الدين تجارة رائجة في انتخابات الرئاسة الامريكية لعام 2008

 شبكةالنبأ: الغريب ان مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الامريكية لعام 2008، وهم الورثة الطبيعيون للمد الديني المحافظ  يجدون صعوبة جمة في التعامل مع قضية الدين وتوضيفها لصالحهم الانتخابي.

وأصبحت مسألة العقيدة قضية مثارة وبشدة على صعيد الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية القادمة. وبات المرشحون، سواء كانوا جمهوريين او ديمقراطيين باتوا يعلنون بمنتهى الصراحة والوضوح عن انتماءاتهم الدينية، الامر الذي لم يكن يحدث بهذا التركيز من قبل. 

وفي تقريرلـ(موقع واشنطن)، لم يعد جورج دبليو. بوش هو المرشح الوحيد الذي يتحدث بإسهاب عن الدين في حملاته الانتخابية – كما فعل منذ سبع سنوات حينما أفصح في إحدى المبارزات الصحفية عن حبه الشديد للمسيح واعتباره الفيلسوف الأول في العالم – وإنما بات الأمر ظاهرة لافتة للانتباه. فالذي يبدو الآن، هو ظهور جميع المرشحين للرئاسة الأمريكية القادمة في ثوبٍ ديني غير مُعتاد، بل وغريب على الفكر السياسي الأمريكي خاصةً، وعلى الفكر السياسي الغربي عامةً؛ حيث يتصف كلاهما بالعلمانية الواضحة.

 الديمقراطيون يلبسون ثوباً دينياً

"هيلاري كلينتون" و"باراك أوباما" – النائبان الديمقراطيان بمجلس الشيوخ – قاما باستدعاء خبراء في الإستراتيجية، يُلقنون كلاً منهما فنون جذب الناخبين المتدينين. بالنسبة لحملة "أوباما"، فإنها تعقد مؤتمراً على نحو أسبوعي، يضم أهم المؤيدين لـ أوباما في الولايات الأمريكية، حيث تتركز مهمتهم في نشر رسالته وسط الزعماء الدينيين ورواد الرأي.

يستهدف الديمقراطيون، بوجهٍ عام، الكاثوليك الرومان المعتدلين، إضافةً إلى الخط الرئيسي في التيار البروتستانتي. حتى الإنجيليين باتوا من ضمن المُستهدفين لصالح المرشحين الديمقراطيين. وهو أمر منطقي؛ فالديمقراطيون يسعون إلى حصد أكبر عدد من الناخبين المتدينين، أو ذوي الاهتمامات الدينية والأخلاقية في المقام الأول.

ومن ثم، فليس من العجيب أن يقوم كل من كلينتون وأوباما وجون إدواردز (الممثل الأسبق لولاية نورث كارولينا بمجلس الشيوخ) بإعداد المحاضرات لمخاطبة الإنجيليين الليبراليين؛ ومنها المحاضرة التي ستُعقد هذا الأسبوع بأحد المنتديات الانتخابية تحت عنوان العقيدة، القيم، الفقر.

والغريب أن مرشحي الحزب الجمهوري – وهم الورثة الطبيعيون للمد الديني المحافظ – يجدون صعوبةً جمة في التعامل مع قضية الدين. فنذكر على سبيل المثال "ميت رومني" (حاكم ولاية ماساشوتيس الأسبق) الذي سُئل كثيراً حول طبيعة اعتقاده المرموني Marmon faith، فلم تكن لديه إجابة شافية، خاصةً بعد نتائج استطلاع الرأي التي أبرزتها مؤسسة "جالوب" في مارس 2007؛ إذ  عكست نوعاً من الاستياء الأمريكي تجاه ذلك الاعتقاد؛ فقد صوت حوالي 46% من المشاركين في الاستطلاع بآراء سلبية إزاء الاعتقاد المرموني. وهو الأمر الذي أجبر العُمدة السابق على أخذ خطوة مخالفة لنهج جميع المرشحين؛ وهي تأكيده على ترشيح نفسه لمنصب علماني.

لقد صار الدين عنصراً أساسياً في السياسة الانتخابية للرئاسة الأمريكية. وليس أدل على ذلك مما حدث في المناظرة التليفزيونية الأولى التي جمعت المرشحين الجمهوريين، إذ قام صحفي بتوجيه سؤالٍ لهم حول مدى قناعتهم بنظرية التطور – وهي النظرية المخالفة للإنجيل. فقام ثلاثة مرشحين بالرد السلبي تجاه تلك النظرية؛ وهم السيناتور سام برونباك (سيناتور ولاية كانساس)، مايك هوكابي الحاكم السابق لولاية أركانساس، وعضو الكونغرس "توم تانكريدو" (عن ولاية كولورادو). 

"معظم الأمريكيين ينظرون إلى الدين باعتباره ركن أساسي في حياتهم؛ وهم شغوفون حقاً بكيفية تأثير التدين على المُرشحين. هذا ما أكده جون جرين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكرون بولاية أوهايو، ويقول مُستكملاً: "ما يعتبر جديداً في العملية الانتخابية هذه المرة، هو نزوح عدد كبير من المرشحين الديمقراطيين نحو التحدث عن معتقداتهم، ونحو تنظيم حملاتهم الانتخابية بشكلٍ يغازل الناخبين المتدينين".

 تناول الدين لم يعد حكراً على الجمهوريين

في الحملات السابقة، كان الجمهوريون محتكرين صوت الناخب المتدين المحافظ. ففي انتخابات 2004، خسر المرشح الديمقراطي جون كيري (السيناتور عن ولاية ماساشوتس) صوت الناخب الكاثوليكي، على الرغم من كون كيري كاثوليكياً في الأصل؛ حيث حصل على 47% من أصوات الناخبين الكاثوليكيين، بينما حصل بوش على 52%. وبالنسبة لأصوات الناخبين الإنجيليين، فقد حصل "بوش" أيضاً على نصيب الأسد (72%)، بينما حصل كيري على 21%.

أما الآن، فإن الديمقراطيين يتحدثون بمنتهى الطلاقة حول المعتقدات الدينية. ففي مارس 2007، أفصح المُرشح الديمقراطي إدواردز لموقع  بيليفنيت.كوم"  Beliefnet.comبأن السيد المسيح قد يتأذى من تجاهل الولايات المتحدة، حكومةً وشعباً، لآلام المسيح ومعاناته.

أرى أن السواد الأعظم من الأمريكيين يبحثون عن إنسانٍ ذي أخلاق كريمة، ليكون رئيساً لهم". هذا ما أكده إدواردز في حوارٍ أجرته معه الأسوشييتيد بريس.

"الناخبون المتدينون جائعون؛ هم في أمس الحاجة إلى محادثة حقيقية حول الموضوعات الأخلاقية الكبيرة الحاصلة في وقتنا هذا". هكذا عبر جيم واليس – رئيس "مؤسسة دعوة للتجديد أو Call to Renewal – عن طموحات الناخبين الأمريكيين من وجهة نظره. وتعتبر تلك المؤسسة من المؤسسات الإنجيلية الناشطة في إقامة المنتديات التي تتعلق بالمرشحين المنتخبين، والتي تتحدث عن الدين والسياسة.

 وقد يلوم الديمقراطيون أنفسهم اليوم على تجاهلهم لشأن الدين في أجنداتهم. فها هو السيناتور الديمقراطي الكاثوليكي "كريس دود" الذي خاطب منتدى بجامعة بوسطن في أبريل 2007 قائلاً: لقد أحدث الديمقراطيون "خطأًً فادحاً في السنوات المنصرمة"؛ وذلك من خلال تغاضيهم عن تناول شأن الدين، وكيفية تأثيره على مواقفهم السياسية.

وفي نفس المنتدى، أفصح براونباك – كاثوليكي منذ عام 2002 – قائلاً: صحيح أن الاعتقاد الديني لا يشكل كل قراراتك السياسية، إلا أنه من المستحيل إقصاؤه بعيداً...فهو ببساطة جزء أساسي من القاعدة القيمية.

 وفي عام 2006، قام المرشح الديمقراطي أوباما بتوجيه النقد إلى زملائه الديمقراطيين الذين فشلوا في إدراك قوة العقيدة وتأثيرها على حياة الشعب الأمريكي؛ ناصحاً الحزب الديمقراطي بضرورة العمل الجاد لكسب تأييد الإنجيليين، بل جميع الذين يرتادون الكنائس بانتظام. ليس كل ما يُقال حول الإله، على المستوى العام، نقضاً للفصل (بين الدين والدولة). فالمضمون هو المعيار.

ومن الغريب، أن يقوم بعض مرشحي الجمهوري – من الوزن الثقيل – بالإعراض عن المناقشات العامة المتعلقة بمعتقداتهم الدينية. "أنا لا أعتقد أن يقوم رجل مثلي – يسعى للحصول على منصب علماني – بالحديث عن أمورٍ تخص عقيدته الخاصة، أو الحديث عما يراه أخلاقي أو غير أخلاقي". لقد صدرت هذه الكلمات عن المرشح الجمهوري "رومني"؛ وذلك في أثناء رده على سؤالٍ وجهته له الـAP الأسوشييتيد بريس عن رأيه في الشذوذ الجنسي.

وها هو جولياني – المرشح الجمهوري –  الذي امتنع أيضاً عن تناول شأن معتقداته الدينية. إن علاقة رجل الدولة بربه أمر خاص"؛ هكذا كان رد جولياني على الأسوشييتيد بريس. إلا أنه لم يخف موقفه من قضية الإجهاض؛ خاصةً بعد إقرار البابا الكاثوليكي بينيديكت السادس عشر بموافقته على موقف السياسيين الكاثوليك الموالين للإجهاض في مدينة المكسيك العاصمة.

 أهمية الكتلة الكاثوليكية

ينتمي سبعة من المرشحين الـ18 للرئاسة الأمريكية القادمة إلى الديانة الكاثوليكية. هؤلاء السبعة يضمون ثلاثة جمهوريين وأربعة ديمقراطيين؛ واللافت للنظر، أن كل المرشحين الديمقراطيين الكاثوليك يؤيدون حقوق الإجهاض. وتأييد حقوق الإجهاض لن يؤذي بالضرورة المُرشحين الطامعين في الأصوات الكاثوليكية؛ فالكاثوليك في النهاية يؤيدون الإجهاض المُشرع أو المُقنن في معظم الظروف. وقد أظهر استطلاع انتخابات 2004، تصويت نسبة كبيرة منهم (%43 – %53) لصالح تشريع الإجهاض.

ومن ثم، يمكن القول:إن الكاثوليك يقعون في منطقة وسطى. فقد يستفزهم الجمهوريون في موضوعات مثل الإجهاض والزواج المثلي؛ إلا أن الديمقراطيين يُعتبرون الأكثر قرباً لاهتماماتهم وتعليماتهم التي تدعو إلى الرعاية الصحية للفقراء، والتي تدعو إلى سياسات الأمن الاجتماعي. هذا ما أكده كليد ويلكوكس، الأستاذ في جامعة جورجتاون، والمؤلف لكتب كثيرة حول السياسة والدين. إن الكاثوليك يمثلون كتلة متأرجحة بين الحزبين؛ فهم لا ينتمون إلى حزبٍ بعينه...ومن ثم، فهم يعتبرون كتلة انتخابية في غاية الأهمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس21 حزيران/2007 -5/جماد الاخرى/1428