رسائل قصيرة ومختزلة

كاظم فنجان حسين الحمامي

 كانت رسائلنا متشابه ومتماثلة إلى حد كبير من حيث المفردات والعبارات التي تتناولها، فهي تبدأ بـ ((إلى لب الألباب، وثمرة الاطياب، الدر الوافي والذهب الصافي، نسأل عن صحتكم واعتدال أوقاتكم، وطيب خاطركم، ولا يهمنا سوى الم الفراق الذي حال بيننا وبينكم، أما نحن فبخير وعافية ونعمة من الباري كافية...))، وتستمر على هذا النهج الممل حتى نهايتها. واعتدنا على هذه الكليشة المنفلوطية المثيرة للضحك ردحا من الزمن. وكنا على بساطتنا نحسب أنها الصيغة المثالية التي ينبغي التمسك بها.

وانتهت هذه المرحلة بانتشار خطوط الهاتف الثابت (المحورية والضوئية) التي سهلت التواصل بيننا عبر المدن والأرياف، وطوينا سجل الرسائل والمكاتيب.

ثم غزانا الهاتف النقال بعد الغزو الأمريكي مباشرة ليعيدنا إلى عصر الرسائل المكتوبة ولكن بصيغة رقمية غير مألوفة سابقا، فالاختصار والاختزال في التعبير هما الصفة المميزة للرسائل الجديدة، وخير الكلام ما قل ودل، رسائل قصيرة ترسل وتستلم عبر القارات بلمح البصر وبمجرد الضغط على زر صغير في النقال، وانتشرت خدمة الهواتف النقالة بسرعة مذهلة حتى صار النقال من الوسائل الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وتعرفنا على منتجات نوكيا وموتورولا وانتل وسوني اريكسون وسامسونج، لكننا فضلنا أن نطلق على موديلاتها تسميات عراقية مبتكرة كالدمعة والدبدوب والهمر والملك والقناص وغيرها، والعجيب أن تسمياتنا تعمم من حيث لا ندري على دول الخليج، بل أننا أصبحنا الأكثر استهلاكا وتفننا في استخدام النقال في المنطقة.

وأنساق شبابنا وراء الموضة التي تتغير كل شهر لاقتناء هواتف نقالة مجهزة بمزايا جديدة كنظام التعرف على المتصل من خلال نبرة الصوت، وآلة التصوير أو الكاميرا الرقمية المندمجة، ونظام الارتباط بالانترنت. وتفاقم هوس بعض الأشخاص بالنقال على هذا النحو.

أما الرسائل فقد تعدت الخطوط الحمراء بين المراهقين، وكسرت قيود وحواجز الخجل بين الانطوائيين والانعزاليين، حيث يلجأ هؤلاء إلى الرسائل القصيرة كوسيلة سهلة أفضل من المواجهة، فهي ترفع الحرج وتزيل عامل الخوف،  ولجأ المحبون إلى الهاتف النقال لينقلوا نبضات قلوبهم ومشاعرهم وأشجانهم في رسائل رقيقة، وبذلك تنطوي صفحة الرسائل الغرامية التقليدية المعطرة والمزينة بالقلوب، واحتلت المغازلة والمعاكسة مساحة كبيرة من رسائل المحمول، كما صارت رسائل النقال من منغصات الحياة الزوجية، حيث أن 45% من النساء في العالم يقمن سرا بفحص الرسائل المختزنة في هواتف أزواجهن، لمطالعة الرسائل التي قد تثبت خيانتهم؛ كما أن بعض الرجال تهتز ثقتهم في زوجاتهم ويقومون بفحص هواتفهن.

ولم يعد النقال مقتصرا على إرسال وتلقي المكالمات، بل تعدى ذلك إلى استعمالات جانبية، فالمتعارف عليه هو أن النقال يستعمل في الاتصال والتواصل مع أشخاص آخرين في مختلف المناطق، لكن الملاحظ في الآونة الأخيرة أنه أصبحت له استعمالات أخرى بعيدة عن ضمان الاتصال وإجراء المكالمات، بل استغل من طرف بعض الأشخاص في مجالات أخرى مثلهم مثل بعض الأشخاص المدمنين على استعمال الإنترنت، والذين يجلسون ساعات طوال أمام شاشة الحاسوب، إما للدردشة أو لمشاهدة اللقطات الإباحية. وأحيانا يستخدم من قبل الذين لديهم ميول إجرامية بهدف الابتزاز وإطلاق التهديدات أو التقفيص والنصب والاحتيال.

ودأب بعض الخبثاء على استخدامها في التجسس داخل المجتمع وتسجيل أحاديث الناس بقصد الإمعان في النميمة أو بهدف الوشاية (العلاسه) عن طريق الاستعانة بهذه التقنية الحديثة، بمعنى أن النميمة عندنا صارت تنتقل بالطرق المعاصرة، (ويا غافلين الكم الله).

 وصار النقال جهازا مزعجا بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يتلقون مكالمات هاتفية عديدة بسبب طبيعة عملهم، خصوصا في أوقات معينة، حيث يصبح النقال سببا في ظهور مشاكل اجتماعية عديدة، وهكذا يصبح ضروريا بالنسبة لهم العمل على إغلاق هواتفهم بمجرد عودتهم إلى المنزل.

في رأيي من الضروري أن يعتاد جميع الأشخاص الذين لديهم هواتف محمولة على إغلاقها في أوقات معينة، حتى لا يستقبلوا مكالمات هاتفية في ساعات متأخرة من الليل لأن هذا الأمر له سلبيات، ومنها المعاناة مما يسمى بـ (اضطراب النوم)، واكدت الدراسات ان الكثيرين يشعرون بالتوتر وسرعة الغضب ويعانون من ارتفاع ضغط الدم جراء استخدام الهاتف النقال. وأظهرت أن الاضطرابات في السلوك لها علاقة باستخدام الهاتف النقال عند 16 في المائة من أصل 106.

  ومن المهم جدا العمل على إغلاقها عند المشاركة في المؤتمرات والحلقات النقاشية أو عند أداء الصلاة في المساجد، أو عند حضور مجالس العزاء أو عند مراجعة الدوائر الحكومية، أو عند زيارة المستشفيات..

لقد صاغ النمو الفوضوي لعوالم الهواتف النقالة بكل أنواعها جملة من المشاكل العويصة. ولاحظ بعض المشتركين أخطاء كبيرة في فواتيرهم، ناهيك عن مشاكل أخرى تدرج في سياق نقص في التغطية والذبذبات في الترددات وإغراق الشبكة إلى درجة قطع الاتصالات حيث لوحظ أن نسبة عالية من المكالمات تنقطع فجأة أثناء الحديث.

وأكدت الأبحاث العلمية أن الأطفال الذين يستعملون الهواتف النقالة قد يصابون بفقدان الذاكرة واضطرابات في النوم ونوبات من الصداع.

وقد أثار عالم الفيزياء البريطاني جيراد هايلاند في بحث نشرته مجلة "لانست" مخاوف جديدة مما قد ينجم عن الإشعاعات الصادرة من هذه الهواتف، وقال إن الصبية الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، والذين يفرطون في استخدام النقال هم أكثر عرضة لأثر الإشعاعات لأن أنظمة المناعة في أجسامهم أقل قوة من البالغين.

 وكاحتراز احتياطي، ينبه الأطباء دائما إلى الحرص على عدم استخدام الهاتف النقال بكثرة، بمعنى استخدامه لدقائق وليس لساعات، ويفضل استعمال السماعة عند التحدث به حتى لا تؤذي هذه الموجات الكهرومغناطيسية الخلايا الدماغية والتي قد تتأذى مع الوقت وتحدث الكثير من الأمراض المستعصية أو المزمنة.

وبرغم تميز الهواتف النقالة بالحساسية الفائقة لالتقاط صوت المتحدث نرى أن بعض المتحدثين يتعمد الحديث بصوت عال، ويمعن أيضا بتحريك أطرافه يمينا وشمالا وكأنه يتشاجر مع شخص آخر يقف أمامه في تلك اللحظة. لكننا في النهاية نحمد الله تعالى على هذه النعمة رغم مساوئها التي نأمل ان نتجاوزها مع الوقت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 1 حزيران/2007 -13/جمادي الأول/1428