شبكة النبأ: مع بداية الغزو الاميركي
للعراق طرح مراقبون في آسيا الوسطى تساؤلاً عن امكانية سقوط أهمية
منطقة اسيا الوسطى وفقدان بحر قزوين أهميته الاستراتيجية بالنسبة الى
الأميركيين بعد وضع واشنطن يدها على النفط العراقي، ولكن الاحداث
المتلاحقة والكبيرة الاهمية التي جرت منذ غزو العراق والى الان قلبت
المعادلة المتوقعة واعادت الى الصدارة موضوع بحر قزوين البالغ الاهمية
بالنسبة للامريكان وروسيا وايران على حد سواء.
ويعود بحر قزوين الى دائرة الضوء مرة ثانية بالارتباط مع تصاعد أزمة
البرنامج النووي الإيراني، وارتفاع حدة القلق الروسي من التغلغل
الأميركي في بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، الأمر الذي يرشح
هذه المنطقة لتصبح مسرحاً لنزاعات مسلحة اخرى.
وفي هذه الأثناء زار ريتشارد باوتشر مستشار وزيرة الخارجية
الاميركية لشؤون آسيا الوسطى آستانا عاصمة كازاخستان فيما بدأ ستيفن
مان مساعد وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس زيارة لعشق آباد عاصمة
تركمانستان. وتزامناً مع هاتين الزيارتين وصل مستشار آخر لرايس يدعى
ماتيو برايز الى باكو عاصمة جمهورية اذربيجان. حسب تقرير لـ(الحياة).
وتزامنت هذه الزيارات لثلاثة دبلوماسيين أميركيين كبار الى دول آسيا
الوسطى، لا سيما المطلة منها على بحر قزوين مع انعقاد اعمال قمة الدول
الصناعية الثماني في المانيا حيث جرت محادثات موسعة بين بوتين وبوش
تناولت العديد من القضايا الخلافية بين البلدين وفي مقدمها قضايا
الطاقة ونقل الغاز الى اوروبا.
الهدف الرئيسي من زيارة هؤلاء الدبلوماسيين الى كازاخستان
وتركمانستان هو اقناع الرؤساء في هاتين الدولتين بضرورة نقل الطاقة الى
أوروبا من دون المرور بالاراضي الروسية. اما بالنسبة الى اذربيجان فإن
الموضوع ليس مهماً لأن باكو تشارك في بناء مشروع لنقل الغاز عبر بحر
قزوين (خط باكو – جيهان) من دون المرور بالاراضي الروسية اصلاً، ومن
المقرر ان يتم نقل الغاز عبر انابيب في قاع بحر قزوين الى اوروبا
الشرقية.
وكانت روسيا قد اتفقت مطلع الشهر الماضي مع كازاخستان وتركمانستان
على بناء مشروع لنقل الغاز من منطقة آسيا الوسطى الى اوروبا عبر
الأراضي الروسية.
واضافة الى هذا الموضوع فإن هؤلاء المسؤولين الكبار في وزارة
الخارجية الأميركية حاولوا اقناع قادة ومسؤولي هذه الدول بضرورة بذل
مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة والاقتراب اكثر من سياسات اميركا
في المنطقة، في ظل الحديث عن ضربة محتملة لإيران.
وهنا لا يمكن تجاهل الخلاف القائم بين دول حوض بحر قزوين الخمس
(روسيا، كازاخستان، اذربيجان، ايران، وتركمانستان) حول التسوية
النهائية للوضع القانوني لبحر قزوين. وكانت المحادثات بين هذه الدول
الخمس بدأت عام 1992 بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. وعلى رغم مضي خمس
عشرة سنة لم تتمكن هذه الدول من الاتفاق على صيغة مناسبة ترضي جميع
الاطراف. ويعود ذلك إلى اصرار إيران على امتلاك حصتها السابقة نفسها
بحسب معاهدتي 1921 و1940 مع الاتحاد السوفياتي السابق، أي 50 في المئة،
بذريعة أنها غير مسؤولة عن ظهور دول جديده نتيجة انهيار الاتحاد
السوفياتي، ما أدى الى انتقادات حادة لهذا الموقف حتى من داخل ايران.
وعلى رغم أن إيران عادت وعدّلت طرحها ومطالبها، وعرضت التقاسم بنسب
متساوية بين الدول الخمس (20 في المئة لكل دولة)، لكن الاطراف الأخرى
لم تقبل بذلك، في حين رأت كل من روسيا وكازاخستان واذربيجان ان حصة كل
دولة يجب أن تحدد على أساس قطاعها المائي المطل على بحر قزوين، أي بحسب
القوانين الدوليه.
وعلى هذا الاساس تم الاتفاق أخيراً بين الدول الثلاث على تقسيم
القطاع الشمالي بحسب مبدأ الخط المنصف حتى قاع البحر بينما يبقى السطح
مشتركاً، وبذلك حصلت كازاخستان على الحصة الأكبر من هذا القطاع 29في
المئة وروسيا 19في المئة واذربيجان 18في المئة.
ويعتقد محللون في آسيا الوسطى أن تجميد مفاوضات القطاع الجنوبي سببه
ان بعض الايرانيين ما زالوا يعيشون في الماضي ويتحدثون عن اتفاقيات
سابقة مع الاتحاد السوفياتي، كما أنهم غير مهتمين حالياً بهذا الموضوع،
وغنى أرضهم بالنفط يجعلهم حالياً بغنى عن استثمار حصتهم البحرية.
تضررت ايران من هذا الاتفاق، فقد صرح وزير الخارجية الايراني السابق
كمال خرازي: أن الاتفاقات الثنائية والثلاثية لا تملك أي قيمة قانونية،
وعلينا ألا ننظر إليها كأوراق رسمية تحدد الوضع القانوني لبحر قزوين.
وعلى الدول الخمس أن تصل إلى صيغة نهائية لبحر قزوين، وإذا كان لدى أي
دولة اعتراض فالاتفاق يعتبر غير قانوني، وغير ذلك من الاتفاقات يعرقل
الوصول إلى حل نهائي.
وفي ضوء الواقع الجديد المتمثل بتقسيم 70 في المئة من ثروة بحر
قزوين بين الدول الثلاث، أعلنت تركمانستان رغبتها في دخول التسوية مع
جاراتها في القطاع الشمالي علماً أنها التزمت الحياد طوال سنوات. كما
أن النزاع لا يزال محتدماً بين ايران واذربيجان حول آبار النفط، اذ
تعتبر باكو الآبار حقاً طبيعياً لها، ولا يستبعد المراقبون ان تطلب
المســـاعدة من الولايات المـــتحدة
الاميركية وحليفتها تركيا إذا شعرت بخطر حقيقي يتهددها من جانب ايران.
واشنطن التي لم تضع بحر قزوين في حساباتها الاستراتيجية إلا بعد
انهيار الاتحاد السوفياتي، لا تخفي اهتمامها بنفط هذا البحر ورغبتها في
تشكيل قوة تدخل سريع لحفظ امن هذه المنطقة وخطوط أنابيبها، لا سيما بعد
انشاء خط نفط باكو جيهان عبر الاراضي الجورجية، وهو أول خط يصل نفط بحر
قزوين بالغرب، بعيداً من الأراضي الروسية، وهو المشروع الذي ظلت تعارضه
موسكو طوال عقد من الزمن.
رد موسكو على رغبة واشنطن تلك جاء على لسان وزير خارجيتها، سيرغي
لافروف الذي اعلن إن بلاده ترفض وجود أي قوات مسلحة أجنبية من غير
الدول الخمس (روسيا وكازاخستان وإيران وتركمانستان وأذرربيجان) المطلة
على بحر قزوين.
وقال لافروف، لدى افتتاحه الجلسة الـ20 لفريق العمل الخاص بتحديد
الوضع القانوني لبحر قزوين، إن مبدأ عدم وجود قوات مسلحة من غير الدول
المطلة على بحر قزوين أصبح ملحاً نظراً الى تصاعد النشاط العسكري لبعض
الدول من غير المنطقة». وأضاف أن بلدان المنطقة ستخسر كثيراً إذا دعت
قوات أجنبية اليها. وشدد أن «من السهل دعوة قوات أجنبية إلى المنطقة،
لكن سيكون من الصعب إخراج تلك القوات في ما بعد».
ووصف معلقون ايرانيون بارزون بحر قزوين بأنه «خاصرة المستقبل» حيث
يمكن ان يكون هناك حريق هائل في اطار الترتيبات الدولية البالغة
التعقيد من أجل ارساء معادلات استراتيجية جديدة في المنطقة، ويعتبر
هؤلاء أن ما يحدث في اذربيجان، حيث ترابط قاذفات تركية، وتعقد صفقات
اسلحة مع واشنطن وما يجرى من تدريب عسكريين إنما هو مؤشر الى الرغبة في
استدراج ايران، في وقت ترفض فيه باكو الاقتراح الايراني، بتقاسم ثروات
هذا البحر بالتساوي، وعمدت إلى اتخاذ خطوات تؤكد موقفها.
ومع بداية الحرب الاميركية على العراق طرح مراقبون في آسيا الوسطى
تساؤلاً: هل ستسقط أهميه المنطقة ويفقد بحر قزوين أهميته الاستراتيجيه
بالنسبة الى الأميركيين بعد وضع واشنطن يدها على النفط العراقي؟ والسبب
ان السيطرة الاميركية الكاملة على نفط المنطقة دونها عقبات منها كلفة
الاستثمار العالية، ومواقف بعض الدول المعارضة للولايات المتحدة كروسيا
وايران، ويبقى الاتفاق الوحيد الذي يجمع الدول الخمس في حوض قزوين هو
اتفاق لحماية البيئة في مياه بحر قزوين الذي وقع قبل سنتين.
وفي هذا السياق قال نائب وزير الخارجية الكازاخستاني يرجان
كازيخانوف بأنه لا يتوقع خلافاً حول الوضع القانوني لبحر قزوين بين
الدول المطلة عليه، واضاف، ان جميع الاطراف الآن تبحث مع شركائنا في
الجانب الايراني وضع بحر قزوين مســـتقبلاً، والامور تسير بهدوء،
وكازاخستان تدعم ان يكون بحر قزوين منطقة للسلام والاستقرار.
وحول الاتفاق الثلاثي بين روسيا وكازاخستان وتركمانستان لنقل الغاز
الطبيعي من آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر الاراضي الروسـية الى اوروبا،
وهو المشروع الذي تعارضه واشنطن، يقول يرجان كازيخانوف: يجب عدم النظر
الى هذا الامر بطريقة سياسية، فالناحية الاقتصادية هنا لها الاولوية،
وتعمل كازاخستان من أجل الحفاظ على امن الطاقة والدخول الى الاسواق
العالمية، ونحن لا يمكن ان نرتبط بدولة أو دولتين، نريد الوصول الى
العالم كله، وأي مشروع يوافقنا ويكون ذات جدوى اقتصادية لن نكون ضده،
وسندعمه.
ولابد من الإشارة هنا الى ان باوتشر زار أيضاً بيشكيك عاصمة جمهورية
قيرغيزستان، بهدف التأكيد على النتائج التي توصل اليها وزير الدفاع
الاميركي روبرت غيتس مع المسؤولين القيرغيزيين خلال زيارته الاخيرة
لهذه الدولة.
وما لاشك فيه ان زيادة النشاطات الدبلوماسية الاميركية في منطقة
آسيا الوسطى والقوقاز، لا سيما المطلة منها على بحر قزوين، ستواجه
بردود فعل واجراءات حاسمة من جانب موسكو التي أكدت مراراً عدم ارتياحها
لنشاطات أميركا في هذه المنطقة.
ويرجح التقرير السنوي الإستراتيجي لمجلس الأمن القومي الأميركي لعام
2000، أي قبل أي
حديث عن تهديدات برنامج إيران النووي بنحو أربع سنوات، أن الصراع
حول بحر قزوين يمكن أن يصل إلى حد النزاعات المسلحة، وربط التقرير بين
بحر قزوين في الشمال والخليج العربي في الجنوب كنقطتي حصار لإيران،
وأشار التقرير إلى ضرورة الاهتمام بأذربيجان كنقطة انتشار للقواعد
والقوات العسكرية الأميركية في البحر وعلى اليابسة نظراً الى موقعها
بين روسيا وإيران، وأن أذربيجان على خلاف كبير مع إيران بسبب دعم
وتأييد طهران أرمينيا في نزاعها ضد أذربيجان حول إقليم ناغورني
كاراباخ. |