شبكة النبأ: استمرارا لسلسلة "تاريخ
كربلاء" التي تناولناها في ما مضى نجد ان كربلاء تشكل في تاريخ العراق
مقاماً خالداً ومكانة جد رفيعة ذلك أنها مقام سيدنا الحسين وسيدنا
العباس عليهم السلام، وباقي الرجال الطاهرين، وكون المدينة هي مركز
تاريخي للعلم والأدب والشريعة والشعر، حيث بقيت على مر العصور رمزاً
للبطولة التي بدأها الامام الحسين (ع) وأصبحت بهذا مدينة النور.
فالداخل إلى كربلاء نهاراً والشمس تسطع على القباب الذهبية يخيل
إليه انه في عالم من البهجة والسرور والداخل إليها ليلاً وهي تتلألأ في
الضياء ويشع منها نور سرمدي كأنه في عالم آخر من ضياء لا نهايات له،
وهكذا كربلاء ضياء وأدب شعر وعلم ورجولة.
وكربلاء ذات القباب الذهبية ينتشر فيها مئات من الجوامع الصغيرة
والكبيرة التاريخية وتحيط بها البساتين الغناء من كل جوانبها ويخترق
هذه البساتين نهر الحسينية الذي يتفرع من فرات الخير.
وكربلاء اسمها يعني من العهد البابلي كور الآلهة وكربلاء عن ياقوت
الحموي وتعني الرخاوة في القدمين أو رخاوة التربة في الإنبات والزرع
وعند آخرين تعني النبات الأحمر وقد ذكرها الزبيدي في تاج العروس ولسان
العرب لابن منظور والصحاح للجواهري وابن بطوطة في رحلته.
والأسواق في كربلاء تأتي في اول الأهمية عند الزائرين بعد اداء
مراسيم الزيارة للائمة الطاهرين حيث يتجه الزائر اليها ليجد الأزياء
الشعبية والتراث، وكون كربلاء مدينة قديمة وتاريخية فان الصناعات فيها
قديمة والأزياء متنوعة ومنها الصبي والدشاديش والعكل واليشاميخ والنعل
ذات الإصبع والجلديات وأنواع الخضروات والفواكه والمطاعم ذات النكهة
الخاصة من الكباب والخبز أبو السمسم وأنواع المخللات ذو الطعم
الكربلائي الخاص وأنواع الحلويات التي تصنع في كربلاء.
لقد كانت كربلاء في قلب تطوير النهضة الثقافية في العراق وكانت في
طليعة الحركة الفكرية وكانت من أوائل المدن العراقية في إنشاء مدارس
العلم والفقه والتشريع خلال كل مراحل عصور العراق القديم منه والحديث
ولقد أنجبت رجالاً من الشعراء والأدباء قد حذقوا العربية لغة ونحوا
وأدباً ولقد سكن في كربلاء قرب المرقد الشريف لسيدنا الحسين وكانت لهم
مدارس في العلوم الفقهية واللغوية قد أغنت العالم العربي والإسلامي
وكانت الرحالة (ديولافوا) قد ذكرت مدينة كربلاء عام 1881 بأنها جامعة
دينية وثقافية يسكنها طلبة من جميع أنحاء العالم للدراسة ويقضون كل
حياتهم فيها يتعلمون ويعلمون الأدب والدين.
ولقد أنشئت في كربلاء مئات المكتبات الكبيرة والمطابع التي أصدرت
آلاف الكتب في اللغة والأدب والدين ومن هذه المكتبات:
1) مكتبة الامام الحسين في المشهد نفسه وفيها الآلاف من الكتب
والمجلدات المطبوعة والمخطوطات ومنها مصحف شريف بخط الإمام زين
العابدين بن الحسين ومصاحف مذهبة ونفائس ثمينة أدبية وتراثية.
2) مكتبة السيد نصر الله الحائري وفيها الكثير من الكتب والمجلدات
الثمينة.
3) مكتبة الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين وفيها الكتب التاريخية
والأدبية ومنها مخطوط نادر من كتاب العين للفراهيدي.
4) مكتبة السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة.
وهناك آلاف من المكتبات ومنها مكتبة الصحاف والمكتبة الإسلامية
وهاتان المكتبتان أسستا في أيام الحرب العالمية الأولى.
وهناك المكتبة العلمية التي أسست سنة 1925 ومكتبة الفرات أسست سنة
1930 والمكتبة العصرية والمكتبة الأهلية والسعادة والسلام والفرح
وعشرات غيرها من المكتبة وكلها أسست سنة قبل سنة 1960 كما إن هناك كتاب
موجودة في المكتبات وخاصة في المكتبة الخاصة بالروضة الحسينية ومن
الكتب النادرة فيها مثلاً تهذيب ابن أبي إسحاق في الفقه يعود لسنة
469هـ ورسالة في القضاء والقدر للسيد المرتضي علم الهدى يعود لسنة
574هـ وتفسير الكشاف للزمخشري يعود إلى سنة 966هـ وأصول الكافي للكليني
مسوغ على ورق الرق يعود إلى سنة 1069هـ وشرح وتعليق على كتاب لفقه
الاستلالي يعود إلى سنة 803هـ ونهج المسترشدين في شرح نهج البلاغة
وتهذيب الأصول في علم الأصول للعلامة الحلي.
والمكتبات العامة وحتى الخاصة مفتوحة لطلاب العلم والأصول وقد قرأت
عن أبي يوسف البغدادي يعكوب القيس إن هذه المكتبات كانت عوناً لمن يريد
أن يكتب أو يزاد علماً وقال إن جرائد كثيرة كانت قد صدرت ومنها الاتفاق
لصاحبها مرزا علي الحائري وصدرت سنة 1916 والغروب لصاحبها عباس علوان
الصالح وصدرت في سنة 1935 والندوة وصاحبها المحامي محمد مهدي آل طعمة
وصدرت سنة 1941 والأسبوع أدبية جامعة والقدوة أسبوعية لصاحبها رحيم
الكيال صدرت سنة 1951 ورسالة الشرق لصدر الدين الشهرستاني صدرت سنة
1954 وشعلة الأهالي والمجتمع وغيرها.
أما المطابع التي أسست في كربلاء يحدثنا يعكوب البغدادي أبو يوسف
الشبلي يقول من أول
المطابع المطبعة الحجرية وهي من أقدم المطابع التي أنشئت في كربلاء
وأسست وأنتجت سنة 1956م ومطبعة الحسيني لصاحبها محمود المظفري أنشئت
سنة 1910 ومطبعة الشباب سنة 1935 والثقافة سنة 1941 والطف 1941 ومطبعة
أهل البيت ومطبعة كربلاء.
لقد ساهمت هذه المطابع في انتشار وازدهار الحركة الأدبية والشعرية
والسياسية في كربلاء ولو رجعنا إلى التاريخ لكربلاء لرأينا أن معركة
كربلاء عام 61هـ والتي استشهد فيها الامام الحسين(ع) وأهل بيته الأطهار
تبقى أهم حدث في تاريخ هذه المدينة المقدسة، ولكن حدث في سنة 369هـ
972م إن قام (ضبة) بالهجوم على كربلاء ونهب التحف والمجوهرات وأراد أن
ينتهك حرمة المرقد الشريف واعتدى على الأهالي فقتل خلق كبير من الناس.
ووصلت الأخبار إلى بغداد وأرسلت سرية عسكرية إلى منطقة عين تمر
والتي تركز فيها ضبة وجماعته وعند وصول العسكر هرب وترك أمواله ونجى في
نفسه هارباً.
وفي سنة 489هـ 1092م أغار على كربلاء بعض العصاة وعملوا الفساد
والسلب والنهب وعندما علم سيف الدولة أمر أن يتوجه القائد صرفة بن مزيد
الاسدي صاحب الحلة على رأس حملة عسكرية وقد تم قتل وأسر العصاة وتم
تطهير المدينة من شرورهم وحدثت معركة بين أحمد الجلائري مع جيش
تيمورلنك سنة 826هـ 1406م دارت المعركة في صحراء كربلاء وقد خسر
المعركة الجلائري وسحق جيشه.
وحدثت غارة من المشعشعي سنة 900هـ 1480م على كربلاء وقتل ناس عديدين
ونهبوا وسلبوا ما في داخل الحرمين وحدثت غارة قام بها آل المهنا حيث
قام سنة 1604 الملك ناصر شاه بالهجوم على الحامية العثمانية في كربلاء.
وحوادث متفرقة منها حادثة عناضور وواقعة القنطرة وواقعة الهيابي
وواقعة الاطوب وواقعة المخيم كل هذه الحوادث والوقائع كان أهل كربلاء
يقتلون بها وتنهب أموالهم وهناك حوادث أخري منها حركة هدلة 1293هـ
1872م وحادثة حمزة بيك 1333هـ 1914م وحركة حزيران 1915م.
كما إن كربلاء كانت دائماً في قلب الأحداث منذ الفتح الإسلامي
للمدينة مروراً في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية حتى سيطر
الإنكليز على العراق، إلا إن كربلاء قد أسهمت في القسط الأمر والأعم في
ثورة العشرين وكانت مركز رئيس لهذه الثورة الخالدة ومن زعمائها الأبطال
عمر العلوان العواد ومحمد مهدي المولوي ومحمد علي الطباطبائي ومحمد أبو
الحب وطلفيح الحسون وعلوان الياسري وقاطع العوادي وهادي زوين ومحمد رضا
الصافي ومحسن أبو طبيخ وعبد الواحد سكر ومجبل آل فرعون ومرزوك العواد
وغثيث الجريان وشعلان أبو الجون رجال لها ومن الجنوب مسهمون في ثورة
العشرين كما عقدت على أرض مدينة كربلاء الاجتماعات ضمت مندوبا من النجف
هو الشيخ عبد الكريم الجزائري ومن بغداد جعفر أبو التمن اجتمعوا إلى
محمد تقي الحائري في تنظيم الثورة فمدينة كربلاء كانت دائماً المسهمة
والداعية والعاملة.
معاهدة 1930
بعد استقالة وزارة ناجي السويدي زاد سخط الناس وتحركت مشاعرهم على
معاهدة 1930 وضرورة إلغائها وعقد في جامع الحيدر خانة في بغداد في
تاريخ 21 آذار 1930 مؤتمرا ألقيت فيه الخطب ضد المعاهدة وأرسلت وفود من
كل أنحاء العراق إلى بغداد ومثّل مدينة كربلاء وفد كبير، وقد عقد في
كربلاء مؤتمر يندد بالمعاهدة في 5 كانون الثاني 1931 وتداول المجتمعون
حول المعاهدة التي حضرها جمع من الشخصيات السياسية العراقية من كل
العراق ونظمت مضبطة تناهض المعاهدة وتسعى إلى إسقاطها ووزارة نوري
السعيد وحل مجلس النواب في حينه.
مدارس كربلاء
أسست مدارس كربلاء الفكرية لتواكب الحركة الفكرية التي سادت كربلاء
منذ سنة 1180هـ وكان لها دور بارز وكبير في نشر الوعي الثقافي بين
الناس في المحافظة وفي جميع المجالات وقد كانت هذه المدارس القاعدة في
ما بعد في بروز شعراء وأدباء كان لهم باع طويل ليس على صعيد العراق
إنما على صعيد العالم العربي كله وفي هذه المدارس مدرسة حسن خان وتأسست
سنة 1180 هـ ومدرسة عبد الكريم وتأسست 1287 ومدرسة مجاهد ومدرسة البقعة
ومدرسة المهدية الخصيب أسست 1937 وكان هناك عشرات المدارس الأخرى والتي
كانت بارزة.
كربلاء في ذاكرة المؤرخين والرحالة
ذكر كربلاء العديد من المؤرخين وزارها العديد من الرحالة الأجانب
والعرب ودونوا ما شاهدوه عنها في كتبهم وأسفارهم فقد ذكرها ابن بطوطة
وابن حوقل نصيبي والقاضي نور الدين وعباس المدني والرحالة البرتغالي
بيدرو والرحالة الألماني كارستن نيبور وعالم الآثار الإنكليزي وليم كنت
لوفتس والرحالة ديولافو والرحالة جون بيترز ويمكن استعراض بعض الأمور
لكل من الذي ذكرناه من إيجاز فالرحالة جون بيترز زارها سنة 1890 وكان
من أمريكا ولاية بنسلفانيا وكان على رأس بعثة للتنقيب في العراق وكتب
عنها إن سكان هذه المدينة يقدرون في ذلك الوقت في (60) ألفا ولكنها
بلدة عامرة ومزدهرة ولها سور كبير وشوارع جيدة وواسعة ولها أبواب في
أسوارها وفيها جباية المكوس وفيها بساتين عامرة وبيوت بعض من أبنائها
شامخة أما مرقد الحسين بن علي فهو كبير وعامر.
أما ما ذكر عنها عن لسان مدام ديولافو فقد زارتها سنة 1881 قالت إن
كربلاء مدينة دينية وفيها مدارس كبيرة وان ابنهما لهم تحصيل دراسي ديني
ويقدم الزائرين لها أموال عن طيب نفس ومحبة وقد يتبرعون لها بالسجاجيد
الفاخر والأثاث الثمينة. أما عالم الآثار البريطاني وليم فقد زارها سنة
1853 فقد رأي إن سورها وبعد منازلها قد تهدمت جراء حادثة نجيب باشا وما
حل في المدينة من آثار المعارك التي حدثت في داخلها ولم يسلم حتى
بساتينها من التدمير ولكن إن المدينة مازالت حية وعامرة وذكرها الرحالة
الألماني كارستن حيث زارها سنة 1765 وكانت بيوتها أغلبها من طين ولكن
البلدة محاطة في سور ولها خمسة أبواب وقد زارها الرحالة عباس المدني في
1200 وصفها بأنها بلدة جنة كلها بساتين ونخيلها باسقات ومائها عذب
وفواكهها كثيرة وأهلها كرام وذكر أن مؤرخين عربا كيرين قد ذكروها له
وتحمس لزيارتها كما إن القاضي نور الدين قد زارها في القرن العاشر
الهجري.
وقال عنها إن مشهد كربلاء من الداخل والخارج سواء سور كبير وشوارع
نظيفة وماء عذب وبساتين غناء وان فضيلة تربتها عظيمة وزيارة المرقد
المقدس المنور الحسيني من الواجب الديني.
أما ابن حوقل فقد وصف كربلاء وقبر الحسين(ع) وقال إن زيارتها من
السنّة المتداولة. أما ابن بطوطة فقد زارها سنة 726 هجرية ووصفها قال
أنها الجنة على الأرض والمشهد الحسيني فيها يزيدها جمالاً ورونقاً وهي
مدينة جميلة ومقدسة وفي الضريح المقدس مناديل من الذهب والفضة وعلى
الأبواب ستائر من الحرير والسكان فيها كلهم من الإمامية وفيها مدارس
عظيمة تدرّس الدين، والمدينة تسقى من الفرات.
شخصيات زارت كربلاء
1 ـ الخليفة العباسي المغني بالله سنة 553 هجرية.
2 ـ الخليفة العباسي المستنصر بالله سنة 664 هجرية.
3 ـ الملك الناصر الأيوبي سنة 665 هجرية.
4 ـ السلطان العثماني مراد الرابع سنة 1638 ميلادية.
5 ـ سليمان القانوني السلطان العثماني 1534 ميلادي.
وقد زارها العديد من زعماء العراق والعالم وعلى رأسهم الملك فيصل
الأول سنة 1921 والملك غازي الأول 1937 والملك فيصل الثاني سنة 1956
وعبد الكريم قاسم رئيس وزراء سنة 1959 وغيرهم.
كربلاء في كتب التاريخ
معجم البلدان ياقوت الحموي والأغاني لأبي فرج الأصفهاني وتاريخ
الطبري والبداية والنهاية لابن كثير ومروج الذهب للمسعودي ومقاتل
الطالبيين وتاج الفروس للزبيدي والصحاح للجواهري وتاريخ ابن خلدون
ولسان العرب لابن منصور وشذرات الذهب ووفيات الأعيان لابن خلكان والعقد
الفريد لا بن عبد ربه وتجارب الأمم لابن مسكوبة وصورة الأرض لابن حوقل
والمختصر لأخبار بن البشر والكامل بالتاريخ لابن الأثير والمنتظم لابن
الجوزي ورحلة ابن بطوطة ومقدمة ابن خلدون والبحار للمجلسي وتاريخ
الخلفاء للسيوطي وتاريخ الخلفاء لابن قتيبة الدينوري والعراق قديماً
وحديثاً للحسني وتاريخ الإسلام للذهبي وظهور الإسلام لأحمد أمين وتاريخ
العراق بين احتلالين لعباس العزاوي وأحداث ثورة الحسين لكاظم الذهبي
وحكم المماليك لعلاء موسي نئورس وعشرات من الكتب.
أهم الأحداث التي تعرضت لها كربلاء
- من النشوء حتى ثورة العشرين –
لا يمكن لأي منصف يتعرض إلى الإرث الثوري في الإسلام أن يتجاهل ذكر
اسم كربلاء الذي أحيط بالفخار والإعجاب إذ اقترن كل حرف من اسمها
بملحمتها التاريخية التي وقعت في العاشر من شهر محرم الحرام سنة (61هـ)
وراح شهيداً لها بطل الإسلام الإمام الحسين(ع)..
وأبيد معسكره عن بكرة وجوده بكامل محاربيه. لكن كربلاء لم تقف عند
ذاك الحدث الجلل بل تعدى بها الزمان لتشهد فصولاً أخرى أضيفت لتاريخها
الناصع في الصمود والإيمان عند شيعة النبي (ص) والإمام علي (ع).
عرف التاريخ مدينة كربلاء قبل أن تعصف أجواءها ملحمة يوم عاشوراء
وبديهي فليس من
اليسير استيفاء البحث عن كل تاريخها بصورة مسهبة، وذلك لقلة المصادر
وشحة وثائق التاريخ المدون عنها كي يعول الأمر عليها وعلى أية حال
فالتوصل إلى معرفة كل تاريخ كربلاء القديم ليس سهلاً كما هو الحال مع
أي مدينة غائرة في القدم وهذا جزء ملخص من تاريخ كربلاء:
* في سنة (14هـ) فتحت كربلاء على يد القائد خالد بن عرفطة وكان ذلك
بعد ظهور الإسلام كما معروف.
* وفي أواخر سنة (36هـ) نزل الإمام علي (ع) كربلاء أثناء مروره إلى
صفين حيث الذهاب لمحاربة معاوية إذ أقام بها يومه وليلته.. وإذ نظر إلى
شاطئ الفرات... بكى علي (ع) بكاءً شديداً حتى اخضلت لحيته بدموعه،
وسالت الدموع على صدره، ثم جعل يقول! أواه! مالي ولآل أبي سفيان! ثم
ألتفت إلى الحسين (ع) فقال: (أصبر ابا عبد الله! فلقد لقي أبوك منهم
مثل الذي تلقى من بعدي).
* وفعلاً فقد شهدت كربلاء أفجع واقعة في التاريخ وذلك سنة 61هـ حيث
أريق دم الإمام الحسين (ع) الزكي في أرض الطف.
* في سنة (65هـ) قصد كربلاء التوابون وهم جماعة من أهل الكوفة يقارب
عددهم
(4000) رجل بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي يطالبون بثارات الإمام
الحسين(ع).
* في أواخر سنة (65هـ)... لما استتب الأمر للمختار أوعز إلى محمد بن
إبراهيم الاشتر أن يسير إلى كربلاء ويشرف على بناء مسجد لإيواء
الوافدين والقاصدين إلى زيارة القبر... وبذا فقد وضع المختار الحجر
الاساس في تعمير كربلاء.
* لم ينقطع المسلمون المحبون عن زيارة قبر الحسين (ع) في كربلاء
طيلة حقبة الخلافة العباسية رغم المصاعب السياسية وإن كانت الزيارات
تكثر أو تقل بين عهد خليفة عباسي وآخر.
* ... كان فتح بغداد للمرة الأولى على يد تيمورلنك في سنة (795هـ).
* غارات الوهابيين على كربلاء بحسب ما ذكره المؤرخين ومنهم (صلاح
الدين المختار الذي ذكره في كتابه تاريخ المملكة العربية السعودية في ص
73 ما يلي: (أنه في سنة1216هـ سار الأمير سعود على رأس قوات كبيرة
جمعها من نجد والعشائر والجنوب والحجاز وتهامة وغيرها، وقصد بها
العراق) وتمكن جماعة من هذه القوة من الوصول إلى بلدة كربلاء في شهر ذي
القعدة من هذه السنة وحاصروها... وقتلوا أكثر أهلها في الأسواق والبيوت
وخرجوا منها قرب الظهر ومعهم أموال كثيرة.
كما نقل عن المؤرخ الشيخ عثمان بن بشير النجدي تفصيل هذه الحادثة.
* من الحوادث الشهيرة التي مرت على كربلاء أيضاً حادثة سميت
بـ(المناخور) التي وقعت
في عهد داود باشا سنة 1241هـ واستمر حصارها حتى سنة 1244هـ. وفي
كتابه كربلاء في التاريخ نقل السيد عبد الرزاق الوهاب في المجلد (3)
وعلى الصفحة (99) تفاصيل تلك الحادثة بإسهاب مبيناً أسبابها ودوافعها.
* والحادثة المسماة بـ(حادثة نجيب باشا) التي ترويها أسفار
التاريخ.. تفيد أن أوارها قد نشبت يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر
ذي القعدة سنة 1258هـ ضد الطاغية الوالي المشير محمد نجيب باشا، وقد
ورد ذكر هذه الحادثة بشكل موجز في كتاب شهداء الفضيلة، لمؤلفه (عبد
الحسين بن أحمد الأميني).
* في ليلة النصف من شعبان سنة 1333هـ، هاجمت جماهير غفيرة من الناس
والعشائر والفارين من الجيش دور الحكومة... وثكنة الجند وثكنة الخيالة
الجندرمة، وأحرقوا بلدية كربلاء وأخرجوا المسجونين... وتم استيلاء
الثوار على البلدة، وفي سنة 1344هـ عادت الحكومة وبسطت سلطتها على
المدينة مرة أخرى.
* في سنة (1338هـ - 1920م) اندلعت الحركة التحررية الاستقلالية في
العراق التي دعت للتصدي ضد الاحتلال البريطاني وفي كربلاء اندلعت
المقاومة وكانت سبباً لتأجيج نار الثورة لتعم سائر المدن العراقية
وخاصة في منطقة الفرات الأوسط
التاريخ يعيد نفسه: مجزرة الوهابية
في كربلاء عام 1802م/1216هـ
اسند عبدالعزيز الى ابنه سعود قيادة الحملات العسكرية والفتوحات،
وبدوره لفت انظار العالم اجمع حين اقدم فجأة عام 1802م على مهاجمة
كربلاء(1) المدينة المقدسة عند الشيعة حيث مسجد الحسين وقبره الحاوي
لكنوز الاتراك والفرس، ولم يكن التبجيل لهذا المقام من قبل الشيعة الا
مبالغات غير جائزة عند الوهابيين.
وبعد حصار لم يستمر طويلا فتحت المدينة وتساقط القتلى من جميع
الاعمار في الشوارع والبيوت، وهدم قبر الحسين وسلبت الجواهر التي كانت
تزينه واقتسمها المحاربون كما اقتسموا كل شيء في المدينة(2).
و قد أثار هذا العمل سخط العالم اجمع من عرب واتراك وفرس وغيرهم.
بعد ذلك حين اتم سعود مهمته عاد الى عاصمة الدرعية محملا بالغنائم
الثمينة ليحظى بتأييد والده وشعبه!.
الا ان ذلك النصر قد جر فيما بعد لعواقب وخيمة وذهب والده الملك
عبدالعزيز ضحية للك، فقتل اثناء تأديته الصلاة في الثامن عشر من رجب
عام 1288هـ، وكان "القاتل" يقصد سعود بالذات انتقاما لما فعله في
كربلاء فقد كان من سكانها وشهد بأم عينيه ذبح الابرياء ومنهم زوجته
واطفاله فأقسم على الانتقام.
وفي رواية اخرى ان القاتل كان كرديا وسني المذهب وليس له اي مأرب
ديني من عمله"(3). بينما يرد في كتاب تاريخ كربلاء:"ان مقتل عبدالعزيز
بن سعود الشيخ الهرم عام 1218هـ كان بتحريض من باشا بغداد وان القاتل
كان ملا افغانيا مقيما ببغداد وقد قتله انتقاما لابناءه المذبوحين في
موقعة كربلاء(4).
ويقول كتاب "تاريخ العربية السعودية" عن حادثة تدمير ونهب كربلاء
مايلي:
اختمرت لدى امراء الدرعية خطة الاستيلاء على كربلاء وفيها العتبات
المقدسة الشيعية التي يكرهونها، وخصوصا ضريح الامام الحسين حفيد النبي
محمد (ص). وحقق الوهابيون نواياهم في آذار 1802م(5).
اما المراجع التاريخية العربية، ومعها من الاوربيين فيلبي(6)، فتنقل
التاريخ الى العام التالي: آذار-نيسان 1802. والاساس المعتمد في ذلك هو
مصنف ابن بشر. وي}يد هذا التاريخ ابن سند (7) وج.رايمون (8) ومجلة
المنوعات الادبية (9). وجميع هذه المصادر قريبة زمنيا من الاحداث.
والقول الفصل بهذا الخصوص، هو لصالح عام 1802، وارد في تقرير وصل من
العراق الى سفارة روسيا في الاستانة وكتب قبل صيف 1803. فالشخص الذي
عاش آنذاك في العراق وتحدث شخصيا مع شهود عيان عن تدمير كربلاء من
المستبعد ان يخطيء لعام كامل بخصوص تاريخ هذا الحادث الهام (10).
و يقول كاتب التقرير:"رأينا مؤخرا في المصير الرهيب الذي كان من
نصيب ضريح الامام الحسين(ع) مثالا مرعبا على قساوة تعصب الوهابيين.
فمن المعروف انه تجمعت في هذه المدينة ثروات لاتعد ولا تحصى وربما
لايوجد لها مثيل في كنوز الشاه الفارسي.
لانه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الفضة
والذهب والاحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة...وحتى تيمورلنك
صفح عن هذه الحضرة. وكان الجميع يعرفون ان نادر شاه قد نقل الى ضريح
الامام الحسين وضريح الامام علي قسما كبيرا من الغنائم الوافرة التي
جلبها من حملته على الهند وقدم معه ثروته الشخصية وهاهي الثروات
الهائلة التي تجمعت في الضريح تثير شهية الوهابيين وجشعهم منذ امد
طويل.
فقد كانوا دوما يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم
لدرجة ان دائنيهم حددوا تسديد الديون في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق
فيه احلامهم.
وها قد حل هذا اليوم في الاخير وهو 20 نسيان 1802م. فقد هجم 12 الف
وهابي فجأة على ضريح الامام الحسين. وبعد ان استولوا على الغنائم
الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها اكبر الانتصارات تركوا كل ما تبقى
للنار والسيف...وهلك العجزة والاطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء
البرابرة. وكانت قساوتهم لا تشبع و لا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى
سالت الدماء انهارا... وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك اكثر من 4000
شخص... ونقل الوهابيون مانهبوه على أكثر من 4000 جمل (11).
وبعد النهب والقتل دمروا ايضا ضريح الامام الحسين وحولوه الى كومة
من الاقذار والدماء. وحطموا خصيصا المنائر والقباب لانهم يعتقدون بأن
الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من الذهب(12).
و كتب المؤرخ الوهابي ابن بشر عن هذا الحادث يقول: "سار سعود بالجيش
المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب
والحجاز ونهامة وغير ذلك وقصد ارض كربلاء...فحشد عليها المسلمون
وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب اهلها في الاسواق والبيوت.
وهدموا القبة الموضوعة على قبر الحسين. واخذوا مافي القبة وما حولها
واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت
والجواهر واخذوا جميع ما وجدوا في البلد من انواع الاموال والسلاح
واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه
الحصر ولم يلبثوا فيها الا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك
الاموال وقتل من اهلها قريب الفي رجل"(13).
.........................................................................
المصادر:
1. عن كربلاء يرد في التقارير البريطانية:"هاجم
الوهابيون كربلاء عام 1802، ودمروها بالكامل، ماعدا محلة العباس،
وعاثوا في قبر الحسين وقتلوا 5000 من اهلها وعلمائها، وترك هذا العمل
اثره في ذاكرة الفرس والعرب والاتراك ووجهت التهامات الى الاتراك لعدم
حمايتهم هذه القباب المقدسة".راجع سجلات مكتبة حكومة بومبي، رقم XXIV،
ص43. اما في كتب التراث الشيعي فيذكر لنا الدكتور عبدالله الكليدار في
كتابه "تاريخ كربلاء" ص223، ما نصه:"ان اعظم فاجعة مرت على كربلاء في
التاريخ هي غزو الوهابيين لها في 18 ذي الحجة، عام 1216هـ ويستشهد
باقوال المستشرقين و منهم الانكليزي المستر ستيفن هيمسلي لونكريك الذي
خاطب الرأي العام بصراحة وحرية في كتابه (اربعة قرون من تاريخ العراق)
طبع بغداد سنة 1941م، لمزيد من التفاصيل راجع الصفحات 223-226 من
الكتاب المذكور.
2. راجع: تاريخ نجد، فيلبي ص143.
3. راجع: تاريخ نجد، فيلبي، ص148.
4. راجع: تاريخ كربلاء، د.عبدالجواد الكليدار، ص329.
5. راجع: ابن بشر. عنوان المجد، ج1، ص121-122.
6. راجع: Philipy H. Saudi Arabia, p.93
7. راجع: تاريخ بغداد. عثمان بن سند البصري، ص28.
8. راجع: Raymond J.Les Wahabys.p16
9. راجع: مجلة المنوعات الادبية، 1805، مجلد2، ص25.
10. Rousseau J. Description.p72-75
11. راجع: يورد روسو في كتابه رقما اقرب الى
الحقيقة، وهو 2000 رأس من الابل. ص74.
12. راجع: ارشيف السياسة الروسية، "الديون"، 1803،
الاضبارة 2235، ص38-40.
13. راجع: عنوان المجد ابن بشر، ج1، ص121-122
[/ALIGN] |