تعد الانتخابات واحدة من ابرز الممارسات الديمقراطية، التي تعتز
بها الامم المتقدمة، وهي ــ الامم المتقدمة ــ في مسعى دائم للعمل على
كل ما من شانه ادامة هذه الممارسة والحفاظ عليها وتطوير اليات تنفيذها
وبما يضمن نزاهتها وحرية ادلاء الناخب بصوته الانتخابي دون اية ضغوط
ترغيبية كانت ام ترهيبية.
وتكتسب الانتخابات اهميتها من كونها تقدم حلولا عقلانية للمسائل
الهامة التي يواجهها أي نظام سياسي، اذ تحدد سلمياً من هم الذين
سيحكمون، كما تضفي المشروعية على القرارات التي يتخذونها.
هذه الأهداف تصبح أسهل تحقيقا عندما تشجع صفات النظام الانتخابي
على شيوع الاعتقاد لدى الناس بحرية ونزاهة الانتخابات(1). بهذا المعنى
فالانتخابات تمثل خيارا سلميا يجنب الأطراف الدخول في مصادمات عنيفة
كونها تمنح المشروعية للأفراد القابضين على السلطة – الذين وصلوا للحكم
عن طريق الانتخابات- للتعبير عن إرادة الدولة وتسيير أمور مواطنيها
داخليا وخارجيا.
ومثلت الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني 2005، وكذلك
انتخابات كانون الأول 2005، محطة مهمة في تاريخ العراق الجديد وتأسيس
لمرحلة جديدة سبيلا لتحقيق التحول الديمقراطي المرغوب عراقيا ونجاح
العملية السياسية في العراق.
تعتبر نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية كانون الأول 2005،
نسبة جيدة جدا قياسا لنسبة المشاركة في الدول المتقدمة الراسخة ممارسة
الديمقراطية فيها، اما إذا ما قورنت بدول عربية مثل مصرـ التي شكلت
نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة فيها(23%) من إجمالي
عدد الناخبين المسجلين في سجلات الناخبين ـ تعتبر عالية جدا، مع الآخذ
بنظر الاعتبار ان هناك أسباب عديدة حالت دون تسجيل عدد من الناخبين في
سجل الناخبين مما يعني عند حساب هؤلاء فان نسبة المشاركين بشكل فعلي
ستنخفض الى اقل من (23%)(2). كذلك الحال بالنسبة للاستفتاء على
الدستور، فنسبة المشاركين تعتبر عالية جدا اذا ما قورنت باي نسبة
استفتاء مماثلة على المستوى الدولي. ام في حال مقانتها مع نسبة
المشاركة في استفتاءات عربية مماثلة، فانها متميزة وبفارق كبير عن
مثيلاتها في التجارب العربية. فاذا قانا نسبة المشاركة في الاستفتاء
على التعديلات الدستورية في مصر الذي جرى بتاريخ 26/3/2007، حيث ان
المصادر الرسمية للحكومة المصرية تشير الى ان نسبة المشاركة (30%) في
احسن احوالها.
وبالمقارنة هذه نجد انها تجربة وممارسة متميزة بكل المقاييس لاسيما
في ظل ظروف استثنائية جرت فيها الانتخابات العراقية والاستفتاء على
الدستور، فالأوضاع الامنية سيئة للغاية وانشغال المواطن العراقي بتامين
حياته وحياة اسرته وتوفير مستلزمات الحياة الضرورية.
ولنتذكر ان هذا النجاح حصل في ظروف تعتبر معوقات أساسية لأية
انتخابات وفي أية دولة أخرى غير العراق، وربما يتعذر إجراء انتخابات في
هكذا ظروف.
وتتمثل هذه المعوقات بـ:
1- التهديد المباشر لحياة المواطنين من خلال التهديد باستهداف حياة
كل من يشارك بالانتخابات، بالإضافة الى إمكانية حصول انفجارات في
المراكز الانتخابية سواء كان عند طريق استهدافها بقذائف الهاون او عن
طريق تفخيخ إرهابيين وتفجير أنفسهم في حشود الناخبين.
2- بسبب حظر سير المركبات في يوم الانتخابات ويومين قبلها، اضطر
الناخبون السير على الأقدام للوصول الى المراكز الانتخابية، ومنهم من
يسكن في منطقة غير منطقة مسقط رأسه مما تعذر عليهم الوصول إليها سيرا
على الأقدام وبالتالي لم يستطيعوا المشاركة في الانتخابات.
وهنا يمكن ان نتصور ما يمكن ان تكون عليه نسبة المشاركة بالانتخابات
في حال كانت الظروف طبيعية من استقرار امني وسهولة الوصول إلى المراكز
الانتخابية.
إلا إنه يسجل على هذه الانتخابات بعض الملاحظات التي يكون من المفيد
تجاوزها في اية انتخابات تجري مستقبلا، دون ان تنتقص هذه الملاحظات من
هذا الإنجاز الكبير والمتميز، وهذه الملاحظات هي:
1- حصول عمليات تلاعب – محدودة جدا- في بعض مراكز الانتخابات مما
أدى الى تغيير طفيف في نتائج الانتخابات، والذي تمت معالجته، فيما بعد،
من قبل لجنة دولية دققت نتائج الانتخابات وعدلت في بعض نتائجها.
2- جميع القوائم المشتركة في الانتخابات قد اعترضت على نتائج
الانتخابات بما فيها القائمة التي فازت بأعلى نسبة من مقاعد مجلس
النواب وهي قائمة الائتلاف العراقي الموحد، وهذا يعني ان التلاعب الذي
حصل قد نال الجميع. وهذا يدل على انه حصل نتيجة اجتهاد – خاطئ- من قبل
موظف هنا او هناك في مركز انتخابي ليرجح كفة قائمة مرغوبة لديه.
إلا إن هذه الاخطاء البسيطة نسبة الى الإنجاز الكبير قد بالغ بعض
السياسيين من القوائم المشتركة بالانتخابات والذين حصلوا على نسبة من
مقاعد مجلس النواب، في إعطائها حجم اكبر مما يستحق واكبر مما تشير اليه
الوقائع على الأرض.
وكلما كانت الانتخابات حرة ونزيهة وقد ضمن حق المواطنيين في الإدلاء
بأصواتهم بحرية تامة ودون اية ضغوط، وهو ضروري لضمان رضى المحكومين،
كلما كانت القناعة اكثر رسوخا لدى المحكومين بشرعية الحاكم، وبالتالي
مشروعية قراراته (3). هذه القرارات التي يجب ان تعمل لتحقيق عدد من
الاهداف لضمان استمرار المشروعية للنظام السياسي بشكل عام وصانع القرار
بشكل خاص، وهي (4):
1- تحقيق الامن الوطني.
2- تحقيق قدر مقبول من التنمية وبما يمكن معه تحقيق مستوى من
الرفاه للشعب.
3- تحقيق التوازن في العلاقات الاجتماعية بين مكونات الشعب.
ولضمان حرية ونزاهة الانتخابات ولكي توصف بانها ديمقراطية، فان ثمة
معايير يجب تتوفر فيها، وهي:
1- ضمان حق كل مواطن مؤهل – حسب القانون- من الاشتراك بالانتخابات،
وتمكين كل مواطن من الإدلاء بصوته.
2- ضمان عدم تعرض المواطن لاي ضغط من شانه التأثير على خياراته
الانتخابية
3- ان تتم عملية فرز الاصوات بنزاهة وبما يضمن عدم حصول خروقات.
ان المسؤولية التي تقع على عاتق الأحزاب والقوى السياسية يتطلب منهم
ان يعترفوا بنتائج هذه الانتخابات والعمل بموجبها والالتزام بما أفرزته
من نتائج بدل من التشكيك بها ودعوة الشعب العراقي لعدم الاعتراف بها
وتشويه هذه الممارسة المتميزة. والعمل على وضع آليات كفيلة لعدم حصول
خروقات مجددا. ذلك ان ما حصل في الانتخابات العراقية حصل ويحصل في أية
دولة، غير ان الأحزاب والقوى السياسية والشعب يلتزمون بها " وبما ان
عملية التصويت تتعرض دائماً، وعلى نطاق واسع، لأخطاء، وربما لتزوير،
ينبغي بذل ما يمكن من الجهود لتحاشي حصول ذلك قدر الامكان، وهكذا اذا
حصلت مشكلة في هذا المجال وكانت النتائج متقاربة جدا... يدرك الناس انه
رغم هذه الصعوبات يمكن للنتائج ان تظل مقبولة وملزمة لهم(5).
*مركز الدراسات الفلسطينية
جامعة بغداد
............................................
الهوامش:
1- دي غراير ستيفنسون جونيوز،مبادىء الانتخابات
الديمقراطية،سلسلة اوراق ديمقراطية،مكتب برامج الاعلام الخارجي
بوزارة الخارجية الامريكية، ص 20.
2- حسنين توفيق ابراهيم وحامد عبد الماجد قويسمي،
الانتخابات التشريعية ومستقبل التطور السياسي والديمقراطي في مصر،
بيروت، مجلة المستقبل العربي، العدد 326، 4 / 2006، ص 58.
3- دي غراير ستيفنسون جونيوز، مصدر سبق ذكره، ص 20.
4- ثناء فؤاد عبد الله، ملامح وافاق التحول السياسي
في مصر، بيروت، مجلة المستقبل العربي، العدد 328، 6 / 2006، ص 38.
5- ملفين اي. يورفسكي، المبادىء الاساسية
للديمقراطية، سلسلة اوراق ديمقراطية، مكتب برامج الاعلام الخارجي
بوزارة الخارجية الامريكية، ص 3. |