مستنقع العراق يغرق صقور المحافظين الجدد تباعاً

شبكة النبأ: ربما كانت قضية العراق في القرن الراهن نقطة عدمية مما وراء الزمن تشبه ان تكون ثقبا اسودا كما في العوالم الكونية حيث انها تبدو من الوجهة الانطباعية تتآكل رويدا رويدا ولكنها في الحقيقة الظاهرة تهضم الاجرام الكبيرة وتسبب الارتباكات والمشاكل.

بعد اربع سنوات على الاطاحة برمز الاستبداد والديكتاتورية في العراق والعالم العربي في اطار خطة المحافظين الجدد في الادارة الامريكية التي اطلقها الرئيس بوش باسم (الشرق الاوسط الكبير) لم يعد في البيت الابيض والسياسة الامريكية ابرز رموز دعاة الحرب على العراق، حيث تتداعى الواحد بعد الآخر ولم يتبق منهم الا ما يزيد على اصابع اليد الواحدة بعد خروج وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل وجون بولوتون واليوت ابرامز الى آخر القائمة. وأخرهم كان كروتش.

فقد أعلن نائب مستشار الأمن القومي جا. دي كروتش الثاني الذي شارك في اعادة النظر في سياسة البلاد تجاه العراق، وهو ما دفع الرئيس بوش الى ارسال مزيد من القوات الاميركية، علن استقالته، وبأنها ستكون اعتبارا من اوائل الشهر المقبل، ليصبح آخر المساعدين الذين يغادرون البيت في الأبيض في وقت حرج.

وكان كروتش وهو الرجل الثاني في مجلس الأمن القومي شخصية محورية في سلسلة من القضايا الصعبة، بما في ذلك افغانستان وكوريا الشمالية وايران وسياسة اعتقال المشتبه في مشاركتهم في اعمال ارهابية، وكانت الاجتماعات المشتركة التي نظمها بين العديد من الأجهزة الحكومية في البيت الابيض لعدة اسابيع في فصل الشتاء الماضي هي التي ادت الى زيادة القوات الاميركية في العراق، وهو ما اصبح قرارا اساسيا بالنسبة لبوش.

وفي مقابلة صحافية قال كروتش انه يغادر منصبه ليتفرغ لاسرته بعد 6 سنوات في الادارة الاميركية، وعبر عن ثقته بإن سياسة بوش فيما يتعلق ببناء الديمقراطية في العراق ونشرها حول العالم ستتحقق في النهاية، واوضح «اشعر بقلق بخصوصها، واعتقد انه من المهم التشكك دائما في معتقداتك، واسأل نفسك دائما عما اذا كنت في الطريق السليم. ولكني عندما انظر الى الأجندة التي اعدها الرئيس، اعتقد انها الأجندة الصحيحة، وسيؤكد التاريخ ذلك».

وتجدر الإشارة الى ان كروتش أصبح المسؤول الثاني الكبير الذي شارك في اعداد الاستراتيجية الجديدة بخصوص العراق قبل التأكد عما اذا كانت ستنجح ام لا، فمورغان اوسليفان نائب رئيس مستشار الأمن القومي لشؤون العراق وافغانستان، ينوي الاستقالة قريبا. وهو ما سيترك فراغ كبيرا بالنسبة لستفين هادلي مستشار الامن القومي، في الوقت الذي يبحث فيه عن «قيصر حرب» للاشراف على العراق.

وقال هادل عن كروتش «لقد كان لاعبا مهما فيما يتعلق بتطوير وتأييد سياسات الرئيس». ونسب اليه الفضل تخفيف التوتر الداخلي للمدة الاولى، وكروتش هو شخصية محافظة في البيت الابيض الذي اغضب اليمين مؤخرا بإجراء اتصالات مع ايران وكوريا الشمالية. وعندما كان كروتش اكاديميا عام 1995، اراد قصف كوريا الشمالية اذا لم تتخل عن الاسلحة النووية، والآن توصل بوش الى اتفاق مع بيونغيانع يعتبره المحافظون ضعيفا.

وقال جون بولتون السفير السابق في الامم المتحدة «انه ليوم حزين لأنه كان يتمتع بوجهة

نظر واضحة فيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية.

ونفى كروتش انه يشعر بالاحباط من القرارات التي اتخذها بوش بخصوص ايران وكوريا الشمالية. وقال «لدي ثقة كاملة فيه وفي حكمه في هذه الاشياء، المرارة الوحيدة التي اشعر بها.. هو انني لا استطيع البقاء للأبد والعمل مع هذا الرئيس.

وذكر الزملاء ان كروتش خدم كوسيط امين بالرغم من وجهات نظره القوية. وقال وكيل وزارة الدفاع اريك اليلمان «بالرغم من عدم اخفاء وجهات نظره او الادعاء بعدم وجود وجهات نظر، فقد تمكن ان ان يكون عادلا بدرجة لا تصدق وموضوعيا، وادار عملية متوازنة قدمت للجميع الفرصة لإبداء وجهة نظرهم».

وكان كروتش وفق المحلل الامريكي بيتر باكير شخصية محورية في اتخاذ القرارات المصيرية حول القضايا المعقدة في العراق وافغانستان وفيما يرتبط بالملف النووي الايراني.

ويعتبر كروتش الرجل الثاني المحوري في مجلس الامن القومي بعد مستشار الرئيس ستيفن هادلي.

بيت بوش ينهار

يقول الخبير السياسي الامريكي اريك ديفيس (ان بيت بوش ينهار شيئا فشيئا قبل سنتين من

نهاية ولايته الرئاسية الثانية تحت وطأة هجمات اعدائه، فيما يحض اخفاقاته العراقية وخصومه الديموقراطيين).

وطرحت جريدة (الواشنطن بوست) تساؤلات في شأن الدعم الذي يقدمه بوش للمقربين منه وفي مقدمتهم وولفوفيتز وكارل روف ووزير العدل غونزاليس، مشيرة الى ان القضية الاهم في اللحظة الراهنة هي الصدقية.. وتساءلت: هل ينبغي ان نصدق هؤلاء الاوفياء الثلاثة لبوش عندما يقولون لنا ان الامطار تتساقط الى الاسفل ولا تصعد الى الاعلى، أو انه يجدر بنا ان ننظر من النافذة لنتأكد من الامر بأنفسنا؟!

وكانت الادارة البوشية بمحافظيها وصقورها دخلت حرب العراق لاعادة صياغة النظام العالمي تحت هول 11 سبتمبر، مستفيدة من الفراغ الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفييتي ولمواجهة خطر التشدد الاصولي الاسلامي المتنامي في العالمين العربي والاسلامي وبشكل خاص في الشرق الاوسط الذي يمثل نقطة محورية في الاستراتيجية الجديدة الامريكية.

الحرب الاستباقية

في 26 يناير 1998، سلمت مجموعة من السياسيين الامريكيين الكبار مذكرة الى الرئيس السابق بيل كلينتون بعنوان (القرن الامريكي الجديد) من بين موقعييها: دونالد رامسفيلد، اليوت ابرامز، جون بولتون، روبرت كاغان، وليام كريستول، ريتشارد بيرل، وولفوفيتز، زلماي خليل زاده، طالبوا فيها باستخدام العمل العسكري للاطاحة بصدام حسين لعدم جدوى (الدبلوماسية الفاشلة) متعهدين بتقديم كل الدعم والمساندة لمثل هذه الخطوة التي تحققت بعد خمسة اعوام وبدأت (الحرب الاستباقية) ضد مصادر الشر والارهاب العالمي التي تحولت الى رمال متحركة اخذت تبتلع رموزها واحدا بعد الآخر وبدلا من ان تفتح امام واشنطن ابواب المنطقة، اوصدتها وادخلتها مع العراق في المجهول.

أمير الظلام.. الأول

وكان اول الساقطين ـ رئيس مجلس السياسات الدفاعية ريتشارد بيرل الملقب بـ (امير الظلام) والمنظر الايديولوجي للحرب ضد الارهاب، بعد اسبوع واحد فقط من بداية الحرب لتورطه في فضيحة فساد مالية مع شركة اتصالات وفق الاعلان الرسمي والذي نفته اوساط فاعلة في واشنطن، مشيرة الى استخفاف بيرل بتقديرات الجنرالات حول القوة العسكرية الضرورية للحرب واصراره مع رامسفيلد وولفوفيتز على ان 160 الف جندي كافية لتحقيق الانتصار.

وفي يناير 2005 بدأت في البروز مظاهر انهيار وسقوط الشخصية الثانية المحورية في طاقم بوش، دوغلاس فيث الذي كان وكيلا لوزارة الدفاع (البنتاغون) للشؤون السياسية ومسؤولا عن ادارة 1500 موظف، عدا تمثيله وزارة الدفاع لدى الوكالات الفيدرالية فيما يرتبط بصياغة واعداد السياسة الخاصة بالامن القومي الامريكي.. وقرر فيث الاستقالة، وترك منصبه قبل ان ينتهي تحقيق يقوم به مكتب التحريات الفيدرالي (الاف بي اي) حول تورط موظف يعمل في مكتبه للاشتباه بقيامه بالتجسس لصالح اسرائيل.

فيث.. الاستراتيجية

فيث الذي كان مقربا من الليكود الاسرائيلي هو واضع سياسة (الحرب الوقائية) ضد الارهاب الدولي التي كانت احدى نتائجها الحرب لاسقاط طالبان في افغانستان ونظام صدام حسين.

ويشير محللون امريكيون الى ان فيث شارك عام 1996 في وضع رسالة وجهت الى رئيس الحكومة الاسرائيلة آنذاك نتنياهو بعنوان (استراتيجية جديدة لتأمين المملكة) توصي باعتماد استراتيجية جديدة تمثل سورية فيها العدو الرئيسي وتعتبر الاطاحة بنظامها يمر باسقاط صدام حسين.

واتجهت وزارة الدفاع (البنتاغون) في تقرير اصدرته قبل اشهر فيث بتقديم معلومات غير صحيحة لدعم شن الحرب في العراق، وطالب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي كارل ليفن بنشر تلك المقتطفات من هذا التقرير التي تعتبر استنتاجات مكتب فيث عن وجود علاقة بين صدام والقاعدة مناقضة لرأي اجهزة الاستخبارات!

الصقر الثالث

وكان ترتيب نائب وير الدفاع السابق بول وولفوفيتز الثالث في لائحة (الصقور) الساقطة في طاقم بوش بعد ان ظل طيلة 30 عاما، لاعبا اساسيا في رسم السياسة الامريكية الخارجية، اذ عمل فيها مع 6 رؤساء، وهو الذي وضع عام 1991 ما عرف باسم (الخطة التوجيهية لسياسات الدفاع التي اوصت بالوجود العسكري الدائم في العالم لردع المنافسين الطامحين لدور اقليمي مثل المانيا واليابان والاتحاد الاوروبي).

ولم تكد تهدأ تداعيات غياب وولفوفيتز، حتى بدأت بالظهور في نوفمبر 2006 علامات هزيمة وزير الدفاع رامسفيلد، الصقر القديم في الحزب الجمهوري واحد اهم ركائز ادارة بوش متأثرا بجراح اخفاقات الحرب في العراق التي ظل يصر على انها تسير في طريق الانتصار، مديرا ظهره لمئات الجثث المتساقطة للجنود الامريكيين والمدنيين العراقيين.

ولعل النكسة الاكبر التي ألمت بالرئيس بوش، كان خروج جون بولتون، المندوب الامريكي في الامم المتحدة والذي كان هو الآخر احد صقور الادارة الداعمين والداعين الى استعمال القوة الضاربة ضد الاعداء المفترضين والحقيقيين، وكان رحيله خسارة جسيمة للمحافظين الجدد في الميدان الدبلوماسي، لما كان يلعبه من دور فعال في اعداد وصياغة القرارات ضد ايران وسورية وكوريا الشمالية.

فوكو ياما أيضا

وبالتأكيد ان انسحاب (الايديولوجي) المفضل لدى الجمهوريين فرنسيس فوكو ياما من دائرة داعمي ومؤيدي حرب العراق، شكل ضربة اخرى اضافية للرئيس بوش وحزبه وادارته بعد قيامه بنشر كتابه الجديد (امريكا علي مفترق الطرق) الذ يتراجع فيه عن كل افكاره وطروحاته السابقة في كتابة الصادر عام 1992 بعنوان (نهاية التاريخ)، ويؤكد العديد من المراقبين ان فوكوياما وضع بكتاب الجديد، المحافظين الجدد (تحت مرمى النيران الصديقة!).

يقول اريك ديفيس: ان هؤلاء الرجال يدفعون الثمن لانهم فكروا فقط بسبل دعم بوش ولم يفكروا كفاية فيما كان عادلاً!).

وكانت المفاجأة الجديدة التي هزت الاوساط السياسية الامريكية وفي العالمية، خروج المدير السابق لوكالة الاستخبارات الامريكية (السي اي ايه) جورج تينيت ليدق مسماراً جديداً في نعش رصيد الادارة البوشية بكتابه الجديد (في قلب العاصفة) الذي يكشف فيه عن علاقة ماسماه الحب الاعظمى الذي جمع بين الصقور في البيت الابيض والسياسي العراقي زعيم المؤتمر الوطني احمد الجلبي.

مسمار تينت

تينت اتهم بكتابه نائب الرئيس تشيني بتغيب الاستخبارات عن قرار الحرب التي خطط لها فور توليه منصبه في اواخر 2000، واصفاً المعلومات التي اوردها لتبريرها بـ ( القمامة)؟!

ويدخل تينت بكتابه المكون من 594 صفحة في نادي مهاجمي ادارة بوش عازماً ميلوديا تنعش الديموقراطيين الساعين الى كرسي الرئاسة.

ويشك تينت بان تكون أسلحة الدمار الشامل السبب الحقيقي وراء الحرب معتبراً ان ايديولوجيا المحافظين الجدد واصرارهم على اطاحة النظام العراقي لكي يكون نقطة انطلاق لتغيير انظمة المنطقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 9 آيار/2007 -20/ربيع الثاني/1428