بادىء ذي بدء.. حظيت البيئة بإهتمام واسع النطاق على مختلف الأصعدة
وكافة المجالات بما لم يحظ به أي موضوع آخر، وذلك للأهمية البالغة التي
تناولتها البيئة في مضامينها.
ولأن اهتمام الانسان اليوم بالبيئة ليس بالأمر الجديد بل قديم وقدمه
يتمثل في جانبين غايةً في الأهمية:
أولهما: اهتمام نظري يتركز حول رصد الانسان للموجودات والمظاهر
البيئية من حوله، ثم تطور الأمر إلى تفسيرات وتصورات فلسفية بتأمل
العقل أثناء تنزل الأديان السماوية حتى انتهت الديانات الثلاث التي
شكلت التصور البيئي لدى الإنسان على نطاق واسع. والجانب الثاني: اهتمام
عملي يشمل سعي الإنسان للإرتفاق بالبيئة بما يحفظ حياته في مراحل
عديدة. حتى وصل الذروة في عهد الثورة الصناعية.
ومن منطلق أهمية هذيين الجانبيين اللذين تناولتهما البيئة فقد صار
الباحثون والمهتمون ينظرون إلى البيئة من زوايا متعددة، ولاسيما
الإسلام باعتباره ديناً ملك رؤية شاملة للوجود والانسان والحياة. وعلى
أساس منه تكونت ثقافة نظرية وواقعية من شأنها أن تساهم في بحث قضايا
البيئة وعلاج مشكلاتها. بعد أن أصبحت البيئة اليوم قضية قائمة بذاتها
في التصور الإسلامي، حيث شهد العالم توسعاً تنموياً واقتصادياً هائلاً
برزت فيه حاجة ملحة إلى بلورة سياسات بيئية صالحة. الأمر الذي أتاح
للدين الإسلامي أن يكون أرضية صلبة للمحافظة على البيئة وتنمية
مواردها، وذلك وصولاً بها إلى التنمية المستدامة.
والمتتبع لبيانات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يظفر بتوجيه مفيد
فيما يتعلق بالبيئة الأرضية من أزمات تُفضي بها إلى الخلل، كما عبر
بذلك القرآن الكريم ( الفساد في الأرض) وكما جاء فيه النهي المتكرر عن
ذلك الفساد لما سيؤول إليه أمر البيئة من أزمة شاملة كما هو حاصل
اليوم، ويتضح هذا من خلال قوله تعالى:( ظهر الفساد في البر والبحر بما
كسبت أيدي الناس).
إن مسئولية الانسان تجاه البيئة كما يصورها الإسلام هي مسئولية عهد
الله بها إليه ليكون معمراً لها ومستثمراً لخيراتها وقائماً بالخلافة
فيها، ولذلك جاء توجيه القرآن الكريم من القوة في الطلب والتعدد
والتنوع في المقامات بما يفيد أنه منحى أساسي في السلوك البيئي يجب على
الإنسان انتحاؤه وعدم التقصير فيه، وهو ماجاء في قوله تعالى:( هو الذي
أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها).
وبعد هذا كله،، فإن ما يدعو إليه الفكر الإسلامي اليوم ويبتغيه من
الآباء والأمهات والمعلمين تجاه البيئة هو أن يعملوا جميعاً من أجل
المحافظة على البيئة والرفق بها رفقاً شاملاً يؤدي الغرض في استبقاء
البيئة صالحة للحياة سواء في مواردها المتجددة أو الناضبة. الأمر الذي
يحتم علينا أن نأخذ بعين الإعتبار نظرة مستقبلية من منطلق واجبنا
الديني كمسلمين في حماية البيئة، وفق ما تؤكده الآيات القرآنية ومنها
قوله تعالى: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من
الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا
يحب المفسدين).
فالإسلام يبقى على مر الزمان الإطار المرجعي لهذه الأمة، وهو وحده
الكفيل بالحيلولة دون انسحاقها وتدميرها من أي سوء أو مكروه. |