الطبقة المسحوقة في العراق بين الأمس واليوم

 شبكة النبأ: منذ سنين وهم يسيرون على الحبال الحرجة، كما يفعل لاعبو السيرك.

يتنكبون الانتباه, ويحتذون الخطر الذي يترصدهم, فطرقهم وهم ذاهبون إلى أعمالهم, لا يسلكونها مرتين, وليس لهم شان بالرأي القائل: أن أقصر الطرق هو الخط المستقيم.

فعندهم المستقيم قد يؤدي إلى نقطة تفتيش طارئة, تنفيهم لمدة شهرين أو أكثر, إلى أرض نائية تنمو فيها عضلاتهم تحت إيقاع ( يس.. يم . . يس .. يم ) وهذا في أحسن الأحوال, فالحذر والحيطة وإنذار من الدرجة ( ج )، تشبه ملابس غير مرئية, يجب عليهم ارتداؤها في كل حين, ولكن الذي لا يمكنهم الخلاص منه, هو إن بعضهم من ذوي الحظ السيئ, قد يتعرض للاصطياد في قفص داره, على طريقة الامساك بدجاج ( المصلحة ) المسالم, ليغيب في وسط ليلة حالكة, وتندثر أخباره، غير أن السائل عنه: لا يقال له شيء سوى كلمتين خافتتين ( إنهم أخذوه ).. وهذا يعني أنه انقرض او مات!  بلا مراسيم وإنما وفق  الطريقة المختزلة التي شاعت في ذلك الزمان لمفارقة الحياة.

ومما شاع أيضا، إن أهله واقرب الناس إليه, ينفي أنهم أخذوه!, ليدلل أنه على وفاق مع( أنهم) لكن المعني سافر تحت تأثير غموضه الشخصي, ولأسباب غامضة, وقد يعود في زمن غامض, مستصحبا أشياء اشد غموضا ترتسم على جسده بشكل صارخ.

وهؤلاء الناس يقضون جل أيامهم, بشد الحبال ورزم الأغراض, وفتحها, وإقامة الحصران ليتعوذوا بها من الرياح, ثم طيها في الصباح أو المساء, استعدادا لرحيل مرتقب, إذ أنهم يعيشون حياة مؤقتة, رغم تأريخهم الشائخ, وهم على هذه الحال يعيشون حياة الانتظار, بكل أبعادها الفلسفية والميثالوجية, فأينما تقف على خارطة مساكنهم, تسمع هذه النداءات: ( صفية فكي الحبال .. حمدان أفتح الكارتونة .. علاوي املأ الجولة بالنفط .. حياة افرغي الفانوس .. تومان أرزم الحوائج .. كوفي عنان أذهب إلى الوجبة .. دوهان اعمل ساتر من تراب لقضاء الحاجة.. سلمان تابع العقارب..).

هكذا هو حالهم قبل أن يعصف بهم الحادث الجلل !.. ويغير نظام حياتهم المؤقت, الذي توارثوه أبا عن جد, لقد جاءتهم الحضارة بأول غيثها, وأول غيثها الكهرباء وخطوطها اللامعة  أتت إليهم متهالكة بسبب الطريق الطويل الذي قطعته, كانت تتشبث بالأعمدة كامرأة تعاني من الحيض , لكنها رغم الألم والتعب, لم تنس ماضيها كراقصة لعوب , يحب دلعها الرجال , أخذت تمارس الغمز واللمز .. الظهور والاختفاء, ثم كورت يدها اليمنى وضربتها على راحة يدها اليسرى, وهي تقول: أنا الحضارة .. أنا الحضارة .!

وأمام استبشارهم بقنابل الأ خبار عن الآتي, في  السفن الراسية, والقوافل المحملة بتفاح لبنان  وبلح الشام وتوابل الهند, ومصوغات السند . فقد تشاغلوا بأحلامهم عن هذه اللعوب وأضويتها الباهرة .

استطاعوا أن يتخلصوا من جميع اغراضهم وعفشهم, بيعا وتحطيما, كذلك تخلص البعض منها من زوجاتهم, طردا وتطليقا, ليفسحوا المجال لكل جديد, من ثلاجات, ومكيفات , وغسالات, وشقق, وشوارع, وأربعين حاجة, وملابس, وبطاقات أئتمان .. و.. و..

 لم يتركوا ما يذكرهم بزمن العوز، كان هذا الأجراء الذي اتخذوه, خلال 24 ساعة, قد أضحك الشمس ضحكتها  المكتومة, التي غطتها بايزار الأفق الثقيل ..

 في الأيام التي أعقبت يومهم العظيم ذاك, أتلفت الراديوات الصغيرة, المصنوعة في الصين  آذان بعضهم، وقاءت بطارياتها الحوامض الكيماوية، وبدأوا يذهبون إلى وكلاء الوجبة الغذائية، والى المخازن، للسؤال عن الجديد؟!.

 حتى نما الشك في الوعود، ثم عرش متسلقا كل الأوهام, مخترقا عطلتهم طويلة الأمد، وهم يأكلون الخبز المحمص بالدهن منتهي الصلاحية، فيما كانت نسائهم المتبقيات, قد وقفن على أبواب المساعدات الإنسانية التعبانة, وهن يعدن بالماء  في بعض الأحيان, ليوزعنه على المتذوقين(بالأستكان)، كمكيال دولي, لا يخجل منه مفوض اليونيسيف, ويحقق العدالة في عراق جديد.

عندما اختفت الكهرباء, وهجرت خطوطها اللامعة, ثم تحولت بطريقة هندسية رائعة, إلى حبال غسيل متوترة بين الجدران, بثقالات من البلوك, لم يعد أحد يتحدث في اي شئ !. وقد نسوا نداءا تهم العريقة.

 وبدا  ندمهم واضحا، على أثاثهم العتيقة، وزوجاتهم الدميمات، وحصرانهم التي بيعت بسعر التراب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 8 حزيران/2007 -20/جمادي الأول/1428