(مارلو) في الخليج العربي

كاظم فنجان حسين الحمامي

 مارلو.. هو الاسم الرسمي لمكتب الارتباط البحري في الخليج العربي وشرق أفريقيا، واسم المكتب MARLO مشتق من الأحرف الأولى لعبارة (Marine Liaison Officers ).

فمتى تأسس هذا المكتب؟، ومن الذي أسسه؟، وبمن يرتبط ؟، ومن هي الجهات التي يفترض أن ترتبط به ؟، وما هي صيغة الارتباط ؟، وكيف يتم تفعيل هذا الارتباط؟...

كل هذه التساؤلات بحاجة إلى إجابات مفصلة، وسنسلط الضوء عليها هنا بإيجاز، أما فيما يتعلق بتقييم دور هذا المكتب فمتروك للمؤسسات الخليجية ذات العلاقة بالشأن البحري...

تأسس المكتب عام 1987 لتعزيز التعاون بين القوات البحرية الأمريكية من جهة، وخطوط الشحن البحري من جهة أخرى، بهدف حماية سفن الحمولات العامة وناقلات النفط العملاقة الماخرة في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز من أي هجوم محتمل أبان حرب الخليج الأولى. ويرتبط المكتب بقيادة الأسطول البحري الأمريكي الخامس التي تتخذ من المنامة في البحرين مقرا لها، ويمول من قبلها.

 وتوسعت مسؤوليات المكتب فيما بعد لتشمل مهام تنظيم خطوط سير السفن ومتابعتها وتأمين سلامتها ابتداء من شمال الخليج العربي ومرورا بمضيق هرمز وخليج عمان والبحر العربي ومضيق باب المندب وحتى مقتربات القرن الأفريقي، بمعنى أن هذه المسطحات البحرية الواسعة أصبحت برمتها تحت إشراف وسيطرة سفن الأسطول الأمريكي وقيادته المركزية منذ ذلك الحين، وهذا يعني أيضا تكريس التواجد الأمريكي وإعطاءه المبررات لبسط نفوذه وتغلغل سفنه الحربية في هذه المياه الدولية والإقليمية بذريعة حماية مصالح أمريكا وحلفائها.

وترتبط بمكتب مارلو معظم إدارات موانئ مجلس التعاون الخليجي، والشركات البحرية التجارية الأمريكية والأوربية والآسيوية المالكة للناقلات العملاقة وسفن الحاويات التي تجوب المنطقة في رحلات منتظمة ومجدولة.

 وتتلقى هذه الشركات والموانئ الخليجية حاليا نشرات مفصلة يعدها مكتب مارلو وتشتمل على التحذيرات الملاحية الدورية وحالة الطقس السائدة في المنطقة وتفاصيل حوادث التصادم والتلوث والكوارث البحرية الأخرى، وتتضمن أيضا مجموعة من التوجيهات والمعلومات التي تعمم آليا على كل السفن المجهزة بمنظومات الاتصال الحديثة، من ناحيتها تقوم السفن الأجنبية التابعة للشركات الملاحية الكبرى بتبادل المعلومات وإبلاغ إدارة مكتب مارلو بكل شاردة وواردة تقع في المنطقة، بينما يقوم مكتب مارلو بجمعها وتوحيدها وتحليلها وتصنيفها، وبالتالي تكوين صورة واضحة لمجمل التحركات والوقائع البحرية ثم يقوم بتعميمها على شكل نشرات وتقارير مفصلة، وبطبيعة الحال أن جميع هذه التقارير تعرض على قيادة الأسطول الأمريكي الخامس وتحت تصرفها.

من خلال ما تقدم نستنتج أن مكتب مارلو استطاع أن يوسع ارتباطاته بموانئ مجلس التعاون الخليجي وشركات خطوط الشحن العالمية والسفن الأجنبية التجارية المترددة على موانئ حوض الخليج العربي منذ عام 1987، واستطاع أيضا أن يقوم بدور المنسق والمشارك في عمليات البحث والاستطلاع البحري العميق، وان يوفر للأسطول الحربي الأمريكي معلومات وبيانات على درجة كبيرة من الأهمية والحساسية، وان يتولى الإشراف على تنظيم المسالك الملاحية للسفن والناقلات العملاقة وتأمين سلامتها من القرصنة والحوادث الأخرى. بمعنى أن مكتب مارلو أخذ على عاتقه القيام بمعظم مسئوليات وواجبات المنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة، وربما ألغى دورها نهائيا وحل محلها تدريجيا، مستغلا غياب الحس الإقليمي والوطني لتلك المنظمات والإدارات البحرية التي يفترض أن توحد جهودها وتوثق علاقاتها وان تتشاور فيما بينها لكي تنهض بمسئولياتها على الوجه الأكمل.

ومستغلا أيضا تقوقع المنظمات والإدارات الخليجية داخل نطاق عملياتها المحلية المحدودة والضيقة، وعدم ايلائها أي اهتمام لما يجري خارج حدودها الإقليمية. وقد يندهش بعض القراء من حجم وأبعاد العمليات التي يقوم بها مكتب مارلو، وربما يحسبون أن طرحنا فيه شيء من المبالغة، لكننا نلفت انتباه كل من يريد الوقوف على الحقيقة بضرورة الإطلاع على منهاج عمل المكتب المنشور على موقع المكتب في الشبكة الدولية(www.marlobahrain.org).

إننا نرى أن معظم المهام والواجبات التي يضطلع بها مكتب مارلو حاليا يفترض أن تناط بمنظمة إقليمية خليجية تضم جميع دول الخليج العربي (دون استثناء) في كيان بحري مشترك مبني على أسس التعاون والتنسيق الشامل، أليس أهل مكة أدرى بشعابها ؟؟.

وما مشروع المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية في الخليج (ROPME)(1) ومشروع مركز مساعدات الطوارئ البحرية المتبادلة بين دول الخليج العربي ( MEMAC )(2). إلا صور حضارية متقدمة تصب في منفعة جميع الدول المشاركة في هذه الكيانات الإقليمية المستحدثة.

إن توقيع دول مجلس التعاون الخليجي على مذكرة التفاهم المبرمة بينها حول تطبيق نظام تفتيش السفن وتدقيق وثائقها ( Port State Control MoU ) لا يفي بالغرض ولا يرتقي إلى مستوى الطموح، لأن المشاركة في هذه المذكرة مقتصرة على موانئ الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي حصرا، ولا مجال لمشاركة العراق وإيران في عضويتها، ثم أن آلية تطبيق مفردات هذه المذكرة محددة ضمن حدود الموانئ فقط ولا علاقة لها بما يجري خارج المياه الإقليمية،  وان المشاركة مرتكزة على إدارات الموانئ ولا علاقة لها بشركات خطوط الشحن ومكاتب الوكالات البحرية أو أي جهة تقوم بأي نشاط بحري آخر، الأمر الذي يستدعي اخذ الموضوع على محمل الجد واستنفار جميع طاقات وإمكانيات الدول المطلة على حوض الخليج العربي وتوسيع نطاق عمليات السيطرة على تحركات السفن وتنظيم النشاطات الملاحية ورصد المخالفات والانتهاكات والحوادث البحرية، وبسطها على كافة المسطحات المائية الخليجية الممتدة من مدخل مضيق هرمز ولغاية مدخل شط العرب.

 ولن تتحقق هذه الأفكار إلا من خلال خلق كيان بحري خليجي متكامل يتولى القيام بهذه المسئوليات والواجبات التي ستعود بالكثير من المردودات الايجابية على جميع الدول الخليجية.

وبخلاف ذلك، فأن عدم تنفيذ هذه المقترحات سيعطي مكتب مارلو الفرصة لكي يهيمن على المنطقة،  وستخضع تحركات ونشاطات جميع السفن والموانئ والشركات البحرية في الخليج العربي تحت سيطرته وبطريقة غير مباشرة، وختاما نذكر بان مكتب مارلو يمثل الواجهة التجارية والمدنية لقيادة الأسطول الخامس الأمريكي ويخدم أهدافه، ويمثل صورة للنفوذ البحري الحربي الأمريكي في المنطقة. فهل أصبح هذا الأسطول متوليا على المسارات والمسالك الملاحية في حوض الخليج العربي ؟، والى متى ستبقى الجهود البحرية الإقليمية للدول الخليجية مشتتة ومبعثرة ومتنافرة وغير موحدة؟؟. أليس من مصلحة الجهات المهتمة بالشأن البحري أن تنهض بمسئولياتها تجاه امن وسلامة الملاحة في الخليج العربي؟؟؟. أليس من مصلحتنا جميعا أن نطالب بالمحافظة على سيادتنا على مياهنا، ونعمل من اجل إخلاء مياهنا الوطنية والإقليمية والاقتصادية من أي تواجد عسكري أجنبي؟؟؟؟.

-------------------

(1)     – مقرها الرئيسي في الكويت.

(2)     – مقره الرئيسي في البحرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11 حزيران/2007 -23/جمادي الأول/1428