شهدت محافظة كربلاء في الآونة الأخيرة خرقين أمنيين خطيرين تمثلا
في انفجارين ارهابيين استهدفا ارواح المواطنين الابرياء من سكان
المدينة وزوار الاضرحة المقدسة.
وفي الحقيقة ليس غريبا اخبار الانفجارات والسيارات المفخخة عن مدن
العراق كافة، ولكن الغريب ان تحدث هذه الانفجارات الكبيرة في كربلاء
والتي تشهد زخما وتركيزا امنيا ونجاحا نسبيا في مجال الحد من العمليات
والتفجيرات الارهابية طيلة الفترة الماضية.
لقد اثارت تلك الانفجارات وخصوصا الاخير موجة من السخط الشعبي على
الاجهزة الامنية والمسئولين في المحافظة، وكانت ردة الفعل العفوية وما
رافقها من اعمال عنف في موقع الانفجار وهجمات استهدفت ( دار الضيافة )
الخاص بكبار زوار المحافظة، خير دليل على هشاشة الخطط الامنية الموجهة
في حالات الطواريء والانزلاقات الناجمة عن الخروقات الارهابية، ان لم
نقل فشل تلك الخطط في مواجهة العمل الارهابي ذاته وفي مجال منع حدوثه،
في المقابل، ما زالت خطط امن وحماية المسئولين في المحافظة تسجل
نجاحات باهرة وسط افواج من الحمايات الخاصة بأعداد كبيرة وبتجهيزات
وتقنيات حديثة ومتقدمة وبأسوار عالية من الكونكريت الجاهز المحيطة بدور
ومكاتب من هم الادنى في سلم المسؤولية فكيف الحال بمن هم في قمة الهرم
على مستوى المحافظة !
هذا بالاضافة الى الطرق المؤمنة مسبقا والمواكب المحصنة التي تمخر
كل الشوارع الفرعية والرئيسية ذهابا وايابا وسط اطلاقات نارية تحذيرية
لابعاد العوارض التي من الممكن ان تعيق سيرها.
هذا البون الشاسع بين النجاح في حماية المسئول والفشل في توفير
الامن للمواطن البسيط وهو يسعى لكسب رزقه او ممارسة طقوسه الدينية،
وابتعاد ذلك المسؤول عن الناس وتقوقعه خلف الاسوار العالية سبب شرخا في
العلاقة بين تبوأ منصب المسؤولية وثقة المواطن بالشخص الذي يحمل على
عاتقه مسؤولية اداء واجبها.
ان حماية الامن الشخصي للمسئولين يعتبر من أولويات الامن الوطني،
لما يمثله سعي الجماعات الارهابية ومحاولاتها لاستهداف تلك الشخصيات
لغايات سياسية ودعائية تهدف من ورائها الى زعزعة النظام العام وعمل
مؤسسات الدولة والحكم.
ولكن الذي يحدث في الامر الواقع هو المبالغة في اجراءات امن وحماية
المسئول على حساب امن وحياة المواطن وبشكل واضح وبتكاليف عالية، خاصة
اذا ما علمنا ان عدد اعضاء مجلس محافظة كربلاء مثلا هو( اربعون عضوا)
يتمتعون بكافة الامتيازات ووسائل الحماية التي لو استثمرت بالشكل
الصحيح في مجال تأمين الوضع الامني للمحافظة لحققت نجاحات كبيرة على
الصعيد الميداني، وكل ذلك يؤثر على ميزانية المحافظة واداء وتخصيصات
مؤسسات الخدمة العامة التي تعاني من شلل شبه تام في تقديم الخدمات
الاساسية، بل ويؤثر على اداء المسئول الوظيفي ويبعده عن الاحتكاك
المباشر بالناس وسماع مشاكلهم وتفهمها والسعي لايجاد الاجراءات
المناسبة والكفيلة بحلها.
مرت أحداث كربلاء وحصدت معها مئات الضحايا الأبرياء واوجدت قناعات
جديدة على الصعيد الامني والميداني تتمثل بالحاجة الماسة والسريعة
لتغيير الخطط الامنية المطبقة والتي لم تحقق الامن والاستقرار
للمحافظة.
اضافة الى ان هذه الاحداث اثبتت الضعف في مجال التعامل مع الازمة
على الصعيد الميداني والاعلامي، فميدانيا لم تستطع القوات الموجودة رغم
استنفارها السيطرة على الوضع العام في موقع الحدث، واعلاميا فشل
السياسيين الموجودين في التعامل مع الحدث وادارته وحتى تبريره بالشكل
المرضي، فقد صرح رئيس مجلس المحافظة مبررا سبب الخرق الامني بنقص في
الكادر وقلة في التجهيزات، وهذا ما يتنافى مع الواقع المرئي من قبل
جمهور المحافظة فيما يخص ما متوفر في خدمة وحماية المسؤولين بالاعداد
والامكانيات الكبيرة.
كل ذلك يحتاج الى اعادة النظر في الكثير من الاجراءات والخطط
الامنية المتبعة في المحافظة والى ترسيخ المبدأ المعروف بأن المسؤول
مسخر لخدمة المواطن وليس العكس وهذا يشمل عموم العراق وبالخصوص
كربلاء.
* الناطق الرسمي لمنظمة العمل الاسلامي |