاتفاقية (انظر الفقرة 6-6).

كذلك تتضمن المعاهدات الدولية الأخرى حظراً مشابهاً. فالمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (اتفاقية منع الإبادة الجماعية) تُحظر "التسبب بأذى بدني أو عقلي جسيم" لأبناء جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بهدف تصفية الجماعة بحد ذاتها كلياً أو جزئياً. والمادة الخامسة من الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق تحظر "تشويه العبد أو الشخص الذي يعطى صفة الرق أو وصمه أو تعليمه على أي نحو آخر" في دول ما زالت تمارس الرق. كما تم إدخال التعذيب أو المعاملة السيئة كعنصر في جريمة التفرقة العنصرية في المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمحاربة جريمة التفرقة العنصرية والمعاقبة عليها.

4.2.3 القانون الإنساني الدولي

يُحظَّر التعذيب وسوء المعاملة في جميع الظروف بموجب القانون الإنساني الدولي. وهو المجموعة التي تؤلف القانون الدولي الذي ينظم سلوك أطراف النـزاعات المسلحة، الذي يُعرف أيضاً بقوانين الحرب. وتحظر اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949 "التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية، بما فيها التجارب البيولوجية" و"تعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة" بالنسبة للأشخاص المحميين بموجب هذه الاتفاقيات، وتعتبر هذه الأفعال "انتهاكات جسيمة" للاتفاقية إذا ارتُكبت ضد "الأشخاص المحميين"* وتنص على الولاية القضائية الشاملة على الانتهاكات الجسيمة (انظر الفقرة 7-5). كما أن اغتصاب النساء ممنوع بموجب المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة. وتنطبق هذه الأحكام على النـزاعات المسلحة الدولية – الحروب بين الدول. وإضافة إلى ذلك، تطال المادة 3، وهي نص مشترك بين جميع اتفاقيات جنيف الأربع، "النـزاعات المسلحة التي ليس لها طابع دولي" وقائمة القواعد الأساسية لحماية الأشخاص الذين لم يشاركوا أو لم يعودوا مشاركين "مشاركة نشطة في الأعمال العدائية" والتي "تُلزم كل طرف من أطراف النـزاع" "بتطبيقها كحد أدنى". وبموجب المادة 3 المشتركة يحظَّر "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب" و"الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة" "يحظر" فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه و"يبقى محظورا" في جميع الأوقات والأماكن.**

* الأشخاص الذين تحميهم اتفاقيات جنيف في النـزاعات المسلحة الدولية هم بصورة رئيسية الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان (اتفاقية جنيف الأولى)؛ وجرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار (اتفاقية جنيف الثانية)؛ وأسرى الحرب (اتفاقية جنيف الثالثة) والمدنيين في الأراضي المحتلة أو سواها الذين "يجدون أنفسهم في حال قيام نزاع مسلح أو احتلال، تحت سلطة طرف في النـزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها." (اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 4). وتحمي المادة الثالثة المشتركة، التي تنطبق على النـزاعات المسلحة غير الدولية "الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر".

** ترد مقتطفات من المادة الثالثة المشتركة في الملحق الثامن المرفق بهذا الدليل.

ويوسع البروتوكولان الإضافيان الملحقان باتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949، واللذان اعتُمدا في العام 1977، قائمة الأفعال المحظورة المحددة. ويوسع البروتوكول الإضافي الأول، الذي يتعلق بالنـزاعات المسلحة الدولية، قائمة الانتهاكات الجسيمة (المادتان 11 و85). ويؤكد من جديد حظر "الاعتداء على الحياة والصحة أو السلامة البدنية أو العقلية للأشخاص"، وبوجه خاص "التعذيب بجميع أنواعه، سواء أكان بدنياً أم عقلياً"، والعقوبة الجسدية والتشويه و"الدعارة القسرية وأي شكل من أشكال الاعتداء الفاحش" (هتك العرض) الذي يُرتكب ضد "أشخاص خاضعين لسيطرة أحد أطراف النـزاع (المادة 75)؛ كما يقتضي حماية النساء من الاغتصاب والدعارة القسرية وأي شكل آخر من أشكال هتك العرض (المادة 76) وحماية الأطفال من هتك العرض (المادة 77). ويحظر البروتوكول الثاني الإضافي، المتعلق بالنـزاعات المسلحة غير الدولية، "الاعتداء على الحياة والصحة أو السلامة البدنية أو العقلية للأشخاص، وبخاصة القتل، فضلاً عن المعاملة القاسية مثل التعذيب أو التشويه أو أي شكل آخر من أشكال العقوبة الجسدية" و"الاغتصاب والدعارة القسرية وأي شكل من أشكال هتك العرض" المرتكبة ضد "أشخاص لا يشاركون بصورة مباشرة أو أنهم توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، سواء أقيدت حريتهم أم لا" (المادة 4). كما تحدد اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية (المادة الرابعة) ضمانات ومعايير خاصة بالاعتقال، وإجراءات لحماية النساء والأطفال، يشبه العديد منها تلك الواردة في المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

والالتزامات المحددة في اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين ملزمة للدول الأطراف في هذه الصكوك. وجميع الدول هي فعلياً أطراف في اتفاقيات جنيف، ومعظمها أطراف في البروتوكولين الإضافيين. وعلاوة على ذلك، ليست الدول وحدها بل الأطراف الأخرى أيضاً في النـزاع المسلح ملزمة بتطبيق أحكام المادة الثالثة المشتركة، وحيث ينطبق ذلك، أحكام البروتوكول الثاني الإضافي.

وقد قضت محكمة العدل الدولية أنه بموجب "المبادئ العامة الأساسية للقانون الإنساني الدولي"، تشكل القواعد المحددة في المادة الثالثة المشتركة "المقياس الأدنى" الذي ينطبق على النـزاعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية. ووفقاً لهذه القاعدة، يشكل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة المحظورة بموجب المادة 3، إذا مورس في أي نزاع مسلح، انتهاكاً للقانون الدولي العام. وتنطبق قواعد القانون الدولي العام على جميع الدول، سواء أكانت أطرافاً في معاهدة تتضمن القاعدة صراحة أم لا (انظر الفقرة 3-2-6 أدناه).

5.2.3 الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي : جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية

إن الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي هي الجرائم التي يرتكبها أفراد ويحددها القانون الدولي نفسه ويجيز القانون الدولي للدول أو يقتضي منها المعاقبة عليها. ووُضعت فكرة أن جرائم معينة تتسم بدرجة شديدة من الخطورة ويرتكبها موظفون رسميون تشكل جرائم بموجب القانون الدولي قيد التنفيذ للمرة الأولى في المحكمة العسكرية الدولية (محكمة نيورمبرغ) التي أدانت القادة النازيين السياسيين والعسكريين في ألمانيا على الجرائم الخطيرة التي ارتكبوها خلال الحرب العالمية الثانية. والقانون الأساسي لمحكمة نيورمبرغ أعطاها الولاية القضائية على جرائم المرتكبة ضد السلام وجرائم الحرب (التي وُصفت بأنها "انتهاكات لقوانين الحرب أو عاداتها" بما فيها "إساءة معاملة" أسرى الحرب والسكان المدنيين في الأراضي المحتلة) وعلى الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية (بما فيها "الأفعال غير الإنسانية" المرتكبة ضد السكان المدنيين). وتنص المادة 7 من القانون الأساسي على أن "المنصب الرسمي للمتهمين، سواء كرؤساء دول أو مسؤولين في الوزارات الحكومية، لا يُعتبر بأنه يُعفيهم من المسؤولية أو يخفف العقوبة". كما ينص القانون الأساسي على أنه لا يوجد دفاع تحت ذريعة تلقي أوامر الرؤساء.

وتنص مبادئ نيورمبرغ، وهي صياغة اعتمدتها لجنة القانون الدولي. لمبادئ القانون الدولي التي يقر بها القانون الأساسي والحكم الصادر عن محكمة نيورمبرغ، على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يُعاقب عليها كجرائم بموجب القانون الدولي. وبموجب مبادئ نيورمبرغ فإن "أي شخص يرتكب عملاً يشكل جريمة بموجب القانون الدولي يتحمل مسؤولية إذاً ويتعرض للعقاب"، حتى إذا لم تكن الجريمة يُعاقب عليها بموجب القانون الوطني.

وكما أوضحنا أعلاه، تحدد اتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949 بعض الأفعال "كانتهاكات جسيمة" للاتفاقيات إذا ارتُكبت ضد "أشخاص محميين". وتستتبع القواعد المحددة في اتفاقيات جنيف المسؤولية الجنائية الفردية عن الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات، ومن ضمنها التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وتنص على الولاية القضائية الشاملة الإلزامية على هذه الجرائم للدول الأطراف في الاتفاقيات (انظر الفقرة 7-5 ). وتشكل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف أو البروتوكول الأول الإضافي جرائم حرب. وبحسب حكم صادر عن المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، يفرض القانون الدولي العرفي أيضاً مسؤولية جنائية عن الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، وبالتالي يمكن لهذه الأفعال أن تشكل جرائم حرب، بصرف النظر عما إذا كانت قد ارتُكبت في نزاع مسلح دولي أو غير دولي.

وتضمنت التطورات الأخرى التي حدثت منذ الحرب العالمية الثانية الاعتراف بالإبادة الجماعية كجريمة بموجب القانون الدولي واعتماد اتفاقية خاصة بتلك الجريمة، واعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للصكوك التي تمنع تطبيق قوانين التقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وتنص على قيام تعاون دولي في تقديم مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى العدالة. وبموجب اتفاقية عدم انطباق قوانين التقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (المادة الأولى)، تتضمن جرائم الحرب تلك التي عُرِّفت على هذا النحو في القانون الأساسي لمحكمة نيورمبرغ والانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف. وتُعرَّف الإبادة الجماعية في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية بوصفها أية سلسلة من الأفعال المحددة "المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي، لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بوصفها كذلك" وكما ذكرنا أعلاه (الفقرة 3-2-3)، تتضمن الأفعال المحددة "التسبب بأذى بدني أو عقلي خطير لأفراد الجماعة".

ومن أهم التطورات الحديثة إنشاء محاكم جنائية دولية خاصة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة للغاية ذات صلة بأحداث محددة. وتوجد حالياً محكمتان من هذا النوع : المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (محكمة يوغسلافيا) التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في العام 1993 بشأن النـزاعات المسلحة التي اندلعت في جمهورية يوغسلافيا السابقة في العام 1991، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا (محكمة رواندا) التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في العام 1994 بشأن الإبادة الجماعية التي بدأ ارتكابها في إبريل/نيسان من العام نفسه.

وقد استُمدت الجرائم المحددة في القانونين الأساسيين للمحكمتين من أحكام اتفاقيات جنيف والصكوك الأخرى  التي استُشهد بها أعلاه.

لدى محكمة يوغسلافيا صلاحية قضائية على الجرائم التالية التي ارتُكبت في أراضي يوغسلافيا السابقة منذ 1 يناير/كانون الثاني 1991 : الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف للعام 1949، بما فيها "القتل العمد"، و"التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية" و"تعمد التسبب بألم شديد أو إصابة جسيمة للجسم أو الصحة"؛ وانتهاكات قوانين الحرب أو عاداتها، والجرائم ضد الإنسانية مع إدراج "التعذيب" و"الرق" و"الاغتصاب" و"الأفعال اللاإنسانية الأخرى" ضمن الجرائم الأساسية المحتملة، المرتكبة في النـزاع المسلح و"الموجهة ضد أي سكان مدنيين"؛ والإبادة الجماعية مع اعتبار "التسبب بأذى بدني أو عقلي شديد لأعضاء الجماعة" جريمة أساسية ممكنة.

لدى محكمة رواندا صلاحية قضائية على الجرائم التالية التي ارتُكبت في رواندا، أو ارتكبها مواطنون روانديون في الدول المجاورة خلال العام 1994 : انتهاكات المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949؛ وانتهاكات البروتوكول الثاني الإضافي للعام 1977 الملحق اتفاقيات جنيف؛ والجرائم ضد الإنسانية مع إدراج "التعذيب" و"الرق" و"الاغتصاب" و"الأفعال اللاإنسانية الأخرى" ضمن الجرائم الأساسية المحتملة، المرتكبة "في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي سكان مدنيين لأسباب قومية أو سياسية أو إثنية أو عرقية أو دينية"؛ والإبادة الجماعية مع إدراج "التسبب بالأذى البدني أو العقلي الخطير لأعضاء الجماعة" كجريمة أساسية ممكنة.

وكما يُلاحظ في الفقرة 7-6، كان التعذيب والاغتصاب (سواء كضرب من ضروب التعذيب أو كجريمة منفصلة) وسوى ذلك من ضروب المعاملة السيئة من جملة الأفعال التي أُدين بسببها المتهمون أمام محكمتي يوغسلافيا ورواندا تحت عناوين جريمة واحدة أو أخرى من الجرائم المدرجة أعلاه.

واتُخذت خطوة مهمة أخرى في العام 1998 مع اعتماد قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (قانون روما الأساسي)، وهو معاهدة تنص على إنشاء محكمة دولية دائمة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان. وتستطيع المحكمة النظر في قضايا الأشخاص المتهمين بارتكاب هذه الجرائم في 1 يوليو/تموز 2002 أو بعده، وهو تاريخ دخول قانون روما الأساسي حيز النفاذ، إذا تم استيفاء شروط ممارسة ولايتها القضائية المحددة في المادتين 12 و13 من قانون روما الأساسي.

وبموجب قانون روما الأساسي تطال الولاية القضائية للمحكمة الجرائم التالية، التي قد ينطوي العديد منها على التعذيب أو إساءة المعاملة.*

* ترد مقتطفات من قانون روما الأساسي في الملحق 9 المرفق بهذا الكتيب.

تتضمن جرائم الحرب بموجب قانون روما الأساسي (المادة 8) التعذيب و"المعاملة اللاإنسانية" كانتهاك جسيم لاتفاقيات جنيف و"المعاملة القاسية" كانتهاك للمادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف و"تعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة" والتشويه و"الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة" والاغتصاب والعبودية الجنسية والدعارة القسرية والحمل القسري والتعقيم القسري و"أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي".

تُعرَّف الجرائم ضد الإنسانية بأنها أية سلسلة من الأفعال المحددة في المادة 7(1) من قانون روما الأساسي" عندما تُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين، مع علم بالهجوم." وتتضمن الأفعال المحددة في المادة 7(1) التعذيب والرق والاغتصاب والعبودية الجنسية والدعارة القسرية والحمل القسري والتعقيم القسري و"أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي المماثل في خطورته" و"الأفعال اللاإنسانية ذات الطبيعة المشابهة التي تتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة العقلية أو البدنية".

تُعرَّف الإبادة الجماعية في المادة 6 بأنها أية سلسلة من الأفعال المحددة التي "تُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بوصفها كذلك" وكما ورد في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، تتضمن قائمة الأفعال المحددة "تعمد الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو العقلية لأعضاء الجماعة."

ويمكن لأي فعل من أفعال التعذيب أو سوء المعاملة التي تتماشى مع قائمة الأفعال المحظورة في المادة 8 من قانون روما الأساسي أن يُحاكم مرتكبوه أمام المحكمة الجنائية الدولية بوصفها جريمة حرب إذا ارتُكبت في نزاع مسلح دولي أو غير دولي. ويمكن محاكمة مرتكب عمل من أعمال التعذيب أو سوء المعاملة يتماشى مع قائمة الأفعال المحددة في المادة 7 باعتباره جريمة ضد الإنسانية إذا "ارتُكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين، مع علم بحدوث الهجوم". ويمكن محاكمة مرتكبي أعمال التعذيب أو سوء المعاملة التي تسبب" أذى بدنياً أو عقلياً خطير" لأعضاء "جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية" بوصفها إبادة جماعية إذا "ارتُكبت بقصد تدمير" الجماعة "كلياً أو جزئياً".

وتطال المسؤولية الجنائية شخصاً يرتكب أو يحاول ارتكاب جريمة تندرج تحت الولاية القضائية للمحكمة أو يأمر بارتكاب أو محاولة ارتكاب هذه الجريمة أو يستدرج الآخرين أو يحرضهم أو يساعدهم أو يحثهم على ارتكابها أو يساعد أو يسهم على نحو آخر في ارتكابها أو محاولة ارتكابها (المادة 25). كما يتضمن قانون روما الأساسي أحكاماً تتعلق بعدم جواز قبول دفاع التذرع بتنفيذ أوامر الرؤساء (المادة 33)، والمسؤولية الجنائية للقادة وسواهم من الرؤساء عن الأفعال التي يرتكبها المرؤوسون أو الأشخاص الخاضعون لأمرتهم (المادة 28) وعدم إعفاء شخص من المسؤولية الجنائية على أساس صفته الرسمية حتى إذا كان الشخص يتمتع بالحصانة بموجب القانون الوطني (المادة 27). ولا تخضع أية جريمة تندرج ضمن الولاية القضائية للمحكمة لأية قوانين تقادم (المادة 29). وتُستثنى عقوبة الإعدام من العقوبات التي يجوز للمحكمة أن تفرضها (المادة 77).

وكان هناك 81 دولة طرفاً في قانون روما الأساسي اعتباراً من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2002.

6.2.3 القانون الدولي العام

لا تشكل الاتفاقيات الموقعة بين الدول في صيغة معاهدات دولية المصادر الوحيدة للقانون الدولي. وبموجب المادة 38 من القانون الأساسي لمحكمة العدل العليا، تنطبق تلك المحكمة التي تتمثل مهمتها في "البت وفق القانون الدولي في النـزاعات التي تُحال إليها"، إضافة إلى المعاهدات الدولية، و"الأعراف الدولية المثبتة في ممارسة عامة مقبولة كقانون" (القانون الدولي العرفي) و"المبادئ العامة للقانون التي تعترف بها الأمم المتحضرة"، مقرونة "بالقرارات القضائية والتعاليم الخاصة بخبراء القانون الدولي الأكثر كفاءة في مختلف الدول" كمصادر ثانوية. وتشير عبارة القانون الدولي العام إلى القانون الذي يمكن أن يستمد من المصادر التي لا تشكل معاهدات والمحددة في المادة 38 : القانون الدولي العرفي و"المبادئ العامة للقانون"، مقرونة بالقرارات القضائية والكتابات العائدة للمحامين الدوليين البارزين كمصادر إضافية للتوضيح. وتنطبق قواعد القانون الدولي العام على جميع الدول، سواء أكانت أطرافاً في معاهدة تتضمن القاعدة صراحة أم لم تكن.

القانون الدولي العرفي (يعرف أيضاً بعبارة "القانون العرفي")، المصدر الرئيسي للقانون الدولي العام، يتضمن القواعد الدولية المنبثقة من ممارسات الدول والتي تعتبر قانوناً (رأياً قانونياً).

وتتسم بعض قواعد القانون الدولي العام بأهمية بالغة لدرجة أنها تُقبل "كمعايير قطعية" لا يمكن للدول أن تنتقص منها - ولا يمكن أن تتراجع عن واجبها في احترامها في أية ظروف. ويُعرَّف المعيار القطعي في القانون الدولي العام، الذي يعرف أيضاً بمعيار الحق الدامغ، في اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات (المادة 53) بوصفه "معياراً مقبولاً ومعترفاً به من جانب المجتمع الدولي للدول ككل كمعيار لا يجوز الانتقاص منه، ولا يمكن تعديله إلا بمعيار لاحق في القانون الدولي العام له الطابع نفسه".

وذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن واجب عدم تعريض الناس للتعذيب أو سوء المعاملة هو قاعدة في القانون الدولي العرفي وأن حظر التعذيب هو معيار قطعي. ويمكن اعتبار هذه النقاط بأنها راسخة القدم: لم يتم قط الطعن بها جدياً وتحظى بمؤازرة قرارات قضائية مهمة.

وقد حددت محكمة العدل الدولية بعض الالتزامات الدولية بوصفها التزامات على جميع الناس، أي أنها التزامات مترتبة على الدولة تجاه المجتمع الدولي ككل ولكل دولة مصلحة قانونية في الوفاء بها. وتُستمد هذه الالتزامات، من جملة أشياء، من "المبادئ والقواعد المتعلقة بالحقوق الأساسية لشخص الإنسان". وبحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، فإن الحق في عدم التعرض للتعذيب يندرج ضمن هذه الحقوق الأساسية "بدون أدنى شك"؛ وواجب احترام هذا الحق يترتب على الناس أجمعين.

وهناك نتائج مهمة تترتب على  حظر التعذيب وسوء المعاملة بموجب القانون الدولي العرفي، وحظر التعذيب كمعيار قطعي وواجب جميع الناس في حظر التعذيب، تتعلق بواجبات الدول.

جميع الدول ملزمة باحترام حظر التعذيب وسوء المعاملة كمسألة تتعلق بالقانون الدولي العرفي، سواء أكانت أطرافاً أم لا في المعاهدات التي  تتضمن الحظر صراحة.

جميع الدول ملزمة بمنع التعذيب والمعاقبة على أفعال التعذيب، سواء أكانت أطرافاً أم لا في المعاهدات التي تقتضي منها صراحة أن تفعل ذلك"

كما ذكرت محكمة يوغسلافيا، فإن حظر التعذيب كمعيار قطعي يعني ضمناً أنه يحق لأية دولة طرف أن "تحقق مع وتقاضي وتعاقب أو تُسلِّم" ممارسا مزعوماً للتعذيب موجوداً في منطقة خاضعة لولايتها القضائية. كما يوحي حظره كمعيار قطعي بأنه لا يجوز وضع أي قانون تقادم لجريمة التعذيب.

واجب جميع الناس يعني ضمناً أن تقاعس الدولة على احترام حظر التعذيب ليس فقط مسألة تتعلق بالقانون المحلي؛ بل هو إخلال بواجبات الدولة تجاه جميع الدول الأخرى. ويحق للدول الأخرى أن تشارك في القضية وتطالب بأداء الالتزام (القيام بما يلزم). ومن الطرق المتوافرة أمام الدول لإنفاذ الالتزام ممارسة الصلاحية القضائية الشاملة على ممارسي التعذيب المزعومين الذين يُعثر عليهم في منطقة تابعة لولايتها القضائية.

7.2.3 المعايير غير الملزمة

هناك أيضاً عدد كبير من الصكوك الدولية غير الملزمة والتي لها صلة بحظر التعذيب. ويتضمن بعضها حظراً صريحاً للتعذيب وسوء المعاملة؛ ويُحدد بعضها الآخر معايير وضمانات وإجراءات أخرى تساهم في المنع.

ومعظم الصكوك هي في صيغة قرارات اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو هيئات أخرى تابعة لها. ورغم أنها ليست ملزمة بموجب القانون الدولي، فإن هذه الصكوك التي تشكل "قانوناً متساهلاً" لا يجوز اعتبارها مجرد مجموعة من التوصيات التي تتمتع الحكومات بحرية اتباعها من عدمه بحسب ما يحلو لها. وغالباً ما انطوى اعتماد هذه الصكوك على تمحيص لا يقل شدة عن ذلك المطبق على صياغة المعاهدات. وقد اعتُمد العديد منها من دون تصويت، وهذا دليل على وجود اتفاق قوي بين الدول على وجوب تنفيذ المعايير الواردة فيها. ويمكن بالتالي اعتماد هذه المعايير التي تشكل "قانوناً متساهلاً" بوصفها واجبات ملزمة قانونياً، كما حدث عندما دُمجت مختلف نصوص إعلان مناهضة التعذيب في اتفاقية مناهضة التعذيب. وقد تعكس بعض المعايير التي تشكل "قانوناً متساهلاً" قواعد فعلية أو ناشئة للقانون الدولي العام. ويمكن استخدام المعايير من جانب الهيئات القضائية الوطنية والدولية للتوسع في نطاق القواعد الراسخة للقانون ولتفسير القواعد الواردة في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتطويرها.

وهناك صكان من أهم الصكوك هما مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (مجموعة المبادئ المتعلقة بالاحتجاز) والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (القواعد النموذجية الدنيا). ويتم الاستشهاد بهذين الصكين وسواهما بصورة متكررة في هذا الكتيب.

وعلى المستوى الإقليمي، اعتمدت عدة منظمات حكومية أوروبية صكوكاً غير ملزمة ذات صلة بحظر التعذيب، إضافة إلى المعاهدات التي ذُكرت أعلاه. وهكذا، اعتمد مجلس أوروبا عدداً من الصكوك، بينما أكدت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (التي كانت تعرف سابقاً باسم مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا) من جديد حظر التعذيب والحاجة إلى القضاء عليه. واعتمد الاتحاد الأوروبي مبادئ توجيهية لسياسة تهدف إلى تعزيز القضاء على التعذيب خارج الاتحاد الأوروبي (انظر الفقرة 8-2).

ظهور حركة دولية

على مر السنين، دفع هول التعذيب الناس إلى القيام بتحركات ضده. ويعود بنا هذا الفصل إلى الوراء لتتبع نمو الحركة المناهضة للتعذيب منذ الحرب العالمية الثانية، ويوجز التغييرات التي طرأت على الطريقة التي يُنظر فيها إلى القضية.

وتنص المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه : "لا يُعرَّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو المحطة بالكرامة." وعبَّر اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 عن وجود إجماع دولي على أنه يحق لكل شخص عدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة. وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي اعتُمد في العام 1966، لا يجوز أبداً تقييد هذا الحق، حتى "باسم حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة" (المادة 4). كما أن القانون الإنساني الدولي، الذي يعرف عموماً باسم قوانين الحرب، يمنع التعذيب والمعاملة السيئة منعاً باتاً.

ويُحظَّر التعذيب والمعاملة السيئة في جميع الأوقات والأحوال بموجب القانون الدولي. كما أن معظم ضروب التعذيب وإساءة المعاملة ممنوعة بموجب الدساتير والقوانين الوطنية. وينتهك المسؤول الرسمي الذي يمارس التعذيب أو يسمح به القوانين التي كُلِّف بتطبيقها.

ويتضمن جزء كبير من الحرب على التعذيب إرساء سيادة القانون المبدأ الذي ينص على أن أفعال المسؤولين الرسميين يجب أن تُنفَّذ وفقاً للقانون بالضبط، وأن المسؤولين الرسميين ليسوا فوق القانون، بل ينبغي عليهم أن يخضعوا له أسوة بالمواطنين العاديين. وعلى الصعيد الدولي، يمكن اعتبار الحرب على التعذيب بأنها تنطوي على إرساء سيادة القانون الدولي – وتستلزم وجود قدرة على التعامل على أساس دولي مع الانتهاكات التي ترتكبها جميع الدول، من دون تمييز، للواجب المترتب عليها في احترام القانون وحظر التعذيب وسوء المعاملة، وقدرة على الصعيد الدولي تكفل تحميل الأفراد مسؤولية جنائية عن التعذيب. وقد تحقق العديد من الإنجازات في الحرب على التعذيب منذ الحرب العالمية الثانية في هذا المجال.

وشكل إنشاء الأمم المتحدة في أعقاب الفظائع التي ارتُكبت خلال الحرب العالمية الثانية خطوة مهمة على طريق تعزيز حقوق الإنسان. وكانت الأمم المتحدة معنية بحقوق الإنسان منذ البداية. إذ إن المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، الذي اعتُمد في العام 1945، تقرر بأن أحد أغراض الأمم المتحدة هو "تحقيق التعاون الدولي … في تعزيز حقوق الإنسان والتشجيع على احترامها. "وكما جاء في مطبوعة معاصرة أصدرتها الأمم المتحدة فإن "تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وهي مهمة أُوكلت سابقاً إلى الدول القومية، أصبحت مسؤولية دولية، ولم تقتصر هذه المسؤولية على مجرد تعهد دولي ورد بلغة (عبارات) عامة. بل باتت جزءاً من برنامج دولي برعاية الهيئات والوكالات الرئيسية في الأمم المتحدة وتبلورت في برامج العمل العائدة للهيئات واللجان الأصلية والفرعية المختصة."

وتمثل الجهد الرئيسي الأول لبرنامج حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن خلال اعتماده، وافقت حكومات العالم، الممثلة في الجمعية العامة، على أن حقوق الإنسان الأساسية هي من حق كل شخص. وتنطبق هذه الحقوق في كل مكان، وليس فقط في الدول التي قد تقرر حكوماتها احترامها. ويستتبع ذلك المبدأ وجوب أن تحترم جميع الحكومات حقوق الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية، وأن الشخص الذي تُنتهك حقوقه يحق له مقاضاة الحكومة التي تنتهكها. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة اعتماد الحكومات مجتمعةً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعني ضمناً أن انتهاكات حقوق الإنسان هي من شأن جميع الحكومات. ويجب التمسك بالتحرر من التعذيب والمعاملة السيئة في كل مكان.

وفي أعقاب صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تم على مر السنين اعتماد العديد من الصكوك الدولية والإقليمية الأخرى لحقوق الإنسان – وهي نصوص معيارية تُعنى بحقوق الإنسان اعتمدتها الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي (منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً)، ومنظمة الدول الأمريكية ومجلس أوروبا. وتتضمن هذه الصكوك معايير للسلوك الحكومي، وبصورة غير مباشرة لسلوك الأفراد. وتُلزم المعايير الحكومات وموظفيها بالامتناع عن ممارسة التعذيب أو إساءة المعاملة وحماية الأشخاص من هذه الانتهاكات عندما يرتكبها الأفراد بصفتهم الشخصية. وتبعاً لمنشئها، تكون المعايير إما واجبات ملزمة قانونياً أو توصيات، ويتسم بعضها بقوة شديدة لدرجة أنه يمكن اعتباره واجبات. وقد اعتُمد العديد من الصكوك التي تحدد هذه المعايير من دون تصويت، وهذه علامة على وجود موافقة قوية عليها، حيث إن أياً من الدول الأعضاء التي كانت ممثلة في الهيئة التي اعتمدتها لم تود أن تبدي معارضة علنية لها.

وتنطوي صياغة صكوك حقوق الإنسان دائماً على نقاش حاد حول ما يجب إدراجه أو عدم إدراجه فيها. وغالباً ما كان للمنظمات غير الحكومية، على مر السنين، تأثير قوي على النتيجة التي تتمخض عنها المناقشات، رغم أنها لا تنتمي إلى منظمات حكومية دولية ولا يمكنها التصويت فيها. وقد ألحت منظمة العفو الدولية وسواها من المنظمات غير الحكومية بإصرار على الحكومات لاعتماد صكوك تمنح أكبر درجة ممكنة من الحماية ضد انتهاكات حقوق الإنسان.

وعقب صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تم في العام 1966 اعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تُحظِّر المادة 7 منه ممارسة التعذيب والمعاملة السيئة.  وعندما تصبح الدولة طرفاً في العهد المذكور، تكون ملزمة قانونياً باحترام الحظر والتأكد من تمتع جميع الأفراد الداخلين في ولايتها القضائية بالحق في عدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة. ويُحظَّر التعذيب وسوء المعاملة في عبارات مشابهة في المعاهدات الإقليمية العامة لحقوق الإنسان التي اعتُمدت منذ الحرب العالمية الثانية – الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، التي اعتُمدت في العام 1950؛ والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان التي اعتُمدت في العام 1969؛ والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي اعتمد في العام 1981؛ والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتُمد في العام 1994 (لم يدخل حيز النفاذ بعد). وفي القانون الإنساني الدولي، تتضمن الاتفاقيات الرئيسية التي اعتُمدت منذ الحرب العالمية الثانية – اتفاقيات جنيف للعام 1949، والبروتوكالات الإضافية للعام 1977 الملحقة باتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949 – تتضمن أيضاً حظراً للتعذيب وسوء المعاملة.

وفي الستينيات ومطلع السبعينيات وبوصفها منظمة تأسست للقيام بحملات من أجل إطلاق سراح سجناء الرأي، أصبحت منظمة العفو الدولية أكثر إدراكاً لمشكلة التعذيب من خلال المعلومات التي تلقتها من السجناء ومصادر أخرى في مختلف أنحاء العالم. وفي العام 1972، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول بالذات – يوم حقوق الإنسان – وهو عيد أعلنته الأمم المتحدة للاحتفال سنوياً بذكرى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – أطلقت منظمة العفو الدولية أول حملة عالمية لها للقضاء على التعذيب. وتضمن تقريرها حول التعذيب الذي أصدرته في العام التالي، معلومات حول التعذيب وإساءة المعاملة في أكثر من 70 دولة ومنطقة في الفترة الممتدة بين العام 1970 ومنتصف العام 1973. وبدا واضحاً أن العديد من الحكومات كانت تستهزئ بالحظر المفروض على التعذيب الذي نادت به في العام 1948.

وأدى افتضاح التعذيب إلى اتخاذ إجراءات. ففي العام 1975، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة من دون تصويت الإعلان الخاص بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (إعلان مناهضة التعذيب)، الذي يحدد التدابير التفصيلية التي ينبغي على الحكومات اتخاذها لمنع وقوع التعذيب. وأعقبه اعتماد صكوك الأمم المتحدة التي تتناول حظر التعذيب فيما يتعلق بمهنتي الشرطة والطب. وفي العام 1981 أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصندوق التطوعي للأمم المتحدة الخاص بضحايا التعذيب، وهو صندوق دولي لتقديم المساعدة الإنسانية إلى ضحايا التعذيب وعائلاتهم.

وفي السنوات التي أعقبت حملة منظمة العفو الدولية، تم تأسيس منظمات جديدة لمحاربة التعذيب، وتطور عمل المنظمات القائمة. وأنشأت منظمة العفو الدولية شبكة للتحرك العاجل تضم أعضاء في شتى أنحاء العالم يمكنهم إطلاق مناشدات فورية نيابة عن الأفراد المعرضين لخطر التعذيب. ومن جملة المنظمات غير الحكومية الجديدة، أُسست في العام 1977 الجمعية التي تعرف اليوم باسم جمعية منع التعذيب، في البداية للدعوة إلى وضع نظام دولي للزيارات إلى أماكن الاعتقال كضمانة ضد التعذيب (انظر الفقرة 5-8 ). وأُسست المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في العام 1986 لتسهيل التحرك الدولي للمنظمات غير الحكومية الوطنية. وبحلول مطلع الثمانينيات، أُنشئت مراكز لتقديم الرعاية الطبية والنفسية – الاجتماعية لضحايا التعذيب في دول حدث فيها التعذيب مثل الأرجنتين وشيلي والأوروغواي، إضافة إلى الدول التي تستقبل اللاجئين، مثل بلجيكا وكندا والدنمرك وفرنسا وهولندا والسويد (انظر الفقرة 8-6 ).

وبينما ازداد عدد المنظمات غير الحكومية الدولية، تولت المنظمات الوطنية بشكل متزايد مهمة في غاية الأهمية وهي محاربة التعذيب في بلدانها، غالباً في ظروف تتسم بالقمع الشديد. وزاولت هذه المنظمات أنشطة مثل التدخل العاجل لدى السلطات عندما يُخشى من ممارسة التعذيب؛ وتوثيق الحالات؛ وتقديم الالتماسات في المحاكم نيابة عن ضحايا التعذيب؛ وإرسال معلومات إلى المنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات الحكومية الدولية التي يمكنها القيام بتحركات من خارج البلاد.

ورغم الجهود والإنجازات، تواصلت ممارسة التعذيب. وأطلقت منظمة العفو الدولية حملتها الثانية للقضاء على التعذيب في العام 1984 بإصدار تقرير التعذيب في الثمانينيات الذي يوثق أو يشير إلى أنباء التعذيب وسوء المعاملة في 98 دولة في الفترة الممتدة بين العام 1980 ومنتصف العام 1983. وانتقلت الحملة من مرحلة فضح التعذيب وشجبه إلى التركيز على منع وقوعه. وأذاع برنامج منظمة العفو الدولية لمنع التعذيب المؤلف من 12 نقطة أهم الإجراءات اللازمة. وارتبطت بذلك فكرة كون وقف التعذيب أساساً مسألة توافر الإرادة السياسية.

وخلال الحملة، حثت منظمة العفو الدولية الحكومات على اعتماد اتفاقية ضد التعذيب وإنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة للتدخل في حالات التعذيب العاجلة. وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 1984 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب) – وهي معاهدة دولية تلزم الدول الأطراف باتخاذ خطوات محددة لمنع التعذيب والتحقيق فيه وتنص على الولاية القضائية الشاملة في مقاضاة ممارسي التعذيب المزعومين. كما تنص الاتفاقية على إنشاء لجنة لمناهضة التعذيب للإشراف على تنفيذ أحكامها. وفي العام 1985 قررت الأمم المتحدة تعيين مقرر خاص معني بالتعذيب، يتضمن عمله الآن إرسال مناشدات عاجلة إلى الحكومات في الدول التي يرد أن شخصاً يتعرض فيها لخطر التعذيب.

وخلال الأعوام التالية، اعتمدت الأمم المتحدة العديد من الصكوك الجديدة المتعلقة بمنع التعذيب وتحديد الأوضاع الإنسانية للاعتقال. ومن أهمها مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (مجموعة المبادئ المتعلقة بالاحتجاز) التي اعتمدتها الجمعية العامة في العام 1988. ومن بين التطورات المهمة الأخرى إنشاء المحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة ورواندا واعتماد قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية في العام 1998 والذي ينص على إجراء محاكمات جنائية دولية للأشخاص المتهمين بارتكاب أفعال تشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية بما فيها التعذيب (انظر الفصل السابع).

وعلى المستوى الإقليمي، تنص الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهنية (الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب) التي اعتمدها مجلس أوروبا في العام 1987، على تشكيل لجنة مخولة بزيارة أماكن الاعتقال في أوروبا، بينما تنص اتفاقية الدول الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه والتي اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية في العام 1985، على إنشاء نظام للصلاحية القضائية الشاملة في الأمريكتين.

وشهدت السنوات التي أعقبت الحملة الثانية لمنظمة العفو الدولية الهادفة إلى القضاء على التعذيب إنشاء المزيد من المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية التي تحارب التعذيب، فضلاً عن التوافر الأوسع لمرافق معالجة الضحايا ورعايتهم. ورغم ذلك استمر التعذيب. وفي السنوات الأخيرة، تلقت منظمة العفو الدولية أنباء منتظمة حول ممارسة التعذيب وسوء المعاملة في أكثر من 100 دولة كل عام.

وفي العام 1993، اعتمد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقدته الأمم المتحدة إعلان وبرنامج عمل فيينا الذي ينص على أن "أحد الانتهاكات الأكثر وحشية لكرامة الإنسان هو ممارسة التعذيب، التي تؤدي إلى تحطيم كرامة الضحايا وتضعف قدرتهم على مواصلة حياتهم وأنشطتهم". وحث المؤتمر "جميع الدول على وضع حد فوري لممارسة التعذيب واجتثاث هذا الشر إلى الأبد."

وفي العام 1996 دعت منظمة العفو الدولية إلى عقد مؤتمر دولي حول التعذيب في ستوكهولم، شكَّل ملتقى للمدافعين عن حقوق الإنسان وللخبراء من مختلف أنحاء العالم. وتمثلت إحدى مهامه في دراسة الوسائل العملية لتنفيذ المعايير المتفق عليها. وكانت الرسالة المهمة التي خرج بها المؤتمر هي أنه نظراً لعدم وفاء الحكومات بالواجب المترتب عليها في وقف التعذيب، فقد آن الأوان للمنظمات غير الحكومية كي ترص صفوفها من أجل مساءلة الحكومات. وأذن المؤتمر بظهور خط متشدد جديد وإحساس بوحدة الهدف بين المنظمات غير الحكومية التي تحارب التعذيب.

وجرى تبني هذا الموضوع في الحملة الثالثة لمنظمة العفو الدولية المناهضة للتعذيب التي أُطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2000. ومن جملة أشياء، كانت الحملة تستهدف تعزيز التعاون بين المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية في مكافحة التعذيب.

كما أتاحت الحملة الجديدة فرصة للنظر إلى مشكلة التعذيب بطرق جديدة. 

الملحق 1: المراجع

رابطة منع التعذيب، 1997، عشرون عاماً كُرست لتحقيق فكرة: مجموعة مقالات تكريماً لـ جين –جاك غوتير، جنيف، رابطة منع التعذيب.

رابطة منع التعذيب، 1999، أثر الزيارات الخارجية إلى مراكز الشرطة على منع التعذيب وسوء المعاملة، جنيف، رابطة منع التعذيب.

بتسليم 1997، تشريع التعذيب: قرارات محكمة العدل العليا الإسرائيلية بشأن حالات البلبيسي وحمدان ومبارك، القدس، بتسليم.

بانك، رولاند 1997، "الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية: هل أدت الآليات الجديدة إلى تحسين مستوى الحماية؟"، المجلة الأوروبية للقانون الدولي، 0938-5428 :ISSN، المجلد 8، الرقم 4، ص 613- .637

بانك، رولاند، 2000 "إجراءات قطرية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب: نحو دينامية جديدة"، في مستقبل مراقبة معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تحرير فيليب ألتسون وجيمس كرفورد، كيمبريج، المملكة المتحدة، مطبعة جامعة كيمبريج، 0-521-64195-0 :ISBN (غلاف مقوى)، 0-521-64574-3 (غلاف ورقي)، ص 174-145.

باولو، ميتين (محرر)، 1992، التعذيب وعواقبه: المناهج الراهنة للمعاملة، كيمبريج، المملكة المتحدة، مطبعة جامعة كيمبريج، 0-521-39299-3 :ISBN (غلاف مقوى)، 0-521-65954-X (غلاف ورقي).

بيناونس، كريمة، 1997، "ممارسة تحط من شأن كل من له علاقة: العقوبة البدنية بموجب القانون الدولي"، رابطة منع التعذيب، 1997، ص 228-203).

بووت، ماتشفيلد، رودني ديكسون وكريستوفر كيه هول، 1999، "المقالة 7 –جرائم ضد الإنسانية" في: تعليقات حول قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: ملاحظات المراقبين، مادةً مادة، تحرير أوتو تريفتيرر، بادن –بادن، ألمانيا، نوموس، 3-7890-6173-5 :ISBN، ص 172-117.

بورين، أليكس 2000، بلاد بلا قناع: في لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، أُكسفورد، المملكة المتحدة، مطبعة جامعة أكسفورد، 0-19-571805-4 :ISBN.

بوسويت، مارك جيه، 1987، مرشد إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، دوردريخت، هولندا، مارتيناس نيجهوف، 90-247-3467-3 :ISBN .

بولزبا، أهسين، 1999، اتفاقية مناهضة التعذيب وآفاق تنفيذها، لاهاي، كلوار، 90-411-0457-7 :ISBN .

بريث، راشيل، وريموند جيه توني، 1997، "التعذيب في الجيش؟"، رابطة منع التعذيب، 1997، ص 237-231.

الجمعية الطبية البريطانية، 2001، مهنة الطب وحقوق الإنسان: دليل لجدول أعمال متغير، لندن، زد بوكس، 85649-611-2 :ISBN-1 (غلاف مقوى)، 1-85649-620-0 (غلاف ورقي).

بيرغرز، جيه هيرمان وهانز دانيلياس 1988، اتفاقية مناهضة التعذيب: دليل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، دوردريخت، هولندا، مارتيناس نيجهوف،  :ISBN 90-247-3609-9

كاسيسيه، أنطونيو 1996، الدول اللاإنسانية: الحبس والاعتقال والتعذيب في أوروبا اليوم، كيمبريج، المملكة المتحدة، مطبعة بوليتي، 0-7456-1721-2 :ISBN (مقوى)، 0-7456-1722-0 (ورقي).

ائتلاف المنظمات غير الحكومية الدولية لمناهضة التعذيب، 2001، معاً ضد التعذيب (كراس).

كوبيلون، رهوندا 1994 "الرعب الحميم: فهم العنف العائلي كنوع من التعذيب"، في  الحقوق الإنسانية للمرأة: منظورات وطنية ودولية، تحرير رابيكا جيه كوك، فيلادلفيا 1994، مطبعة جامعة بنسلفانيا، 0-8122-1538-9 :ISBN، ص 152-116.

كروشو، رالف وليف هولمستروم (تحرير)، نصوص أساسية حول حقوق الإنسان للشرطة: مجموعة من الصكوك الدولية، لاهاي، كلوار، 90-411-1557-9 :ISBN.

دي روفر، كيس 1998، لتقديم الخدمة والحماية: حقوق الإنسان والقانون الإنساني لقوات الشرطة والأمن، جنيف، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2-88145-093-8 :ISBN.

إيفانـز، مالكولم دي 2000، "مقارعة التعذيب"، فصلية القانون الدولي والمقارن، 0020-5893 :ISSN، المجلد 51، الرقم 2، ص 383-365.

إيفانـز، مالكولم دي ورود مورغان 1998، منع التعذيب: دراسة للاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، أكسفورد، المملكة المتحدة، مطبعة جامعة أكسفورد، 0-19-826257-4 :ISBN.

غيفارد، كاميل، 2000، دليل الابلاغ عن التعذيب: كيف نوثِّق ونرد على مزاعم التعذيب ضمن النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان، كولتشيستر، المملكة المتحدة، مركز حقوق الإنسان، جامعة إسيكس،  1-874635-28-5 :ISBN (متوفر على موقع مركز حقوق الإنسان التابع لجامعة إسيكس على شبكة الإنترنت: www.essex.ac.uk/torturehandbook )

غيفارد، كاميل ونيغل إس رودلي 2002 "منهج المحاكم الدولية فيما يتعلق بالأدلة الطبية في الحالات التي تنطوي على تعذيب"، في بيل وإياكوبينو (تحرير)، ص 43-19.

غورليك، بريان 1999، "اتفاقية مناهضة التعذيب ولجنة مناهضة التعذيب: نظام تكميلي لحماية اللاجئين"، في المجلة الدولية لقانون اللاجئين، 0953-8186 :ISSN، المجلد 11، الرقم 3، ص 495-479.

هينر، بريسيلا بي 2001، حقائق يعجز عنها الوصف: مواجهة رعب الدولة وفظائعها، نيويورك ولندن، روتليج،  0-415-92477-4 :ISBN

منظمة مراقبة حقوق الإنسان 1995، الأطفال المحتجزون في لويزيانا، نيويورك، منظمة مراقبة حقوق الإنسان،  1-56432-159-2 :ISBN (متوفر على موقع منظمة مراقبة حقوق الإنسان على شبكة الإنترنت: www.hrw.org )

منظمة مراقبة حقوق الإنسان 1996، العاصمة الحديثة لحقوق الإنسان؟ الانتهاكات في ولاية جورجيا، نيويورك، منظمة مراقبة حقوق الإنسان، :ISBN 1-56432-169-X (متوفر على موقع المنظمة على الإنترنت: www.hrw.org ).

منظمة مراقبة حقوق الإنسان 1999، رفقاً بالطفل: العقوبة البدنية في مدارس كينيا، نيويورك، منظمة مراقبة حقوق الإنسان (متوفر على موقع المنظمة على الإنترنت: www.hrw.org ).

إنغلز، كريس 2001، لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب: تقييم، لاهاي كلوار، 90-411-1650-8 ISBN.

جرانسون، جيمس إم وإم كيه بوبكين (تحرير)، 1993، الاهتمام بضحايا التعذيب، واشنطن دي سي، مطبعة الطب النفسي الأمريكية، 0-88048-774-7 :ISBN

جنكرنز، كاثرين 2000 "بعد جفاف الفصل الأبيض: مآزق الإصلاح وإعادة البناء في جنوب أفريقيا"، في مجلة حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا، 0258-7203 :ISSN، المجلد 16، الجزء 3، ص 485-415.

كويس، ليزا إم 1998، "أرقصي يا أختاه، أرقصي"، في وضع حد للتعذيب: استراتيجيات لاستئصال شأفته، تحرير بيرتل دونر، لندن، زد بوكس، 1-85649-621-X :ISBN (مقوى) 1-85649-622-8 (ورقي)، ص 108-85.

ماكينون، كاثرين أيه 1993، "حول التعذيب: منظور نسوي لحقوق الإنسان"، في حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين: تحدٍ عالمي، تحرير كاثلين إي مهوني وبول مهوني، دوردريخت، هولندا، مارتيناس نيجهوف،  0-7923-1810-2 :ISBN.

مان، ناثامي 2000، الأطفال والتعذيب والسلطة: تعذيب الأطفال على أيدي الأطفال وجماعات المعارضة المسلحة، لندن، منظمة "أنقدوا الأطفال" 1-84187-038-2 :ISBN.

منديز، خوان إي 1997، "المساءلة عن الانتهاكات السابقة"، في فصلية حقوق الإنسان، 0275-0392 :ISSN، المجلد 19، الرقم 2 ص 282-255.

مورغان، رود ومالكولم دي إيفانز 1999 (تحرير)، حماية السجناء: معايير اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب، أكسفورد، المملكة المتحدة، مطبعة جامعة أسفورد، :ISBN 0-19-829821-8.

مورغان، رود ومالكولم دي إيفانز 2001، "مكافحة التعذيب في أوروبا: عمل اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب ومعاييرها"، ستراسبوغ، منشورات مجلس أوروبا، 92-87-4614-4 :ISBN.

مورسنيك، جوهانز 1999، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الأصول والصياغة والنوايا، فيلادلفيا، مطبعة جامعة بنسلفانيا، 0-8122-3474-X :ISBN (مقوى)، 0-8122-1747-0 (ورقي).

نواك مانفريد 1993، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: تعليقات لجنة الحقوق المدنية والسياسية، كيبل، ألمانيا، إن بي إنفلز، 3-88357-106-7 :ISBN

فيردوخ، جيم 1999، "معايير اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب في إطار مجلس أوروبا"، في كتاب مورغان وإيفانز (تحرير) 1999، 136-103.

منظمة الأمن والتعاون في أوروبا 1999، منع التعذيب: دليل للموظفين الميدانيين في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وارسو، مكتب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان. (متوفر على موقع المكتب على الإنترنت: www.osce.org/odihr ).

بيل، مايكل 2002، "إساءة المعاملة الجنسية للذكور في الحجز"، في كتاب بيل وإرياكوبينو (تحرير) 2002، ص 190-179.

بيل، مايكل وفنسنت إياكوبينو (تحرير) 2002، التوثيق الطبي للتعذيب، لندن، وسائل الإعلام الطبية في غرينويتش، 1-84110-068-4 :ISBN.

المنظمة الدولية لإصلاح قوانين العقوبات، 1995، تفعيل المعايير: دليل دولي للممارسات الجيدة في السجون، لاهاي، المنظمة الدولية لإصلاح قوانين العقوبات (متوفر على موقع المنظمة على شبكة الإنترنت: www.penalreform.org ).

بيترز، إدوارد 1996، التعذيب، طبعة موسعة، فيلادلفيا، مطبعة جامعة بنسلفانيا، 0-8122-1599-0 :ISBN.

بيكورت، ولفغانغ 1999، "الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، في مورغان وإيفانز (تحرير) 1999، ص 102-85.

بكتيت، جين إس (تحرير)، 1960-1952، اتفاقيات جنيف المبرمة في 12 أغسطس/ آب 1949: تعليقات (4 مجلدات)، جنيف، اللجنة الدولية للصليب الأحمر (متوفر على موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الإنترنت: www.icrc.org ).

بروكوش، إريك 1999، "برنامج منظمة العفو الدولية المكوَّن من اثنتي عشرة نقطة لمنع التعذيب: مثال لوضع المعايير من قبل المنظمات غير الحكومية"، مورغان وإيفانز (تحرير) 1999، ص 177-167.

راندال، غلين آر وإلين إل لوتز، 1991، خدمة الناجين من التعذيب: دليل عملي للمهنيين الصحيين وغيرهم، واشنطن دي سي، الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، 0-87168-433-8 :ISBN.

ردريس 2000، التصدي للإفلات من العقاب على ارتكاب التعذيب: دليل لرفع دعاوى جنائية ومدنية في إنجلترا وويلز ضد مرتكبي التعذيب في الخارج، لندن، ذي ردريس ترست، 0-9534892-1-3 :ISBN.

ريس، هيرمان 2002، "زيارة السجناء وتوثيق التعذيب"، بيل وإياكوبينو (تحرير) 2002، ص 99-77.

رودلي، نيغل إس، 1993، "قانون ناعم ومعايير خشنة"، نشرة الحقوق الدولية رقم 43، 0268-3709 :ISSN

رودلي، نيغل إس، 1999، معاملة السجناء بموجب القانون الدولي، الطبعة الثانية، أكسفورد، المملكة المتحدة، مطبعة كلارنيدوف، 0-19-826564-6 :ISBN (مقوى)، 0-19-826563 (ورقي).

شاباس، وليام أيه 1996، عقوبة الإعدام كنوع من المعاملة القاسية والتعذيب: الطعن في عقوبة الإعدام أمام محاكم العالم، بوسطن، الولايات المتحدة، مطبعة جامعة نورث إيسترن، 1-55553-268-3 :ISBN.

سيفيرت، روث 2002، "الاغتصاب: الجسد الأنثوي كرمز وعلامة: العنف الجنسي ضد المرأة والبناء الثقافي للحرب"، في الحرب أم الصحة؟ تحرير إلكا تيبيل وآخرون، لندن، زد بوكس، 1-85649-950-2 :ISBN (مقوى)، 1-85649-951-0.

جنوب أفريقيا، لجنة الحقيقة والمصالحة، 1998، تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا (5 مجلدات)، بريتوريا، لجنة الحقيقة والمصالحة، توزيع شركة جوتا وشركاه لحساب اللجنة،كيب تاون، 0-6202-3078-9 :ISBN (ثمة نسخة غير محررة على موقع حكومة جنوب أفريقيا على الإنترنت: www.polity.org.za/govdocs/commissions )

سترون، جاك وباسكال دودين 1997، تحليل العوامل التي تؤدي إلى التعذيب (باللغة الفرنسية فقط)، رابطة منع التعذيب 1977، ص 128-117.

سوليفان، دونا 1995، "التمييز بين العام والخاص في القانون الدولي لحقوق الإنسان" في حقوق المرأة، حقوق الإنسان: منظورات نسوية دولية، تحرير جولي بيترز وأندريا ولبر، نيويورك ولندن، روتليج،  0-415-909994-5 :ISBN (مقوى)، 0-415-90995-3 (ورقي). ص 134-126.

صنتنغر، وولتر 1999، "اتفاقية منع التعذيب وغيرها من المعايير الدولية لمنع التعذيب"، مورغان وإيفانز (تحرير) 1999، ص 166-137.

فان ديرفير، غاس 1998، الإرشاد والمعالجة للاجئين وضحايا الصدمة: المشكلات النفسية لضحايا الحرب والتعذيب والاضطهاد، الطبعة الثانية، تشيتشيستر، المملكة المتحدة، جون ديلي، 0-471-98226-1 :ISBN.

فان بويرين، جيرالدين (تحرير) 1998، الطفولة المنتهكة: حماية الأطفال من التعذيب والمعاملة أوالعقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، ألدرشوت، المملكة المتحدة، أشغيت، 1-85521-918-2 :ISBN.

فان ويليغن، لويس إتش إم 1992، "تنظيم خدمات الرعاية وإعادة التأهيل لضحايا التعذيب وغيره من أشكال العنف المنظم: مراجعة للقضايا الراهنة"، باولو (محرر) 1992، ص 298-277.

ويلش، جيه 1996، "الصدمة النفسية ودور المنظمات غير الحكومية: إسهام المنظمات غير الحكومية"، في الردود الدولية على الصدمة النفسية: إسهامات في المجالات الإنسانية وحقوق الإنسان والعدالة والسلم والتنمية والأعمال التعاونية والمبادرات المستقبلية، تحرير يائيل دانيالي ونيغل إس رودلي ولارس وايسيث أميتفيل، نيويورك، الولايات المتحدة، بيوود، 0-89503-132-9 :ISBN، ص 159-131.

منظمة العفو الدولية

 الملحق 2

ثبت المراجع: وثائق منظمة العفو الدولية

يُشار إلى وثائق منظمة العفو الدولية بعنوان الوثيقة ورقم الفهرس، باستثناء بعض التقارير التي صدرت في وقت مبكر من تأسيس المنظمة والتي لم تُعط أرقام فهارس. ويشير الجزء الأول من الفهرس إلى الموضوع أو الإقليم أو البلد (مثال: ACT 40, AMR 51 )؛ بينما يشير الجزء الأخير منه إلى سنة النشر (السنوات ما قبل 2001 كانت مختصرة، مثال: 99 بدلاً من 1999، 00 بدلاً من 2000)، أما الوثائق التي يشار إليها بترقيم دولي ISBN فهي تُنشر وتكون معروضة للبيع كجزء من مطبوعات منظمة العفو الدولية.

ويمكن الحصول على وثائق منظمة العفو الدولية من مكاتب فروع المنظمة، أو من الأمانة الدولية في حالة عدم وجود مكاتب للمنظمة في بلد ما، وذلك بمراسلة العنوان الآتي:

Amnesty International, International Secretariat, 1 Easton Street, Peter Benenson’s House, London WC1X 0DW, United Kingdom.

ويمكن الاطلاع على جميع الوثائق التي صدرت قبل العام 1996 تقريباً على موقع المنظمة على شبكة الإنترنت: www.amnesty.org، والذي يضم كذلك عنواين مكاتب فروع المنظمة.

وتتوافر الوثيقة المعنونة بـ "الولاية القضائية العالمية: واجب الدول نحو سن القوانين وتنفيذها" على قرص مدمج،  يمكن الحصول عليه من "مشروع العدالة الدولية" في الأمانة الدولية للمنظمة (البريد الإلكتروني: [email protected] )

الوثائق المذكورة في هذا الدليل

عنوان الوثيقة والتفاصيل المرجعية

 رقم الوثيقة

مؤتمر منظمة العفو الدولية بشأن القضاء على التعذيب.

باريس، 11-10 ديسمبر/ كانون الأول 1973، التقرير النهائي، لندن، منظمة العفو الدولية، تحديث 1974.

 ACT 40/001/2001

أجساد مهمشة ونفوس محطمة: تعذيب النساء وإساءة معاملتهن،

ISBN 0-86210-296-0

 ACT 10/001/2001  

دليل الحملات، ISBN 0-86210-271-5

 ACT 10/002/2001

جرائم الكراهية، مؤامرة الصمت: التعذيب وإساءة المعاملة على أساس الهوية الجنسية

ISBN 0-86210-302-9

 ACT 40/016/2001

حالات "الاختفاء" وعمليات القتل السياسي – أزمة حقوق الإنسان في التسعينات: دليل للتحرك (مذكور بعنوان: حالات "الاختفاء" وعمليات القتل السياسي...: دليل للتحرك)، أمستردام الفرع الهولندي، 1994، ISBN 90-6463-095-X

 ACT 33/01/94

توثيق انتهاكات حقوق الإنسان: التعذيب نموذجا

 ACT 75/04/00

ضعوا حدًا للإفلات من العقاب: العدالة لضحايا التعذيب، ISBN 0-86210-307-X

 ACT 40/024/2001

المدونات الأخلاقية والإعلانات ذات الصلة بالمهن الصحية: مجموعة نصوص أخلاقية مختارة لمنظمة العفو الدولية، الطبعة الثالثة المنقحة ، ISBN 0-86210-233-2

 ACT 75/05/00

المدونات الأخلاقية والإعلانات ذات الصلة بالمهن الصحية: مجموعة نصوص مختارة في مجال الأخلاق وحقوق الإنسان، الطبعة الرابعة المنقحة

 ACT 75/05/00

دليل المحاكمات العادلة، ISBN 0-86210-277-4

 POL 30/02/98

فضائع في الخفاء، عار في طي الكتمان: تعذيب الأطفال وإساءة معاملتهم، ISBN 0-86210-294-4

 ACT 40/38/00

الهند: ترجمة الأقوال إلى أفعال – توصيات لمنع التعذيب

 ASA 20/003/2001

المعايير الدولية بشأن عقوبة الإعدام

 ACT 50/10/98

إسرائيل والأراضي المحتلة: الوفاة بالهز –حالة عبد الصمد حريزات

 MDE 15/23/95

الخدمات الطبية والنفسية – الاجتماعية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان

 ACT 75/06/00

باكستان: "حافظ على أغلالك براقة ولامعة" – استمرار استخدام أغلال القضبان والأغلال المتقاطعة

 ASA 33/12/95

جمهورية الصين الشعبية: التعذيب – آفة متنامية في الصين: حان وقت العمل

 ASA 17/004/2001

العنصرية وإقرار العدالة، ISBN 0-86210-305-0

 ACT 40/020/2001

اللاجئون: حقوق الإنسان لا تعرف حدوداً، ISBN 0-86210-265-0

 ACT 34/03/97

تقرير مؤتمر ستوكهولم بشأن التعذيب

 ACT 40/05/97

تقرير حول التعذيب، لندن، مطبوعات دكويرث ومنظمة العفو الدولية 1973

تقرير حول التعذيب، الطبعة الثانية، لندن، مطبوعات دكويرث ومنظمة العفو الدولية، 1975، 0-7156-0711-1 :ISBN (غلاف مقوى)، 0-7156-0712-X (ورقي)

ينبغي احترام الحقوق الإنسانية للمرأة وحمايتها وإحقاقها: مسؤولية الدولة عن الانتهاكات على أيدي الفاعلين غير التابعين للدولة

 IOR 50/01/00

المملكة العربية السعودية: لا تـزال المملكة العربية السعودية تشكل تربة خصبة للتعذيب والإفلات من العقاب.

 MDE 23/004/2002

 جنوب أفريقيا: المحافظة على مكتسبات حقوق الإنسان في "الحرب ضد الجريمة" – مذكرة إلى حكومة جنوب أفريقيا واللجنة القانونية المعنية بمسودة قانون مكافحة الإرهاب في جنوب أفريقيا

 AFR 53/04/00

وقف تجارة التعذيب، ISBN 0-86210-295-2

 ACT 40/002/2001

ساهم في القضاء على التعذيب، ISBN

 ACT 40/13/00

التعذيب في روسيا: "هذا الجحيم الذي صنعه الإنسان"

 EUR 46/04/97

التعذيب في الثمانينات، ISBN 0-86210-066-6

 ACT 04/01/84

تركيا: واجب الإشراف والتحقيق والمقاضاة

 EUR 44/24/99

المملكة المتحدة: عمليات القتل السياسي في آيرلندا الشمالية

 EUR 45/01/94

المملكة المتحدة: حالة بينوشيه – الولاية القضائية العالمية وعدم الحصانة على اقتراف الجرائم ضد الإنسانية

 EUR 45/01/99

الولاية القضائية العالمية: المحكمة البلجيكية تتمتع بالولاية القضائية، في حالة شارون، للتحقيق في عمليات القتل في صبرا وشاتيلا 1982

 IOR 53/00/2001

الولاية القضائية العالمية: واجب الدول نحو سن القوانين وتنفيذها – الفصل 10، التعذيب: ممارسات الدولة على المستوى الوطني

 IOR 53/013/2001

الولاية القضائية العالمية: واجب الدول نحو سن القوانين وتنفيذها –الفصل 14، التغلب على العقبات التي تعترض سبيل تنفيذ الولاية القضائية العالمية

 IOR 53/017/2001

الولايات المتحدة الأمريكية: تقرير موجز للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب

 AMR 51/56/00 

الولايات المتحدة الأمريكية: ضائعون في المتاهة

 AMR 51/51/99 

الولايات المتحدة الأمريكية: الحقوق للجميع

 AMR 51/35/98 

الولايات المتحدة الأمريكية: الحقوق للجميع – القسوة في السيطرة؟ استخدام حزام الصعق الكهربائي وغيره من معدات الصعق الكهربائي في تنفيذ القوانين

 AMR 51/54/99 

استخدام النظام الدولي لحقوق الإنسان لمكافحة التمييز العنصري: دليل، ISBN 0-86210-300-2

 IOR 80/01/2001 

وثائق مختارة أخرى صدرت في العامين 2001-2000 إبان الحملة العالمية الثالثة لمنظمة العفو الدولية لمناهضة التعذيب

عنوان الوثيقة

 رقم الوثيقة 

ألبانيا: التعذيب وإساءة المعاملة – هل يوضع حد للإفلات من العقاب؟

 EUR 11/001/2001

 

أرمينيا: استنتاجات وتوصيات لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب

 EUR 54/001/2001 

البحرين: التطورات المتعلقة بحقوق الإنسان واستمرار بواعث قلق منظمة العفو الدولية

 MDE 11/03/00 

بنغلاديش: التعذيب والإفلات من العقاب

 ASA 13/07/00

 بيلاروس: تقرير موجز إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب

 EUR 49/002/2001 

بوليفيا: التعذيب وإساءة المعاملة – بواعث قلق منظمة العفو الدولية

 AMR 18/008/2001 

البرازيل: "إنهم يعاملوننا كالبهائم": التعذيب وسوء المعاملة في البرازيل – نـزع الروح الإنسانية والإفلات من العقاب في نظام القضاء الجنائي

 AMR 19/022/2001 

جمهورية التشيك: الاعتقال التعسفي وإساءة المعاملة على أيدي الشرطة بعد احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2000

 EUR 71/001/2001

جمهورية الكونغو الديمقراطية: التعذيب – أحد أسلحة الحرب ضد المدنيين العزَّل.

 AFR 62/012/2001 

إكوادور: استمرار تعذيب وإساءة معاملة السحاقيات واللوطيين وثنائي الميول الجنسية والمتحولين إلى الجنس الآخر

 AMR 28/009/2001 

مصر: التعذيب وسوء المعاملة بسبب الميول الجنسية الحقيقية أو المتصوَّرة

 MDE 12/033/2001 

مصر: التعذيب لا يزال مستشرياً، بينما تذهب الصرخات من أجل العدالة أدراج الرياح

 MDE 12/003/2001 

إخفاق في الخمسين: الإفلات من العقاب على التعذيب وإساءة المعاملة في أوروبا في الذكرى الخمسين للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

 EUR 01/04/00 

غينيا: قضية ألفاكوندي – محاكمة صورية

 AFR 29/02/00 

الهند: المعركة ضد الخوف والتمييز – أثر العنف ضد المرأة في أتار براديش وراجستان

 ASA 20/016/2001 

الهند: حان وقت العمل لوقف التعذيب والإفلات من العقاب في غرب البنغال

 ASA 20/033/2001 

العراق: التعذيب المنظم للسجناء السياسيين

 MDE 14/008/2001 

إسرائيل والأراضي المحتلة: عمليات الاعتقال الجماعي ووحشية الشرطة

 MDE 15/58/00 

إيطاليا: عملية حفظ الأمن في جنوة بمناسبة اجتماع مجموعة الثماني – ملخص لبواعث القلق.

 EUR 30/012/2001 

جمايكا: عمليات القتل والعنف على أيدي الشرطة –كم ضحيةً أخرى سقطت؟

 AMR 38/003/2001 

كينيا: وضع حد لدورة الإفلات من العقاب

 AFR 32/11/2001 

كينيا: السجون – الوفاة جراء التعذيب والأوضاع القاسية واللاإنسانية والمهينة

 AFR 32/10/00 

لبنان: تعذيب النساء وإساءة معاملتهن في فترة الاعتقال الذي يسبق المحاكمة – ثقافة السكوت

 MDE 18/009/2001 

ليبيريا: عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب تستمر في مقاطعة لوفا

 AFR 34/009/2001 

المكسيك: خيانة العدالة – التعذيب في النظام القضائي

 AMR 41/021/2001 

ميانمار: مؤسسة التعذيب

 ASA 16/24/00 

نيبال: تجريم التعذيب

 ASA 31/002/2001

 بيرو: استمرار التعذيب بلا هوادة

 AMR 46/40/00 

الفلبين: الخوف والعار والإفلات من العقاب – الاغتصاب وإساءة المعاملة الجنسية للنساء في الحجز

 ASA 35/001/2001 

الفلبين: التحقيق في مقتل رونالدو أبديلا- الحاجة الملحة إلى إجراء تحقيق في أعمال التعذيب

 ASA 35/08/00 

البرتغال: "مشكلات صغيرة...؟" ملخص لبواعث القلق

 EUR 38/002/2001 

سوريا: التعذيب واليأس ونـزع الروح الإنسانية في سجن تدمر العسكري

 MDE 24/014/2001

تركيا: السجون من "نوع F" –العزل ومزاعم التعذيب وإساءة المعاملة

 EUR 44/025/2001 

تركيا: انقضى موعد استحقاق إنهاء التعذيب والإفلات من العقاب

 EUR 44/072/2001 

أوكرانيا: أوكرانيا أمام لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

 EUR 50/001/2001 

الولايات المتحدة الأمريكية: استمرار الانتهاكات بلا هوادة؟ المعاملة القاسية واللاإنسانية في السجون ذات الاجراءات الأمنية الفائقة في فرجينيا

 AMR 51/065/2001 

الولايات المتحدة الأمريكية: مزاعم الانتهاكات الناجمة عن رهاب الجنسية المثلية على أيدي أفراد شرطة شيكاغو

 AMR 51/022/2001 

الولايات المتحدة الأمريكية: "لست سجينة – فلماذا يجب أن أُعامل كسجينة؟" معاقبة طالبات اللجوء بسبب تقاعس الدولة عن حمايتهن.

 AMR 51/028/2001

منظمة هيومان رايتس ووتش

الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم

   مصر

لقد أصبح التعذيب ظاهرة مستمرة واسعة النطاق في مصر، إذ دأبت قوات الأمن والشرطة على تعذيب المعتقلين أو إساءة معاملتهم خصوصا في أثناء التحقيقات. وفي معظم الحالات، يقوم المسؤولون بتعذيب المعتقلين للحصول على معلومات أو لانتزاع اعترافات منهم، الأمر الذي يفضي أحيانا إلى الوفاة. وفي بعض الحالات، يتخذ المسؤولون تعذيب المعتقلين أداةً للعقاب أو التخويف أو الإذلال، كما تقوم الشرطة باعتقال ذويهم وتعذيبهم للحصول على معلومات أو اعترافات من أقربائهم أو إجبار أقربائهم المطلوبين على تسليم أنفسهم.

وإذا كان التعذيب في مصر يستخدم عادة ضد المعارضين السياسيين، فقد صار متفشياً كالوباء خلال السنوات الأخيرة، حيث يكابده عدد كبير من المواطنين العاديين الذين يجدون أنفسهم في الحبس في أقسام الشرطة كمشتبه فيهم أو في إطار تحقيقات جنائية. ولا تحقق السلطات المصرية في الغالبية العظمى من ادعاءات التعذيب على الرغم من أن القانون المصري والدولي يلزمانها بإجراء مثل هذا التحقيق. أما في الحالات القليلة التي تم فيها تحريك الدعوى القضائية ضد بعض الضباط بسبب التعذيب أو سوء المعاملة، فكثيراً ما كانت التهم هينة والعقوبات غير كافية بدرجة لا تتناسب مع الجرم. وقد أدى غياب المحاسبة العلنية والشفافية على هذا النحو إلى ترسيخ مناخ يشعر فيه الجناة بأنهم في نجوة من العقاب.

وما برحت الشرطة وأجهزة الأمن تستخدم التعذيب لقمع المعارضة السياسية؛ وخلال العقد الماضي، ذاق الأشخاص المشتبه في انتمائهم لجماعات إسلامية متشددة القسط الأكبر من هذه الأفعال. ومنذ عهد قريب تعرضت أعداد متزايدة من المعارضين العلمانيين واليساريين أيضا للتعذيب على أيدي مسؤولي الشرطة والأمن. ففي مارس/آذار وأبريل/نيسان 2003، على سبيل المثال، قامت السلطات بتعذيب وإساءة معاملة بعض المعتقلين من المتظاهرين والأشخاص الذين زُعم أنهم نظموا مظاهرات عامة ضد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق.

وقد دأبت الشرطة المصرية على اعتقال أطفال الشوارع الذين تعتبرهم "معرضين للانحراف" أو "معرضين للخطر"؛ وأثناء القبض عليهم، يتعرض هؤلاء الأطفال عادةً للضرب بقبضات اليد أو بالعصي. كما أخبر بعض الأطفال منظمة هيومن رايتس ووتش أن الشرطة أنزلت بهم صنوفاً من العنف الجنسي أو تغاضت عن العنف الجنسي الذي قاسوه على أيدي المعتقلين البالغين الموجودين معهم في الحبس. ويتعرض هؤلاء الأطفال لمعاملة قاسية ومهينة، تبلغ من الشدة أحياناً مستوى التعذيب.

وإلى جانب ما تقدم، لا تزال الفئات المستضعفة بسبب وصمها بفضيحة ما أو تعرضها للتهميش الاجتماعي تلقى التعذيب أو سوء المعاملة من جانب الشرطة.

وتتضمن وسائل التعذيب الضرب بالأيدي والأقدام والأحزمة والعصي والأسلاك الكهربية، والتعليق في أوضاع ملتوية ومؤلمة مع الضرب، واستخدام الصدمات الكهربية، والتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي.

وقد تصاعدت حالات الوفاة أثناء الحبس من جراء التعذيب وسوء المعاملة بصورة تبعث على الانزعاج خلال العامين الأخيرين. وقد أفادت منظمات حقوق الإنسان المصرية بحدوث ما لا يقل عن عشر وفيات من هذا النوع خلال عام 2002، وسبعة في عام 2003 . وفتح جهاز النائب العام تحقيقات جنائية في بعض هذه الحالات في أعقاب تلقيه شكاوى رسمية رفعها بعض المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان وأقارب الضحايا؛ بيد أن أياً من هذه التحقيقات، حسب علم منظمة هيومن رايتس ووتش، لم يفضِ إلى تحريك أي دعوى جنائية أو اتخاذ أي إجراءات تأديبية ضد الجناة.

وفي الفترة من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2003 وحدها، أفادت منظمات حقوق الإنسان المصرية بوقوع أربع وفيات في الحجز.

أفاد مركز مساعدة السجناء الذي يقع مقره في القاهرة أن محمد عبد الستار الروبي، وهو مهندس يبلغ من العمر 26 عاما، توفي في 19 سبتمبر/أيلول بينما كان محبوسا في معتقل مباحث أمن الدولة في إبشواي بمحافظة الفيوم، بعد تعذيبه بغرض انتزاع اعتراف منه حول انتماءاته السياسية. وأفاد المركز أن ضباط مباحث أمن الدولة قالوا لوالد الروبي إن ابنه انتحر؛ ولم يُنشر أي تقرير عن تشريح الجثة يبين سبب الوفاة.

أفاد جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، وهو منظمة مصرية معنية بحقوق الإنسان، أن محمد عبد القادر البالغ من العمر 31 عاما توفي في 21 سبتمبر/أيلول 2003 بعد تعذيبه في الحبس في مباحث أمن الدولة بالقاهرة. وقال أفراد أسرته الذين قابلوه عندما كان لا يزال رهن الاعتقال إنه أخبرهم أنه تعرض للضرب والتعذيب بالصعق الكهربائي، وأن آثار التعذيب كانت بادية على وجهه وجسمه. وفي 21 سبتمبر/أيلول أفادت الأنباء أن الشرطة أخبرت أسرته أنه نقل إلى مستشفى الساحل. ثم أخبر المسؤولون بالمستشفى أسرته أن جثته نقلت إلى مشرحة زينهم لتوقيع كشف الطبي الشرعي عليها؛ ولكن لم يُعلَن أي تقرير للطب الشرعي. وأفاد جمعية المساعدة القانونيةلحقوق الإنسان أن العاملين بالمستشفى أخبروا أسرة محمد أنه توفي من جراء الضرب الشديد، وقال أفراد الأسرة الذين رأوا الجثة إنها كانت تحمل آثاراً واضحة للتعذيب وسوء المعاملة.

أفادت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن محمود جبر محمد، وهو عامل من سكان حي السيدة زينب، توفي في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، بينما كان معتقلا بدون تهمة في قسم شرطة السيدة زينب، وكان قد قُبض عليه في ذلك اليوم في أحد المقاهي. وقال أحد أقربائه للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن جثته بدت عليها آثار إصابات واضحة، منها كدمات تحت الركبة، ونزيف من الفم، وإصابات أخرى في مختلف أنحاء الجسم. ودعت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق وتوقيع الكشف الطبي الشرعي على الجثة لتحديد سبب الوفاة.

في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2003، أفادت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن مسعد محمد قطب، وهو محام بنقابة المهندسين، توفي في الحجز. وورد أن مباحث أمن الدولة كانت قد ألقت القبض عليه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2003 لأنه عضو في جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة. وقد توفي في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2003 أثناء نقله من مقر مباحث أمن الدولة بجابر بن حيان إلى مستشفى أم المصريين. وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، مشيرةً إلى بلاغ قسم شرطة الدقي (رقم 9214/2003)، إن تحقيق النائب العام أثبت وجود آثار بالجثة ناجمة عن إصابات لحقت بصاحبها، وأمر بتوقيع الكشف الطبي الشرعي لتحديد سبب الوفاة.

وجدير بالذكر أن مصر طرف في المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان التي تتناول التعذيب، ومن بينها على وجه الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب). ومن ثم فإن مصر ملزمة إلزاماً صارماً بتحريم أي شكل من أشكال التعذيب أو سوء المعاملة وباتخاذ تدابير إيجابية لحماية ضحايا التعذيب بإجراء تحقيقات وافية ونزيهة وفورية في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة وتوجيه التهم الجنائية متى استدعى الأمر ذلك. إلا أن مصر لم توقع على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على وضع آلية لتلقي الشكاوى الفردية. كما وضعت مصر تحفظات على المادتين 21 و22 من اتفاقية مناهضة التعذيب، اللتين تؤكدان على حق الدول الأطراف في الاتفاقية في رفع شكاوى متعلقة بالتعذيب ضد غيرها من الدول، وعلى حق ضحايا التعذيب في رفع مظالمهم مباشرة إلى اللجنة المشرفة على مراقبة الالتزام بالاتفاقية.

وتنص المادة 42 من الدستور المصري على ضرورة معاملة أي معتقل "بما يحفظ عليه كرامة الإنسان"، وتحظر "إيذاءه بدنياً أو معنوياً". كما أن قانون العقوبات المصري يعتبر التعذيب جريمة جنائية، ولو أن تعريف جريمة التعذيب فيه لا يرقى إلى مستوى التعريف الوارد في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب. فالمادة 126 من قانون العقوبات، مثلاً، تقصر التعذيب على الأذى الجسدي، ولا تتوافر أركانه إلا عندما يكون الضحية "متهما" وعندما يستخدم التعذيب لإكراهه على الاعتراف. ولئن كانت الاعترافات هي الهدف من التعذيب في الكثير من الأحوال، فإن هذا التعريف الضيق يستبعد دون مبرر وجيه حالات الأذى النفسي أو الذهني، والحالات التي يتم فيها تعذيب شخص آخر غير "المتهم"، أو لأغراض غير الحصول على الاعتراف.

كما أن المادة 126 من قانون العقوبات المصري تنص فقط على معاقبة الموظفين أو العاملين بالوظائف العامة الذين يرتكبون أعمال التعذيب أو يأمرون بارتكابها؛ في حين أن تعريف التعذيب في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب يشمل أيضاً كافة المواقف التي يلحق فيها "الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية".

كما أن قانون العقوبات المصري لا ينص على عقوبة فعالة للموظفين المكلفين بتنفيذ القانون المسؤولين عن التعذيب أو سوء المعاملة؛ إذ تنص المادة 129 من قانون العقوبات على أن أي مسؤول يعامل أي أشخاص "بقسوة"، بما في ذلك الأذى البدني أو التعدي على الكرامة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز 200 جنيه مصري [30 دولاراً]. كما تنص المادة 280 من قانون العقوبات على عقوبات غير كافية فيما يتعلق بالاعتقال غير القانوني.

وتنص المادتان 63 و232(2) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على تخويل جهاز النائب العام السلطة الحصرية للتحقيق في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، حتى في عدم وجود شكوى رسمية، وتوجيه الاتهام لضباط الشرطة ومباحث أمن الدولة، والطعن في الأحكام القضائية. ولكن بموجب المادتين 210(1) و232(2) من قانون الإجراءات الجنائية، لا يحق لمن يرفع شكوى ضد الشرطة بسبب التعذيب أو سوء المعاملة الطعن في أي قرار إداري أو قضائي صادر عن جهاز النائب العام. وهكذا تحرم هاتان المادتان ضحايا التعذيب من الطعن فيما قد يصدره جهاز النائب العام من قرارات تعسفية أو قرارات صادرة عن ميول أو أهواء عارضة، مما يعطي السلطات حصانة من المراجعة القضائية في واقع الحال، ومن ثم سلطات تقديرية لا حدود لها في تحديد كيفية التعامل مع شكاوى التعذيب.

وعلى مستوى التطبيق لا تكاد تجري الحكومة أي تحقيقات، متجاهلة بذلك خطورة مشكلة التعذيب وسوء المعاملة في مصر. ولا تعترف السلطات المصرية إلا بوقوع حالات عرضية من انتهاكات حقوق الإنسان.(10) وقد يكون من العوامل الكامنة وراء تقاعس مصر عن التحقيق في أعمال التعذيب التي يرتكبها المسؤولون عن تنفيذ القانون ومعاقبة مرتكبيها، ما يبدو من التضارب في المصالح الناجم عن إسناد مسؤولية مراقبة المعتقلات، والأمر بإجراء الفحوص الطبية الشرعية، والتحقيق في الانتهاكات التي يرتكبها المسؤولون، ومقاضاة مرتكبيها، لنفس الجهاز المسؤول عن إصدار أوامر القبض والحصول على الاعترافات واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحريك الدعوى القضائية ضد المشتبه فيهم جنائيا.

كما أن الأدلة الطبية ضرورية للتثبت من وقوع التعذيب؛ وفي غياب الدليل الطبي أو تقرير الطب الشرعي، فإن النائب العام لا يتعين عليه إجراء تحقيق، فضلاً عن تحريك الدعوى الجنائية، لكن الوصول إلى المتخصصين في إدارة الطب الشرعي بوزارة العدل يتطلب قراراً بالإحالة من النائب العام أو من إحدى المحاكم؛ وليس النائب العام ملزما بإصدار مثل هذا القرار في الحين المناسب، وبدون إبطاء.

وما من شك في أن تقاعس الحكومة عن التحقيق فورا وبصورة محايدة في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة الجديرة بالتصديق من جانب المعتقلين السياسيين والمواطنين العاديين، حتى في العديد من حالات الوفاة في الحجز، قد أدى إلى إرساء مناخ يطمئن فيه مرتكبو الانتهاكات إلى أنهم بمأمن من العقاب، كما أسهم في إكساب التعذيب طابعاً مؤسسياً. وفي الحالات النادرة التي أدانت فيها المحاكم بعض المسؤولين بالتعذيب، كانت العقوبات المفروضة عليهم خفيفة. ويلاحظ أن السلطات لا تقدم معلومات عن عدد الشكاوى التي تتلقاها، ونادرا ما تكشف عن أي إجراءات جنائية أو إدارية أو مدنية تتخذها فيما يتعلق بحوادث الوفاة في أثناء الحجز أو التعذيب أو سوء المعاملة.

وفي ظل القانون المصري، يجوز لضحايا التعذيب وللورثة الذي كان يعولهم المتوفون في الحجز رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية للمطالبة بتعويض، وبسبب انتهاك الحريات الفردية التي يكفلها الدستور. وعادة ما يحجم ضحايا التعذيب عن رفع الدعوى المدنية خشية التعرض للانتقام من جانب مرتكبي التعذيب، ورغبة منهم في تجاوز هذه المحنة ونسيانها. وفضلاً عن ذلك، فإذا كان المدعي بالحق المدني على حق فعلا، فإن المحاكم نادرا ما تحكم بالتعويض "المنصف والكافي"، وفقاً لما تنص عليه المادة 14(1) من اتفاقية مناهضة التعذيب. وهذا الأمر، مضافاً إليه غياب أي نظام فعال لتحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكبي التعذيب، يجعل التعذيب أمرا "متيسراً" إلى حد كبير لدى الحكومة المصرية.

وقد دأبت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، واللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، على التعبير عن القلق بشأن استمرار التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أيدي المسؤولين عن تنفيذ القانون في مصر، وخصوصا أجهزة الأمن. كما انتقدت هذه الهيئات عدم إجراء تحقيقات في تلك الممارسات، وعدم معاقبة المسؤولين وتعويض الضحايا.

وعلى الرغم من سجل مصر الذي يرثى له فيما يتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة، فقد قامت بلدان عديدة في السنوات الأخيرة، ومنها الولايات المتحدة والسويد، بتسليم أشخاص مطلوبين من الحكومة المصرية بسبب جرائم مزعومة تتعلق بالأمن، أو ساعدت على إيداعهم في الحبس لدى السلطات المصرية.

تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان

مصر

  كان التعذيب في الماضي يُستخدم ضد المعارضين السياسيين ولكن السنوات الأخيرة شهدت تفشي التعذيب في أقسام الشرطة العادية أيضاً، حيث يعاني منه أشخاص يجدون أنفسهم في الحجز للاشتباه فيهم أو لصلتهم بتحقيقات جنائية. ومن المعلوم أو المشتبه فيه أن التعذيب وسوء المعاملة قد تسببا في وفاة ما لا يقل عن 17 شخصاً أثناء الاحتجاز خلال عامي 2002 و2003 

إيران  صار التعذيب وسوء المعاملة في الحجز يُستخدمان بوجه خاص ضد المحتجزين الذين سُجنوا لتعبيرهم عن آرائهم السياسية بصورة سلمية. وكثيراً ما يقبل القضاة الاعترافات المنتزعة بالإكراه فيما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي والدستور الإيراني. واستُخدم الحبس الانفرادي لفترات مطولة في زنازين صغيرة في الأقبية عادة بهدف تحطيم إرادة المحتجزين وإكراههم على الإدلاء باعترافات وتقديم معلومات بخصوص زملائهم. الجدير بالذكر أن رئيس القضاء أصدر توجيها داخليا يحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمعتقلين، إلا أنه لم يوضع موضع التنفيذ .

العراق  في الأغلبية الساحقة من القضايا التي راقبتها المنظمة بعد غزو العراق 2003 أُلقي القبض على المتهمين دون مذكرات اعتقال قضائية ومثلوا أمام المحاكم الجنائية دون أن يُتاح لهم قبلها الاتصال بمحام. وكان كثير منهم قد احتُجزوا لأسابيع أو لأشهر على ذمة القضايا قبل المحاكمة، وتعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة لانتزاع اعترافات منهم. كما كشفت التحقيقات عن سوء معاملة القوات الأمريكية للمحتجزين و استعمالها للتعذيب و الذي ظهر بشكل جلي في سجن أبو غريب 

السعودية  ما زال الاحتجاز التعسفي، وتعرض المحتجزين لسوء المعاملة والتعذيب، والقيود المفروضة على حرية الانتقال، وغياب المحاسبة على المستوى الرسمي، من الأمور التي تبعث على القلق الشديد .

سوريا  في سبتمبر 2002 رحلت الولايات المتحدة قسراً إلى سوريا ماهر عرار الذي يحمل الجنسيتين السورية والكندية وزعم بعد الإفراج عنه أنه تعرض للتعذيب مراراً باستخدام الكابلات وأسلاك الكهرباء على أيدي المحققين السوريين. في تطور إيجابي أفرجت الحكومة في عام 2004 عما يزيد على مائة من السجناء السياسيين الذين لبثوا أمداً طويلاً وراء القضبان و على الرغم من ذلك فإنه لا يزال لسوريا سجل حافل بحالات الاعتقال التعسفي، والتعذيب المنهجي، واحتجاز المشتبه بهم لفترات مطولة، والمحاكمات الشديدة الجور.

تونس  يفتقر القضاء التونسي للاستقلال؛ وكثيراً ما يتجاهل القضاة ادعاءات التعذيب والمخالفات الإجرائية ويقبل الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل وحيد أو أساسي لإدانة المتهمين. حيث استمر ورود أنباء موثوق بها تفيد باستخدام التعذيب وسوء المعاملة للحصول على إفادات من الأشخاص المشتبه بهم في الحجز. كما يتعرض السجناء المحكوم عليهم لسوء المعاملة بصورة متعمدة. و تعتبر سياسة إيداع بعض السجناء السياسيين رهن الحبس الانفرادي الصارم لفترات مطولة من بين البنود الأشد قسوة الباقية من النظام العقابي القاسي الذي كان معمولاً به في التسعينيات حيث تعتبر هذه السياسة انتهكا للقانون التونسي فضلاً عن المعايير الدولية للعقوبات، ويمكن في بعض الحالات اعتبارها شكلا من أشكال التعذيب .

الجزائر  في عام 2004، أدخلت الجزائر تعديلاً على قانون العقوبات بحيث صار يجرّم التعذيب. كما سعت في الوقت نفسه إلى توقيع مذكرة تفاهم مع المملكة المتحدة و التي تقدم بموجبها الجزائر ضمانات دبلوماسية بعدم إساءة معاملة الأشخاص الذين تبعدهم المملكة المتحدة إليها. لكن المنظمة تعتبر توقيع الحكومة الجزائرية لمذكرة تفاهمٍ من هذا النوع، بأنه بالواقع اعتراف ضمني من قبل الحكومة بأن قيامها بتعديل القوانين الوطنية ومصادقتها على الاتفاقيات الدولية لا يمثلان ضمانةً كافية لعدم ممارستها التعذيب .

البحرين  في 2004 قامت "اللجنة الوطنية البحرينية للشهداء وضحايا التعذيب" بتوزيع عريضة قدمتها للملك حمد بن عيسى آل خليفة، قيل إنها تحمل 33000 توقيع، وتطلب منه إلغاء المرسوم 56، وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في ادعاءات التعذيب على يد مسؤولي الأمن. و بحسب المنظمة فإن هذا المرسوم يضفي حصانة فعلية على المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين الذين زُعم تورطهم في التعذيب وغيره من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، مما يحول دون التحقيق معهم أو تقديمهم للمحاكم .

الأردن  تحدث عددٌ من الأردنيين إلى منظمة مراقبة حقوق الإنسان عن التعذيب الذي تعرضوا له، أو كانوا شهوداًَ عليه، على يد مديرية المخابرات العامة. وبموجب القانون الأردني، تستطيع قوات الأمن احتجاز من يشتبه بارتكابهم جرائم واقعة ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة، وذلك لسبعة أيام من دون توجيه تهمة لهم ومن غير السماح للمحتجز بالاتصال بمحاميه. وفي جميع الحالات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش تقريباً، كان التعذيب يحدث في هذه الأيام السبعة الأولى من الاحتجاز.

الكويت  من القضايا الرئيسية الباعثة على القلق التمييز ضد المرأة في التصويت، والزواج، والجنسية؛ وحالات "المختفين" الذين لم يُستَدل على مصيرهم بعد؛ والمحاكمات الجائرة والاعتقال التعسفي؛ والعدد الكبير من الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام؛ والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون؛ وشتى ضروب الانتهاكات التي يقاسيها "البدون"؛ والقيود التي تكبل حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والانتماء إليها.

ليبيا  القمع الداخلي لا يزال شديداً؛ والقانون الليبي يحظر الأحزاب السياسية والجمعيات ووسائل الإعلام المستقلة؛ ولا يزال التعذيب متفشياً، والمئات من السجناء السياسيين يقبعون وراء القضبان .

عُمان  ذكر الناشط والكاتب عبد الله الريامي ما وصفه بالاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة العمانية ضد ما وصفه الشهود لمنظمة هيومن رايتس ووتش بأنه مظاهرة سلمية تحتج على إصدار الأحكام بحق العباديين (المذهب العبادي) .

قطر  يتعرض المهاجرون، ومن بينهم أعداد كبيرة من النساء اللائي يعملن خادمات في المنازل، للتخويف والعنف على أيدي أرباب العمل والمشرفين والكفلاء وأفراد الشرطة والأمن. وخوفاً من العنف أو التهديد به، يحجم العاملون في كثير من الأحيان عن المطالبة بأجورهم المستحقة، أو الاحتجاج على سوء ظروفهم، أو التماس سبل الإنصاف والتعويض القانوني عما حاق بهم من الانتهاكات .

الإمارات العربية المتحدة  قالت هيومن رايتس ووتش في 29 مارس 2006 أن على حكومة دولة الإمارات القيام بخطواتٍ عاجلة لإنهاء الممارسات التعسفية بحق العمال والتي أدت إلى إطلاق شرارة الاضطرابات الأخيرة في صفوف العمال الوافدين في دبي .

إسرائيل  اصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً في 6 سبتمبر 1999 يحرم عدداً من اساليب التعذيب، ولكن من دون ان يحرم التعذيب كلياً بل ان قرار المحكمة يسمح للكنيست بسن قوانين تمنح مسؤولي الاستخبارات صلاحية ممارسة هذه الاساليب. وقد اعتبرت المحكمة ان «المصاعب الامنية التي تواجهها إسرائيل» شديدة بما يكفي لمنح الأجهزة الاستخباراتية صلاحية اللجوء إلى التعذيب. حيث يحظى افراد الجيش والشرطة الإسرائيلية بدعم غير مشروط من النظام القضائي مما يعزز من شعورهم بالحصانة في ما يتعلق بما يتبعون من ممارسات في السجون. فقد تبين للجنة العامة المناهضة للتعذيب في إسرائيل ان المدعي العام الإسرائيلي قد صادق على كل حالات التعذيب، على اعتبار انها ضرورة امنية. كما رفضت المحكمة العليا جملة وتفصيلاً ما مجموعه 124 التماساً قدمتها اللجنة المناهضة للتعذيب ضد حرمان الاسرى من تلقي مساندة قضائية. بالإضافة إلى العديد من الشهادات الحية التي قدمها سجناء فلسطينيون سابقون عن تلذّذ السجانين الإسرائيليين بما يقومون به من تعذيب لأسراهم ومع ذلك فإسرائيل تواصل انكار ممارسة التعذيب في سجونها و تدعي بأنها تتبع اعلى المعايير الاخلاقية.

فلسطين  يستخدم التعذيب في معظم المرافق الأمنية تقريبا. إذ بالرغم من تعداد هذه الأجهزة تبعا لاختلاف مسؤلياتها ألا أن رؤساءها اجمعوا على ضرورة استخدام التعذيب كوسيلة للتعامل مع شتى أنواع المخالفات التي ليس بالضرورة لها علاقة بمهمة ذلك الجهاز الأمني.

 في الولايات المتحدة

إزالة المؤثرات الحسية كوسيلة للتعذيب في معتقل جوانتانامو

في 20 سبتمبر 1996 قامت وزارة الدفاع الأمريكية برفع السرية عن 7 مجلدات منهجية كانت تدرس في مؤسسة العالم الغربي الأمنية Western Hemisphere Institute for Security Cooperation من 1987 إلى 1991 ، يوجد في المجلدات المذكورة تفاصيل دقيقة عن استعمال اساليب "عنيفة" لغرض الإستجواب و إنتزاع المعلومات  ، ومن الجدير بالذكر إن مؤسسة العالم الغربي الأمنية الواقعة في ولاية جورجيا يعتبر من قبل البعض مدرسة للإغتيالات . في السنوات الأخيرة طفى على السطح مصطلح جديد و خطير الا وهو التعذيب بالإنابة Torture by proxy والتي هي عبارة عن إرسال متهمين غير محاكمين حسب القوانين الأمريكية إلى دول اخرى لغرض الإستجواب وتلك الدول الأخرى ليست ملتزمة باتفاقية مناهضة التعذيب، إستنادا على تصريح من السياسي السويسري والعضو في البرلمان السويسري ديك مارتي Dick Marty في يناير 2006 فإن قرابة 100 شخص قد تم إختطافهم على الأراضي الأوروبية من قبل وكالة المخابرات الأمريكية وتم نقلهم إلى دول اخرى لغرض إستجوابهم عن طريق التعذيب [30] ومن الدول التي تم نقل المختطفين اليها: مصر ، الأردن ، المغرب ، أوزبكستان ، سوريا.

على الصعيد الداخلي هناك بعض الحوادث الموثقة حول قيام الشرطة الأمريكية بتعذيب الموقوفين ومنها قيام افراد في شرطة نيويورك بتعذيب والإعتداء الجنسي على ابنير لوويما المهاجر من هايتي في 1997  ، وقيام افراد في شرطة شيكاغو بالتعذيب عن طريق الصعقات الكهربائية في الثمانينيات.

بعد احداث 11 سبتمبر 2001 و الحرب على الإرهاب و عملية غزو العراق 2003 طفى إلى السطح تقارير متعددة عن استعمال وكالة المخابرات الأمريكية التعذيب بصورة روتينية وكان أول التقارير مانشرته صحيفة واشنطن بوست في 26 ديسمبر 2002 عن استعمال وسيلة الغمس داخل حوض مائي لحد الأختناق و إزالة كل المؤثرات الحسية للمسجون بوضع عصابة على العين وصم الأذنين في سجن أبو غريب و معتقل جوانتانامو  ووصل فضيحة سجن أبو غريب إلى الأهتمام العالمي في 28 ابريل 2004 عندما قدم البرنامج الأمريكي الأخباري 60 دقيقة من على شبكة CBS تقريرا مفصلا عن التعذيب في سجن ابو غريب  وفي رد رسمي من الولايات المتحدة دافع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية اللواء ريتشارد مايرز، عن القواعد التي وضعها الجيش الأمريكي لاستجواب المعتقلين، واصفا إياها بأنها "ملائمة"، ورافضا في الوقت ذاته ما قيل عنها بأنها خرقت اتفاقية معاهدة جنيف للتعامل مع الأسرى. 

الولايات المتحدة تمتنع عن الالتزام بالحظر المفروض على التعذيب

لجنةٌ مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة تتحدى الولايات المتحدة بشأن الالتزامات التي تفرضها المعاهدات

 حريٌّ بالولايات المتحدة أن تشعر بالحرج جراء وقوفها أمام المجتمع الدولي لتبرير استخدامها للاختفاء القسري؛ وهو الممارسة التي كانت تنتقدها عن حق عندما تقوم بها بلدانٌ أخرى. 

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم أن نقاشاً بين وفد أمريكي عالي المستوى ولجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب كشف امتناع الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية في وضع حدٍّ للتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وينتظر أن تنشر اللجنة توصياتها مع النتائج التي توصلت إليها حول ممارسات الولايات المتحدة بحلول نهاية الأسبوع.

وفي عرضٍ قدمته إلى اللجنة أمس (http://hrw.org/us/hrw_response_051706.pdf)، سلطت هيومن رايتس ووتش الضوء على المجالات التي قصّرت فيها الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها القانونية بمقتضى اتفاقية مناهضة التعذيب. ومما يستدعي قلقاً خاصاً استمرار واشنطن في إصرارها على أن حالات التعذيب وإساءة المعاملة في الماضي اقتصرت على "بضع تفاحات فاسدة"، واستمرارها في تبرير قيامها باحتجاز الإرهابيين المشتبه بهم حجزاً انفرادياً في مراكز سرية، وكذلك في رفضها شجب أسلوب الاستجواب المعروف باسم "waterboarding" (وهو نوعٌ من التظاهر بإغراق المحتجز) بوصفه نوعاً من التعذيب.  

قالت جينيفر داسكال، مديرة قسم الدعوة في الولايات المتحدة لدى هيومن رايتس ووتش: "حريٌّ بالولايات المتحدة أن تشعر بالحرج جراء وقوفها أمام المجتمع الدولي لتبرير استخدامها للاختفاء القسري؛ وهو الممارسة التي كانت تنتقدها عن حق عندما تقوم بها بلدانٌ أخرى".  

وفي الخامس والثامن من شهر مايو/أيار، واجه وفدٌ مكونٌ من 26 مسئولاً أمريكياً من وزارات الخارجية والدفاع والعدل والأمن الداخلي أسئلةً موجهةً من لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (وهي هيئة الخبراء المسئولة عن مراقبة تنفيذ الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة). وينتظر أن تعلن اللجنة توصياتها وملاحظاتها الختامية يوم 19 مايو/أيار.  

وتقوم لجنة مناهضة التعذيب بمراجعةٍ دورية لسجلات 141 بلداً مصادِقاً على اتفاقية مناهضة التعذيب. وكانت اللجنة قد عبرت في السنوات السابقة، عن قلقها العميق جراء أساليب الاستجواب المسيئة والاحتجاز السري وغير محدد المدة لدى بلدانٍ كثيرة تمتد من السويد إلى المملكة العربية السعودية.

وفي مراجعتها الأخيرة لسجل الولايات المتحدة عام 2000، ركزت اللجنة كثيراً على قضايا داخلية مثل ظروف السجون وسوء المعاملة الذي تمارسه الشرطة. وقد أدرجت هذه القضايا المحلية على جدول أعمال اللجنة هذا العام أيضاً، لكن سجل الولايات المتحدة في إساءة معاملة المحتجزين في حملتها ضد الإرهاب حول العالم طغى عليها. 

 وقالت داسكال: "إن تسليط الضوء على سجل التعذيب الأمريكي يجب أن يحمل إدارة بوش على اتخاذ خطوات جدية لمعاقبة جميع المسئولين عن إساءة معاملة المحتجزين، وتطبيق سياسات وأساليب جديدة تمنع تكرار وقوع هذه الانتهاكات".  

التعذيب في تحقيقات جهاز الامن العام المصري

 على مدار سنوات كان التعذيب وسيلة اعتيادية في تحقيقات جهاز الأمن العام (الشاباك). ومنذ صدور توصيات لجنة لاندوي في عام 1987، يقوم جهاز الأمن العام بإستعمال التعذيب في التحقيق مع 850 فلسطينياً كل عام. وتشتمل وسائل التحقيقات على الشدّ والهز العنيف للشخص الخاضع للتحقيق، الربط وشد الوثاق في وضعيات مؤلمة، تغطية الرأس بكيس ذي رائحة نتنة وكريهة. وقد شاركت جميع مؤسسات السلطة، بدءاً من الجيش الإسرائيلي وانتهاءاً بالمحكمة العليا، في المصادقة على التعذيب، وتطوير الوسائل الجديدة والإشراف عليها.

وفي أيلول من عام 1999، حددت محكمة العدل العليا بأن جزء من أساليب التحقيق التي استعملها جهاز الأمن العام ضد الفلسطينيين الخاضعين للتحقيقات غير قانونية ومردودة. وقد أدى قرار الحكم هذا الى إحداث تغيير ملحوظ في مدى وحجم استعمال وسائل التعذيب.

وعلى الرغم من هذا، ومنذ صدور قرار المحكمة العليا، فقد تجمعت اشارات كثيرة تدل على أن استعمال جهاز الأمن العام للتعذيب لم يتوقف. على سبيل المثال، وفي تموز 2002، اقتبست صحيفة "هآرتس" عنصراً رفيعاً في جهاز الأمن العام، والذي أشار الى أنه منذ صدور قرار المحكمة العليا تم تعريف 90 فلسطينياً على أنهم "قنابل موقوتة" وقد تم اخضاعهم لوسائل "تحقيق شاذة"، أي التعذيب بكلمات أخرى.

وفي اطار المقابلة التي أجرتها صحيفة "معاريف" مع ثلاثة من محققي جهاز الأمن العام، الذي نشر في تموز 2004، اعترف أحد المحققين بأن جهاز الأمن العام يستعمل "جميع الوسائل اليدوية المخفية والممكنة، من الهز والشد ولغاية الضرب". وقد جمعت اللجنة الشعبية لمكافحة التعذيب العشرات من التصاريح والإعترافات من الفلسطينيين الذين خضعوا للتحقيق من قبل جهاز الأمن العام، وذكروا أنهم تعرضوا لوسائل تحقيق عنيفة.

ومنذ صدور قرار الحكم، حاولت العديد من الجهات العمل على تشريع قانون يتيح استعمال التعذيب من قبل جهاز الأمن العام، وقد باءت هذه المحاولات بالفشل حتى اليوم. إن كل قانون يمنحُ جهاز الأمن العام رخصة لإستعمال الضغط البدني أثناء التحقيقات أو التسبب بمعاناة نفسية عن قصد وتعمد – حتى لو كان الترخيص مقصوراً فقط على انقاذ الحياة، وحتى لو مُنِعَ من خلاله "استعمال التعذيب" بصورة واضحة – فإن هذا الترخيص يناقض أحد القواعد الأساسية الأكثر رسوخاً في القانون الدولي: الحظر المطلق على التعذيب، التعامل أو العقاب القاسي، وغير الإنساني أو المُذِل.

إن القانون الدولي يتعامل مع التعذيب، على غرار العبودية، على أنه قتل لشعب وجريمة حرب، وكفعل غير مبرر بأي حال من الأحوال. وقد رفضت المحاكم الدولية كل محاولة لإحداث فسحة صغيرة من الترخيص أو الإذن، حتى عند محاولة التعلق بمبرر مكافحة الإرهاب. ولا يسري المنع في القانون الدولي على الوسائل التي تسبب الألم أو المعاناة الشديدة وحسب، بل يسري على كل وسيلة تحقيق ترتبط بالتسبب، عن قصد وتعمُّد، بالألم أو المعاناة، سواء كان بدنية أو نفسية، والتي تهدف الى تحصيل المعلومات أو الإعترافات. وقد تم التعبير عن مثل هذا المنع من خلال الأحكام الصادرة عن الكثير من الهيئات الدولية. 

التعذيب داخل أقسام الشرطة

منهج التعذيب وآثاره النفسية:

شهدت المجتمعات الإنسانية ، منذ فجر التاريخ ، أشكالاً متعددة من العنف ، وكانت نزعات التمييز والميول العنصرية هي المغذى الدائم للعنف ، في مجتمعات غابت عنها مفاهيم احترام حقوق الإنسان الفرد أو المجموعات الأضعف في المنظومة الاجتماعية . وبدعوى المحافظة على حقوق المجموع يتم التضحية بحقوق الأفراد والمجموعات ، وكأن هذا المجموع يتشكل من كائنات أخرى غير هؤلاء الأفراد ، أو تلك المجموعات .

وكما عرفت الإنسانية العديد من أشكال العنف ، عرفت التعذيب مع نشوء السلطة السياسية والاجتماعية كأداة للقمع والتحكم من أجل الحفاظ على مصالح تلك السلطة ، وضمان استمرار سيطرتها وسطوتها.

يعد التعذيب من أفظع أشكال العنف التي عرفتها الإنسانية . ومع ذلك نجد أن ندرة من الأعمال في الإنتاج الأدبي والعلمي هي التي تبحث في هذه الظاهرة ، وندرة أيضاً من المشروعات الإنسانية والمنظمات الحقوقية التي تعمل على مساندة ضحايا التعذيب ومقاومة هذا الشكل من أشكال العنف ، لأنه من الموضوعات التي يصعب الحديث عنها ، سواء من قبل الضحايا أنفسهم ، أو من العاملين في مجال التأهيل النفسي لهم . فخبرة التعذيب في ذاتها خبرة فريدة من نوعها ، وتقع خارج نطاق الخبرات الإنسانية التي يمكن أن يمر بها الإنسان في حياته ، بما في ذلك الخبرات المأساوية مثل المرض والكوارث الطبيعية ، فلا يشبهها في قسوتها أو حجم التدمير النفسي الناتج عنها أية خبرة أخرى عرفتها الحياة الإنسانية .

إن وصف خبرة التعذيب ، أو الحديث عنها ، يتطلب ضرورة استرجاع موقف التعذيب ذاته ، بكل ما يحمل من ذكريات تفوق في إيلامها طاقة التحمل البشري ، ويكون الإحجام عن تناول الموضوع هو رد الفعل الطبيعي للضحايا والعاملين في هذا المجال على حد السواء .

يضاف إلى ذلك الصعوبات التي يواجهها المعالج لضحايا التعذيب فضحايا التعذيب ليسوا حالات طبية أو مرضية يمكن وصفها وفقاً للمشاهدات الطبية والنفسية الخاصة بها أو تصنيفها وفقاً للتصنيفات النفسية للأمراض . ذلك أن ضحية التعذيب يكون في حالة من التمزق ، والتفتت ، وفقدان الذات ككل متكامل ، كما عبر أحد الضحايا عندما وصف نفسه بأنه " كوب زجاج مهشم إلى قطع صغيرة " ويشعر بأنه فقد كليته وكينونته كإنسان . وعندما يصل إنسان إلى هذا الحد من التفتت ، يصبح الأمل الوحيد لديه هو الموت أو التلاشي من هذا الوجود .

وكما أن تصنيف ضحايا التعذيب وفقاً للتصنيفات المرضية المعروفة أمر صعب وغير دقيق ، فإن المهمة العلاجية لا تقل صعوبة في تعقيدها وعدم تقليديتها . فهي بالأساس لا تهدف إلى التقليل من آلام الضحية وحسب ، بل تهدف أيضاً إلى إنقاذه من التلاشي ، وتجمع شتاته ككيان إنساني كامل ومتحد ، وحمايته من المؤثرات التي قد تعوق عملية الالتئام ، سواء كانت هذه المؤثرات خارج ذاته أو من داخلها .

وتأتي صعوبة الموقف وتعقيده ، من كون التعذيب شكلاً من أشكال العنف المقصود والمنظم ، الذي يعيش الضحية خبرته بكل وعي دون أن يمتلك بكل قدرة على التحكم فيه أو التعرف على مداه النوعي أو الزمني ، ولا يمكنه أن يتوقع نتيجة أي استجابة من جانبه أو رد فعل هذه الاستجابة على معذبيه ، فيقع بالضرورة في حالة من الاستحالة ، وعدم المنطقية النفسية . لذلك تتضمن عملية التعذيب ، وتهدف إلى إلغاء الحد المطلق من حرية الضحية وإرادته ، وبالتالي من قدرته على السيطرة على جسده وعقله ، بل إنها تشيئه بإلغاء ذاته كإنسان وتحويله إلى مجرد موضوع للتعذيب . وتصبح الذات الوحيدة القادرة على الفعل هي ذات الجلاد والسلطة التي يمثلها ويمارس التعذيب باسمها . وهنا يكمن مغزى التعذيب ، وسر قوته كأداة للقمع والتحكم . فمن خلال السيطرة الكاملة على جسد الضحية ، كجزء من إدراكه لذاته ، يتم السيطرة على روحه وعقله وتشويههما بما يتلاءم وأغراض السلطة ومصالحها .

يمكننا ، دون أن نقع في خطا التبسيط المـُخل ، تقسيم التقنيات المستخدمة في التعذيب إلى قسمين أساسيين:

1ـ تقنيات إضعاف الضحية، التي تهدف إلى خلق حالة من الإرهاق الشديد والخوف والقلق غير المتحمل . كما تهدف إلي توصيل الضحية إلي فقدان أي أمل أو إيمان باحتمال تحويل الموقف إلي الأفضل . وينتج عن هذا تدمير طرق التأقلم البيولوجية والنفسية للضحية .

2- تقنيات تحطيم الشخصية ، التي تهدف إلي خلق حالة من الصراع الداخلي ، وما يصاحبة من قلق مدمر وإحساس بالذنب والعار وفقدان الثقة بالذات والإحساس بالتناقص وتشويه الإدراك الذاتي للضحية من حيث وعيها بنفسها ، ككيان له كليته ووجوده المستقل ، وبالتالي تنضب الموارد الداخلية النفسية التي تساعد الإنسان على مواجهة الخطر الخارجي .

إن التدمير النفسي والعقلي الناتج عن التعذيب لا يرجع فقط إلى الألم الجسماني في ذاته . فقد عبر أحد الضحايا قائلاً : " أنا لم أهتم كثيراً بالألم الناتج عن الضرب والتعليق ، إنما بالصراخ الصادر من الغرفة الأخرى ، وهو ما لم أتمكن من احتماله " .

إن أياً من الأمراض التي تتضمن آلاماً شديدة لا تحدث أعراضاً كتلك التي نلاحظها مع ضحايا التعذيب ، كما لا نلاحظ هذه الأعراض أيضاً على ضحايا الكوارث الطبيعية ، كالزلازل والفيضانات وغيرها وهناك على الرغم مما تحدثه من دمار وفقدان للكثير من الأرواح . إن هذه الكوارث ، وإن كان من الممكن أن ينتج عنها اضطرابات نفسية وجسدية حادة ، هي في النهاية أمور قابلة للاستيعاب والتحليل والفهم بواسطة العقل البشري ، وذلك على عكس ما يحدث في موقف التعذيب ، حيث يستحيل فهم الموقف أو لاستيعابه أو التفاعل معه .

فيما يلي سيتم توضيح الديناميكيات النفسية التي يخلقها موقف التعذيب ،والتي توضح الصورة التي يكون عليها الضحية في المدى المباشر والبعيد.

الآثار النفسية للتعذيب :

الضعف أو اليأس المكتسب :

تحدث هذه الحالة عندما تبدو الأحداث الخارجية خارج نطاق السيطرة أو التوقع ، أو بعبارة أخرى ، عندما تقل قدرة الإنسان على السيطرة أو التأثير في الأحداث ، أو حين تفشل التفاعلات والاستجابات المختلفة للإنسان في إحداث أي تغيير في الموقف . وتفسر أحد النظريات النفسية أسباب مرض الاكتئاب المزمن بأنه يحدث حين يصير الثواب والعقاب غير واضحي التأثير على استجابة الإنسان . وهذا ما نتج عن التعذيب . فالضحية يتعلم أثناء التعذيب ، أن أحداث التعذيب مستمرة بغض النظر عن رد فعله ، وحتى بعد الإدلاء بالمعلومات والاعترافات المطلوبة ، فإن الألم لم يتوقف ، وبالتالي فليس هناك معنى لأي استجابة أو تفاعل أو رد فعل طالما لن ينتج عنه أي تغيير في واقعه .

تدمير الخبرة المنطقية " المعنى ":

يقوم العقل ، في الظروف العادية ، بتنظيم للخبرات والمواقف الحياتية ، وتقسيمها وتصنيفها في إطار منطقي وربطها مع الخبرات السابقة . ومن خلال هذا التنظيم نتمكن من تحديد المواقف الهامة بالنسبة لنا وفهمها وتحديد الطريقة التي سنتعامل بها في الموقف المحدد . إن هذا التنظيم يمنحنا الإحساس بالأمان وبالاستمرارية التاريخية . فما يحدث الآن ، مثلاً ، يمكن التعرف عليه ، وعلى مستقبله من خلال الخبرات السابقة . هذه الاستمرارية الوجودية ضرورية لإضفاء معنى على وجودنا ، وبالتالي استمرارنا في الحياة . من هذه الزاوية يمكننا النظر إلى التعذيب باعتباره هجوماً مباشراً على هذا النظام . لكن موقف التعذيب يفتقد إلى خبرة سابقة يمكن فهمه في سياقها ، وهي لحظة لا تمت بصلة للحظة السابقة لها ، ولا يمكن التنبؤ معها بما يمكن أن يترتب عليها . إنها توقف للزمن وللإحساس بالاستمرارية ، وبالتالي توقف لمعنى الوجود ، مما ترك أثراً بالغ الخطورة على الضحية ، إذ يلقي به في بئر عميقة من العزلة ، خارج الزمان والمكان والأحداث .

الحقيقة والخيال :

حين يصبح الواقع الفعلي أكثر غرابة من كل ما نتخيله ، يثور إحساس نفسي بالحيرة ، واللامنطقية . وفي نفس الوقت تفقد الأشياء الحقيقية قيمتها ومعناها ، وترتبك القواعد والقيم التي نعرفها وتساعدنا على فهم وتنظيم خبراتنا ، بحيث تكون متوائمة وملائمة للموقف . إن بعض طرق التعذيب تصمم لكسر إحساس الضحية بالحقيقة والواقع المعتاد ، كـأن يعلق من قدم واحدة في مروحة مثبتة في سقف الحجرة ، ثم يقوم أحد الأشخاص ، بلامبالاة ، بتشغيل المروحة بسرعة عالية ، فتختلط الاتجاهات والإحساس بالمكان .

الانقسام :

لجسد الإنسان طبيعة مزدوجة ، الجسد كشيء موضعي منفصل عن الذات ، والجسد كخبرة معاشه أي كموضوع للذات . إننا ، في الظروف العادية ، لا ندرك جسدنا كشيء منفصل عنا . إننا نتعامل مع أجسادنا على اعتبار أنها طريقة أو وسيط للتعبير عن الذات ، والتأقلم مع المؤثرات الخارجية ، وتطوير خبرتنا الاجتماعية . والجسد ، كخبرة ، هو أول وعي للإنسان " الأنا " ، أو النفس ، أو الروح . ومن خلال هذا الوعي ، أو هذه الخبرة ، يتوحد الجسد كوعي ذي خبرة ، وكشيء ، في آن واحد . ويميل الإدراك الذاتي ، ( الأنا ) إلى التصرف كوحدة ، ككيان واحد ، فعندما يشعر الجسد " كشيء " بالراحة يصاحب ذلك الشعور تكوين خبرة بالراحة ، ووعي بها . أما في موقف التعذيب ، وبسبب المعاناة الشديدة المترتبة عليه ، يصبح الجسد شيئاً منفصلاً عن الذات ، ويعجز الوعي والإدراك عن التعامل بوحدوية ، مما يترتب عليه انقساماً شديداً بين وجود الشخص ووعيه بذاته.

الأعراض الإكلينيكية:

تحدثنا عن الديناميكيات النفسية التي ينتجها موقف التعذيب ، وتتبدى هذه الديناميكيات في أعراض نفسية وجسمية ، عادة ما تلازم المعذّب لفترات طويلة ، وأحياناً لمعظم حياته . يمكننا تقسيم هذه الأعراض إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

أعراض نفس جسمية:

وهي الأعراض الأكثر شيوعاً لدى ضحايا التعذيب . وتشمل الصداع المزمن ، فقدان الشهية ، ضعف الرغبة الجنسية ، الأرق ، آلام العظام والعضلات ، اضطرابات المعدة والجهاز الهضمي ، اضطرابات القلب وضغط الدم ، اضطرابات الجهاز البولي والتناسلي ، اضطرابات الغدد الصماء ..الخ.

اضطرابات سلوكية:

وتتضمن تغيرات في السمات الشخصية : إدمان العقاقير ، العزلة ، الإحساس بالعجز ، وضعف الثقة بالنفس ، الاعتمادية ، وضعف القدرة على المبادرة ، عدم المبالاة ، المراوغة ، الاندفاع ، الوسوسة .

اضطرابات وجدانية وعقلية:

الأكثر شيوعاً في هذه الاضطرابات هو الاكتئاب المزمن . ويعبر عنه في صورة عدم القدرة على الاستمتاع ، والرغبة في الموت ، وأفكار انتحارية ، والشعور بالذنب ، والإحساس بالعجز واليأس ، واضطرابات النوم شاملة الكوابيس ، واضطرابات الذاكرة .

* * * *

أشكال التعذيب وآثاره الجسدية كما جاءت في أقوال الضحايا

يكاد سيناريو التعذيب داخل أماكن الاحتجاز أن يكون سيناريو معروف ومخطط من قبل رجال الشرطة ، قد تنقصه بعض العناصر هنا ، وقد تزيد فيه عناصر أخرى هناك ، إلا أنه محدد ومدروس ومعروف الطرق والوسائل .

فيما يلي سوف نعرض لأشكال التعذيب كما تم رصدها من واقع أقوال وشهادات ضحايا التعذيب في أماكن الاحتجاز :

الضرب :

الضرب هو أول ما يستقبل به رجال الشرطة الضحية ، سواء أثناء القبض عليه ، أو مع لحظة وصوله لقسم الشرطة أو السجن فيما يسمى حفل الاستقبال ، ويكون الضرب بالكفوف والأرجل والبيادات والسياط والعصى والضرب بكابلات كهربائية قوية ، أو بكعوب البنادق . في بعض الحالات يصاحب الضرب الوقوف والقفز فوق صدر الضحية . ويتم التركيز في الضرب على الرأس والرقبة والأعضاء التناسلية . وينتج عنه كدمات وجروح وكسور ، وقد تسبب إصابة الرأس نزيفاً بالمخ يؤدي لوفاة الضحية ، كما يؤدي الضرب على الأذن إلى ثقب الطبلة ، وكذلك فإن الضرب على الخصيتين قد يؤدي لرد فعل انعكاسي على القلب يؤدي إلى الوفاة . وقد تعرض للضرب كل الضحايا المترددين على مركز النديم ، كما أدى الضرب على الخصيتين إلى الوفاة في ثلاث حالات ، كما تعرضت سيدة للإجهاض.

التعليق:

يعد التعليق من أكثر طرق التعذيب انتشاراً في أقسام الشرطة والسجون ، وأكثرها إيلاماً للنفس والبدن ، حيث يصبح الضحية في وضع العجز الكامل ، ذلك أن أي حركة تضاعف من الألم الرهيب المصاحب لشد الضفائر العصبية ، وفيه إهانة كبرى حيث يكون الإنسان في وضع التعليق أشبه بوضع الذبائح في المجازر . ويكون التعليق من يد واحدة أو من اليدين معاً بعد شد وثاقهما خلف الظهر . وفي بعض الحالات يتم ربط ثقل بالكتفين أو بالقدمين مثل شكارة أسمنت أو أنبوبة بوتاجاز لمضاعفة قوة الشد على الضفائر العصبية والساعدين ، ومن ثم مضاعفة الألم.

وقد تعرض للتعليق سبعة وعشرين من الأفراد الذين جاءوا إلى مركز النديم وقد أصيب معظمهم بتهتك جزئي أو كلي بالضفيرة العصبية مما ترتب عليه ضعف حسي وحركي بالذراعين.

إغراق الرأس في المياه:

وعادة ما تكون تلك المياه قذرة.

الإجبار على وضع اليد في مياه شديدة السخونة:

لدرجة انسلاخ جلد اليد . وقد تعرضت له حالة واحدة .

سكب مياه :

وأحياناً يتم ذلك في الشتاء ، وقد يصاحب ذلك تسليط مراوح الهواء على الضحية وهو أسلوب تعرضت له الغالبية العظمى من الحالات . كذلك قد يتم وضع ألواح من الثلج على صدر الضحية .

الصعق الكهربائي:

يتم هذا الصعق بتوصيل أسلاك كهربائية بالصوابع أو اللسان أو ما وراء الأذن . وعادة ما يتم استخدام الكهرباء في الأعضاء التناسلية . وعندما يسري التيار في الجسم تحدث أرتجافات متتابعة شديدة العنف ، تفقد الضحية السيطرة على الجسم كله . ويصاحب ذلك حدوث ألم في كل أنحاء الحسم وحالة من الفزع والهلع لا تفارق ذكراها الناجون من التعذيب . وقد تعرضت له ستة وثلاثين حالة .

الحرق:

الحرق بالسجائر أو بأدوات معدنية ملتهبة ، وقد تعرضت له تسع حالات ، من بينهم أربع حالات حروق عميقة تسببت في مضاعفات . وفي إحدى الحالات تم حرق أحد الضحايا بإشعال النار فيه بعد كسب الكيروسين عليه .

الاغتصاب:

ويتم باستخدام أداة ، كالعصا ، ويحدث للجنسين ، أو بالاغتصاب الفعلي (حدث في حالة واحدة لسيدة) . من المسلم به أن الإهانة النفسية والتدمير البشع للكرامة هو المستهدف من وراء هذه الوسيلة الوضعية . ففي كل الحالات التي تعامل معها مركز النديم كان الاغتصاب بوسائله المتعددة أكثر الموضوعات حساسية وصعوبة في عملية التأهيل النفسي ، لما ينتج عنه من شعور بالدمار النفسي والإهانة والخجل والذنب ، الذي كثيراً ما يدفع بالضحايا إلى تجنب الاختلاط بالمجتمع وفرض العزلة التامة على النفس .

إن الكثير من الضحايا لم يتطرقوا لهذا الأمر أثناء تعاملهم مع الأطباء لفترات طويلة قد تصل إلى عدة أشهر ، حتى أن البعض لم يستطع الحديث عما تعرض له وفرض كتاباتها في الرسالات المطلوبة للطبيب . إن صورة هذا المشهد المؤلم تظل تطارد الضحية في يقظته وفي نومه ، وقد تتسبب له في نوبات استرجاعية عنيفة عند رؤية أي مشهد له علاقة من بعيد أو قريب بهذا الحدث . وقد يحدث ذلك أيضاً أثناء ممارسة العلاقة الزوجية ، فتستحيل تلك العلاقة وتتعقد ، مما يضاعف من إحساس ضحية التعذيب بالذنب والعجز معاً .

التحرش الجنسي وهتك العرض والتهديد بالاغتصاب:

حيث يتم إجبار الضحية على خلع الملابس ثم يتم التحرش بالجسد ، وبالأخص الأجزاء الحساسة منه . ويحدث هذا التحرش مع الرجال والنساء على السواء ، كما يتم التهكم على جسد النساء وملابسهن بألفاظ يعاقب عليها القانون . وقد حدث ذلك في ثلاثة وأربعين حالة ، منهم سبع نساء تعرضت للتعرية والتحرش باللفظ وباللمس ، وسبع تعرضن للتهديد بالاغتصاب . وفي إحدى الحالات كان يتم تدليك كيس الصفن بعنف شديد فتعاني الضحية من ألم عضوي لا يمكن تحمله إلى جانب الشعور بالإهانة والمعاناة النفسية الشديدة .

التهديد بإيذاء أسرة الضحية :

(وقد تعرضت له حالة 24) أو الإيذاء الفعلي لأفرادها بالاعتقال أو التعذيب أو هتك عرض النساء (وقد تعرضت له ثماني حالات)

الإجبار على مشاهدة تعذيب ضحية أخرى :

وقد تكون هذه الضحية أحد أفراد الأسرة ، كأن يعذب الزوجان كل منهما أمام الآخر ، أو تعذب الأم والطفل معاً في نفس مكان التعذيب (وقد تعرضت له ثماني حالات)

حجز أعداد كبيرة في غرف شديدة الضيق  وسيئة التهوية ومتسخة ومظلمة أوقد يتم الحجز في دورات مياه شديدة الاتساخ ،مما قد يصيب الضحية بالأزمات الربوية والأمراض الجلدية ،وقد تعرضت له معظم الحالات .

الحرمان من الطعام والشراب وقضاء الحاجة والاغتسال من النوم والحركة ، بالإضافة إلى الحرمان الحسي . والهدف منه خلق حالة مستحيلة بيولوجياً ونفسياً يترتب عليها قلق بالغ ، قد ينتهي عادة بتحطيم نفسي واستسلام للإرادة .

إن أكثر وسائل الحرمان شيوعاً في التعذيب هي تعصيب العينين وقد استخدمت مع كل الحالات تقريباً . الشائع هو أن الهدف من تعصيب العينين هو تأمين الجلاد وعدم التعرف عليه . والحقيقة أنها في ذاتها من أبشع وسائل التعذيب ، لأن بها تفاعلاً مع شخص أخر غير مرئي ولا يمكن إدراك ملامحه ولا ما سوف يفعله به في اللحظة التالية . إنها تجسيد لحالة من العبث الشديد لأنه يضع الضحية في حالة تفتقد إلى المقومات البديهية المعتادة للتفاعل وهي أن يكون متبادلاً . كذلك تشعر الضحية بأنها في حالة من الخطر الدائم ، فالضحية فلا تعرف الأشخاص المحيطين بها ، ولا من أين سوف تأتي الضربات ، كما لا تستطيع أن تتوقع بما قد يلي من أحداث ، أو ما يعد لها في الخطوة التالية .

أما الحرمان من النوم فيتم بطرق عديدة كأن تغرق نفايات الزنزانة بالمياه أو بالنفايات القذرة ، أو بتناوب السجانين على الضحية طوال الأربعة والعشرين ساعة مانعين الضحية من مجرد الاسترخاء ، مما يؤدي إلى حالة من الانهيار العصبي . وقد تعرضت كل الحالات لشكل أو أكثر من أشكال الحرمان .

تكسير العظام :

ويكون نتيجة الضرب بالعصي أو بكعوب البنادق ويحدث هذا الكسر لأي عظمة من عظام الجسم في الذراعين أو الساقين أو الفك أو الحاجز الأنفي أو الأسنان . وقد تعرضت له أربع حالات .

السحل:

ويكون السحل إما على البطن أو على الظهر ، وعادة ما يتم السحل أثناء القبض على الضحية ، فيسحل في الشارع أمام المارة حتى يصل إلى سيارة الشرطة . وقد تعرضت له تسع حالات ( في واحدة من تلك الحالات تم سحل الضحية من بيتها حتى قسم الشرطة ) .

الإهانات:

وتتضمن الاعتداء اللفظي على الضحية والسخرية منه ومن جسده وسبه بسباب يمس كرامته وكرامة والديه وأسرته . وقد تعرضت له كل الحالات .  

ظاهرة التعذيب المنهجي في مصر

رصدت المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات العشرين الماضية الآلاف من حالات التعذيب التي حدثت في أقسام الشرطة والسجون ومقار مباحث أمن الدولة . كما رصد مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء في آخر تقرير له 1124 حالة تعذيب داخل السجون . وسجلت الهيئات الدولية ، مثل منظمة العفو الدولية ، ولجان مراقبة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ولجنة مراقبة تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب عدة تقارير خاصة بهذا الشأن ، موثقة بأقوال الضحايا ، وصورهم وسير الدعاوى القضائية.

وقد تقدمت لجنة مراقبة تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب للحكومة المصرية بالعديد من الاستفسارات والتوصيات حول التعذيب المنهجي في مصر ، وأعادت الاستفسارات نفسها مراراً وتكراراً . وبالرغم من إقرار الدولة بوجود ظاهرة التعذيب في مصر واعترافها في أحد تقاريرها للجنة متابعة الاتفاقية بأنها تلقت 450 شكوى بممارسة التعذيب على مدار خمس سنوات ( تقرير مصر الأول المقدم إلى لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية مناهضه التعذيب في يوليو 98 - المصدر : تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2000 )

إلا أنها لم تتخذ أية إجراءات للتصدي لهذه الظاهرة ، ولم تقدم تفسيراً لاستمرار ظاهرة التعذيب في مصر.

وكان مركز النديم قد قدم الخدمة الطبية للمئات من ضحايا التعذيب ، وضحايا التعرض لمختلف أشكال عنف الدولة المنظم ، وذلك في الفترة من أغسطس 1993 إلى ديسمبر 2001 ، وقد رصد المركز ، وكذلك المنظمات المحلية ، أن التعذيب يجري في جميع أماكن الاحتجاز بمصر من أقصاها إلى أقصاها ، وأن أساليبه واحدة أو تكاد ، وأن ضحاياه تشمل الرجال والنساء والأطفال من كافة الأعمار.

وجدير بالذكر أن التعذيب في مصر لا يشمل فقط المحتجزين على ذمة القضايا السياسية، بل إنه يمتد ليشمل المشتبه في تورطهم في قضايا صغرى ، حتى في حالة عدم وجود أدلة الاتهام ، حيث يتم تعذيب العشرات قبل العرض على النيابة للتحقيق في البحث عن سارق كاسيت أو دراجة .. الخ. فالاشتباه غير معرف أو محدد بحدود معينة ، وإنما يكون تبعاً للتقدير الشخصي لضابط المباحث وحده ، مستخدماً سلطته ، وقتما شاء ، ضد من يشاء ، وكيفما يشاء.

والتعذيب هو أحد أشكال إثبات السلطة والسطوة ، واستغلالها من الطرف الأقوى لقهر الطرف الأضعف . فالتعذيب لا يحدث فقط لحمل المتهم أو المشتبه فيه على الاعتراف ، وهناك عشرات من الحالات التي تم تعذيبها لإرضاء طرف ثالث ذي صلة بأحد ضباط الشرطة ، أو بأحد رجالات الدولة . ولعل القارئ يتذكر عبد اللطيف إدريس ( تقرير النديم الأول) طباخ أحد وزراء الصحة السابقين ، الذي عذب تعذيباً فوق خيال البشر لمدة أربعة أيام متصلة ، إرضاء لسيادة الوزير والسيدة حرمه . ونذكر كذلك حالة منبيه التي عذبت عدة أيام في قسم قليوب إرضاء لشيخ البلد ، لأنها رفضت أن تبيعه قطعة أرض تملكها.

وقد يصل التعذيب إلى حد قتل الضحية ، مثلما حدث في حالة ربيع سليمان "40 سنة " ( تقرير أوقفوا التعذيب الآن ) الذي أتهم بسرقة مواش ، ولم يفرج عنه بالرغم من قرار النيابة بالإفراج عنه ، وحرق بالكيروسين في قسم الفيوم ، ومات بعد شهرين متأثراً بمضعفات الحروق التي شملت نصف جسده . وكان ذلك كله إرضاء لطرف ثالث ذي سلطة وصلة بضابط شرطة قسم الفيوم . كما لقي الشاب " أحمد محمود محمد تمام "حتفه على أيدي ضباط الشرطة في يوليو 2000 أثناء تعذيبه بقسم العمرانية ، وكان هذا التعذيب مجاملة لأحد أقرباء ضباط القسم الذي حضر مع قوة الشرطة وأثناء التحقيق مع أحمد . ويتكرر نفس المشهد: النيابة تأمر بالإفراج ، وقسم الشرطة يستمر في احتجاز أحمد وتعذيبه، حتى تزهق روحه.

كذلك رصدت مراكز حقوق الإنسان ومركز النديم ، حالات تم فيها القبض على بعض أفراد الأسرة وتعذيبهم للضغط على المشتبه فيه أو المتهم لتسليم نفسه ، أو ليعترف أحد أفراد الأسرة على مكان وجوده ، وقد عرف ذلك الأمر بـ "سياسة احتجاز الرهائن ". فالسيدة عطيات عذبت هي وأسرتها حتى أشرفت على الجنون ، للضغط عليها كي تعترف بمكان ابنها المطلوب القبض عليه.

وفي الإسكندرية تم تعذيب أسرة تتكون من 13 فرد ، من بينهم أربعة أطفال ، وكان ذلك بعد الاشتباه في أحد أفراد الأسرة عقب حدوث جريمة قتل في نفس الحي الذي تقطنه الأسرة . ونذكر أيضاً تعذيب السيدة " أمل فاروق " أكثر من مرة بمباحث أمن الدولة ، لإجبارها على تسجيل إدانة مكتوبة على زوجها المتهم في أحد قضايا الجماعات الإسلامية .

إننا نكاد أن نكون واثقين من أن الأعداد الحقيقية التي تعرضت للتعذيب تصل إلى عدة أضعاف ما يكشف عنه الحجاب . فهناك أسباب عديدة تحول بين الضحية ومقاضاة الجناة . وتبدأ هذه الأسباب بتهديد الضحايا بالاعتقال والتعذيب مرة أخري هم وأسرهم ، وتلفيق القضايا لهم إذا تقدموا بالشكوى أو أبلغوا بما حدث . وهناك أمثلة عديدة تؤكد ذلك . منها حالة عبد اللطيف إدريس الذي هدد بالقتل لو ذهب للطبيب للعلاج من الإصابات الناجمة عن تعذيبه ، حتى أنه أصيب بحاله من الهياج الشديد عندما زاره أطباء النديم في منزله لتقديم الخدمة الطبية له حيث قال : " أيمن قال لو فتحت بقك أو رحت للدكتور حنقتلك . دييتك رصاصة بثلاثة صاغ ".

وفي حالة السيد أحمد بدوي نفذت التهديدات بالفعل . فقد لفقت له ولأولاده عدد من القضايا ، وتعرضوا للتعذيب أكثر من مرة ، وذلك كله بسبب عدم خضوعه لضغط وتهديد شرطة الزاوية الحمراء ، وعدم قبوله سحب قضية مقتل ابنته صباح ، التي أتهم فيها ضابط لقسم شرطة الزاوية الحمراء ، بدفعها من الدور الخامس.

ولذلك فكثبر من ضحايا التعذيب يجدون أنفسهم بعد التعرض لتلك التجربة القاسية ، أمام جهاز قمعي كامل ، وقوة متوحشة لا رادع لها ، فيؤثرون السلامة خشية تعرضهم أو أسرهم لنفس التجربة المريرة . والإشكالية هنا أن هذا التعذيب المنهجي يحقق في كثير من الحالات هدفه المرجو من حيث تدميره لنفس الضحية ، والحط من كرامتها ، حتى تصل الضحية لدرجة من الفقدان الكلي للثقة في النفس وفي المجتمع والقانون ، بل فقدان الأمل في المستقبل وفي الحياة ذاتها ، فلا يجد دافعاً في نفسه ولا أملاً يحفزه على ملاحقة جلاديه .

كذلك قد يكون لدى بعض الضحايا استعداد لمقاضاة الجلادين ، ولكن تحول دون ذلك الإمكانيات المادية اللازمة ، ولا يعرفون طريقاً إلى منظمات حقوق الإنسان التي تقدم خدماتها تطوعياً ، إما لأن تلك المنظمات لا تزال محدودة العدد والقوى ، وإما لأنها متمركزة في مدينة القاهرة ، وإما لعدم معرفتهم بهذه المنظمات لحداثتها ومحاصرتها إعلامياً .

كما أن هناك عقبات قانونية تحول دون وصول الضحية إلى القضاء ، وتضعف أملها في القصاص من النجاة بمقاضاتهم . ونظراً لأهمية هذا الجانب وخطورته ، فسوف نقف أمام موقف القانون من التعذيب بشيء من التفصيل .

الدستور .. القانون .. الاتفاقيات الدولية

لو عدنا إلى الدستور المصري فسوف نجده يؤثم جريمة التعذيب أو المعاملة القاسية . فالمادة 42 من الدستور تنص على " أن كل مواطن يقبض عليه ، أو تقيد حريته بأي قيد ، يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً " . كما ينص الدستور في المادة 57 على " أن الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن التعذيب لا تسقط بالتقادم " .

ثم يأتي قانون العقوبات ليفصل تلك القواعد في عدد من المواد نذكر منها :

" كل موظف أو مستخدم حكومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من 3 : 10 سنوات ، وإذا مات المجني عليه بالعقوبة المقررة للقتل العمد " (المادة 126) .

" يحكم في جميع الأحوال بالأشغال الشاقة المؤقتة على من قبض على شخص بدون وجه حق ، وهدده بالقتل أو عذبه بالتعديات البدنية " (المادة 282) .

ويضاف إلى تجريم كل من الدستور وقانون العقوبات لجريمة التعذيب ، ما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها مصر ، وتعتبر هذه الاتفاقية مـُكملة للدستور والقانون :

" لا يجوز التعذر بأية ظروف استثنائية أيا كانت ، سواء أكانت حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو حالة من حالات الطوارئ ،كمبرر للتعذيب " (مادة 2 ، فقرة 2) .

ومع أهمية ما ورد في الدستور المصري وقانون العقوبات ، إلا أن الأمر لا يخلو من عدد من الإشكاليات . ففي المادة 126 نجد أن تعريف التعذيب تعريف قاصر ، إذ يحدده في أنه التعذيب الذي يحدث من أجل الحصول على اعتراف . وقد رأينا في الاستعراض السابق أن التعذيب يمارس في حالات كثيرة أخرى لم يشملها هذا التعريف ، مثل التعذيب من أجل الحصول على معلومات من المتهم أو من طرف آخر ، والتعذيب لمجرد الاشتباه ، والتعذيب لأسباب شخصية لمصلحة القائم على التعذيب أو لمصلحة طرف آخر ، والتعذيب لمجرد الحط من الكرامة والإذلال النفسي . ومن جوانب قصور تعريف تلك المادة للتعذيب أنها تستبعد الشخص المتواطئ على التعذيب ، أو المساعد عليه ، أو الساكت عنه .

أما الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ، فهي لا تصلح أيضاً للتطبيق التلقائي ، حيث أنها تضع أطراً عامة فقط ، ولا تصبح قابلة للتطبيق إلا إذا اتخذت الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقية تدابير قانونية ، من شأنها تعديل القوانين المحلية التي لا تتوافق مع نصوص الاتفاقية الدولية ، وإلا تحولت إلى مجرد نصوص على ورق .

قانون الإجراءات الجنائية:

ثم ننتقل إلى المعضلة الكبرى ، ألا وهي قانون الإجراءات الجنائية . فالمادة 162 تضرب عرض الحائط بالدستور المصري وتقف حجر عثرة في سير الدعوى الجنائية ، حيث تحرم المجني عليه ، أو أهله " في حال وفاته "، من حق التقاضي المباشر ، وتعطي هذا الحق للنيابة العامة دون غيرها . حيث تنص المادة على أنه : " للمدعي بالحقوق المدنية استئناف الأوامر الصادرة من قاضي التحقيقات بأن لا وجه لإقامة الدعوى ، إلا إذا كان الأمر صادراً من موظف عام أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ، ما لم تكن الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات " .

وتعتبر تلك المادة الكئود أن التعذيب جريمة إذا ما حدث أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها . وبالإضافة إلى هذا التحديد لمفهوم التعذيب فإنها تحرم صاحب الدعوى " المجني عليه " من حق التقاضي أو استئناف الأمر الصادر حيث تنص بلفظها :" لا وجه لإقامة الدعوى " ، وهو ما يساوي عملياً ، حفظ القضية .

وقد تم حفظ عشرات القضايا بقرار من النائب العام استناداً لهذه المادة . وحيث أن حفظ التحقيق لا يعد قراراً قضائياً ، فإن الضحية لا تجد وسيلة للطعن في هذا القرار . وفي حال التسويف أو التقاعس من قبل النيابة ، حتى بدون قرار الحفظ ، لا توجد وسيلة لمواجهة هذا التقاعس ، فلا يحق لضحية التعذيب ندب قاضي تحقيقات ، لأن هذا الحق من حق النيابة العامة ووزير العدل فقط .

وقد كان حفظ القضايا من نصيب عدد هائل من ضحايا التعذيب ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، قضية منبية ناجي ، بهاء بقطر ، وإبراهيم أبو زيد الذي عـُذب ابنه حتى الموت في قسم شرطة المنصورة ، ليعترف بجريمة سرقة لم يرتكبها علماً بأن الشاب كان مريضاً نفسياً ، وأن تقرير الطب الشرعي أثبت وجود 40 إصابة في جثة المجني عليه .

وقد تصل بعض القضايا لقاعات المحاكم ، ثم يحكم بأنه لا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة وفقاً للمادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على : " إذا رأى قاضي التحقيقات أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الأدلة غير كافية ، يصدر أمراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى " .

كذلك هناك صعوبات حقيقية في استيفاء وكفاية الأدلة على واقعة التعذيب ، منها أن المجني عليه يـُعـَذب وهو معصوب العينين ، ومنها استخدام الضباط لأسماء غير أسمائهم الحقيقية ،  مما يعيق توجيه التهمة لفرد أو أفراد بعينهم . بالإضافة إلى ذلك هناك أساليب للتعذيب لا تترك أثراً ظاهراً ، أو إنها طرق يصعب إثباتها كالتحرش الجنسي ، أو اغتصاب النساء والصدمات الكهربية ، كما أنه في كثير من الحالات لا يتم عرض المجني عليه على النيابة والطب الشرعي ألا بعد زوال أثار التعذيب . ومما تجدر الإشارة إليه أن الطب الشرعي يسجل فقط الإصابات العضوية الظاهرة ، ولا يلتفت للإصابات النفسية الناجمة عن التعذيب رغم أنها ، في الأغلب ،الأشد قسوة والأكثر تدميراً للإنسان الأخطر على وضع الفرد والأسرة والمجتمع 

وبسبب عدم كفاية الأدلة ، حكمت المحكمة ببراءة جميع المتهمين في قضية تعذيب الجماعات الإسلامية عام 89 وهم أربعة وأربعون ضابطاً وشرطياً وموظفاً بالسجن " وذلك لأن المجني عليهم لم يعترفوا على معذبيهم بشكل واضح ويقيني ، لأنهم كانوا معصوبي الأعين " .

إن ضابطاً واحداً لم يمثل حتى الآن أمام القضاء في قضايا سياسية بتهمة التعذيب . كما أن عدد من مـَثـَل من الضباط أمام القضاء بشكل عام هو عدد محدود جداً بالقياس إلى حجم الظاهرة ، وفي الأغلب تكون القضية جنائية ، وتكون قضية التعذيب قد تحولت إلى قضية رأي علم بسبب وفاة الضحية . ومن الأحكام التي صدرت على رجال الشرطة في تلك القضايا حكم محكمة أسوان في نوفمبر 2000 على شرطيين مهمين بالتعذيب والقتل غير العمد بالسجن 3 و7 سنوات . وفي بورسعيد تم الحكم على أمين الشرطة الذي اعتدى بالاغتصاب على سيدة بالسجن لمدة خمسة عشر سنة . كما حكم على الضابط المتهم في قضية مقتل فتح الباب عبد المنعم سنة 1994 بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ . وفي قضية ربيع سليمان ، الذي مات متأثراً بآثار الحروق التي نجمت عن حرقه بالكيروسين في سجن الفيوم ، صدر الحكم على الضابط المتهم بالسجن سنتين مع الشغل والنفاذ .

في وسط هذا الضباب يستطيع القضاء أحياناً أن يصدر أحكاماً تاريخية تضئ ظلمة سماء التعذيب . فهناك قضية المواطن محمد بدر الدين جمعه إسماعيل الذي أجبر على الاعتراف تحت وطأة التعذيب بقتل ابنته جهاد التي تبلغ من العمر 9 سنوات ، وكان اعترافه في المحضر اعترافاً تفصيلياً بالجريمة ، وأعاد تأكيد اعترافاته أمام النيابة ، ثم تبين أن ابنته جهاد على قيد الحياة ، وأقر الأب أمام المحكمة بالتعذيب الذي تعرض له على يد رجال الشرطة ، وأن القصة بمجملها كانت من اختلاق الضباط . في هذه القضية لم تكتف المحكمة ببراءة الأب بل أضافت : " أنه مما تقدم تستطيع أن تجزم بما اعترى الأوراق من إهمال في إجراء التحريات وتلفيق يرقى إلى مرتبة العمد مما يصل لحد تضليل العدالة على نحو يرفضه الضمير الحي لأي فرد من أفراد هذا الوطن وتلفظه العدالة . كما أن الأوراق قد أسفرت عن استعمال القسوة والتعذيب مع المتهم بلغت درجة من الجسامة أن يعترف المتهم بتفصيل غير حقيقي لجريمة لم يرتكبها . " (مركز هشام للقانون / بيان صحفي (محكمة جنايات الإسكندرية شاهد على التعذيب وتلفيق التهم وتضليل العدالة ).

وبموجب ذلك فقد قررت المحكمة إعمالاً لحقها المقرر بالمادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية إحالة الأوراق مرة أخرى للنيابة العامة للتحقيق في الجرائم المنسوبة للعقيد محمود رزق وآخرين من رجال الشرطة الذين وردت أسماؤهم بالتحقيقات .

كذلك قضت محكمة جنايات المنوفية : بمعاقبة مقدم الشرطة عصام الدين عنتر مأمور سجن وادي النطرون بالسجن عشر سنوات ، والرائد مجدي محمد خليل بمصلحة السجون بالسجن لمدة سبع سنوات ، ومعاقبة أربعة من مساعدي الشرطة سعيد فرج إبراهيم وعبد الله محمود العراقي بالسجن لمدة خمس سنوات ، وذلك بتهمة اشتراكهم في تعذيب المسجون أحمد محمد عيسى حتى الموت .( جريدة الأخبار 19 /3/2002 ).

إن ما رصدناه هو بعض من الصعوبات التي تقف عقبة في طريق مناهضة التعذيب وتعقب الممارسين له . فإن أضفنا إلى تلك العقبات قانون الطوارئ وقانون الاشتباه وقانون النشر .. إلى آخر ترسانة القوانين الاستثنائية والقوانين المقيدة للحريات ، وأضفنا إليهم سيطرة الدولة على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، مما يحول دون إجراء محاكمات رأي عام في هذا النوع من الجرائم ، عند ذلك يصبح الأمر شديد الخطورة ، ولا تصبح الدولة متسترة على جرائم التعذيب وحسب بل مشارك أساسي فيها .  

إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من

ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة

3452 (د-30) المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1975

المادة 1

1. لأغراض هذا الإعلان، يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد، جسديا كان أو عقليا، يتم إلحاقه عمدا بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين، أو بتحريض منه، لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر علي معلومات أو اعتراف، أو معاقبته علي عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، أو تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين. ولا يشمل التعذيب الألم أو العناء الذي يكون ناشئا عن مجرد جزاءات مشروعة أو ملازما لها أو مترتبا عليها، في حدود تمشي ذلك مع "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء".

2. يمثل التعذيب شكلا متفاقما ومتعمدا من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

المادة 2

أي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة هو امتهان للكرامة الإنسانية، ويدان بوصفه إنكار لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

المادة 3

لا يجوز لأي دولة أن تسمح بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو أن تتسامح فيه. ولا يسمح باتخاذ الظروف الاستثنائية، مثل حالة الحرب أو خطر الحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخري، ذريعة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

المادة 4

علي كل دولة أن تتخذ، وفقا لأحكام هذا الإعلان، تدابير فعالة لمنع ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة داخل إطار ولايتها.

المادة 5

يراعي، في تدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وغيرهم من الموظفين العموميين الذين قد تناط بهم المسؤولية عن أشخاص محرومين من حرياتهم، السهر علي جعله يكفل المراعاة التامة لحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كما يدرج هذا الحظر، علي النحو المناسب، في ما يصدر من قواعد أو تعليمات عامة بشأن واجبات ووظائف أي فرد يناط به دور في حراسة الأشخاص المعنيين أو علاجهم.

المادة 6

علي كل دولة أن تجعل طرق الاستجواب وممارساته، وكذلك الترتيبات المعمول بها في حجز ومعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في إقليمها، محل مراجعة مستمرة ومنهجية بهدف تفادي جميع حالات التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

المادة 7

علي كل دولة أن تكفل النص في قانونها الجنائي علي أن جميع أعمال التعذيب المعرفة في المادة 1 تعتبر جرائم. وتنطبق الصفة ذاتها علي الأفعال التي تشكل اشتراكا في التعذيب أو تواطؤا عليه أو تحريضا عليه أو محاولة لارتكابه.

المادة 8

لكل شخص يدعي أنه تعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بفعل موظف عمومي أو بتحريض منه، الحق في أن يشكو إلي السلطات المختصة في الدولة المعنية، وفي أن تدرس قضيته دراسة محايدة من قبل هذه السلطات.

المادة 9

علي السلطات المختصة في الدولة المعنية، حيثما وجدت دواع معقولة للاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب المعرفة في المادة 1 قد ارتكب، أن تشرع فورا في إجراء تحقيق محايد حتى وإن لم تكن هناك شكوى رسمية.

المادة 10

إذا ثبت من تحقيق أجري بموجب المادة 8 أو المادة 9 أن عملا من أعمال التعذيب المعرفة في المادة 1 قد ارتكب، تقام الدعوى الجنائية ضد المتهم أو المتهمين بالجريمة وفقا للقانون القومي. وإذا اعتبر أن الإدعاء بارتكاب أشكال أخري من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة يستند إلي أساس صحيح، يخضع المتهم أو المتهمين بالجريمة للإجراءات الجنائية أو التأديبية أو غيرها من الإجراءات المناسبة.

المادة 11

إذا ثبت أن عملا من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة قد ارتكب بفعل موظف عمومي أو بتحريض منه، كان من حق المجني عليه الإنصاف والتعويض وفقا للقانون الوطني.

المادة 12

إذا ثبت أن الإدلاء ببيان ما كان نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلا ضد الشخص المعني أو ضد أي شخص آخر في أية دعوى.

_______________________

* حقوق الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993، رقم المبيعA.94.XIV-Vol.1, Part 1، ص 405.

التعذيب بين السادية وأوهام السيادة

الدكتور محمد بنيعيش

  يبدو أن البشرية قد أخذت تنحو بشكل جماعي إلى فقد للهوية والخاصية المميزة لها عن سائر الكائنات الحية وشبه العاقلة،وذلك من خلال ما نلاحظه من هذا النزوع الجنوني نحو سفك  الدماء وإهدارها على شكل شلالات ووديان لم يسبق له مثيل في التاريخ!

    أولا:التعذيب بين الحيوان وجنس الإنسان

  1) من خصائص الحيوان المفترس ذي النزعة الغضبية والسبعية كما  يعبر عنه علم النفس القديم أنه لا يأكل جنسه،بل لا يقتله كقاعدة عامة، اللهم إلا إذا ضاقت به السبل لتفادي هذه المواجهة والتي لم يكن له منها بد...

كما من سلوكياته أن  يقيم تحالفا مع بني جنسه ضد الجنس الآخر،الذي يختلف عنه وراثيا وصبغيا وصوريا وشكليا،وذلك حينما تتعارض مصالحه الحيوية معه ويصطدم به على أرض الواقع كمنافسة جادة ومنغصة بل مهددة لكيانه.

في حين قد نرى من مميزات سلوك الحيوان أيضا أنه إذا تمكن من عدوه فهو إما أن يغض الطرف عنه لسببين وهما:إما أنه غير مؤذي له ولا يشكل خطرا عليه، وإما أنه غير مرغوب في مصالحه لوجود إشباع واكتفاء ذاتي لديه.

من جهة أخرى فقد يزمجر في وجهه ليطرده من محميته إن اقتحمها خطأ أو مع سبق الإصرار،وإما أن يجهز عليه بالمرة فيودي بحياته بأيسر السبل وأسرع الضربات، وذلك لتفادي تعذيبه بأقصى حد ممكن، وهذا ما يعرفه جيدا المتتبعون لعالم الحيوان بالتحقق منه ميدانيا قد نجده معروضا على شكل  أشرطة وثائقية...

كما أن من خصائص الحيوان أن لا يستولي إلا على ما يلزمه في الحال لإسكات جوعه وتلبية حاجته ورغبته الآنية،ثم بعد ذلك يترك الباقي للآخرين من جنسه وغيرهم كمشاهدة في الواقع بين الأسد و اللبوءة والأشبال، ثم تأتي بعدهم الضباع والذئاب والنسور وسائر الطيور الجارحة،  بل حتى النمل وغيرها من الحشرات...

كل هذه المظاهر وغيرها تعطي للإنسان دروسا في السلوك مع بني جنسه وغيرهم، كان من المفروض أن يكون فيها أرقى من الحيوان  السابق ذكره، سواء في طريقة استيلائه على الموارد المادية أو طريقة توزيعها وأيضا أسلوب تعامله مع بني جلدته، كان من قومه أو من غيرهم.

  2) لكن مع الأسف الشديد قد نجده (وأخص إنسان زماننا لأنه يدعي التقدم والتحضر) يبدو أحط من  حيوان الغابة، لأن هذا الأخير له قوانين يلتزم بها مناسبة لحاله ومستواه التكويني والغريزي، بحيث قد يمارسها بشكل تلقائي ومتكرر منضبط لا لبس فيه ولا تغيير،لأنها سنته التي خلقه الله عليها،فخضع لها وأوجب على نفسه احترامها والتزامها...

   أما الإنسان العاقل فهو يبدو قد جمع بين نزعتين من غير خصائصه: كلاهما أسوأ من غيرها وأحط من مستواه المميز له، ألا وهما كما عبر عنه أيضا علماء النفس الأقدمون:الروح الشيطانية والروح الحيوانية، ومن ثم كان وضعه أسوأ من الشيطان والحيوان معا، فلا ظهر أبقى ولا أرضا قطع!

  هذه الشيطنة والحيونة-إن صح التعبير- تبرز لدى إنسان عصرنا على مستويات متعددة، ابتداء من الفرد كوتر ومرورا به شفعا وزوجا، ثم أسرة ثم جماعة ؛وأخيرا شعوبا ودولة.

  فكانت الدولة مجابهة للدولة، وداخل كليهما حمولات متعددة من ذوي الشيطنة والحيونة على النمط الذي أشرنا إليه من قبل،في حين بدا الصراع على أشده بين الكتل والطوائف بشكل تصاعدي من البسيط نحو المركب ثم يعود الدور إلى نقطة البداية.

  موازاة مع هذا فقد ينسب الكل الخلل إلى الحاكم الذي بدوره يعكسه على المحكوم،أو يبرره بسطوة حاكم آخر أقوى منه أو ذي نفوذ أوسع من نفوذ دولته،وهكذا تسترسل التهم وتبادل الملام والتبرؤ مما يصدر عنهم من فظاعة وإذاية لبعضهم البعض بغرور القوة والسلطة والطغيان، الذي أدت إليه السياسات الهوجاء وفساد التصورات والأهواء بإسقاطها لمفهوم العدالة ودور القصاص في إعطاء حق الحياة والأمن وكمال العدالة: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"الآية.

  لكن عند التحقيق ينبغي أن لا يتملص أي إنسان من مسؤوليته حينما يقدم على عمل يؤذي فيه غيره بالقصد ونية التعذيب  مهما كان المبرر،لأن لديه عقلا خصه الله به من دون سائر الكائنات الحية على الأرض ؛ثم جاء الشرع على لسان الأنبياء الذين هم أيضا من بني جنسه ليوقظه ويحكم به على وعي وإدراك لخاصيته وإعلامه بأنه كما يقول ابن عطاء الله السكندري في إحدى حكمه:"جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته ".

فلو تتبعنا هذا التحليل الذي يضع الإنسان ذا الضمير أمام مرآة نفسه لما  انتهينا إلى المقصد في هذا المقال الوجيز،ولكن كان لا بد من التعريض بهذه المبادئ عسى أن تكون لها آثار في التحريض وإيقاظ الهمم لاستدراك هذه الطامة الملمة ببني الإنسان في هذا الزمان ومراجعة الحال قبل الاستفحال!!!.

ثانيا: ظاهرة التعذيب الإنساني و مجالاته

تعريضنا هذا كان يقصد مسألة جد مهمة وخطيرة في التاريخ السياسي الحديث ألا وهي: ظاهرة التعذيب!

تعذيب المواطنين والمتهمين الأضناء وتعذيب المحاربين والأعداء،والمآل واحد في كل الأحوال.

1)  فالأول قد يكون بين الشخص وقومه من بني عشيرته،ولا أقول من جنسه كي لا نقع في وهم العنصرية ونغالط أنفسنا بأوهام الحيوانية وتعدد أجناسها وعناصرها،إذ المنطق القديم يقول بصفة عامة عند حد الإنسان بأنه: حيوان ناطق،وذلك بجمعه بين ما يعرف بالجنس القريب والفصل القريب، ومن ثم فلا يمكن حده أبدا بأنه حيوان ناهق،وذلك لفقد الخاصية وبعد الفاصل.

أما التعذيب الثاني فيكون بين بني دولة أو قوم ودولة أخرى قد تختلف فيما بينهما لغة وعقيدة ولونا وأعرافا وعادات، ولكن لا تختلف عنها إنسانية؛ للقاعدة الجامعة بين بني البشر دون سائر الحيوانات.

في حين قد تتضارب مصالح هذه الدول وتتداخل أو تتشابك حدودها وتخترق مجالاتها من هذا الطرف أو ذاك، مما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى  الحروب والأسر والتجسس على الآخر وما إلى ذلك...

إن موضوع التعذيب من داخل دولة ما قد يكون في أغلب الأحيان لأسباب سياسية أكثر منه مدنية أو جنائية محضة،وذلك لأن موضوع السياسة يعتبر متأرجحا بين الاحتياط الداخلي وتوقع التدخل الخارجي، بحيث أن كل معارض سياسي إلا وهو متهم أو محتمل تورطه في عمالة للأجنبي، ومن ثم كان التشديد في التعذيب عند كثير من الدول بذريعة حماية السيادة الوطنية والأمن القومي والحفاظ على وحدة البلاد واستقرار النظام العام...

  2)غير أن اختلاط الأوراق وتوسع دائرة الإعلام والتواصل عن طريق، الأنترنيت والهواتف المحمولة وغيرها،جعل من كل قضية سواء كانت مدنية أو جنائية قابلة لإحداث ضجة سياسية على المستوى الخارجي واستغلالها داخليا من طرف الحكومات أو المنظمات المعارضة على حد سواء،وبالتالي ستصبح محل تسييس وذات طابع أيديولوجي تتشابك عنده المصالح  وتستغل به المجالس وتمارس من خلاله الضغوطات، كما ستتنوع على غراره وسائل التعذيب وطرق تبادل المعلومات حول أساليبه الفتاكة والناجعة في نظر ممارسيه.

كل هذا على حساب كرامة الإنسان وشرفه وقيمته الوجودية بالمقارنة مع جاره الحيوان كما سبق ومهدنا لواقع هذا الأخير.

فالتعذيب معناه -في نظرنا-:" إيلام المتهم إلى أقصى مستوى قد يضطر حينه إلى التصريح بأقوال واعترافات بأفعال قد يكون ارتكبها فعلا أم لا!!!".

على هذا فلابد من التمييز بين العقاب والتعذيب،إذ العقاب في تصورنا هو مجازاة محدودة ومحصورة في مقابلتها لنوع معين من الخطايا أو الجرائم قد يتم في لحظة أسرع من الخطيئة نفسها، أما التعذيب فهو تمديد العقاب مع تنويع وسائله وأساليبه وفنونه لفترة زمنية متفاوتة المدة والشراسة؛و مع وضعه في غير مكانه المناسب كموضوع للقصاص واستحقاقه، فيكون معه ما لا يطاق من الألم قد تتجاوز به الحدود ويفقد معه القصاص خصائصه العلاجية،بحيث قد يتحول عند المعذب بعد إفلاته من يد معذبه إلى نزعة انتقامية وعنف دفين في النفس سيصبح ذا طبيعة دورية بين المجتمعات الممارسة لهذا النوع من السلوك، سواء تعلق الأمر بالحاكم مع محكوميه أو الدول مع بعضها البعض وكذلك المجموعات والمنظمات المتناحرة والمتصارعة على النفوذ وبسط السلطة والاستبداد...

ثالثا:أحكام التعذيب من خلفيات سادية

   1) هذا النوع من التعذيب يعتبر إكراها، وهو من الناحية الشرعية غير مقبول، كما أنه من الناحية النفسية قد يعتبر غير مدان لأن لدى من مورس عليه اختلالا نفسيا ؛حسب تعبير علماء النفس الغربيين المعاصرين، الذين  يبررون بها عدة جرائم حينما تتعلق بغير قومهم!!!

   فإذن لماذا يمارس الغربيون التعذيب على غيرهم لاستخراج الاعترافات مع وجود الخلل النفسي بالإكراه غير المشروع أو غير المقبول طبيا ونفسيا، والذي قد يعتبر لديهم قاعدة علمية  حينما يتعلق الأمر ببني جلدتهم الذين يرتكبون جرائم فظيعة وثابتة في حق غيرهم؟أهذه هي العدالة التي يدعون السبق في تطبيقها ؟

  كلا! إن هذا الإجراء لا يمت إلى العدالة بصلة، ونموذج أبو غريب وغوانتنامو وغيرها من السجون الغربية خير شاهد على ما نقوله!.

     فالإيلام بهذه الصورة فيه إضرار بالنفس والجسد والحقيقة معا، تجمع حقيقة الإنسانية وحقيقة الواقع المبحوث عنه في ظل التعذيب.

  2)- إضرار للنفس بسب الرعب والصدمة والإحباط الذي يصاب به المعذب حينما يكتشف أن بني جنسه يفتكون بعرضه وجسمه وكرامته أقصى من فتك الحيوان بأخيه رغم دعواهم التشبث بالقوانين والمواثيق الدولية وما إلى ذلك من الشعارات،في حين قد كان يظن-أي المعذب- أنه يناضل من أجل التصحيح ويظن أن البشرية كلها مثله تحمل في داخلها رغم الاختلاف والتعارض تصورا للحقوق والحرمة والتسامي على منطق الغاب والذئاب والعفة عند وجود الغلبة،وذلك لاغتراره بالصور والدعايات الإعلامية والزيف المدني والتكنولوجي وبريقه المغلف  للشر المخفي من وراء مرآته.

  -إضرار للجسد بالقرص والكي والوخز و الشدخ والكهربة والاغتصاب أيضا، مما يجمع بين الإيلام النفسي والجسدي وذلك على مرأى ومسمع من المعذب الضحية الذي لا حيلة له سوى الصراخ والأنين في مسايرة هذا العدوان الذي ما أنزل الله به من سلطان !.

   - إضرار للحقيقة بشقيها المكرمتين:

      حقيقة الإنسانية وتأسيسها النفسي على مبدأ الشعور المشترك والجنس القريب كما ذكرنا، وكذلك تأسيسها على العدالة من منطلق: كما تدين تدان، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته  كما أن الأصل في الذمة البراءة.

    حقيقة الواقع بإكراه المتهم على التصريح بعكس ما هو الأمر عليه وجودا، إذ" الحكم للوجود" كما يقول فقهاؤنا المسلمون،فتحل حينئذ العبثية وتضييع المطلوب مع سبق الإصرار والترصد!

بهذا تكون الدولة أو المحققون الممثلون لها قد عبروا عن فشلهم وعدم كفاءتهم في الميدان العدلي وذلك من عدة مستويات على رأسها: الفشل النفسي السيكولوجي والأخلاقي، ومن ورائه الفشل السياسي الذي جعلهم لا يستطيعون ضبط العد و الداخلي تكوينا وثقافة وطنية مما جعله يمد يده عمالة للعدو الخارجي...

رابعا:الإجراء السيادي لرفض التعذيب السادي

  1) فتضييع الحقيقة الأولى مسألة عقدية وفلسفية وفيزيائية إن صح التعبير،بحيث يمكن بناؤها على مبدأ التدافع والانعكاس وقاعدة: "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس بغير حق"الآية، وهذا يدخل في وعي الأنبياء والصالحين من بني الإنسان، قد نجد نموذجا حيا منه في هذه الصورة من سيرة بينا سيدنا محمد (ص) الذي ينهى عن التمثيل الجسدي ورفض التعذيب بكل صوره وأوجهه ودوافعه التي تكون في الغالب بسبب وجود نزعة انتقامية ؛قد تبدو في بداية الأمر معقولة ولها ما يبررها عند لحظة الانفعال، أو أن تكون سادية مقيتة تسعى إلى التشفي من الخصم والعبث بجسده إلى أقصى درجة !!!إما لاستخراج أسرار منه أو الانتقام مما كان قد فعله قبل الوقوع في الأسر وانهزامه، وهذا هو حال الأمريكان  وغيرهم  في العراق، والمشركين عند غزوة أحد وتمثيلهم بجثة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب!!!.

   يروى في كتب السيرة الموثقة: أنه قد كان من أسرى غزوة بدر الكبرى سهيل بن عمرو، وهو من خطباء قريش وفصحائها، وطالما آذى المسلمين بلسانه،فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا،فقال عليه الصلاة والسلام: "لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا،وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه عليه"نور اليقين من سيرة سيد المرسلين، محمد الخضري بك.

إنها قاعدة خطيرة ومثيرة ومنيرة تلك التي  أفصح عنها النبي (ص) ينبغي أن يضعها في الحسبان كل معذب للآخر في هذه الأرض، سوا ء كان حاكما أو شرطيا أو عسكريا أو حتى زوجا أو غيره، ولو كان المعذب هرة وبمجرد حبس كما ذكرها النبي (ص) في حديث آخر حيث عذبت في النار من عذبتها، فما بالك بالإنسان أخي الإنسان روحا وجسدا وعرقا...!

خطيرة لأنها تنبني على حتمية الانعكاس في التعذيب والتمثيل؛لا يفلت منه مزاوله مهما طال به الزمن ولو في آخر رمق من حياته، كما يقول النبي (ص): "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".فكلمة: "لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا " يعني حكما شرعيا ومآلا كونيا: أن كل من مارس التعذيب سواء باستحقاق أو بغيره لن يفلت من الانعكاس، وذلك لأن هذا الموضوع من خصائص الجزاء الإلهي الذي يعرف حقيقة التكوين الإنساني في ظاهره وباطنه"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"الآية و:"لا يعذب بالنار إلا رب النار"كما ورد في الحديث.

مثيرة لأنها تضمنت العفو مع المقدرة  عن شخص ضمن عديد من الأشخاص الآخرين الذين ربما اقتص منهم، بينما اختص هذا بالعفو الشامل مقابل فدية، علما أنه كان بوقا للعدو ومحرضا ضد النبي وأصحابه، في حين أن هذا العفو قد أضاف الفضل المستقبلي للمعتقل أو الأسير،وهو كما قال عنه النبي (ص):"وعسى أن يقوم مقاما  لا تذمه".

فكان مقامه هذا هو: أنه لما أراد أهل مكة الارتداد كما فعل غيرهم من الأعراب بعد وفاة النبي (ص) قام سهيل خطيبا يحضهم بالثبات على دينهم، فتراجع الناس عما كانوا عزموا عليه، وكان هذا الخبر من معجزات نبينا (ص).

   منيرة لأنها تعطي للحكام درسا في الاستفادة من العدو بالعفو وتوقع موالاته بدل معاداته؛ وخاصة حينما يعفى عنه بعد أسره ولم يتوقع منه غدرا فراسة أو تخمينا، ومن هنا يكون الربح من جهتين:كسب العدو وكسب العدالة من غير تعذيب.

   2) الثانية:حقيقة الواقع وتضييعه من خلال التعذيب والإكراه البدني والنفسي،قد نجد علاجا له في السيرة النبوية أيضا وفي غزوة بدر نفسها عند النقطة التالية: ورد في السيرة أن جيش المسلمين: "لما قارب بدرا أرسل عليه الصلاة والسلام شخصان ليعرفا الأخبار،فصادفا سقاة لقريش فيهم غلام لبني الحجاج وغلام لبني العاص السهمي فأتيا بهما والرسول عليه الصلاة والسلام قائما يصلي، ثم سألاهما عن أنفسهما  فقالا نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم الماء،فضرباهما لأنهما ظنا أن الغلامين لأبي سفيان، فقال الغلامان نحن لأبي سفيان  فتركاهما، ولما أتم الرسول عليه الصلاة والسلام صلاته قال: إذا صدقا ضربتموهما، وإذا كذبا تركتموهما؟صدقا،والله إنهما لقريش،ثم قال هما أخبراني عن قريش؟قالا:هم و راء هذا الكثيب، فقال: كم هم؟فقالا: لا ندري،قال:كم ينحرون كل يوم ؟قالا:يوما تسعا ويوما عشرا، قال:القوم ما بين التسعمائة والألف، ثم سألهما عمن في النفير ممن أشراف قريش فذكر له عددا عظيما..."نور اليقين.

فهذه الحادثة ذات دروس وعبر لكل حاكم ومحقق يسعى حقا لحماية الوطن والمواطنين من الفتنة والهزيمة كما فيها دلالة على أن  التعذيب قد يغير الحقيقة ويعطي الاعتراف الكاذب، ومن ثم يكون المحققون مع التعذيب قد جمعوا بين سيئتين الأولى أكبر من أختها وهي:التعذيب والتغليط،وكلاهما له انعكاسات مدنية وجنائية وعسكرية خطيرة إضافة إلى الأخلاقية والروحية ابتداء، وفي المآل حلول عذاب الله تعالى بمن عذب خلقه بغير حق أو ضابط؟!!

زيادة على هذا فإن الحادثة تعطي درسا للحاكم في مواجهة العدو وتقدير مخاطره الميدانية وذلك باستعمال أسلوب رياضي وواقعي يضع في حسابه الموازنة بين العتاد والأعداد والاستعداد، أي بين مستوى التمويل لدى العدو ومناسبة عدده استهلاكا وحركة، إضافة إلى اعتبار قيمة الجيش بقيمة عدد ضباطه، كما عبر عنه الحديث عند السؤال عن أشراف قريش ونسبة حضورهم عند بدر،ومن ثم تهيئ النفوس بعد هذه المعطيات الاستخباراتية عن العدو لمواجهته بمعنويات مرتفعة وواعية بقوة الخصم!!!

هذا التحري قد يتم عن طريق العيون والجواسيس أو طريق استنطاق من يقع في الأسر من أفراد العدو كما هو الشأن في غزوة بدر والحادثة التي نحن بصدد تحليل بعض رموزها...

من جهة أخرى تتضمن الحادثة نقطة جد مهمة في التحقيق لتفادي التعذيب المؤدي إلى تضييع الحقيقة من كل  أوجهها أو بعضها، ألا وهي أن المحقق ليس كل من هب ودب من محاربين ورجال شرط أو ضباط، لأن عمل الشرطي يعتمد على المهارة الفنية والتنفيذية لضبط العدو بالقوة المتاحة له بدنيا وتسليحا وما إلى ذلك، أما الاستنطاق والتحقيق فذلك عمل فكري ونفسي إنساني يحتاج إلى ذكاء وحكمة واستدراج على نمط ما رأيناه من سيرة النبي (ص) في الحادثة المذكورة، فكان حينئذ التصريح مطابقا للواقع أو مقربا له بشكل شفاف وألغي بسببه التعذيب والضرب من غير مبرر أو ضرورة.

هذه النتيجة تقتضي تكوين الجندي أو الشرطي على مبادئ إنسانية ذات استمداد ديني إسلامي بالدرجة الأولى وذلك قبل أن يصبح رجل قوة وتنفيذ آلي للأوامر.

من هنا نتساءل:إذا كانت النية مبيتة للإدانة كما يفعل الأمريكيون مثلا في العراق وكذلك بعض الأنظمة الأخرى فيما يخص المتهمين من مواطنيها بقضايا سياسية وغيرها،فلماذا التعذيب والإيلام المتكرر والتفنن في أساليبه ؟

ربما يراوغ سياسيا بالقول أن ذلك الحجز قد يكون بمثابة ذر الرماد في العيون لإثبات وجه العدالة والمحاكمة بعد التحقيق...

فهذه أكبر من أختها، إذ قد زادت على وزر التعذيب بغير حق وضوابط وزر الكذب على الجمهور والتغرير به ومصالحه، ومن بعده كسب تأييده على الظلم والطغيان ؛وهذا فساد ما بعده من فساد!!!.

من هنا فقد تبين لنا أن هذه الممارسات التي تطلع بها وسائل الإعلام عن صور التعذيب سواء في السجون الغربية وكذلك العربية وغيرها ليست سوى أسوأ صورة للنزعة السادية وتلويث وإفساد خطير للمبادئ السيادية، حيث لا مبادئ سيادية مع الظلم وإهدار القيم الإنسانية بتحويلها إلى شبح يجمع حتما بين الحيوانية والشيطانية وكفى به سقوطا ومسخا للإنسان وتحضره!!!.وكفى بالله شهيدا.

شبكة النبأ المعلوماتية

التعذيب : "... الخطوة لأولى تكمن في تحطيم جدار الصمت"

تعليق بقلم "ألان أيشليمان" رئيس الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين وشعبة الحماية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بمناسبة اليوم الدولي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب في 26 حزيران /يونيه.

يمكن أن ينظر إلى جدار الصمت الذي يحيط بالمعتقلين من جانبين اثنين، فالجانب الأول هو عزلة الأشخاص المعتقلين في حالات النزاع المسلح أو الاضطرابات الداخلية، ذلك أن السلطات المعنية قد تحاول إخفاء وجودهم أو إلقاء الشكوك حوله كوسيلة لتكثيف الضغط الممارس عليهم وعلى أسرهم والجماعات التي ينتمون إليها.

أما الجانب الثاني فهو الصمت الذي يمكن أن يلف المعتقلين أنفسهم بعد تعرضهم لإساءات رهيبة في المعاملة على الصعيدين الجسدي والنفسي. ففي الكثير من الحالات، التي قد تزيد الاعتبارات الثقافية من خطورتها أحياناً ، يصبح من الصعب عليهم ، إن لم يكن من المستحيل، أن يتكلموا مع زملائهم من المعتقلين أو مع أقاربهم أو أصدقائهم عن المعاملة التي عانوا منها، حتى ولو عانى الآخرون من نفس المعاملة الوحشية ، أو ربما لهذا السبب بالذات.

إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تسعى إلى الحيلولة دون وقوع التعذيب وإلى وضع حد له ( فضلاً عن سائر أشكال إساءة المعاملة التي تصفها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان بأنها ممارسات "قاسية" و"مذلة" و"مهينة" ) تركز عملها على تجربة المعتقلين وشهاداتهم ؛ فتحطيم جدار الصمت هو الخطوة الأولى نحو ما يمكن أن يشكل عملية مؤلمة (وأليمة في بطئها) تهدف، عبر المحاولات الحثيثة للتوجه إلى المسؤولين ، إلى إيقاف الممارسات السيئة.

وتتمثل مساهمة اللجنة الدولية في هذه العملية في إقامة حوار مع الضحايا على أكمل وجه ممكن، بدون أن ينظر إليها وكأنها تقوم بدور"المحقق"، وتقديم التقارير المفصلة إلى السلطات المعنية ومطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة، وتكرار الزيارات بأقصى وتيرة ممكنة ، من اجل التوصل إلى البدء في إجراء التحسينات. هكذا يجب التحلي بالصبر بدلاً من السعي وراء إحداث الضجيج.

ان اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقعت عام 1984 ودخلت حيز التنفيذ في 26 حزيران/يونيه 1987، وغيرها من المعاهدات الإقليمية تسعى إلى ضمان أن يكون أحد أكثر الحقوق بداهة - أي عدم التعرض للتعذيب- مرسخاً في قوانين تعكس إرادة كافة الشعوب.

ففي حالات النزاع المسلح، عندما يتم التخلي عن الكثير من القوانين الأخرى أو تجاهلها تماماً، تبيّن اتفاقيات جنيف بوضوح أن للحروب أيضاً حدوداً.

ومع ذلك ...

تدعو هذه المعاهدات الدول الأطراف- من خلال أحكام مثل تلك الواردة في المادة 127 من اتفاقية جنيف الثالثة- إلى إدراج دراسة القانون في برامج التدريب العسكري بحيث لا يستطيع أي فرد يرتدي الزي العسكري الإدعاء بأنه (أو أنها) "لم يكن يعلم...".

إن ضحايا التعذيب - وأغلبهم لا يتمتع بذلك الامتياز المريب الذي حظي به المعتقلون في العراق من تغطية وسائل الإعلام - ينتظرون أملاً في معرفة متى ستنفذ تلك الأحكام تنفيذاً كاملاً وتصبح سارية المفعول.

_______________________

1-حقوق الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993، 2-رقم المبيعA.94.XIV-Vol.1, Part 1، ص 409.

3-منظمة هيومان رايتس ووتش  - الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم 

4-مكافحة التعذيب- دليل التحركات

5-اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي

6-ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26 حزيران/2007 -10/جماد الاخرى/1428