بعدَ أكثر من عقدٍ من الحصار الخارجي، وبعد عقودٍ طويلةٍ من
الحصارِ الداخلي بكل انواعه، يدخل الشعب العراقي الآن في تجربةٍ تختلف
عن كل تجاربه الماضية التي مرَّ بها وما يهمنا هنا هو الجانب
الاقتصادي بالطبع، فبعد ان عصفت رياح التغيير الاقتصادي بالعراق أصبح
عليه أن يبحث عن سياسات بديلة تناسب الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي
والسياسي والثقافي الذي يعيشه اليوم ، فهناك العديد من التساؤلات
المهمة التي تشغل فكر المثقفين والمهتمين وهناك الكثير من القضايا على
مفترق طرق.
فكثير من الناس ينظرون إلى الأحداث بحسب ظواهرها، وقليل جداً
منهم من يحاول الكشف عن الأسباب والدوافع التي تقف وراءها والتي تحدد
مساراتها،وسنسلط الضوء على واقع آفاق الانفتاح الاقتصادي في العراق .
ان الاقتصاد العراقي متخلف ومتأخر ويتميز ببطء نمو العلاقات
الإنتاجية الرأسمالية وتخلف عملية التراكم الرأسمالي وتراجع عجلة
التنمية وكذلك ضعف البنية التحتية والخدمات العامة وعدم إدخال التقنيات
الحديثة في الاقتصاد وعدم تنوعه (اقتصاد وحيد الجانب) أي الاعتماد على
مورد النفط المالي فقط في ميزانيته وتهميش دور المرأة واهميته في
عملية التنمية.
إن دولة العراق شأنها شأن العديد من الدول التي تفضل نهج
استراتيجية الانفتاح الاقتصادي مع الحفاظ على مبادئها الاجتماعية
والثقافية والدينية والتاريخية المصاحبة لذلك الانفتاح.
لذا عندما نتكلم عن الانفتاح لابد من ان نميز بين نوعين من
الانفتاح الأول هو ذلك الانفتاح الليبرالي والذي له مؤسساته المعروفة
والذي تنشد اغلب الدول لتحقيقه وبين الانفتاح الإسلامي الذي يعد ان
الاقتصاد هو في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمة الاقتصاد، فالفرق
يبرز بين الاتجاهين من مقولة (دعه يعمل ما يشاء دعه يمر من حيث يشاء)
ولا يختلف الانفتاح الإسلامي مع المقولة السابقة ولكن بشرط وهو (لا
ضَرر ولا ضِرار).
وبناء على ما تقدم سيكون الانفتاح الاقتصادي الذي ننشد له في
العراق هو من وجهة نظر الإسلام والذي يعده وسيلة وأداة وليس غاية أو
هدفا بحد ذاته.
اذن لا بد من الاستفادة من الخطط التنموية الغربية في المجالات
التي لاتعارض المبادئ الأساسية،إذ إن الدور الكبير والمؤثر للاقتصاد
والتقدم العلمي والتكنولوجي في استقلال الدول، يحتم علينا الانفتاح
والاستفادة القصوى من إيجابيات الشعوب والحضارات وتلافي السلبيات
والتخلص من اية سلطة اقتصادية او سياسية مفروضة من الخارج تريد استغلال
خيراتنا وحرماننا من الحرية في اتخاذ القرارات،فالتغيير لابد من ان
يتناسب مع الثقافة الإسلامية والعراقية ومن حق المجتمع العراقي ان
يختار السياسات والأسلوب الذي يناسبه.
ان الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعوِّل الحكومة على حلها
عبر تنشيط الاقتصاد وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لتأمين مركزها
في السباق الاقتصادي العالمي مع المراكز الأخرى في المستقبل، هي عرضةً
لمخاطر سياسية و أمنية واستراتيجية و حتى اقتصادية كبيرة، باعتباره بلد
غير مستقر سياسياً وأمنياً واقتصادياً وكذلك ضعف الاجهزة القانونية
والمالية والرقابية وانتشار ظاهرة الفساد بشكل كبير وكذلك عدم امتلاك
القطاع الخاص استراتيجية بعيدة المدى،وأعتقد أن هناك فجوة كبيرة بين
الاقتصاد العالمي والعراقي، وبما إن المال جبان يبحث عن الأمان فلابد
من توفير المناخ المناسب له، وهذا يتطلب تحقيق شيء من الإصلاح وإذا
كان هذا صحيحاً، فينبغي النظر إليه (الإصلاح) بتفهّم، وضرورة التأكيد
على تصحيح الأوضاع بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي و السياسي الحقيقي.
فتدفقات رأس المال الخاص لاسيما الاستثمار الأجنبي المباشر تساعد
البلدان النامية على تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية ولكن تشير
الأدلة التجريبية للدول إن رأس المال المضارب القصير الأجل من المتوقع
ان يسبب تقلبا ماليا ولا يسهم كثيرا في الاقتصاد على المدى الطويل.
وان جذب تدفقات رأس المال الطويل الأجل لجذب الاستثمار الأجنبي
المباشر تستدعي مجموع عناصر الاقتصاد الكلي التقليدية تحرير رأس المال
وتقديم الحوافز وصياغة سياسة اقتصادية مواتية ورفع مستوى استخدام
التكنولوجيا وكفاءة اليد العاملة ..الخ.
ان التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتسريع عملية التنمية
الاقتصادية والاجتماعية يساعد على العمل والإسهام في بناء مجتمع متقدم،
كما ان السعي لتحديث البنية التحية و العمل على رفع المستويات الخدمية
ورفع المستوى المعاشي للفرد العراقي، والتأكيد على دور المجتمع الأساسي
في تسريع عملية التغيير،وتوسيع فرص التمكين الاقتصادية للافراد من خلال
دعم المؤسسات التعليمية وبرامج التدريب المهني لتوسيع فرص العمل للشباب
العاطلين، ودعم تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة،وتمكين القطاع الخاص
اذ ان دوره هام جدا ًفي دعم عملية التنمية ولابد من تنشيطه وربط دوره
بالحكومة والمشاركة في وضع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
وإزالة العقبات إمام الاستثمار من خلال تقديم مساعدات تقنية وتسهيلات
مالية لتحسين مناخ الاستثمار، كل ذلك يساهم في دعم النظام الاقتصادي
السليم، ومحاربة الفساد الاداري والمالي في كافة مرافق الدولة، وحل
مشكلة البطالة والتي وصلت لمستويات مقلقة من خلال زيادة فرص الاستثمار
في العراق.
وإن مجمل آليات العمل حاليا في العراق هي آليات علاجية فقط
وليست آليات وقائية فهي ما زالت بسيطة، كالتعليم والصحة والقضاء على
الفقر والبطالة وغيرها، وربما يكون أحد أسباب ضعف هذه الآلية هو
مبالغتها المفرطة في الارتباط بين الاقتصاد بالسياسة .
ولابد من الإشارة إلى دور التطور الاقتصادي والاجتماعي في تعزيز
الديمقراطية، وان التنمية الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي والسياسي
يشتركان معا في دعم سيادة القانون والحريات التي تساعد على تحقيق
التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهناك علاقة طردية بين التنمية
والديمقراطية.
باعتقادي هناك جدول أعمال عريض من الناحية النظرية فيما يتضمن من
مشاريع يمكن تحقيقها من وجهة نظر خبراء اقتصاديين ورؤية مقترحة عن
عملية التنمية والتطوير الشامل والمستمر مستندة في ذلك إلى مبادئ
اقتصادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية موائمة لمشاريع عصرية تتعلق في
النهوض بالفرد العراقي والمجتمع في ظل نظام سياسي واجتماعي واِقتصادي
عادل وإلا فما أشبه اقتصاد العراق اليوم بالبارحة.
*باحثة اقتصادية في مركز الفرات للتنمية
والدراسات الستراتيجية
http://www.fcdrs.com |