بات من الواضح والجلي لكل مراقب إن فضائية الجزيرة بدأت في الآونة
الأخيرة تمارس دورها المريب في تأجيج الطائفية وإثارة الضغائن
المذهبية في العراق بشكل علني وبالأصالة بعد إن كانت تمارسه بصورة غير
مباشرة ومن خلال أدوات يتم استضافتهم تحت مسمى خبراء أو محللين أو
غيرها من المسميات، وبسبب فشل هذه الأدوات الخائبة في تأجيج حربا
طائفية شعواء أصبحنا نشاهد الجزيرة وهي تزج بطواقمها من مقدمي البرامج
لممارسة الشحن الطائفي واستعداء الشيعة من خلال النيل من رموزهم
وعلمائهم ولغرض واضح ألا وهو جر الشيعة إلى ردود أفعال عاطفية وغير
محسوبة.
إضافة إلى ذلك بدأت الجزيرة في الآونة الأخيرة باستضافة أشخاص
اشتهروا بالفتك بالمدنيين الأبرياء من الشيعة في العراق والتحريض ضدهم
تحت شعار(القضاء على الروافض) من أمثال الإرهابي (عبد الله الجنابي)
صاحب الفتوى الشهيرة بذبح العشرات من سائقي الشاحنات وصيادي الأسماك
الشيعة في غرب العراق، وكذلك من أمثال (إبراهيم الشمري) الناطق باسم
مايسمى بالجيش الإسلامي والذي كانت باكورة جهاده استهداف سيارات
المدنيين الشيعة على الطريق بين بغداد والمحافظات الجنوبية ولم يكن
الاستهداف على الهوية فقط بل حسب لوحة أرقام السيارة !!
فالسيارة التي تقرأ لوحتها (نجف) أو (كربلاء) أو( البصرة) مثلا يتم
تفجيرها بمن فيها بقذائف الار بي جي،وهذه الجرائم معروفة وموثقة.
وبعد أن أصبح هؤلاء المجرمون وأمثالهم يتمتعون بالكرم والضيافة
القطرية اخذوا يطلون علينا من الجزيرة ليحدثونا بالطبع عن الروافض
وعمالتم للمحتل وكيف إن العراق محتل من قبل الصفويين الى غير ذلك من
التفاهات التي لم تعد تنطلي حتى على الأطفال.
مما تقدم يتضح لنا إن سياسة الجزيرة الجديدة هي صب الزيت على النار
التي ساهمت بأشعالها ابتداءً لجعلها متقدة أكثر، لان بقاء هذه الحرائق
المذهبية والتي وقودها أبناء العراق من سنة وشيعة أصبحت هدفا
استراتيجيا لكثير من الدول في المنطقة ومن بينها قطر بطبيعة الحال، اذ
إن استعداء العراقيين بعضهم ضد بعض هو أحسن الطرق لإدخال سنة العراق
تحت الوصاية القطرية والتي ينافسها في هذا المضمار الدور السعودي الذي
يسعى لتطبيق خطة(بندر) الرامية إلى تزعم السنة من خلال تجييشهم ضد
الخطر الشيعي المزعوم،وكذلك يسير بنفس الاتجاه الدور الأردني الذي أطلق
عاهله نظريته المضحكة حول الهلال الشيعي.
كما انه لم يعد سرا إن سياسة إبقاء التوتر وتقوية المد الإرهابي
الوهابي في العراق هو أفضل الطرق لإبقاء القوات الأمريكية في العراق
وبذلك تكون هذه الدول قد ضربت عصفورين بحجر واحد وهما إبعاد خطر
التكفيريين عن عروشها وجعلهم يروون ظمأهم للفتك والدماء من سيل الدم
الجاري في العراق.
وأيضا إن وجود القوات الأمريكية في العراق والخليج هو عامل اتزان
لصالح هذه الدول في مواجهة التمدد والقوة المتنامية لإيران، حيث أصبح
التواجد العسكري الأمريكي مطلبا حيويا لغياب الدولة العربية القادرة
على لعب دور البلد الموازن لإيران حاليا،وشبيه بهذا السيناريو ماتقوم
به حكومة السنيورة في لبنان مع وهابية فتح الإسلام الذين نموا وترعرعوا
تحت أنظارها وألان جاء وقت استخدامهم لاستدرار الدعم من أمريكا وجلبها
إلى لبنان بحجة إن الحكومة مهددة وتحتاج إلى العون والمساندة.
وعودا على بدأ وتطبيقا لسياسة الجزيرة التي ذكرناها سابقا والتي
بطبيعة الحال تخدم إستراتيجية الدولة التي تموّلها وتصرف ملايين
الدولارات عليها فقد قامت الجزيرة بمحاولة مشبوهة ومكشوفة لاستفزاز
الشيعة في العراق من خلال التعدي والاهانة والاستهزاء بقيادتهم الدينية
والروحية وذلك ضمن برنامج (بلا حدود) الذي يقدمه الاخوانجي الطائفي
(احمد منصور).
لقد أثبتت الجزيرة بهذ الخطوة الخائبة ليس فقط أنها لاتتمتع
بالحيادية_وهذا ما لايتناطح عليه ثوران_ بل أنها أيضا تفتقد إلى أدنى
قواعد المهنية،وان شعارها التي صدّعت رؤوسنا به (الرأي والرأي الأخر)
لايطبق إلا مع ضيوفها الاسرائيليين!
فلم يكتف الطائفي احمد منصور في برنامجه بالتدليس وطرح الأكاذيب
وكأنها حقائق مسلمة،بل زاد على ذلك بالتعدي اللفظي وبقلة أدب ممجوجة
ينبغي على أبسط المسلمين الابتعاد عنها فكيف بمن يربون الأذقان
التجارية كصاحبنا الاخوانجي!
والمضحك انه استضاف في تلك الحلقة شخصا تافها هو الأخر ومنبوذ بين
الشيعة ومعروف بعدائه للمرجعية حتى أصبح يتنقل بين أحضان البعثيين
والقوميين والوهابية بحثا عن دور ما، وكأن صاحبنا الاخواني
باستضافته لهذا الصعلوك حاله كحال من يستضيف شخصية إسرائيلية ليدافع عن
سياسة حماس!
ومع الاعتقاد الجازم إن احمد منصور هو أتفه بكثير من أن يقوم بخطوة
كهذه من تلقاء نفسه ولتصاحب مصلحة قطر مع إذكاء نيران الطائفية بالعراق
فقد كان المطلوب واضحا جدا وهو جرّ الشيعة لرد فعل سلبي وعنيف.
ولكن...ومرة أخرى قام الشيعة بتخييب ظنونهم!
فلم نر انتحاريا شيعيا يفجر نفسه في احد مقرات الجزيرة وما
أكثرها،طلبا للشهادة والأجر،ولم نر مجموعة شيعية تخطف احد العاملين مع
الجزيرة وهم كثر في العراق أو تقوم بذبحه أمام الكاميرات مع
هتافات_الله اكبر_ كما فعل أزلام الجزيرة مع أطوار بهجت،وكذلك لم يقم
احد من الشيعة باستئجار مجموعة من البلطجية في القاهرة –حيث تستطيع أن
تؤجر عشرة منهم بألف جنيه- ليعطوا احمد منصور علقة ساخنة كما فعل معه
المصريون يوم ظهر علينا محمر العينين دامي الشفتين!
لم يحدث هذا ولا ذاك ولن يحدث، بل إن ماجعل القوم يتميزون من
الغيظ هو التجاهل المميت الذي قوبلوا به من قبل مكتب السيد السيستاني
وكأن مكتب السيد السيستاني يفعل تماما مثل ما فعله الإمام على
الهادي(ع) مع احد النواصب والذي بادره بالسب والشتيمة فلم يجيبه
الإمام فصاح غاضبا: ياعلي إياك أعني،فأجابه الإمام بكل هدوء : وعنك
أعرض.
ومثله كان موقف المرجعية وهو عدم الرد والذي كان بالحقيقة أعظم رد!
اما موقف جماهير الشيعة فلقد استخدموا حقهم المشروع بالاحتجاج
والتظاهر والتنديد مكتسبين بذلك التقدير والاحترام من العالم
كله،معلنين للطائفيين في الجزيرة وغيرها بان أخلاق أتباع أهل البيت
تبقى مستمدة من أهل بيت الرحمة ولن تحيد عنهم أبدا.
ان موقف المرجعية المتزن والعقلاني أحبط هذه اللعبة القذرة، ومرة
أخرى تكسّرت قرون الجزيرة على صخرة المرجعية وكأن وصف الشاعر ينطبق
عليها حين قال:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأدمى قرنه الوعل
وختاما لابد من التأكيد من أن هذه المحاولة المشبوهة لن تكون
الأخيرة وعلى جميع العراقيين من مختلف الطوائف والأعراق أن
يبقوا(مفتحين باللبن) وحذرين ممن يحاول جعلهم قنطرة ليدوس عليها ووقودا
لنار يريد تأجيجها.
*رئيس تحرير جريدة المهاجر- الولايات المتحدة |