تمهيد
بحت أصوات الغيورين بدعوة أنظمة الحكم فى بلادنا إلى حسن استثمار
ثرواتنا وبوقف الفساد ومعاقبة أهله، وبتقديم مقترحات فاعلة للنهوض
ببلادنا كعودة طيورنا المهاجرة، وبإعادة النظر فى تفاوت أجور العاملين،
وبجعل رسوم المرور فى قناة السويس –بمصر- بالعملة المحلية لزيادة
الطلب عليها، وبتشجيع إقامة الجسر المقترح بين مصر وبين المملكة
السعودية، وبالتخفف من الإجراءات الروتينية أمام المستثمرين، وبتوجيه
الاستثمار في الصناعات الثقيلة لا الاستهلاكية، وغير ذلك مما هو فى
مظانه...أما وقد لاقت تلك المقترحات الجادة طريقها للإهمال فتلك
مقترحات ساخرة عسى الأنظمة أن تنتبه أو أن ترعوى.
فى معظم بلداننا العربية أجهزة شرطة وأمن داخلي هى من أنجح الأجهزة،
تتشابه فى الأساليب، وتتفق فى التبعية لشخص الحاكم لا الوطن، تطّلع على
أحدث أساليب التعذيب، وتلتهم ميزانيات الدولة على حساب التنمية، ولقد
اعترفت الدول الغربية بتفوق أجهزتنا الأمنية فى انتزاع الاعترافات من
المتهمين ظلما ولا نتجاوز الحق حينما نعلن أننا نقوم بالتعذيب نيابة عن
أمريكا وغيرها...هذا فى حين بات من المعروف فشل إدارة الاقتصاد فى معظم
بلادنا العربية وزادت ديوننا وقلت مصادرنا الإنتاجية، وحققت بلادنا
طفرة وتقدما نحو الفساد فانتقلت به من الفساد إلى الإفساد، وصارت هذه
نغمة منتشرة فى بلدان كثيرة وكأن الإفساد ممنهج وله جدول زمنى تتسابق
الأنظمة لدينا فى التسارع إليه، بل وصل الأمر ببعض البلدان أن صار
قانونها ينظم عمليات النهب المنظم لثروات البلاد...
ويا للأسف فإن هذا القانون لا يصيد الحيتان إنه يصيد الذباب فقط...
من هنا نتقدم ببعض هذه المقترحات لزيادة الدخل القومى لأنظمتنا
الدكتاتورية ونتخذ مصر نموذجا قد ينسحب مثله على بعض بلداننا الأخرى
عساها ترعوى من السخرية.
وزارة الاتصالات
يمكن لوزارة الاتصالات أن تجرى مسابقة للتنفيس عن الجماهير فمثلا
تعلن: عزيزى المواطن اتصل على رقم كذا(...) واختر اسم الوزير أو أحد
هتيفة النظام الحاكم الذى تريد أن تبصق عليه... وإذا اتفقت إجابتك مع
الأغلبية سوف تحصل على جائزة قيمتها عشرة آلاف من الجنيهات علما بأن
سعر الدقيقة جنيه ونصف... وبذا سوف تحصِّل وزارة الاتصالات أكثر من
(75) مليونا من الجنيهات فى المسابقة الواحدة قابلة للزيادة عند اتصال
العاملين بالخارج.
ويمكن إجراء عدة مسابقات أخرى على مثال ذلك، فمثلا يحتمل أن يتضامن
العرب والغربيون إذا كانت المسابقة لإعلان رفضك لتوريث نجل مبارك لحكم
مصر... فقد تحصل الوزارة على مليارات ولا مانع من تزوير أصوات الناس
أيضا!!!
وزارة الصحة
يمكن لوزارة الصحة أن تزيد مواردها من خلال طرح إعلان وهمى بتوفير
علاج لمرضى الكبد (على اعتبار - وفق ما نشر بالصحف- أن فى مصر عشرين
مليونا مرضى بالكبد منهم خمسة ملايين فى انتظار الموت فى فترة من خمس
إلى عشر سنوات) لا يتعدى سعر هذا العلاج الوهمى 25 جنيها مصريا(5 دولار
تقريبا) وبذا سوف تحصل ما قيمته 500 مليون جنيها ... ولا مانع من تكرار
تلك اللعبة السخيفة كل عام...مع بعض الأمراض الأخرى التى تقدر
بالملايين كالسرطانات والفشل الكلوى !!
ديوان رئاسة الجمهورية
يمكن بالاتفاق مع هيئة البريد أن تعلن عن جائزة للإبلاغ عن أى قضية
فساد، وحيث إن لدينا فى مصر قضية فساد كل تسعين ثانية وفقا لتقارير
الرقابة الإدارية فمن المحتمل أن تزداد موارد البريد ومن ثم الدخل
القومى مع ملاحظة الإبقاء على الفساد حتى يزداد الدخل القومى عاما بعد
عام!!
وزارة الداخلية
يمكن لوزارة الداخلية أن تفتح باب الزيارات للمعتقلين مقابل دفع رسم
دخول خمسة جنيهات لكل فرد وحيث إن عدد المعتقلين يقترب من ثلاثين ألفا
بما يحتمل أن يمثل ذلك نفس الرقم لعدد الأسر التى لديها معتقل فضلا عن
معارفهم وأصدقائهم، وحيث إن متوسط عدد الأسرة المصرية خمسة أفراد فمن
المحتمل تحصيل مبلغ 23 مليون جنيه تقريبا عن زيارة الأسرة لمرة
واحدة...قابلة للزيادة حين تكرر الزيارات.
وزارة التربية والتعليم
لو أن وزارة التربية(سابقا) والتعليم تعطى الطلاب أموالا بدلا من
التغذية التى لا نعلم مصدرها لكان ذلك خيرا لها وأقوم، ولو أنها منعت
تلك الأموال وخففت مصاريف الدراسة عن الطلاب لكان خيرا، ولو أنها
امتنعت عن سفه إلغاء السنة السادسة ومن ثم إعادتها لكان خيرا لها، ولو
أنها تبنت مشروع تشغيل طلابها فى الأجازة الصيفية لكان خيرا لها، ولو
أنها أعادت توزيع ميزانيتها على مرتبات المعلمين وأنشطة الطلاب لكان
خيرا لها، وخير من ذلك كله ألا تلهث وراء إفساد التعليم أو إجراء صفقات
مشبوهة بأموال طائلة حيث ستحظى حينئذ بموارد كافية.
على هامش الموضوع
كان المصرى يسخر من أحداث الزمن، ومصائب الدهر، وبطش الحكام بالنكتة
لا سيما السياسية ولعلماء الاجتماع دراسات حول ذلك، فدراسة هذه النكت
تكشف عن تطلعات المجتمع ورغباته و انتقاداته كما تكشف عن نوعية التفاعل
والعلاقات التي تربط المواطنين بذاتهم، كما إنها تمثل إحدى الوسائل
الدفاعية اللاشعورية التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة الضغوطات
الناجمة عن العالم الخارجي، مثلها مثل سائر الوسائل الدفاعية الأخرى
تحاول أن توجد نوعا من التوازن النفسي و إخراج الدوافع و الطاقات
المكبوتة...وغير ذلك مما هو مجاله علم الاجتماع السياسى، أو علم النفس.
لكنى أخشى تبدل البنية النفسية للمصريين/ المقهورين وقد باتوا يرون
قيمهم وتراثهم بله أعراضهم تنتهك أن يكونوا فقدوا البسمة لتحل محلها
الاكتئاب والإحباط فينتحرون يأسا وتشاؤما...وهذا ما لا يرضاه الفاقهون
لقومهم. |