إن المتأمل للحياة اليوم بمختلف أنماطها في الدول المتقدمة والدول
المتخلفة يرى بان هناك مفارقات كثيرة ورهيبة سببها الأول ربما هو
التركيبة الاجتماعية وأنماط الشخصية للأفراد هذا المجتمع أو ذاك
فالمجتمع الغربي المتطور حياة الفرد فيه تكون منظمة من ولاته حتى وفاته
بمعايير وأسس علمية مبنية على الاستثمار الصحيح في العملية التربوية
والتعليمية بصفة عامة فالعمر في هذه المجتمعات مقسم على أربع مراحل إذا
مر بها أي فرد سينجح في حياته وهذه المراحل تتمثل فيما يلي :
المرحلة الأولى تسمى بمرحلة إدراك الذات وعادة ما تكون من ولادة
الطفل إلى 05 سنوات وهي مرحلة يدرك فيها الفرد ذاته ويعرف أهله أما
المرحلة الثانية فتسمى بمرحلة الأخذ والتحصيل العلمي وعادة ما تكون بين
سن 05 و 30 سنة وعادة ما يأخذ فيه الإنسان العلم بتدرج وتواتر وتخصص
معين أما المرحلة الثالثة والرئيسية فتسمى بمرحلة العطاء والتي تمتد
بين سن 30 و 65 سنة ثم تأتي المرحلة الرابعة والأخيرة فتسمى بمرحلة
الخلود للتقاعد والراحة والتي عادة تكون من 65 حتى الوفاة .لو نفتح قوس
بسيط لعملية حسابية بسيطة نجد أن هذا الفرد أخذ كم من المعلومات في
المراحل الدراسية المختلفة قدره 25 سنة وقدم للبلاد والمجتمع 35 سنة من
العطاء وبالتالي تكون النتيجة ربح قدره 10 سنوات عطاء في مجال ما .
ودون شك أنه في هذا السياق يطرح تساؤل كبير مفاده أين المجتمعات
المتخلفة من هذا النمط من أنماط الحياة المثالية ؟ وما هي مواطن ضعف
هذه المجتمعات ؟
والإجابة بكل موضوعية مجتمعاتنا المتخلفة بعيدة كل البعد عن هذا لأن
أنماط التحصيل العلمي فيها أنماط موروثة تفتقد للتأطير الجيد والعالي
فلو نشخص حالة العملية التعليمية بأطوارها المختلفة في الدول النامية
نجد أن تربية النشأ في المرحلة الابتدائية يخضع للمحسوبية والعلاقات
الخاصة وهو ما يجعل التلميذ يرتقي من مستوى إلى مستوى دون كسب مؤهلاته
، وهذا ما يسمى إن صح القول بخيانة الأجيال أو بعبارة أخرى إنتاج
إطارات في المستقبل مشكوك في مستواها ولو نصعد قليلا إلى شهادة
الباكالوريا التي تعتبر بمثابة تأشيرة مرور التلميذ من مرحلة التعليم
الثانوي إلى التعليم العالي نجد أن نسب النجاح فيها هي نسب تخطط مركزيا
دون مراعاة الفروقات الفردية بين التلاميذ ؟
فنسب النجاح هي نسب تخطط مركزيا من طرف الهيئات المسؤولة عن
الامتحانات وتكون مدعومة بتواطؤ القائمين على سير الامتحانات وما
يتسببون فيه من تجاوزات تخل بالسير الحسن للامتحان وترجح الكفة لصالح
من لا علاقة له بالنجاح وهذا ما يعتبر خيانة أكثر جرما من الأولى أما
التعليم بمستواه العالي فمشكلته هي مشكلة تنظيمية بالدرجة الأولى حيث
نجد أن التخصصات التي يوجه غليها حاملي شهادة الباكالوريا هي تخصصات
نظرية لا علاقة لها باحتياجات الاقتصاد الوطني من كفاءات تبني مستقبله
وترقى بالبلد كما أنه وبكل أسف في جامعات الدول النامية ما زال الأستاذ
الجامعي ينام في الإقامة الجامعية ويعاني من ضعف المرتب و نقص في
الصلاحيات ومحدودية المستوى العلمي وكل هذا ينعكس في مستوى الخريجين.
إذن فخلاصة القول من كل هذا هو أن الطريقة التي يسير عنها التعليم
في الدول النامية بكل مستوياته يسمى بخيانة الأجيال التي تصبح إطارات
مزيفة تسير هذه البلدان وتزيد من درجة تخلفها وللقضاء عن هذه الظاهرة
الخطيرة يتوجب على هذه الدول إعادة النظر في منظوماتها على اختلاف
مستوياتها ومحاكاة الغرب للاستفادة من تجاربهم الرائدة في هذا المجال.
*المعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني
طيبي رابح ببوسعادة - الجزائر |